في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)



الثالث ما لو احرم متسكعا فاستطاع و في المتن ـ تبعا للعروة ـ امكان القول بالوجوب إذا كان امامه ميقات آخر و ان ذكرا بعده انه لا يخلو من اشكال و ظاهر التقييد بما إذا كان امامه ميقات آخر هو تجديد الاحرام من ذلك الميقات و ان كان يحتمل ان يكون الوجه فيه هو العبور عن الميقات محرما و في هذا الفرع قولان آخران:
احدهما ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) في شرح العروة من عدم كون حجه حجة الاسلام لان صيرورته كذلك تتوقف على تحقق الاستطاعة له من اول الاعمال الى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في اثناء الاعمال موضوعا للوجوب كى يحكم بالاجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد احرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر امامه لانه ليس له تجديد احرامه في الميقات الثانى لانه لا احرام في احرام نعم لو قلنا ان الاحرام شرط للحج لا جزء من اعماله امكن القول بالاجزاء بلا فرق بينما إذا كان امامه ميقات آخر اولا.
ثانيهما ما افاده بعض الاعلام في شرحه على العروة ايضا من ان مقتضى اطلاق الادلة وجوب الحج عليه و الذى يمنع عن القول بالوجوب احرامه لغير حجة الاسلام اذ ليس له ابطاله و الاحرام ثانيا لحج الاسلام و هو لا يمنع عنه لانه بعد فرض شمول اطلاق الادلة المذكورة يكشف عن بطلان الاحرام الاول و انه لم يكن له امر ندبى بالحج و انما هو مجرد تخيل و وهم فحصول الاستطاعة و لو بعد الميقات يكشف عن بطلان احرامه الاول و لذا لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك فلم يجب عليه الاّ حجة الاسلام و يجرى عليه احكام من تجاوز الميقات بغير احرام من الرجوع اليه مع الامكان و مع عدمه التفصيل الآتى في محله و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان امامه ميقات آخر ام لا.
اقول البحث مع هذا البعض في مراحل:
الاولى أنه هل يكون لادلة الحج اطلاق يشمل المقام و هو ما لو حصلت

(الصفحة102)



الاستطاعة بعد الاحرام او ان ظاهرها هو حصول الاستطاعة قبل الشروع في اعمال الحج كما افاده ذلك البعض لا يبعد ان يقال بالثانى فكما ان الدليل الدال على شرطية شىء للمأمور به ظاهر في لزوم اقتران الشرط مع تمام اجزاء المأمور به من اوله الى آخره كذلك الدليل الدال على شرطية شىء لتعلق التكليف بالمأمور به ظاهر في لزوم تحقق الشرط قبل اجزاء المأمور به و الشروع فيها.
الثانية انه لو فرض ثبوت الاطلاق لادلة الحج و شمولها لما إذا حصلت الاستطاعة بعد الاحرام الذى هو اول جزء من المأمور به نقول ان في مقابل هذا الاطلاق اطلاقا آخر و هى الادلة الواردة فيمن احرم من الميقات احراما صحيحا و لو ندبا الدالة على انه ليس له رفع اليد عن الاحرام بل يجب عليه اتمام هذا العمل فان مقتضى اطلاقها الشمول لما إذا حصل شرط الوجوب بعد الاحرام و عليه فيجب اتمامه ندبا و لا مجال لدعوى عدم نهوض دليل الاستحباب في مقابل دليل الوجوب بعد كون مقتضى هذه الادلة لزوم الاكمال بعنوان الاستحباب كصلوة الليل التى وقعت متعلقة للنذر فانه يجب على الناذر الاتيان بصلوة الليل لكن بقصد الاستحباب دون الوجوب.
و بعد تعارض الاطلاقين لا مرجح لاطلاق ادلة وجوب الحج و ادخال مورد التعارض تحتها كما لا يخفى.
الثالثة انه لو فرض ثبوت المزية لاطلاق ادلة وجوب الحج و لزوم ادخال المورد تحتها فالحكم بانه يكشف عن فساد الاحرام الاول لا سبيل اليه و الاستناد الى ما لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك غير تام فانه في ذلك المورد يتبين له ان الشروع في الاحرام بعنوان الاستحباب لم يكن في محله لكونه مستطيعا في الواقع يجب عليه حجة الاسلام و اما المقام فالشروع بنية الندب كان في موضعه لعدم كونه مستطيعا في هذا الحال و لا دليل على بطلان هذا الاحرام و مقتضى اطلاق ادلة

(الصفحة103)



