في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)

السجود جابراً لها مدفوعة بأنّها خالية عن الدليل بل لا يتجاوز عن الاحتمال ـ وإمّا لبطلان السابقة المترتّب عليه بطلانها ، إلاّ أنه باعتبار أدلّة العدول الدالّة على جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة مع عد إحراز الإتيان بها صحيحة ، ينسد باب البطلان ، وبه يتحقّق العلم باتيان الظهر صحيحة ، إمّا لخلّو الصلاة الاُولى عن الزيادة وإمّا لخلوّ المعدول عنه عنها .
فانقدح من ذلك الخلل في الوجه الثاني أيضاً الذي مرجعه إلى انحلال العلم الإجمالي إلى التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ ، وذلك لانّ العلم التفصيلي متفرّع على عدم العدول ، ومع إمكانه وجوازه لا يبقى له مجال أصلا .
فالحقّ ما اختاره في العروة من العدول والاتمام ثمّ سجود السهو .
ويمكن أن يقال بعدم الإحتياج إلى سجود السهو(1) ، وذلك من أنّ زيادة الركعة غير محتملة في صلاة الظهر الواقعية منهما ، لأنه بعد العدول والإتمام ظهراً يحصل له اليقين بالإتيان بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، فلا حاجة إلى سجود السهو .
ثمّ إنّه ربما يمكن أن يقال : إنّ العدول بالنحو المذكور وإن كان موجباً لحصول اليقين بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، إلاّ أنه لا دليل على لزومه وتعيّنه ، فيمكن أن يكون مخيّراً بينه وبين عدم العدول الموجب للعلم التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ .
وبعبارة اُخرى كان مخيّراً بين تحصيل العلم بفراغ الذمّة عن الظهر بسبب العدول وبين احراز صحتها بقاعدة الفراغ الجارية فيها بعد إنحلال العلم الإجمالي ،

(1) راجع ما أفاده سيّدنا العلامة الاستاذ (مدّ ظلّه) في حاشية العروة: 71 . «المقرّر»

(الصفحة102)

نعم يقع الكلام في جهة اُخرى ، وهي أنه عند دوران الأمر بين العلم باتيان الواقع وبين إحرازه باصل أو أمارة هل يكون الترجيح مع الأول أم لا وللتكلّم في هذه الجهة مقام آخر .
الرابعة عشر:
إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنه ترك سجدتين ، ولكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة كي يكون تاركاً للركن فيجب عليه الإعادة والاستئناف ، أو من ركعتين حتّى لا يجب عليه إلاّ القضاء وسجود السهو . قال في العروة : وجب عليه الإعادة ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين ، وكذا سجود السهو مرّتين أوّلا ثمّ الإعادة(1) .
وحكى عن الشيخ في المبسوط وجماعة ، القول بوجوب الإعادة(2) ولو علم أنّهما كانتا من ركعتين ولكن لم يدر الركعتين ، وأنّهما هل هما الركعتان الاُوليان أو الأخيرتان ، وذلك لأنّه لم تسلّم الاُوليان يقيناً مع أنّ سلامتهما معتبرة بمقتضى النصوص ، ولكن هذا مبنيّ على ما ذهب إليه من اعتبار سلامة الأوّلتين مطلقاً .
وقد تقدّم أنّ الأظهر أنه لا فرق بين الاُوليين وغيرهما في شيء من الأحكام إلاّ في خصوص السهو المساوق للشكّ والترديد المتعلّق بخصوص عدد الركعات .
وقال المحقّق في الشرائع في هذا المقام : إنّه لو ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين رجحنا جانب الإحتياط(3) .
والظاهر بحسب بادئ النظر أنّ مراده من الإحتياط الذي رجّح جانبه هو

(1) العروة الوثقى 1: 692 ، المسألة الرابعة عشر .
(2) المبسوط 1: 120 ـ 121; المعتبر 2: 379; تذكرة الفقهاء 3: 307; مسالك الأفهام 1: 288; مستند الشيعة 7 : 94; جواهر الكلام 12: 273 .
(3) شرائع الإسلام 1: 105 .

(الصفحة103)

الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين ، ولكنّ الذي يقتضيه التأمّل ـ كما حكي أنه قد يلوح من كلام بعض ـ أنّ مراده منه هو خصوص الإعادة لا الجمع ، وذلك لأنّ وجوب القضاء وسجود السهو وعدم وجوبهما ليس في عرض صحة الصلاة وبطلانها بل في طولها ، ضرورة أنّ الوجوب متفرع على الصحّة ، وقد استوجه ذلك صاحب المصباح واستدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف بقضاء السجدتين ثمّ قال : ولا يعارضه أصالة براءة ذمّته عن التكليف بالاعادة ، لأنها من آثار بقاء الأمر الأول وعدم حصول امتثاله ، وهو موافق للأصل ، فعلمه الإجمالي بأنّ عليه إمّا قضاء السجدتين أو الإعادة غير موجب للاحتياط بعد أن كان مقتضى الأصل في أحد طرفيه الاشتغال وفي الآخر البراءة فليتأمّل ، انتهى(1) .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال في المسألة: بوجوب الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين وسجود السهو مرّتين ، نظراً إلى أنه مقتضى العلم الإجمالي ، بأنّ صلاته إمّا باطلة أو أنه يجب عليه قضاء المنسي . ويمكن أن يقال: بأنّ مرجع الشكّ في أنّ السجدتين هل كانتا من ركعة أو ركعتين إلى الشكّ في صحة الصلاة وبطلانها؟ .
والشك في الصحة والبطلان إذا كان حادثاً بعد التسليم ، يكون مجرى قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحّة . وعدم لزوم الإعادة ، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم وجوب الاستئناف ، وأمّا وجوب القضاء وسجود السهو ، فهو منفيّ بأصالة براءة الذمّة عنه للشكّ في تحقّق موجبه .
ودعوى مخالفته للعلم الإجمالي بأحد التكليفين وهو منجّز كالعلم التفصيلي فلا محيص عن الجمع .
مدفوعة بأنّه لا شكّ أنه ليس في البين إلاّ التكليف بأصل الصلاة وهو معلوم تفصيلا لا إجمالا ، فلا بدّ من تحصيل فراغ الذمّة عنه إمّا بالعلم أو بغيره من أمارة أو

