(الصفحة181)
عليه، بل عن التذكرة والمنتهى اجماع العلماء عليه بل النصوص فيه مستفيضة حدّ الاستفاضة ان لم تكن متواترة، ومراده من التواتر الذي احتمله هو التواتر المعنوي أو الاجمالي الذي يرجع الى العلم بصدور بعض الروايات الواردة في هذا المجال ولا بأس بنقل بعضها فنقول:
منها صحيحة عبدالله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: المحرمة لاتتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه(1) .
ووقوع هذه العبارة في مقام التعليل على النهي عن التغطية والتنقب للمرأة يرشد الى أمرين: احدهما حرمة تغطية الرأس على الرجل المحرم الذي هو المهم في هذه الجهة وثانيهما بيان المراد من هذه العبارة التي لولا وقوعها في مقام التعليل لكانت مجملة في نفسها، فان كون احرام المرأة في وجهها لامعنى له بعدما عرفت في البحث عن ماهية الاحرام من انّها امر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية فقط أو بضميمة التلبية، وهذا الأمر الاعتباري لايرتبط الى الوجه في المرأة والرأس في الرجل. نعم يحتمل ان يكون المراد هو استكشاف احرام الرجل والمرأة من هذا الطريق، وفيه ايضاً ما لايخفى، هذا ولكن وقوعها تعليلاً للنهي عن التغطية يبين المقصود منها وان المحرمة لايجوز لها تغطية وجهها والمحرم تغطيته رأسه.
ومنها صحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال: يلقي القناع عن رأسه، ويلبّي ولا شيء عليه(2). والسؤال فيها يدلّ على مفروعية حرمة التغطية عند السائل وان مورد شكّه ما اذا وقع نسياناً.
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
(الصفحة182)
ومثلها صحيحة الحلبي انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يغطي رأسه ناسياً أو نائماً فقال يلبّي اذا ذكر(1) . والمراد هي التغطية في حال النوم لا في حال ارادته والشروع فيه.
ومنها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: نعم ولا يخمّر رأسه، والمراد لا بأس ان تغطّي وجهها كلّه(2). والجملة الاخيرة محمولة على صورة الضرورة من جهة ايذاء الذباب أو ساقطة باعتبار كون مقتضى النص والفتوى عدم جواز تغطية المرأة وجهها.
ومنها صحيحة عبدالله بن سنان قال سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول لأبي وشكى اليه حرّ الشمس وهو محرم وهو يتأذّى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال لابأس بذلك مالم يصيبك رأسك(3). ومفادها حرمة اصابة الرأس ولو بعضه فضلاً عن الجميع.
ومنها غير ذلك من الروايات وعليه فلا مجال للشبهة في أصل الحكم.
الجهة الثانية: في عموم الحرمة لكلّ ما يغطّي الرأس حتى مثل الأشياء المذكورة في المتن وعدمه فنقول حكى في الجواهر عن تصريح غير واحد الاوّل وقال بل لا أجد فيه خلافاً بل عن التذكرة نسبته الى علمائنا.
وفي المدارك بعد ان حكى التصريح المذكور عن العلامة وغيره قال وهو غير واضح لأنّ المنهيّ عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لا مطلق السّتر مع ان النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ماهو المتعارف منه
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.
(2) ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح5 .
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والستون، ح4.
(الصفحة183)
وهو السّتر بالمعتاد إلاّ ان المصير الى ما ذكروه أحوط، وتبعه في محكى الذخيرة وأورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: «وفيه ـ مضافاً الى قوله (عليه السلام) ـ احرام الرجل في رأسه وغيره من الاطلاقات واستثناء عصام القربة وغير ذلك ـ ان النهي عن الارتماس في الماء وادخال الرّأس فيه ـ بناء على انه من التغطية أو بمعناها ولذا لايختص ذلك بالماء ـ ظاهر في عدم اعتبار المتعارف من السّاتر وكذا ما تسمعه من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة بناء على انّها من غير المتعارف وعلى تساويهما في ذلك وان اختلف محلّ احرامهما بالوجه والرأس وغير ذلك ولعلّه لذا ونحوه كان الحكم مفروغاً منه عند الاصحاب بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه بيننا».
ويمكن دفع الايراد بانّ مثل قوله (عليه السلام) احرام الرجل في رأسه قد عرفت انه مع قطع النظر عن وقوعه تعليلاً للنهي عن تنقب المرأة المحرمة التي احرامها في وجهها لايمكن استفادة شيء منه ولايكون له مفهوم مبيّن ومعنى ظاهر، فلابد من ملاحظته مع الوصف المذكور ومن الظاهر انّه بهذه الملاحظة لا دلالة له على حرمة مطلق التغطية ولو بغير المتعارف بعد كون متعلق الحكم المعلل هو التنقب بالنقاب الذي يكون ستراً متعارفاً نعم مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب بل يشمل سائر اصناف الستر المتعارف.
