(الصفحة281)
و مستند الاختلاف الروايات الكثيرة الواردة في المسئلة و هى على طوائف: الطائفة الاولى ما ظاهره الوجوب من غير تقييد للنائب بعنوان مخصوص و هى: صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان عليا (عليه السلام) رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فامره ان يجهز رجلا فيحج عنه.(1)
و لا يخفى ظهور قوله: فامره في وجوب التجهيز و الاستنابة لظهور مادة الامر في ذلك بل ظهورها في الوجوب اقوى من ظهور هيئة افعل فيه كما قرر في محله الا ان اطلاق السؤال و شموله لغير المستطيع لعدم التعرض فيه لوصف الاستطاعة اصلا لا يجتمع مع وجوب الاستنابة اصلا فهل الترجيح ـ ح ـ مع ظهور مادة الامر في الوجوب و لازمه تقييد المورد بقيد الاستطاعة او مع اطلاق المورد و لازمه حمل الامر على الاستحباب لانه لا مجال لايجاب الاستنابة مع عدم الاستطاعة اصلا ـ لا سابقا و لا في الحال؟لا يبعد ان يقال بالثانى لانه ـ مضافا الى اقوائية ظهور الامر في الوجوب و الى كون المستفاد عرفا من عدم وقوع الحج منه قط و عدم طاقته منه فعلا لاجل الكبر هو الحج الذى هى فريضة الهية و كان الواجب عليه الاتيان به كما لا يخفى ـ يكون تقييد المورد بالقيدين مع كون الامام (عليه السلام)في مقام بيان الحكم بصورة نقل الواقعة في زمن المولى امير المؤمنين (عليه السلام) لا بيان نقل خصوصيات الواقعة و لو لم تكن دخيلة في الحكم كبياض لحيته و رأسه ـ مثلا ـ دليلا على كون المراد من الامر هو الوجوب لعدم مدخلية شىء من القيدين فى استحباب الاستنابة اصلا فالانصاف انه لا مجال للمناقشة في دلالة الرواية على الوجوب.
و مثلها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال ان امير المؤمنين (عليه السلام) امر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره ان يجهز رجلا يحج عنه.(2)
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 6
(الصفحة282)
و صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) قال كان على (عليه السلام) يقول لو ان رجلا اراد الحج فعرض له مرض او خالطه سقم فلم يستطيع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه.(1) و الظاهر و لو بقرينة ظهور قوله: فليجهز في الوجوب ان المراد من الحج الذى اراده هو الحج الواجب و هى حجة الاسلام الواجبة باصل الشرع مضافا الى ان اطلاق الحج ظاهر فيه لعدم افتقاره الى التقييد بخلاف الحج الاستحبابى فتدبر.
ثم ان هذه الروايات مشتركة في كون من يجهزه و يستنيبه متصفا بالرجولية و الظاهر ان العرف يلغى هذه الخصوصية كالغائه في مثل رجل شك بين الثلاث و الاربع و لو نوقش في الغاء الخصوصية يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في المقام و ان كان في دلالته على اصل الوجوب مناقشة من حيث السند و الدلالة و هى ما رواه المفيد في «المقنعة» عن الفضل بن العباس قال: اتت امرأة من خثعم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالت ان ابى ادركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع ان يلبث على دابته فقال لها رسول (صلى الله عليه وآله)فحجى عن ابيك.(2) و رواه الشيخ في الخلاف في المسئلة السادسة من كتاب الحج عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بهذه الصورة: ان امرأة من خثعم سئلت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالت: ان فريضة اللّه في الحج على عباده ادركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على راحلة فهل ترى ان احج عنه فقال (صلى الله عليه وآله) نعم قال و في رواية عمرو بن دينار عن الزهرى مثله و زاد: فقالت يا رسول اللّه فهل ينفعه ذلك فقال: نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه.
و لا دلالة في قوله (صلى الله عليه وآله) فحجى في رواية المفيد على الوجوب لعدم وجوب النيابة على الغير بل الكلام في وجوب الاستنابة على المستطيع التارك و لا دلالة في الرواية على
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 5
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 4
(الصفحة283)
هذا الوجوب نعم التشبيه بالدين يشعر بالوجوب لوجوب ادائه من كل طريق امكن و لو بالطلب من الغير كما لا يخفى الطائفة الثانية ما ظاهره الاستنابة في صورة المشية و هى روايتان:
احديهما رواية سلمة ابى حفص عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) ان رجلا اتى عليا ـ (عليه السلام)ـ و لم يحج قط فقال انى كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سنى فقال: فتستطيع الحج؟فقال لا فقال له على (عليه السلام) ان شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك.(1)
ثانيتهما رواية عبد اللّه بن ميمون القداح عن ابى جعفر عن ابيه (عليهما السلام) ـ ان عليا (عليه السلام)قال لرجل كبير لم يحج قط ان شئت ان تجهز رجلا ثم ابعثه بحج عنك.(2) و ربما يقال ان التعليق على المشية قرينة على عدم الوجوب لانه يجب الاتيان بالواجب مطلقا شاء ام لم يشأ فلا يقال ان شئت صل صلوة الظهر بخلاف صلوة الليل مثلا و عليه فتصير هذه الطائفة قرينة على عدم كون المراد بالطائفة الاولى هو الوجوب.
