(الصفحة61)
الثانية صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام(1) . ويردّ على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدمة على كلا المبنيين هذا مضافاً الى ثبوت الاشكال هنا من حيث السند لأن الرواية بعينها هي مرسلة الحريز عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام)(2) ولا اختلاف بينهما إلاّ يسيراً وقد مرّ ان تردد رواية واحدة بين الارسال والاسناد يخرجه عن الحجية والاعتبار.
الثالثة موثقة الحسن بن زياد التي رواها الكليني عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال قلت له: الاشنان فيه الطيب اغسل به يدي وانا محرم؟ فقال: اذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لاتحتاجون اليه وقال تصدّق بشيء كفارة للاشنان الذي غسلت به يدك(3).
والظاهر ان مورد السؤال صورة النسيان ويدلّ عليه أمران:
احدهما: قوله (عليه السلام): اذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم... فانّ ذكره قبل الحكم بالتصدق بشيء كفارة لا مناسبة له اصلاً إلاّ على تقدير كون المراد انه عند ارادة الاحرام انظروا المزاود واعزلوا الذي لاتحتاجون اليه لئلا يتحقق الاستعمال المحرّم في حال النسيان.
ثانيهما: ان هذه الرواية بعينها رواها الصدوق باسناده عن الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) وضّأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي وانا محرم
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح11.
(2) الوسائل، ابواب تروك الصلاة، الباب الثامن عشر، ح6.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح8.
(الصفحة62)
فقال تصدّق بشيء لذلك(1) .
فان الظاهر كون قوله: بدستشان مصحف به اشنان واحتمال كونه باللغة الفارسية التي تستعمل في بعض الروايات أحياناً كما استظهره بعض الاعلام (قدس سرهم) في غاية الضعف بل لايجتمع مع قوله: فيه طيب فتدبّر كما ان احتمال كونه معرب «دست شو» ايضاً كذلك بل المطمئن به لولا المقطوع كونه مصحف اشنان المذكور في رواية الكليني وعليه فالتصريح بعدم العلم في هذه الرواية مع اتحادها مع السابقة يفيد كون المورد صورة عدم العلم والتعمّد. نعم ربما يناقش في صحة اسناد الصدوق الى الحسن المذكور لعدم تعرّضه له في المشيخة والتحقيق في محلّه.
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ العمدة في باب الكفارة هي الطائفة الأولى وقد عرفت انه لاتبعد دعوى الغاء الخصوصية من عنوان الأكل الوارد في موردها وان المراد مطلق استعمال الطيب المحرّم وعليه فلا يبعد الذهاب الى ما عليه المشهور من ثبوت كفارة الدم مطلقاً في الأكل وغيره وعلى تقدير التنزل فالحكم في الأكل انما هو على سبيل الفتوى وفي غيره على نحو الاحتياط الوجوبي.
ومنه يظهر الاشكال على المتن حيث انّه جعل ثبوت الدم بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقاً من دون فرق بين الأكل وغيره مع انّ الطائفة الأولى الدالة على ثبوته في الأكل لا مجال للمناقشة فيها سنداً ولا دلالة هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.
الجهة الثالثة:
في تكرر الكفارة بتكرر استعمال الطيب وعدمه فنقول قد فصّل في المتن بين صورة تخلل الكفارة بين الاستعمالين فحكم بثبوت التكرر وبين صورة عدم التخلل
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح4.
(الصفحة63)
فاحتاط وجوباً ثبوت التكرر فيما اذا كان في أوقات متعددة ونفي البعد عن كفاية الكفارة الواحدة فيما اذا كان في وقت واحد والظاهر ثبوت هذا التفصيل في جميع موارد ثبوت الكفارة ولا يختص بالطيب وان مستنده القاعدة دون الرواية وان وردت الرواية في بعض الموارد كما سيأتي انشاء الله تعالى.
وكيف كان فالظاهر انه لا شبهة في التكرر في صورة التخلل لأن السبب الثاني محرَّم موجب للكفارة ولا مجال لتوهم كون الكفارة الواقعة قبل تحققه كفارة له أيضاً ولا دليل في مقابل الاطلاقات الدالة على الحرمة والكفارة على عدم كون السبب الثاني حراماً أو على عدم كونه موجباً للكفارة كما ان الظاهر اتفاق الفتاوى على التكرر في هذه الصورة، وامّا صورة عدم التخلل، فالمستفاد من الفتاوى ثبوت التكرّر فيها في الجملة لكن ظاهر الكلمات مختلف من جهة انّ الملاك في التعدد وعدمه، تعدد المجلس وعدمه أو ان الملاك تعدد الوقت ووحدته، ظاهر المتن الثاني كما عن جماعة من الفقهاء منهم الشيخ الطوسي في كتابي المبسوط والخلاف:
قال في محكى الاوّل: «الثالث الاستمتاع باللباس والطيب والقبلة فان فعل ذلك دفعة واحدة بان لبس كل ما يحتاج اليه أو تطيب بأنواع الطيب أو قبّل وأكثر منه لزمه كفارة واحدة فان فعل ذلك في أوقات متفرّقة لزمه عن كلّ دفعة كفارة سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفر».
