(الصفحة361)
مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع»(1) وغير ذلك .
هذا ، والظاهر أنّ الجمع بين الطائفتين ـ بحمل الطائفة الاُولى على كراهيّة الاقتداء في تلك الركعة واستحباب التأخير إلى الركعة الآتية فلا منافاة بينها وبين الطائفة الثانية الظاهرة في جواز الاقتداء وتحقّقه في تلك الركعة ـ مستبعد جدّاً ، لأنـّه بعد إمكان إدراك فضيلة الجماعة في هذه الركعة لا تتصوّر كراهيّة الاقتداء واستحباب التأخير إلى الركعة الآتية كما لا يخفى ، فهذا النحو من الجمع ممّا لا سبيل إليه .
والظاهر لزوم الأخذ بالطائفة الثانية الموافقة للمشهور ، إمّا لكون الطائفة الاُولى مرويّة عن الإمام الباقر(عليه السلام) والثانية عن الإمام الصادق(عليه السلام) ، وهو يدلّ على كون الحكم الصادر عن الإمام السابق صادراً لمانع ـ كما قد قرّر في باب التعادل والترجيح من مباحث الأصول ـ ، وإمّا لكون الطائفة الاُولى لا تتجاوز عن رواية واحدة ، لكون الراوي في جميعها محمّد بن مسلم ، والطائفة الثانية روايات متعدّدة متكثّرة .
وإن أبيت عن وقوع التعارض بينهما وعدم كون شيء ممّا ذكر من المرجّحات بمرجّح ، فلا محيص عن ترجيح الطائفة الثانية لكونها موافقة لفتوى المشهور ، والشهرة في الفتوى من المرجّحات بلا ريب ، بل هي أوّلها ، كما اخترناه وحقّقناه في محلّه(2) ، بل هذه المسألة إجماعيّة كما في محكيّ خلاف الشيخ(قدس سره)(3) .
(1) الفقيه1 : 254 و265 ح 1150و 1214; التهذيب 3 : 45 ح157; الوسائل 8 : 383 . أبواب صلاة الجماعة ب45 ح 3و4 .
(2) نهاية الاُصول : 543 .
(3) الخلاف 1 : 622 مسألة 392 .
(الصفحة362)
ويؤيّد ما ذكرنا ، الروايات الواردة في أنّ من خاف أن يرفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يصل إلى الصفوف جاز له أن يركع مكانه ويمشي راكعاً أو بعد السجود ، وتكفي تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع(1) ، وكذا الروايات الواردة في استحباب تطويل الإمام الركوع ليلحق به المأموم(2) .
هذا ولكنّ الظاهر أنه لو قطعنا النظر عن الشهرة التي هي أوّل المرجّحات ، لما كان محيص عن الأخذ بمقتضى الطائفة الاُولى ، لكونها مخالفة لفتاوى العامّة ، حيث إنّهم متّفقون ظاهراً على تحقّق درك الجماعة بإدراك الإمام في الركوع ، ولا يتوقّف على إدراك تكبيرته(3) .
ثمّ إنّه ليس المراد بإدراك الإمام في الركوع إدراكه فيه مع الطمأنينة المعتبرة فيه التي هي عبارة عن الاستمرار على ذلك الوضع ، وتلك الكيفية بمقدار الذكر الواجب ، بل الظاهر كفاية إدراكه في الركوع ولو كان متّصلا بقيام الإمام عنه بلا فصل . هذا كلّه فيما يتعلّق بالاقتداء في الركوع .
وأمّا الاقتداء بالإمام بعد الركوع في حال القيام أو السجود فلم يقع مورداً للنصّ إلاّ في الركعة الأخيرة ، حيث ورد النصّ فيها على جواز التكبير ومتابعة الإمام في السجود أو في التشهّد ، ثمّ استئناف الصلاة من رأس من غير احتياج إلى إعادة التكبير(4) ، ويمكن أن يستفاد من ذلك النصّ جواز الاقتداء في حال السجود في غير الركعة الأخيرة ولكن لا يعدّها ركعة وسيأتي .
وأمّا المأموم المسبوق بركعتين أو أزيد ، فلا إشكال عند علمائنا الإمامية في أنه
(1) راجع الوسائل 8 : 384 . أبواب صلاة الجماعة ب46 .
(2) راجع الوسائل 8 : 394 . أبواب صلاة الجماعة ب50 .
(3) المجموع 4: 556 و558; المغني لابن قدامة 2: 158; الشرح الكبير 2: 177; تذكرة الفقهاء 4: 42 مسألة 397.
(4) راجع الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 .
(الصفحة363)
يجب عليه أن يجعل ما أدركه أوّل صلاته ، بأن يقرأ فيما يدركه من ركعة أو ركعتين فاتحة الكتاب وسورة(1) ، خلافاً للعامّة حيث إنّهم متفقون في أنه يجعل آخر صلاته أوّله وأوّل صلاته آخره ، ويصير ما لم يدركه من أوّل صلاته قضاءً .
