(الصفحة121)
الأصحاب قد رجعوا اليها عند اعواز النصوص لكن فقه الرضا لم يثبت اعتباره بل لم يثبت كونه رواية حتى ينجبر ضعفه في مثل المقام بموافقة فتوى المشهور، والرسالة المذكورة انما كانت مرجعاً عند اعواز النصوص مع ان النصوص في المقام موجودة، بل كثيرة، ولابد من ملاحظتها فنقول:
امّا ثبوت الشاة في المرّة الأولى فيدلّ عليه مضافاً الى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد الدالّ على ان في الجدال شاة، صحيحة معاوية بن عمار وموثقة ابي بصير المتقدمتان الظاهرتان في التفصيل بين الجدال الصادق والجدال الكاذب وانه يكون ثبوت كفارة الدم في الأوّل فيما اذا حلف بثلاثة ايمان وفي الثاني بيمين واحدة.
نعم مقتضى اطلاق رواية اُخرى لأبي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: اذا جادل الرّجل وهو محرم فكذب متعمّداً فعليه جزور(1) ، ثبوت الجزور في المرة الأولى أيضاً لكن حيث انّ الرواية قد رواها الشيخ باسناده عن العباس بن معروف وفي هذا الاسناد ابو المفضّل وابن بطة وهما ضعيفان فلا تصلح الرواية للاستناد اليها ولا تكون شهرة جابرة في هذا الفرض فاللازم الحكم بثبوت الشاة.
وامّا المرة الثانية فمقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت شاتين فيها لدلالتها على ثبوت الشاة عند تحقق طبيعة الجدال والمرة الثانية جدال آخر يترتب عليه شاة كالمرة الأولى، وليس مثل المقام من الاحكام الوضعية داخلاً في بحث التداخل وعدمه كما هو ظاهر.
نعم يدلّ على ثبوت البقرة في المرة الثانية ما رواه العياشي في تفسيره عن ابراهيم بن عبدالحميد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال: من جادل في الحج فعليه اطعام ستة
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأول، ح9.
(الصفحة122)
مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقاً أو كاذباً فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة لأنّ الله تعالى قال: فلا رفث ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. الرفث الجماع والفسوق الكذب والجدال قول لا والله و بلى والله والمفاخرة(1) .
بتقريب ان الرواية وان كانت مرسلة من حيث السندومعرضاً عنها من حيث المفاد من جهات مختلفة إلاّ انّه يمكن ان يقال بان قوله: وعلى الكاذب بقرة اي في المرة الثانية مجبور باستناد المشهور اليه وموافقته للشهرة الفتوائية كما في الجواهر ولا يعارضها رواية ابي بصير الدالّة باطلاقها على ثبوت الجزور في المرة الثانية ايضاً بعدما عرفت من ضعفها وعدم الانجبار لها في هذه الجهة.
واما المرة الثالثة فمقتضى طائفة من الروايات ثبوت البقرة فيها مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم فقيل له: الذي يجادل وهو صادق؟ قال عليه شاة والكاذب عليه بقرة(2).
وصحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه ؟ قال اذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة(3).
ومقتضى اطلاق رواية ابي بصير ثبوت الجزور في هذه المرّة ايضاً وهي في هذه الجهة موافقة لفتوى المشهور وان كان تعبيرهم انّما هو بالبدنة وتعبير الرواية بالجزور وبينهما الفرق من بعض الجهات.
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأوّل، ح10.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح6.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح2.
(الصفحة123)
كما ان مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت ثلاث شياة في هذه المرتبة.
و ـ ح ـ ان قلنا بعدم كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند بوجه فاللازم ان يقال بثبوت شاتين في المرة الثانية وثبوت البقرة في المرة الثالثة لعدم حجيّة مرسلة العياشي هناك وعدم اعتبار رواية ابي بصير هنا واطلاق الصحيحة يقيد بالطائفة الدالة على ثبوت البقرة في خصوص المرّة الثالثة وهذا هو الذي اختاره بعض الاعلام (قدس سرهم).
وان قلنا بكون الشهرة الفتوائية جابرة فاللازم الالتزام في المرة الثالثة بثبوت الجزور بعد الالتزام بكون الشهرة المزبورة جابرة لضعف سند رواية ابي بصيرة وقادحة في الطائفة الدالة على ثبوت البقرة وموجبة لحمل اطلاق رواية ابي بصير على خصوص المرة الثالثة لعدم ثبوت الجزور في غيرها والالتزام بكون الشهرة مؤثرة بهذا المقدار مشكل ولأجله يشكل الفتوى على طبقها خصوصاً بعدما عرفت من اختلاف تعبير الرواية وتعبير المشهود وعليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي في هذه المرة الجزور، كما ان تأثير الشهرة في المرة الثانية في جبران ضعف سند المرسلة وحذف الاحكام الكثيرة المذكورة فيها مضافاً الى اضطراب متنها لعدم كون الآية الشريفة التي استشهد بها فيها دالة على مسألة الكفارة بوجه لأن مفادها مجرد حرمة العناوين الثلاثة المذكورة فيها في الحج وامّا ترتب الكفارة فلا اشعار فيها اليه اصلاً، مشكل ايضاً بل مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثبوت البقرة فيها ولو اُريد الاحتياط التام فاللازم الجمع بين البقرة والجزور في المرة الثالثة وبين البقرة والشاة بل الشاتين في المرة الثانية.