الحج لزوم كون الاعمال الآتية بعنوان حجة الاسلام فكما انه صرح هذا البعض في العبد المنعتق قبل المشعر بان مقتضى ادلة اجزاء حجه عن حجة الاسلام هو الانقلاب القهرى الشرعى من دون حاجة الى تجديد النية ايضا كذلك مقتضى شمول الاطلاق في المقام ذلك و يمكن ان يقال بلزوم تجديد النية ايضا و اما الكشف عن الفساد و لزوم تجديد احرام آخر فلم يظهر وجهه و (دعوى) ان لازم القول بتعدد المهية في باب الحج ذلك (مدفوعة) بعدم كون لازمه ذلك بل اللازم هو العدول كما في صلوة العصر حيث يعدل عنها الى صلوة الظهر لو انكشف له في الاثناء انه لم يأت بها و كما في العدول في العبد المنعتق قبل المشعر لو لم نقل بالانقلاب القهرى و (دعوى) كون العدول على خلاف القاعدة و الاصل و لا يؤخذ به الاّ في موارد وجود الدليل و المفروض ثبوته في العبد المنعتق و عدم وجوده في المقام (مدفوعة) بان التعبير في العبد و ان كان هو الاجزاء عن حجة الاسلام و في المقام هو الحكم بوجوب الحج الاّ ان الظاهر انه لا فرق بينهما في الحقيقة لان مرجع الاجزاء الى وجوب حجة الاسلام عليه في ذلك الحال غاية الامر ان الوجوب في المقام ثبت بالاطلاق و هناك بالنص و هذا المقدار لا يوجب الفرق من جهة ما نحن فيه من العدول الى حجة الاسلام كما لا يخفى.
ان قلت لعل نظره في الحكم ببطلان الاحرام الى ان توجه الحكم بالوجوب اليه بعد الاستطاعة ـ لفرض الاطلاق ـ يقتضى البطلان من جهة ان الامر انما تعلق بالحج و هى عبادة مركبة من عدة اجزاء منها الاحرام فكانّ الامر تعلق الى الاحرام و لا معنى لتعلقه اليه فى حالة الاحرام الاّ بعد كون الاحرام الاول محكوما بالفساد لانه لا معنى للامر بالاحرام في حالة كونه محرما بالاحرام الصحيح لانه من تحصيل الحاصل كما لا يخفى.

(الصفحة104)



مع صحة الاحرام الاوّل و اما لو تعلق الامر بمركب ذات اجزاء كثيرة يكون الاحرام جزء واحدا منها الا يكون معناه الاّ الاتيان بسائر الاجزاء غير الاحرام و لا دلالة له على بطلان الاحرام الاّول بوجه.
فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يظهر وجه للحكم ببطلان الاحرام الاول هذا على تقدير ثبوت الاطلاق لادلة وجوب الحج و شموله لما إذا استطاع بعد الشروع و تحقق الاحرام مع ان فيه مناقشة واضحة فان ظاهر هذه الادلة لزوم تحقق الشرط قبل الشروع في المأمور به فكما ان ظاهر ادلة اشتراط شىء في المأمور به لزوم اقترانه مع جميع الاجزاء كما في قوله لا صلوة الا بطهور فكذلك ظاهر ادلة اشتراط الامر بشىء اقترانه مع جميع الاجزاء.
و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على ان من ادرك المشعر فقد ادرك الحج لان غاية مفاده هى الصحة و ان ادراك المشعر يوجب اتصاف الحج بالصحة و وقوعه كذلك و لكن ذلك لا يكفى في كونه حجة الاسلام التى هى واجبة بالشرع الاّ إذا ثبت الاطلاق لادلة وجوبها و مع عدم ثبوته لا مجال للحكم بالوجوب و لذا ذكرنا في الصبى البالغ قبل الوقوف بالمشعر ان ادلة من ادرك إذا انضمت الى الاطلاق المستفاد من قوله (عليه السلام) الجارية عليها الحج إذا طمثت يستفاد منها كون حجه حجة الاسلام و بدون ثبوت الاطلاق لا مجال لهذه الاستفادة لان غاية مفاد ادلة من ادرك لا تتجاوز عن الصحة.
فقد ظهر من جميع ذلك ان الظاهر ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) من الحكم بلزوم اتمام الحج ندبا و عدم كون حجه حجة الاسلام و لكن الاحتياط لا ينبغى تركه كما انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ما إذا كان امامه ميقات آخر و بين ما إذا لم يكن اصلا.

(الصفحة105)

مسئلة 13 ـ لو وجد مركب كسيارة او طيارة و لم يوجد شريك للركوب فان لم يتمكن من اجرته لم يجب عليه و الا وجب الا ان يكون حرجيا عليه، و كذا الحال في غلاء الاسعار في تلك السنة، او عدم وجود الزاد و الراحلة الا بالزيادة عن ثمن المثل، او توقف السير على بيع املاكه باقل منه1.


1 ـ فى هذه المسئلة فروع اربعة مشتركة في الحكم من جهة الملاك و المستند و المهم فيها صورة تحقق الضرر المالى من دون ان يبلغ الى حد الحرج لانه مع البلوغ اليه لاخفاء في ارتفاع وجوب الحج لقاعدة نفى الحرج و اولى منه صورة عدم التمكن و القدرة بوجه فالمهم صورة وجود الضرر و قد توقف العلامة في الوجوب في الفرع الاول مستدلا بان بذل المال له خسران لا مقابل له و حكى عن الشيخ القول بعدم الوجوب في الفرع الثالث و هى الزيادة عن ثمن المثل و العمدة في هذا البحث قاعدة نفى الضرر و اللازم التكلم فيها على جميع المبانى فنقول: اما على ما اختاره شيخ الشريعة الاصفهانى (قدس سره)في رسالته في هذه القاعدة من ان مرجعها الى النهى عن الاضرار بالغير في شريعة الاسلام بحيث كانت الجملة انشائية مسوقة لافادة النهى كقوله تعالى: لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فلا ارتباط لها بمثل المقام لانها ايضا حكم شرعى اوّلى كسائر الاحكام الاولية مثل حرمة شرب الخمر و غيره غاية الامر ان متعلقه الاضرار بالغير.
كما انه على ما اختاره سيدنا الاستاذ الاعظم الماتن ـ دام ظله الشريف ـ و رجحناه تبعا له في المباحث الاصولية من ان قوله (صلى الله عليه وآله) لا ضرر و لا ضرار في الاسلام حكم صادر عن النبى ناش من مقام الحكومة و الولاية الثابتة له على المسلمين لا من مقام رسالته المرتبطة بالوحى فهو لا يرتبط بباب الفقه اصلا و لا يكون من الاحكام الشرعية الاولية و لا الثانوية بل يرتبط بمقام الحكومة و الزعامة و ادارة امر المسلمين و شؤونهم.

