(الصفحة101)
والمتعرّضون بين مصرح بالاستحباب ، كالمحكيّ في المفتاح عن صاحب الفقيه(1) ، وعن الذكرى، وقرّبه فيها لصحة الخبرين(2) ، وعدم انكار الشيخ لشيء منهما في التهذيب(3) ، وأصالة الجواز ، وعموم أنّ الرفع زينة الصلاة ، واستكانة من المصلّي . وعن صاحبي المدارك ومجمع البرهان الميل إليه(4) .
وبين مصرح بعدم الاستحباب ، كالمحقّق في المعتبر حيث قال في محكيه : رفع اليدين بالتكبير مستحبّ في كلّ رفع ووضع إلاّ في الرفع من الركوع، فانّه يقول: سمع الله لمن حمده من غير تكبير ولا رفع يديه، وهو مذهب علمائنا(5) ، وفي المحكي عن منتهى العلاّمة ، أنّه قال : لا يرفع يديه وقت قيامه من الركوع(6) . وعن البحار : المشهور عدم استحبابه(7) . وعن الذكرى : لم أقف على قائل باستحبابه إلاّ ابني بابويه ، وصاحب الفاخر(8) .
هذا ، والمراد بالخبرين اللّذين حكم بصحتهما في محكي الذكرى هو خبر معاوية بن عمّار وابن مسكان المتقدّمين ، ولكن لا يخفى أنّ التمسّك بأصالة الجواز في غير محلّه ، لأنّ الكلام إنما هو في الاستحباب ، لا في الجواز بمعنى الاباحة . وكيف كان فيدلّ على عدم استحباب الرفع صحيحتا زرارة وحمّاد الواردتان في كيفية الصلاة المستجمعة للآداب والمستحبات ، من حيث خلوهما عن هذا الرفع رأساً .
(1) الفقيه 1: 197; الهداية: 163 .
(2) الذكرى 3: 380.
(3) التهذيب 2: 75 ح279 و280 .
(4) مدارك الأحكام 3: 396; مجمع الفائدة والبرهان 2: 259; مفتاح الكرامة 2: 424 ـ 425.
(5) المعتبر 2: 199 .
(6) المنتهى 1 : 269 .
(7) البحار 28: 114 .
(8) الذكرى 3: 380 .
(الصفحة102)
مضافاً إلى أنّ عمل المتشرعة وسيرتهم على خلاف ذلك ، حيث إنّه لم يعهد من أحد منهم هذا الفعل كما لا يخفى ، وحينئذ فيقوى في النظر أن يكون الخبران اللّذان أشار إليهما الشهيد في محكى عبارته المتقدّمة ، صادرين تقية .
وبالجملة: فلا يمكن إثبات الاستحباب بهما ، بعدما عرفت ممّا يدلّ على عدمه ، نعم لا بأس بالعمل به رجاءً ومحلّه على تقدير الاستحباب إنما هو عند رفع الرأس من الركوع قبل قول : سمع الله لمن حمده .
بقيّة مستحبات التكبير
1 ـ إنّك عرفت اختلاف الأخبار ظاهراً في مقدار الرفع وحده(1) ، فمن بعضها يظهر أنّ حدّه الرفع حتّى يكاد يبلغ الاُذن ، ومن بعضها الآخر الرفع أسفل من الوجه قليلا ، ومن أكثرها الرفع حيال الوجه أو حذائه ، ومن رابع الرفع إلى النحر .
والمراد بالرفع حيال الوجه ليس أن يكون أوّل الزند محاذياً لصدر الوجه ، ورؤوس الأصابع محاذية لأسفله ، بل المراد هي المحاذاة العرفية التي تتحقّق ولو بكون اليد أسفل من الوجه وحينئذ فيمكن الجمع بين الروايات المختلفة ظاهراً ، ولعلّ التعبير بمحاذاة شحمتي الاذن ـ كما وقع في كلام الأصحاب(2)ـ انّما هو باعتبار تحقق الجمع بينها بذلك .
2 ـ إنّه يستحب أن تكون الأصابع مضمومة في حال الرفع ، وقال الشافعي : يستحب أن يفرجها(3) ، وربما يستدلّ لاستحباب الضم بصحيحة حمّاد(4) الواردة
(1) راجع الوسائل 6 : 26 . أبواب تكبيرة الإحرام ب9 .
(2) المبسوط 1: 103; النهاية: 69; المقنعة: 103; الوسيلة: 94; المهذّب 1: 92.
(3) المجموع 3: 307; المغني لابن قدامة 1: 47; الخلاف 1: 321 مسألة 73.
(4) الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب1 ح1.
(الصفحة103)
في كيفية الصلاة الجامعة للآداب والمستحبات ، الدالة على أنّه(عليه السلام) قد ضم أصابعه قبل الشروع فيها ، بضميمة أنّ مقتضى الاستحباب بقاؤه بهذه الكيفية في حالة الرفع عند التكبير ، ولكن لا يخفى أنّ جريان الاستصحاب مبنيّ على أن يكون المستصحب ذا أثر شرعيّ في الزمان اللاحق ، مع أنّه مورد للنزاع كما هو واضح .
