(الصفحة481) (الصفحة482) (الصفحة483) (الصفحة484)
ثم بيّن افتراقهما في الأحكام إلى أن قال :
واستدلّ صاحب الجواهر(1) لمشروعية أذان الاعلام بما ذكره صاحب الحدائق ، من جريان السيرة القطعية به ، وباستفادتها من النصوص المستفيضة ، كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة»(2) . وغيره من الأخبار الواردة في مدح المؤذّنين(3) . أقول : أمّا السيرة فقد عرفت ما فيها ، وأمّا النصوص فلا تنافي كون الأذان فيها لإعلام الناس إلى إقامة الجماعة ، لأنّه حيث يكون الأذان كذلك متوقفاً على الصوت البليغ الذي يسمعه الناس ، كما يدل عليه التعبير عنه في الآيتين بالنداء ، ومن المعلوم أنّ الصوت كذلك يأبى عنه بعض الناس بل أكثرهم ، لمنع صفة التكبّر الموجودة فيهم عنه ترتّبت عليه تلك المثوبات العظيمة والفوائد الخطيرة . وبالجملة : فلا يستفاد من النصوص الواردة في هذا الباب مشروعية الأذان ، لمجرّدالإعلام بدخول الوقت، نعم لابأس بالإتيان به رجاءًكسائرمالم يثبت استحبابه، لوجود القول بالاستحباب بين الفقهاء(4) ، وصدق البلوغ بذلك(5) كما هو واضح . (1) جواهر الكلام : 9 / 4 . (2) التهذيب : 2 / 283 ح1126; الفقيه 1: 185 ح881 ; الوسائل : 5 / 371. أبواب الاذان والاقامة ب2 ح1 . (3) راجع الوسائل 5: 371; ب2 من هذه الأبواب. (4) السرائر 1: 208; كشف اللثام 3: 362; جواهر الكلام 9: 3; الحدائق 7: 395. (5) أي يشمله اخبار من بلغ . راجع الوسائل 1: 80 . أبواب مقدّمة العبادات ب18. (الصفحة485) اعلم أنّ المشهور بين الإمامية في كيفية الأذان ، أنّه عبارة عن التكبير أربع مرات ، والشهادة بالتوحيد مرتين ، والشهادة بالرسالة مرّتين ، والدعاء إلى الصلاة مرتين ، والدعوة إلى الفلاح كذلك ، والدعاء إلى خير العمل كذلك ، والتكبير مرّتين ، والتهليل مرتين ، فيكون مجموع الأذان ثماني عشرة كلمة(1) . ويظهر من بعض أصحابنا القول بكون التكبير في آخره أربع مرّات كالتكبير في أوّله(2) ، وعليه فيكون عشرين كلمة ، وخالف جميع العامة في قول «حيّ على خير العمل» بعد قول «حيّ على الفلاح»(3) على ما تشهد به سيرتهم المستمرة ، ولا ريب في أنّه كان هذا القول من فصول الأذان في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) . غاية الأمر إنّه لا يعلم لِمَ أُسقط ومن أسقطه بعد النبي(صلى الله عليه وآله)؟! قد يقال كما قيل : بأنّه أُسقط في زمان عمر، وكان وجه إسقاطه إيّاه ، توهّمه أنّه لو علم الناس بكون الصلاة خير الأعمال لم يرغبوا في الجهاد وتسامحوا فيه . وبالجملة : فلم يعلم تحقيقاً أنّه في أيّ زمان اُسقط ، ومن كان مسقطاً له ، وما وجه إسقاطه إيّاه؟ وإنّما المعلوم كون ذلك مورداً لاختلاف المسلمين ، ومميّزاً للتشيّع عن التسنّن ، بحيث يرتفع به صوت الشيعة عند القيام على العامة ، كما يظهر من بعض التواريخ ، وعليه فيسقط من فصول الأذان عندهم إثنتا كلمة ، وقال (1) الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 41 مسألة 156; مفتاح الكرامة : 2 / 280; جواهر الكلام : 9 /81; كشف اللثام : 3 / 374; مستند الشيعة : 4 / 478 . (2) الهداية : 131 ، ب42 . (3) راجع الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 42; بداية المجتهد : 1 / 154 ـ 155 . (الصفحة486) الشافعي بكون الأذان تسع عشرة كلمة في غير الفجر ، وفيه إحدى وعشرون بزيادة الترجيع في الجمع ، والتشويب في خصوص الفجر ، والشهادة بالتوحيد مرّة واحدة بدل التهليل مرتين في آخره(1) . والترجيع عبارة عن تكرار الشهادتين مرتين اُخريين ، بأن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّتين ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله مرّتين مع اخفاض صوته ، ثم يرجع ويرفع صوته بذلك. والتشويب عبارة عن قول : الصلاة خير من النوم ، في خلال الأذان أو بعده ، ووافقه أبو حنيفة إلاّ في الترجيع والتشويب ، فيكون الأذان عنده خمس عشرة كلمة . وقال مالك : إنّ التكبير في أوّله مرّتان مع الترجيع ، فيكون سبع عشرة كلمة ، ووافقه أبو يوسف إلاّ في الترجيع ، فيكون عنده ثلاث عشرة كلمة ، وقال أحمد بالتخيير بين الترجيع وعدمه(2) . وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الخلاف مع العامة في خمسة موارد : الأوّل : في الدعاء إلى خير العمل ، بعد الدعاء إلى الفلاح ، وقد عرفت اتفاقهم على نفيه . الثاني : في الترجيع الذي حكم الشافعي ومالك باستحبابه ، وأحمد بالتخيير بينه وبين عدمه . الثالث : في التشويب الذي حكم الشافعي باستحبابه . الرابع : في مقدار التكبير في أوّله ، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنّه مرّتان لا أربع . الخامس : في التهليل في آخره . (1) الجامع لأحكام القرآن6:226; بداية المجتهد1: 154 ـ 155; مغني المحتاج1: 136; الخلاف1: 278مسألة 19. (2) المجموع 3: 93; بداية المجتهد 1: 154 ـ 155; تفسير القرطبي 6: 227; الخلاف 1: 279. (الصفحة487) ويظهر من جميع من ذكرنا قوله أنّ آخره الشهادة بالتوحيد مرّة لا التهليل مرّتين ، ومخالفة مشهور الإمامية وكذا العامة مع بعض أصحابنا(1) إنّما هو في مورد واحد ، وهو مقدار التكبير في آخره ، فظاهره إنّه أربع مرّات كالتكبير في أوّلة ، خلافاً للمشهور بين المسلمين ، حيث ذهبوا إلى أنّه مرّتان لا أربع . هذا ، ويوجد في بعض الكتب الفقهية اختلاف الأمصار الإسلامية ، أعني مكّة المكرّمة ، والمدينة ، والكوفة ، والبصرة ، في الأذان ، فأذان مكّة المكرّمة عبارة عن التكبير أربع مرّات والشهادتين تربيعاً ، بأن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله أربع مرّات متعاقبة ، ثم يعقبه بالشهادة بالرسالة كذلك ، ثم سائر الفصول مثنى مثنى . وأذان المدينة هكذا إلاّ في تربيع الشهادتين ، فإنّ أذانهم إنّما هو مع ترجيع الشهادتين لا تربيعهما ، وقد مرّ تفسير الترجيع . وأذان