وامّا ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره) في مناسكه من ان مقتضى الاحتياط الكامل ثبوت البدنة في الكاذب مطلقاً وفي جميع المراتب، فيرد عليه انه لا وجه لذلك، فان
(الصفحة124)
رواية ابي بصير ان كانت معتبرة، يجب الفتوى على طبقها وان لم تكن معتبرة فلا وجه للحكم بالجزور في المرة الأولى بعد كون مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ودلالة روايات خاصة ثبوت الشاة وكذا في المرة الثانية بعد كون مقتضاه ثبوت شاتين ولم ينهض دليل على كفاية الجزور عن الشاة في صورة تعيّنها وان كان الجزور اكثر قيمة وأعظم نفعاً مع ان رفع اليد عن الطائفة الدالّة على ثبوت البقرة في المرة الثالثة مع كونها روايات صحيحة كيف يكون مقتضى الاحتياط فالظاهر ان مقتضى الاحتياط التام ما ذكرنا لا ما أفاده (قدس سره).
نعم ذكر صاحب الجواهر في ذيل كلامه في بحث الجدال الذي يأتي التعرّض له انشاء الله تعالى في بحث تخلل التكفير انه ان لم يكن اجماع أمكن كون المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرّة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثالث إلاّ ان يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة.
وظاهره دلالة نفس النصّ والفتوى على ذلك مع قطع النظر عن الاحتياط الذي عرفت ولكن سيأتي الكلام فيه عند ذلك البحث فانتظر.
«تتميم»
هل يعتبر في الجدال الصادق الذي تترتب الكفارة على المرتبة الثالثة منه على ما عرفت التتابع ووقوع الثلاث متواليات وفي مورد واحد وموضوع فأرد، بأن كان الاثبات في الجميع راجعاً الى شيء واحد والنفي في الجميع ايضاً كذلك، أم لايعتبر بل الملاك مجرد الجدال الصادق ثلاث مرّات من دون فرق بين صورتي التوالي وعدمه وبين صورتي وحدة الموضوع وتعدّده.
قال في الجواهر بعد نقل الميل الى الاوّل عن بعض متأخري المتأخرين وانه حكاه
(الصفحة125)
عن العماني: إلاّ انه نادر يمكن دعوى اتفاق الاصحاب على خلافه خصوصاً بعد ان كان المحكى عنه يعمّ الصادق والكاذب قال: من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل وعليه دم. ولم يفصل.
وكيف كان فظاهر بعض الروايات المتقدمة كصحيحة معاوية بن عمّار ورواية ابي بصير عن احدهما (عليهما السلام) قال اذا حلف بثلاث ايمان متعمداً متتابعات صادقاً فقد جادل وعليه دم، واذا حلف بيمين واحدة كاذباً فقد جادل وعليه دم(1) ، هو اعتبار التتابع بل ووقوعها في مقام واحد، ولكن جملة من الروايات الواردة فيه المتقدمة خالية عن شيء من القيدين.
قال في الجواهر ما حاصله: ان قاعدة الجمع بين الاطلاق والتقييد وان كانت تقتضي حمل المطلق على المقيّد إلاّ ان قوّة النصوص المطلقة على وجه لاتكافئها المقيدة توجب الأخذ بالمطلقة وحمل المقيدة على ارادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال وتعدده بالنسبة الى المجادل فيه ونحو ذلك.
ومراده من قاعدة الجمع بين الاطلاق والتقييد هنا بعد كونهما مثبتين هو ان مفهوم النصوص المقيدة يقيد اطلاق منطوق النصوص المطلقة كما ان مراده من قوة النصوص المطلقة هو اعتضادها بالفتوى والشهرة المحققة و ـ ح ـ يرد عليه انه ان كان المراد كون الشهرة مرّجحة لإحدى الطائفتين المتعارضتين على الاخرى فالجواب انّ المطلق والمقيد ليسا من الخبرين المتعارضين أو المختلفين الذي هو الموضوع في الاخبار العلاجيّة مثل مقبولة ابن حنظلة لثبوت الجمع الدلالي بينهما فاللازم ان يقول امّا بكون الشهرة المذكورة قرينة على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية هنا لأن ثبوت
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح4.
(الصفحة126)
المفهوم لها انّما هو بالظهور والقرينة المذكورة شاهدة على خلافه فلا مفهوم لها هنا.
وامّا ان يقول بانّ اعراض المشهور عن النصوص المقيدة صار موجباً لسقوطها عن الحجّية والاعتبار فلا يكون في البين إلاّ النصوص المطلقة.