(الصفحة106)



و اما على ما اختاره المشهور في معنى القاعدة من ان مفادها حكم ثانوى الهى ناظر الى الاحكام الاولية و حاكم عليها بتضييق دائرتها بما إذا لم يجىء من ناحيتها الضرر بالتقريب المذكور في كلام الشيخ في الرسائل او بالتقريب المذكور في كلام المحقق الخراسانى (قدس سره) في الكفاية فمقتضاه في بادى النظر و ان كان هو عدم الوجوب لان المفروض استلزامه لتحقق الضرر المالى و القاعدة حاكمة على الادلة الاولية التى منها دليل وجوب الحج في المقام.
و لكنه ذكر في «المستمسك» ان ادلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة لصرف المال كانت اخص من ادلة نفى الضرر فتكون مخصصة لها و ما اشتهر و تحقق من ان ادلة نفى الضرر حاكمة على الادلة فذلك يختص بالادلة المطلقة التى لها فردان ضررى و غير ضررى فتحكم عليها و تخرج الفرد الضررى عنها و ليس من ذلك ادلة وجوب الحج على المستطيع.
و اورد عليه بعض الاعلام بان الحج و ان كان ضرريا و لكن المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه مما يحتاج اليه المسافر الى الحج و اما الزائد على ما يقتضيه طبع الحج فهو ضرر آخر اجنبى عن الضرر اللازم من طبع الحج و المرفوع بحديث لا ضرر انما هو الضرر الزائد عما يقتضيه طبع الواجب و الذى لا يرتفع بلا ضرر انما هو الضرر اللازم منه مما يقتضيه طبعه.
و الجواب عن هذا الايراد ـ بعد تسليم المبنى و بعد تسليم عروض التخصيص لقاعدة نفى الضرر مع ان سياقها آب عن التخصيص خصوصا إذا كان المخصص كثيرا كالحكم بوجوب الزكوة في موارده و الحكم بوجوب الخمس في محله و الحكم بوجوب الحج كذلك و غير ذلك من الاحكام الضررية مع ان الظاهر لزوم الالتزام بان خروجها يكون بنحو التخصص لا التخصيص ـ.
انه لو كانت ادلة الحج بالنسبة الى الضرر الزائد الناشى عن عدم وجود الشريك

(الصفحة107)

مسئلة 14 ـ يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه ان اراده او الى ما اراد التوقف فيه بشرط ان لا تكون نفقة العود اليه ازيد من العود الى وطنه الا إذا الجأته الضرورة الى السكنى فيه1.


للمركب او عن مثله مطلقة لكان اللازم الاخذ بها في مقابل قاعدة نفى الضرر لانه إذا كان لدليل المخصص اطلاق يجب الاخذ به في مقابل العام و لا مجال للاخذ بالعموم و كذا المطلق فاذا ورد قوله اعتق رقبة و ورد قوله لا تعتق الرقبة الكافرة و شككنا في ان عدم جواز عتق الرقبة الكافرة يختص بما إذا كان بايدينا رقبة مؤمنة او يشمل ما إذا لم يكن بايدينا كذلك و لكن امكننا تحصيلها فاذا فرض ثبوت الاطلاق لدليل المقيد لا مجال للرجوع الى الاطلاق و الحكم بجواز عتق الرقبة الكافرة إذا لم يكن بايدينا كذلك و المقام من هذا القبيل و (دعوى) ان ثبوت الاطلاق ينافى ما مرّ من ان المراد من الاستطاعة في الاية في نفسها هى الاستطاعة العرفية لعدم كون المقام متحققا فيه الاستطاعة كذلك (مدفوعة) اولا بان حمل الاية على الاستطاعة العرفية انما هو بلحاظ الاية فى نفسها مع قلع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و ثانيا بعدم كون الاستطاعة العرفية منافية للضرر المتحقق في المقام فان الاستطاعة حاصلة و لو كان الضرر ايضا موجودا كما لا يخفى.
و قد انقدح مما ذكرنا انه لو اخترنا مبنى المشهور في مفاد القاعدة ايضا لكان اللازم الالتزام بالوجوب في هذه الفروع.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في مقامين:
المقام الاول في اصل اعتبار وجود نفقة العود في وجوب الحج في الجملة قال في الشرايع: «و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب ذهابا و عودا» و من المعلوم انه لا خصوصية للزاد من هذه الجهة فان الراحلة ايضا يكون كذلك و الذى يظهر من كلماتهم الاستدلال على ذلك بوجهين:
احدهما ما استدل به العلامة في محكى التذكرة و المنتهى من ان في التكليف

(الصفحة108)



بالاقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرباً عظيماً فيكون منياً.
ثانيهما ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) في شرحه على العروة من ان نفس الاخبار الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في تحقق الاستطاعة تدل على لزوم اعتبار نفقة العود كان المتفاهم العرفى منها ذلك فاذا قال المولى لعبده اذهب الى السفر الكذائى ان كان لك الزاد و الراحلة لا يكون المتفاهم منه الا وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و ايابا و عليه فالتعبير في آية الحج و ان كان هى الاستطاعة الى البيت لكن فهم العرف من نفس هذا التعبير ايضا ذلك اى الذهاب و الاياب.
نعم لو لم يرد الشخص الرجوع الى الوطن او غيره بل اراد المجاورة بمكة المكرمة ـ مثلا ـ لا تعتبر نفقة العود بالاضافة اليه اصلا و الحاكم بالفرق هو العرف ايضا و تظهر ثمرة الوجهين فيمن يريد الرجوع الى الوطن ـ مثلا ـ على حسب ميله و رغبته الشخصية و لكن لا تكون الاقامة بمكة ايضا حرجية عليه بوجه لعدم ثبوت علاقة له في الوطن ـ مثلا ـ فمقتضى الدليل الاول عدم كون نفقة العود بالاضافة اليه معتبرة في وجوب الحج و مقتضى الدليل الثانى الاعتبار لفرض ارادته الرجوع و العود الى الوطن.
المقام الثانى في انه بعد اعتبار نفقة العود في وجوب الحج فان كان مراده هو الرجوع الى وطنه فلا شبهة في اعتبار نفقة العود اليه من دون فرق بين ما إذا كان له في البلد اهل و عشيرة و بين ما إذا لم يكن له ذلك و من دون فرق ايضا بين ما إذا كان له في الوطن مسكن مملوك و لو بالاجارة و بين ما إذا لم يكن و ان كان مراده هو العود الى محل آخر و التوقف فيه فان كانت نفقة العود اليه مساوية لنفقة العود الى الوطن او اقل منه فالمعتبر هى تلك النفقة و ان كانت ازيد فلا دليل على اعتبار الزائد عن نفقة العود الى الوطن الا إذا الجأته الضرورة الى السكنى فيه فالمعتبر نفقة العود الى ذلك المحل و قد جعل السيد في العروة المعيار هى الابعدية مع ان

(الصفحة109)

مسئلة 15 ـ يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الاياب زائدا عما يحتاج اليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا ثياب تجمله و لا اثاث بيته و لا آلات صناعته، و لا فرس ركوبه او سيارة ركوبه، و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله وزيه و شرفه، بل و لا كتبه العلمية المحتاج اليها في تحصيله سواء كانت من العلوم الدينية او من العلوم المباحة المحتاج اليها في معاشه و غيره، و لا يعتبر في شىء منها الحاجة الفعلية، و لو فرض وجود المذكورات او شىء منها بيده من غير طريق الملك كالوقف


الظاهر ان مراده منها هى الازيدية و التعبير بالاول انما هو للملازمة النوعية بين الامرين و عليه فلا مجال للاشكال عليه كما في بعض الشروح و اما استثناء صورة الالجاء فان كان الالجاء مرتبطا بنفس العود الى ذلك المحل كما إذا لم يتمكن من الرجوع الى وطنه لبعض الجهات فهو تام و امّا ان كان الالجاء مرتبطا بنفس السكنى فيه و كان متمكنا من العود الى وطنه فاعتبار نفقة العود الى ذلك المحل محل اشكال كما لا يخفى ثم ان في اعتبار نفقة العود في تحقق الاستطاعة التى هى شرط لوجوب حجة الاسلام شبهة و هى انه لو فرض كون الشخص واجدا لهذه النفقة عند السير الى الحج و كانت باقية عند المناسك و الاعمال باجمعها و لكن بعد التمامية ذهبت من يده بسرقة او غيرها فصار فاقدا لنفقة العود بالمرة فاللازم ان يقال بعدم كون حجه الذى اتى به بقصد حجة الاسلام كذلك مثل ما إذا علم من اول الامر قبل المسير بان نفقة عوده تسرق بعد الاعمال فانه لا يجب عليه الحج في هذه الصورة فكذلك المقام و عليه فيجب عليه الاتيان بها بعدا لو تحقق له الاستطاعة له مع ان الالتزام به في غاية البعد لان لازمه ان السرقة كما ذهبت بماله كذلك ذهبت بحجه.
و يمكن ان يقال في دفع هذه الشبهة بان الظاهر من النصوص الدالة على عدم اجزاء حج المتسكع عن حجة الاسلام غير مثل هذا الفرض و اللازم ملاحظتها كما سيأتى انشاء اللّه تعالى.

(الصفحة110)

و نحوه وجب بيعها للحج بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه و لم يكن المذكورات فى معرض الزوال1.


1 ـ المشهور بين الفقهاء هو استثناء ما يحتاج اليه الشخص في ضروريات معاشه عن الزاد و الراحلة المحقق للاستطاعة بمعنى انه يعتبر ان يكون الزاد و الراحلة زائدا على ذلك و لا يجب عليه صرفه فيهما و يمكن الاستدلال عليه بامور:
احدها الاجماع المدعى في بعض الكتب كالمعتبر و المنتهى و التذكرة، و الاشكال على الاستدلال به واضح مما ذكرناه مرارا.
ثانيها استثناء هذه الامور كلا اوجلا في دين المخلوقين الذى هو اعظم من دين الخالق الذى هو الحج.و يرد عليه ان الكلام في المقام في اصل ثبوت دين الخالق لان البحث في تحقق الاستطاعة الجائية من ناحيتها الفريضة و الدين الالهى مع ان الظاهر انه فى صورة استقرار الحج و ثبوت الدين الالهى لا يكون جميع هذه الامور مستثناة كما لا يخفى.
ثالثها فحوى رواية ابى الربيع الشامى الدالة على ان المراد بالسبيل في الاية هى السعة فى المال لكنه قد تقدم و سيأتى ايضا في بحث الرجوع الى الكفاية ان المراد بالسعة ماذا؟.
رابعها و هو العمدة قاعدة نفى العسر و الحرج و لا مجال للاشكال على الاستدلال بهذه القاعدة الا ان اللازم بملاحظة كون الحرج المأخوذ فيها حرجا شخصيا لا نوعيا دوران الحكم مداره فاذا فرض عدم تحقق الحرج اصلا من بيع بعض المستثنيات و صرف ثمنه فى الحج فاللازم القول بوجوب الحج عليه لفرض تحقق الاستطاعة و عدم لزوم الحرج بوجه.
و دعوى انه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه بل هو مستلزم لامر حرجى و هو فقده لما يحتاج اليه في معيشته فالحرج لا يكون ثابتا فى اصل حجه بل في لازمه.