(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 545 .

(الصفحة104)

أصل ، والمفروض أنّ قاعدة الفراغ تحكم بحصول البراءة مع الشكّ في الصحّة ، فلا مجال لايجاب الجمع .
هذا كلّه فيما لو علم بعد الفراغ ، وأمّا لو علم في الأثناء وكان العلم بعد التجاوز عن محلّ الإتيان بالسجدتين اللتين يعلم بتركهما ، ولكن لا يدري أنّهما من ركعة أو ركعتين ، كما إذا علم بعد الدخول في الركعة الثالثة بترك سجدتين ، إمّا في الركعة الاُولى ، أو في الركعة الثانية ، أو كانت إحداهما من الركعة الاُولى والاُخرى من الركعة الثانية .
فإنّه قد تحقّق التجاوز عن المحلّ الشكّي ، سواء تحقّق التجاوز عن المحلّ السهوي أيضاً ـ كما إذا علم بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ـ أم لم يتجاوز عنه ، كما إذا علم قبل الدخول في ركوعها ، فالظاهر أنه لا مجال لقاعدة التجاوز هنا بعد مخالفتها للعلم الإجمالي بترك السجدتين الذي يترتّب عليه الإعادة في الصورتين من تلك الصور الثلاثة ووجوب القضاء وسجدتي السهو في صورة واحدة منها .
توضيح ذلك ، إنّه قد مرّ سابقاً أنه يعتبر في كلّ ركعة من ركعات الصلاة طبيعة السجود المتحققة بايجاد فرد واحد منه على نحو لا يمكن انطباق الصلاة بدونها ، لكونها دخيلة فيها ركناً ، ويعتبر في كلّ ركعة أيضاً في خصوص حال العمد والإلتفات الإتيان بالفرد الثاني من تلك الطبيعة ، ولكن لا يكون هذا الفرد من مقوّمات عنوان الصلاة بحيث لا يمكن انطباقه بدونه .
وحينئذ ، فالعلم الإجمالي بترك السجدتين مع الشكّ في أنه من ركعة أو ركعتين في الصورة المفروضة له ثلاثة أطراف:
أحدها: كون تركهما متحقّقاً في الركعة الاُولى ، ومرجعه إلى فقدانها لطبيعة السجود المعتبرة في انطباق عنوان الصلاة ، ومقتضى هذا الاحتمال بطلان الصلاة بمجرّد الدخول في ركوع الركعة الثانية ، إذ به يتحقّق التجاوز عن محلّي السجدتين ـ

(الصفحة105)

المحلّ الشكّي والمحلّ السهوي ـ .
ثانيها : كون المتروك من خصوص الركعة الثانية ، ومقتضى هذا الاحتمال بطلانها عند الدخول في ركوع الركعة الثالثة .
ثالثها : كون المتروك سجدة واحدة من الركعة الاُولى ، وسجدة واحدة من الركعة الثانية ، ولا محالة يكون المتروك في كلتا الركعتين هي ثانية السجدتين ، ولا معنى لاحتمال أن يكون المتروك في إحداهما هي السجدة الاُولى ، وفي الاُخرى هي السجدة الثانية ، كما أنه لا معنى لكون المتروك في كلتيهما هي السجدة الاُولى كما هو واضح ، ومقتضى هذا الاحتمال صحة الصلاة ووجوب القضاء وسجدتي السهو بعد الفراغ عنها .
وكيف كان ، فإجراء قاعدة التجاوز في كلتا الركعتين موجب لطرح العلم الإجمالي بترك السجدتين فلا مجال له ، وحينئذ فلابدّ إمّا أن يقال : بلزوم الإعادة والقضاء وسجود السهو ، للعلم الإجمالي بأنّ صلاته إمّا باطلة وأنه يجب عليه الإعادة ، وإمّا صحيحة فاقدة السجدتين من الركعتين ، فيجب قضاؤهما وسجود السهو مرّتين .
وإمّا أن يقال : بعدم كون وجوب القضاء وسجود السهو في عرض وجوب الإعادة ورتبته ، وذلك لأنّ وجوب القضاء إنّما هو بعد الفراغ عن صحة الصلاة وكونها محرزة إمّا بالوجدان وإمّا بغيره ، فهو متأخّر عن صحة الصلاة رتبة ، وحينئذ فالاحتمال الثالث الذي يترتّب عليه وجوب القضاء ليس في رتبة الاحتمالين الأوّلين اللذين يترتّب عليهما البطلان ولزوم الاستئناف ، فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما والحكم بعدم البطلان .
هذا ، ويمكن أن يناقش في هذا الوجه بأنّ ترتّب وجوب القضاء على الصحّة وكون احتماله متأخّراً رتبة عن الاحتمالين الآخرين لا يوجب خروجه عن أطراف

