(الصفحة421)
لانّ هذا قد دخل في شيء من الطواف وهذا لم يدخل في شيء منه(1) . وقد حكاها صاحب الجواهر مع الاختلاف في بعض العبارات.
ولا شبهة في ظهور الموثقة في اطلاق الحكم بالاتمام بالاضافة الى الطواف والسعي كليهما كما في المتن فان كلمة «من» في قوله قد ترك من طوافه انّما هي للتبعيض واطلاق البعض يشمل ما لو كان المتروك اقلّ او اكثر كما ان قوله: فبينما هو يطوف يشمل ما لو كان التذكر قبل الشوط الرابع او بعده، والشبهة الموجبة لسؤال الفرق انّما هي بالاضافة الى السّعي لعدم الفرق بين الفرضين بالنسبة الى الطواف بعد كون الحكم فيه الرجوع للاتيان بما نقص او بالجميع في فرض عدم الاتيان بشيء من اشواطه فالسؤال انّما هو بالنسبة الى السعي حيث ان الحكم فيه في الاوّل الاتمام وفي الثاني الاستيناف والجواب متضمن لبيان الفرق بالاتيان بشيء من الطواف في الاوّل وعدم الاتيان بشيء منه في الثاني.
وكيف كان فالموثقة ظاهرة فيما في المتن فيقع الكلام ـ ح ـ في مستند التفصيل المتقدّم المذكور في عبادة الشرايع ويظهر من الجواهر انّ الوجه في ذلك امران:
احدهما الاستظهار من كلمة الشيء التي وقعت في السوال الاول على وفق نقله حيث نقله هكذا: ثم ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شيء ان المراد منها هي الاقل من النصف.
ويرد عليه مضافاً الى عدم وجود هذا التعبير في نقل الوسائل كما عرفت منع الاستظهار المذكور بالاضافة الى الموثقة وذلك بملاحظة التقليل الواقع في ذيلها بالنسبة الى الصورتين فان قوله قد دخل في شيء من الطواف لا يكون المراد من
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الثادلث والستون ح ـ 3 .
(الصفحة422)
الشيء المذكور فيه هو الاقل من النصف ضرورة ان الاقلية لو لم تكن منافية لذلك لا تكون مناسبة له بوجه فلا محالة يكون المرادمن الشيء المستعمل في التعليل اعم من الاكثر والاقل فيصير ذلك قرينة على كون المراد به في الصدر على تقديره ايضاً ذلك.
ثانيهما التعليل الواقع في بعض روايات عروض الحيض في الاثناء الدالة على الصحة اذا عرض بعد الشوط الرابع معلّلاً بانها جاورت النصف فانه يستفاد منه ومن مثله ضابطة كلية عامة وهي ان حصول الاختلال من جهة وجود المانع او فقد الشرط اذا كان بعد الشوط الرابع لا يؤثر في بطلان الطواف ولزوم الاعادة من رأس وهذه الضابطة حاكمة على اطلاق الموثقة وموجبة لتقييده بصورة التجاوز عن النصف وتوجب التفصيل بين الفرضين كما في الشرايع.
والجواب عنه ما عرفت من عدم تمامية استفادة التعميم بهذا النحو من التعليل المذكور غاية الامر استفادة التعميم بالاضافة الى حدث الجنابة بل والحدث الاصغر وامّا دلالته على التوسعة بحيث يكون صالحاً لتقييد اطلاق الموثقة مع وروده في مقام البيان جواباً عن سؤال السائل فمحلّ نظر بل منع.
وعلى ما ذكرنا فالتفصيل لا يكون له مستند قابل للاتكال عليه بل الحكم ثابت بنحو الاطلاق كما في المتن غاية الامر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالجمع بين الاعادة والاتمام في صورة الاقل من النصف خروجاً من خلاف مثل المحقّق كما ان هذا الاحتياط ثابت في السعي فيما اذا كان التذكر قبل الشوط الرابع لاجل بعض الاقوال المتقدمة بالنسبة الى الاستيناف والاّ فالضابطة المذكورة على تقدير صحتها موردها الطّواف ولا يجري في السّعي بوجه.
(الصفحة423)
مسألة 26 ـ التكلم والضحك وانشاء الشعر لا تضرّ بطوافه لكنّها مكروهة، ويستحب فيه القرأته والدّعاء وذكر اللّه تعالى 1 .
(1) امّا كراهة الامور المذكورة فيدل عليها مثل رواية محمد بن فضيل عن محمد بن علىّ الرّضا (عليه السلام) في حديث قال طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه الاّ بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن قال: والنافلة يلقي الرجل اخاه المسلم فيسلّم عليه ويحدثه بالشيء من امر الاخرة والدنيا لا بأس به(1) .
وامّا استحباب الامور المذكورة فيدل عليه روايات كثيرة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال طف بالبيت سبعة اشواط وتقول في لطواف اللهم اني اسئلك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الارض، واسئلك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، واسئلك باسمك الذي تهتزّ له اقدام ملائكتك واسئلك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له والقيت عليه محبّة منك، واسئلك باسمك الذي غفرت به لمحمّد (صلى الله عليه وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر واتممت عليه نعمتك ان تفعل بي كذا وكذا ما احببت من الدعاء وكلّما انتهيت الى باب الكعبة فصلّ على النبىّ وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الاسود ربّنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النّار وقل في الطواف اللّهم اني اليك فقير وانّي
خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي(2).
ورواية ايّوب اخي اديم قال قلت لابي عبدالله (عليه السلام) القرائة وانا اطوف افضل او ذكر الله تبارك وتعالى قال القرأته قلت فان مرّ بسجدة وهو يطوف قال يؤمي براسه الى
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والخمسون ح ـ 2 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب العشرون ح ـ 1 .
(الصفحة424)
مسألة 27 ـ لايجب في حال الطواف كون صفحة الوجه الى القدّام بل يجوز الميل الى اليمين واليسار والعقب بصفحة وجهه، وجاز قطع الطواف وتقبيل البيت والرجوع لاتمامه، كما جاز الجلوس والاستلقاء بينه بمقدار لا يضرّ بالموالاة العرفيّة والاّ فالاحوط الاتمام والاعادة 1 .
الكعبة(1) . وغيرهما من الروايات الكثيرة المنقولة في الابواب المختلفة في الوسائل.
(1) اقول امّا عدم وجوب كون صفحة الوجة في حال الطواف الى القدّام فلانّ المعتبر فيه على ما عرفت كون الكعبة على يسار الطائف ووقوع الطواف على هذا الحال وهذا لا يفرق فيه بين ان تكون صفحة الوجه الى القدام او الى غيره من الجهات الثلاثة وبهذا يتحقق الفرق بين الطواف وبين الصلوة حيث انه يعتبر فيها ان يكون مقاديم البدن باجمعها التي منها صفحة الوجه بل هي عمدتها ولذا يكون الميل بها عن القبلة موجباً للبطلان خصوصاً اذا كان بحيث يري خلفه وهو الذي قد عبّر عنه بالالتفات وامّا في الطواف فلا يعتبر الا كون الكعبة على اليسار ولا فرق فيه بين حالات صفحة الوجه بوجه.