(الصفحة111)



مدفوعة بانه مع التوقف المذكور و فرض كون فقده لما يحتاج اليه في معيشته امرا حرجيا يصدق كون الحرج آتيا من قبل الحكم و هو ايجاب الحج و لا يلزم في قاعدة نفى الحرج ان يكون متحققا في نفس المأمور به و الاّ لا مجال لاستفادة اعتبار نفقة العود من هذه القاعدة لعدم كون الحج مع عدمها حرجيا بوجه فالملاك هو كون الحكم موجبا لتحقق الحرج سواء كان في المأمور به او في غيره مما يلازمه كما لا يخفى.
كما ان (دعوى) ان الاستناد بهذه القاعدة انما يجدى لنفى الالزام و هو لا ينافى الاجزاء عن حجة الاسلام فلو تحمل الحرج و اتى بالحج يكون حجه صحيحا مجزيا (مدفوعة) بانه على تقدير تسليم كون تحمل الحرج غير مناف للصحة لاحتمال البطلان كما رجحناه في البحث عن القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهية نقول ان غايته هو الحكم بالصحة و اما الاجزاء عن حجة الاسلام فلا مجال له بعد تغاير المهية في الحج و ثبوت حقيقة خاصة لحجة الاسلام التى تكون عمدة مشخصاتها هى الوجوب و كونها فريضة فاجراء القاعدة فى المقام و مثله يكون ملازما لعدم الاجزاء.
إذا ظهر لك ذلك فنقول: اما مسئلة الثياب ففى محكى الدروس و التحرير انها لاتباع و مقتضى اطلاقها انه لا فرق بين ثياب المهنة ـ بالفتح و الكسر ـ اى ما يبتذ له من الثياب لان المهنة الخدمة و بين ثياب التجمل و في الشرايع: و لاتباع ثياب مهنة و في المتن: «و لا ثياب تجمله» و شموله لثياب المهنة انما هو بنحو الاولوية و لكن شمول مثل عبارة الشرايع لثياب التجمل محل اشكال.
و العمدة على ما عرفت هو دليل نفى العسر و الحرج و الظاهر شموله لثياب التجمل ايضا و كذلك اثاث البيت إذا كان لائقا بحاله و لم يكن زائدا على حاجته

(الصفحة112)



بحسب زيه و شرفه و زمانه و مكانه و سائر الخصوصيات الموجبة للفرق بين الاشخاص من جهة الحاجة.
و اما آلات صناعته فعن الدروس التوقف في استثناء ما يضطر اليه من امتعة المنزل و السلاح و آلات الصنايع و هو محل نظر بعد فرض وجود الاحتياج اليه في معاشه و ادارة اموره.
و اما فرس الركوب او السيارة في زماننا هذا فقد ناقش في استثنائه كاشف اللثام حيث قال في محكى كشفه: لا ارى له وجها فان فرسه ان صلح لركوبه الى الحج فهو من الراحلة و الاّ فهو في مسيره الى الحج لا يفتقر اليه و انما يفتقر الى غيره و لا دليل على انه ـ ح ـ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم الا بثمنه.
و قد عرفت ان الدليل هى قاعدة نفى العسر و الحرج المقتضية لعدم الوجوب مع الحاجة اليه و ان كان لا يحتاج اليه في مسيره الى الحج بوجه.
و اما الكتب فالمحكى عن ابن سعيد انه قال: لا يعد في الاستطاعة لحج الاسلام و عمرته دار السكنى و الخادم و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير ذلك.و المحكى عن التحرير انه اطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع او غيرهما من الذخائر.
و المحكى عن المنتهى انه بعد دعوى اجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم الحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و اثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو ذلك.
و الظاهر ما في المتن من تخصيص الاستثناء بالكتب المحتاج اليها سواء كان احتياجه اليها لاجل الضرورة الدينية التى هى اعظم من الدنيوية من دون فرق بين ان تكون لاجل التحصيل او العمل و اخذ الحكم او لاجل الضرورة الدنيوية كما إذا احتاج اليها لاجل معاشه او لاجل التدريس و التأليف و مثلهما و لا وجه

(الصفحة113)