(الصفحة106)

العلم الإجمالي ، وكون الأصل الجاري فيه معارضاً للأصل الجاري فيهما كما لا يخفى .
ولبعض الأعاظم من المعاصرين في هذا المقام تحقيق دقيق لا بأس بإيراده ، فنقول : قال في رسالته التي صنّفها في فروع العلم الإجمالي في حكم هذه المسألة فيما لو تذكّر في الأثناء ما ملخّصه بتقريب منّا :
إنّه تارة يكون التذكّر في محلّه الشكّي ، واُخرى بعده ، وثالثة بعد محلّه الذكري .
فإن كان في محلّه الشكّي فلا شبهة في وجوب الإتيان بالسجدتين في محلّهما وإجراء قاعدة التجاوز عن الأوليين لعدم المعارضة ، وإن كان بعد محلّه الشكّي وفي محلّه الذكري فنقول : إنّ ما هو طرف المعارضة من الاحتمالات الأربعة هو احتمال ترك السجدة الثانية من الركعة الاُولى ، واحتمال ترك السجدة الاُولى من الركعة الثانية ، وذلك لأنّ السجدة الاُولى من الركعة الاُولى مجرى قاعدة التجاوز بلا إشكال ، لعدم إحراز الأثر في البقية بدونه ، لأنّ أثرها إنّما هو مشروط بصحة الصلاة ، وهي متوقفة على جريان القاعدة في الاُولى من الاُولى ، لأنّ مع عدم احرازها لا تكون الصلاة صحيحة أصلا .
لما عرفت من أنه يعتبر في كلّ ركعة من ركعات الصلاة طبيعة السجود المتحقّقة بإيجاد فرد واحد منها ، ومع الاخلال بها في شيء من الركعات لا يكاد ينطبق عنوان الصلاة على المأتي به ، فصحّة الصلاة تتوقّف أوّلا على إحراز الاُولى من الاُولى ولو بقاعدة التجاوز ، وحينئذ فلا معارض لإجراء قاعدة التجاوز فيها . وأمّا في الثانية من الركعة الثانية فنقطع بعدم وجودها على وفق أمرها على كلّ من الاحتمالات الأربعة ، ويبقى فيه احتمال عدم وجوبها لفساد الصلاة .
وقد عرفت أنّ قاعدة التجاوز عن الاُولى في الاُولى تثبت الصحّة ووجوبها

(الصفحة107)

بلا احتياج إلى اجراء قاعدة التجاوز فيها ، فانقدح أنّ طرف المعارضة هو الثانية من الاُولى ، والاُولى من الثانية ، وفي مثله لابأس بالرجوع إلى الاستصحاب فيهما ، ومقتضاه الإتيان بالسجدة الاُولى من الثانية ، ثمّ بالثانية منها من جهة الجزم بعدم إتيان العمل على وفق أمره ، ويأتي بقضاء الثانية من الاُولى لاستصحابه بعد سقوط القاعدة عنه بالمعارضة ، ولا ضير لمخالفة أحد الأصلين للواقع قطعاً ، لعدم مخالفة عملية في البين ، ولو كان التذكر بعد خروج المحل الذكري ، تجري قاعدة التجاوز في الاُولى من الاُولى ، والباقي بين ما لاتجري فيه لعدم الشكّ ، وبين ما لاتجري للمعارضة ، وفي مثله لا يجب عليه إلاّ قضاء السجدتين وسجدتا السهو لكلّ منهما ، ومقتضى الاُصول وإن كان عدم الإتيان بالثلاثة إلاّ أنّها بالنسبة إلى المعلومات التفصيليّة من الآثار غير جارية نفياً وإثباتاً ، وفي المقام يعلم تفصيلا بعدم وجوب أزيد ممّا ذكر ، كما لا يخفى(1) ، انتهى  .
ويمكن أن يقال عليه : بأنّ إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى أمر معتبر في الصلاة ، صحّةً أو كمالا ، لا يتوقّف إلاّ على كون ذلك الأمر مترتّباً عليه أثر شرعيّ ، بحيث لم يكن وجوده في عالم التشريع لغو ، خالياً عن الأثر ، إمّا لدخالته في تحقق المأمور به بالوجه الأتمّ الأكمل ، كما في الأذان والإقامة ، أو لاعتباره في صحة المأمور به وقوامه مطلقاً في حالتي العمد والسهو كما في الأركان ، أو في خصوص حال العمد كما في غير الأركان من سائر الأجزاء .
وبالجملة: لا يعتبر في جريان القاعدة إلاّ مجرّد كون مجراها ذا أثر شرعيّ بحسب الواقع ونفس الأمر ، ولا يتوقّف على إحراز ثبوت ذلك الأثر بحيث لو كان ترتّبه متوقّفاً على تحقق شيء آخر ، لكان الواجب أوّلا إحراز تحقق ذلك الشيء ، ثمّ إجراء القاعدة نظراً إلى أنه لا أثر لها بدون تحققه .