والتحقيق انه لا اشكال في عدم اعتبار القيدين بناءً على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما اخترناه في المباحث الاصولية لعدم التنافي بين الطرفين بعد كونهما مثبتين.
وامّا بناء على ثبوت المفهوم فقد أفاد بعض الاعلام (قدس سرهم) بانه لا دلالة له على عدم ثبوت الكفارة مع انتفاء أحد القيدين نظراً الى ان الشرط اذا كان متعدّداً أي مركّباً تدلّ القضية بالمفهوم على نفي الحكم عند نفي احدهما كما اذا قال: اذا جاء زيد من السفر وكان مجيئه في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرض انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما اذا كان الشرط واحداً.
واذا كان الشرط غير متعدد بل كان احدهما مقيّداً بالآخر كما اذا قال اذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان الشرط هو المجيء المقيّد بيوم الجمعة، فلا تدلّ القضية إلاّ على انتفاء الحكم عند نفي المجيء ولا دلالة على الانتفاء عند نفي خصوص القيد بل القضية ساكتة عن ذلك، ولذا استكشل جماعة في التمسك بمفهوم آية النباء لحجية خبر العادل نظراً الى ان المفهوم عدم مجيء الفاسق بالنبأ لا مجيء غير الفاسق به، وروايات المقام من هذا القبيل نعم لابد من الالتزام بترتب فائدة على ذكر القيد ولعلّ الفائدة في المقام هو التعرّض للفرد الخفي حيث ان المرتكز في اذهان الناس خصوصاً العوام منهم، ان المرة الثانية تأكيد للمرة الأولى ولا يرون ذلك تأسيساً والروايات دلّت على انّ المعتبر تعدد الحلف وان كان ولاءً ووارداً في موضوع واحد.
(الصفحة127)
مسألة 25 ـ لو جادل بكذب فكفّر ثم جادل ثانياً فلا يبعد وجوب شاة لا بقرة، ولو جادل مرّتين فكفّر ببقرة ثم جادل مرّة اُخرى فالظاهر ان كفارته شاة، ولو جادل في الفرض مرّتين، فالظاهر انّها بقرة لا بدنة 1 .
مسألة 26 ـ لو جادل صادقاً زائداً على ثلاث مرّات، فعليه شاة، نعم لو كفّر بعد الثلاث ثم جادل ثلاثاً فما فوقها يجب عليه كفارة اخرى، ولو جادل كاذباً عشر مرات او الزيادة فالكفارة بدنة نعم لو كفر بعد الثلاثة او الزيادة ثم جادل تكرّرت على الترتيب المتقدم 2 .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للحكم باعتبار التوالي والورود في مقام واحد اصلاً كما هو المفتى به عند الاصحاب مع كون الروايات بمرئى ومسمع منهم.
(1) و (2) قال في الجواهر فيما يتعلق بهاتين المسألتين ما لفظه: «والمحكى عن صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه: انّه انما تجب البقرة بالمرّتين والبدنة بالثلاث اذا لم يكن كفّر عن السّابق فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ليس إلاّ أو ثنتين فالبقرة، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداءً أو بعد التكفير فللمرة شاة وللمرتين بقرة وللثلاث بدنة على معنى انه لو حلف يميناً كاذبة فكفّر لها بشاة ثم الثانية وكفّر لها بشاة أيضاً ثم الثالثة، اما اذا لم يكفّر وكانا اثنتين فبقرة أو ثلاثاً فبدنة ولو كنّ أزيد من ثلاث ولم يكن قد كفّر فليس إلاّ بدنة واحدة وكذا في ثلاث الصدق. قلت ان لم يكن اجماع أمكن كون المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثلاث إلاّ أن يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة كما انه يمكن ان يقال ان الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه امّا ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة اُخرى وان لم يكن قد كفر عن الاوّل وإلاّ فليس إلاّ الشاة الاولى وكذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة والبقرة والبدنة وهكذا فتأمّل جيداً».
وقد ذكر بعض الاعلام (قدس سرهم) بعد نقل كلا القولين انه لايمكن المساعدة على شيء
(الصفحة128)
منهما وقال في بيانه ما يلخّصه ان المستفاد من مثل صحيحة سليمان بن خالد ثبوت الشاة لكل جدال ومقتضى اطلاقها انه لا فرق بين الصّادق والكاذب وكذا بين المرّات خرجنا عنه في الحلف الصادق بالاضافة الى المرّة الاولى والثانية حيث انه لايجب فيهما شيء.