و لكن يرد عليه ـ مضافا الى ضعف سند هذه الطائفة لان سلمة ابا حفص لا يكون مذكورا في الكتب الرجالية بل لا يكون له الاّ روايات قليلة جمعها في كتاب جامع الرواة و الراوى عنه في الجميع هو ابان بن عثمان و رواية عبد اللّه بن ميمون ضعيفة بسهل بن زياد و عدم ثبوت كون جعفر بن محمد هو الجعفر الواقع في اسناد كامل الزيارات مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد بقوله (عليه السلام) ان شئت ان تأتى بما هو الواجب عليك و ان تفرغ ذمتك مما اشتغلت به كما في الوسائل.
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 8.
(الصفحة284)
و بالجملة إذا دار الامر بين جعل التعليق على المشية قرينة على التصرف في الطائفة الاولى و بين العكس فلا خفاء في ان الترجيح مع الثانى و حمل قوله (عليه السلام): «ان شئت» على ما ذكرنا.
الطائفة الثالثة ما تدل على اعتبار اشتمال النائب على بعض الخصوصيات مع عدم مدخليته فيه و هى: صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض او حصر او امر يعذره اللّه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له.(1) و رواية على بن ابى حمزة قال سئلته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض او امر يعذره اللّه فيه فقال عليه ان يحج من ماله صرورة لا مال له.(2) و ربما يقال بان اعتبار قيد الصرورة في النائب مع وضوح عدم لزومه بضميمة عدم جواز التفكيك بين القيد و المقيد دليل على عدم وجوب الاستنابة مضافا الى ما في الجواهر من انه يقوى كون المراد الاحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لانه نائب عنه.
و يرد عليه ـ مضافا الى ما ربما يقال من امكان الاخذ بالقيد و الالتزام باعتباره في النائب ـ ان التفكيك مع قيام الدليل عليه لا مانع منه اصلا فانه ـ حينئذ ـ يشبه الغاء الخصوصية المتقدم في قيد الرجولية على ما عرفت و اما ما في الجواهر ففى غاية البعد خصوصا في رواية الحلبى المشتملة على كلمة «عنه» الظاهرة في النيابة مضافا الى عدم المناسبة بين ثبوت الوجوب على المستطيع و بين وقوع الحج للنائب كما لا يخفى.
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 2
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 7
(الصفحة285)
و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الاقوى في مسئلة الاستنابة ما عليه المشهور من اللزوم و الوجوب.
ثم انه ذكر في «المستمسك» ان المذكور في كلام الاصحاب الهرم و المرض و الضعف و نحو ذلك مما يرجع الى قصور الاستطاعة البدنية قال: «و لم اقف عاجلا على من تعرض لغير ذلك من الموانع من حبس او صد او نحوهما مما يوجب فقد الاستطاعة السربية مع ان المذكور في مصحح الحلبى ان موضوع الاستنابة مطلق العذر و نحوه خبر على بن ابى حمزة فالتعميم اوفق بالنصوص لو لا ما عرفت من ظهور كون المشهور خلافه».
اقول: قد تعرض في الشرايع عطفا على المرض للعدوّ و عليه فلا اشعار بالاختصاص بما يوجب فقد الاستطاعة البدنية بل يعم الاستطاعة السربية ايضا.
ثم انه قيد في المتن ـ تبعا للعروة و الجواهر ـ المرض بما لم يرج زواله قال في الجواهر: «و قد صرح غير واحد بان الوجوب على تقدير القول به انما هو فيما لم يرج زواله، اما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه بل عن المنتهى الاجماع عليه، و ربما يشهد له التتبع بل في المدارك لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الاعادة لان ما فعله او لا لم يكن واجبا فلا يجزى عن الواجب».
و قد ذكر بعض الاعاظم (قدس سره) ان الاقوى في النظر هو الحكم بوجوب الاستنابة مطلقا من دون فرق بين ما إذا كان المرض مرجو الزوال و غيره و ذلك لاطلاق بعض ما مر من الاخبار الواردة في المقام قال بل نقول ان حملها على صورة ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال حمل على الفرد النادر فان المرض غالبا يكون مرجو الزوال نعم الاخبار الواردة في استنابة الشيخ الكبير ليس لها اطلاق و ذلك لان الشيخوخة ليست مما يرجى زواله فتلك الاخبار مختصة بالمرض غير مرجو الزوال لكن هذا
(الصفحة286)
كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا لكونهما مثبتين و لا تنافى بينهما.
اقول ان كان مراده بالرواية المطلقة صحيحة الحلبى المتقدمة المشتملة على قوله: و حال بينه و بين الحج مرض...فيرد عليه انه من الواضح كون المراد بالمرض المذكور فيها هو المرض الذى لا يرجى زواله لان ظاهرها حيلولة المرض بينه و بين طبيعة الحج غير المقيدة بسنة خاصة او سنوات كذلك و من الظاهر ان الحيلولة المذكورة لا تتحقق الا في المرض المذكور فان المرض الحائل بينه و بين الحج في بعض السنوات لا يكون متصفا بالحيلولة بينه و بين الطبيعة فلا مجال لدعوى الاطلاق في هذه الرواية اصلا.
و ان كان مراده بالرواية المطلقة هى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله لو ان رجلا اراد الحج فعرض له مرض او خالطه سقم فلم يستطيع الخروج نظرا الى ظهورها في كون المرض العارض مانعا عن استطاعة الخروج من دون فرق بين كونه مرجو الزوال و غيره بل لعل ظاهره هو الاول كما لا يخفى.