وامّا جواز قطع الطواف لتقبيل البيت واستلام الحجر والرجوع لا تمامه فيدل عليه الروايات الكثيرة الدالة على استحباب استلام الحجر ابتداء وانتهاء وفي كل شوط وعلى استحباب تقبيل جميع اجزاء البيت سيّما المستجاز فانّ لازم ذلك قطع الطواف في تلك الحال لعدم كون الكعبة واقعة على يساره فيها والرجوع بعده لاتمام الطّواف.
وامّا جواز الجلوس والاستلقاء بينه فيدل عليه مضافاً الى انه ربما لا تكون ادامة الطواف وعدم الاستراحة بينه ميسورة خصوصاً بالاضافة الى الهرم والمريض انّ ما يمكن ان يكون قادحاً في ذلك هو اعتبار الموالاة في الطواف والمفروض في المسئلة
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الخامس والخمسون ح ـ 1 .
(الصفحة425)
مسألة 1 ـ يجب بعد الطواف صلوة ركعتين له، وتجب المبادرة اليها بعده على الاحوط، وكيفيتها كصلوة الصّبح ويجوز فيها الاتيان بكلّ سورة الاّ العزائم ويستحب في الاولى التوحيد وفي الثانية الجحد وجاز الاجهار بالقرائة والاخفات 1 .
صورة عدم الاضرار بالموالاة العرفية والاّ ففي صورة الاضرار حيث يكون اصل اعتبار الموالات بنحو الاحتياط الوجوبي كما تقدم بحثه في شرائط الطواف يكون مقتضي الاحتياط الوجوبي الجمع بين الاتمام والاعادة كما افيد في المتن فتدبّر.
(1) في صلوة الطواف جهات من الكلام تعرض لاكثرها في هذه المسئلة:
الجهة الاولى في اصل وجوبها فقد ذكر المحقق في الشرايع: وهما واجبتان في الطواف الواجب وقال في الجواهر: «على المشهور بين الاصحاب نقلاً وتحصيلاً شهرة عظيمة بل عن الخلاف نسبته الى عامة اهل العلم وان حكي فيه عن الشافعي قولاً بعدم الوجوب ناسباً له الى قوم من اصحابنا لكن لا نعرفهم بل في الرياض عنه الاجماع مع انّ فيه وفي السرائر نقل قول بالاستحباب وفي التذكرة نسبة ذلك الى شاذ كالمحكىّ عن ابن ادريس».
ويدل على الوجوب الكتاب والسنّة:
امّا الكتاب فقوله تعالى في سورة البقرة: واتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي نظراً الى ظهوره اوّلاً في وجوب الاتخاذ المذكور وثانياً في ان المراد من المصلّي محل الصلوة المعهودة في الشريعة فيدل على وجوب الصلوة عند مقام ابراهيم وحيث انه قام الاجماع على عدم وجوب صلوة غير صلوة الطواف عنده وعلى عدم لزوم ايقاع الصلوة الواجبة مثل اليومية في المسجد الحرام عند المقام ضرورة جواز الاتيان بها في اي موضع شاء من المسجد الحرام فتظهر دلالة الأية على وجوب صلوة الطواف عند المقام واحتمال كون المراد بالمصلّي محل الدعاء يدفعه عدم استعمال لفظة الصلوة في لقرآن
(الصفحة426)
في غير الصلوة المعهودة في الشريعة نعم قد استعمل فيه لكن مع اضافة كلمة على بعدها كما في قوله تعالى: وصلّ عليهم ان صلوتك سكن لهم وفي الموارد المتعدّدة الاخرى وامّا بنحو الاطلاق فلم يستعمل الاّ في المعني المعهود كما ان جعله بمعني محل الصلوة المعهودة وحمل الامر على الاستحباب بحيث كان المراد استحباب الاتيان بسائر الصلوات عند المقام يدفعه ما عرفت من الظهور في الوجوب ويؤيّده ما حكي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) من انه صلّيهما وتلا قوله تعالى: واتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي بل قيل انّها نزلت عليه حين فعلهما كما انه يؤيده بل يدلّ عليه استشهاد الامام (عليه السلام)على ما في بعض الروايات بهذه الآية على بعض الجهات والاحكام المتعلقة بصلوة الطواف وقد مرّ غير مرّة ان الاستشهاد يغاير التفسير فان مبني الاوّل على ظهور الآية في نفسها في ذلك على حسب الظهور اللفظي والمتفاهم العرفي ومبنى الثاني على بيان المراد من الآية وان كان مخالفاً لما هو ظاهرها كما لا يخفى.
وامّا الروايات فيدل على الوجوب طوائف كثيرة مثل ما دلّ على الامر بالصلوة بعد الطواف وقد وقع في بعضها التعبير بانّها فريضة والروايات الواردة في مقام بيان اعمال الحج والعمرة وما ورد في نسيان صلوة الطواف وانه يعود ويصلّ اذا لم يكن فيه مشقة واذا كان كذلك كما اذا كان بعد رجوعه الى اهله ومحلّه يصليهما فيه نعم ما ورد مما يدل على لزوم ايقاعها عند مقام ابراهيم لا دلالة له على الوجوب لان القائل بالاستحباب ايضاً يقول بذلك فلزوم ايقاعها عنده يرجع الى الشرطية كشرطية الطهارة في الصلوة المندوبة وعليه لا وجه لجعل هذه الطائفة في عداد الطوائف المذكورة بعد استفاضة تلك الطوائف بل قد نفي البعد عن تواترها.
ونقتصر من الروايات على ذكر رواية واجدة باعتبار دلالتها على جملة من الجهات
(الصفحة427)
الاتية ايضاً وهي صحيحة معاوية بن عمّار قال قال ابو عبدالله (عليه السلام) اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم (عليه السلام) فصلّ ركعتين واجعله اماماً واقرء في الاولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّه احد وفي الثانية قل يا ايّها الكافرون ثم تشهد واحمد اللّه واثن عليه وصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله) واسئله ان يتقبل منك وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصلّيهما في اىّ الساعات (ساعة فى) شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا تؤخّرها ساعة تطوف وتفرع فصلّهما(1) . ولاخفاء في ظهور صدرها وذيلها في الوجوب وان كان الذيل اظهر بلحاظ التعبير بالفريضة والتفريع عليها بالحكم بعدم كراهة الاتيان بها في اىّ ساعة من ساعات الليل والنهار مع وضوح كراهة النوافل في بعض تلك السّاعات والصدر ظاهر في الوجوب بلحاظ صيغة افعل الظاهرة فيه في نفسها.
وقد استدل القائل بعدم الوجوب بعد المناقشة في دلالة الاية ببعض ما اشرنا اليه مع الجواب مضافاًالى الاصل الذي لا مجال له بعد دلالة الآية والروايات الكثيرة وببعض الروايات مثل ما رواه النسائي في سننه من انّ الاعرابي قال للنبى (عليه السلام) بعد قوله (صلى الله عليه وآله) ان الاسلام هي الصلوات الخمس اي الصلوات اليومية المفروضة: هل علىّ غير الخمس فقال (صلى الله عليه وآله) لا الاّ ان تتطوّع.