للتخصيص بالكتب العلمية الدينية ـ كما هو ظاهر السيد في العروة ـ لعموم الدليل و هى قاعدة نفى الحرج و الظاهر انه لا يعتبر في جريانها وجود الحاجة الفعلية بل يكفى كونها في معرض الحاجة و المراجعة.
و الظاهر ان حلّى المرئة بحسب حالها في زمانها و مكانها ايضا كذلك كما عن الشيخ و الشهيد الحاقها بالثياب و الاستشكال فيه بعدم الدليل ـ كما في الجواهر ـ مندفع بجريان القاعدة هنا ايضا و يشمله عموم المتن في قوله: و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله وزيّه و شرفه.
ثم انه لو فرض وجود دار موقوفة غير داره المملوكة و كان كل منهما لائقا بحاله مناسبا لشأنه حتى مع وصف الوقفية بمعنى عدم كون السكنى في الدار الموقوفة منافيا لشأنه اصلا و لم تكن في معرض الزوال ايضا بعروض الخراب او الاخذ من يده او غيرهما فهل يجب عليه بيع الدار المملوكة بشرط كون ثمنها وافيا بالحج او متمما للاستطاعة و مكملا لها ام لا؟فى المسئلة صورتان و قبل ذكرهما لا بد من التنبيه على امر و هو انه ليس المراد من وجوب البيع المذكور في مثل هذه الموارد ان البيع يكون واجبا شرعا بل المراد هى صيرورة الشخص بذلك مستطيعا تجب عليه حجة الاسلام فلو لم يبع الدار مع كونه كذلك و حج متسكعا يكون حجه حجة الاسلام من دون ان تتحقق منه مخالفة فالمراد انه إذا انحصر طريق الحج بالبيع بحيث لم يمكنه ان يحج الا بالبيع فاللازم البيع لا انه يجب البيع مطلقا.
الصورة الاولى ما إذا كانت الدار الموقوفة بيده و تحت اختياره و لا مجال للاشكال فى عدم استثناء داره المملوكة في هذه الصورة لعدم كون بيعها و صرف ثمنها في الحج موجبا لتحقق الحرج عليه اصلا على ما هو المفروض و الظاهر عدم شمول عبارة الجواهر لهذه الصورة حيث قال: «و ان كان الاقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالاوقاف العامة و شبهها بل في الدروس القطع بذلك».

(الصفحة114)

مسئلة 16 ـ لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها و صرف قيمتها في مؤونة الحج او تتميمها بشرط عدم كونه حرجا و نقصا و مهانة عليه و كانت الزيادة بمقدار المؤونة او متممة لها و لو كانت قليلة1.


فان امكان الاعتياض ظاهر في الصورة الآتية فتدبر.
الصورة الثانية ما إذا لم تكن موجودة عنده و بيده بل امكنه تحصيلها و قد فرق بينهما السيد في العروة و يشعر اليه عبارة المتن نظرا الى عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاولى قال: الا اذ احصلت بلا سعى منه او حصلها مع عدم وجوبه فانه بعد التحصيل يكون كالحاصل اولا.
و اورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما حاصله تحقق الاستطاعة في الصورة الثانية ايضا لان المفروض وجود ما يحج به عنده و لا مانع من صرفه في الحج الا العسر و الحرج و هو منتف بعد قدرته على تحصيل الدار الموقوفة بلا حرج و ليس هذا من قبيل تحصيل الاستطاعة الذى لا يكون واجبا قطعا لحصولها بالفعل لثبوت الزاد و الراحلة و لو قيمة و عدم استلزام وجوب الحج للحرج اصلا على ما هو المفروض فالحكم في الصورتين هو وجوب البيع للحج.
لا اشكال في انه لو زادت المذكورات كالدار ـ مثلا ـ على شأنه بحسب العين يكون اللازم بيع الزيادة لو كانت بمقدار المؤونة او متممة لها و قد ادعى القطع بذلك صاحب الجواهر تبعا للدروس و غيرها و لو لم يمكن بيعها الا ببيع المجموع يجب ايضا كما هو ظاهر.
و اما لو كانت الزيادة لا بحسب العين بل بحسب القيمة ففى المسئلة قولان:
الاول: ما اختاره صاحب الجواهر تبعا للتذكرة و الدروس و المسالك و غيرها من وجوب التبديل و شراء ما يليق به من ذلك باقل من ثمنها و صرف الباقى في الحج لان الدليل على استثناء المذكورات هى قاعدة الحرج و هى لا تجرى في

(الصفحة115)

مسئلة 17 ـ لو لم يكن عنده من اعيان ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه و تكسبه و كان عنده من النقود و نحوها ما يمكن شرائها يجوز صرفها في ذلك من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداء او بالبيع بقصد التبديل او لا بقصده بل لو صرفها في الحج ففى كفاية حجه عن حجة الاسلام اشكال بل منع. و لو كان عنده ما يكفيه للحج و نازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه بشرط كونه ضروريا بالنسبة اليه اما لكون تركه مشقة عليه او موجبا لضرر او موجبا للخوف في وقوع الحرام او كان تركه نقصا و مهانة عليه.
و لو كانت عنده زوجة و لا يحتاج اليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج لا يجب و لا يستطيع1.


الفرض بعد كون الاقل ثمنا لايقا بحاله غير مناف لشأنه و لا موجبا للمنقصة عليه.
الثانى ما عن الكركى من عدم وجوب الاستبدال و احتمله كاشف اللثام و العلامة في التذكرة نظرا الى عدم كون العين زائدة على الحاجة و الاصل عدم وجوب التبديل.و قد اختار في المتن القول الاول و اشار بقوله: «و لو كانت قليلة» الى خلاف ما عليه السيد في العروة من استثناء صورة ما إذا كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، و الوجه في المخالفة انه لو فرض كون الزيادة مع فرض قلّتها متممة لمؤونة الحج فاىّ دليل يدل على الاستثناء في المقام و لا ربط له بخيار الغبن اصلا.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع ثلاثة:
الاول: لو لم يكن عنده من اعيان ما يحتاج اليه كالدار ـ مثلا ـ و لكن كان عنده من النقود ما يمكن شرائها فهل يجوز الصرف في شراء الدارام لا بل يكون مستطيعا؟ حكى فى الجواهر عن الدروس و المسالك و غيرهما الاول و هو الظاهر و لا فرق فيه بين الصور المذكورة في المتن من كون النقد عنده ابتداء او بالبيع بقصد التبديل اولا بقصد التبديل فان المعيار في الجميع هو العسر و الحرج المخرج لنفس العين