وفي محكى الثاني: «تتكرر الكفارة بتكرر اللبس والطيب اذا فعل ثم صبر ساعة ثم فعل ثانية وهكذا كفر عن الاوّل أو لا » واستدل بانه لا خلاف انه يلزمه بكلّ لبسة كفارة فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة وبالاحتياط.
وظاهر المحقق في أواخر الكفارات من الحج، الأول قال: «ولو تكرر منه اللبس أو
(الصفحة64)
الطيب فان اتّحد المجلس لم تتكرّر وان اختلف تكررّت» وحكى مثله عن النهاية والوسيلة والمهذب والغنية والسرائر.
ويظهر من المسالك اتحاد القولين حيث انه ذكر بعد عبارة الشرايع: هكذا اطلق الأصحاب ومن المدارك عدم الاتحاد وثبوت قولين بل عن المنتهى ثبوت التكرر ولو مع اتحاد الوقت اذا اختلف صنف الملبوس حيث قال: ومن لبس قميصاً وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية لأن الأصل عدم التداخل. فان حرمة القميص والسراويل من جهة واحدة وهي كونهما مخيطين بخلاف العمامة المستلزمة لستر الرأس والخف المستلزم لستر ظاهر القدم كلاًّ أو جلاًّ.
وكيف كان فالبحث في المسألة تارة يقع من جهة القاعدة واُخرى من جهة بعض الروايات التي يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بها لبعض فروض المسألة.
فنقول بعد كون الظاهر اتفاق الفتاوى في باب الاحرام على كون الأنواع المتعددة الموجبة للكفارة والمَاهيّات المتنوعة المستلزمة لها يترتب عليها تعدد الكفارة حسب تعددها وان الخلاف والاشكال في المقام انّما هو في افراد طبيعة واحدة ومصاديق ماهية فاردة وان كانت مختلفة من جهة الصنف كالسراويل والقميص بالاضافة الى لبس المخيط للرجال وأصناف الطيب المحرم كالزعفران والمسك أو أصناف استعماله كالاستشمام والأكل انه قد حققنا في الاصول انّ مقتضى القاعدة في مبحث التداخل هو عدمه على حسب ما يكون المتفاهم عند العرف من مثل القضية الشرطية الظاهرة في سببية الشرط لثبوت الجزاء فان المنسبق الى أذهان العرف من مثل قوله اذا بلت فتوضأ هو كون كل مصداق من طبيعة البول سبباً لوجوب الوضوء وعليه فمقتضى القاعدة المبتنية على فهم العرف الذي هو الملاك في ظهور الألفاظ هو عدم التداخل.
(الصفحة65)
إلاّ ان الذي لابد من التعرض له في هذا المقام هو ان المعيار في تشخيص وحدة الفرد وتعدده وكون الواقع هو مصداقاً واحداً أم متعدداً هو العرف أيضاً فكل مورد حكم العرف فيه بالتعدد يترتب عليه تعدد الكفارة وكل مورد حكم فيه العرف بالوحدة لايترتب عليه إلاّ كفارة واحدة لأنّ السبب يكون من الموضوعات الخارجية التي يكون تشخيصها بيد العرف ونظره. وعليه فالظاهر انه ليس من شأن الفقه والفقيه بيان انه في أيّ مورد يتحقق التعدد وفي أيّ مورد لا يتحقق وان الملاك هو اتّحاد المجلس أو اتّحاد الوقت أو أمر آخر بل اللازم المراجعة الى العرف والحكم على طبق نظره، هذا بلحاظ القاعدة.
وامّا بالنظر الى الروايات فما يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بهما لحكم المقام روايات لابد من التعرض لها وان لم يقع الاستناد اليها إلاّ الى بعضها في الكلمات والكتب حتى الجواهر.
فمنها موثقة الحسن بن هارون المتقدمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال قلت له: أكلت خبيصاً فيه زعفران حتى شبعت «وانا محرم» قال اذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمراً ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في احرامك مما لاتعلم...(1)
فان موردها وان كان صورة الجهل كما مرّ والصدقة المأمور بها فيها وان كانت مستحبة إلاّ ان ظهورها في كون الأكل المذكور فيه واحداً غير متعدد وان ادامه الى ان شبع ولازمه أكل لقمات متعددة متعاقبة لا مجال لانكاره وهذا هو الذي يساعد عليه العرف فانه لايرى الأكل المزبور إلاّ واحداً وهذا بخلاف ما اذا تحقق أكل الخبيص
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثالث، ح1.