الكوفة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل وتثنية باقي الأذان فيوافق مذهب الإمامية إلاّ في فصل واحد قد عرفت اتفاقهم على نفيه ، وهو الدعاء إلى خير العمل . وأذان البصرة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل ، وتثليث الشهادتين وحيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح ، يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّة ثمّ يتبعه بالشهادة بالرسالة مرّة ثمّ يدعو إلى الصلاة كذلك ، ثمّ يدعو إلى الفلاح كذلك ، ثمّ يعيد المجموع مرّة ثانية ، ثمّ يعيدهنّ ثالثة(2) . والعجب أنّ كلاًّ منهم استند لمذهبه بالسيرة المستمرة من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) ، وهذا المعنى ممّا يدل على عدم اعتناء أكثر الصحابة بالأحكام الشرعية ، وإلاّ (1) الهداية : 131 ، ب42 . (2) بداية المجتهد 1 : 154 ـ 155. (الصفحة488) فكيف يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الأمر المكرّر في كل يوم وليلة خمس مرّات ، وحينئذ فيرتفع الاستبعاد عمّا ورد من الأئمة(عليهم السلام) ممّا يخالف جميعهم كما هو واضح . ثمّ إنّه يدل على ما ذهب إليه مشهور الإمامية في كيفية الأذان ، بعض الروايات الواردة في هذا الباب(1) ، ولكونها موافقة للشهرة من حيث الفتوى ، بل وكذا من حيث الرواية يجب الأخذ بها دون غيرها ممّا يدل بظاهره على خلاف المشهور ، لما حققناه في الاُصول ، من أنّ أول المرجحات هي الشهرة الفتوائية ، هذا كلّه في الأذان . وأمّا الإقامة فالمشهور بين الإمامية أنّها سبعة عشر فصلا(2) ، على ترتيب فصول الأذان ، وينقص من التكبيرات في أوّله تكبيرتان ، ويزاد فيها بدلهما قد قامت الصلاة مرّتين ، بعد قول حيّ على خير ا لعمل ، وينقص أيضاً من التهليل في آخره مرّة واحدة ، ومن قال من أصحابنا(3): إنّ الأذان عشرون فصلا ، فقد ذهب إلى أنّ الإقامة اثنان وعشرون فصلا ، أثبت فيها جميع فصول الأذان مع زيادة قد قامت الصلاة مرّتين في الموضع المذكور . وعليه فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة عنده إثنين وأربعين فصلا ، كما أنّ مجموع فصولهما عند المشهور خمسة وثلاثون فصلا . ويدل عليه ما رواه في الكافي عن إسماعيل الجعفي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً، (1) الوسائل 5 : 413. أبواب الاذان والاقامة ب19. (2) الخلاف 1: 279 مسألة 20; المعتبر 2: 139; تذكرة الفقهاء 3 : 43; مفتاح الكرامة : 2 / 281; كشف اللثام : 3 / 375; جواهر الكلام : 9 / 82 . (3) الهداية : 131 ، ب42 . (الصفحة489) الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً»(1) وغيرها ممّا يدل على ذلك ، ولا ريب أنّ الترجيح معها لكونها موافقة لفتوى المشهور كما عرفت . ما قيل باعتباره في الأذان والإقامة فيما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في الأذان والإقامة ، وهي أمور : أحدها : ترك التكلّم ، والكلام فيه قد يقع من حيث تكلّم المؤذن في أثناء الأذان أو بعده ، وقد يقع من حيث تكلّم المقيم نفسه في أثناء الإقامة أو بعدها ، وقد يقع من حيث تكلّم المجتمعين في المسجد لإقامة صلاة الجماعة . أمّا من الحيثية الاُولى ، فمقتضى الأخبار الكثيرة جواز تكلّم المؤذِّن في الأثناء أو بعده . منها : رواية عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس به». قلت : في الإقامة؟ قال : «لا»(2) . ومنها : رواية سماعة قال : سألته عن المؤذن أيتكلّم وهو يؤذن؟ قال : «لا بأس حين يفرغ من أذانه»(3) . والمراد بهذا القول يحتمل أن يكون حين الفراغ من جميع فصول الأذان، فيدلّ بمفهومه على ثبوت البأس في مورد السؤال، وهو تكلّم المؤذن في أثناء الأذان ، واللاّزم حينئذ الحمل على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار ، ويحتمل أن يكون المراد حين الفراغ من كل فصل من فصول الأذان ، فيدلّ بمفهومه على جواز (1) الكافي : 3 / 302 ح3; التهذيب : 2 / 59 ح208; الاستبصار : 1 / 305 ح1232; الوسائل : 5 / 413. أبواب الاذان والاقامة ، ب19 ح1. (2) الكافي 3: 304 ح10; التهذيب : 2 / 54 ح182 ; الاستبصار 1 : 300 ح1110 ; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح4. (3) التهذيب 2: 54 ح183; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح6. (الصفحة490) التكلّم في الأثناء . ومنها : رواية محمّد الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ قال : «لا بأس»(1) . ومنها : خبر الوصية الدالّ على كراهة التكلّم بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة(2) ، لكنّه ضعيف من حيث السند . وأمّا من الحيثية الثانية ، فمقتضى بعض الأخبار جواز التكلّم في الإقامة أو مطلقاً ، أي ولو بعدها ، كرواية محمّد الحلبي المتقدمة ، ورواية الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعدما يقيم إن شاء»(3) . ورواية حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم بعدما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم»(4) . ومقتضى بعضها الآخر عدم جواز ذلك ، كرواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة»(5) ورواية عمرو بن أبي نصر المتقدمة ، الدالة على ثبوت البأس فيما لو تكلّم في الإقامة ، ورواية أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك»(6) . هذا ، ومقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الثانية منهما على الكراهة ، مضافاً إلى (1) التهذيب 2: 54 ح186; الإستبصار 1: 301 ح1113; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح8 . (2) أمالي الصدوق: 248 ح3; الفقيه 4: 257 ح822 ; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح2. (3) التهذيب 2: 55 ح188 ; السرائر 3: 601; الإستبصار 1: 301 ح1115; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح10 . (4) التهذيب 2: 54 ح187 ; الإستبصار 1: 301 ح1114; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح9 . (5) التهذيب 2: 55 ح191 ; الإستبصار 1: 301 ح1112; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح3 . (6) الكافي 3 : 305 ح20; التهذيب 2 : 54 ح 185; الوسائل 5 : 396. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح12. (الصفحة491) أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الحكم بالكراهة ، فإنّ المقيم كأنّه قد ورد في الصلاة ليس بخارج منها ، كما أنّه ليس بداخل فيها واقعاً ، فينبغي له ترك التكلّم المانع بوجوده عن صحة الصلاة . وأمّا من الحيثية الثالثة ، فمقتضى أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب حرمة الكلام على أهل المسجد إذا قال المقيم : قد قامت الصلاة ، إلاّ في بعض الموارد : منها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام»(1) . ومنها : رواية سماعة قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام، إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام»(2) . ومنها : رواية ابن أبي عمير قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : «نعم فإذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان»(3) . هذا، ومقتضى رواية عبيد بن زرارة جواز ذلك ، حيث قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)قلت : أيتكلّم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس»(4) . والجمع يقتضي حمل الروايات المتقدمة الظاهرة في الحرمة على الكراهة ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّه قضية مناسبة الحكم والموضوع ، ثمّ إنّه يحتمل أن لا يكون للاستثناء الواقع في أكثر هذه الأخبار خصوصية ، بل كان الملاك رعاية مصالح الجماعة وما (1) الفقيه 1 : 185 ح879 ; الوسائل 5 : 393 . أبواب الأذان والإقامة ب10 ح1. (2) التهذيب 2: 55 ح190 ; الإستبصار 1: 302 ح1117; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح5 . (3) التهذيب 2: 55 ح189 ; الإستبصار 1: 301 ح1116; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح7 . (4) السرائر 3: 601; الوسائل 5: 396. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح13 . (الصفحة492) تتقوم به ، فالكلام لغير تعيين الإمام ، بل لتنبيه الجاهل بأحكام الجماعة مثلا ، أو لتسوية الصفوف خارج عن الحرمة ، كما احتمله العلاّمة(قدس سره)، بل جزم به في المنتهى(1) . ثمّ لا يخفى إنّه تطلق الإقامة كثيراً ما على قول قد قامت الصلاة ، كما يظهر بمراجعة الأخبار ، وحينئذ فلا تعارض بين نفس الروايات المتقدمة الدالة على حرمة الكلام كما هو واضح . ثمّ إنّ اطلاق الأذان على الأعمّ منه ومن الإقامة شائع جدّاً ، كما يظهر لمن تتبع في الأخبار ، وممّا اطلق فيه الأذان على الأعمّ روايتا سماعة وابن أبي عمير المتقدمتان . ثانيها : عدم مغايرة المؤذّن للمقيم ، ومقتضى الأخبار جوازها ، وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب الأذان والإقامة فراجع . ثالثها : البلوغ ، ومقتضى الأخبار أيضاً عدم اعتباره ، كخبر ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم»(2) . وغير ذلك ممّا جمعه صاحب الوسائل في الباب الثاني والثلاثين فراجع . ومقتضى صحة أذان غير البالغ كون عباداته شرعية كما هو الحقّ ، وتدلّ عليه جملة من الأخبار . رابعها : القيام والاستقرار وكونه على الأرض ، والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة، وقدجمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب الأذان والإقامة. منها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً وأينما توجّهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة»(3) . (1) المنتهى 1 : 256 . (2) التهذيب 2 : 280 ح1112; الوسائل 5: 440. أبواب الأذان والإقامة ب32 ح1; وسائر أحاديث الباب. (3) التهذيب 1 : 183 ح866 ; الوسائل 5: 401. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح1. (الصفحة493) ومنها : ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ويؤذّن وهو راكب»(1) . ومقتضاها عدم اعتبار القيام ولا كونه على الأرض ، بل ولا الاستقرار ، كما أنّ مقتضى الرواية الاُولى عدم اعتبار القيام ولا الاستقرار ، بناءً على أن يكون المراد بقوله : «وأينما توجّهت» المشي إلى المحلّ الذي يريده المؤذّن ، لا نفي اعتبار الاستقبال . هذا ، ولا يخفى بعد المعنى الأوّل . ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا أذّنت في الطريق أو في بيتك ثمّ أقمت في المسجد أجزأك»(2) . ومقتضاها نفي اعتبار الاستقرار ، ولكن الرواية لم تصدر لبيان ذلك ، بل المقصود منها عدم اعتبار اتصال الأذان بالإقامة كما لا يخفى . ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم»(3) . ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : «نعم ولا يقيم إلاّ وهو قائم»(4) . ومنها : رواية أحمد بن محمّد، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلاّ وهو قائم» . وقال : «تؤذّن وأنت راكب ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض»(5) . (1) الفقيه 1: 183 ح867; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح2. (2) الفقيه 1: 189 ح901; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح3. (3) التهذيب 2 : 56 ح193 ; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح4. (4) التهذيب 2 : 56 ح194 ; الإستبصار 1: 302 ح1118; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح5. (5) الكافي 3: 305 ح16; التهذيب 2 : 56 ح195 ; الإستبصار 1: 302 ح1119; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح6. (الصفحة494) ومنها : رواية محمّد عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته وعلى غير طهور؟ فقال : «نعم إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس»(1) . ومنها : رواية سماعة، عن أبي بصير قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لا بأس أن تؤذّن راكباً أو ماشياً أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلاّ من علّة أو تكون في أرض ملصّة»(2) . ومنها: رواية يونس الشيباني عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: أُؤذّن وأنا راكب؟ قال : نعم. قلت : فأُقيم وأنا راكب؟ قال : لا. قلت : فأُقيم ورجلي في الركاب؟ قال : لا. قلت : فأُقيم وأنا قاعد؟ قال : لا. قلت : فأُقيم وأنا ماش؟ قال : نعم ماش إلى الصلاة. قال : ثمّ قال : إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة. قال : قلت له : قد سألتك أُقيم وأنا ماش؟ قلت لي: نعم . فيجوز أن أمشي إلى (في خ ل) الصلاة؟ فقال : «نعم، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك وإذا الإمام كبّر للركوع كنت معه في الركعة. لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير معه في الركوع»(3) . ومنها : رواية حمران قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الأذان جالساً؟ قال(عليه السلام) : «لا يؤذّن جالساً إلاّ راكب أو مريض»(4) . ومنها : رواية سليمان بن صالح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة (1) التهذيب 2 : 56 ح196 ; الفقيه 1: 185 ح878 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح7. (2) الفقيه 1: 183 ح868 ; التهذيب 2 : 56 ح192 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح8 . وأرض ملصّة: ذات لصوص (لسان العرب 12: 278). (3) التهذيب 2 : 282 ح1125 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح9. (4) التهذيب 2 : 57 ح199 ; الإستبصار 1: 302 ح1120; الوسائل 5: 404. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح11. (الصفحة495) وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلاّ أن يكون مريضاً وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة»(1) . ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن المسافر يؤذّن على راحلته؟ وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض؟ قال : «نعم لا بأس»(2) . ومنها : رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) قال : «تؤذّن وأنت جالس ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض وأنت قائم»(3) . ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابّة؟ قال : «أمّا الأذان فلا بأس وأمّا الإقامة فلا حتّى ينزل على الأرض»(4) . هذه مجموع الروايات الواردة في هذا الباب ، ومفاد أكثرها التفصيل بين الأذان والإقامة بعدم اعتبار القيام والاستقرار ، والكون على الأرض فيه دونها، وبعض ما يدل على اعتبار القيام في الأذان إلاّ في بعض الموارد محمول على كراهته بدون القيام ، لا كونه شرطاً في صحته . وحينئذ فهل اللاّزم الأخذ بمقتضى هذه الروايات في باب الإقامة والقول باعتبار هذه الاُمور كلّها في صحتها تحققها، أو أنّ ذلك من قبيل تعدّد المطلوب بالنسبة إلى الأدلة الدالة على استحبابها ، وبيان كيفيتها من دون أخذ شيء من ذلك فيها شرطاً أو شطراً ؟ (1) الكافي 3: 306 ح21; التهذيب 2 : 56 ح197 ; الوسائل 5: 404. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح12. (2) قرب الاسناد : 160 ح664; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح13. (3) قرب الاسناد: 289 ح1308; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح14. (4) مسائل عليّ بن جعفر: 174 ح309; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح15. (الصفحة496) توضيح ذلك : إنّ في باب الإقامة طائفتين من الأخبار ، طائفة تدلّ على استحباب الإقامة مطلقاً مع بيان حقيقتها من دون تعرّض لشيء من هذه الاُمور أصلا ، وطائفة اُخرى تدلّ على اعتبار هذه الاُمور فيها كهذه الروايات . ومن المعلوم أنّ حمل المطلق على المقيد مشروط بإحراز وحدة الحكم ، وإلاّ فلا تعارض بينهما أصلا حتّى يلزم تقييد المطلق ، واحراز اتحاد الحكم قد يكون من ناحية وحدة السبب كقوله : إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة ، وقد يكون من الخارج . وبالجملة : فالمناط في الحمل إنّما هو إحراز ثبوت التعارض بين الدليلين، ولا يحرز ذلك إلاّ بعد احراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السبب أو من غيرها ، وفي المقام بل في باب المستحبات كلّها لا دليل على وحدة الحكم ، فيحتمل أن تكون الإقامة في نفسها مستحبة، وكونها في حال القيام أو مع الاستقرار مثلا مستحباً آخر . ولكن لا يخفى أنّ ذلك إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمر المطلق والمقيد أمراً مولوياً لا إرشادياً . توضيح ذلك ، إنّ الأوامر الصادرة من المولى المتعلقة بإتيان شيء في المأمور به أو بإتيان المأمور به على نحو خاص وكيفية خاصة ، يكون المتبادر منها عند العرف هو كونها إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به ، أو اعتبار أن يكون المأمور به على ذلك النحو الخاص ، والكيفية الخاصة بمعنى دخالته في ترتب الأثر المترقب من إتيان المأمور به عليه ، وأنّ الإتيان به فاقداً لذلك الشيء أو بدون تلك الكيفيّة لا يؤثر في حصول الأثر المقصود . فمفادها ليس إلاّ مجرّد الإرشاد إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به على ما هو المتبادر منها كما لا يخفى ، وهكذا النواهي الصادرة من المولى المتعلّقة بإيجاد شيء في المأمور به ، أو بإتيان المأمور به مع ذلك الشيء ، فإنّه لا يتبادر منها إلاّ كونها إرشاداً (الصفحة497) إلى مانعية وجود ذلك الشيء ، وأنّ ترتب الأثر المقصود على المأتي به مشروط بكونه فاقداً له ، لكونه مانعاً عن حصول الأثر المترقّب . وكذلك النواهي المتعلّقة بالمعاملات ، فإنّ الظاهر كونها إرشاداً إلى فسادها ، وعدم ترتب الأثر المقصود عليها ، هذا في باب الواجبات . وأمّا المستحبات فهل الأمر الاستحبابي المتعلّق بإتيان فعل في ضمن مستحب آخر ، أو بإتيان المستحب على نحو خاص ، وكيفية خاصة يتبادر منه عند العرف ذلك ، أي كونه إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المستحب ، بمعنى عدم تحققه بدونه ، أو أنّ ذلك يختصّ بالواجبات والمستحبات ، يكون الأمر الثاني فيها كالأمر الأوّل مولوياً؟ فيه وجهان . وعلى فرض كونه كالأمر الأوّل مولوياً يقع الكلام حينئذ في أنّه هل يجب حمل المطلق على المقيد ، أو أنّ ذلك مشروط بإحراز وحدة الحكم من وحدة السبب أو من الخارج؟ وبالجملة: فالكلام في وجوب الحمل وعدمه إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمرين متماثلين من حيث المولويّة ، وإلاّ فلو كان الأمر الثاني أمراً إرشادياً ، لا مجال لهذا النزاع أصلا . هذا ، والظاهر أنّ المتبادر من الأمر الثاني في المستحبات أيضاً هو الإرشاد إلى اعتبار متعلّقه في تحقّق المأمور به بالأمر الأوّل ، وحينئذ فاللاّزم القول باعتبار القيام ، والاستقرار ، والكون على الأرض ، في صحة الإقامة ، وفاقاً للمفيد وجماعة(1) ، وحيث إنّ الشهرة بين القدماء من الأصحاب رضوان الله عليهم على (1) المقنعة: 98 ـ 99; النهاية : 66; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 30; المهذّب 1: 91; المنتهى 1: 258; الحدائق 7: 340. (الصفحة498) خلاف ذلك(1) ، حيث إنّ المشهور مجرّد استحباب هذه الاُمور ، لا كونها معتبرة في الصحة ، مع أنّ تلك الأخبار المذكورة كانت بمرآى ومسمع منهم ، فيشكل ما ذكرنا . مضافاً إلى ما نعلم ، من أنّ الجوامع الأربعة التي بأيدينا ، لا تكون جامعة لجميع الأخبار المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام) ، بل كان بعض الأخبار موجوداً في الجوامع الأولية ، ولم يكن منقولا في الجوامع الأربعة الثانوية ، والقرائن على ذلك كثيرة ، كاختلاف هذه الجوامع التي بأيدينا ، أفكلّ منها فاقد لبعض ما يوجد في الآخر ، وغير ذلك من القرائن التي لا يناسب ذكرها في هذا المقام . وحينئذ فلا يبعد الأخذ بمقتضى فتوى المشهور لما ذكر ، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يستفاد ذلك من بعض الأخبار المتقدمة ، حيث إنّه قد استثني فيه من حكم الإقامة المشي إلى الصلاة ، ومضافاً إلى التعليل الوارد في أكثرها ، من أنّ المقيم كأنّه في الصلاة ، فإنّه يناسب الحكم باستحباب أن تكون الإقامة مع ما يعتبر في الصلاة من قيام ، واستقرار ، وغيرهما ، لا أن يكون ذلك شرطاً فيها . هذا ، ولكن رعاية الحزم والاحتياط توجب عدم ترك شيء من هذه الاُمور . خامسها : الطهارة من الحدث ، ومقتضى الأخبار الواردة في هذا الباب التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبارها في الثاني دون الأول ، وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب الأذان والإقامة فراجع . والكلام في هذا الأمر عين الكلام في باب القيام . سادسها : الاستقبال ، ومقتضى الأخبار جواز الأذان بل الإقامة إلى غير القبلة ، إذا كان التشهد إلى القبلة ، ويمكن استفادة اعتبار الاستقبال في الإقامة من (1) المقنع: 91; المبسوط 1: 95; المراسم: 68; الوسيلة: 92; الكافي في الفقه: 120 ـ 121; السرائر 1: 211. (الصفحة499) رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، المتقدمة في الأمر الرابع . وكيف كان فلو دلّ الدليل على التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبار الاستقبال في الثاني دون الأوّل ، فالكلام فيه حينئذ نظير الكلام في باب القيام . ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار تلك الاُمور في صحة الإقامة ، أو قلنا باستحبابها فيها ، فهل يستفاد من الأخبار المتقدمة الدالة على الشرطية أو الاستحباب التعميم بالنسبة إلى كل ما يعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً ، فيعتبر أو يستحب جميعها في الإقامة ، مثل قصد القربة أو عدم الالتفات ، بحيث يرى خلفه من زواية عينه ، وغير ذلك من الأمور المعتبرة في الصلاة وجوداً أو عدماً؟ وجهان : من استفاده التعميم من التعليل في أكثر الأخبار المتقدمة; بأنّ المقيم كأنّه في الصلاة; ولذا نهي في بعضها عن الايماء باليد في الاقامة ، ومن عدم الدليل على جواز التعدّي عن تلك الأمور . هنا مسائل المسألة الاُولى : يسقط الأذان خاصّة في موارد : الأوّل : في الجمع بين الظهرين في يوم عرفه ، فإنّه يسقط الأذان بالنسبة إلى صلاة العصر . الثاني : في الجمع بين العشائين بمزدلفة بالنسبة إلى العشاء ، ويدل عليهما (الصفحة500) الأخبار الكثيرة : منها : ما رواه الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر، ثمّ يصلّي ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة»(1) . ومنها : ما رواه أيضاً عن عمر بن اُذينة، عن رهط، منهم: الفضيل وزرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» . وروى الصدوق مرسلا مثله ، إلاّ أنّه قال : «بين الظهر والعصر بعرفة» ثمّ قال : «بين المغرب والعشاء بجمع»(2) . وغير ذلك من الأخبار الكثيرة التي نقلها في الوسائل في بعض أبواب المواقيت(3) وصلاة الجمعة(4) والحج(5) ، فراجع . الثالث : في العصر من يوم الجمعة ، ولم نظفر برواية دالّة على هذا الحكم بخصوصه ، وإنّما أفتى به الأصحاب(6) ، نعم يستكشف منه وجود نصّ على ذلك كان منقولا في الجوامع الأولية ، والاستدلال على ذلك بما ورد في بعض الروايات ، من أنّ أذان الثالث يوم الجمعة بدعة(7) لا يخلو من النظر بل المنع ، لعدم الدليل على كون المراد بأذان الثالث أذان العصر . الرابع : في موارد قضاء الصلوات ، فإنّه يسقط الأذان فيها بالنسبة إلى ما عدا (1) التهذيب 2 : 282 ح1122; الوسائل 5 : 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح1. (2) التهذيب 3: 18 ح66; الفقيه 1: 186 ح885; الوسائل 5: 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح2 و3. (3) الوسائل 4: 218 ـ 225. أبواب المواقيت ب31 و32 و34 . (4) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49. (5) الوسائل 14: 14. أبواب الوقوف بالمشعر ب6 . (6) المبسوط 1: 151; النهاية: 107; السرائر 1: 305; الغنية: 91; جواهر الكلام 9 : 30; مفتاح الكرامة 2 : 260 . (7) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49. (الصفحة501) الصلاة الاُولى ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ثمّ صلِّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة»(1) . وما رواه فيه أيضاً عن موسى بن عيسى قال : كتبت إليه : رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب(عليه السلام) : «يعيدها باقامة»(2) وغيرهما ممّا يدل عليه من الأخبار ، ولا يخفى أنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية في جميع الموارد المتقدمة ليس لخصوصية فيها ، بل السقوط إنّما هو من ناحية الجمع بين الصلاتين ، فلو جمع بينهما في غير تلك الموارد يسقط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً ، كما أنّه ربما يوافقه الاعتبار ، لما عرفت من أنّ حقيقة الأذان إنّما هو النداء إلى إقامة الصلاة ليجتمع الناس في المسجد ، وفي موارد الجمع يكون الناس مجتمعين فيه ، فلا حاجة إلى النداء . نعم لا تسقط الإقامة ، لكونها لتنبيه الحاضرين كما تقدّم . هذا ، مضافاً إلى أنّ رواية الفضيل وزرارة المتقدمة ، لا اختصاص لها بالجمع في يوم عرفة ، أو بمزدلفة ، بل يستفاد منها الاطلاق . لا يقال : إنّ مدلولها حكاية فعل النبي(صلى الله عليه وآله) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له كالقول، فلعلّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهرين في يوم عرفة بأذان وإقامتين ، وبين العشائين بمزدلفة كذلك . لأنّا نقول : لا نسلم عدم الاطلاق فيما لو كان الحاكي هو الامام(عليه السلام)، وكان المقصود من حكايته بيان الحكم ، فإنّه(عليه السلام) لو لم يأخذ في مقام بيان الحكاية قيداً ليستفاد منه الإطلاق . (1) الكافي : 3 / 291 ح1; التهذيب : 3 : 158 ح340 ; الوسائل : 5/ 446. أبواب الاذان والاقامة ب37 ح1 . (2) التهذيب 2: 282 ح1124; الوسائل 5: 446. أبواب الأذان والإقامة ب37 ح2. (الصفحة502) وبالجملة: فالظاهر إطلاق الحكم وسقوط الأذان فيما لو جمع بين الصلاتين أو أزيد بالنسبة إلى غير الاُولى . هذا ما ذهب إليه الخاصة ، وأمّا العامة فحيث إنّ الجمع عندهم يختص بموارد خاصة(1) ، لعدم كون الجمع عندهم مقابلا للتفريق ، بل معناه هو الاتيان بصلاة في وقت صلاة اُخرى ، كالإتيان بصلاة الظهر في وقت صلاة العصر ، إذ أوقات الصلوات متبائنة عندهم ، فينحصر جواز الجمع والاكتفاء بأذان واحد بموارد خاصة . ثمّ إنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى غير الصلاة الاُولى هل هو على نحو العزيمة أو الرخصة؟ وجهان . ولا يخفى إنّه لا يستفاد من الأدلة الواردة في هذا الباب وجوب ترك الأذان أصلا، مضافاً إلى أنّ التعليل الوارد في بعض الروايات ربما يؤيد عدم الوجوب. وتوهّم إنّ الأمر بالترك والاكتفاء بالإقامة يدل على ذلك ، يدفعه إنّ متعلّق الأمر هو الجمع ، ولا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبه حتى في الموارد المتقدمة ، كما يدل عليه كثير من الأخبار ، واستحباب الجمع في الموارد المتقدمة الراجع إلى أفضليّة الاشتغال بالفريضة الثانية ، والمبادرة إليها بدون فصل حتّى بالأذان ، لا ينافي كون الأذان راجحاً بالإضافة إلى تركه المطلق ، وإن كان بالإضافة إلى المبادرة بالفريضة مرجوحاً . فهو نظير العبادات المكروهة التي ينطبق عنوان أرجح على تركها مع بقائها على الراجحية بالنسبة إلى مطلق الترك ، فالمقام من هذا القبيل لا من باب التخصيص ، حتّى يقال بأنّه لا دليل على استحباب الأذان في الموارد المذكورة ، فيلزم التشريع لو أتى به عبادة كما لا يخفى . وبالجملة ، فالظاهر إنّ سقوط الأذان في تلك الموارد إنّما هو على طريق الرخصة لا العزيمة كما عرفت . (1) كالسفر مثلاً. راجع المجموع 4: 370 ـ 371; المغني لابن قدّامة 2: 113; الشرح الكبير 2: 116. (الصفحة503) إذا صلّى الناس جماعة ، ثمّ جاء آخرون قبل تفرق صفوفهم ، فإنّهما يسقطان بالنسبة إليهم ، وهذا في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال(1) ، لدلالة الأخبار الكثيرة الآتية عليه ، وإنّما وقع الكلام والإشكال في بعض خصوصيات المسألة ، فالأولى نقل الأخبار الواردة في هذا المقام حتّى يتّضح بها حقيقة الحال ، فنقول وعلى الله الاتّكال : الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة : منها : ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن سعيد(2)، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال : سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم؟ فقال : «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان»(3) . ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : «إن كان قد دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام»(4) . (1) شرائع الإسلام 1: 74 ـ 75; المعتبر 2: 136 ـ 137; المنتهى 1: 260; تذكرة الفقهاء 3: 62 مسألة 170; مفتاح الكرامة : 2 / 266; مستند الشيعة : 4 / 529; جواهر الكلام : 9 / 41; مدارك الاحكام : 3 / 266 . (2) هذا الرجل ومن بعده مجهولان (منه) . (3) الكافي : 3 / 304 ح12; التهذيب : 2 / 277 ح1100 ; الوسائل : 5/ 429. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح1 . (4) التهذيب 2: 281 ح1120، الوسائل 5: 430. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح2. (الصفحة504) والظاهر إنّ هذه الرواية هي الرواية السابقة ، بمعنى أنّ أبا بصير سأل الإمام(عليه السلام)عن حكم المسألة مرّة واحدة ، وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد ، غاية الأمر إنّه نقلها لعدّة رواة ، والاختلاف إنّما نشأ من اختلاف نقله لهم ، أو نقلهم لغيرهم ، وحينئذ فالواجب الاقتصار على القدر المتيقّن . ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب أيضاً عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليّ، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد(1)، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ(عليهم السلام) قال : دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس فقال لهما عليّ(عليه السلام) : «إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم»(2) . ومنها : ما رواه فيه أيضاً عن محمّد بن أحمد، عن بنان بن محمّد، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليهم السلام) أنّه كان يقول : «إذا دخل الرجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه»(3) . ومنها : ما رواه فيه أيضاً عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق، عن عمّار، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث : في الرجل أدرك الإمام حين سلّم قال : «عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة»(4) . ومنها : ما رواه أيضاً عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد(5)، عن أبي عليّ (1) هو من فقهاء الزيديّة وعظمائهم ، يروي كتاب زيد «المقرّر». (2) التهذيب : 2 / 281 ح1119 وج3: 56 ح191; الوسائل : 5 / 430. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح3. (3) التهذيب : 3 / 56 / 195; الوسائل 5 : 431. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح4. (4) الفقيه 1 : 258 ح1170; التهذيب 3 : 282 ح836; الوسائل 5 : 431. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح5 . (5) لا يخفى أنّ الحسين بن سعيد متأخر عن أبي عليّ بمرتبتين ، ولا يمكن له أن يروي عنه ، والظاهر سقوط الواسطة بينهما وأنها هي محمد بن أبي عمير كما في سند الصدوق «المقرّر» . (الصفحة505) قال : كنّا عند أبي عبدالله(عليه السلام) فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك، فقال أبو عبدالله : «أحسنت إدفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع»، فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام . . .» . ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي عليّ الحرّاني مثله ، إلاّ أنّه قال : «أحسنتم ادفعوه عن ذلك وامنعوه أشدّ المنع»، فقلت له : فإن دخل جماعة؟ فقال : «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو لهم إمام»(1) . ومنها : ما عن الصدوق بإسناده عن معاوية بن شريح(2)، عن أبي عبدالله(عليه السلام)أنّه قال : «إذا جاء الرجل مبادراً والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة ـ إلى أن قال ـ : ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة»(3) . ومنها : ما عن كتاب زيد النرسي(4)، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا أدركت الجماعة (وقد انصرف القوم)(5) ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك وإذا (1) التهذيب 3: 55 ح190; الفقيه 1: 266 ح1215; الوسائل 8 : 415. أبواب صلاة الجماعة ب65 ح2. (2) لايخفى أنّ معاوية بن شريح هو معاوية بن ميسرة ، وليسا متعدّدين ، كما زعم الصدوق ، غاية الأمر أنّه قد ينسب إلى أبيه كما في الثاني ، وقد ينسب إلى جدّه كما في الأوّل «المقرّر» . (3) الفقيه : 1 / 265 ح1214; الوسائل : 8 / 415. أبواب صلاة الجماعة ب65 ح4 . (4) هو من الكتب الظاهرة في القرون الأخيرة، ولم يكن معروفاً بين قدماء أصحابنا ، بل وفي زمان صاحب الوسائل أيضاً ، ولذا لم يرو عنه فيه، «منه» . (5) ليس في المصدر. (الصفحة506) وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان وإن وجدتهم قد تفرّقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذّن وأقم لنفسك»(1) . هذه مجموع الروايات الواردة في المقام ، وقد عرفت أنّ أصل المسألة في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال . وما اعترضه صاحب المدارك بأنّ الروايات الواردة فيها غير خالية عن خلل الحديث من ضعف أو جهالة أو غيرهما ، لكون عمدتها هي روايتا أبي بصير وهو مجهول مشترك بين أربعة(2) ، مدفوع بأنّ من يروي الحديث من تلك الأربعة اثنان وكلاهما ثقة . وبالجملة : فلا ينبغي الإشكال في أصل المسألة، وحينئذ فنقول : إذا دخل الرجل المسجد مثلا مريداً للصلاة ، فدخل على الجماعة التي أذّن وأقيم لها ، ولم يسمعهما لعدم كونه حاضراً حينهما ، بل كان مسبوقاً ، فالظاهر سقوط الأذان والإقامة عنه بحيث لا يكون شيء منهما مشروعاً في حقّه ، لأنّه مدرك للجماعة حقيقة كسائر المأمومين ، ولا يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة لنفسه ، ولم يدل عليه دليل أصلا . وإن دخل وقد سلّم الإمام فمقتضى الأخبار السابقة سقوطهما كما عرفت ، ولا ملازمة بين كون السقوط في الموردين على نحو العزيمة ، بل يمكن القول بأنّ السقوط في المورد الأخير إنّما هو على نحو الرخصة ، لأنّ هذا الشخص لا يكون مدركاً للجماعة حقيقة ، بخلاف المورد الأوّل . ثمّ إنّه اعتبر في العروة(3) اُموراً للسقوط في المورد الأخير . (1) كتاب زيد النرسي: 52; بحار الأنوار : 81 / 171 ح75; مستدرك الوسائل 6: 500 ح1 . (2) مدارك الاحكام : 3 / 267 . (3) العروة الوثقى 1 : 460 مسألة 3 . (الصفحة507) منها : أن يكون في المسجد ، ومقتضى اطلاق الأدلة عدم الاختصاص . ومنها : كون صلاته وصلاة الجماعة كلتيهما