وبصحيحة زرارة قال: قال ابو جعفر (عليه السلام) فرض اللّه الصّلوة وسنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)على عشرة أوجه صلاة السفر والحضر وصلاة الخوف على ثلاثة أوجه وصلوة كسوف الشمس والقمر وصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء والصلوة على الميت(2).
(1) اورد صدرها في الوسائل في باب 71 من ابواب الطواف ح ـ 3 وذيلها في باب 76 ح ـ 3 .
(2) مصدر روايت ذكر نشده.
(الصفحة428)
اقول امّا الرواية الاولى فمضافاً الى عدم تمامية سندها عدم تمامية دلالتها ايضاً لوضوح ثبوت غير الصلوات اليومية من الصلوات المفروضة ولو كان المراد خصوص الصلوات المفروضة التي لا تترك بحال ولا يكون وجوبها مشروطاً بعنوان خاص فلا يقدح خروج صلوة الطواف بعد وضوح اختصاص وجوبها بمن طاف في الحج او العمرة وامّا الاستثناء الواقع فيها فقد احتمل السيوطي في شرح النسائي ان يكون المراد انه في لصلوة التي يتطوع بها اذا تحقق الشروع يجب الاتمام نظير الحج الذي يجب اتمامه وان كان اصله غير واجب وعليه يكون الاستثناء متصلاً كما انه احتمل بل استظهر ان يكون الاستثناء منقطعاً والمراد ان الواجب ليس الاّ الخمس وامّا التطوع فهو يدور مدار اختيارك من دون ان يكون هناك فرض .
وامّا الرواية الثانية فهي ايضاً غير تامة الدلالة من جهة عدم التعرض لعشرة أوجه فيها مضافاً الى عدم كون صلاة الاستسقاء من الصلوات الواجبة.
وكيف كان فمثل هذه الرواية لا تصلح للنهوض في مقابل الكتاب والسنّة الدالين على وجوب صلوة الطواف خصوصاً الروايات المستفيضة بل المتواترة فلا ينبغي الاشكال في الوجوب.
الجهة الثانية في وجوب المبادرة الى الاتيان بها عرفاً بعد الفراغ عن الطواف وقد احتاط وجوباً في المتن في رعاية المبادرة وقد عبّر المحقق في الشرايع عن صلوة الطواف بقوله: «ومن لوازمه ركعتا الطواف وهما واجبتان في الطواف الواجب» واستفيد من هذه العبارة لاجل التعبير باللازم لزوم المبادرة الى الصلوة وانّها متممة للطواف مع انه من الواضح انه ليس المراد من اللازم الاّ مجرد التبعيّة الراجعة الى ترتبها على الطواف وتأخرها عنه وامّا الوجوب فضلاً عن المبادرة فلا دلالة له عليه ويؤيده بل
(الصفحة429)
يدل عليه الحكم بالوجوب في خصوص الطواف الواجب بعد هذا التعبير الجاري في مطلق الطواف اعم من الواجب والمستحب وكيف كان لا دلالة لهذا التعبير على لزوم المبادرة ولم ار التعرض لهذه الجهة لا في كلام المحقق ولا في الجواهر نعم ذكر في ذيل شرح المسئلة الخامسة قوله: «ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص...»
وامّا الروايات فيدل على وجوب المبادرة مثل:
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الجهة الاولى بلحاظ قوله (عليه السلام) في الصّدر اذا فرغت من طوافك فاتت مقام ابراهيم (عليه السلام) وصلّ ركعتين واظهر منه قوله (عليه السلام) في الذيل ولا تؤخرها ساعة تطوف وتفرغ فَصَلِّهِما.
وصحيحة محمّد بن مسلم قال: سئلت ابا جعفر (عليه السلام)عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك السّاعة الركعتان فليصلّهما قبل المغرب(1) . اي قبل صلوة المغرب.
وصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن ركعتي طواف الفريضة قال: لا تؤخّرها ساعة اذا طفت فصلّ(2).
وغير ذلك من الروايات الظاهرة في وجوب المبادرة العرفية وعدم جواز تأخير الصلوة عن الطواف والظاهر ان المراد من الوجوب هو الوجوب الشرطي الذي مرجعه الى شرطية المبادرة في صحة الصّلوة وكون الاخلال بها موجباً للبطلان كسائر الاوامر والنواهي الواردة في العبادات والمعاملات حيث انّها ظاهرة في الارشاد الى الشرطية
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب السادس والسبعون ح ـ 1 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب السادس والسبعون ح ـ 5 .
(الصفحة430)
والمانعيّة كقوله (عليه السلام) لا تصلّ في وبرما لا يؤكل لحمه ولا تبع ما ليس عندك وعليه فليس الاخلال بالمبادرة موجباً لمخالفة حكم تكليفي نفسي بل موجباً لعدم وقوعها صحيحة اصلاً ثم ان هنا بعض الروايات الدالة على كراهة الاتيان بصلوة الطواف في بعض حالات الشمس كاحمراده وطلوعه او عدم جواز الاتيان بها بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصّلوة وهذه الروايات مضافاً الى ثبوت المعارض لها كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة والروايات الاخر لا تنافي اصل الحكم بوجوب المبادرة الى الصلوة بعد الفراغ عن الطواف فان البحث في هذه الجهة راجع الى نفس صلوة الطواف من حيث هي وهذا لا ينافي ثبوت الكراهة بل عدم الجواز في بعض الموارد والحالات ولا بأس بالتعرّض لما يدل على عدم الجواز وهي صحيحة على بن يقطين قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلوة يصلّي ركعات الطواف نافلة كانت او فريضة؟ قال لا(1) .
ونقل في الوسائل عن الشيخ انه حملها على تأخير ركعتي الطواف عن الفريضة الحاضرة والظاهر انه ليس مراد الشيخ صورة تضيق وقت الحاضرة كما استفاده بعض الاعلام (قدس سره) بل كلامه يشمل صورة السعة ايضاً ولذا اورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) بانّ فيه منعاً ضرورة ان الاصل يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به لانهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح احدهما على الاخر بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص اتجه ـ ح ـ تقديمها على الفريضة كما هو واضح.
هذا ولكن تعارضها في موردها صحيحة ابن مسلم المتقدمة الدالة على وجوب الاتيان بصلوة الطواف قبل صلوة المغرب التي دخل وقتها فاللازم في مقام الجمع امّا
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب السادس والسبعون ح ـ 11 .
(الصفحة431)
حمل صحيحة ابن يقطين على خصوص صورة تضييق وقت الحاضرة بقرينة صحيحة ابن مسلم حيث ان موردها صورة سعة وقت صلوة المغرب وعدم تضيّقها وامّا الحكم بالتعارض والتساقط ثم الرجوع الى صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الاتيان بها في اىّ ساعة من ساعات الليل والنهار من دون كراهة في البين فضلاً عن عدم الجواز والروايات الدالة على ان صلوة الطواف من جملة اربع صلوات او خمس التي تصلي في كل حال هذا وكلنك عرفت انّ مثل صحيحة ابن يقطين لا يكون دليلاً على الخلاف ففي اصل المسئلة وهو لزوم المبادرة في صلوة الطواف من حيث هي.