وامّا استثناء عصام القربة وعصابة الصداع فمن الواضح ان العصابة هي الثوب الذي يكون من الستر بالمتعارف وامّا عصام القربة فالنص وان دلّ على جوازه إلاّ ان كون عنوانه هو الاستثناء، الظاهر في الاستثناء المتصل، محل اشكال لعدم ورود هذا العنوان في الرواية بل ورد في مثل المتن ولا شاهد عليه.
وامّا النهي عن الارتماس في الماء الذي قد ورد فيه الرواية الصحيحة فاستكشاف
(الصفحة184)
حكم المقام منه وان دائرة التغطية المحرّمة واسعة، مبنى علي ثبوت امرين وهما عدم اختصاص حرمة الارتماس بخصوص الماء، بل يعمّ سائر المايعات وكون الارتماس من مصاديق التغطية وان الحرمة المتعلقة، انّما هي لأجل تحقق التغطية به وفي كلا الأمرين نظر خصوصاً الأمر الثاني وسيأتي البحث عنه في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى وقد ذكر المحقق في الشرايع بعد الحكم بحرمة التغطية: وفي معناه الارتماس وهو يشعر بل يدلّ على عدم كون الارتماس من مصاديق التغطية.
نعم ما أفاده أخيراً من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة يمكن الاستيناس به للتعميم وان كان يمكن المناقشة فيه ايضاً بانّ الظاهر كون المروحة ساتراً متعارفاً لوجه المرأة ولو في بعض الأحيان.
وكيف كان فلم ينهض دليل على عمومية الحكم خصوصاً بعدما حكى عن التحرير والمنتهى من جواز التلبيد بان يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر ويتلبّد فلا يتخلّله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا يقع فيه الذبيب وقال: روى ابن عمر قال: «رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهلّ ملبّداً» وحكاه في محكى التذكرة عن الحنابلة. وفي بعض رواياتنا الصحيحة اشعار بذلك، وانه كان معروفاً في السابق كما في الجواهر ومن الواضح ان التلبيد المذكور موجب لغطاء الرأس كلاًّ أو جلاًّ.
وينقدح بملاحظة ما ذكرنا انه لا مجال للتفوى بالحكم بالعموم بل غايته الاحتياط الوجوبي كما في المتن.
الجهة الثالثة: في حكم ما اذا حمل شيئاً على رأسه وكان الحمل ملازماً لتغطية الرأس كلاًّ أو بعضاً واللازم قبل البحث في هذه الجهة من البحث في ان تغطية بعض الرأس محرّمة فيما اذا كانت تغطية الكل كذلك كالثوب ونحوه والدليل عليه بعد عدم
(الصفحة185)
شمول أدلّة حرمة تغطية الرأس لصورة تغطية البعض، لظهورها في تغطية الكلّ من دون ان يكون لها مفهوم، هي صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن الاستتار بطرف الثوب اذا أصاب رأسه لأن الإصابة أعمّ من تغطية الكلّ كما في سائر موارد استعمال هذه اللفظة كما في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب وحجّيته المذكورة في علم الاصول التي تكون مشتملة على سؤال زرارة بمثل قوله اصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني... فانه من الظاهر ان الاصابة أعمّ من اصابة الجميع وكذلك في الموارد الاُخر، وعليه فاصابة طرف الثوب الرأس أعمّ من اصابته الجميع فالصحيحة ظاهرة في حرمة تغطية بعض الرأس ايضاً.
اذا عرفت ذلك فاعلم انّ صاحب الجواهر (قدس سره) ذكر حمل المتاع أو الطبق أو نحوه في عداد الطين والدواء والحناء، وظاهره عدم وجدان الخلاف بل النسبة الى علمائنا كما في التذكرة فيه ايضاً وعليه فمقتضى ما ذكر عمومية الحكم لما اذا كان الحمل مستلزماً لستر بعض الرأس أيضاً.
ولكنّه فصّل بعض الاعلام (قدس سرهم) في خصوص الحمل بين صورتي الكل والبعض وذكر في وجهه ما ملخّصه: «ان حمل الشيء على رأسه اذا كان ساتراً لجميع رأسه وتمامه كحمل الحشيش ونحوه فلا كلام في المنع لشمول الاطلاقات المانعة لذلك بعدما عرفت من انه لا خصوصية لنوع من انواع الساتر، واما اذا كان موجباً لتغطية بعض الرأس كحمل الطبق والكتاب فلا دليل على المنع لأنّ ما دلّ على المنع من اصابة بعض الرأس انّما يدلّ عليه في خصوص ما اذا كان الستر ولو ببعض الرأس مقصوداً وامّا اذا لم يكن قاصداً لستر الرأس بل كان قاصداً لأمر آخر وذاك يستلزم الستر فلا يكون مشمولاً، فالذي يستفاد من النص ان يكون الستر مقصوداً في نفسه وامّا المطلقات فالمستفاد
(الصفحة186)
منها عدم جواز ستر تمام الرأس والحاصل انه لو كنّا نحن والمطلقات فقط فلا دليل على منع ستر بعض الرأس وانّما منعنا عنه لخصوص صحيحة عبدالله بن سنان والمستفاد منها ان يكون الستر بنفسه مقصوداً لكن حيث ان المشهور حكموا بالمنع فلا ينبغي ترك الاحتياط».