(الصفحة66)
المذكور مرات متعددة تحقق بينهما الفصل.
ومنها صحيحة زرارة المتقدمة أيضاً عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم... الحديث(1) . ويستفاد منها وحدة الكفارة وان كان السبب فردين لكون الأكل مستلزماً للاستشمام غالباً لعدم تعارف القبض على الأنف عند الأكل وعدم اشعار في الرواية بتعدد الكفارة فتدلّ على ان اجتماعهما لايترتب عليه إلاّ كفارة واحدة نعم في خصوص صورة التقارن المفروض فيها فلو فرض وقوعهما في زمانين مختلفين لا دلالة في الرواية على الوحدة.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها، قال عليه لكل صنف منها فداء(2). وذكر في الجواهر انه لا محيص عن العمل به بعد ان كان جامعاً لشرائط الحجية وانه يعم لبسها دفعة ودفعات.
أقول مقتضى اطلاقها وان كان هو ما أفاده إلاّ انه لابد من تقييدها بما اذا كان اللبس دفعات متعددة وذلك لدلالة الروايتين السابقتين على عدم التعدد مع الوقوع دفعة واحدة وان كان الصنف مختلفاً كالأكل والاستشمام على ما هو مقتضى الصحيحة فلا مجال للأخذ باطلاقها.
ومنها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة(3).
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب التاسع، ح1.
(3) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
(الصفحة67)
السادس: لبس المخيط للرجال كالقميص والسراويل والقباء واشباهها، بل لايجوز لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج والمصنوع من اللّبد، والاحوط الاجتناب من المخيط ولو كان قليلاً كالقلنسوة والتكّة، نعم يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الذي فيه النقود 1 .
وظاهرها وحدة الكفارة مع وحدة اللبس وان كان الملبوس متعدّداً وعلى تقدير الاطلاق والشمول لصورة التعدد المتحققة بالدفعات لابد من تقييدها بصورة الوحدة لما تقدم.
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا صحة ما في المتن مع تبديل الاحتياط الوجوبي بالفتوى نظراً الى نهوض دليل معتبر على التعدد في الأوقات المختلفة.
ثم انه ذكر صاحب الجواهر انه لم يجد في الروايات اثراً من اتحاد المجلس وعدمه مع انه ورد في رواية تعبير انه إن كان فعل ذلك ـ يعني قلّم اظافير يديه ورجليه جميعاً ـ في مجلس واحد فعليه دم وان كان فعله متفرّقاً في ملجسين فعليه دمان(1) . والظاهر ان المراد به هو الوقت الواحد.
(1) يقع الكلام في هذا الأمر في مقامات:
المقام الأوّل في اصل حرمة لبس المخيط على الرجال وقد حكى نفي وجدان الخلاف في تعلّق الحرمة بهذا العنوان عن جملة من الكتب الفقهية بل عن التذكرة وموضع من المنتهى اجماع العلماء كافة عليه، وظاهره اجماع علماء الفريقين لكن الظاهر عدم تعلّق الحكم بهذا العنوان في شيء من الروايات الواردة في الباب كما قاله الشهيد في محكى الدروس من انه لم يقف الى الآن على رواية بتحريم عين المخيط انّما نهى عن القميص والقباء والسراويل وتبعه صاحب الجواهر في ذلك.
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح1.
(الصفحة68)
أقول بناء على ذلك يشكل الحكم بالحرمة بهذا النحو لأنه لو كان المستند فيه هو الاجماع المتقدم فيرد على الاستناد اليه مضافاً الى انّ المفيد (قدس سره) في محكى المقنعة لم يذكر اجتناب المحرم المخيط وانما ذكر انه لايلبس قميصاً، والى ان الاجماع المنقول لايكون حجّة كما قرّر في محلّه، انه على تقدير ثبوت الاجماع وتحققه يحتمل بل يظن قويّاً ان مستند المجمعين هي الروايات الواردة في مثل القميص بضميمة استنباط عنوان كلي وهو المخيط لا ان يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) وفتواه بثبوت الحرمة وتعلقها بعنوان المخيط، وبالجملة فلا مجال للاستناد الى الاجماع هنا بل لابد من ملاحظة الروايات فنقول انّها على أقسام ثلاثة:
القسم الأول ما ظاهره حرمة لبس مطلق الثياب أو عمومها كالروايات التي تقدم بعضها الواردة في كيفية الاحرام الدالة على احرامه بجميع اعضائه وجوارحه من النساء والثياب والطيب، والروايات الدالة على ان ميقات الصبيان هو فخّ الذي يكون بينه وبين مكة فرسخ واحد تقريباً وهو المكان الذي وقعت فيه حادثة فخ الفجيعة التي تكون بعد واقعة كربلاء أفجع الحوادث والتعبير فيها انه يجرّد الصبيان في ذلك المكان اذا أحرم بهم وليّهم، وكذا الروايات الواردة في حال شروع الاحرام الآمرة بالتجرد في ازار ورداء وكذا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة انفاً الواردة في محرم احتاج الى ضروب من الثياب الظاهرة في عدم الجواز مع عدم الاحتياج وان كانت الكفارة ثابتة على كلا التقديرين، ولو كان في البين هذا القسم فقط لكان مقتضاه حرمة لبس الثياب مطلقاً إلاّ ان يناقش في بعضها بكون الثياب اشارة الى ماهو المحرّم منها على المحرم لا مطلقها فتدبّر.