نعم ، ظاهر الشافعي الحكم بمثل مقالة الإمامية وإن اختلف معنا في بعض الفروع ، كما أنّ ما عداه من أئمّتهم مختلفون في بعض الفروع ، وإن اتّفقوا في جعل الأوّل آخراً وبالعكس(2) ، وعليه فيجوز للمأموم التسبيح في الركعة أو الركعتين بناءً على القول بوجوبه ، بل لا يجب عليه شيء من القراءة والتسبيح بناءً على القول بعدم وجوب شيء في الأخيرتين ، كما ذهب إليه أبو حنيفة(3) .
هذا ، والأخبار الواردة من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، الظاهرة بل الصريحة في إنكار ما عليه العامّة ، من جعل الأوّل آخراً وبالعكس كثيرة ، وقد جمعها في الوسائل في باب 47 من أبواب الجماعة ، ولا بأس بنقل بعضها فنقول :
منها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا فاتك شيء مع الإمام فاجعل أوّل صلاتك ما استقبلت منها ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(4) .
ومنها : رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الاُولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : «يتجافى ولايتمكّن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له
(1) المعتبر2 : 446; المنتهى 1 : 383; تذكرة الفقهاء4 : 321; نهاية الأحكام 2 : 134; روض الجنان : 376; رياض المسائل 4 : 365 .
(2) المغني لابن قدامة 2 : 260; الشرح الكبير 2 : 11; المجموع 4 : 220; تذكرة الفقهاء 4 : 321 مسألة 594 ; وليس بينهم في المسألة اتّفاق ، بل هم على قولين; راجع تذكرة الفقهاء في هذه المسألة .
(3) المجموع 3 : 361; المغني لابن قدامة 1 : 561; الشرح الكبير 1 : 560; تذكرة الفقهاء 3 : 144 .
(4) الفقيه 1 : 263 ح1198; الوسائل 8 : 386 .أبواب صلاة الجماعة ب47 ح1 .
(الصفحة364)
الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد ثمّ يلحق بالإمام» قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : «إقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف الإمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أوّل ماأدرك أوّل صلاته ، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته اُمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين في كلّ ركعة باُمّ الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأُمّ الكتاب وسورة ثم قعد فنشهّد ، ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة»(2) ، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يجب أن يجعل ما أدرك أوّل صلاته .
وعليه فيجب على المأموم قراءة الفاتحة والسورة فيما يدركه مع الإمام ، حيث إنّ ما أدركه يكون أوّل صلاته ويجب في الأوّلتين الفاتحة والسورة معاً ، خلافاً لصاحب المدارك حيث إنّه بعد إيراد صحيحتي زرارة وعبدالرحمن بن الحجّاج المتقدّمتين قال ما لفظه :
ومقتضى الروايتين أنّ المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين
(1) الكافي 3 : 381 ح1; التهذيب 3 : 46 ح159; الاستبصار 1 : 437 ح 1684; الوسائل 8 : 387 .أبواب صلاة الجماعة ب47 ح2 .
(2) التهذيب 3 : 45 ح158; الاستبصار1 : 436 ح1683; الفقيه1 : 256 ح 1162; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح4 .
(الصفحة365)
الأخيرتين ، وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرّض لذلك ، وقال العلاّمة(رحمه الله) في المنتهى : الأقرب عندي القراءة مستحبّة . ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلاّ تخلو الصلاة عن قراءة ، إذ هو مخيّر في التسبيح في الأخيرتين وليس بشيء ، فان احتجّ بحديث زرارة وعبدالرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم(1) .
هذا كلامه(رحمه الله) ولا يخلو من نظر ، لأنّ ما تضمّن سقوط القراءة باطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصّلين ، لوجوب حمل الاطلاق عليهما ، وإن كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأنّ النهي في الرواية الاُولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكّن من القعود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب أو النهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيهما من الأوامر على الوجوب أو المناهي على التحريم ، مع أنّ مقتضى الرواية الاُولى كون القراءة في النفس ، وهو لايدلّ صريحاً على وجوب التلفظ بها . وكيف كان ، فالروايتان قاصرتان عن إثبات الوجوب(2) . انتهى كلام صاحب المدارك .
قال في المصباح بعد نقل هذا الكلام : وقد أكثر في الجواهر من ذكر المؤيّدات لهذا القول ، ثمّ اعترف في ذيل كلامه بأنّ شيئاً منها ليس بشي يلتفت إليه في مقابل ما سمعت ، كما أنه لا ينبغي الالتفات إلى ما ذكره في المدارك وجهاً للخدشة في دلالة الصحيحتين على الوجوب ، بعد وضوح عدم كون إرادة الكراهة من النهي عن القراءة في الاخيرتين بعد تسليمها .
والغضّ عمّا ذكرناه في محلّه في توجيه النهي ، موهن لإرادة الوجوب من الامر
(1) المنتهى 1 : 384 .
(2) مدارك الاحكام 4 : 383 .
(الصفحة366)
الواردة في الفقرة السابقة عليه أو اللاحقة به ، وكذا عدم صلاحيّة إرادة الاستحباب من الأمر بالتجافي في صحيحة ابن الحجّاج ، قرينة لإرادة الاستحباب من الأمر الآخر الوارد في الجواب عن مسألة اُخرى ، لا ربط لها بالاُولى كما هو واضح(1) . إنتهى كلامه .