ويردُ عليه اوّلاً ان شمول المطلقات لصورة الحمل محل نظر بل منع وان قلنا بشمولها لمثل الستر بالحشيش والطين والحناء لما أفاده من الظهور فيما اذا كان الستر مقصوداً ومتعلقاً للإرادة بنفسه من دون فرق بين مثل الثوب وبين الاُمور المذكورة وهذا ليس لأجل كون الستر من العناوين القصدية التي يعتبر في تحققها القصد اليها كعنواني التعظيم والتوهين، ضرورة ان مثل عنوان الستر لايكون من العناوين القصدية بوجه بل لأجل كون المتفاهم العرفي من المطلقات ما اذا تعلّق القصد بالستر والاستتار والتنقب في المرأة والخمار على الرأس في الرجل بل وبالستر بالحشيش ونحوه على تقدير التعميم وعليه فدعوى كون المطلقات شاملة لصورة الحمل مع عدم تعلق الغرض إلاّ به لا بالستر الذي يكون ملازماً للحمل ممنوعة جدّاً.
وثانياً انه على تقدير شمول المطلقات لصورة الحمل فالتفصيل بين الكل والبعض في غاية الاشكال ضرورة ان التعبير الوارد في صحيحة عبدالله بن سنان ليس هو السّتر حتى يقال بطهوره فيما اذا كان مقصوداً بنفسه بل التعبير انّما هو بإصابة طرف الثوب رأس الرجل ومن الواضح ان الاصابة لايعتبر فيها القصد اصلاً وبعبارة أوضح ان عبارة السؤال وان كانت مشتملة على الاستتار المضاف الى الرجل المحرّم لكن المنهي عنه في الجواب هو عنوان الاصابة المتحقق في الحمل كما هو واضح والظاهر انّه (قدس سره) قصّر النظر على عبارة السؤال ولم يدقّق في تعبير الجواب وعليه فلا مجال للتفصيل المذكور
(الصفحة187)
بوجه بل الظاهر انه لو قلنا بشمول المطلقات للحمل ايضاً لايكون فرق فيه بين الكلّ والبعض لكن قد عرفت ان أصل الشمول محل نظر بل منع.
الجهة الرابعة: في حكم تغطية الاذنين من حيث الحرمة وعدمها والكلام فيه تارة مع قطع النظر عن النصّ الوارد فيه واُخرى مع ملاحظته فنقول:
امّا من الحيث الأوّل فقد ذكرنا في الشهيدين (قدس سرهما) في المسالك انّ الرأس ـ الذي نهى عن تغطيته للرجل المحرم في الروايات المتقدمة الواردة في أصل المسألة ـ عبارة عن منابت الشعر حقيقة أو حكماً وفرّع عليه عدم وجوب تغطية الاذنين وحكاه في المدارك عن جمع من الاصحاب، والمحكى عن ظاهر التذكرة والمنتهى التردّد في الاذنين لكن في التحرير الوجه دخولهما.
والظاهر انّ البحث فيه من هذه الحيثية يقتضي المصير الى ما في المسالك فانّ اختصاص بعض اجزاء عضو واحد باسم مخصوص غير اسم نفس ذلك العضو كالرجل ـ مثلاً ـ حيث ان لكل من ابعاضه اسماً مخصوصاً ومع ذلك يطلق الرجل على الجميع وان كان لا مانع منه إلاّ ان ذلك لايقتضي كون الاُذن بعضاً للرأس ومنطبقاً عليه هذا العنوان فانّ من ابتلى بمرض في الاذن لايقال عليه ان رأسه مبتلى بذلك المرض وعليه فلا دلالة للنصوص الناهية عن تغطية الرأس على النهي عن تغطية الاذن ايضاً فالحقّ في هذه الجهة مع صاحب المسالك، لكن يرد عليه، انّه لِمَ افتى بعدم وجوب تغطية الاذنين مع وجود النص الصحيح الدال عليها أي على حرمة التغطية.