وامّا فيما زاد على مرّتين فالواجب هي الشاة ومقتضى الاطلاق وجوبها في المرة الرابعة والخامسة وهكذا ولا وجه لاحتساب كل ثلاث ثلاث بل العبرة بفوق اثنين وكذا مقتضى الاطلاق انه لا فرق بين التكفير سابقاً وعدمه لأن كل جدال موضوع للحكم وامّا الحلف الكاذب فالأوّل فيه شاة والثاني فيه شاة اُخرى على المختار عندنا من دون فرق بين ما اذا كفّر عن الاول أم لا، وتجب البقرة في الثالث على المختار عندنا كذلك ولا يختص الحكم بالثلاث بل موضوع الحكم ما زاد على الاثنين فتثبت البقرة في الثالث وكذلك في الرابع والخامس وهكذا ولا دليل على احتساب كل ثلاث لما عرفت من مقتضى العمل بالروايات ولا اجماع في المقام على الخلاف.
أقول امّا في الجدال الكاذب فمقتضى التأمل في الروايات ما أفاده صاحب الجواهر بالاضافة الى المرة الثانية والثالثة فانه لا شبهة بمقتضى الاطلاق والروايات الخاصة المتقدمة في ثبوت الشاة في المرة الأولى وكذا مقتضى ما رواه العياشي الذي هو الدليل الوحيد المتعرض للمرة الثانية في الجدال الكاذب بقوله (عليه السلام): فان عاد مرّتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة. ان ثبوت البقرة انما يكون موضوعه العود وتكرار الجدال الكاذب وامّا ما ترتب على الجدال الاوّل من الشاة فهو باق بحاله وعليه يكون فيما اذا لم يكفّر عن الاوّل الشاة والبقرة، غاية الامر ان الشاة ترتبط بالاوّل والبقرة بالثاني وليس معنى الرواية ثبوت البقرة مع عدم التكفير بشاة كما في قوله تعالى
(الصفحة129)
في آية الصيد: «ومن عاد فينتقم الله منه» حيث ان معناه لايرجع الى ان العود يترتب عليه الانتقام ولا يجب معه الكفارة الثابتة قبل العود.
وكذا مقتضى رواية ابي بصير المتقدمة المنجبرة بالشهرة الدالة على ان المحرم اذا جادل فكذب متعمداً فعليه جزور، ثبوت الجزور في مطلق الجدال الكاذب، غاية الأمر عروض التقييد للاطلاق بالاضافة الى المرة الاولى وكذا المرة الثانية، وامّا بالاضافة الى المرة الثالثة فتدلّ على ثبوت الجزور في المرة الثالثة من دون فرق بين تحقق التكفير بالاضافة الى المرتين السابقتين وعدمه. فاذا لم يتحقق، فاللازم ثبوت الشاة والبقرة والبدنة غاية الامر ان الاولى للاولى والثانية للثانية والثالثة للثالثة كما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) وامّا بالاضافة الى المرات اللاّحقة على الثالثة فظاهر ذيل كلامه جريان حكم الثلاث الأولى فيه، يعني يكون في الرابعة الشاة وفي الخامسة البقرة وفي السادسة البدنة، وهكذا، مع ان مقتضى اطلاق رواية ابي بصير، ثبوت البدنة في الثالثة وما بعدها فكما انّ في الثالثة بدنة يكون في الرابعة ايضاً بدنة وفي الخامسة ايضاً كذلك وهكذا ولا فرق بين تخلل التكفير وعدمه فلو كنّا نحن والروايات ولم يكن هنا اجماع وقلنا بانجبار رواية العياشي وكذا رواية ابي بصير لكان مقتضاها ما ذكرنا هذا في الجدال الكاذب.
واما الجدال الصادق فمقتضى ما في المتن تبعاً للمشهور بل للمجمع عليه احتمالاً أن تكرر الكفارة فيه انّما يتحقق بالثلاث بعد التكفير نظراً الى ان الكفارة توجب انّ الواقع كَاَنَّهُ لم يتحقق ولم يقع كما يناسبه معناها بحسب اللغة الذي هو عبارة عن الستر والاخفاء ولذا يطلق على الزارع الكافر كما في الكتاب العزيز نظراً الى انه يستر البذر في بطن الأرض وجوفها كما ان اطلاق عنوان الكافر على الكافر في مقابل المسلم انّما
(الصفحة130)
هو لأجل كونه ساتراً للحق والواقع.
وكيف كان مقتضى كلام المشهور ان موجب التكرّر انّما هو الثلاث بعد التكفير فاذا جادل صادقاً ولو عشر مرات من دون ان يكفر اصلاً لايجب عليه إلاّ كفارة واحدة واذا كفّر بعد الثلاث الاوّل فالموجب للتكرّر هو الثلاث الثاني واذا كفّر بعده فالموجب هو الثلاث الثالث ومع عدم تخلل التكفير لاتجب إلاّ واحدة.
ومقتضى ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه المتقدم هو ان الاعتبار بالثلاث، سواء تحقق التكفير أم لم يتحقق فاذا لم يكفر عن الثلاث الاول يكون في الثلاث الثاني كفارتان احداهما للأول والثانية للثاني هكذا في الثلاث الثالث.