ثم انه ورد في بعض الرّوايات ما يدل على انّ الناس قد اخذوا من الحسنين (عليهما السلام)شيئاً واحداً مثل موثقة اسحق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: ما رأيت الناس اخذوا عن الحسن والحسين الاّ الصلوة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة(1) .
لكن في صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع ما لعلّه ينافي ما في الموثقة قال سئلت الرّضا عن صلوة طواف التطوع بعد العصر فقال لا فذكرت له قول بعض آبائه ان النّاس لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام) الاّ الصلوة بعد العصر بمكّة فقال نعم ولكن اذا رأيت النّاس يقبلون على شيء فاجتنبه فقلت ان هولاء يفعلون فقال لستم مثلهم(2).
قال المجلسى (قدس سره) في شرح الحديث: «اي على تجسس شيء فانهم يتجسّسون ويمنعون عن صلوة الطواف في ذلك الوقت وذلك علامة التشيع عندهم قال فان العامة ايضاً يفعلون فقال لستم مثلهم لانكم معروفون بالتشيع فاذا فعلتم احتجوا عليكم
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب السادس والسبعون ح ـ 4 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب السادس والسبعون ح ـ 10 .
(الصفحة432)
مسألة 2 ـ الشك في عدد الركعات موجب للبطلان، ولا يبعد اعتبار الظنّ فيه، وهذه الصلوة كسائر الفرائض في الاحكام 1 .
بخلاف بعض العامّة فانهم يعلمون انهم يوافقونهم في المذهب كذا خطر بالبال».
هذا ولكن الظاهر ثبوت الاشكال في مفاد الصحيحة من جهة دلالة الموثقة على ان ما اخذوا عن الحسنين (عليه السلام) كان بالنسبة الى صلوة طواف الفريضة مع ان مورد السؤال في لصحيحة كان هي صلوة طواف التطوع ومن جهة انّ المحكي عن ابائه (عليه السلام)فيها لا اشعار فيها بالاختصاص بصلوة الطواف ومن جهة الحكم بعدم الجواز رأساً والحكم بوجوب الاجتناب .
الجهة الثالثة في استحباب قرائة سورة التوحيد في الركعة الاولى من صلوة الطواف وسورة قل يا ايها الكافرون في الركعة الثانية وهو المشهور ويدل عليه صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ولا مجال لتوهم كون ظاهرها بيان الكيفية وانّه لابد وان يؤتى بها كذلك بعد وقوعها في عداد المستحبات الكثيرة المذكورة فيها وعدم الفتوى بالتعين من احد من الاصحاب مضافاً الى خلو الروايات الواردة في مقام البيان عن ذكر هذه الخصوصية ولا موقع لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات بعد ثبوت المراتب فيها غالباً.
الجهة الرابعة جواز الاجهار بصلوة الطواف والاخفات لخلّو الروايات الواردة في مقام البيان عن التعرض لتعين احدى الخصوصتين مع انها لا تكون من الصلوات اللّيلية التي يؤتى بها جهراً ولا من الصلوات النهارية التي يؤتى بها اخفاتاً لوقوعها في جميع الساعات من ساعات الليل والنهار من دون كراهة فيجوز الاجهار بها والاخفات والجمع بينهما ايضاً كما لا يخفى.
(1) صلوة الطواف الواجب بمنزلة فريضة الصبح فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في
(الصفحة433)
مسألة 3 ـ يجب ان تكون الصلوة عند مقام ابراهيم (عليه السلام) والاحوط الذي لا يترك خلفه، ولو تعذّر الخلف للازدحام اتى عنده من اليمين او اليسار، ولو لم يمكنه ان يصلّي عنده يختار الاقرب من الجانبين والخلف، ومع التساوي يختار الخلف ولو كان الطرفان اقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لا يبعد الاكتفاء بالخلف لكن الاحوط اتيان صلوة اخرى في احد الجانبين مع رعاية االاقربية، والاحوط اعادة الصلوة مع الامكان خلف المقام لو تمكن بعدها الى ان يضيق وقت السّعي 1 .
الصلوات المفروضة وجوداً وعدماً كما انه يترتب عليها ما يترتب على فريضة الصبح من البطلان في الشك في عدد الركعات كما انه يعتبر الظنّ فيه كما يعتبر الظن في عدد ركعات مطلق الصلوات حتى مثل فريضة الصبح وبالجملة صلوة الطواف الواجب باعتبار كونها صلوة مفروضة يعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من طهارة البدن واللباس والطهارة من الحدثين واستقبال القبلة وغيرها وباعتبار كون ركعاتها اثنتين يجري فيها ما يجري في فريضة الصبح لعدم اختصاص شيء من الادلة بخصوص الفرائض اليومية ولا بخصوص صلوة الصبح فتدبّر.
(1) في هذه المسئلة جهات من الكلام:
الجهة الاولى في لزوم ان تكون صلوة الطواف الواجب عند مقام ابراهيم (عليه السلام)وهو المشهور كما في الجواهر لكنه جعل المشهور موفقاً لما في عبارة المحقق في الشرايع حيث قال في المسئلة الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن فان منعه رخام صلّ ورائه او الى احد جانبيه وحكى عن الخلاف جواز فعلهما في غيره بل عنه الخلاف عن اجزاء الصلوة في غيره وعدم وجوب الاعادة، وعن الصدوقين جواز فعلهما في سائر مواضع المسجد في خصوص طواف النّساء والظاهر ان مستندة ما في قه الرضا الذي لم يثبت اعتباره.
(الصفحة434)
وكيف كان العمدة في المقام قوله تعالى: واتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي ويجري فيه احتمالات:
الاوّل ان تكون كلمة «من» للتبعيض يعني انه يجب اتخاذ بعض المقام مصلّي وايجاد الصلوة في ذلك البعض.
ويرد عليه انه لا يجتمع مع حمل المقام على معناه الظاهر وهي الصخرة التي قام عليها ابراهيم (عليه السلام) وفيها آثار قدمه وتكون ذراعاً في ذراع وذلك لان الصخرة المذكورة لايكون جميعاً قابلاً لان يتخذ مصلّي فضلاً عن بعضها فهو يغاير ما اذا قيل اتخذ من المسجد محلاً للعبادة واشتغل بالعبادة فيه فانه قابل للتبعيض نوعاً وتكون ابعاضه صالحة لوقوع العبادة فيها بخلاف المقام.
الثاني ان تكون كلمة «من» بمعني «في» ودالة على الظرفية يعني يجب ان تكون الصخرة المعهودة ظرفاً للصلوة بعد الطواف حكى ذلك عن كشف اللثام حيث قال: «لا بأس عندي بارادة نفس الصّخرة وحقيقة الظرفية بمعنى انه ان امكن الصلوة على نفسها فعل لظاهر الآية فان لم يمكن كما هو الواقع في هذه الازمنة صلّى خلفه او الى جانبيه».