القسم الثاني ما دلّ على حرمة لبس عناوين خاصة كالقميص مثل الرواية المتقدمة
(الصفحة69)
سابقاً الحاكية لقصة رجل دخل محرماً في مسجد الحرام ملبيّاً وعليه قميص حيث حكم عليه ابو عبدالله (عليه السلام) بالاخراج من الرأس لأنه كان لبسه له قبل التلبية وتحقق الاحرام(1) . فان دلالتها على حرمة لبس القميص ظاهرة خصوصاً مع قوله (عليه السلام) أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه.
وكالقباء مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا اضطّر المحرم الى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ولايدخل يديه في يدي القباء...(2)
وكالسراويل مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوباً تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراويل إلاّ ان لايكون لك أزرار، ولا خفين إلاّ أن لايكون لك نعلان...(3)
وكالثوب المزرور أي المشتمل على الزّر الذي هو بالفارسية بمعنى التكمة وكالدرع الذي يعبّر عنه بالمدرعة والظاهر ان الخصوصية الموجودة فيه أمران أحدهما انه يلبس فوق جميع الثياب وعليها وثانيهما اشتماله على الكمين ولأجلها يعبّر عمّا يستفاد منه في الحرب بالدرع والدليل عليهما هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وبعض الروايات الاُخر.
القسم الثالث ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب إلاّ الدّرع وهي صحيحة زرارة عن احدهما (عليهما السلام) قال سألته عمّا يكره للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلاّ ثوباً يتدرعه(4). والظاهر ان المراد من الكراهة في السؤال هي الحرمة فالجواب راجع الى
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والأربعون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والأربعون، ح1.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والثلاثون، ح2.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح5.
(الصفحة70)
نفي الحرمة في غير الدرع.
هذا والظاهر ان القسم الأخير لا مجال للأخذ به بوجه لأنه لا وجه مع دلالة القسم الثاني على حرمة عناوين خمسة على تخصيص الحكم بالحرمة، بخصوص الدرع خصوصاً بعد ظهور الاتفاق على حرمة مثل القميص والقباء والسراويل وعليه فان التزمنا بتخصيص عموم هذا القسم بجميع تلك العناوين يلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّه لايبقى تحت العام إلاّ أفراد قليلة مثل الازرار المخيط وما يشبه المخيط بناء على جوازه وسيأتي البحث فيه انشاء الله تعالى وان لم نلتزم بالتخصيص لا مساغ للأخذ به بعد تطابق النص والفتوى فاللازم اخراج هذا القسم والالتزام بكونه معرضاً عنه فيبقى القسم الأوّل.
فنقول بعد الاغماض عن المناقشة التي أشرنا اليها بالنسبة الى القسم الأوّل وهي انه يحتمل في بعض رواياتها ان لايكون لها دلالة على عموم حرمة لبس الثياب على الرجل المحرم بل كانت اشارة الى الثياب المحرَّمة المعهودة المبينة في محلها ووجه الاغماض عدم جريان هذه المناقشة في الروايات الآمرة بالتجرّد في ازار ورداء وكذا الروايات الدالة على تجريد الصبيان في ميقات فخ وعلى هذا التقدير يكون مقتضى هذا القسم حرمة مطلق الثياب سواء كانت مخيطة أم غير مخيطة ودعوى انصراف الثوب الى خصوص المخيط ممنوعة خصوصاً بعد ملاحظة استعماله في ثوبي الاحرام فتدبّر.