وبملاحظته ينقدح أنه لا مجال للإشكال في وجوب قراءة الفاتحة والسورة ، كما قد حكي عن جماعة من أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والسيّد والحلبي والصدوق والكليني(2) وكثير من المتأخّرين(3) .
ثمّ إن أمهله الإمام أن يقرأهما فلا إشكال في الوجوب ، وإن أمهله أن يقرأ الفاتحة فقط فمقتضى صيحة زرارة المتقدّمة سقوط وجوب السورة ، وإن لم يمهله أن يتمّ الفاتحة أيضاً بحيث كان إتمامها موجباً للخوف من عدم إدراك الإمام في الركوع واللحوق به فيه .
فهل الحكم بطلان القدوة وصيرورة الصلاة فرادى ، أو أنّ الجماعة باقية بعد ، ويجب عليه إتمام الفاتحة واللحوق بالإمام فيما يمكنه أن يدركه معه ولو في حال السجود أو بعده ، أو أنه يجب عليه متابعة الإمام في الركوع ويسقط ما لم يمهله الإمام من الفاتحة؟
وعلى الأخير فهل يجوز له أن يتابع الإمام في الركوع فوراً ، أو أنّه يجب عليه إدامة القراءة إلى حدّ يمكنه إدراك الإمام في بقاء الركوع ، فلو كان ركوعه طويلا لا يجوز للمأموم أن يرفع اليد عن القراءة بمجرّد إحداث الإمام الركوع؟ وجوه
(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 697 .
(2) التهذيب3 : 46; الاستبصار 1 : 437; النهاية : 115; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 41; الكافي في الفقه : 145; الفقيه 1 : 263; الكافي3 : 381 .
(3) منهم : صاحب الحدائق 11 : 247 والبهباني في شرح المفاتيح 7 : 219 ـ 221; رياض المسائل 4 : 367 .
(الصفحة367)
واحتمالات :
أمّا الوجه الأوّل فيبتني على أنّ الصلاة تحتاج إلى فاتحة الكتاب بمقتضى قول : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» ، غاية الأمر أنّ قراءة الإمام في الأوّلتين تسقطها عن المأموم ، لأنـّه ضامن له ، وأمّا فيما لو اقتدى بالإمام في الثالثة أو الرابعة فلا دليل على سقوط القراءة ، وحيث إنّه لا يمكن الإتيان بها ثمّ إدرك الإمام في الركوع ـ والمفروض أنه تجب المتابعة في الأفعال ـ فلا محيص عن الذهاب إلى بطلان الجماعة ، وصيرورة الصلاة فرادى فيما لو لم يعلم ذلك من أوّل الشروع ، وإلاّ فلم تصر صلاته جماعة حتى تصير فرادى كما لا يخفى .
ويردّ هذا الوجه الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ إدراك الركعة يتحقّق بإدراك الركوع ، فضلا عن إدراك تكبيرة الركوع أيضاً ، فإنه إذا كان الاقتداء بالإمام في الركوع وإدراكه معه موجباً لتحقّق الجماعة في تلك الركعة ، فإدراكه في حال القيام يوجب ذلك بطريق أولى .
ومن هذا يظهر بطلان الوجه الثاني ، فإنّه إذا كانت القراءة بأسرها ساقطة عن المأموم فيما لو أدرك الإمام في الركوع ، فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
وحينئذ فلا مجال لملاحظة حال دليل وجوب المتابعة مع دليل وجوب الفاتحة في الصلاة وعدم تماميّتها بدونها ، فإنّه يكون حال المسألة بعينها حال مالو أدرك الإمام في تكبيرة الركوع في الركعة الثالثة أو الرابعة .
ودعوى الفرق بين المسألتين بأنّه هناك لا يتمكّن من قراءة شيء من الفاتحة ، فلا يتوجّه إليه الأمر المتعلّق بها أصلا ، وهذا بخلاف المقام فإنّه قد توجّه إليه الأمر بالفاتحة بعد الاقتداء كما هو المفروض ، لأنّ الكلام إنما هو على تقدير وجوب قراءتها في الأخيرتين اللتين هما أوّلتان للمأموم ، فالمزاحم لدليل وجوب الفاتحة
(الصفحة368)
إنما هو وجوب الإتمام لا وجوب أصل قراءة الفاتحة ، ولا دليل لترجيح وجوب المتابعة .
مدفوعة بأنّه لا يرى العرف فرقاً بين المسألتين من هذه الجهة ، بل يستكشف حال المقام من الأخبار الواردة في تلك المسألة ، بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة اُخرى عن الغاء الخصوصيّة ، كما نبّهنا عليه مراراً ، ومرجع ذلك إلى أنّ الأمر بالفاتحة ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب تعدّد أجزاء الفاتحة ، فإذا كانت الأوامر المتعلّقة بأجزائها ساقطة بأسرها فيما لو أدرك الإمام في الركوع فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
والذي يستفاد من تلك الاخبار أنّ المعتبر في إدراك الجماعة في الركعة إدراك الإمام في الركوع ، وإلاّ فلا وجه لإيجاب متابعته في الركوع فيما لو أدركه فيه ، بل كان اللازم هناك قراءة الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، فرفع اليد عن قراءة الفاتحة وإيجاب متابعة الإمام في الركوع دليل على مدخليّة المتابعة في الركوع في تحقّق الجماعة في الركعة .