ومقتضى ماذكره بعض الاعلام (قدس سرهم) انّ الملاك هو تحقق عنوان الزيادة على الاثنتين وعنوان فوقهما ولازم ذلك بعد تقييد اطلاق صحيحة ابن خالد الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجدال واخراج المرة الأولى وكذا المرة الثانية منه، ترتب الكفارة على العنوان المذكور الذي يكون أول مصاديقه المرة الثالثة، وعليه فكما انه فيها شاة كذلك في المرّة الرابعة وكذا في المرّة الخامسة وهكذا بمعنى ثبوت الشاة في كل مرّة من الثلاث وما بعدها ويحتمل ضعيفاً ان يكون مراده عدم التكرار اصلاً من دون فرق بين ما اذا كفّر بعد الثلاث وما اذا لم يكفّر.
والتحقيق بناء على الطريق الذي سلكناه انّ الدليل في المقام لو كان منحصراً بما ورد في اليمين الثالث في الجدال الصادق، من الروايات المتقدمة، لامكن الذهاب الى ما أفاده صاحب الجواهر لكن صحيحتي الحلبي ومحمد بن مسلم المتقدمتان وان قلنا بثبوت الاعراض عنهما في اليمين الكاذبة لدلالتهما على ثبوت البقرة في الثالثة على خلاف المشهور إلاّ أنه لم يتحقق الاعراض عنهما بالاضافة الى الجدال الصادق في
(الصفحة131)
مسألة 27 ـ يجوز في مقام الضرورة لاثبات حق أو ابطال باطل القسم بالجلالة وغيرها1 .
الزائد على اثنين وعليه تكون الصحيحتان مفسرتين لما وقع فيه التعبير بالثلاث، ومقتضاهما ان الملاك في ثبوت الكفارة ليس هو عنوان الثلاث والخصوصية الموجودة فيه بل الملاك هو عنوان الزيادة على الاثنين والفوقية المضافة اليهما و ـ ح ـ لابد من ملاحظة ان من جادل أربع مرّات ـ مثلاً ـ هل يتحقق منه مصداقان للعنوان المذكور كما انه قد تحققت مصاديق أربعة لطبيعة الجدال وماهيته أو لايكون في البين إلاّ مصداق واحد.
والظاهر الذي يساعده فهم العرف هو الثاني فانه لو أمر المولى عبده بان يجيئه بازيد من رجلين فلا فرق في تحقق الموافقة وحصول الطاعة بين ان يجيء بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة أو بأزيد وليس في الأربعة موافقتان وفي الخمسة موافقات ثلاث وهذا من دون فرق في المقام بين تخلل التكفير وعدمه فان كون الكفارة موجبة لصيرورة ما وجد وتحقّق كان لم يوجد ولم يتحقق، أمر يحتاج الى دليل، ومع عدمه يكون مقتضى الاطلاق عدم الفرق في ذلك.
وقد ظهر من ذلك انّ الجمود على مقتضى الروايات مع غمض النظر عن الفتاوى يقتضي الالتزام بعدم ثبوت كفارة واحدة في الجدال صادقاً ثلاثاً كان أو أزيد تخلّل التكفير أو لا، وقد مرّ انه يحتمله ضعيفاً كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) المتقدم.
(1) حكى عن الدروس وغيرها انه استقرب الجواز وانتفاء الكفارة فيما لو اضطر الى اليمين لاثبات حق أو نفي باطل والظاهر انه ليس المراد من الحقّ مثل الدين الذي له على الغير في مقابل الباطل بهذا المعنى بل المراد من الحق والباطل ما يرتبط بالشرع من الامور الاعتقادية والاحكام العملية واشباههما والدليل على الجواز انصراف ادلّة
(الصفحة132)
الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القمّلة والبرغوث ونحوهما، وكذا هوامّ جسد ساير الحيوانات، ولايجوز القائها من الجسد، ولا نقلها من مكانها الى محلّ تسقط منه، بل الأحوط عدم نقلها الى محلّ يكون معرض السقوط، بل الاحوط الأولى ان لاينقلها الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه، ولايبعد عدم الكفارة في قتلها لكن الاحوط الصدقة بكفّ من الطعام 1 .
حرمة الجدال على المحرم عن مثل هذا الجدال المؤثّر في اثبات الحق وابطال الباطل وامّا رواية ابي بصير المتقدمة الدالة على الجواز فيما اذا كان المقصود منه اكرام أخيه فلا دلالة لها على الجواز في المقام بلحاظ قوله في الذيل: «امّا ما كان فيه معصية» فلا بناء على المعنى الذي ذكرنا للذيل نعم لو كان المراد منه تخصيص الجدال المحرَّم بما كان فيه معصية كالكذب والغيبة ونحوهما يمكن الاستدلال بها ـ ح ـ لكن لازمه عدم حرمة الجدال مطلقاً على المحرم مع ان المفروض ثبوتها وترتب الكفارة في مطلقه مع الخصوصيات المتقدمة فتدبر جيداً.