وبعد الاغماض عن المناقشة التي تجري في بعض روايات القسم الثاني وهي ما يدل على حرمة الثوب المزرور نظراً الى ان ظاهرها عدم حرمة لبس الثوب الذي له ازار بل ظاهرها حرمة زرّ الازار فان قوله: لا تلبس وانت تريد الاحرام ثوباً تزرّه ظاهره ذلك
(الصفحة71)
وسيأتي مثله في الروايتين أو ازيد الواردتين في الطيلسان الذي له ازار الدالتين على حرمة ان يزرها المحرم ووجه الاغماض استفادة كون الحرمة لأجل كون وجود الازار مستلزماً لِلْمَخيطيّة وكذا ما يدلّ على حرمة لبس الدرع الظاهر في كون المانع الأدراع لا المخيطيّة، انه لاشبهة بملاحظة اتفاق الفتاوى قطعاً على ان لبس الثوب غير المخيط لايكون محرَّماً على الرجل المحرم بوجه فلابد من تخصيصها بذلك والحكم بان العموم في القسم الأوّل يختص بالثوب المخيط وامّا القسم الثاني فانه وان ورد فيها عناوين خاصّة إلاّ ان الجامع بينها حيث يكون هو عنوان المخيطية فيحتمل ان يكون المحرم هو ذلك العنوان العام فيكون مقتضاه ثبوت الحرمة في الأثواب المخيطة الخارجة عن تلك العناوين أيضاً. نعم يحتمل ان يكون المحرم خصوص تلك العناوين كما اختاره بعض الاعلام (قدس سرهم) وان احتاط وجوباً بالاضافة الى غيرها، ومع الشك لا محيص عن الرجوع الى عموم القسم الأوّل والحكم بثبوت الحرمة للبس مطلق الثوب المخيط كما اختاره في المتن تبعاً للمشهور وعليه لايبقى مجال لدعوى عدم قيام الدليل على حرمة غير العناوين الخمسة ولا لما أفاده الشهيد في عبارته المتقدمة في صدر المسألة.
نعم يبقى الكلام في أمور ثلاثة مذكورة في المتن:
الامر الأوّل: لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج أو المصنوع من اللبد وقد حكم في المتن بعدم جوازه والوجه فيه بناء على الطريق الذي سلكناه واضح فان مقتضى عموم القسم الأوّل من الروايات بعد منع انصراف الثياب المذكورة الممنوعة فيها الى الثياب المخيطة هي حرمة مطلقها ولم ينهض دليل في مقابله على جواز لبس ما يشبه المخيط كالمثالين المذكورين وقيام الدليل على جواز لبس غير المخيط وما يشابهه لايقتضي ذلك وعليه فكما ان مقتضى اصالة العموم حرمة لبس المخيط مطلقاً
(الصفحة72)
من دون ان تختص بالعناوين الخمسة المذكورة في القسم الثاني كذلك مقتضاها حرمة لبس ما يشبه المخيط بعد عدم قيام الدليل على الجواز.
وامّا بناء على القول باختصاص الحرمة بتلك العناوين الخمسة فالوجه فيه صدق مثل عنوان القميص والسراويل والقباء على المنسوج منها فانه لاينبغي الارتياب في انّه كما ان القميص المخيط قميص كذلك، القميص المنسوج المتداول في هذه الأزمنة وحتى يستعمل فيه في الفارسية هذا العنوان ولا مجال لدعوى اختصاصها بخصوص المخيط منها بحيث يخرج ما يشبه المخيط منها، نعم لازم هذا المبنى الاقتصار على خصوص هذه العناوين فيما يشبه المخيط ايضاً فلو فرض ثبوت عنوان سادس يكون مشابهاً للمخيط لا دليل على حرمته بخلاف المبنى الذي اخترناه.
نعم لو قيل بان الأصل في دليل هذا الأمر هو الاجماع على حرمة لبس المخيط كما استدلّ به صاحب الجواهر ويؤيده عدم ورد هذا العنوان في شيء من الروايات حتى لايكون للاجماع اصالة واستقلال لكان لازمه الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص المخيط وعدم تسرية الحكم الى ما يشابهه ايضاً. ولكن قد عرفت المناقشة في الاستناد الى الاجماع فالأقوى ما في المتن من عدم جواز لبس ما يشبه المخيط مطلقاً.
الامر الثاني: المخيط القليل كالقلنسوة والتكّة واحتاط في المتن وجوباً بالاجتناب عنه من دون ان يقع مورداً للفتوى والظاهر انه لا فرق في الحكم بالحرمة بين ما اذا كانت خياطة الثوب كثيرة وبين مااذا كانت قليلة فان المراد بالثوب المخيط كما صرح به بعض الاعلام (قدس سرهم) هو ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه، بمعنى كون الخياطة لها دخل في الهيئة التركيبية التي يشمل الثوب عليها بحيث لو لم تتحقق الخياطة
(الصفحة73)
لا تتحقق تلك الهيئة وهذا المعنى لا فرق فيه بين صورتي الكثرة والقلّة بوجه ولعلّ وجه الشبهة ورود بعض الروايات في الطيلسان المشتمل على الازار الدالّة على جواز لبسه مع عدم شدّ ازاره فتوهم ان الجواز فيه انما هو لأجل كون الخياطة فيه قليلة لأجل ان التصاق الزّر فيه به انما هو بالخيط وامّا اصله فهو خال عن الخياطة والتفصيل فانه ثوب من صوف أوسداه منه ملبد أو منسوج وربما يقال انه معرب تالشان.