(1) روائع الامالي في فروع العلم الإجمالي للمحقّق العراقي: 100 ـ 101 .

(الصفحة108)

وحينئذ نقول: إنّ ترتّب الأثر على السجدتين من الركعة الثانية وإن كان متوقفاً على تحقق السجدة الاُولى من الركعة الاُولى ، لعدم صحة الصلاة بدونه ، كما أنّ ترتّب الأثر على الثانية من الاُولى يكون متوقّفاً على تحقق موضوعه ، وهو يتوقّف على الاُولى لعدم إمكان تحقق عنوان الثانية بدون ثبوت عنوان الاُولى ، إلاّ أنّ إجراء القاعدة في الثلاثة لا يكون مشروطاً بإحراز الاُولى من الاُولى بإجراء القاعدة فيها أوّلا ، لما عرفت من أنه لا يعتبر في جريانها إلاّ مجرّد كون مجراها ذا أثر شرعيّ ، وكلّ واحدة من الثلاث تكون كذلك ، لأنّ الثانية من السجدتين في كلتا الركعتين دخيلة في صحة الصلاة في حال العمد والالتفات ، والاُولى من الثانية كالاُولى من الاُولى معتبرة في قوامها مطلقاً عمداً وسهواً .
وحينئذ فلا يكون إجراء القاعدة في الاُولى من الاُولى متقدّمة من حيث الرتبة على إجرائها في الباقي ، بل يكون الجميع في عرض واحد ، وحينئذ فيصير حكم المسألة كما ذكرنا أوّلا ، فتدبّر جيّداً .
الخامسة عشر:
إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا أنه إمّا ترك القراءة أو الركوع ، أو أنه إمّا ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة ، فقد قال في العروة بعد تقييد الحكم بما إذا دخل في السجدة الثانية: وجب عليه الإعادة ، لكنّ الأحوط هنا أيضاً إتمام الصلاة وسجدتا السهو في الفرض الأول ، وقضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني ، ثمّ الإعادة ، ولو كان بعد الفراغ من الصلاة فكذلك(1) .
أقول: أمّا تقييده(قدس سره) الحكم بما إذا دخل في السجدة الثانية فإنّما هو مبنيّ على دعوى مضيّ محلّ الركوع بالدخول في السجدة الاُولى ، وتوقّفه على الدخول في

(1) العروة الوثقى 1: 693 ، المسألة الخامسة عشر .

(الصفحة109)

الثانية ، وقد عرفت فيما سلف أنّ الأقوى خلافه ، وأمّا الحكم بوجوب الإعادة فلا يتم في الفرض الأول ، بناءً على ما اخترناه سابقاً من أنه لا تجب سجدتا السهو لكل زيادة ونقيصة حتّى يكون ترك القراءة من الموجبات لهما .
وحينئذ فلا يترتّب على ترك القراءة في الصورة المفروضة أثر أصلا ، ومعه لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً بالنسبة إلى الطرف الآخر الذي يترتّب عليه الأثر ، لأنّ الشكّ بالنسبة إليه بدويّ ومورد لجريان الأصل ، وحينئذ فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركوع ، وتصحّ الصلاة ولا موجب للإعادة ، وأمّا الفرض الثاني فالظاهر لزوم الإحتياط الذي ذكره ، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي ببطلان الصلاة الموجب للإعادة وايجاد موجب القضاء وسجود السهو وهو ترك الفرد الثاني من طبيعة السجود ، لزوم مراعات كلا التكليفين بإتيان كلا المحتملين .
وبالجملة: فهذا الفرض نظير المسألة المتقدّمة ، ولا فرق بينهما أصلا كما لايخفى .
السادسة عشر:
لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنه ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة ، فقد ذكر في العروة: أنه وجب عليه العود لتداركهما والإتمام ثمّ الإعادة(1) .
أقول: للمسألة صورتان:
إحداهما: ما إذا علم قبل أن يدخل في الركوع وقبل الشروع في القنوت أيضاً .
ثانيتهما: ما إذا علم قبل الدخول في الركوع حال الاشتغال بالقنوت .
أمّا الصورة الاُولى ، فالظاهر أنه لا وجه فيها لوجوب العود لتدارك السجدتين ، لأنّ الشكّ بالنسبة اليهما مجرى قاعدة التجاوز ، لأنه دخل في الغير

(1) العروة الوثقى 1: 693 ، المسألة السادسة عشر .

(الصفحة110)