3 ـ نسب إلى علمائنا كما في محكيّ المعتبر والمنتهى ، أنّ ابتداء التكبير عند ابتداء الرفع ، وانتهائه عند انتهائه(1) ، نظراً إلى أنّ ذلك هو معنى الرفع عند التكبير .
4 ـ مقتضى بعض الأخبار(2) الدالة على استحباب الرفع عند التكبير استحباب استقبال القبلة ببطن الكفّين ، ولا معارض له .
5 ـ أنّ العبارة الواردة في كيفية التكبير إنما هي قول: الله أكبر ، وقال الشافعي : ويجوز أن يقول : الله الأكبر(3) . وقال أبو حنيفة : تنعقد بكلّ إسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم ، مثل قول : الله العظيم ، الله الجليل ، وما أشبههما(4) ، والدليل على ما ذكرنا مضافاً إلى تغيّر المعنى بذلك كما هو واضح ، أنّ الصلاة عبادة خاصّة لا يجوز التخطي عمّا ورد من الشارع في كيفيتها .
6 ـ مقتضى الأخبار الكثيرة بطلان الصلاة عند نسيان التكبير(5) ، وبعض ما يدلّ على خلافه(6) ، مضافاً إلى احتمال صدوره تقية ، متناقض من حيث المدلول ، وعلى تقدير عدمه فلا يقاوم تلك الأخبار الكثيرة ، وأمّا زيادته فبطلان الصلاة
(1) المعتبر 2: 200; المنتهى 1: 269.
(2) التهذيب 2 : 66 ح240; الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الاحرام ، ب9 ح6 .
(3) المغني 1: 540; المجموع 3: 292; المنتهى 1: 268.
(4) بداية المجتهد 1: 178; المغني لابن قدامة 1: 460.
(5) اُنظر الوسائل 6 : 12 . أبواب تكبيرة الاحرام ب2 .
(6) الوسائل 6: 15. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح9 و10 .
(الصفحة104)
بسببها مورد للإتّفاق(1) ، مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى قوله(عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) والله أعلم .
(1) المبسوط 1: 105; شرائع الاسلام 1: 69; مفتاح الكرامة 2 : 343; تذكرة الفقهاء 3 : 118 ; الذكرى 3: 258; مدارك الأحكام 3: 322; كشف اللثام 3: 422; جواهر الكلام 9: 220; جامع المقاصد 2: 239.
(2) الكافي 3: 355 ح5; التهذيب : 2 / 194 ح764; الاستبصار : 1 / 376 ح1429; الوسائل : 8 / 231. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح2 .
(الصفحة105)
الرابع من أفعال الصلاة : القراءة
لا إشكال عندنا في وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الركعتين الاُوليين من الصلاة ، سواء كانت ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية(1) ، وفي عدم وجوبها تعييناً في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة ، والركعة الأخيرة من الثلاثية(2) ، والكلام في باب القراءة إنما هو في مقامين :
أحدهما : فيما يقوم مقام القراءة في غير الاُوليين من الثلاثية والرباعية ، وإنّه هل هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح؟ وفي كيفيته وبيان مقداره .
ثانيهما : في وجوب انضمام السورة إلى القراءة في الركعتين الاُوليين واستحبابه .
(1) المقنعة: 137; المبسوط 1: 99; النهاية: 75; الخلاف 1: 327; الإنتصار: 142; المسائل الناصريات: 216; المقنع: 93; الوسيلة: 93; المهذّب1: 92; الكافي في الفقه: 117; المعتبر2: 164; تذكرة الفقهاء3: 128; مستندالشيعة 5: 68.
(2) الخلاف 1: 341 مسألة 93; النهاية: 76; الإنتصار: 142; مختلف الشيعة 2: 146; المهذّب 1: 97; المراسم: 69; الكافي في الفقه: 117; السرائر 1: 222; تذكرة الفقهاء 3: 128 مسألة 218.
(الصفحة106)
المقام الأوّل : الذكر في الأخيرتين
أمّا الكلام في المقام الأول فملخّصه: إنه لم يظهر من أحد من القائلين بوجوب قراءة شيء في الأخيرتين من العامة من التسبيح ذكر ولا أثر ، نعم ذكر أبو حنيفة إنّه لا يجب شيء في الأخيرتين(1) ، بل الظاهر أنّ التسبيح إنما هو مذكور في كلمات الإمامية فقط .
وحينئذ فهل الواجب في الأخيرتين تخييراً هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح منه؟ وعلى الثاني هل يكفي مطلق التسبيح المتحقق بقول سبحان الله ولو مرّة ، أو يلزم التسبيح بكيفية خاصّة ونحو مخصوص؟ وعلى الثاني هل يكفي الإتيان به مرّة أو يجب ثلاث مرّات؟
وجوه واحتمالات منشؤها اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب، وقد جمعها في الوسائل في الباب 42 و 51 من أبواب القراءة(2) ويرتقي المجموع إلى واحد وعشرين ، أربعة منها متعرّضة لأصل ثبوت القراءة في الأخيرتين وعدمه ، من دون تعرّض للذكر أو التسبيح ، وهي رواية جميل بن دراج ب42 ح4 ، ومنصور بن حازم ب51 ح11، ومعاوية بن عمّار ب51 ح8 ، وزرارة ب51 ح6 .