ويرد عليه مضافاً الى انّ الظرفية لا تجتمع مع ما عرفت من كون الصخرة ذراعاً في ذراع لعدم امكان وقوعها بهذه المساحة ظرفاً للصلوة التي تحتاج الى هيئة السجود ايضاً ولا تكون الهيئة المعتبرة فيها منحصرة بالهيئة القيامية او المقعودية او الركوعية التي لا تحتاج الى ظرف وسيع انه لم ينقل عن النبى (صلى الله عليه وآله) وغيره الصلوة على نفس الصخرة ولو كانت واقعة لبانت.
الثالث ان تكون كلمة «من» للابتداء ومعنى الآية ـ ح ـ انه يجب الابتداء من
(الصفحة435)
المقام والشروع منه لاتخاذ المصلّي ومرجعه الى جعل المقام محلاً يصلي اليه فتدل على لزوم كونه بحياله وواقعاً خلفه.
ويرد عليه انه لا يستلزم جعل كلمة «من» للابتداء وقوع المقام امام المصلّي وقدامه لانّ الشروع منه كما يتحقق بآخر اجزائه لمن جاء من قبل البيت وناحية الكعبة كذلك يتحقق باوّل اجزائه كمحاذاة الحجر الاسود في بدء الطواف وختمه على ما تقدم ومن المعلوم ان الشروع من الجزء الاوّل لا يستلزم وقوع الصلوة خلف المقام وكونه امامه.
الرّابع ان تكون الكلمة بمعني «عند» بان تكون للاتصال والقرب ومعني الآية ـ ح ـ انه يجب ان يتخذ مصلي قرب المقام وعنده ودعوى انّ لازمه جواز الصلوة في جميع جوانب المسجد الحرام لقربها من المقام مدفوعة بانه حيث يكون الخطاب متوجّهاً الى من كان في المسجد وفارغاً عن الطواف والاتيان باشواطه لا يبقي ـ ح ـ احتمال كون جميع المسجد قريباً من المقام والاّ لكان اللازم التعبير بلزوم اتخاذ المصلى من المسجد فالامر في الآية مع ملاحظة ما ذكرنا لا ينطبق الاّ على حوالي المقام مما يقرب المقام نعم يرد على هذا الاحتمال ان حمل كلمة «من» على معني «عند» يكون من الحمل على المعني المجازي ولكن الجواب ان ظهور كلمة مقام ابراهيم (عليه السلام) في الصخرة اقوى من ظهور كلمة «من» فالظاهر انه لا محيص عن حمل الاية على هذا المعنى.
ومقتضي اطلاقه انه لا فرق بين الخلف وبين اليمين واليسار وبين القدام لان الجميع مشترك في قرب المقام وكون المصلّي عنده لكن في الروايات ما يظهر منه تعين الخلف مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسئلة الاولى المشتملة على
(الصفحة436)
قوله (عليه السلام) اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم وصلّ ركعتين واجعله اماماً وصحيحة ابراهيم بن ابي محمود قال قلت للرّضا (عليه السلام) اصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو السّاعة او حيث كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حيث هو الساعة(1) .
فانّ السؤال ظاهر في مفروعية لزوم كون صلوة الطواف خلف المقام الاّ ان يقال بانه حيث كان محطّ السوال هو المقام من حيث هو الساعة او حيث كان على عهد رسول الله (عليه السلام) فيمكن ان يكون ذكر الخلف باعتبار انه احد مصاديق الاراضي القريبة من المقام والمتصلة به فتدبر.
نعم يظهر من بعض الروايات التي وقع فيها الاستشهاد بالآية والدالة على تعيّن الخلف كون الآية في نفسها ظاهرة فيه لان لازم الاستشهاد والاستدلال ظهور الآية بنفسها فيه والاّ لا يبقي مجال للاستشهاد مثل مرسلة صفوان بن يحيى عمن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال ليس لاحد ان يصلّى ركعتي طواف الفريضة الاّ خلف المقام لقول اللّه ـ عزّ وجلّ ـ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي فان صليتها في غيره فعليك اعادة الصلوة(2).
ورواية ابي عبدالله الابزاري التي رواها عنه عبدالله بن مسكان الذي هو من اصحاب الاجماع قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسىَ فصلّي ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال: يعيدهما خلف المقام لانّ اللّه تعالى يقول واتخذوا من مقام
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الواحد والسبعون ح ـ 1 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب الثاني والسبعون ح ـ 1 .
(الصفحة437)
ابراهيم مصلّي عني بذلك ركعتي طواف الفريضة(1) .
لكن الرّوايتين ضعيفتان بارسال الاولى ولا يجبره كون المرسل صفوان لانّ مراسيله كمراسيل غيره في عدم الحجية وجهالة الابزاري ولا يجبره كون الرّاوي عنه من اصحاب الاجماع لما تقدم تحقيقه.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم تنهض رواية معتبرة على تعين الخلف مع اشتمالها على الاستشهاد بالآية الشريفة فالانصاف انّ الآية مطلقة من حيث الجهات الاربع القريبة للمقام لكن الروايات المعتبرة تدل على تقييد اطلاقها ولازمه كون الروايات مفسرة للآية لا دالة على ظهورها بنفسها في ذلك على ما ذكرنا فالظاهر ان تعين الخلف انّما هو على سبيل الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي كما في المتن.
ثم انك عرفت انه قد وقع التعبير في كلام المحقق بلزوم كون صلوة الطواف في مقام ابراهيم وقد وقع هذا التعبير في كلمات جماعة من الفقهاء المتقدمين عليه والمتأخرين عنه لكن كلام غير المحقق قابل للتوجيه بان المراد بالظرفية هو الاتصال والقربية بان يكون المراد من كلمة «فى» هو «عند» وامّا كلام المحقق فبلحاظ التفريع المتقدم لا يقبل هذا التوجيه بوجه ولعلّ المراد من مقام ابراهيم (عليه السلام) في كلامه هو البناء الموجود في زمانه وبعده المشتمل على الصخرة الذي يمكن وقوع الصلوة فيه ولا يبعد ان يكون حقيقة عرفية فيه وعليه ففي صورة منع الرخام ينتقل الى وراء البناء او احد جانبيه فيرتفع الاشكال كما ان الظاهر ان المراد بنفي الخلاف الذي تقدم نقله عن الخلاف في وّل البحث في هذه الجهة هو هذا المعنى فتدبّر.
الجهة الثانية في صورة تعذر الخلف للازدحام او لغيره والبحث في هذه الجهة تارة
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الثاني والسبعون ح ـ 2 .
(الصفحة438)
من حيث احتمال سقوط وجوب صلوة الطواف واخرى من حيث انه بعد فرض عدم السقوط لابد من رعاية الاتصال والقريبة من جهة اليمن واليسار امّا من الحيثية الاولى فالظاهر ان اعتبار الخلفية وامامية مقام ابراهيم انّما هو بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته ويدلّ عليه مضافاً الى التسالم بين الاصحاب بل بين المسلمين ما يدل على عدم سقوط الصلوة في صورة النسيان او الجهل ولو كان تذكره او علمه بعد انتهاء الاعمال والخروج من مكة بل رجوعه الى محلّه وبلده كما سيأتي في المسئلة الآتية فان عدم السقوط في لصورتين يستلزم العدم في المقام بطريق اولى.