مع ان الطيلسان ليس ثوباً مخيطاً بوجه لما عرفت من معنى الثوب المخيط وعلى تقديره لا فرق بين شدّ أزاره وعدمه مع انّ الروايات الواردة تدلّ على التفصيل بين الصورتين.
منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال: نعم وفي كتاب علي (عليه السلام) لاتلبس طيلساناً حتى ينزع ازاره فحدّثني ابي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه...(1)
ومثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) مع زيادة قوله (عليه السلام) فامّا الفقيه فلا بأس ان يلبسه...(2)
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: وان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه(3).
وقد ظهر مما ذكرنا انه لادليل على جواز لبس الثوب المخيط وان كانت خياطته قليلة كما انه ظهر ان لبس الطيلسان جائز مع عدم شدّ ازاره من دون فرق بين صورتي
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح3.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح4.
(الصفحة74)
الاختيار والضرورة وان حكى عن صاحب الوسائل انه قيّد الجواز بالضرورة في عنوان الباب فيما قبل هذه الطبعة الحديثة منها.
الامر الثالث: الهميان المخيط الذي يحفظ فيه النقود فانه قد استثنى من حرمة لبس المخيط على ماهو المتسالم عليه عند الفقهاء ويدل عليه روايات متعددة:
منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم ويلبس المنطقة والهميان(1) . والسؤال في نفسه محتمل لأن يكون محطّه اشتمال الدراهم على التماثيل وان يكون محطّه كون محل حفظه مثل الهميان المخيط.
والجواب ناظر الى الجواز من كلتا الجهتين وقوله (عليه السلام) فيه ويلبس المنطقة والهميان هل المراد منه جواز لبس كلا العنوانين فيجوز شدّ المنطقة لأجل التحفظ على الأزار لا النقود أم المراد من المنطقة هي الهميان ويؤيد الثاني صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال: لا، ثم قال: كان أبي يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فانّها من تمام حجّة...(2)
والذي يسهّل الخطب انّ المتداول في هذه الأزمنة ما يحفظ فيه النقود منطقة لا أمراً آخر.
ومنها رواية يعقوب بن سالم قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) يكون معي الدراهم فيها تماثيل وانا محرم فاجعلها في هميان وأشدّه في وسطي فقال لابأس أوليس هي نفقتك
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح2.
(الصفحة75)
وعليها اعتمادك بعد الله ـ عزّوجلّ(1) .
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ فقال نعم، وما خيره بعد نفقته(2). والظاهر ان المراد بالجملة الأخيرة التي هي بمنزلة التعليل انه بعد ذهاب نفقته بسبب عدم التحفظ عليه بجعله في الهميان وشدّه في وسطه لايبقى له خير ولا سبيل له الى اتمام الحج وقضاء المناسك نوعاً.
ثم ان الظاهر اختصاص مورد الجواز بما اذا انحصر الهميان في المخيط وامّا الهميان المتداول في هذه الأزمنة الذي لايكون مخيطاً بل مصنوعاً بالجهات الصناعية الفاقدة للخياطة فالظاهر انه مع وجوده والتمكن من تحصيله لاتصل النوبة الى الهميان المخيط لأنه من الواضح انّ الحكم بالجواز في الروايات انّما هو لأجل كون الهميان في زمن صدورها منحصراً بالمخيط إلاّ ان يقال بان الهميان المتداول فعلاً وان لم يكن مخيطاً إلاّ انه يشبه المخيط والفرض انه لافرق في أصل الحكم بالحرمة بينهما كما عرفت. ثم انه يستفاد من التعليل الوارد في مثل رواية يونس المتقدمة جواز لبس ما يسمى بالفارسية بـ «فتق بند» لمن كان يبتلى بالفتق ويحتاج الى شدّه لأنه بدونه لايكون له القدرة على اتمام العمل وقضاء المناسك ولا فرق بينه وبين الهميان لو لم نقل بانه أولى كما لايخفى.
ثمّ ان هنا عنواناً لم يتعرض له في المتن باعتبار عدم كونه مخيطاً ولا ما يشبه المخيط وهو شدّ العمامة على البطن والروايات فيه مختلفة فظاهر رواية أبي بصير المتقدمة عدم الجواز.
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح3.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح4.
(الصفحة76)
مسألة 16 ـ لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز لكن الاحوط الكفارة، ولو اضطر الى لبس المخيط كالقباء ونحوه جاز وعليه الكفارة 1 .