فيرد عليه ان دعوى اختصاصها بالحج التطوعى و الارادى الخارج عن بحث المقام كما ذكره بعض الاعلام و ان كانت ممنوعة الاّ ان ظهور الروايات المتقدمة في كون المرض و مثله غير مرجو الزوال و بما يصير قرينة على حمل الرواية على الحج غير الواجب او على كون المراد من المرض فيه ما لا يكون مرجو الزوال و ان كان خلاف الاطلاق او خلاف ظاهرها فتدبر.
و بالجملة لم يثبت وجوب الاستنابة في المرض الذى يعلم بزواله بعد سنة او ازيد.
نعم ذكر بعض الاعلام انه لم يرد في شىء من الروايات اليأس او رجاء الزوال بل المذكور فيها عدم التمكن و عدم الطاقة و الحيلولة بينه و بين الحج بمرض و نحوه
(الصفحة287)
و الظاهر ان المأخوذ في الحكم بلزوم الاستنابة عدم الطاقة واقعا و عدم الطاقة واقعا و عدم الاستطاعة كذلك و اما اليأس من زوال العذر فهو طريق عقلائى لعدم التمكن من اتيانه واقعا كما انه تجوز له الاستنابة في فرض رجاء الزوال لاستصحاب بقاء العذر و لكن ذلك حكم ظاهرى قال و بالجملة موضوع وجوب الاستنابة هو عدم الطاقة و عدم القدرة واقعا و لكن اليأس عن زوال العذر او استصحاب بقاء العذر او الاطمينان ببقاء ذلك كل ذلك طرق الى الواقع.
و لازم ذلك انه لا مدخلية لليأس في الحكم بلزوم الاستنابة بل مجرد احتمال البقاء كاف في ذلك لجريان الاستصحاب هذا تمام الكلام في الفرع الثانى.
الفرع الثالث لو لم يستقر عليه الحج لكن لا يمكنه المباشرة لشىء من المذكورات فى الفرع الثانى من المرض و الحصر و الهرم ففى وجوب الاستنابة و عدمه قولان حكى الاول عن الاسكافى و الشيخ و ابى الصلاح و ابن البراج و العلامة في التحرير و حكى عن الخلاف الاجماع عليه و ما في المستمسك من قوله: و حكى عن الخلاف الاجماع على عدم وجوبها عليه لكنى لم اجده فيه فالظاهر انه اشتباه.
و حكى الثانى عن ظاهر المفيد (قدس سره) و ابن ادريس و ابن سعيد و العلامة في القواعد و المختلف و عن كاشف اللثام و نفى خلوه عن القوة في المتن كما ان السيد (قدس سره) في العروة نفى خلو الاول عن القوة.
هذا و الظاهر انه لا مجال للمناقشة في شمول الاطلاق في بعض الروايات المتقدمة لصورة عدم الاستقرار مثل صحيحة الحلبى المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج...فان هذا القول يشمل من كان موسرا و مستطيعا في سنة الحج الذى حال بينه و بينه المرض و لم يكن كذلك قبلا بان لم يستقر عليه الحج و ـ حينئذ ـ فمقتضى اطلاقها وجوب الاستنابة عليه ايضا و كذلك رواية على بن ابى حمزة المتقدمة المشتملة على قوله: و سئلته عن رجل مسلم حال
(الصفحة288)
بينه و بين الحج مرض...فان اطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب يدل على عدم اختصاص الحكم بمن استقر عليه الحج و شموله لغيره ايضا.
و بالجملة لا اشكال في ثبوت الاطلاق في المقام الا ان ثبوته بمجرده لا يكفى في اثبات الحكم هنا و ليس كالفرع الثانى الذى يتوقف على مجرد قيام الدليل على الوجوب و ذلك لانه في مقابل الاطلاق هنا الروايات الواردة في الاستطاعة الدالة على تفسيرها بعد الاستطاعة المالية بالاستطاعة البدنية و السربية ايضا و ظاهرها ان مدخلية الاستطاعتين في الحج عين مدخلية الاستطاعة المالية فكما ان لها الشرطية في اصل وجوب الحج و ثبوت هذا التكليف و مرجعه الى ان فقد الاستطاعة المالية يوجب عدم ثبوت الوجوب رأسا لا سقوط قيد المباشرة و الاتيان بالحج من طريق النيابة كذلك ظاهر الروايات ان للاستطاعتين مدخلية في اصل الوجوب و انه مع انتفاء شىء منها لا يكون هناك تكليف بالحج رأسا لا انه يسقط قيد المباشرة و يقوم مقامه الاستنابة و الاتيان من طريق النيابة.
فلو كان في مقابل هذه الروايات رواية معتبرة واردة في خصوص من لم يستقر عليه الحج دالة على لزوم الاستنابة عليه مع المرض او الحصر او الهرم ـ مثلا ـ لكان اللازم الجمع بين الامرين بحمل روايات تفسير الاستطاعة على كون المراد مدخليتها ـ بانواعها ـ فى لزوم المباشرة و ان انتفاء شىء من الاستطاعتين لا يوجب انتفاء التكليف رأسا بل اللازم الاستنابة و الاتيان من طريق النيابة.