وواحد منها يدلّ على التخيير بين القراءة ومطلق الذكر وهي رواية علي بن حنظلة عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب42 ح3 قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء قال : قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ قال : هما والله سواء، إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» وذكر التسبيح في الذيل يحتمل أن يكون من باب أنّه مصداق للذكر ، ويحتمل أن
(1) المغني لابن قدامة 1: 561; الشرح الكبير 1: 560; المجموع 3: 386; التفسير الكبير 1: 189; الخلاف 1: 377 مسألة 88 ; تذكرة الفقهاء 3: 144 مسألة 229.
(2) الوسائل 6: 107 ب42 و: 122 ب51 .
(الصفحة107)
يصير قرينة على أنّ المراد بالذكر المذكور في الصدر هو التسبيح .
وسبعة منها تدلّ على أصل التسبيح ، من دون تعرّض لكيفيته ، وهي رواية معاوية بن عمّار ب42 ح2 ومحمّد بن حكيم ب51 ح10 ومحمّد بن قيس ب51 ح9 وابن سنان ب51 ح12 ومرسلة الفقيه عن الرضا(عليه السلام) ب51 ح4 وما أرسله المحقّق في المعتبر عن عليّ(عليه السلام) ب51 ح5 وما رواه في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان(عليه السلام)ب51 ح14 .
وأربعة منها تشتمل على بيان التسبيح بنحو الاجمال، وهي رواية عبيد بن زرارة ب42 ح1 قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» .
وظاهرها إنّ قراءة الفاتحة في الأخيرتين إنما هي لاشتمالها على التحميد والدعاء ، لا لمجرّد الحكاية وقراءة القرآن ، كما في الاُوليين ، فالرواية تدلّ على أنّ الواجب في الأخيرتين هو مطلق التحميد والدعاء ، غاية الأمر أنّ الفاتحة أيضاً مصداق لهما .
ورواية عمر بن اُذينة عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ب42 ح6 قال : «عشر ركعات ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهن الوهم ـ إلى أن قال ـ : وهي الصلاة التي فرضها الله وفوّض إلى محمّد(صلى الله عليه وآله) ، فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء، فالوهم إنما هو فيهنّ . . .» .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب42 ح7 قال : «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» .
(الصفحة108)
ورواية عبيد الله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب51 ح7 قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» .
والخمسة الباقية مشتملة على كيفية التسبيح ، وبيان المراد منه بالنحو المتعارف ، وهي رواية أبي خديجة ب51 ح13 الدالة على أنّ المراد به سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ولكنّها تدلّ على التفصيل بين الإمام والمأموم بنحو لا يقول به أحد من الأصحاب .
ورواية رجاء بن أبي الضحاك ب42 ح8 إنّه صحب الرضا(عليه السلام) من المدينة إلى مرو ، فكان يسبّح في الاُخراوين يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاث مرّات ثم يركع .
قال في مفتاح الكرامة بعد نقل استدلال البهبهاني(قدس سره) على وجوب اثنتي عشرة تسبيحة بهذا الخبر ما هذه عبارته .
قلت : إنّ خبر ابن أبي الضحاك رواه في البحار بدون تكبير ، ثم قال : بيانٌ : في بعض النسخ زيد في آخرها والله أكبر والموجود في النسخ الصحيحة القديمة كما نقلنا بدون التكبير ، والظاهر إنّ الزيادة من النساخ تبعاً للمشهور(1) ، انتهى .
وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : «أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وتكبّر وتركع»(2) .
ورواية محمّد بن عمران ب51 ح3 في حديث إنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) فقال :
(1) مفتاح الكرامة 2 : 376 . بحار الانوار 82 : 88 .
(2) الكافي 3 : 319 ح2; التهذيب 2: 98 ح367; الإستبصار 1: 321 ح1198; الوسائل 6 : 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح5 .
(الصفحة109)
لأيّ علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : «إنما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزّوجلّ فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» .
وما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين مع الأربع الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام» قال : قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إذا كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات، تكملة تسع تسبيحات ثم تكبّر وتركع»(1) .
قال في الوسائل : ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز مثله ، إلاّ أنّه أسقط قوله : تكملة تسع تسبيحات وقوله : أو وحدك ، ورواه في أوّل السرائر أيضاً نقلا من كتاب حريز مثله إلاّ أنّه قال : «فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاث مرّات ثم تكبّر وتركع» ثم قال : أقول : لا يبعد أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين مرّة تسع تسبيحات ، ومرّة اثنتي عشرة تسبيحة ، وأورده حريز أيضاً في كتابه مرتين(2) ، انتهى .