ولعلّ السرّ فيه أنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة كما نبّهنا عليه في مسألة الركوع وحزئيته للصلاة ، فلا معنى لتحقّق الجماعة في الركعة مع عدم إدراك ركوع الإمام .
هذا ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى ما ذكر ، رواية معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : «نعم»(1) .
فإنّه يستفاد منها أنه مع عدم إمهال الإمام حتى يقرأ المأموم لا مجال لرفع اليد عن متابعته بإتمام القراءة ، بل لابدّ من متابعة الإمام في الركوع ، بل يستفاد منها أنّ
(1) التهذيب 3 : 47 ح 162 وص274 ح797; الاستبصار 1 : 438 ح 1687; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح5 .
(الصفحة369)
ذلك كان مفروغاً عنه عند السائل ، ولذا لم يسأل عنه ، بل إنّما سأل عن أمر آخر وهو قضاء القراءة في آخر صلاته أي في الركعتين الأخيرتين ، وظاهر الجواب وإن كان وجوب ذلك ـ وهو ممّا لم يقل به أحد ـ إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في الاستدلال بالرواية لما نحن بصدده كما هو واضح .
ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً مرسلتا دعائم الاسلام :
1 ـ ما أرسله في محكيّها عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «وليقرأ فيما بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام»(1) فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم وجوب القراءة مع عدم إمهال الإمام .
2 ـ مرسلتها أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام ، أو ما أدركت أن تقرأ»(2) فإذاً ينقدح أنّ الظاهر عدم وجوب قراءة ما بقي من الفاتحة ممّا يزاحم المتابعة مع الإمام في الركوع(3) .
وأمّا حكم التشهّد فإن كان واجباً على الإمام دون المأموم كما في المأموم المسبوق بركعة ، حيث إنّه لا يجب عليه التشهّد في الركعة الثانية للإمام التي هي الركعة الاُولى له ، فالظاهر أنّه يجب عليه المتابعة للإمام في الجلوس فقط ، بناءً على اختصاص وجوب المتابعة بالأفعال ، وفي التشهّد بناءً على عدم الاختصاص ووجوب المتابعة في الأقوال أيضاً .
والظاهر استحباب كون القعود على نحو التجافي ، وإن نسب إلى الصدوق الوجوب ، بل استظهر من جملة من القدماء(4) ، وقوّاه جماعة من متأخّري
(1) دعائم الاسلام1: 191; بحار الانوار 85 : 113; مستدرك الوسائل 6 : 489 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح1 .
(2) دعائم الاسلام 1 : 192; مستدرك الوسائل 6 : 490 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح4 .
(3) وان كان سيّدنا العلاّمة الأستاذ ـ دام ظله الوارف ـ استقرب في حاشية العروة : 61 ، إتمام الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، إلاّ أنه قد عدل عنه واستظهر عدم وجوب الاتمام لما ذكر (المقرّر) .
(4) الفقيه 1 : 263; الكافي 3 : 381 ح1 ; الكافي في الفقه : 145; الغنية : 89 ; السرائر 1 : 287 .
(الصفحة370)
المتأخّرين(1) إستناداً إلى ظاهر صحيحتي ابن الحجّاج والحلبي المتقدّمتين(2) ، إلاّ أنّ الظاهر عدم نهوضهما دليلاً على الوجوب ، خصوصاً بعد كون هذا النحو من الجلوس لا يلائم المتابعة المرعيّة شرعاً في أفعال الصلاة كما لايخفى .
وإن كان التشهّد واجباً على المأموم دون الإمام ، كما في المأموم المسبوق بركعة أيضاً بالنسبة إلى الركعة الثالثة للإمام التي هي له ركعة ثانية ، فالظاهر أنّه يجب عليه أن يجلس للتشهّد ، غاية الأمر إنّه يقتصر فيه ثمّ يلحق بالإمام ، ويتابعه فيما يأتي به . هذا وقد جمع الروايات الواردة في حكم التشهّد في الوسائل في باب (66 و67) من أبواب صلاة الجماعة .
وأمّا إدراك الإمام بعد رفع الرأس من الركوع ، فلم يتعرّض الأصحاب لحكمه ، إلاّ في خصوص الركعة الأخيرة(3) ، كما أنّ أكثر الروايات الواردة في هذا المقام قد وردت في خصوص هذه الركعة ، نعم اطلاق بعضها يشمل غير الأخيرة أيضاً .
وكيف كان ، فلنذكر عدّة من الروايات الواردة في هذا الباب :
منها : رواية معلّى بن خنيس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها»(4) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : «إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك
(1) مفاتيح الشرائع 1 : 167 ; جواهر الكلام 14 : 50; رياض المسائل 4 : 369; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 699; العروة الوثقى 1 : 620 مسألة 19 .
(2) الوسائل 8 : 418 . أبواب صلاة الجماعة ب67 ح1 و 2 .