الا انه مع ثبوت الاطلاق في مقابلها لا بد من ملاحظة ان الترجيح مع الاطلاق فيتصرف في تلك الروايات مثل ما إذا كان في البين رواية خاصة او ان الترجيح مع ظهور تلك الروايات في كون مدخلية الاستطاعتين كمدخلية الاستطاعة المالية في اصل الوجوب و ثبوت التكليف لا في اعتبار المباشرة.
و الظاهر ان الترجيح مع تلك الروايات لكون ظهورها مستندا الى الوضع
(الصفحة289)
و اقوى بالاضافة الى الظهور المستند الى الاطلاق فالترجيح مع القول بعدم الوجوب
الفرع الرابع في ان وجوب الاستنابة في مورده و هو خصوص من استقر عليه الحج او اعم منه و ممن لم يستقر فورى ام لا استظهر السيد (قدس سره) في العروة الفورية و جعلها في المتن مقتضى الاحتياط اللزومى و الدليل عليها هو الدليل المتقدم في اوائل كتاب الحج الدال على فورية وجوب الحج و لا فرق فيه بين المستقر و غيره فاذا كان اصل التكليف ثابتا بنحو الفورية و ادلة لزوم الاستنابة غايتها التوسعة في مقام الاداء و انه لا يختص بالاتيان به مباشرة بل اللازم ايجاد الحج في الخارج و لو من طريق التسبيب و الاستنابة فالتغيير الحاصل بسبب ادلة النيابة هو هذا المقدار الراجع الى عدم مدخلية قيد المباشرة و اما اصل الوجوب و وصفه و هى الفورية فهما باقيان بحاله من دون تغيير.
و اما الترديد الذى يشعر به الاحتياط اللزومى فلعلّ منشأه عدم دلالة شىء من اخبار الاستنابة و لزومها على فوريتها مع ان الوجه فيه ما عرفت من كون الغرض منها افادة الغاء اعتبار قيد المباشرة فقط من دون نظر الى شىء آخر هذا مضافا الى ظهور بعضها في الفورية كما لا يخفى.
الفرع الخامس إذا استناب و صار النائب في مقام الاتيان بالحج و تحقق منه فان بقى العذر و استمرّ الى ان مات المنوب عنه فلا شبهة في اجزاء حج النائب و مرجعه الى عدم وجوب الاتيان به ثانيا نيابة عنه بعد الموت و ذلك لظهور ادلة الاستنابة في ان الحج الذى يأتى به النائب هو الحج الواجب على المنوب عنه و انه يأتى به مكانه فحجّه حجّه فلا مجال للزوم الاتيان به ثانيا كما إذا اتى به مباشرة حيث لا يبقى موقع للزوم التكرار و اما إذا لم يبق العذر كذلك ففيه صور ثلاثة:
الاولى: ما إذا ارتفع العذر بعد فراغ النائب عن العمل و الاتيان بالحج فالمنسوب
(الصفحة290)
الى المشهور بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه عدم الاجزاء و انه يجب عليه الاتيان بالحج بعد ذلك مباشرة و لكن صاحب الجواهر (قدس سره) استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و لكن صاحب الجواهر (قدس سره) استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و انهم غير قائلين بالوجوب نظرا الى انه على تقدير الوجوب لكان مقتضى القاعدة الاجزاء كما هو المقرر في الاصول.
و بالجملة فمختار المتن ـ تبعا للسيد في العروة ـ الاجزاء لما ذكرنا من ان ظاهر الاخبار ان ما يأتى به النائب من الحج هو الذى كان واجبا على المنوب عنه فاذا اتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا دليل على وجوبه مرة اخرى.
نعم يمكن المناقشة في ذلك بان العذر المسوّغ للاستنابة هو العذر الباقى غير الزائل و مع ارتفاعه بعد عمل النائب يستكشف انه لم يكن مجال للاستنابة و لكن يدفعها ما ثبت فى الاصول من اقتضاء الامر الظاهرى للاجزاء و ان استصحاب بقاء العذر يكفى في صحة عمل النائب و وقوعه عن المنوب عنه.
الثانية و الثالثة ما إذا ارتفع العذر في اثناء عمل النائب اى بعد الاحرام او في اثناء الطريق قبل الشروع في الحج و قد اختار السيد (قدس سره) فيهما الاجزاء ايضا نظرا الى وقوع الاستنابة بامر الشارع و كون الاجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن ابلاغ النائب الموجر ذلك و لا مجال لدعوى كون جواز النيابة ماداميا.
و لكن مختار المتن هو عدم الاجزاء نظرا الى ان ارتفاع العذر في الصورتين كاشف عن عدم مشروعية النيابة و الاجارة لان المفروض عدم تحقق الحيلولة بينه و بين الحج اصلا و انه كان متمكنا من الحج مباشرة و استصحاب بقاء العذر لا دلالة له على مشروعية النيابة بعد ارتفاع العذر فالنيابة لم تكن مشروعة بحسب الواقع و عليه فالاجارة الواقعة عليها باطلة لعدم مشروعية العمل المستأجر عليه و منه يظهر انه لا يجب على الاجير ايضا اتمام الحج عن نفسه لعدم كون احرامه متصفا بالمشروعية فلم يتحقق
(الصفحة291)
الشروع في الحج بنحو مشروع حتى يجب اتمامه بخلاف الحج الاستحبابى الذى شرع فيه فانه يجب اتمامه بمجرد الشروع و بالجملة فالحكم في هاتين الصورتين عدم الاجزاء فاللازم الاتيان به مباشرة لفرض ارتفاع العذر.