والمحكيّ عن العلاّمة المجلسي في البحار أنّه قال : إنّ خبر السرائر الذي استدلّ به أيضاً على هذا القول ، رواه ابن إدريس في موضعين : أحدهما في باب كيفية الصلاة وزاد فيه والله أكبر ، وثانيهما في آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز ، ولم يذكر فيه التكبير ، قال : والنسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على إسقاط التكبير. ويحتمل أن يكون زرارة رواه على الوجهين، ورواهما حريز في كتابه وهو بعيد ، والظاهرزيادة التكبير من قلمه أو من النسّاخ ، لأنّ سائر المحدّثين رووا هذه الرواية
(1) الفقيه 1: 256 ح1158; الوسائل 6: 122. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح1 .
(2) السرائر 3: 585 وج1: 219; الوسائل 6: 123. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح2.
(الصفحة110)
بدون تكبير ، وزاد في الفقيه بعد التسبيح تكملة تسع تسبيحات ، ويؤيده أنّه نسب في المعتبر والتذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز ، وذكرا هذه الرواية(1) . انتهى .
قال في المفتاح بعد حكاية عبارة المجلسي ، قلت : نظرت ذلك في نسختين من السرائر ، إحداهما صحيحة عتيقة من خطّ عليّ بن محمّد بن الفضل الآبي في سنة سبع وستين وستمائة ، ترك التكبير في الموضعين ، وفي نسخة اُخرى كثيرة الغلط ذكره في الموضعين(2) ، انتهى .
وكيف كان فالكلام في هذا المقام يقع من جهتين :
الجهة الأولى : عدم وجوب القراءة تعييناً في الأخيرتين
المشهور بين الإمامية بل المتّفق عليه بينهم ، عدم وجوب القراءة تعييناً في الركعة الثالثة من الثلاثيّة ، والأخيرتين من الرباعيّة ، وكونها أحد فردي الواجب التخييري(3) وإن اختلفوا في بدلها وأنّه هل هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح ؟ وفي كيفيته وكميته .
هذا ، ولكن ظواهر الأخبار المتقدّمة مختلفة ، فيظهر من بعضها تعيّن القراءة ، مثل رواية جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال : «بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه، ويقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب»(4) ، ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك
(1) بحار الأنوار 82: 87 .
(2) مفتاح الكرامة 2: 376 .
(3) راجع ص105.
(4) التهذيب 2 : 295 ح1186; الوسائل 6 : 108. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح4 .
(الصفحة111)
فليسعك فعلت أو لم تفعل»(1) .
ويظهر من البعض الآخر تعيّن التسبيح ، مثل رواية عمر بن اُذينة عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة(2) ، ومرسلة الفقيه عن الرضا(عليه السلام) قال : «إنما جعل القراءة في الركعتين الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله(صلى الله عليه وآله) »(3) ، وما أرسله المحقّق في المعتبر(4) عن عليّ(عليه السلام)إنّه قال: «إقرأ في الأوّلتين وسبّح في الأخيرتين»; ورواية عبيدالله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحانه الله والله أكبر»(5) .
والظاهر كما في التهذيب ، إنّ كلمة «لا» في قوله : لا تقرأ ، للنفي لا للنهي ، وجواب الشرط قوله : «فقل» كما يؤيده ذكر الفاء .
ويظهر من بعض تلك الأخبار التخيير بينهما ، كرواية عليّ بن حنظلة المتقدّمة(6) ، وغيرها ممّا تقدّم ، وهذه الطائفة شاهدة للجمع بين الطائفتين ، بالحمل على التخيير ، ويؤيده فتوى المشهور(7) على طبقها ، وكونها معمولا بها دونهما .
وبالجملة: فالظاهر إنّه لا إشكال في المقام من هذه الجهة أصلا .
(1) التهذيب 2 : 99 ح371; الاستبصار : 1 / 322 ح1202; الوسائل 6 : 126. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح11 .
(2) الكافي : 3 / 273 ح7; الوسائل : 6 / 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح6 .
(3) الفقيه 1 : 202 ح924; الوسائل 6 : 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح4 .
(4) المعتبر 2: 165; الوسائل 6: 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح5.
(5) التهذيب 2 : 99 ح372; الإستبصار 1 : 322 ح1203; الوسائل 6 : 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح7 .
(6) التهذيب 2: 98 ح369; الإستبصار 1: 321 ح1200; الوسائل 6: 108. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح3.
(7 ) راجع 2 : 105 .