(1) في هذا الأمر مباحث:
المبحث الاوّل: في قتل القمّلة والمنسوب الى المشهور عدم جوازه على المحرم. نعم اقتصر جماعة من القدماء على حرمة الالقاء من دون التعرّض للقتل ولكن الظاهر عدم كون مرادهم جواز القتل. نعم صريح ما حكى عن ابن حمزة التفصيل بين القتل والالقاء عن الجسد بجواز الاوّل دون الثاني.
ويدلّ على القول المشهور روايات دالة بالخصوص أو العموم على الحرمة مثل:
صحيحة زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحكّ المحرم رأسه ويغتسل بالماء قال: يحكّ رأسه مالم يتعمد قتل دابة الحديث(1) . ومن الظاهر انّ الدابة التي يمكن ان
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
(الصفحة133)
يتعمّد قتلها بالحكّ ليست إلاّ القملة التي تتولد وتتكون في الجسد فالرواية ظاهرة في حرمة قتل القمّلة مع التعمد.
ومعتبرة ابي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال لا فداء لها(1) . وابو الجارود وان كان من الزيدية إلاّ انه موثق بالتوثيق العام وكذا بالتوثيق الخاص من الشيخ المفيد (قدس سره) ولا تنبغي المناقشة في ظهور الجواب في الحرمة فان التعبير بقوله: بئس لا يناسب الكراهة بوجه.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اتق قتل الدواب كلّها ولا تمس شيئاً من الطيب الحديث(2).
ولا مجال للخدشة في كون القملة من الدواب بعد تعبير صحيحة زرارة المتقدمة عنها بالدابة كما لايخفى.
نعم ربما يمكن ان يقال بدلالة صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار على عدم الحرمة قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما تقول في محرم قتل قملّة؟ قال: لاشيء عليه في القمل ولا ينبغي ان يتعمد قتلها(3). وقد رواه بعينها صاحب الوسائل في بعض الأبواب الاُخر فتوهم انهما روايتان مع انها ليست إلاّ رواية واحدة وان كان الراوي عن معاوية مختلفاً والظاهر انّ محطّ السؤال ما يلزم على المحرم الذي قتل قملة بعد وقوعه وتحققه وهذا يكشف عن كون الحرمة مفروغاً عنها عند السائل وان مورد السؤال ما يترتب على فعله من الكفارة فالجواب ناظر الى عدم ثبوت شيء أي كفارة عليه فعليه فقوله: «ولا ينبغي
(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس عشر، ح8.
(2) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح9.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح2.
(الصفحة134)
ان يتعمد قتلها» انما يكون تأكيداً لما هو المفروغ عنه عند السائل فاللازم ان يكون المراد من قوله لاينبغي هي الحرمة وان ابيت عن ذلك وقلت بأنّ السؤال انّما هو عن الجواز التكليفي والكفارة معاً والجواب ناظر الى نفي الثاني وثبوت الأوّل، غاية الأمر ثبوت الكراهة.
فنقول اوّلاً منع كون لاينبغي ظاهراً في نفسه في خصوص الكراهة أو الأعم منها ومن الحرمة بل الظاهر كونه ظاهراً في الحرمة إلاّ في مورد ثبوت القرينة على الخلاف.
وثانياً على فرض تسليم ظهورها في عدم الحرمة ليس ظهورها فيه بأقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة ولا في رتبته بل الروايات المتقدمة تصير قرينة على كون المراد من قوله: «لاينبغي» هي الحرمة كما هو ظاهر.
ثم انه يدلّ على عدم جواز قتل القملة أيضاً ما يدلّ على عدم جواز القائها من الجسد ورميها منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فانها من جسده، وان أراد ان يحولّ قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه(1) .
ورواية الحسين بن ابي العلاء قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام): لايرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمّداً فان فعل شيئاً من ذلك فليطعم مكانها طعاماً قلت: كم ؟ قال: كفّاً واحداً(2).
نظراً الى ان المتفاهم من مثلهما عند العرف عدم جواز القتل أيضاً لا للأولوية حتى يناقش فيها بان الظنية منها لاتجدي والقطعية غير محققة، بل للاستفادة العرفية من
(1) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح5.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح3.
(الصفحة135)
نفس الرواية خصوصاً مع ملاحظة القلّة المذكورة في الصحيحة وهو كونها من الجسد فان مقتضى كون المعيار والملاك هو النشو من الجسد والتكون منه، هو عدم جواز قتلها ايضاً كالقائها ورميها.
لكن في مقابلهما رواية مرّة مولى خالد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملّة فقال: القوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة(1) . لكن ضعف سند الرواية بجهالة مرّة يمنع عن صلاحيتها للمعارضة مضافاً الى ما قيل من انه يمكن ان يكون الفوها بالفاء من الاُلفة اي لا تلقوها وان كان هذا الاحتمال في غاية البعد خصوصاً مع قوله (عليه السلام) بعده: أبعدها الله.
نعم هنا بعض الروايات الدالة على جواز قتل القملة في الحرم مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس بقتل النمل والبق في الحرم ولا بأس بقتل القملة في الحرم(2).
ومرسلة ابن فضال عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم(3).