الفرع السادس: لو لم يتمكن من الاستنابة ففى المتن: سقط الوجوب و قضى عنه.اما سقوط وجوب الاستنابة فلفرض عدم التمكن منها سواء كان منشأ عدم التمكن عدم وجود النائب او وجوده مع مطالبته مالا كثيرا موجبا للضرر زائدا على الضرر المتحقق في اصل الاستنابة بناء على اقتضاء قاعدة «لا ضرر» لارتفاع الحكم الضررى و حكومتها على الادلة الاولية كما هو المشهور او في خصوص ما إذا كان تحمل المال المطالب حرجيا بناء على اختصاص رفع الحكم في مثل هذه الموارد بقاعدة «نفى الحرج» و عدم جريان قاعدة «لا ضرر» لان مفادها غير ما هو المعروف كما مر مرارا.
ثم ان المفروض صورة عدم التمكن من الاستنابة الى آخر العمر ضرورة انه مع التمكن منها و لو في عام تجب الاستنابة فيه بلا اشكال.
و اما القضاء عنه بعد الموت فلا اشكال في ثبوته و وجوبه فيما إذا كان الحج مستقرا عليه لان المفروض عدم تحققه منه و لو بالاستنابة و منه يظهر وجوب القضاء و لو مع التمكن من الاستنابة إذا خالف و لم يتحقق منه اصلا.
و اما إذا لم يكن الحج مستقرا عليه فان قلنا بعدم وجوب الاستنابة عليه ـ كما اخترناه ـ فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه بعد الموت لان المفروض عدم وجوب الحج عليه رأسا فلا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت.
و اما ان قلنا بوجوب الاستنابة عليه ـ كما اختاره في العروة ـ فربما يقال ان الظاهر عدم وجوب القضاء عنه لعدم تنجز التكليف عليه مباشرة للعذر من المرض و الحصر و عدم وجوب الاستنابة عليه في زمان حياته لعدم وجود النائب او لامر آخر من
(الصفحة292)
الضرر او الحرج فالحج لا يجب عليه لا مباشرة و لا نيابة.
اقول لا مجال لدعوى ان المستفاد من ادلة الاستنابة لزوم القضاء عنه بعد الموت فان الاستنابة الواجبة ـ على تقديره ـ امر مرجعه الى عدم مدخلية المباشرة و الاكتفاء بعمل النائب و لزوم القضاء امر آخر مترتب على تنجز التكليف و المفروض عدمه لتعذر المباشرة و الاستنابة معا و هذا بخلاف من استقر عليه الحج الذى يجب القضاء عنه بعد الموت.
نعم لازم ما ذكرنا وجوب القضاء إذا كان متمكنا من الاستنابة غاية الامر انه لم تتحقق منه خارجا عصيانا فتدبر و سيأتى تفصيل مسئلة القضاء انشاء اللّه تعالى.
الفرع السابع: لو استناب مع رجاء الزوال ففى المتن لم يجز عنه فيجب بعد زواله قال و لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية اقول اما عدم الاجزاء فيما لو استناب مع رجاء الزوال فتحقق الزوال فلاجل ان جواز الاستنابة مترتب على اليأس من الزوال فلا مجال لها مع الرجاء و عليه فالنيابة غير صحيحة فلا يجزى حج النائب عن المنوب عنه هذا بناء على مبنى المتن من اختلاف الحكم باختلاف حال المنوب عنه من جهة اليأس و الرجاء.
و اما بناء على القول بان موضوع وجوب الاستنابة هى الحيلولة الواقعية للمرض بينه و بين الحج غاية الامر انه ربما يحرز بالوجدان اعم من القطع و الاطمينان و اخرى بالاستصحاب فالظاهر جريان الاستصحاب و لو مع رجاء الزوال لعدم المنافات بينه و بين الاستصحاب و إذا كان الاستصحاب جاريا تصير الاستنابة مشروعة و ـ ح ـ زوال المرض بعد العمل لا يكاد يقدح في الاجزاء اصلا كما مرّ في الفرع الخامس نعم إذا كان الزوال في الاثناء او قبل الشروع لا يكون مجزيا.
و اما استظهار الكفاية فيما لو حصل اليأس بعد عمل النائب مع رجاء الزوال عند الاستنابة فتمكن المناقشة فيه بانه ان كان الموضوع هو الحيلولة الواقعية فقد
(الصفحة293)
عرفت الكفاية و لو لم يحصل اليأس بعد عمل النائب و ان كان الموضوع هى حال النائب و هو اليأس من الزوال فالمفروض عدم تحققه حين الاستنابة و هو دخيل في جوازها و مشروعيتها فلا يبقى مجال للاجزاء و الكفاية كما لا يخفى.
الفرع الثامن: لو حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة ففى المتن: «الظاهر عدم الكفاية» وجه الظهور انه لو لم يكن في البين ادلة وجوب الاستنابة و كنا نحن و ادلة وجوب الحج على المستطيع لم نكن نتجاوز عن اعتبار صدوره بنحو المباشرة و عدم كفاية الاستنابة ايضا لكن ادلة وجوب الاستنابة نفى مدخلية المباشرة و وسّع في الحكم بنحو اكتفى بصدوره من النائب الذى استنابه المنوب عنه و كلا الفرضين يشتركان في الانتساب الى المنوب عنه و الاضافة الصدورية اليه غاية الامر ان الصدور في الاول بالمباشرة و في الثانى بالتسبيب و عليه فلم يقم دليل على كفاية الصدور من الغير بنحو التبرع مع عدم انتسابه اليه و عدم استناد صدوره اليه بوجه و ليس هذا الفرض كصورة الموت التى لا بد من القضاء عنه كقضاء دينه و يكفى فيه تبرع القضاء فان زمن الحيوة لا بد من استناد العمل الواجب اليه و اضافة صدوره به بالمباشرة كما في مثل الصلوة و الصوم او الاعم منها و من التسبيب كما في المقام و عليه فلا يكفى تبرع الغير في ذلك.