(الصفحة112)
الجهة الثانية : ما يقوم مقام القراءة في الأخيرتين
الجهة الثانية : المشهور بينهم أنّ ما يقوم مقام القراءة في الأخيرتين هو التسبيح(1) ، وإن اختلفوا فيه كيفية وكمية ، ففي المعتبر أنّه يجزي بدل الحمد في الأواخر تسبيحات أربع ، صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، وحكى هذا القول عن المفيد، وحكى أيضاً من علم الهدى ، والشيخ ، وابن أبي عقيل القول بأنّه مخير بين القراءة وعشر تسبيحات ، صورتها أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات ، وتزيد في الثالثة والله أكبر . وعن حريز بن عبدالله السجستاني ، وأبي جعفر بن بابويه القول بتسع تسبيحات ، بإسقاط التكبير من الثلاث ، وعن الشيخ في النهاية القول بأنّه تكرّر ذلك ثلاث مرّات، مع كلّ مرّة والله أكبر فيكون إثنى عشر فصلا(2) .
هذا، وقد ظهرلك ممّا تقدّم أنّه لا ينهض شيء من الأخبار المتقدمة على وجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ، لأنّ رواية رجاء المتقدّمة ـ مضافاً إلى أنّها تتضمن حكاية فعل الإمام(عليه السلام) ، فلعلّه كان يعمل بالاستحباب ـ قد عرفت أنّه نقلها في البحار من دون تكبير وقال : الموجود في النسخ القديمة الصحيحة كما نقلنا بدون التكبير ، واستظهر كون الزيادة من النسّاخ تبعاً للمشهور .
ورواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة التي رواها الصدوق في الفقيه وابن إدريس في موضعين من السرائر ، نقلا من كتاب حريز ، قد عرفت ثبوت الاختلاف فيها ، ففي الفقيه أسقط التكبير مع زيادة قوله : تكملة تسع تسبيحات ،
(1 ) راجع 2 : 110 .
(2) المعتبر 2: 188 ـ 189; المقنعة : 113; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 33; المبسوط 1: 106; وحكاه عن ابن ابى عقيل في مختلف الشيعة 2 : 142 مصباح المتهجد: 440; السرائر 3: 585 عن كتاب حريز بن عبدالله، الفقيه 1: 256، النهاية: 76.
(الصفحة113)
وفي السرائر وإن رواها في باب كيفية الصلاة مع ذكر التكبير ، إلاّ أنّه مضافاً إلى أنّه نقلها في المستطرفات مع إسقاطه ، قد عرفت أنّه حكي عن العلاّمة المجلسي أنّه قال : إنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على إسقاط التكبير ، وذكر صاحب المفتاح أنّ الموجود في النسخة القديمة الصحيحة ترك التكبير في الموضعين .
هذا ، واحتمال أن يكون زرارة رواها على الوجهين ، وأوردهما حريز في كتابه بعيد جدّاً ، وحينئذ فيدور الأمر بين زيادة قوله : تكملة تسع تسبيحات ، وإسقاط التكبير ، وبين حذف ذلك القول ، ولا يخفى أنّ إسقاط التكبير وإن كان غير بعيد ، إلاّ أنّ إضافة ذلك القول سهواً ، مستبعد جدّاً ، وهذا بخلاف إسقاطه ، فإنّه يمكن أن يصير السهو سبباً لعدم ذكره ، واضافة التكبير يمكن أن يكون من باب التبعية للمشهور ، كما ذكره المجلسي .
ويؤيدذلك إنّه نسب في المعتبر كماعرفت القول بلزوم تسع تسبيحات إلى حريز.
وبالجملة : فلم يثبت كون التكبير مذكوراً في الرواية ، فوجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ممّا لم يقم عليه حجّة .
ويمكن أن يقال: إنّه يستكشف الوجوب من فتوى الشيخ في النهاية(1) وحكم البعض بالاستحباب(2) ، وذكر بعض آخر أنّ الأحوط ذلك(3) ، لوجود نصّ مشتمل عليه ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا ، أو كان مذكوراً في بعض النصوص المتقدّمة، كرواية زرارة، وكيف كان فمقتضى إطلاق ما رواه الكليني بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) الاجتزاء بالمرّة(4) ، ولكنّ الأحوط التعدد . هذا مقتضى
(1) النهاية: 76.
(2) مسالك الأفهام 1: 212.
(3) شرائع الإسلام 1: 74 .
(4) الكافي 3: 319 ح2; الوسائل 6: 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح5.
(الصفحة114)
مدلول الأخبار الواردة في هذا الباب .