أدائية ، ومقتضى الإطلاق أيضاً عدم اعتباره . ومنها : اشتراك الصلاتين في الوقت ، فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي للمغرب لا يسقطان ، وفيه: عدم الدليل على اعتبار هذا المعنى أيضاً . ومنها : أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة ، فلو كانوا تاركين أو مكتفين باستماع من الغير لا يسقطان ، ولا يخفى مخالفته لمقتضى الاطلاق . ومنها : أن تكون صلاتهم صحيحة ، وفيه: إنّا لا نسلّم الاعتبار في صورة جهل المأمومين ببطلان صلاة الإمام ، بل الظاهر أنّ هذا الشخص كأحد منهم . وبالجملة : فقد ذكرنا في حاشية العروة(1) ، إنّ اعتبار هذه الأمور إنّما هو فيمن دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاً عن الجماعة إمّا جماعة وإمّا فرادى ، أو من دخله لادراكها فوجدهم قد فرغوا ولم يتفرق الصفوف ، فالظاهر أنّ سقوطهما عنه بملاك آخر ، ولا يبعد فيه سقوطهما في كل مورد يكون ادراكه لها قبل الفراغ مسقطاً. والملاك للسقوط في المورد الثاني إنّما هو كون هذا الشخص كمدرك للجماعة بعد فرض كون نيته قبل الدخول ذلك ، فأذانه وإقامته إنّما هو أذان الجماعة وإقامتها ، كما أنّ الملاك للسقوط في المورد الأوّل هو احترام الجماعة السابقة ، ولحاظ حقّ الإمام السابق بعدم رفع الصوت بالأذان حتّى تكون الجماعة اللاّحقة من توابع الجماعة السابقة ، فينبغي تركهما فيها ، ولذا ورد في بعض الروايات السابقة أنّ الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم إمام(2) . (1) التعليقة للسيّد البروجردي: 44 . (2) الوسائل : 8 / 415. أبواب صلاة الجماعة ب65 ح2 . (الصفحة508) وكيف كان فالقول مبنيّ على استفادة الموردين من النصوص ، فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة ، وإنّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه إرفاقاً له ورعاية لنيته ، وبعبارة اُخرى مفاده جعل حقّ له لكونه قاصداً لإدراك الجماعة ، فكأنّه مدرك لها . فأذانه وإقامته هو أذان الجماعة وإقامتها . ولا يخفى إنّه في هذه الصورة لا يكون الحكم مختصّاً بالمسجد ، وكذلك لا يناسب كون السقوط على نحو العزيمة . ومن بعضها (النصوص)(1) يستفاد حكم من دخل المسجد لإقامة الصلاة مستقلاً عن الجماعة منفرداً أو جماعة ، وأنّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه رعاية لحقّ الإمام السابق أو الجماعة السابقة ، وبعبارة اُخرى يستفاد منه جعل حقّ على الداخل لا له ، وحينئذ فيمكن القول باختصاص ذلك بالمسجد . ويجيء الكلام في كون السقوط على نحو العزيمة أو الرخصة . ويسقط الأذان والإقامة أيضاً فيما إذا سمع الشخص أذان غيره وإقامته ، فإنّ له أن يكتفي به ولو كان إماماً ، والمؤذّن منفرداً ، فقد روي عن أبي مريم الأنصاري أنّه قال : صلّى بنا أبو جعفر(عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ـ إلى أن قال ـ : فقال: وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(2) . وقد روى عمرو بن خالد عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال : «قوموا»، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال : «يجزئكم أذان جاركم»(3) . (1) الوسائل 8 : 414 ـ 415. أبواب صلاة الجماعة ب65 ح1 و3 . (2) التهذيب : 2 / 280 ح1113 ; والوسائل : 5 / 437. أبواب الاذان والاقامة ب30 ح2. (3) التهذيب 2: 285 ح1141; الوسائل 5: 437. أبواب الأذان والإقامة ب30 ح3. (الصفحة509) يستحبّ للسامع حكاية الأذان كما يقول المؤذّن ، قال الشيخ في الخلاف : إذا سمع المؤذّن يؤذّن يستحبّ للسامع أن يقول مثل ما يقوله ، إلاّ أن يكون في حال الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة ، وبه قال الشافعي ، وقال مالك : إذا كنت في مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذن ، وإذا كنت في نافلة فقل مثل قوله في التكبير والتشهد وبه قال الليث بن سعد ، إلاّ أنّه قال : ويقول في موضع حيّ على الصلاة لا حول ولا قوّة إلاّ بالله . دليلنا على جوازه واستحبابه خارج الصلاة اجماع الفرقة ، واستحباب ذلك في حال الصلاة يحتاج إلى دليل، إلاّ انّه متى قال ذلك في الصلاة لم يحكم ببطلانها ، لأنّ عندنا يجوز الدعاء في حال الصلاة(1) . انتهى . والظاهر إنّ مراده بالدعاء الذكر المستثنى من الكلام المبطل للصلاة ، لا معناه الحقيقي ، لعدم اشتمال فصول الأذان على الدعاء ، وكأنّه من سهو القلم . وقال ابن رشد في كتاب البداية ما حاصله : إنّهم اختلفوا في حكاية الأذان على قولين : قول باستحباب حكاية الأذان كما يقول المؤذّن ، وقول باستحباب حكاية الأذان ، إلاّ أنّه يقول في موضع الحيعلات ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، ومنشأ الاختلاف تعارض الأخبار ، فروى أبو سعيد عن النبي(صلى الله عليه وآله) إنّه قال : «يستحبّ حكاية الأذان في كل ما يقول المؤذّن» . وروى عمر ومعاوية عنه(صلى الله عليه وآله) ما يدل على تبديل الحيعلات بالحوقلة(2) انتهى . (1) المجموع 3: 120; الخلاف 1: 285 مسألة 29. (2) بداية المجتهد 1 : 160. (الصفحة510) أقول : أمّا ما ذكره الشيخ من أنّ استحباب الحكاية إنّما هو في غير حال الصلاة ، وأمّا في حالها فيحتاج إلى دليل ، فهو وإن كان مخالفاً لمقتضى اطلاق الأخبار الدالة على استحباب الحكاية(1) ، إلاّ أنّ الظاهر انصرافها عن حال الصلاة فريضة كانت أو نافلة ، وأمّا تبديل الحعيلات بالحوقلة(2) فيدلّ عليه بعض المراسيل المحكيّ عن الدعائم والآداب والمكارم(3) ، وأمّا النصوص المعتبرة المسندة فليس فيها من التبديل أثر أصلا ، بل ظاهرها حكاية الأذان في كل ما يقول المؤذّن ، فراجع . (1) الوسائل 5: 453. أبواب الأذان والإقامة ب45 . (2) كما في بداية المجتهد 1 : 160 . (3) دعائم الإسلام 1: 145; الآداب الدينيّة: 17; مكارم الأخلاق : 344; مستدرك الوسائل 4 : 58 ـ 60 ح5 و 9 . |