(3) شرائع الاسلام 1 : 116 ; تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595; جامع المقاصد 2 : 502; مجمع الفائدة والبرهان 3 : 334; مدارك الأحكام 4 : 385; رياض المسائل 4 : 370 .
(4) التهذيب 3 : 48 ح166 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح2 .
(الصفحة371)
لفضل الصلاة مع الإمام»(1) ، وفي سند الرواية إرسال ، حيث إنّه لا يمكن لمحمّد بن أحمد بن يحيى أن يروي عن ابن أبي نصر من دون واسطة ، لأنّه من الطبقة السادسة من الطبقات التي رتّبناها ، وهو من الطبقة الثامنة ولابدّ أن يتوسّط بينهما واحد من الطبقة السابعة .
وكيف كان ، فهل المراد بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة الدخول في الصلاة بالإتيان بتكبيرة الإحرام ثمّ متابعة الإمام في تلك السجدة ، أو أنّ المراد به هو إدراكه في السجدة بمتابعته فيها من غير سبق تكبيرة الإحرام؟ وعلى الأوّل هل يستفاد من الرواية كون هذا الإدراك نظير إدراك الإمام في الركوع من حيث عدم الاحتياج إلى إعادة تكبيرة الإحرام ـ وإن كان بينهما فرق من جهة كون إدراك الإمام في الركوع يوجب تحقّق الجماعة في تلك الركعة ، وإدراكه في السجود لا يحقّق ذلك ، بل لابدّ من الإتيان بجميع ركعات الصلاة ـ أو أنّه لا يستفاد منها إلاّ مجرّد كون هذا النحو من الإدراك يوجب درك فضيلة الصلاة مع الإمام؟ وهذا لا ينافي وجوب استئناف الصلاة من رأس والإتيان بجميع أجزائها حتّى تكبيرة الافتتاح .
وهنا احتمال آخر في الرواية ، وهو أن يكون المراد بإدراكه في السجدة الأخيرة هو إدراكه فيها بالتكبير في حال سجود الإمام من دون متابعته في السجدة ، إذ لا دلالة فيها على المتابعة فيها ولا يحتاج إليها أيضاً ، لما عرفت من أنّ حقيقة الائتمام ترجع إلى جعل الصلاة مرتبطة بصلاة الإمام ، ولاتكون المتابعة في الأفعال مقوّمة لحقيقة الائتمام ، بل غايتها أنّها واجبة نفساً كما عرفت .
ومنها : رواية أبي هريرة التي رواها ابن الشيخ(رحمه الله) في محكيّ مجالسه بسند عاميّ قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في السجود فاسجدوا ولا
(1) التهذيب 3 : 57 ح197; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح1 .
(الصفحة372)
تعتدّوها شيئاً ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة»(1) ، وهل المراد من عدم الاعتداد ، عدم الاعتداد بالسجدة التي أدركها مع الإمام ، فلا ينافي الاعتداد بتكبيرة الافتتاح على تقدير وجوب الإتيان بها قبل السجود ، أو أنّ المراد به عدم الاعتداد بجميع ما أتى به حتّى التكبيرة على تقدير وجوبها؟
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الروايات الواردة في هذه المسألة التي يمكن الاستناد إليها فيها من حيث الدلالة لا ينهض شيء منها على لزوم كون إدراك الإمام في السجود مسبوقاً بتكبيرة الافتتاح ، فضلاً عن كونها مجزية عن تكبيرة الصلاة ، بحيث لم يجب استئنافها بعد الخروج عن متابعة الإمام .
نعم ، روى معاوية بن شريح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة ، ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة»(2) . وظاهرها وجوب التكبير على تقدير إرادة درك فضيلة الصلاة مع الإمام ثمّ متابعته في السجود .
هذا ، ولكن يحتمل أن لا يكون قوله : «ومن أدرك الإمام وهو ساجد . . .» ، من كلام الإمام(عليه السلام) ، بل كان من كلام الصدوق كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، حيث إنّ بناءه على ذكر فتواه بعد نقل الرواية . ويؤيّده خلوّ ما في التهذيب(3) عن هذا الذيل .
(1) امالي الطوسي 1 : 398; الوسائل 8 : 394 ، أبواب صلاة الجماعة ب49 ح7 .
(2) الفقيه 1 : 265 ح1214; الوسائل 8 : 393 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح6 .
(3) التهذيب 3 : 45 ح157 .
(الصفحة373)
هذا ، ولكنّه على تقدير أن يكون من كلام الإمام(عليه السلام) لا دلالة للرواية على كون المراد بالتكبير هي تكبيرة الافتتاح ، وعلى تقدير كون المراد به ذلك ، لا دلالة فيها على إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، بحيث لم يجب الاستئناف لو لم نقل بظهور قوله : «ولم يعتدّ بها» ، في عدم الاعتداد بشيء ممّا أتى به من التكبير والسجود لا عدم الاعتداد بخصوص السجود .
وأمّا فتاوى الأصحاب فقال الشيخ(قدس سره) في النهاية : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك السجدة ، فإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، وإن أدركه وهو في حال التشهّد جلس معه حتّى يسلّم ، فإذا سلّم الإمام قام فاستقبل صلاته(1) .