ولو قلنا بعدم استفادة حكم المسألة من الأدلة الاجتهادية ، ووصلت النوبة إلى الاُصول العملية ، فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاشتغال؟
فنقول : ذكر الشيخ(رحمه الله) في رسالة البراءة في التنبيه الثالث ، من تنبيهات الشبهة الحكمية الوجوبية ، أنّ الظاهر اختصاص أدلة البراءة بصورة الشك في الوجوب العيني ، أمّا لو شكّ في الوجوب التخييري ، والاباحة ، فلا يجري فيه أدلة البراءة ، لظهورها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلّف ، بحيث يلتزم به ، ويعاقب عليه(1) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
والمقام وإن كان مغايراً لموضوع كلامه ، حيث انّ مفروضه ما إذا كان الأمر دائراً بين الوجوب التخييري والاباحة ، وفي المقام نعلم بالوجوب التخييري ونشكّ في بعض أطرافه من حيث القلّة والكثرة ، إلاّ أنّ الكلام في اشتراكه معه من حيث الحكم ، وإنّه هل تجري البراءة بالنسبة إلى الزائد ، كجريانها في الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجب النفسي ـ بالوجه الذي تقدّم في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك ، لا بالوجه الذي ذكره الشيخ في الرسالة ، فإنّه لا يخلو عن إشكال ، كما عرفت في تلك المسألة ـ أو أنّ الأصل في المقام يقتضي الاشتغال ، ولو قلنا بجريان البراءة في الأقل والأكثر في الواجب النفسي؟
فيه وجهان : من أنّ الوجه في جريان البراءة في تلك المسألة ، وهو تبعّض التكليف الواحد ، وتنجزه ببعضه المعلوم ، جار في المقام أيضاً ، لأنه يعلم فيه أيضاً بعض التكليف المتعلّق بالمردّد بين الأقل والأكثر ، فلا مانع من تنجزه بذلك البعض المعلوم ، وجريان البراءة بالنسبة إلى بعضه المشكوك ، ومجرّد كون مفروض المقام عبارة عمّا كان بعض أطراف الواجب التخييري مردّداً بين الأقل والأكثر ، لا يصلح
(1) فرائد الاُصول : 231 .
(الصفحة115)
فارقاً بينه وبين تلك المسألة ، بعد اشتراكهما في ذلك الوجه الذي تقدّم منّا ، ومن ثبوت الفرق بينهما ، فإنّ العقاب المترتّب على المخالفة في تلك المسألة ، إنما هو لكونه تاركاً للأقل الذي علم تنجّز التكليف بالنسبة إليه ، وفي المقام لا يترتب العقاب على مجرّد ترك الأقل ، وإن كان تعلّق التكليف به معلوماً ، بل إنما يترتب على تركه ، وترك الطرف الآخر الذي لا ترديد فيه من حيث القلّة والكثرة .
وبالجملة: فالمسألة محل إشكال .
المقام الثاني : وجوب السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين
اعلم أنّه محل خلاف بين المسلمين ، فالمشهور بين العامة عدم الوجوب ، والمحكي عن بعض أصحاب الشافعي هو الوجوب(1) ، وهو محكيّ ظاهر الشيخ في التهذيبين والخلاف(2) ، وأكثر المتقدّمين(3) .
وذهب بعض المتأخّرين كصاحبي المدارك والمعالم ، إلى الاستحباب(4) ، ويمكن استظهاره من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة، وأنّ بعض السورة أوأكثرهالايجوز مع الاختيار، غير أنّه إن قرأ بعض السورة أو قرن بين السورتين بعد الحمد ، لا يحكم ببطلان الصلاة، ويجوزكلّ ذلك في حال الضرورة ، وكذلك في النافلة مع الاختيار(5) . انتهى.
(1) المجموع 3: 388 ـ 389; المغني لابن قدامة 1: 568 ; الشرح الكبير 1: 568; بداية المجتهد 1: 184; تذكرة الفقهاء 3: 130 مسألة 219.
(2) التهذيب 2: 70; الإستبصار 1: 314; الخلاف 1: 335 مسألة 86 .
(3) المقنعة: 105 و 112; المقنع: 93; الإنتصار: 146; المهذّب 1: 92; الكافي في الفقه: 117; الوسيلة: 94.
(4) مدارك الأحكام 3: 347; منتقى الجمان 2: 10 .
(5) المبسوط 1 : 107 .
(الصفحة116)
فإنّ قوله : غير أنّه إن قرأ . . . ، ظاهر في عدم بطلان الصلاة بترك سورة كاملة ، فالمراد بعدم جواز قراءة البعض أو الأكثر ، ليس عدم الجواز ، بحيث ينافي صحة الصلاة ، بل عدمه من حيث كون قراءة سورة كاملة شرطاً في تحقق الكمال .
وأظهر من ذلك في الاستحباب ، كلام الشيخ في النهاية حيث قال : وأدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض ، الحمد مرّة واحدة ، وسورة معها مع الاختيار ، لا يجوز الزيادة عليه ، ولا النقصان عنه ، فمن صلّى بالحمد وحدها متعمّداً من غير عذر ، كانت صلاته ماضية ، ولم يجب عليه إعادتها ، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل ، وإن اقتصر على الحمد ناسياً أو في حال الضرورة من السفر والمرض وغيرهما ، لم يكن به بأس ، وكانت صلاته تامّة ـ إلى أن قال ـ : ولا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض ، فمن فعل ذلك متعمّداً ، كانت صلاته فاسدة ، فإن فعله ناسياً لم يكن عليه شيء ، وكذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة وهو يحسن تمامها ، فمن اقتصر على بعضها وهو متمكّن لقراءة جميعها كانت صلاته ناقصة ، وإن لم يجب عليه إعادتها(1)، انتهى .