الذي هو القيام على ما هو الحقّ كما مرّ .
ولا تجري القاعدة بالنسبة إلى القراءة ، لعدم مضيّ محلّه وعدم الدخول في الغير ، فيجب الإتيان بها وتصح الصلاة ، ولا موجب للإعادة أصلا .
وأمّا الصورة الثانية ، فإجراء فردين من قاعدة التجاوز فيها بالنسبة إلى السجدتين والقراءة مخالف للعلم الإجمالي بترك إحداهما ، فلا مجال لاجرائهما .
وحينئذ تصل النوبة إلى استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين وكذا بالقراءة ، ولا مانع من جريانهما معاً ، أمّا فيما لو علم إجمالا بترك إحداهما وشكّ في الإتيان بالاُخرى فواضح ، لأنّه لا يعلم إجمالا بأنّه أتى بإحداهما حتّى يكون الأصل الجاري في كلتيهما مخالفاً للعلم الإجمالي المتعلّق بالإتيان بواحدة منهما .
وأمّا فيما لو علم بترك إحداهما وفعل الاُخرى فلا مانع أيضاً بناءً على ما اخترناه في محلّه ، من أنّ المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي إنّما هو استلزامه لمخالفة تكليف منجّز معلوم ، وعليه فيختصّ عدم الجريان بما كان من الاُصول نافياً للتكليف ، وأمّا المثبتة منها فلا مانع عن جريانها ، وحينئذ فمقتضى أصالة عدم الإتيان بشي من السجدتين والقراءة ، وجوب العود للتدارك ، لأنّ المفروض أنّ المحلّ السهوي باق لم يتجاوز عنه .
هذا ، ويحتمل قويّاً كما احتمله السيّد(قدس سره) في العروة أن يقال: بالاكتفاء بالإتيان بالقراءة في الصورة المفروضة والاتمام من غير لزوم الإعادة ، نظراً إلى أنّ وجوب القراءة عليه معلوم ، لأنّ الأمر دائر بين تركها فيجب الإتيان بها ، وبين ترك السجدتين دونها فيجب الإتيان بها أيضاً ، لأنّه لا أثر للقراءة غير المسبوقة بشي من السجدتين في الركعة السابقة; فعلى التقديرين يجب الإتيان بالقراءة ، ويكون الشكّ بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الذي عرفت أنه القيام ، فلا يجب العود لتداركهما ، بل يأتي بالقراءة ويتمّ من غير لزوم الإعادة .


(الصفحة111)

السابعة عشر:
إذا علم إجمالا أنه إمّا ترك السجدة من الركعة السابقة ، أو التشهّد من هذه الركعة ، فإن كان جالساً أو في حال النهوض إلى القيام ولمّا يقم بعد ، فلا إشكال في أنه يجب عليه الإتيان بالتشّهد وإتمام الصلاة ولا شيء عليه ، لكون الشكّ بالنسبة إلى السجدة بعد تجاوز المحلّ ، وبالنسبة إلى التشهّد قبل التجاوز فتجري فيها قاعدته .
وإن كان في حال القيام فحكم السيّد(قدس سره) في العروة بوجوب المضيّ وإتمام الصلاة والإتيان بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو واحتاط بالاعادة أيضاً ، ثمّ قال: ويحتمل وجوب العود لتدارك التشّهد والاتمام وقضاء السجدة فقط مع سجود السهو ، وعليه أيضاً على الأحوط الإعادة(1) .
أقول: هذا الاحتمال هو المتعيّن ، ولكن لا تجب الإعادة على الظاهر ، وذلك لأنّه إذا كان العلم الإجمالي عارضاً في حال القيام لا مجال لاجراء قاعدة التجاوز أصلا ، لا بالنسبة إلى السجود ولا بالاضافة إلى التشهّد ، لأنّ المفروض أنه يعلم إجمالا ترك أحدهما ، وإجراء قاعدة التجاوز فيهما مستلزم للمخالفة العملية كما هو واضح .
وحينئذ تصل النوبة إلى الاستصحاب ، ومقتضاه عدم الإتيان بشي منهما ، ولا مانع من جريانه بالنسبة إليهما ، لعدم التمانع بينهما ، على تقدير أن لا يكون هناك علم إجماليّ بفعل أحدهما ، وعدم استلزام جريانه فيهما مخالفة عمليّة على تقدير تعلّق العلم الإجمالي بالفعل والترك معاً ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ليس هو التناقض في أدلّة الاُصول ، بل المانع هو استلزامه

(1) العروة الوثقى 1: 695 ، المسألة التاسعة عشر .

(الصفحة112)

لمخالفة تكليف منجّز ، وحينئذ فلا مانع من جريانه في المقام ، ومقتضاه لزوم العود لتدارك التشّهد فقط ، لعدم التجاوز عن محلّه السهوي بخلاف السجود ، فإنّه محكوم بعدم الإتيان بحكم الاستصحاب ولا يجوز العود لتداركه بعد التجاوز عن محلّه السهوي كما هو المفروض ، بل مقتضى أصالة عدم الإتيان به وجوب تداركه بعد الفراغ مع سجود السهو .
وبالجملة: فلا يرى وجه للإعادة في المسألة أصلا .
الثامنة عشر:
إذا علم أنه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة ، فإن كان قبل الدخول في التشهّد أو قبل النهوض إلى القيام أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه ، وجب عليه العود إليها ، لبقاء المحلّ بالنسبة إليها ، وكون الشكّ بالنسبة إلى السجدة من الركعة السابقة بعد التجاوز ، وإن كان بعد الدخول في التشّهد أو في القيام ، فالحكم كما مرّ في المسألة المتقدّمة ، فيجب العود لتدارك السجدة من هذه الركعة والإتمام وقضاء السجدة من الركعة السابقة مع سجود السهو ، ولا تجب عليه الإعادة أصلا(1) كما عرفت .
التاسعة عشر:
إذا علم أنه إما ترك جزءً من الأجزاء المستحبة ، أو جزءً واجباً ، ركناً كان أو غيره ، كان من الأجزاء التي لها قضاء كالسجدة أو التشهّد ، أو من الأجزاء التي يوجب نقصها سجود السهو ، صحّت الصلاة(2); فيما لو كان الشكّ عارضاً بعد الفراغ أو بعد التجاوز عن محلّ الجزء الواجب .
وأمّا لو كان قبل التجاوز عن محلّه فيجب العود لتداركه لعدم جريان قاعدة

(1) العروة الوثقى 1: 695 ، المسألة العشرون .
(2) العروة الوثقى 1: 696 ، المسألة الحادية والعشرون .