(الصفحة116)



عن الزاد و الراحلة ففى الحقيقة لا فرق بين نفس الدار التى يكون عدمها موجبا للحرج و بين الصور المذكورة اصلا لانه كما يكون بيع الدار موجبا للحرج كذلك صرف النقود الموجودة او الحاصلة من بيع الدار في الحج يكون كذلك سواء كان بقصد التبديل اولا بقصده و عدم قصده مع ثبوت الحرج لا ينافى جريان قاعدته و عليه فلو حج و الحال هذه و صرف مقدارا من النقود فيه لا يكون حجه حجة الاسلام.
و العجب من السيد في العروة حيث انه مع ذهابه الى ان الدليل على الاستثناء في المستثنيات هو قاعدة العسر و الحرج صرح بالتفصيل بين ما إذا كانت العين مثل الدار موجودة عنده فانه لا يجب الا مع عدم الحاجة و كذا لو باعها بقصد التبديل بدار آخر فان حكم ثمنها حكم نفسها فلا يجب صرفه في الحج الا مع عدم الحاجة و بين ما إذا كان عنده من النقود ابتداء فانه لا يجوز شراء الدار بها و ترك الحج الا ان يكون عدمها موجبا للحرج عليه فالمدار فيه هو الحرج و عدمه و كذلك لو باعها لا بقصد التبديل فانه يجب صرف ثمنها في الحج الا مع الضرورة اليها على حد الحرج في عدمها.
و بالجملة فقد جعل المدار في الصورتين الاولتين هو عدم الحاجة و في الصورتين الاخيرتين هو العسر و الحرج و لم يعلم وجه لهذا التفصيل الا ان يقال ان الوجه في استثناء الدار و الخادم و الثياب هو الاجماع و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين ما إذا هناك ضرورة و ما إذا لم يكن نعم يخرج منه صورة عدم الحاجة قطعا و يبقى الباقى و عليه فلا يجب بيع الدار الموجودة في صورة الحاجة و ان لم يكن عسر و حرج لكنه يرد على هذا الوجه ـ مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت الاصالة في المقام للاجماع على تقدير كونه محصلا لاحتمال استناد المجمعين الى قاعدة نفى الحرج فالمدار عليها لا عليه ـ انه على تقدير ثبوت الاصالة نقول ان معقده هى الدار الموجودة ـ مثلا ـ و اما إذا بيعت و لو بقصد التبديل فلا يشمل الاجماع ثمنها بوجه، مع انك

(الصفحة117)



عرفت انه (قدس سره) اعتمد في الاستثناء على القاعدة من دون اشارة الى الاجماع فالتفصيل المذكور في كلامه مما لا مجال له اصلا.
و قد ظهر مما ذكرنا ان المدار هى القاعدة و لا فرق فيها بين الصور الاربع اصلا نعم ذكر بعض الاعلام انه لو باع داره الموجودة المحتاج اليها للتحفظ على المال و ارادة الادخار و البناء على عدم الصرف في الحوائج اصلا لا يكون الزامه بالحج ـ حينئذ ـ حرجيا عليه لانه لا حرج عليه في صرفه في الحج بعد فرض انه عازم على عدم صرفه في حوائجه فانه على تقدير صرف المال و عدمه يعيش عيشة حرجية نعم صرف المال مناف لعزمه و تصميمه بادخار المال و الا فلا حرج عليه من ناحية الحج.
و يمكن الايراد عليه بان بنائه على تحمل الحرج لا يوجب خروج التكليف الشرعى عن الحرجية فان الالزام في هذا الفرض مثل الفروض المشابهة يجىء منه الحرج و البناء على التحمل لا يوجب الخروج عن هذا الوصف مثل ما إذا كان الصوم حرجيا على شخص و لكنه على تقدير عدم الوجوب ايضا يتحمل الامساك فهل يكون الصوم واجبا عليه فالظاهر عدم الوجوب في هذا الفرض ايضا.
الفرع الثانى: لو كان عنده ما يكفيه للحج و لكن نازعته نفسه للنكاح فهل يجب عليه الصرف في الحج ام لا؟قال المحقق في الشرايع في هذا الفرض: «لم يجز صرفه في النكاح و ان شق تركه» و مثله ما عن المبسوط و الخلاف و القواعد و التحرير نظرا الى ان النكاح المستحب لا يعارض الحج الواجب.
و الظاهر ان مرادهم المشقة غير البالغة حد الحرج و الا إذا كان الترك موجبا لثبوت الحرج و الضرورة فالظاهر عدم وجوب الحج كسائر الموارد التى يتحقق الحرج.
ثم ان جعل صورة الخوف من الوقوع في الحرام من موارد الحرج و الضرورة ـ كما فى المتن ـ محل اشكال لان العلم بالوقوع في الحرام اختيارا فضلا عن الخوف

(الصفحة118)

مسئلة 18 ـ لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته او تتميمها يجب اقتضائه ان كان حالا و لو بالرجوع الى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع او عدم بسط يده نعم لو كان الاقتضاء حرجيا او المديون معسرا لم يجب و كذا لو لم يكن اثبات الدين، و لو كان موجلا و المديون باذلا يجب اخذه و صرفه فيه، و لا يجب في هذه الصورة مطالبته و ان علم بادائه لو طالبه.
و لو كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الاداء بعده بسهولة لم يجب و لا يكفى عن حجة الاسلام، و كذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا او مال حاضر كذلك او دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله لا يجب الاستقراض و الصرف في الحج بل كفايته على فرضه عن حجة الاسلام مشكل بل ممنوع1.