فإنّ الحكم بالمضيّ فيما لو صلّى بالحمد وحدها متعمّداً من غير عذر ، صريح في نفي الوجوب ، فالمراد بقوله : أدنى ما يجزي . . . ، ليس هو الاجزاء المساوق للصحة ، بداهة أنّه بناءً عليه لا معنى لتفريع الحكم بالمضيّ ، والصحة في الفرع المذكور كما هو واضح .
فالتأمّل في كلامه في النهاية والمبسوط يقضي بذهابه إلى الاستحباب ، وإنّ تارك السورة متعمّداً من غير عذر إنما هو تارك للأفضل ، وعليه فلا تهافت في كلامه ، بل ولا اضطراب كما في مفتاح الكرامة(2) ، وتوجيه كلامه ـ بأنّ المراد
(1) النهاية : 75 ـ 76 .
(2) مفتاح الكرامة 2 : 350 .
(الصفحة117)
بوجوب قراءة سورة كاملة هو الوجوب النفسيّ الاستقلاليّ الذي محلّه الصلاة بعد قراءة الحمد ، فلا منافاة بينه وبين مضيّ الصلاة ، وعدم وجوب إعادتها فيما لو تركها متعمّداً ـ مستبعد جدّاً . وكيف! يمكن ذلك ، مع أنّه لم يعهد من أحد القول بوجوب السورة لا بنحو الجزئية .
وكيف كان فيمكن أن يحمل كلامه في التهذيبين والخلاف ، على ما هو ظاهر كلامه في المبسوط والنهاية ، فيكون للشيخ قول واحد وهو الاستحباب .
ويمكن أن يقال: بأنّ له في المسألة قولين : القول بالوجوب ، وهو ظاهر كلامه فيها . والقول بالاستحباب ، وهو ظاهر كلامه فيهما .
وبالجملة : فالذي يستفاد منه أنّ الوجوب ليس أمراً مسلّماً مقطوعاً به بين الإمامية ، حيث قال في المبسوط: الظاهر من المذهب(1) . . . ، وعليه فليست قراءة السورة كقراءة الحمد ، في أنّ وجوبها كان ضروريّاً بحيث لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، فالواجب النظر إلى الأخبار الواردة في المقام .
إذا عرفت ذلك فنقول : قد استدلّ للقول بعدم وجوب السورة بالأخبار التي تدلّ بظاهرها على إجزاء فاتحة الكتاب وحدها .
منها : صحيحة عليّ بن رئاب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : «إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة»(2) .
ومنها : ما رواه عليّ بن رئاب عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إنّ فاتحة الكتاب تجزي وحدها في الفريضة»(3) . والظاهر كونهما رواية واحدة ، بمعنى أنّ سامع هذا الكلام من الإمام(عليه السلام) إنما هو الحلبي ، غاية الأمر إنّ حذفه في سند الأولى
(1) المبسوط 1 : 107 .
(2) التهذيب 2: 71 ح259; الإستبصار 1: 314 ح1169; الوسائل 6: 39. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح1.
(3) التهذيب 2 : 71 ح260; الوسائل 6 : 40. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح3.
(الصفحة118)
إمّا أن يكون مستنداً إلى عليّ بن رئاب ، ويكون الوجه فيه قطعه بصدق الحلبي في نقلها ، وكون هذا كلام الإمام(عليه السلام) يقيناً ، وإمّا أن يكون مستنداً إلى أحد من الرواة بعده اشتباهاً .
وحينئذ فيقوى في النظر أن تكون هذه الرواية هي ما رواه حمّاد بن عثمان عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الاُوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً»(1) .
وحينئذ فلا يبقى مجال للقول بأنّ الروايتين الاُوليين مطلقتان ، والأخيرة مقيدة ، والواجب حمل المطلق على المقيّد كما عن صاحب الحدائق(رحمه الله)(2) ، لأنّ ما ذكره مبنيّ على احراز صدور المطلق والمقيّد معاً ، وقد عرفت أنّ في المقام لا يعلم ذلك ، لاحتمال كون الصادر هو المقيّد فقط ، وكيف كان فالاستدلال بهذه الأخبار للقول بالاستحباب غير تامّ .
ثم إنّه يظهر من بعض الأخبار الواردة في المقام ، جواز تبعيض السورة وحصول الاجزاء به ، مثل ما رواه عليّ بن يقطين في حديث قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن تبعيض السورة؟ فقال : «أكره ذلك ولا بأس به في النافلة»(3)ودلالتها على جواز التبعيض في الفريضة مبنية على أن يكون قوله : «في النافلة» متعلّقاً بقوله : «لا بأس به» فقط ، وأن يكون المراد بالكراهة هي الكراهة المصطلحة ، وأمّا لو كان متعلّقاً بقوله أُكره أيضاً ، كما لا يبعد دعواه أو كان المراد من الكراهة أعم من الحرمة ، فلا يدلّ على الجواز في الفريضة أصلا .