(الصفحة113)

التجاوز بالنسبة إليه ، كما أنه لو كان قبل التجاوز عن محلّ الجزء المستحبّ يترجّح الإتيان به ، لعدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إليه ، كما لو علم إجمالا في حال القيام قبل أن يدخل في الركوع بأنّه إمّا ترك سجدة واحدة من الركعة السابقة أو القنوت ، فإنّه حينئذ تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ولا تجري بالنسبة إلى القنوت ، بل إستحباب الإتيان به بحاله بعد كون مقتضى الأصل عدم الإتيان به ، وهذا ممّا لا خفاء فيه .
كما أنه لا إشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ـ الواجب والمستحب ـ ولكن لم يكن للمستحب على تقدير عدم الإتيان به في محلّه أثر أصلا ، فإنّه حينئذ لا أثر للعلم الإجمالي لعدم ترتّب أثر على ترك المستحبّ في محلّه ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
ونظير ذلك يتصوّر بالنسبة إلى بعض الاُمور الواجبة كالجهر والإخفات في موضعهما ، حيث إنّه لا يترتّب على تركهما في محلّهما نسياناً أثر أصلا ، فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما ، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة صحّت صلاته ، ولا شيء عليه لعدم ترتّب أثر على ترك الجهر والاخفات ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشكّ البدوي .
إنّما الإشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ، ولكن كان للجزء المستحبّ على تقدير تركه في محلّه أثر فعليّ ، كما إذا تذكّر بعد الركوع أنه ترك القنوت في محلّه ، فإنّه قد ورد النصّ فيه بأنه يؤتى به بعده(1) ، وحينئذ فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك القراءة مثلا أو القنوت بعدما دخل في الركوع ، فهل يكون هذا نظير ما لو علم إجمالا بترك واحد من الجزئين الواجبين ، فلا تجري قاعدة التجاوز هنا بالنسبة إلى الجزء الواجب كما لا تجري هناك ، أو أنه حيث يكون الطرف الآخر هو الجزء

(1) الوسائل 6 : 287 ـ 288  . أبواب القنوت ب18 ح1 ـ 3  .

(الصفحة114)

المستحبّ ـ وهو ممّا يجوز تركه إختياراً ، ولا يترتّب عليه أثر من البطلان والعقوبة ـ يكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي الذي تجري فيه قاعدة التجاوز ، فتصح الصلاة في المثال ، ولا تجب سجدتا السهو لأجل ترك القراءة الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي بالترك؟ . وجهان:
والحقّ أن يقال: إنّه كان المناط في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم التناقض في أدلّة الاُصول صدراً وذيلا لو قيل بالجريان ، فاللازم في المقام اختيار الوجه الأول ، نظراً إلى أنه لا يجتمع العلم الإجمالي بترك واحد من الجزئين ، مع إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما الحاكمة بلزوم المضيّ وعدم الاعتناء باحتمال تحقق الترك في محلّه .
وأمّا لو قلنا بما هو الحق من أنّ المناط في عدم جريانه هو استلزام الجريان لمخالفة تكليف منجّز ، وحيث أنـّها قبيحة عقلا فلا يجوز أن يتعلّق الجعل بما يستلزمها ، لأنّ مرجعه إلى تجويزها وهو قبيح على الحكيم ، فلا مانع من جريان القاعدة في المثال بالنسبة إلى كلا الجزئين ، لعدم استلزامها مخالفة عمليّة لتكليف منجّز ، حيث إنّ ترك المستحبّ لا يكون معصية ، وترك الجزء الواجب مشكوك بالشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
فالعلم الإجمالي لا يكون له أثر التنجيز في المقام ، كما في سائر الموارد التي يشكّ في تحقق بعض الأجزاء أو الشرائط أو طروّ بعض الموانع ، فإنّ الجميع موارد لجريان القواعد الظاهرية المجعولة للشاك تسهيلا لأمر المكلّفين .
ضرورة أنه لو كان ما اعتبر في المأمور به وجوداً أو عدماً مطلوباً مطلقاً حتّى عند طروّ الشكّ ، لكان ذلك مستتبعاً للحرج الشديد والعسر الأكيد ، ولذا تصدّى الشارع لرفع حكمه عند الشكّ ، ومرجع الرفع إلى إجزاء المأتيّ به المستلزم لترتّب المصلحة على عمل الشاكّ العامل بالوظائف الظاهرية ، كترتبها على عمل العامل

(الصفحة115)