الفرع التاسع: هل تكفى الاستنابة من الميقات ففى المتن استقرب الكفاية بعد ان استشكل فيها، وجه الكفاية ان المستفاد من الروايات الواردة في الاستنابة ان الواجب هو تجهيز رجل ليحج عنه فاللازم هى تهية مقدمات صدور الحج بعنوان النيابة عنه و ارسال شخص لذلك و اما لزوم كون الارسال من بلد المنوب عنه فلا دلالة لها على وجوبه خصوصا بعد انه لا يلزم على المنوب عنه طى الطريق الى الميقات بقصد الحج بل اللازم هو الحج الذى شروعه من الميقات و اما قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة: «ثم ليبعثه مكانه» فلا دلالة له ايضا على لزوم
(الصفحة294)
مسئلة 49 ـ لو مات من استقر عليه الحج في الطريق فان مات بعد الاحرام و دخول الحرم اجزأه عن حجة الاسلام، و ان مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و ان كان موته بعد الاحرام على الاقوى، كما لا يكفى الدخول في الحرم قبل الاحرام كما إذا نسيه و دخل الحرم فمات و لا فرق في الاجزاء بين كون الموت حال الاحرام او بعد الحل كما إذا مات بين الاحرامين، و لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففى الاجزاء اشكال، و الظاهر انه لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففى الاجزاء اشكال، و الظاهر انه لو مات في اثناء عمرة التمتع اجزأه عن حجه، و الظاهر عدم جريان الحكم في حج النذر و العمرة المفردة لو مات في الاثناء، و في الافسادى تفصيل، و لا يجرى فيمن لا يستقر عليه الحج فلا يجب و لا يستحب عنه القضاء لو مات قبلهما1.
البعث من بلد المنوب عنه بل المراد هو بعثه مكانه في الاتيان بالحج و تحقق المناسك منه فالظاهر حينئذ هو الكفاية من الميقات.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامين:
المقام الاول: فيمن استقر عليه الحج و قد مات في الطريق قبل ان يتم اعمال الحج و يأتى بمناسكه و فيه صور:
الاولى: ما إذا مات بعد الاحرام و دخول الحرم و قد نفى في محكى «المدارك» وجدان الخلاف في الاجزاء عن حجة الاسلام و عدم لزوم القضاء عنه على الوارث بل عن «المنتهى» الاجماع عليه و يدل عليه صحيحة ضريس عن ابى جعفر (عليه السلام) قال في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق فقال: ان مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الاسلام و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام.(1) و عدم فرض الاحرام فى الموت في الحرم لعله لاجل تحقق الاحرام من الميقات قبل دخول الحرم نوعا و ندرة تحقق النسيان للاحرام من الميقات و دخول الحرم
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 1
(الصفحة295)
بدونه مع ان هذا المورد هو القدر المتيقن فلا شبهة في دلالة الرواية على الاجزاء فيما هو المفروض في هذه الصورة كما ان صورة الاستقرار هى القدر المسلم من موردها نعم فى بعض الروايات ذكر مكان الحرم «مكة» و هى صحيحة زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام)المشتملة على قوله: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهى الى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الاسلام و يعتمر انما هو شىء عليه.(1) و لكنه ـ مع انه لا قائل به ـ يحتمل ان يكون المراد من مكة هو الحرم باعتبار ان الفصل بين الحرم و مكة قليل جدا و كان الحرم محيطا بها في زمن صدور الروايات و ان كانت توسعة مكة في الازمنة المتأخرة صارت موجبة لدخول حرم فيها في بعض الجوانب الا انه في ذلك الزمان كانت مكة محاطة بالحرم و عليه فلا تبعد دعوى شمول مكة لذلك باعتبار كونه من توابعها و نواحيها.
هذا مضافا الى ان دلالة هذه الصحيحة على عدم الاجزاء انما هو بالاطلاق لان عدم الانتهاء الى مكة مطلق شامل لعدم دخول الحرم و دخوله و صحيحة ضريس صريحة في الاجزاء إذا مات في الحرم فهى صالحة لتقييد رواية زرارة كما لا يخفى فلا اشكال في الحكم.
الثانية: ما إذا مات بعد الاحرام و قبل دخول الحرم و المشهور عدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه و نسب الخلاف الى خلاف الشيخ (قدس سره) و ابن ادريس و في محكى كشف اللثام نسبة الخلاف الى الحلى فقط و ذلك لعدم صراحة كلام الشيخ فيه لانه و ان قال: «إذا مات او احصر بعد الاحرام سقطت عنه عهدة الحج» لكن استدلاله بالنصوص و الاجماع ربما يدل على ان مراده الاحرام و دخول الحرم لا مجرد الاحرام فقط.