وما رواه سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن
(1) التهذيب 2: 71 ح261; الإستبصار 1: 315 ح1172; الوسائل 6: 40. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح2.
(2) الحدائق 8 : 116 .
(3) التهذيب 2 : 296 ح1192 ; الإستبصار 1 : 316 ح1178 ; الوسائل 6 : 44. أبواب القراءة في الصلاة ب4 ح4.
(الصفحة119)
رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف السورة، هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال : «يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة»(1) .
ورواية زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءَته، أو يدع تلك السورة ويتحوّل عنها إلى غيرها؟ فقال : «كلّ ذلك لا بأس به وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع»(2) .
والظاهر أنّ المراد من الغلط ، الغلط مع عدم العلم بصحيحه ، وإلاّ فاللاّزم عليه إعادته صحيحاً كما هو واضح .
وغير ذلك من الأخبار التي ظاهرها جواز التبعيض ، ولكن لا يخفى أنّه لم نظفر على قول من يقول بوجوب السورة ولو ناقصة من بين أصحابنا الإمامية ، بل القائلون بالوجوب ظاهرهم وجوبها تامّة، وحينئذ فتسقط هذه الأخبار عن الحجية بعد إعراضهم عنها .
هذا، ويدلّ على وجوب سورة تامّة ـ مضافاً إلى الاجماعات المنقولة المدّعاة في كلام كثير ، المعتضدة بالشهرة العظيمة(3) ـ جملة من الأخبار الظاهرة في ذلك ، بل بعضها يدلّ على مفروغية ذلك عندهم ، وأنّ السؤال إنما وقع عن بعض الخصوصيات .
منها : رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يصلّى على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة وتجزيه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء، ويؤمي في النافلة إيماءً»(4) . فإنّ ظاهرها أنّ إجزاء
(1) التهذيب 2: 295 ح1191; الإستبصار 1: 316 ح1177; الوسائل 6: 45. أبواب القراءة في الصلاة ب4 ح6 .
(2) التهذيب 2: 293 ح1181; الوسائل 6: 45. أبواب القراءة في الصلاة ب4 ح7.
(3) الإنتصار: 146; أمالي الصدوق: 512; الوسيلة: 93; الغنية: 77; مفتاح الكرامة 2 : 350; تذكرة الفقهاء 3 : 130 مسألة 219; مستند الشيعة 5 : 90 المسألة التاسعة; جواهر الكلام 9 : 331 .
(4) التهذيب 3 : 308 ح952; الوسائل 4 : 325. أبواب القبلة ب14 ح1 .
(الصفحة120)
فاتحة الكتاب وحدها إنما هو بالنسبة إلى المريض .
ومنها : رواية الحلبي المتقدمة الدالة على إجزاء فاتحة الكتاب وحدها بالنسبة إلى المستعجل وأشباهه(1) .
ومنها : رواية منصور بن حازم قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر»(2) . فإنّ المتفاهم منها عند العرف هو وجوب سورة كاملة ، لا أقلّ منها ولا أكثر ، وإن شئت قلت : إنّ النهي عن التبعيض لا ينطبق إلاّ على القول بالوجوب ، فإنّ القائل بالاستحباب يقول بجوازه .
وغير ذلك من الأخبار التي ظاهرها ذلك .
هذا ، والعمدة في هذا الباب أنّه ثبت متواتراً عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يقرأ بعد الحمد سورة(3) ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين ، وذهاب الجمهور إلى الاستحباب إنما هو لأجل بعض الأخبار المروية بطرقهم(4) ، الدالة على أنّ السورة ليست جزءً للصلاة ، وإلاّ فكون عمل النبي(صلى الله عليه وآله) ذلك ممّا لا إشكال فيه عندهم .
ومن المعلوم أنّه لا يجوز التعدّي عن فعله(صلى الله عليه وآله) بعد ثبوت كون تعليمه للصلاة التي اخترعها ، إنما هو بسببه ، نعم لو دلّ الدليل على عدم دخالة بعض الأفعال في ماهيتها وحقيقتها ، لرفعنا اليد عن ظاهر الفعل ، ولكنّك عرفت عدم ثبوته .
ومن هنا يظهر الجواب عمّا ربما يمكن أن يقال: من أنّه لو كانت السورة واجبة ،
(1) الوسائل 6: 40. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح2.
(2) الكافي 3 : 314 ح12; التهذيب 2: 69 ح253; الإستبصار 1: 314 ح1167; الوسائل 6 : 43. أبواب القراءة في الصلاة ب4 ح2 .
(3) صحيح البخاري 1: 207 ح759 وص208 ح762; صحيح مسلم 4: 143 ح154 و155; سنن النسائي 2: 177 ح973 و974; سنن البيهقي 2: 59; الوسائل 6: 49. أبواب القراءة في الصلاة ب7 ح2 و4 وب24 ح3 و6.
(4) المجموع 3: 388; سنن البيهقي 2: 61; المغني لابن قدّامة 1: 568; تذكرة الفقهاء 3: 130; الخلاف 1: 335.
|