واما من الحيث الثاني، فالنصّ الوارد فيه هو ما رواه صفوان عن عبدالرحمن ـ الذي قد عرفت ان المراد به ابن الحجّاج الذي هو ثقة ـ قال سألت ابا الحسن (عليه السلام) ـ عن
(الصفحة188)
المحرم يجد البرد في اُذنيه يغطيّهما؟ قال: لا(1) . والجواب قرينةٌ على ان المراد بوجدان البرد فيهما ليس بمرحلة يبلغ حدّ الحرج والمشقة غير القابلة للتحمل عادة ضرورة انه في هذه الصورة يرتفع الحكم بالحرمة لقاعدة نفي الحرج.
وهل المستفاد من الرواية ان النهي عن تغطية الاُذنين انّما هو لكونهما من ابعاض الرأس وتكون تغطيتها موجبة لتغطية بعض الرأس التي قد عرفت انّها ايضاً محرّمة كتغطية الكلّ أو انه لايستفاد من الرواية أزيد من حرمة تغطية الاذنين من دون ان تكون مرتبطة بحرمة تغطية الرأس بل يكون هذا حكماً آخر ومحرّماً مستقلاً من محرمات الاحرام، غاية الامر اشتراكه مع حكم تغطية الرأس في الاختصاص بالرجّل المحرم يظهر الاوّل من المتن بل ربما يظهر منه انه لولا النص، لكان الحكم فيهما الحرمة لانّهما جزء من الرأس.
هذا ولكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية بل لا اشعار فيها بالاحتمال الاوّل لا سؤالاً ولا جواباً بل ربما تكون ظاهرة في الاحتمال الثاني، ويؤيده انه لولا ذلك لكان اللازم حمل الرواية على بيان أمر تعبدي لايساعده اللغة والعرف لما عرفت من مغايرة عنوان الاذنين مع عنوان الرأس وعدم صحة توصيف الرأس بالوصف الذي يعرض الاذنين.
وتظهر ثمرة الاحتمالين في تغطية بعض الاذن لو قلنا بشمول الرواية ودلالتها على حرمة تغطية اذن واحدة نظراً الى ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية وان كان في استفادة ذلك منها نظر وتأمل فانه على تقدير كون حرمة تغطية الاذنين من شؤون حرمة تغطية الرأس لكان اللازم حرمة تغطية بعض اذن واحدة لعموم حرمة تغطية الرأس للكلّ والبعض.
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح1.
(الصفحة189)
وامّا على تقدير عدم الارتباط فلا يستفاد من الرواية الحرمة المذكورة لظهورها في حرمة تغطية الجميع كما انّك عرفت ان ادلّة حرمة تغطية الرأس لا دلالة لها في نفسها على حرمة تغطية البعض بل الدليل على العموم هي صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن اصابة الرأس والاصابة لا تختص باصابة الجميع كما مرّ.
وتظهر الثمرة أيضاً في بعض المواضع الذي لايكون من الاذن ولا يكون منبتاً للشعر حقيقة أو حكماً كالموضع الواقع بين فوق الاذن وبين المنبت فانه على تقدير كون مفاد الرواية جزئية الاذنين للرأس لكان مفادها جزئية الموضع المذكور بطريق أولى فلا تجوز تغطيته ايضاً بخلاف ما اذا كان مفاد الرواية هو الاحتمال الآخر فانه لم ينهض دليل على حرمة تغطيته وقيام الدليل عليها في الرأس وفي الاذنين لايستلزم ثبوت الحرمة فيه وقد ذكر في الجواهر انه لم يجد من ذكر وجوب غير الاذنين زائداً على المنابت، وقال بل لعلّ السيرة ايضاً على خلافه.
وكيف كان فلا دلالة للرواية على الارتباط بين الحكمين وان حرمة تغطية الرأس شاملة لحرمة تغطية الاذنين وعليه فالظاهر لايساعد ما في المتن.
الجهة الخامسة: في الامرين اللذين استثناهما في المتن فنقول:
الامر الاوّل: عصابة الصداع فانّها قد نفي البأس عنها في صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس بان يعصّب المحرم رأسه من الصّداع(1) . والظاهر ان نفي البأس انّما هو بحسب الحكم الاولي لا بحسب الحكم الثانوي المستند الى قاعدة نفي الحرج وعليه فاللازم الحكم بثبوت الاستثناء بعد كون العصابة ثوباً داخلاً في أدلّة حرمة تغطية الرأس وعليه فلا مجال للاشكال في أصل الحكم وكذا في كونه بنحو
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والخمسون، ح1.
(الصفحة190)
التخصيص والاستثناء المتصل.
الأمر الثاني: عصام القربة فقد روى الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه اذا استسقى ؟ فقال: نعم(1) .
هذا وفي السند اشكال من جهة وجود علي بن أحمد بن عبدالله البرقي وكذا ابوه فيه وهما غير موثّقان لكن الظاهر ان كل من تعرّض لهذا الأمر حكم بجوازه واستند الى هذه الرواية وان لم يقع التعرّض له في مثل الشرايع وعليه فيمكن دعوى الانجبار فتدبّر.