وفي صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال: المحرم يشدّ على بطنه العمامة، وان شاء يعصّبها على موضع الازرار ولا يرفعها الى صدره...(1)
وهل المفروض في هذه الصحيحة الفروض الثلاثة: الشدّ على البطن والتعصيب على موضع الازار والرفع الى الصدّر وعليه فالرواية تدلّ على جواز الأولين بعد وضوح كون المراد من قوله: يشدّ، هو الجواز لا الوجوب، لأنه في مقام توهّم الحظر وعلى حرمة الفرض الثالث أو انّ المفروض فيها عنوانان الشدّ على البطن الشامل للصّدر والتعصيب على موضع الازار بحيث كان قوله: ولا يرفعها... تتمة للجملة السابقة دون ان تكون متعرضة لبيان الحكم، ومعناه انه يجوز له ان لايرفعها الى صدره بل يعصبها على موضع الازار فيه وجهان.
مقتضى الوجه الاوّل جعل هذه الصحيحة مقيدة لرواية ابي بصير الدالّة على عدم الجواز مطلقاً وتصير النتيجة اختصاص المنع بما اذا رفع العمامة الى الصدر وامّا اذا شدّها على ما دونه فلا مانع منه.
ومقتضى الوجه الثاني جعل الصحيحة قرنية على كون المراد من النهي في رواية ابي بصير هي الكراهة فشدّ العمامة على البطن بالمعنى الأعم الذي يشمل الرفع الى الصدر مكروه غير محرّم.
ظاهر صاحبي الحدائق والوسائل هو الاوّل ولكنه استظهر بعض الاعلام (قدس سرهم)الوجه الثاني والظاهر هو الاوّل فتدبّر.
(1) وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين ولنقدم الفرع الثاني فنقول: لو اضطر الى
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والسبعون، ح1.
(الصفحة77)
لبس المخيط فلا اشكال في ان الاضطرار يرفع الحرمة بمقتضى حديث رفع ما اضطروا اليه كسائر المحرمات التي يضطر اليها كما ان ظاهر الحديث رفع الكفارة ايضاً لكن المتسالم عليه بين الاصحاب، ثبوتها ونفي صاحب الجواهر وجدان الخلاف فيه، بل ذكر ان الاجماع بقسميه عليه والظاهر انّ مستند المجمعين الروايات الواردة في هذا المجال نعم ربما يستدل بقوله تعالى: فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك بعد كون المراد بالنسك هو دم شاة نظراً الى عموم قوله من كان منكم مريضاً الشامل لمثل اللبس والتطيّب ايضاً.
ولكن تفريعه على قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه، الوارد في مورد الاحصار يمنع عن الاستدلال به للمقام خصوصاً بعد عدم ثبوت التخيير في كفارة اللبس ولم يعرف قائل به.
وامّا الروايات فمنها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف ابطه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة(1) . ودعوى كونها مطلقة من حيث الاضطرار وعدمه وعليه فيكون حديث الرفع حاكماً عليها مدفوعة باباء الرواية عن التقييد ولو بنحو الحكومة لظهورها في التعرض لجميع فروض المسألة صورها ولازم التقييد عدم التعرض لفرض الاضطرار نعم تجري هذه الدعوى في رواية سليمان بن العيص (الفضيل خ ل) قال سألت أبا عبدالله عن المحرم يلبس القميص متعمداً قال: عليه دم...(2)
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح2.
(الصفحة78)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الى ضروب من الثيابلبسها قال: عليه لكل صنف منها فداء...(1)
وأورد على الاستدلال بها بعض الاعلام (قدس سرهم) بان الحاجة أعم من الاضطرار لصدقها على الحاجة العرفية أي الغاية العقلائية وان لم تبلغ مرتبة الاضطرار.
والجواب عنه مضافاً الى ان عنواني الحاجة والاضطرار المأخوذين في الصحيحة وحديث الرفع عنوانان عرفيّان والظاهر اتحادهما وعدم كون عنوان الحاجة أوسع من عنوان الاضطرار، انه لاتنبغي المناقشة في دلالة الصحيحة على ثبوت الجواز في موردها مع انّ مجرد الحاجة غير البالغة حدّ الاضطرار لايجوّز اللبس بوجه، فثبوت الجواز يكشف عن كون المراد من الحاجة هو الاضطرار وقد انقدح مما ذكرنا تمامية الاستدلال بالرواية ولا تصل النوبة الى الاجماع حتى يناقش في اعتباره كما مرّ.