منه لا يكون مجوزا لترك الحج لعدم استناده الى الحج بل انما يرتكبه بسوء الاختيار و اللازم عليه تركه و لا يوجب ذلك سقوط الحج بوجه.
الفرع الثالث: ما إذا كانت عنده زوجة و لكن لا حاجة له اليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج فانه لا يجب عليه الطلاق و الاتيان بالحج فانه من قبيل تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب كما مرّ مرارا.
1 ـ فى هذه المسئلة ايضا فروع:
الاول: لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار اصل المؤنة او تتميمها فتارة يكون الدين حالا و اخرى يكون مؤجلا.
ففى الصورة الاولى ان كان المديون موسرا معترفا بثبوت الدين باذلا له الى الدائن من دون مطالبة لا شبهة في تحقق الاستطاعة و وجوب الحج و كذلك إذا توقف بذله على مجرد المطالبة فانه يجب الاقتضاء ـ حينئذ ـ لانه يصدق عليه انه يكون عنده

(الصفحة119)



ما يحج به الذى هو شرط لوجوب الحج و ليست المطالبة بمنزلة تحصيل الاستطاعة الذى لا يكون واجبا بل هو مثل ما إذا كانت نقود مدخرة في البنك و كان الوصول اليها متوقفا على تحرير ما يقال له بالفارسية به (چك) و امضائه فان مثل هذا التوقف لا ينافى الاستطاعة الفعلية كما لا يخفى.
و كذلك إذا توقف الاقتضاء على الرجوع الى حاكم الشرع الذى يكون مبسوط اليد فان مجرد هذا التوقف لا يمنع عن فعلية الاستطاعة و اما إذا توقف على الرجوع الى حاكم الجور فقد قال في الجواهر: «و ان كان قد يقوى في النظر عدمها ـ يعنى الاستطاعة ـ مع التوقف على حاكم الجور للنهى عن الركون اليه و الاستعانة به و ان حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة و غيره و مثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض ان الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع و ما دل على خلافه من المقدمة و غيرها».
و اورد عليه في المستمسك بقوله: «و ما ذكره غير ظاهر الاّ إذا لم نقل بجواز الرجوع الى الجائر اذ ـ حينئذ ـ يكون دليل المنع رافعا للاستطاعة فلا وجوب كى يزاحم حرمة الرجوع، اما إذا قلنا بالجواز اعتمادا على ادلة الجواز مع انحصار استنقاذ الحق به فح لا رافع للاستطاعة كى يرتفع الوجوب».
و الظاهر ان عبارة الجواهر محتملة لوجهين:
الاول ان يكون المراد ترجيح دليل الوجوب على دليل المنع بعد تحقق المعارضة و لا محالة يكون الوجه في الترجيح اهمية الحج في الاسلام و كونه مما بنى عليه الاسلام فعلى هذا الوجه لا مجال للشك في تحقق الاستطاعة و جواز الرجوع الى حاكم الجور لاقتضاء الدين.
الثانى ان يكون المراد انه بعد فرض المعارضة يكون الجمع بين الدليلين

(الصفحة120)



بحمل دليل المنع على الكراهة و دليل الوجوب على مجرد الجواز فعلى هذا الوجه و ان كان الرجوع الى حاكم الجور جائزا مكروها لكنه لا سبيل للحكم بوجوب الحج بعد التصرف في ظاهر دليله بالاضافة الى مادة الاجتماع كما لا يخفى.
و لكن الذى يرد على صاحب الجواهر عدم كون الرجوع الى حاكم الجور لمجرد اقتضاء الدين ركونا الى الظالم فان مرجع الركون هو جعل الظالم ركنا له و ظهيرا و هذا لا يتحقق في الاقتضاء و اما الاستعانة به فلا دليل على حرمتها بنحو الاطلاق فان الفقير الذى يرجع اليه لرفع فقره هل تكون استعانته به محرمة و نظير ذلك، نعم فيما إذا تحاكم الى حاكم الجور كما فيما إذا فرض ان اثبات دينه يتوقف على الرجوع اليه و حكمه يمكن ان يقال بان الدليل على المنع هى ادلة حرمة التحاكم اليه و التحقيق في محله.
ثم ان لصاحب المستمسك منهجا آخر في ان التوقف على الرجوع الى الحاكم مطلقا و لو كان حاكم الشرع يمنع عن فعلية الاستطاعة حيث قال ما ملخصه بتقديم و تأخير ان المعتبر في الوجوب امران: الاول ان يملك الزاد و الراحلة الثانى ان يكون قادرا على ذلك قدرة فعلية فمع انتفاء الاول لا يكون مستطيعا و ان كان قادرا عليه و كذلك مع انتفاء الثانى فاذا كان مالكا و لم يكن قادرا بالقدرة الفعلية لا يكون مستطيعا بل قادرا عليها و الوجه في ذلك انه و ان كان قد فسرت الاستطاعة في بعض النصوص بمثل ان يكون له زاد و راحلة الذى يكون مقتضى اطلاقه وجوب الحج بمجرد الملكية الا ان المستفاد من جملة اخرى اعتبار القدرة الفعلية على المال شرعية و عرفية ففى صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال اللّه تعالى: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال (عليه السلام) هذه لمن كان عنده مال و صحة...الى ان قال إذا هو يجد ما يحج به.(1) و في

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب السادس ح ـ 1