واما من جهة الدلالة فالحكم بالجواز المستفاد من الجواب وان كان ظاهره هو الجواز بحسب الحكم الاوّلي كما في الرواية السابقة إلاّ انه لا دلالة في الرواية بل ولا اشعار فيها بكون الحكم انّما هو على سبيل الاستثناء من الأدلّة الناهية عن تغطية الرأس لما عرفت من الاشكال في شمول تلك الأدلّة للحمل نظراً الى عدم كون الغرض فيه متعلّقاً بالستر والتغطية وعليه فيمكن ان يكون الحمل جائزاً مطلقاً غاية الأمر انّ مورد السؤال حيث كان هو عصام القربة كان الحكم بالجواز وارداً فيه من دون ان يكون الاثبات فيه نافياً لغير مورده من موارد الحمل كحمل غير العصام أو الحمل المستلزم لستر جميع الرأس وعليه فالتعبير بالاستثناء كما في المتن لا شاهد عليه اصلاً.
هذا ولو لم نقل بحجيّة الرواية وقلنا بشمول الأدلّة الناهية للحمل ايضاً وعدم الاختصاص بالحمل المستلزم لستر جميع الرأس لكان الدليل على الجواز في خصوص عصام القربة للمستسقى هي السيرة المستمرة الى زماننا وعدم الانكار من ناحية الائمة عليهم الصلاة والسلام.
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والخمسون، ح1.
(الصفحة191)
مسألة 31 ـ لايجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المايعات، بل لايجوز ارتماس بعض رأسه حتى اُذنه فيما يغطّيه ولايجوز تغطية رأسه عند النوم فلو فعل نسياناً أزال فوراً ويستحبّ التلبية ـ ح ـ بل هي الأحوط، نعم لابأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة ونحوها، ولا بأس بتغطية وجهه مطلقاً 1 .
(1) في هذه المسألة ايضاً جهات من البحث:
الجهة الاُولى: في حكم الارتماس وقد نفى وجدان الخلاف في حرمته اذا كان بالماء بل ذكر ان الاجماع بقسميه عليه، والاصل في ذلك، الروايات المتعددة الواردة في المقام.
منها صحيحة عبدالله بن سنان قال سمعته يقول: لا تمسّ الريحان وانت محرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران، ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك(1) .
ومنها رواية حريز عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: ولا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم(2). وقد جعلها في الوسائل ثلاث روايات مع وضوح انّها رواية واحدة وحيث انّ حريز روى في احداها عمّن أخبره عن ابي عبدالله (عليه السلام) تسقط الرواية عن الحجية رأساً كما مرّ نظيره فيما تقدم.
ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لايرتمس المحرم في الماء ولا الصائم(3).
ومنها رواية اسماعيل بن عبدالخالق قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يدخل الرجل
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والخمسون، ح1، لكنه أورد جزءً منه في الباب 18، ح10.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والخمسون، ح 2ـ 3ـ 5.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والخمسون، ح4.
(الصفحة192)
الصائم رأسه في الماء قال: لا ولا المحرم وقال: مررت ببركة بني فلان وفيها قوم محرمون يترامسون فوقفت عليهم فقلت لهم انكم تصنعون ما لا يحلّ لكم(1) .
وهل المستفاد من الروايات انّ حرمة الارتماس في الماء انّما هو لأجل كونه من مصادق تغطية الرأس أو انّ ظاهرها كونه محرّماً مستقلاً من محرمات الاحرام ولابد من الاقتصار فيه على خصوص ما هو مفادها.
وتظهر الثمرة في الاختصاص بالرجل وعمومه لكلّ محرم وكذا في سعة دائرة الحرمة لغير الماء من الماء المضاف وساير المايعات وعدمها وكذا في سعتها لارتماس بعض الرأس وعدمها، فمقتضى الاحتمال الاوّل الاختصاص بالرجل والعموم من الجهتين الاخرتين ومقتضى الاحتمال الثاني انعكس لأن عنوان «المحرم» جنس صادق على المرأة المحرمة ايضاً وظاهر الروايات خصوص الارتماس في الماء كما ان ظاهرها ادخال جميع الرأس.
ظاهر المتن تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) هو الاوّل وربما يظهر من الشرايع ايضاً حيث انه جعل الارتماس في معنى التغطية وبمعناها وان تعرّض في باب الكفارات لخصوص الارتماس في الماء.
هذا ولكن الظاهر هو الثاني خصوصاً مع عطف الصائم على المحرم مع انه لايكون الارتماس في المايعات محرّماً على الصائم نعم احتاطوا في الماء المضاف كما انه لايكن ارتماس بعض الرأس ولو في الماء بمحرّم على الصائم ولا دلالة، بل ولا اشعار في شيء من الروايات على ارتباط مسألة الارتماس بموضوع التغطية بوجه.