ولكن حيث ان محل البحث في المقام هو الامور المحرمة على المحرم والروايتان واردتان في الحرم ومن المعلوم تغاير العنوانين وثبوت احكام خاصة بالاضافة الى المحرم واحكام اُخرى بالاضافة الى الحرم وان كانا قد يجتمعان في بعض الاحكام، فلا وجه لتوهم المعارضة بين الروايتين الواردتين في الحرم مع الروايات الواردة في
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح6.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثمانون، ح2.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثمانون، ح4.
(الصفحة136)
المحرم كما هو ظاهر.
نعم ربما يستفاد من بعض الروايات جواز القتل مع ارادة القملة ايذاء المحرم مثل مرسلة المفيد المعتبرة، قال: سُئِلَ (عليه السلام) عن قتل الذئب والأسد فقال: لابأس بقتلهما للمحرم ان اراداه (ده خ ل) وكل شيء أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله(1) .
وما رواه ابن ادريس نقلاً من نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن جميل قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة والبراغيث اذا اذاه قال: نعم(2).
ولكن الرواية الاولى ظاهرة فيما اذا كان الارادة متعلقة بالقتل كما يدلّ عليه ذكر الذئب والأسد والسباع وعليه فالمراد من الهوامّ ما يكون قاتلاً كالعقرب ونحوه.
والرواية الثانية مضافاً الى ضعف سندها لجهالة طريق ابن ادريس الى نوادر البزنطي، موردها البقة والبراغيث ولم يرد فيها ذكر القمّلة والتقييد بصورة الايذاء لا دلالة فيه على ثبوت الجواز في القملة في هذه الصورة ايضاً مع ان الايذاء لو كان على حدّ يوجب المشقة والحرج، لكان مقتضى القاعدة الجواز وان كان الحكم الاوّلي هي الحرمة كما لايخفى.
المبحث الثاني: في قتل البقة والبرغوث وغيرهما من هوامّ الجسد غير القملة التي مر البحث فيها تفصيلاً والظاهر انه محل خلاف من حيث الجواز والحرمة ولا تكون فيه شهرة على المنع كالشهرة المحققة في القملة.
ويدلّ على الحرمة مضافاً الى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتقاء قتل الدواب كلها وشهادة بعض الروايات الواردة في القملة بكون مثلها
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثمانون، ح13.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح7.
(الصفحة137)
دابة، صحيحة زرارة المتقدمة في القملة الدالة على جواز حكّ الرأس للمحرم مالم يتعمد قتل دابة، نظراً الى ان الاتيان بكلمة الدابة بصورة النكرة من دون اضافتها الى الضمير حتى يحتمل ان تكون لدابة الرأس خصوصية يقتضى عدم جواز قتل مطلق الدابة سواء كان محلّها الرأس أو غيره.
وقد مرّ انّ الروايات الدالّة على جواز قتلها في الحرم لا ارتباط لها بالمقام الذي يكون البحث فيه عن محرّمات الاحرام نعم هنا رواية ربما يستدلّ بها على الجواز وهي ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) قال سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث اذا رآه؟ قال: نعم(1) .
هكذا في الوسائل ولكن المذيّل حكى عن الكافي ان فيه: اذا أراداه. وهو الظاهر لأنّ أفراد الضمير على النقل الاوّل لايناسب مع كون السؤال عن البقة والبرغوث كما ان تعليق الحكم بالرؤية مما لايعرف له وجه. وعليه فالظاهر كون النسخة الصحيحة: اذا أراداه لكن يرد على الاستدلال بالرواية مضافاً الى ضعف سندها بسهل بن زياد ما أشرنا اليه من ان الحكم بالجواز في صورة تحقق الايذاء غير القابل للتحمل عرفاً لاينافي كون الحكم الاولي بحسب ادلّة المنع هو المنع ضرورة ان قاعدة نفي الحرج حاكمة على ادلّة محرمات الاحرام ايضاً.
ومثلها رواية جميل المتقدمة التي تكلمنا فيها سنداً ودلالة وعلى ما ذكرنا فالظاهر حرمة قتل البقة والبرغوث ونحوهما ايضاً.
المبحث الثالث: في قتل هوّام الغير انساناً كان أو حيواناً كالحشرات الموجودة في البعير والشاة ونحوهما والظاهر بمقتضى عموم صحيحة معاوية بن عمار واطلاق
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والسبعون، ح3.
(الصفحة138)
صحيحة زرارة المتقدمتين حرمة قتلها ايضاً وانه لا فرق بين هوام الجسد وبين هوامّ الغير بعد كونها مصاديق لعنوان الدابة كما ان مقتضى اطلاق السؤال في بعض الروايات عن محرم قتل قملة، وترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين قملّة النفس وقملّة الغير.
نعم التعليل الوارد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على جواز ان يلقى المحرم الدواب كلّها إلاّ القملة بقوله فانّها من جسده، ربما يوهم اختصاص الحكم بما يرتبط بجسد المحرم وامّا ما يرتبط بالغير سواء كان انساناً أو حيواناً فلا دليل فيه على المنع ولكن الظاهر انه لا مدخلية للاضافة الى نفس المحرم فتدبّر.