و الدليل للاجزاء مفهوم الجملة الشرطية الثانية الواقعة في صحيحة بريد العجلى و لاجله يكون التعجب من الحلى فانه مع عدم اعتماده على خبر الواحد و لو كان صحيحا
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 3
(الصفحة296)
كيف اعتمد في الحكم المخالف للقاعدة المقتضية لعدم الاجزاء لانه لا مجال للاجزاء بمجرد الاحرام و يفتقر الحكم بالاجزاء الى تعبد واضح على مفهوم جملة شرطية فى رواية واحدة و هى صحيحة بريد العجلى قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت ارأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه او يكون اوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثة(1) و يرد على الاستدلال بها انه ان قيل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية ـ على خلاف ما هو التحقيق و الثابت في محله ـ ففى الرواية قضيتان شرطيتان مفهوم الاولى انه إذا لم يكن الموت في الحرم لا يكون ما اتى به مجزيا عن حجة الاسلام و مفهوم الثانية انه إذا كان موته بعد الاحرام يكون مجزيا و بينهما تهافت و تناقض فاللازم ان يقال: اما بعدم ثبوت المفهوم لشىء من الشرطيتين لاجل ثبوت التعارض و لازمه عدم تعرض الرواية لهذه الصورة التى هى محل البحث و هو الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم فلا يبقى مجال للاستدلال بها على الاجزاء.
و اما بما حكى عن «المستند» و احتمله السيد (قدس سره) في العروة من كون المراد من قوله في الرواية: «قبل ان يحرم» قبل ان يدخل في الحرم كما يقال: «انجد» اى دخل في نجد و ايمن اى دخل اليمن و هذا المعنى و ان كان خلاف الظاهر في نفسه الا انه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
(الصفحة297)
يمكن جعل الجملة الشرطية الاولى قرينة عليه كما في سائر الموارد التى يحمل اللفظ على خلاف ظاهره لاجل وجود القرينة على الخلاف و على هذا الوجه ايضا لا يبقى مجال للاستدلال بها على الاجزاء بل هى دليل على العدم كما لا يخفى.
و اما بتعارض المفهومين و مقتضى القاعدة هو التساقط و الرجوع الى ادلة اخرى و مقتضاها وجوب القضاء عنه و عدم الاجزاء كما هو مقتضى القاعدة ايضا.
ثم انه لو فرض انحصار مدلول الرواية بالجملة الشرطية الثانية و ثبوت المفهوم لها لكان يعارضه منطوق صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على عدم الاجزاء قبل الانتهاء الى مكة التى قد عرفت ان المراد بها الحرم و من الواضح اقوائية المنطوق فاللازم رفع اليد عن المفهوم.
و قد ظهر مما ذكرنا عدم صلاحية الرواية للاستدلال بها على الاجزاء فاللازم الحكم بعدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه.
الثالثة: ما إذا دخل في الحرم قبل الاحرام كما إذا نسيه في الميقات و لم يحرم ثم دخل الحرم بلا احرام فمات و في المتن الحكم بعدم الكفاية و الاجزاء كما في الصورة الثانية و الوجه فيه ان المذكور في مثل صحيحة ضريس و ان كان هو الموت في الحرم و مقتضى اطلاقه بدوا الشمول لما إذا لم يتحقق منه الاحرام رأسا الا ان المنساق منه هو الدخول في الحرم بما هو المتعارف الغالب من الاحرام في الميقات و عدم نسيانه لا مجرد تحقق الموت في الحرم و لو لم يحرم اصلا مع ان مقتضى اطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة بريد: «و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم...» هو الشمول لما إذا كان ذلك في الحرم كما لا يخفى و اما قوله في صحيحة ضريس: «خرج حاجا حجة الاسلام» فلا دلالة له على تحقق الاحرام لان المراد بالخروج حاجا هو الخروج من البلد بقصد حجة الاسلام لا الورود فيها المتحقق بالاحرام نعم مفهوم صحيحة زرارة الوارد في الاجزاء دال على اعتبار كون الموت في حال الاحرام.
(الصفحة298)
الرابعة: ما إذا مات بين الاحرامين و في المتن الحكم بالاجزاء و الوجه فيه ـ مضافا الى الاولوية فانه إذا كان مجرد الاحرام و دخول الحرم ثم الموت كافيا و مجزيا عن حجة الاسلام ففيما إذا اتى بجميع اعمال عمرة التمتع ثم احل ثم مات يكون الاجزاء و عدم وجوب القضاء بطريق اولى ـ ظهور مثل صحيحة ضريس في الاكتفاء بالموت في الحرم غاية الامر انا حملناه على ما إذا تحقق الاحرام من الميقات و وقع دخول الحرم بعده و اما اعتبار كون الموت في حال الاحرام فلا دلالة له عليه نعم ظاهر مفهوم صحيحة زرارة اعتبار كون الموت في حال الاحرام و يمكن ان يقال ان المراد بقوله ان مات و هو محرم ليس هو الموت في حال الاحرام بل الموت بعد تحقق الاحرام من الميقات و ان لم يكن مقرونا به و كيف كان لا مجال لرفع اليد عن ظهور صحيحة ضريس في ان المعيار هو الموت في الحرم و هو متحقق في الفرض.