ويؤيّد بل يدل على ما ذكرنا انّ مقتضى النصوص المتعددة والفتاوى بل في
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والخمسون، ح6.
(الصفحة193)
الجواهر نفي الاشكال والخلاف فيه، جواز غسل الرأس بافاضة الماء عليه، بل عن التذكرة الاجماع عليه ومن الواضح انّها تغطية لبعض الرأس ولو في زمان قليل ودعوى انه ليس تغطية ولا في معناها كما في الجواهر واضحة المنع.
ومن الروايات، صحيحة حريز عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال اذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بانامله بعضُه عن بعض(1) .
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يغتسل ؟ فقال: نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه(2). وحملها على التخصيص والاستثناء في غاية البعد.
الجهة الثانية: في حكم تغطية الرأس عند النوم ففي المتن تبعاً للفتاوى عدم الجواز ويدلّ عليه ـ مضافاً الى اطلاق الروايات الناهية عن تغطية الرأس للرجّل المحرم الشاملة لحال ارادة النوم وعدم الاستفصال في بعضها ـ صحيحتان واردتان في هذا الغرض:
احداهما صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال: نعم ولا يخمّر رأسه، والمرأة لابأس ان تغطّي وجهها كلّه(3). وقد وجهّنا ذيل الرواية سابقاً لكن هذا انّما هو على نقل الشيخ وامّا في نقل الكليني ففيه اضافة كلمة «عند النوم» في آخرها(4) ويجيء البحث في هذه الجهة في مسألة حرمة تغطية المرأة وجهها ان شاء الله تعالى.
ثانيتهما: صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق باسناده عنه انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام)
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والسبعون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والسبعون، ح1.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح5.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح1.
(الصفحة194)
عن المحرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: يلبّي اذا ذكر(1) . ولا اشكال في كون المراد من قوله: أو نائماً ليس هي التغطية في حال النوم بل في حال ارادته ولولا الجواب لكان ظاهره التغطية كذلك في حال الالتفات والتوجه ولكن الجواب بملاحظة قوله (عليه السلام) اذا ذكر قرنية على كون المراد هي التغطية في حال ارادة النوم نسياناً كما لايخفى وعلى التقديرين تدلّ على الحرمة، غاية الأمر انه على أحد التقديرين تكون دلالتها بالمطابقة وعلى الثاني بالمفروغية عند السائل بالاضافة الى حال الذكر وتقرير الامام (عليه السلام) له.
لكن في مقابلهما ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن موسى بن الحسن (الحسين خ ل) والحسن بن عليّ عن احمد بن هلال ومحمد بن ابي عمير واميّة بن عليّ القيسي عن عليّ بن عطية عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في المحرم قال: له ان يغطي رأسه ووجهه اذا أراد أن ينام(2).
وفي الجواهر بعد ان عبّر عنه بالخبر ووصفه بانّه لايكون جامعاً لِشرائط الحجية ذكر ان ما فيه مطرح أو محمول على حال التضرر بالتكشف أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، ولكن الظاهر صحّة سند الرواية فان موسى بن الحسن بن عامر بن عمران الاشعري، ثقة وموسى بن الحسين وان كان مجهولاً إلاّ انّ الراوي في هذه الطبقة حيث يكون اثنين والحسن بن علي بن الفضال الذي هو الراوي الآخر ثقة لايقدح ضمّ المجهول اليه في اعتبار الرواية وحجيّتها، كما ان اشتراك الطبقة السابقة بين ثلاثة، أحدهم محمد بن ابي عمير الذي هو ثقة بلا ريب، لايكون قادحاً فيه، لما ذُكِرَ، وامّا علي بن عطية فهو الحناط الكوفي الثقة فلا ينبغي الاشكال في صحة الرواية والمناقشة
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والخمسون، ح2.
(الصفحة195)
فيها اصلاً، كما ان دلالتها على الجواز في صورة ارادة النوم ظاهرة بحيث لو لم يكن في مقابلها الصحيحتان المتقدمتان لكان اللازم الالتزام بتقييد المطلقات بهذه الرواية وجعل هذه الصورة مستثناة من أصل الحكم، لكن معارضتهما معها توجب الأخذ بهما لأن الشهرة الفتوائية التي هي اوّل المرجحات على ما اخترناه موافقة لهما، فاللازم الأخذ بهما دونها والجمع الدلالي بينهما غير ممكن وعلى ما ذكرنا فلا اشكال في الحكم.
بقي الكلام في هذه الجهة في أمرين:
أحدهما: لزوم رفع التغطية لو فعلها نسياناً بمجرد رفع النسيان فوراً لعدم اختصاص حرمتها بالابتداء بل تشمل الاستدامة ايضاً فاللازم الإزالة فوراً بمجرد التذكر ورفع النسيان.