المبحث الرابع: في عدم جواز القاء هوامّ الجسد منه وظاهر المتن كما نسب الى المشهور انه لافرق في ذلك بين القملّة وغيرها لكن الروايات الدالّة على عدم الجواز، موردها القمّلة، بل لعلّه يستفاد من بعضها الاختصاص بها نظراً الى التعليل الوارد فيها وهي عبارة عن:
رواية الحسين بن ابي العلاء قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام): لايرمي المحرم القملّة من ثوبه ولا من جسده متعمّداً فان فعل شيئاً من ذلك فليطعم مكانها طعاماً قلت: كم ؟ قال: كفّاً واحداً(1) .
وصحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدوّاب كلّها إلاّ القملّة فانّها من جسده، وان اراد ان يحوّل قملّة من مكان فلا يضرّه(2).
وربما يقال باستفادة التعميم من العلّة المذكورة في الرواية مع انه عجيب فان المراد من العّلة هو التكون من الجسد والنشوة والتولد منه وهذا منحصر بالقملة، ضرورة
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح3.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح5.
(الصفحة139)
ان مثل البقة والبرغوث لايكون كذلك ولو حملت لفظة «من» على التبعيض بلحاظ الارتباط بالجسد الذي يراد به الاعم من الثوب، لايبقى ـ ح ـ للمستثنى منه مورد فان الحكم بالجواز مورده، القاء المحرم الدواب عن جسده أو ثوبه كما لايخفى.
وصحيحة حماد بن عيسى قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام): عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاماً(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاماً(2) بناء على ما ذكرنا غير مرة من ان ثبوت الكفارة دليل على الحرمة التلكيفية بالنسبة الى الحكم الاولي ولكن في مقابلها رواية مرّة مولى خالد المتقدمة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة فقال القوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة(3). لكن عرفت ضعفها بمرّة مضافاً الى اختلاف النسخة وان كان هو بعيداً.
وقد ظهر مما ذكرنا انه لا دليل على عدم جواز القاء غير القملة من سائر هوامّ الجسد، بل ربما يستفاد من رواية جميل جواز القائه قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة والبراغيث اذا آذاه؟ قال: نعم(4).
نظراً الى انّ جواز قتلهما يستلزم جواز القائهما بطريق اولى ولكن الرواية مضافاً الى ضعف سندها كما عرفت، تدلّ على ان عدم جواز القتل في صورة عدم الايذاء كان مفروغاً عنه عند الراوي وعليه فالحكم بالجواز في صورة الايذاء المستلزم للحرج
(1) الوسائل، ابواب تبقية كفارات الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، ح2.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح7.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح7.
(الصفحة140)
والمشقة لايدلّ على الجواز مطلقاً وعليه فالرواية لا دلالة لها على حكم الالقاء بوجه.
المبحث الخامس: في جواز النقل من مكان الى آخر وعدمه، فنقول ان كان المحلّ المنقول اليه موجباً للسقوط قطعاً فهو بحكم الالقاء بل القاء حقيقة وان كان في معرض السقوط فالظاهر انه بحكم الالقاء وينصرف عنه دليل جواز النقل وهي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المبحث الرابع المشتملة على قوله: وان أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه كما انه لا اشكال بحسب الرواية في جواز النقل الى مكان أحفظ وأحرز من المكان الاوّل، وكذا في جواز النقل الى مكان مساو للمكان الاوّل، وامّا النقل الى مكان يكون الاوّل أحفظ منه فمقتضى اطلاق الرواية الجواز وان كان مقتضى الاحتياط الخلاف ودعوى انصراف الرواية عن هذا الفرض ممنوعة.
ثم انه لو قلنا بجواز الالقاء في غير القملة فجواز النقل فيه مطلقاً ظاهر وان قلنا بحرمة الالقاء فيه فلا دليل على حرمة النقل إلاّ في مورد يكون القاء حقيقة دون غيره من بقية الموارد.
المبحث السادس: في ثبوت الكفارة وعدمه وظاهر المتن نفي البعد عن عدم ثبوت الكفارة وان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الصدقة بكف من طعام ومورد نفي البعد الاختصاص بالقتل من جهة الظاهر في ان مورد الشك صورة القتل فقط لا ما يشمل الالقاء ومثله والعموم من جهة وهي مطلق هوامّ الجسد من دون خصوصية للقملة من بينها مع انّ الروايات الواردة في الكفارة تدلّ على عكس ذلك وهو الاختصاص بالقملة بمعنى ورودها فيها وعدم الاختصاص بالقتل بل موردها الالقاء الذي يكون ثبوت الكفارة فيها مستلزماً للثبوت في القتل عند العرف ولو لم يكن اولى فانّ منها:
صحيحة حمّاد بن عيسى قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يبيّن القملة عن
|