الخامسة: ما إذا مات في الحل بعد دخول الحرم محرما كما إذا خرج بين الاحرامين عن الحرم لضرورة او غيرها و في المتن الاستشكال في الاجزاء و الوجه فيه ما عرفت من ظهور صحيحة ضريس في اعتبار ظرفية الحرم للموت فانه لم يقع التعبير بما إذا كان الموت بعد الاحرام و دخول الحرم بل التعبير هو الموت في الحرم و لا مجال لدعوى انه لا خصوصية المحرم بعد كون المحتمل ـ قويا ـ ثبوت الخصوصية من جهة شرافة الحرم و علو مكانته و عظمة شأنه و لا يقاوم هذا الظهور الاطلاق المستفاد من صحيحة زرارة الدالة بمفهومها على انه ان كان الموت بعد الانتهاء الى مكة يكون مجزيا نظرا الى صدق «البعدية» بعد الخروج منها ايضا و ذلك لضعف الاطلاق في مقابل الظهور في مثل صحيحة ضريس كما لا يخفى.
السادسة: ما إذا مات في اثناء عمرة التمتع اى بعد الاحرام و دخول الحرم و الظاهر الاجزاء عن حجه ايضا لان حجة الاسلام عمل واحد مركب من العمرة و الحج فكما
(الصفحة299)
ان الموت في اثناء حجه يجزى عن حجة الاسلام الواجبة عليه كذلك الموت في اثناء عمرته بعد كون مجموعهما عملا واحدا و لذا لا يترتب على عمرته بمجردها شىء اصلا.
و اما من كانت وظيفته حج القران او الافراد المتقدم على عمرتهما فان مات في اثناء الحج فلا شبهة بمقتضى النص في الاجزاء عن حجه لانهما ايضا من مصاديق حجة الاسلام المذكورة في الروايات و اما الاجزاء عن عمرتهما فمشكل لان الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع الا ان يقال بان ظاهر الاجزاء عن حجة الاسلام هو الاجزاء عن كليهما لان عنوان حجة الاسلام يطلق على المجموع و ان كانا عملين مستقلين و قد نفى السيد (قدس سره) في العروة ابتداء البعد عن الاجزاء و ان استشكل فيه اخيرا.
السابعة: من مات في اثناء الحج النذرى لا يكتفى به و ان كان موته بعد الاحرام و دخول الحرم و ذلك لان الاجزاء في ذلك المورد انما هو على خلاف القاعدة لان مقتضاها العدم بعد عدم تحقق المأمور به في الخارج و فقدان الحج لاركانه فالاجزاء يحتاج الى الدليل و قد دل عليه في خصوص حجة الاسلام للتصريح بها في الروايات المتقدمة و لم ينهض دليل عليه في غيرها و عليه فالحكم لا يجرى في الحج النذرى بل الحكم فيه على وفق القاعدة المقتضية لعدم الاجزاء.
و هكذا الكلام في العمرة المفردة فان الموت في اثنائها و لو كان بعد الاحرام و دخول الحرم لا يوجب الاجزاء لعدم الدليل عليه و هذا من دون فرق بين ما إذا لم تكن مقرونة بحج القران او الافراد كما لو فرض وجوبها على المستطيع لخصوصها او كانت مقرونة باحدهما و ذلك لعدم انطباق حجة الاسلام عليه و كونها عملا مستقلا في قبال الحج.
و اما الحج الافسادى فهو اى جريان حكم الروايات فيه مبنى على ان حجة الاسلام
(الصفحة300)
هل هو الحج الفاسد الذى يتمه اولا و الحج الثانى عقوبة للافساد و جزاء عليه او انها هو الحج الثانى الذى يأتى به بعد اتمام الحج الاول الفاسد فان قلنا بالاول فالحكم لا يجرى فيه لان المفروض تحقق الموت في اثناء الحج الثانى و هو ليس بحجة الاسلام فلا دليل على الاجزاء فيه بل يجب القضاء عنه و ان قلنا بالثانى فالحكم بالاجزاء يجرى فيه لان المفروض انه هو حجة الاسلام فتشمله الروايات هذا تمام الكلام في المقام الاول.
و اما الكلام في المقام الثانى و هو من لم يستقر عليه الحج بل كان عام استطاعته فالمهم فيه هو الحكم بوجوب القضاء عنه و فيه اقوال ثلاثة:
الاول القول بوجوب القضاء عنه حكى عن المقنعة و المبسوط و النهاية و ظاهر القواعد و اختاره في المستند حيث قال: «لو مات المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الاحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الاقرب المنصور» و كذا اختاره جمع من المحققين من شراح العروة.
الثانى القول باستحباب القضاء عنه و هو ظاهر الجواهر حاكيا له عن بعض و جعله السيد في العروة اظهر.
الثالث عدم وجوب القضاء عنه و عدم استحبابه ايضا و هو مختار المتن و لعله المشهور.
اما القول الاول فمستنده الاخذ باطلاق صحيحة ضريس الظاهرة في وجوب القضاء عنه فيما إذا مات دون الحرم فان قوله فيها رجل خرج حاجا حجة الاسلام مطلق شامل لمن لم يستقر الحج عليه ايضا و لا يقدح في ذلك كون الحكم بوجوب القضاء مختلفا بالاضافة الى من استقر و من لم يستقر حيث انه في الاول يكون موافقا للقاعدة و في الثانى مخالفا لها نظرا الى ان الموت في عام الاستطاعة بعد الاحرام قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الاول لفقد الاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج بحكم العقل و قاعدة نفى الحرج على ما عرفت سابقا
|