وامّا من الحيثية الثانية فربما يخطر بالبال انّ تقييد اطلاق الآية الدال على لزوم كون الصلوة عند المقام بالتقريب المتقدم في الجهة الاولى بما دلّ على تعين لزوم الخلف وكون المقام اماماً انّما هو على نحو الاطلاق الذي مرجعه الى تعين الخلف في صورة الامكان وسقوط اعتبار كونها عنده في صورة العدم فيسقط اعتبار الاتصال بالكلية فيما اذا لم يتمكن من الخلف ولكن الظاهر بطلان هذا التوهم وانّ محدودة التقييد منحصرة بصورة التمكن يعنى انّ اعتبار الخلفية انّما هو في خصوص صورة التمكن وامّا في صورة العدم فاطلاق الاية باق على حاله ومقتضاه لزوم كون الصلوة واقعة عند المقام غاية الامر خروج الخلف للتعذر والقدّام للتسالم على عدم الجواز فيبقى اليمين واليسار على حالهما فاللازم ايقاع الصّلوة في احد الطرفين مع رعاية القرب وكونها عند المقام.
الجهة الثالثة فيما اذا لم يتمكن من الصلوة عند المقام بوجه وفي هذه الجهة بعد وضوح عدم سقوط الصّلوة لما عرفت وعدم امكان رعاية كونها عنده لفرض عدم التمكن يقع الكلام في لزوم رعاية الاقرب فالاقرب من ناحية وَفي ترجيح الخلف على احد الطرفين من ناحية اخرى.
(الصفحة439)
وقد وردت في هذه الجهة رواية رواها الكليني بسند صحيح والشيخ بسند ضعيف فيه احمد بن هلال مضافاً الى امية بن على مع اختلاف يسير في التعبير عن حسين بن عثمان قال رأيت ابا الحسن موسى (عليه السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد(1) .
والظاهر ان صلوته (عليه السلام) قريباً من ظلال المسجد كان منشأها كثرة الناس والازدحام كما في الرواية الاخرى التعبير به لكن لم يعلم ان ظلال المسجد في ذلك الزمان بعد توسعة المسجد الحرام في الازمنة المتأخرة كانت خارجة عن دائرة كون الصلوة عنده ام غير خارجة عنها كما انه لم يعلم ان صلوته (عليه السلام) بحيال المقام هل كانت لاجل تعين الخلف او انه انّما يكون باعتبار كونه احدى الجهات الثلثة الّتي لابد وان تقع الصّلوة فيه خصوصاً بعد كون الحاكي غير الامام ولا يكون لفعله (عليه السلام) اطلاق وعليه فلا يستفاد من الرّواية الاّ مجرّد الجواز دون التعيّن.
وامّا رعاية الاقرب فالاقرب بعد الخروج عن كونها عنده خصوصاً بالنسبة الى اليمين واليسار حيث ان ظاهر المتن لزومها وان نفي البعد عن الاكتفاء بالخلف ولو كان غيره اقرب فلم ينهض دليل عليه لان مستنده قاعدة الميسور التي هي ممنوعة صغرى وكبرى بل الظاهر انه مع عدم التمكن من كون الصلوة عنده لا فرق بين القريب والاقرب كما انه لا فرق بين الخلف وبين احد الطرفين كما ان الظاهر انّ الاحتياط المذكور في المتن الذي يكون المراد به هو الاحتياط الوجوبي ومورده صورة عدم التمكن من الصلوة عند المقام لا مجال له فانّه بعد الاتيان بما هو مقتضي الوظيفة بعد الاتيان بالطواف لا وجه لوجوب اعادتها ولو على سبيل الاحتياط الاّ ان يقال انّ الوجه
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الخامس والسبعون ح ـ 1 ـ 2 .
(الصفحة440)
مسألة 4 ـ لو نسي الصلوة اتى بها اينما تذكر عند المقام، ولو تذكر بين السّعي رجع وصلّي ثم اتمّ السّعي من حيث قطعه وصحّ.
ولو تذكر بعد الاعمال المترتّبة عليها لا تجب اعادتها بعدها. ولو تذكر في محلّ يشق عليه الرجوع الى المسجد الحرام صلّى في مكانه ولو كان بلداً آخر، ولا يجب الرجوع الى الحرم ولو كان سهلاً، والجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الاحكام 1 .
فيه احتمال ان يكون الحكم بجواز الصلوة خارجة عن دائرة كونها عنده مختصّاً بصورة عدم التمكن من كونها عنده الى ان يضيق وقت السعي ولكنه مخالف للمبادرة العرفية المعتبرة في صلوة الطواف بعد الفراغ عنه فتدبّر جيّداً.
(1) اقول امّا اصل وجوب الاتيان بصلوة الطواف بعد التذكر وارتفاع النسيان عند المقام فقد نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر الاّ ما يحكي عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر بل استظهر الاجماع عليه كما في محكىّ كشف اللثام ويدلّ عليه ـ مضافاً الى انه مقتضي القاعدة ـ روايات كثيرة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لابي عبدالله (عليه السلام) رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم (عليه السلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة قال فليصلّهما حيث ذكر، وان ذكرهما وهو في البلد فلا يبرج حتى يقضيهما(1) . بناء على كون المراد بالبلد المذكور في فرض الامام (عليه السلام) في ذيل الرواية هو بلد مكّة كما هو الظاهر وعلى ان المراد بقضائهما هو الاتيان بهما في محلّهما الذي هو خلف المقام كما في ذهن السائل وهذا هو الظاهر ايضاً.
وصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما (عليه السلام) قال سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصّفا والمروة ثم طاف طواف النساء ولم
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 18 .
(الصفحة441)
يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر وهو بالابطح قال يرجع الى المقام فيصلي ركعتين(1) .
والظاهر اِنّ المراد من الركعتين هما الركعتان لِكل طواف فيكون المجموع اربعاً ولزوم الرجوع الى المقام مع كون التذكر بالابطح الذي هو خارج من مكة وقريب منها دليل على لزوم الاتيان بهما عند المقام مع كون التذكر في البلد بطريق اولى ومثلها رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء فلم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالابطح يصلى اربع ركعات قال يرجع فيصلّى عند المقام اربعاً(2). وقد جعلها في لوسائل روايتين مع ان الراوي فيهما واحد والراوي عنه ايضاً واحد هذا وقد ورد فيما اذا تذكر الترك بِمِنى روايات متعارضة فبعضها يدل على وجوب الرجوع الى المقام لقضاء صلوة الطواف مثل صحيحة احمد بن عمر الحلال قال سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى مني قال يرجع الى مقام ابراهيم (عليه السلام) فليصلّهما(3).
وبعضها ظاهر في جواز الاتيان بهما بِمِنى بل وجوبه مثل صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه سأله عن رجل نسي ان يصلّي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم (عليه السلام) حتى اتى مني قال: يصلّيهما بمنى(4). قال صاحب الوسائل: اقول حمله الشيخ وغيره على من يشق عليه الرجوع.
ورواية هشام بن المثنى ـ التي رواها الشيخ والكليني عنه ـ قال نسيت ان اصلي
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 4 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 7 .
(3) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 12 .