على طبق الواقع .
وبالجملة: لا مجال للاشكال في جريان القاعدة في المقام ، ولذا لم يحتمل البطلان في العروة أصلا .
العشرون:
إذا علم أنه إمّا ترك سجدة أو زاد ركوعاً ، قال في العروة: الأحوط قضاء السجدة وسجدتا السهو ، ثمّ إعادة الصلاة . ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بالقضاء وسجدتا السهو ، عملا بأصالة عدم الإتيان بالسجدة ، وعدم زيادة الركوع(1) ، إنتهى .
والتحقيق أنّ للمسألة صوراً ، لأنه إمّا أن يتذكّر ذلك بعدما تجاوز محلّ السجود مطلقاً ـ السهوي والشكّي ـ وإمّا أن يتذكّر بعد تجاوز خصوص محلّه الشكّي دون محلّه السهوي ، كما إذا لم يدخل في ركوع الركعة اللاحقة بعد ، وإمّا أن يتذكّر قبل تجاوز المحلّ الشكّي أيضاً .
وفي الصورة الاُولى ـ التي كان تذكّره بعد تجاوز المحلّين ـ تارة يكون تذكّره بعد الركوع في حال الاشتغال بالصلاة ، واُخرى يكون ذلك بعد الفراغ منها ، فهنا صور أربع ، ولكن حكم الأخيرتين واحد ، وليس في المسألة نصّ يرجع إليه ، ولم تكن معنونة بين الفقهاء حتّى ينقل فيها أقوالهم ، بل إنّما هي مسألة مفروضة لابدّ من الرجوع في حكمها إلى القواعد الكليّة واستنباطه منها ، فنقول:
أمّا الصورة التي كان التذكّر بعد تجاوز المحلّ مطلقاً ففيها وجوه:
أحدها: ما أحتمله سيّد الأساطين في العروة سابقاً ، فإنّه يحتمل أن يكون قد زاد ركوعاً ، فذمّته مشغولة بالصلاة بعد ، ويحتمل أن يكون قد نقص سجدة

(1) العروة الوثقى 1: 707 ، المسألة الخمسون .

(الصفحة116)

واحدة ، فلا يجب عليه إلاّ قضاؤها مع سجدتي السهو ، فهو يعلم إجمالا بأنه إمّا أبطل صلاته بزيادة الركوع ، فيكون عليه الإعادة ، أو ترك سجدة فعليه قضاؤها مع السجدتين ، فيحتاط بالقضاء وسجدتي السهو وإعادة نفس الصلاة .
ثانيها: وجوب إعادة الصلاة فقط ، لأنّ قضاء السجدة المنسية مع سجدتي السهو فرع صحة الصلاة ، والمفروض أنه بعد في شكّ منها فلا مجال له ، ولم يذكر هذا الاحتمال في العروة مع أنه ذكره في نظائر المسألة .
ثالثها: ما نفى عنه البعد في العروة من جواز الإكتفاء بقضاء السجدة والإتيان بسجود السهو ، مستدلا بأنّ الأصل عدم زيادة الركوع ، فلم تبطل صلاته ، وعدم الإتيان بالسجود ، فلا بدّ من قضائه .
ويدفع هذا الوجه أنّ استصحاب عدم زيادة الركوع وإن كان مقبولا لا مانع منه ، إلاّ أنه لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان بالسجود بعد تجاوز المحلّ كما هو المفروض ، لحكومة قاعدة التجاوز الجارية فيه عليه ، وليس الأمر كذلك بالاضافة إلى أصالة عدم زيادة الركوع ، لأنّ مجرى تلك القاعدة هو ما إذا احتمل الإخلال بالجزء في محلّه ، والزائد المحتمل هنا ليس بجزء .
والقول بوقوع المعارضة بين الاستصحاب الجاري في الركوع النافي لزيادته ، وبين قاعدة التجاوز الجارية في السجود الحاكمة بالإتيان به في محلّه ، وأثر التعارض التساقط ، فيرجع في السجود إلى استصحاب عدمه لخلّوه عن الحاكم بعد التساقط ، يلزمه عدم وجود محرز يحرز به عدم زيادة الركوع ، لأنّ المفروض سقوط الاستصحاب في جانبه بسبب التعارض مع القاعدة الجارية في السجود فتدبر .
ثمّ لا يخفى أنّ جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي قد وقع مورداً للخلاف من الجهتين:


(الصفحة117)

الجهة الاُولى: فيما إذا كان مورد بعض الأصول الجارية في أطرافه متقدّماً على مورد بعض آخر ، كما إذا كان بعض أطراف العلم هو احتمال صحة الصلاة ، والبعض الآخر هو احتمال الإتيان بما يوجب سجدتي السهو ، أو احتمال الاخلال بالجزء غير الركني مع عدم تجاوز المحلّ ، ومقتضاه لزوم الرجوع والتدارك .
ففي مثل هذه الموارد التي لو لم يكن في البين علم إجمالي كان الأصل المتقدّم والمتأخّر جاريين معاً ، فهل وقوع الاحتمال طرفاً للعلم الإجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه مطلقاً؟ كما إذا كانت الاطراف متساوية من حيث الرتبة ، أو أنّ وقوعه كذلك في المقام لا يمنع إلاّ عن جريان الأصل المتأخّر رتبة من حيث المورد؟ وأمّا الأصل المتقدّم فيجري كما كان يجري فيما لو لم يكن في البين علم إجمالي ، فإذا علم أنه صدر منه إمّا ما يوجب بطلان الصلاة وإمّا ما يوجب سجدتي السهو ، فهل هذا العلم يمنع عن جريان كلا الأصلين ، أو لا يمنع إلاّ عن خصوص الأصل الجاري في موجب السجود؟ ، الظاهر المنع مطلقاً وعدم الفرق بين صورتي اختلاف الرتبة وتساويها في عدم جريان شيء من الأصلين  ، لأنّ مفاد كلّ منهما ينفي مفاد الآخر ، وجريانهما معاً يستلزم مخالفة ما علمه إجمالا ، فهما من هذه الجهة مشتركتان .
الجهة الثانية: في مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصل مطلقاً وعدمها ، فنقول: قال الشيخ(قدس سره) في الرسائل في مبحث القطع والاشتغال ما ملخّصه: إنّه إذا علم بالتكليف علماً إجمالياً فلا تجوز مخالفته القطعية ، بأن يأخذ بالأصل في جميع الأطراف ويعمل به ، وأمّا المخالفة الاحتمالية فيجوز الإذن فيها(1) .
أقول: التكليف إذا كان متعلقاً للعلم الجزمي واليقين الذي لا يشوبه شكّ وريب ، فلا يجوز مخالفته أصلا ، ولو كان العلم المتعلّق به إجمالياً ، لأنّ تعلّق العلم به