وقال في المسبوط : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتدّ بهما ، وإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، فإن أدركه في حال التشهّد استفتح وجلس معه ، فإذا سلّم الإمام قام واستقبل القبلة ، ولا يجب عليه إعادة تكبيرة الإحرام(2) .
وقال في التهذيب : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، ولا يعتدّ بذلك السجود(3) .
وقال الصدوق في الفقيه : ومن أدرك الإمام وهو ساجد إلى آخر ذيل الرواية المتقدّمة ، بناءً على أن يكون من كلام الصدوق لا تتمّة للرواية(4) .
وقال الحلّي في السرائر : ومن أدركه ساجداً جاز أن يكبّر تكبيرة الافتتاح
(1) النهاية : 116 .
(2) المبسوط 1 : 159 .
(3) التهذيب 3 : 48 .
(4) الفقيه 1 : 265 ذيل ح1214 .
(الصفحة374)
ويسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك الركعة والسجدة(1) .
وقد انقدح بذلك أنّه لا دلالة لما عدى عبارة الشيخ في المبسوط والحلّي في السرائر على لزوم كون إدراك الإمام في السجدة مسبوقاً باستفتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام فضلاً عن إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، وعلى هذا يمكن دعوى الشهرة على خلاف الشيخ والحلّي ، مضافاً إلى أنّ فتواهما ما يوافق مع العامّة في هذا الباب .
وكيف كان ، فما يحتمل في المسألة أمور :
أحدها : ما حكي عن العلاّمة في جملة من كتبه كالتذكرة ونهاية الأحكام من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الإحرام ويتابع الإمام في السجود وما بعده ، ثمّ يستأنف الصلاة ويفتتحها بتكبيرة ثانية ، مستدلاًّ لذلك ببطلان الصلاة بمتابعة الإمام في السجود ، لكونه ركناً وزيادة الركن مبطلة ، ولا دليل على اغتفارها هنا من نصّ أو إجماع(2) .
هذا ، ويرد عليه عدم معقوليّة ذلك ، فإنّ من يعلم بأنّه يبطل صلاته بزيادة الركن ، بل بكونه مكلّفاً بالابطال للمتابعة ، كيف يتمشّى منه نيّة الصلاة المشتملة على الركعات المعيّنة؟! ، فإنّ الإرادة وإن كانت من الاُمور الاختياريّة ، إلاّ أنّها ليست بحيث يمكن تعلّقها بكلّ شيء جزافاً ، بل لابدّ لها من مقدّمات ومبادئ ، ولايمكن تحقّقها بدونها ، ومن المعلوم عدم إمكان تعلّقها بالصلاة في المقام ، مع العلم بأنّه لا يتمّها ولا تصدر منه ، فهذا الاحتمال مردود لأجل عدم المعقوليّة .
ثانيها : ما حكي عن الشهيد الثاني في أكثر كتبه من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الافتتاح ، ويقوم على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يأتي المأموم بباقي صلاته من غير إعادة التكبير; والأفضل له متابعة الإمام في
(1) السرائر 1 : 285 .
(2) تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595 فرع ـ ج ـ ; نهاية الأحكام 2 : 132 .
(الصفحة375)
السجود(1) ، وهذا الاحتمال في نفسه معقول متصوّر ، ولكن لابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام ، وأنّها هل تنطبق عليه أم لا؟
ثالثها : ما احتملناه في رواية محمّد بن مسلم من متابعة الإمام في السجود من غير افتتاح بالتكبير ثمّ الاستئناف من رأس(2) .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مانع من نيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة الافتتاح برجاء إدراك فضل الجماعة . ثمّ القيام على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يتمّ المأموم صلاته من غير إعادة التكبير ، ولاتجب المتابعة في السجود كما أفتى به الشهيد الثاني ، نظراً إلى رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله البصري عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه ، وإن كان قاعداً قعدت ، وإن كان قائماً قمت»(3) ، لظهورها في عدم لزوم المتابعة فتصير قرينة على حمل الروايات المتقدّمة على الاستحباب ، كما أنّ الاحتياط يحصل بنيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة برجاء ذلك ، ومتابعة الإمام في السجود ، وإتمام الصلاة ثمّ إعادتها كما لايخفى .
هذا كلّه فيما لو أدرك الإمام في حال السجود ، وأمّا لو أدركه في حال التشهّد فمقتضى رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهّد وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه؟ قال : «لا يتقدّم الإمام ولايتأخّر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته»(4) إنّه يستفتح الصلاة ويتابع الإمام في حال التشهّد ، ثمّ يقوم
(1) منها : المسالك 1 : 323 ; الروضة 1 : 383 ـ 384 ; روض الجنان : 292 .
(2) راجع 3 : 370 .
(3) التهذيب 3 : 271 ح780; الكافي 3 : 381 ح4; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح5 .
(4) الكافي 3 : 386 ح7; التهذيب 3 : 272 ح788 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح3 .
(الصفحة376)
فيتمّ صلاته من غير إعادة التكبير .