ثانيهما: ظاهر بعض الروايات الواردة في مورد النسيان كصحيحة الحلبي المتقدمة انفاً وصحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطيّ رأسه ناسياً قال: يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شيء عليه(1) ، وجوب التلبية بعد القاء القناع وحصول التذكر لكن المحكّى عن المدارك وغيرها انه لا قائل بالوجوب وأورد عليه في الجواهر بان الوجوب محكّى عن ظاهر الشيخ وابني حمزة وسعيد.
وكيف كان فلم يثبت اعراض المشهور عمّا يدلّ على الوجوب وعدم فهمهم الوجوب منه لايكون حجّة فالأحوط لو لم يكن أقوى هي رعاية التلبية كما في المتن.
الجهة الثالثة: في انه يجوز وضع الرأس عند النوم على المخدّة والوسادة كما صرّح به جماعة والوجه فيه امّا عدم صدق التغطية والستر ولو بالاضافة الى بعض الرأس على
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
(الصفحة196)
الوضع المذكور وامّا انصراف الأدلّة الناهيه عن ستر الرأس للرجل المحرم عن هذا النوع من الستر وتدلّ عليه السيرة القطعية المستمرة عند المتشرعة على النوم بالنحو الطبيعي المستلزم عادة لوضع الرأس على شيء وان كان هو الأرض الخالية وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الجواز بصورة كون النوم بغير النحو الطبيعي موجباً للحرج والمشقة بل يجوز مطلقاً ولو مع عدم المشقة في ذلك.
والمناسب في هذه الجهة التعرّض لما لم يقع التعرض له في المتن وهو انه هل يجوز تغطية الرأس ببعض أعضاء الجسد كاليد ـ مثلاً ـ أو لا يجوز.
المحكى عن المبسوط والمنتهى والتذكرة جواز الستر باليد وعن الدروس ان الاولى المنع واستدلّ له في الجواهر بان السّتر بما هو متّصل به لايثبت له حكم الستر ولذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة وبانه مأمور بمسح رأسه في الوضوء وببعض الروايات التي يجيء التعرض لها.
أقول عدم ثبوت حكم الستر للستر بما هو متصل بالبدن أوّل الكلام وعدم اجزاء وضع اليدين على الفرج في حال الصلاة لا دلالة له على ذلك ولذا يكفي التستّر باليد في الستر الواجب النفسي.
وامّا مسح رأسه باليد في الوضوء الذي هو مأمور به فالظاهر تماميّة دلالته بعد ملاحظة عدم لزوم الاقتصار على أقل ما يتحقق به المسح وجواز المسح بالزائد عن الاقل وبعد ملاحظة عدم كون الجواز انّما هو بنحو التخصيص المستلزم للدخول في الدليل المطلق بل الظاهر كون الجواز انّما هو بنحو التخصص الذي مرجعه الى عدم شمول الادلة الناهية لهذا النوع من الستر.
وامّا الروايات فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس
(الصفحة197)
ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، ولا بأس ان يستر بعض جسده ببعض(1) .وذيله مسوق لبيان ضابطة كلية ومن الواضح انّ مورده ما اذا كان الستر بغير الجسد محرّماً على المحرم فيشمل تغطية الرجل الرأس والمرأة الوجه ويدلّ على الجواز اذا كان ببعض الجسد كاليد ـ مثلاً ـ وذكر في الدروس انه لايكون صريحاً في الدلالة مع ان الظهور يكفي فيها.
ومنها رواية زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحك المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال: يحكّ رأسه مالم يتعمد قتل دابة(2). وامّا صحيحة معاوية بن عمار الاُخرى قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال: باظافيره مالم يدم او يقطع الشعر(3)، فلا دلالة لها على اختصاص الجواز بالاظافير بل الظاهر ان المراد هو الجواز باليد مطلقاً وانّ خصوصية الاظافير انّما هي لتحقق الحكّ بها نوعاً كما لا يخفى.
الجهة الرابعة: في تغطية الرجل المحرم الوجه وانّها هل تكون جائزة ام لا كما في المرأة المحرمة فنقول المشهور هو الجواز بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه والمحكّى عن ابن ابي عقيل، عدم الجواز وان فيه كفارة اطعام مسكين، وعن الشيخ في التهذيب الجواز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة بل قال: ومتى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك.
والدليل على الجواز مضافاً الى مادلّ على ان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه بعدما عرفت من ارتباطه بمسألة حرمة التغطية فان التفصيل قاطع
(1) ابواب تروك الاحرام ، الباب السابع والستون، ح3.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.