(4) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 8 .
(الصفحة442)
الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت الى منى فرجعت الى مكّة فصليّتهما ثم عدت الى منى فذكرنا ذلك لابي عبدالله (عليه السلام) فقال: افلا صلاّهما حيث ما ذكر(1) . ونسخ التهذيب مختلفة من جهة كون الراوي هو هشام بن المثنى الذي لم يوثق او هاشم بن المثنى الذي ذكره النجاشي ووثقّه والمذكور في الاستبصار هو الاوّل وكذلك الكافي والوافي والوسائل كما عرفت.
ورواية هشام بن المثنى وحنّان قالا طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين فلما مرنا «مررنا» بمنى ذكرناهما فاتينا ابا عبدالله (عليه السلام) فسئلناه فقال: صلياهما بمنى(2).
هذا وقد جعل بعض الاعلام (قدس سره) صحيحة ابي بصير ـ يعني ليث المرادى ـ شاهدة للجمع بين الطائفتين قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلّى حتى ارتحل قال: ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه ولا امره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكر(3).
قال: فالجمع بينهما بما ذكر ليس جمعاً تبرعيّاً بل الجمع بذلك على القاعدة.
ويرد عليه انه بعد ما جعل صورة التذكر بمنى مغايرة لما اذا كان الخروج خروجاً ارتحاليّاً قاصداً به الرجوع الى اهله ودياره كيف جعل صحيحة ابي بصير الواردة في الارتحال الذي يكون ظاهره هو الارتحال بقصد الرجوع الى الاهل والديار شاهدة للجمع بين الروايات المتعارضة الواردة فيما اذا كان التذكر بمنى مع ان المتذكر بمنى
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 9 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 17 .
(3) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 10 .
(الصفحة443)
يرجع الى مكّة لانشاء الرجوع منها غالباً ويكون البلد مقصداً له كذلك بخلاف المرتحل الذي لم يبق له بمكّة مقصد وهدف.
ولعلّ التعرض لخصوص التذكر بمنى باعتبار استحباب الرجوع الى مكّة يوم العيد بعد تمامية مناسك مني للطوافين والسّعي ثم الرجوع الى مني للمبيت ورمي الجمار الثلاث في اليومين بعد الاضحى وعليه فربما يتفق نسيان صلوة الطواف والتذكر بمنى بعد الرجوع اليها وعليه فلا مجال لجعل صحيحة ابي بصير شاهدة للجمع بوجه.
والذي ينبغي ان يقال في هذه الجهة انه في هذا المورد وردت رواية صالحة للجمع وهي رواية عمر بن البراء عن ابي عبدالله (عليه السلام) فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتّى اتى مني انه رخصّ له ان يصليهما بمنى(1) . فان التعبير بالترخيص ظاهر في ان الحكم الاوّلي هو الرجوع الى المقام والاتيان بالصلوة عنده لكن الشارع رخصّ في ان يصلّيهما بمنى وعليه فالظاهر ان المكلف مخير بين الامرين غاية الامر ان الرجوع الى المقام ارجح واولى فالامر بالرجوع في صحيحة الحلال المتقدمة محمول على الاستحباب والتوبيخ في رواية هشام بن المثنى انّما هو لاجل اعتقاده لزوم الرجوع الى مكة للاتيان بالصلوة مع انّ الامام (عليه السلام) كان حاضراً في مني ولم يكن الحكم هو اللزوم بل كان يجوز له الاتيان بالصلوة بمني والاّ لكان اللازم الحكم باعادة الصلوة لوقوعها في غير محلّها وهو مني في المورد المفروض.
نعم الاشكال في هذه الجهة انّما هو من اجل عدم دلالة الفتاوى على ذلك بل ظاهرها انه لا فرق بين الصورتين والمفروضتين في كلام بعض الاعلام من جه التفصيل بين وجود المشقة في الرجوع وعدمها.
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 2 .
(الصفحة444)
ثم انّ ظاهر صحيحة اخرى لعمر بن يزيد التفصيل فيما اذا مضي من مكة قليلاً ولازمه ـ ح ـ عدم المشقة في الرجوع بين الرجوع للاتيان بالصلوة بنفسه وبين الاستنابة وامر بعض الناس بالصلوة عنه حيث روى عن ابي عبدالله (عليه السلام) فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكّة قال ان كان قد مضي قليلاً فليرجع فليصلهما او يامر بعض الناس فليصلّهما عنه(1) .
فانّ ظاهرها التخيير بين الامرين ولذا اورد صاحب الحدائق على المشهور بهذه الرواية حيث انه لا يكون من التخيير في كلامهم في هذه الصورة عين ولا اثر مع ان الرواية ظاهرة فيه.
لكنه اجاب بعض الاعلام (قدس سره) عن هذا الايراد بما يرجع محصّله ان حرف «او» وان كان ظاهراً في التخيير ولكن الظاهر منه هنا عطفه على مجموع الجزاء والشرط لا خصوص الجزاء والمعنى ان من مضي وخرج قليلاً ان كان متمكناً من الرجوع فليصل بنفسه بعد الرجوع وان لم يتمكن يستنيب قال وهذا النحو من الاستعمال شايع نظير ما اذا قيل اذا دخل الوقت توضّأ او تيمّم يعني اذا دخل الوقت وكان متمكنا من الماء يتوضّأ، وان دخل الوقت ولم يكن متمكنا من الماء يتيمّم....
هذا وامّا جواز الاستنابة في صورة الارتحال من مكّة ومشقة الرجوع التي عرفت ان مقتضي الرّوايات المتعددة فيها لزوم الصلوة حيث يذكر بالمباشرة فلم يتعرض له الكثير نعم وقع التصريح به في محكىّ التحرير بل التذكرة ولا مجال لدعوى انّ عدم التعرض ليس لاجل عدم الجواز بل لاجل التعرض لاحد طرفي الواجب التخييري ولعلّ النكتة فيه سهولة الاتيان به بالاضافة الى الطرف الاخر والوجه في عدم صحة هذا
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 1 .
(الصفحة445)
التوجيه كونه مخالفاً للظاهر جدّاً.
وكيف كان فالظاهر ان مقتضي الجمع بين الروايات المتقدمة وبين الروايات التي ظاهرها تعيّن التوكيل والاستنابة هو الحمل على التخيير مثل: صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما (عليهما السلام) قال سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين قال: يصلّي عنه(1) .
وصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي او يقضي عنه وليّه او رجل من المسلمين(2). ولكن الظاهر ان المراد منه ما افاده بعض الاعلام في تفسير رواية عمر بن يزيد المتقدمة بل هذه الرواية اظهر لانه لا تصل النوبة الى قضاء الولّى قبل موت المكلف فهذه الرواية لا ارتباط لها بما نحن فيه بل موردها المسئلة الاتية وهي قضاء الولى صلوة الطواف عن الميت.
ورواية ابن مسكان قال حدثني من سأله عن الرجل يَنْسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكّل(3).
فانّ مقتضي الجمع بين الطائفتين هو الحمل على التخيير ولذا انفينا البعد عن جواز الاستنابة في التعليقة على المتن.