هذا وامّا الفرع الأوّل وهو شدّ الفتق بالمخيط فقد حكم فيه بالجواز في صورة الاحتياج واحتاط وجوباً بالاضافة الى الكفارة وقد تقدم انّ المستفاد من التعليل الوارد في بعض روايات جواز شدّ الهميان المخيط هو جواز شدّ الفتق به ايضاً لتوقف اتمام الحج وقضاء المناسك عليه كتوقفه على بقاء النفقة وتحفظها في الهميان لو لم نقل بان المقام أولى. والظاهر على هذا التقدير مضافاً الى الجواز التكليفي عدم ثبوت الكفارة فيه كعدم ثبوتها في الهميان.
و ـ ح ـ يرد على المتن انّ المراد بالجواز فيه هل هو الجواز بالاضافة الى الحكم الاوّلي وكونه مستثنى كالهميان، فلا وجه ـ ح ـ للحكم بثبوت الكفارة ولو بنحو الاحتياط الوجوبي أو الجواز بطريق الحكم الثانوي الثابت بمثل حديث الرفع. وعليه فالمراد
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب التاسع، ح1.
(الصفحة79)
مسألة 17 ـ يجوز للنّساء لبس المخيط بأيّ نحو كان، نعم لايجوز لهنّ لبس القفازين 1 .
بالاحتياج الذي وقع التعبير به في هذا الفرع هو الاضطرار المعبّر عنه به في الفرع الثاني فالظاهر ـ ح ـ ثبوت الكفارة بنحو الفتوى كما صرّح به طبقاً لما هو المتسالم عليه بينهم، وعليه فالجمع بين الجواز وبين الحكم بالكفارة بنحو الاحتياط الوجوبي لا مجال له والحقّ ما مرّ من ثبوت الجواز بنحو الحكم الأولي وعدم ثبوت الكفارة إلاّ على سبيل الاحتياط الاستحبابي ويجري فيه ما تقدم في الهميان.
(1) قال المحقق في الشرايع بعد الحكم بعدم جواز لبس الرجال المخيط: «وفي النساء خلاف والأظهر الجواز اضطراراً واختياراً» وفي الجواهر عقيبه: «بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لايبعد دعوى الاجماع معها لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون اخبار ومعروفية نسبه...» أقول كونها متون الاخبار لايوجب القدح بل يوجب الاعتضاد.
وكيف كان فقد قال في محكى النهاية: «ويحرم على المرأة في حال الاحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرّجل، ويحلّ لها جميع ما يحلّ له ثم قال بعد ذلك: وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء والأفضل (الاصل خ ل) ما قدّمناه وامّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كل حال» وقد رجع عنه في ظاهر محكى المبسوط بالنسبة الى القميص بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط مع ان تردد التعبير بين الأفضل والأصل يورث الشك لأن الأول ظاهر في الجواز ومع ذلك فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في المسألة وقبل التعرض لها ينبغي التنبيه على أمر وهو انّ الروايات الدالة على حرمة لبس المخيط أو خصوص انواع خاصة منه لا مجال لالغاء الخصوصية منها بالاضافة الى النساء سواء كان بصورة الخطاب الى الراوي الذي يكون رجلاً أو
(الصفحة80)
بصورة بيان حكم عنوان المحرّم فانه بعدما علم من الشرع اختلاف النوعين في السترين الستر التكليفي النفسي والستر الشرطي في مثل الصلاة لايبقى مجال لإلغاء الخصوصية فيما يرتبط بهذه الجهة لا مطلقاً بل في خصوص جانب النفي كما في المقام وامّا في جانب الاثبات كلبس ثوبي الاحرام فقد مرّ لزوم رعاية ذلك بالاضافة الى النساء ولو على سبيل الاحتياط الوجوبي وعليه فالروايات الدالة على النهي عن لبس مثل السراويل أو القميص في حال الاحرام لا تشمل النساء بوجه.
وكيف كان فهنا عناوين متعددة قد وقع التصريح في الروايات بجواز لبس النساء لها:
منها السراويل الذي نفي اللباس عن لبسه حتى الشيخ في النهاية في عبارته المتقدمة ويدل عليه صحيحة محمد بن عليّ الحلبي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة اذا أحرمت أتلبس السراويل؟ قال: نعم انما تريد بذلك الستر...(1)
ومنها القميص ويدلّ عليه مثل رواية يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخز والديباج فقال نعم لابأس به، وتلبس الخلخالين والمسك...(2)
ومنها الغلالة بكسر الغين وهي ثوب رقيق يلبس تحت الثياب والمتعارف لبس الحائض لها لأنها تتقى ثيابها من النجاسات وقد ادّعى المحقق في الشرايع الاجماع على جوازه لها وقد صرّح به الشيخ أيضاً في النهاية الظاهرة في المخالفة في أصل المسألة يدلّ عليه صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال تلبس المحرمة
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخمسون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح1.
|