(الصفحة198)
للشركة ولا ينطبق إلاّ على اختصاص كل واحد من الرجل والمرأة بشيء من الأمرين روايات متعددة مثل:
رواية منصور بن حازم قال: رأيت ابا عبدالله (عليه السلام) وقد توضّأ وهو محرم ثم أخذ منديلاً فمسح به وجهه(1) .
ورواية عبدالملك القمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمرّه كلّه. قال: لا بأس(2). والظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل ـ بالجيم ـ لا كما في الوسائل من قوله: يخلل ـ بالخاء ـ ومعناه هو التغطية.
ورواية ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره(3).
لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه ولا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل(4).
وصحيحة حفص بن البختري وهشام بن الحكم جميعاً عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من اسفل وقال: اضح لمن احرمت له(5).
وربما يستشهد لابن ابي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكيناً في يده ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح3.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح2.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح8.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح1.
(5) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح2.
(الصفحة199)
راحلته(1) .
والاشكال في الرواية من وجهين:
احداهما: انّ المنقول في الوسائل وان كان بصورة الاسناد لكن المحكّى عن التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّها مضمرة وقد وصفها بذلك صاحب الجواهر ايضاً إلاّ انّ الاضمار من مثل الحلبي لايقدح في اعتبار الرواية وحجيّتها وان لم يبلغ مرتبة الاضمار من مثل زرارة.
ثانيهما: انّ صدر الرواية فنقول في الوسائل بهذا السند في ابواب بقية كفارات الاحرام لكن فيه الرأس بدل الوجه(2) والنقل بهذه الكيفية وان كان بعيداً في نفسه بملاحظة ذيل الرواية الظاهر في جواز النوم على الوجه في الراحلة مع انه على هذا التقدير تجوز التغطية للوجه اختياراً ايضاً وبملاحظة انه لم يقل أحد بان كفارة تغطية الرأس هو اطعام المسكين في يده بل الكفارة فيها على تقدير ثبوتها هو دم شاة إلاّ انه مع ذلك يوجب الترديد في الرواية من جهة كون موردها تغطية الوجه أو تغطية الرأس التي هي محرّمة للرجل المحرم على ما عرفت.
ثم انه لو فرض كون مورد الرواية هي تغطية الوجه ودلالتها على حرمتها للملازمة بين الكفارة وبين الحرمة على ما عرفت مراراً لاتصلح الرواية للنهوض في مقابل الادلّة الكثيرة المتقدمة خصوصاً ما دلّ منها على ان احرام الرجل في رأسه في مقابل احرام الامرأة حيث يكون في وجهها سيما مع اعتضادها بفتوى المشهور بل الاجماع المحكى على ما عرفت فالظاهر ـ ح ـ ما في المتن من جواز تغطية الوجه للرجل المحرم مطلقاً
(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، أورد صدره في الباب 55 ح4 وذيله في الباب 60، ح1.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس، ح1.
(الصفحة200)
مسألة 32 ـ كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة، والأحوط ذلك في تغطية بعضه، والاحوط تكرّرها في تكرّر التغطية وان لايبعد عدم وجوبه حتى اذا تخلّلت الكفارة وان كان الاحتياط مطلوباً فيه جدّاً 1 .
في حالة النوم وغيرها وفي الراحلة وغيرها.
(1) ذكر في الشرايع في باب الكفارات: «وكذا ـ يعني تجب الشاة ـ لو غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره» وذكر بعده صاحب الجواهر (قدس سره): «بلا خلاف اجده في شيء من ذلك كما عن المنتهى والمبسوط والتذكرة الاعتراف به بل في المدارك وغيرها هو مقطوع به في كلام الاصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه صريحاً».
والعمدة في مستند هذا الحكم هو الاجماع لعدم تمامية غيره من الأدلة التي يأتي التعرض لها ان شاء الله تعالى والظاهر انّ الاجماع ايضاً غير تام لعدم تعرض جملة معتنى بها من المتون الاصلية الفقهية لثبوت الكفارة في التغطية كالمقنع والنهاية وجمل العلم والعمل والمقنعة والمراسم والمهذب والسرائر والجامع وعدم التعرض يكشف عن عدم الثبوت وإلاّ لكان اللازم التعرض كما في سائر موارد ثبوت الكفارة كالصيد والجماع ولبس المخيط والتظليل وغيرها، ولو سلّمنا عدم الكشف واحتمال ثبوت الكفارة عندهم ايضاً لكن مجرد الاحتمال لايكفي في تحقق الاجماع الذي يكون مبنى حجّيته هو الكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) وموافقة فتواه لفتواهم ولا مجال لما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) ان ذلك ليس خلافاً.
ويؤيّد عدم ثبوت الاجماع ما أفاده صاحب الوسائل في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الاحرام من انّ المحرم اذا غطّى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء وطعام مسكين وأورد فيه رواية الحلبي المتقدمة.
|