بقي في هذه المسئلة امور:
الامر الاوّل لو تذكر ترك صلوة الطواف في اثناء السعي فالمشهور هو لزوم القطع والرجوع الى المقام والاتيان بالصلوة ثم اتمام السعي من حيث قطع من دون فرق بين
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 4 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 13 .
(3) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 14 .
(الصفحة446)
الا شواط اصلاً وعن الصّدوق جواز الاتيان بالصلوة بعد اكمال السعي ايضاً ويظهر من صاحب الوسائل في عنوان الباب ويدل على المشهور روايات كثيرة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه(1) . والمراد من قوله طاف بين ... هو الشروع فيه لا الفراغ عنه بقرينة الجواب كما ان الظاهر ان المراد من قوله يعود الى مكانه هو لزوم العود الى المسعى لاتمام السعي واكماله.
وصحيحة محمّد بن مسلم عن احدهما (عليهما السلام) قال سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسي ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة اشواط او اقلّ من ذلك قال ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه(2).
ومرسلة حمّاد بن عيسى عمّن ذكره عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة قال: يعلم ذلك الموضع ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه(3).
ومستند الصدوق ما رواه باسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) انه رخصّ له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام(4). ولكن حيث انّ في سند الصدوق الى محمد ابن مسلم مناقشة فلا تصلح هذه الرواية لاثبات شيء في مقابل ما تقدم.
الامر الثاني انّ مقتضي جميع الروايات الواردة في المسئلة الدالة على لزوم الرجوع
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب السابع والسبعون ح ـ 1 .
(2) الوسائل ابواب الطواف الباب السابع والسبعون ح ـ 3 .
(3) الوسائل ابواب الطواف الباب السابع والسبعون ح ـ 4 .
(4) الوسائل ابواب الطواف الباب السابع والسبعون ح ـ 2 .
(الصفحة447)
مسألة 5 ـ لو مات وكان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الاكبر القضاء 1 .
الى المسجد والمقام في بعض وعدم لزومه بل تكفي صلوته حيث يذكر او تجوز الاستنابة انّ ما يلزم ان يقضي هي نفس الصلوة التي تركها نسياناً وامّا الاعمال المترتبة على الصلوة المتأخرة عنها فلا تجب اعادتها حتى لو تذكر في اثناء السعي من ان متقضي النص وفتوى المشهور لزوم الرجوع الى المقام والاتيان بالصلوة ثم العود الى المسعى لاكمال السعي واتمامه.
الامر الثالث المحكي عن الشهيد في الدروس انه قال: لو نسي الركعتين رجع الى المقام فان تعذر فحيث شاء من الحرم فان تعذر فحيث امكن من البقاع وذكر صاحب الجواهر انه لا موافق له على هذا التفصيل ولا دليل كما اعترف به بعضهم.
الامر الرّابع انّ الجاهل بوجوب صلوة الطواف التارك لها بحكم النّاسي ويدل عليه صحيحة جميل بن درّاج عن احدهما (عليه السلام) انّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم (عليه السلام) بمنزلة النّاسى. ومقتضي اطلاقها عدم الفرق بين قسمي الجاهل القاصر والمقصّر وعليه فيجري في الجاهل بكلا قسميه ما تقدم من الاحكام بالاضافة الى النّاسي من دون فرق بينهما.
(1) يدل على وجوب قضاء الولى صلوة الطواف عن الميت فيما لو تركها زمن حيوته نسياناً او جهلاً مضافاً الى بعض الاطلاقات الدالّة على انّه يقضي عنه اولى الناس بميراثه ما عليه من صلاة او صيام كصحيحة حفص صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه ان يقضي او يَقْضي عنه وليّه او رجل من المسلمين(1) .
بناء على ما مرّ من ان المراد منها وجوب اتيانه بنفسه في حال الحيوة وقضاء الولى
(1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والسبعون ح ـ 13 .
(الصفحة448)
مسألة 6 ـ لو لم يتمكن من القرائة الصحيحة ولم يتمكن من التعلّم صلّي بما امكنه وصحّت، ولو امكن تلقينه فالاحوط ذلك والاحوط الاقتداء بشخص عادل لكن لا يكتفي به كمالا يكتفي النائب 1 .
عنه بعده وعطف رجل من المسلمين على الولّى انّما هو باعتبار كون اتيان الغير مبرءً لذمة الميت ايضاً سواء كان تبرعاً او بالاجرة.
(1) من لم يتمكن من القرائة الصحيحة تارة لا يكون متمكّناً من التعلم ايضاً واخرى يكون متمكّناً منه ففي الصورة الاولى لا اشكال في صحة صلوته لانّ وظيفته لا تكون الاّ هذا المقدار الذي يتمكن منه وقد تقدم في باب التلبية حكم تلبية الاخرس وما ورد من انّ تلبيته وتشهده وقرائته القران في الصلوة هو تحريك لسانه واشارته باصبعه وبعض الروايات الاخر الدالة على انه قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح.
وفي الصورة الثانية لا اشكال في ان وظيفته التعلم وتصحيح القرائة وتحسينها مقدمة للاتيان بالمأمور به التي هي الصلوة الصحيحة في صورة الامكان فان اهمل وتسامح حتى ضاق الوقت فمقتضي اطلاق المتن انه يصلّي بما امكنه وتصحّ صلوته ولكن احتاط بالتلقين في صورة امكانه وظاهره هو الاحتياط الوجوبي والوجه فيه انه مع التلقين تتحقق الصلوة من نفسه مباشرة ومع القرائة الصحيحة ولا يكون فيه اية شبهة.
وامّا الاقتداء ففيه شبهة عدم مشروعية الجماعة في صلوة الطواف ولذا لم ينقل فيها قول ولافعل من المعصوم (عليه السلام) مع انه انّما يفيد بالنسبة الى القرائة الساقطة عن المأموم وامّا بالاضافة الى سائر الاذكار خصوصاً التشهد والتسليم فلا يجدي بوجه كما ان النيابة وان كانت ثابتة في مثل المريض والكسير الاّ انّ ثبوتها في غير المتمكن من
(الصفحة449)
القرائة الصحيحة لم يقم عليه دليل لكن مقتضي الاحتياط الجمع بين الامور الثلاثة ولا ينبغي ترك هذا الاحتياط بوجه.
هذا تمام الكلام في البحث عن الطواف وصلاته وبه يتم الجزء الرابع من كتاب الحج من تفصيل الشريعة الذي هو شرح لكتاب تحرير الوسيلة للامام الراحل الخمينى (قدس سره) وفقني اللّه تبارك تعالى بمنّه ولطفه لاتمام الجزء الاخير من كتاب الحج وسائر اجزاء الكتاب وان كانت الموانع الجسمية والرّوحية كثيرة لكن نعم الله التي لا تعد وآلائهُ التي لا تحصى كما نطق به الكتاب العزيز توجب الرجاء الواثق بالوصول الى هذا الامر انشاء اللّه تعالى وكان ذلك في يوم السبت الذي هو اليوم السابع والعشرون من ذيحجة الحرام من سنة 1415 من الهجرة النبوية على مهاجرها الاف الثناء والتحية والحمد للّه رب العالمين.
|