(1) فرائد الاُصول كتاب القطع : 21 ـ 22  .

(الصفحة118)

أوجب تنجّزه على كلّ حال ، ومرجع ذلك إلى استحقاق العقوبة على ارتكاب الخمر الموجود في البين ، وأنّ عدم تميّزه تفصيلا لا يمنع عن جواز المؤاخذة عليه .
وفي هذه الصورة لا يصحّ الإذن ، ولو في ارتكاب بعض الأطراف ، لعدم اجتماع الإذن كذلك مع تنجّز التكليف على كلّ حال ، وأمّا لو لم يكن التكليف معلوماً ، بل قامت حجة إجمالية على ثبوته مثل قوله تعالى: {إنّما الخمر  . . .}(1) ، فإنّ غاية أمره أن يكون له ظهور في حرمة جميع أفراد الخمر ، مشكوكاً كان أو معلوماً ، والمعلوم مجملا كان أو مفصّلا .
ففي هذه الصورة لا مانع من ترك هذا الظهور بسبب ظهور آخر حاكم عليه ، مثل قوله عليه السلام: «كلّ شيء لك حلال  . . .(2)» ، الظاهر في أنه لا يريد إلاّ ترك الحرام الذي عرف بعينه وتميّز بشخصه ، ومقتضى ذلك عدم تنجّز التكليف إلاّ إذا كان معلوماً تفصيلا . ولا يخفى أنّ الأصحاب أبوا أن يتمسّكوا به في الشبهة المحصورة ، لما ورد فيها من طائفتين من الأخبار:
إحداهما: في السمن والجبن وأنه لا ينبغي أن يجتنب من أجل إدخال الميتة في سمن وجبن واحد(3) .
ثانيتهما: في الماء النجس المشتبه بين الإنائين ، وقد أمر بإهراقهما والتيمم(4) ، فعلموا من ذلك خروج الشبهة المحصورة عن عموم مثل: «كلّ شيء لك حلال» واختصاصه بمثل الجبن الواحد المشتبه بين كثير .
وحاصل الكلام أنه مع العلم بالتكليف لا مجال لجريان الأصل أصلا ومع

(1) المائدة : 90  .
(2) الوسائل 17: 89  . أبواب ما يكتسب به ب4 ح 4 .
(3) الوسائل 24: 235  . أبواب الأطعمة المحرّمة ب64 ح1 .
(4) الوسائل 1 : 151  . أبواب الماء المطلق ب8 ح2 .

(الصفحة119)

الحجة الاجمالية لا مانع منه ، وقد أطلق عليها العلم مجازاً كما لايخفى .
الحادية والعشرون:
لو علم أنه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً . قال في العروة: وجب الإتيان بقضائهما وسجدة السهو مرّة(1) .
أقول: فيما إذا لم يجز المحلّ يأتي بالتشهّد ويحتاط بعد الفراغ بقضاء السجدة ، ولكنّ الظاهر عدم لزوم هذا الإحتياط ، لعدم تجاوز الفرض عن الاحتمال ، فلا مانع عن جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ، وإذا جاز خصوص محلّه الشكّي دون السهوي ، فلا مجال حينئذ لجريان القاعدة للمعارضة ، ومقتضاها التساقط ، فلابدّ من الرجوع إلى استصحاب العدم ، فيرجع ويتدارك التشهّد ويقضي السجدة بعد الفراغ .
ومثله في عدم جريان القاعدة ما إذا جاز المحلّين ودخل في ركوع الركعة اللاحقة ، فإنّ مقتضى استصحاب عدم الإتيان بشي منهما لزوم تداركهما ، غاية الأمر إنّه يتداركهما بعد الفراغ ، ويسجد سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة .
الثانية والعشرون:
إذا علم أنه إمّا ترك سجدة من هذه ، أو من السابقة ، ففي صورة تجاوز المحلّين يتمّ صلاته ويقضي سجدة بعد الفراغ . ويأتي بسجدتي السهو ، ومع عدم تجاوز المحلّ الشكّي يرجع فيتدارك ، وله أن يحتاط بعد الفراغ بقضاء السجدة ، ومع تجاوز المحلّ الشكّي دون السهوي يكون الكلام فيه مثل ماتقدّم .


(1) العروة الوثقى 1: 708 ، المسألة الثانية والخمسون .

(الصفحة120)






<<التالي الفهرس السابق>>