ولا استبعاد في الفرق بين إدراك الإمام في السجود وإدراكه في التشهّد من هذه الجهة ، وهي لزوم استفتاح الصلاة فيما بعد في الأوّل وعدم لزومه في الثاني ، بل تكفي التكبيرة السابقة على التشهد ، فإنّ التشهّد ليس من أركان الصلاة ولا تكون زيادته مبطلة ، وهذا بخلاف السجدتين .
مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على أزيد من وجوب القعود خلف الإمام في حال التشهّد ، ولا دلالة فيها على لزوم المتابعة في التشهّد أيضاً . هذا ، مضافاً إلى أنّه لم ينقل الخلاف هنا في عدم الاحتياج إلى استئناف تكبيرة الإحرام ، وقال بذلك من قال بلزوم تكبير مستأنف فيما لو أدركه في السجود كالمحقّق في الشرائع(1) .
ثمّ إنّ هنا رواية اُخرى لعمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال : يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم»(2)وظاهرها النهي عن القعود مع الإمام ، كما أنّ ظاهر روايته المتقدّمة الأمر بالقعود خلفه ، والجمع بينهما أنّ روايته الاُولى ظاهرة في التشهد الأخير ، وهذه في التشهد الأوّل الذي يمكن معه إدراك الإمام فيما بعد من الركعة الثالثة ، أو هي مع الركعة الرابعة ، وبذلك يرتفع التدافع بين الروايتين .
إعادة المنفرد صلاته جماعةً
تستحبّ إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة جماعة ، إماماً كان أو مأموماً ، وللمسألة صور :
(1) شرائع الإسلام 1 : 116 .
(2) التهذيب 3 : 274 ح793 ; الوسائل 8 : 393 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح4 .
(الصفحة377)
1 ـ ما ذكر وهو الإتيان بالصلاة الأدائيّة منفرداً ، ثمّ وجدان جماعة يصلّون تلك الصلاة كذلك جماعة ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من الفتاوى والنصوص الواردة في هذا الباب(1) .
2 ـ الإتيان بها منفرداً ثمّ وجدان جماعة يصلّون صلاة اُخرى ، كما إذا صلّي صلاة الظهر ، ثمّ وجد جماعة يصلّون العصر جماعة أو يصلّون صلاة الظهر القضائيّة لا الأدائيّة .
3 ـ ما إذا أتى بصلاته جماعة ، ثمّ أراد الإتيان بها ثانياً كذلك . وهو تارة يكون إماماً في كلتيهما ، واُخرى مأموماً كذلك ، وثالثةً إماماً في الاُولى ومأموماً في الثانية ، ورابعةً عكس ذلك .
وعلى التقادير تارة تكون الجماعة الثانية هي الجماعة الاُولى ، واُخرى جماعة اُخرى . وما عدا الصورة الاُولى من هذه الصور يشكل استفادة استحباب الإعادة فيه من الروايات الواردة في المسألة التي جمعها في ا لوسائل في باب ـ 54 ـ من أبواب الجماعة ، فاللاّزم ملاحظة كلّ واحدة منها فنقول :
منها : رواية هشام المتّحدة تقريباً مع رواية حفص بن البختري(2) من حيث المتن عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال : «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء»(3) ، والظاهر أنّ موردها هو الرجل الذي صلّى وحده ، ثمّ وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، فلا تشمل ما عدى الصورة الاُولى .
(1) المعتبر 2 : 428 ; تذكرة الفقهاء 4 : 275 مسألة 559; المنتهى 1 : 379; مدارك الأحكام 4 : 341; رياض المسائل 4 : 325; مستند الشيعة 8 : 168 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 .
(2) الكافي 3 : 379 ح1; التهذيب 3 : 50 ح176; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح11 .
(3) الفقيه 1 : 251 و262 ح1132 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح1 .
(الصفحة378)
ثمّ إنّ التعبير بأنّه(عليه السلام) «قال في الرجل يصلّي . . .» ، يحتمل لأن يكون الموضوع ـ وهو الرجل الموصوف بالوصف المذكور ـ مورداً لسؤال الراوي ، والصادر من الإمام(عليه السلام) إنّما هو الحكم المترتّب عليه ، ويحتمل لأن يكون الموضوع مذكوراً في كلام الإمام(عليه السلام) .
ونظير هذه الرواية في عدم الشمول ما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «لاينبغي للرجل أن يدخل معهم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها وإن كان قد صلّى ، فإنّ له صلاة اُخرى»(1) .
فإنّ الظاهر أنّ الصلاة التي يدخل الرجل معهم فيها وينبغي له أن ينويها صلاة ويحسب له صلاة اُخرى ، هي نفس تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، والمراد بأنّ له صلاة اُخرى أنّه يثاب عليها أيضاً ، كما يثاب على ما صلاّها وحده ، فله ضعف ثواب صلاة الظهر مثلاً إذا أتى بها كذلك ، فلا دلالة لهذه الرواية أيضاً على حكم ما عدى الصورة الاُولى ، وهكذا الروايات الاُخر المذكورة في هذا الباب ، فإنّها أيضاً لا تشمل غيرها ، بل بعضها صريح في الورود في خصوص صورة الاُولى ، وهي رواية إسماعيل بن بزيع قال :
كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم ، وربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، فأكره أن أتقدّم وقد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله فكتب(عليه السلام) : «صلّ بهم»(2) .
والمراد بالمستضعف من ليس له تمييز حتّى يميّز بين الشيعي وغيره ، وبالجاهل
(1) الفقيه 1 : 262 ح1195; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح2 .
(2) التهذيب 3 : 50 ح174 ; الكافي 3 : 380 ح5; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح5 .
(الصفحة379)
من كان جاهلاً بأمر الولاية; غير عارف به .
وهكذا رواية يعقوب بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا فننزل معهم فنصلّي ، ثم يقومون فيسرعون فنقوم ونصلّي العصر ونريهم كأنّا نركع ثمّ ينزلون للعصر فيقدّمونا ، فنصلّي بهم؟ فقال : «صلّ بهم لا صلّى الله عليهم»(1) ، وكذا غيرها من الروايات الاُخر المذكورة في ذلك الباب ، فإنّه لا يستفاد من شيء منها مشروعيّة الإعادة في غير الصورة الاُولى .
نعم ، يستفاد من بعضها جواز الإعادة ولو منفرداً مع العامة والاقتصار على صورة الجماعة .
ثمّ إنّ الصلاة الثانية المعادة جماعة التي اُستفيد استحبابها من الأخبار ، قد اختلف في شأنها الروايات الواردة في المقام ، حيث إنّ مقتضى بعضها أنّه يحسب له الأفضل منها ومن الصلاة الاُولى وأتمّهما ، أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه ، وبعضها يدلّ على أنّه يجعلها الفريضة كما في رواية حفص أو يجعلها الفريضة إن شاء كما في رواية هشام بن سالم .
ومن المعلوم اختلاف مفاد هذه التعبيرات ، فإنّ مقتضى قوله : «يحسب له أفضلهما وأتمّهما»(2) أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه(3) ، أنّ الاختيار في ذلك إلى الله تعالى ، وأنّه لايختار إلاّ ما هو أحبّ إليه ، ومعنى كونه أحبّ إليه ليس إلاّ ما هو أكمل وأتمّ من حيث الاشتمال على الاُمور المعتبرة في العبادة فرضاً ونفلاً ، ومن جهة الاشتمال على ما هو حقيقة العبادة وروحها .
(1) الكافي 3 : 379 ح4 ; التهذيب 3 : 270 ح777 ; الوسائل 8 : 402 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح6 .
(2) الفقيه 1 : 251 ح1133 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح4 .
(3) التهذيب 3 : 270 ح776; الكافي 3 : 379 ح2; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح10 .
(الصفحة380)
ومعنى اختياره تعالى أنّه يأمر بضبطه في طومار العمل وبالثواب عليه في الآخرة ، وإلاّ فهو تعالى غنيّ لا يفتقر إلى أعمالنا ولا عائدة فيها إليه ، وليس المراد باختيار الأحبّ ومحبوبيّة الأفضل والأتمّ أنّ غيره من التام والمفضول لا يترتّب عليه ثواب أصلاً ، ويصير بعد اختيار الأحبّ كأنّه لم يصدر ، بل الظاهر ترتّب الثواب عليه أيضاً ، غاية الأمر أنّ ما يتحقّق به الامتثال ويسقط به الأمر يجعل ما هو الأكمل والأتمّ .
وكيف كان ، فمقتضى هذا التعبير أنّ الاختيار في ذلك إلى الله وهو لا يختار إلاّ الأتم . وأمّا قوله(عليه السلام) : «يجعلها الفريضة» ، فإن لم يكن معلّقاً على مشيئة المصلّي كما في رواية حفص ، فظاهره أنّه يكون المكلّف مخيّراً في الصلاة المعادة بين أن ينويها نفس الفريضة التي صلاّها منفرداً ، وبين أن ينويها صلاة اُخرى من قضاء أو غيرها .
وأمّا مع التعليق على المشيئة كما في رواية ابن سالم ، فظاهره أنّ المكلّف مخيّر بين أن يجعل فريضته التي أمر بإتيانها هذه التي أتى بها ثانياً ، وبين أن يجعلها تلك التي أتى بها منفرداً ، ومرجع ذلك إلى أنّ الاختيار بيد المصلّي من حيث تعيين ما به يتحقّق الامتثال .
اللّهم إلاّ أن يكون المراد من جعل الثانية فريضة ، ما ذكرنا في معنى رواية حفص ، نظراً إلى أنّه لا فرق في ذلك بين التعليق على المشيئة وعدمه ، ولو لم يكن ظاهراً في ذلك لوجب الحمل عليه ، لئلاّ يعارض مع ما يدلّ على أنّ الاختيار بيد الله وأنّه يختار أحبّهما وأفضلهما .
نعم ، يبقى في المقام; الكلام في الامتثال عقيب الامتثال ، ولقد أجاب عن هذا الإشكال بعض الأعاظم من المعاصرين في كتابه في الصلاة بما حاصله : إنّ الطبيعة المتعلّقة للأوامر بملاحظة صرف الوجود تنقسم باعتبار الغرض الداعي إليها على
|