(الصفحة101)
بوجه، إلاَّ أن بطلانه فيما إذا كان عبادة ـ كما هو المفروض ـ إنّما هو لأجل خلوّه عن الأمر وعن الملاك والمناط الذي يكون طريق استكشافه نوعاً هو الأمر.
والوجه في خلوّه ما عرفت من أنّ التقية من موجبات الإضطرار ـ كما عبّر به عنها في صحيحة الفضلاء المتقدمة ـ وعليه فموردها من مصاديق المأمور به بالأمر الإضطراري أو الواقعي الثانوي، كالأمر بالصلاة مع التيمم عند عدم وجدان الماء، أو كون استعماله حرجيّاً موجباً للوقوع في العسر والمشقة الشديدة. فالمكلف عند تحقق شرائط التيمم لا يكون مكلّفاً إلا بالصلاة مع التيمم. ومرجعه إلى عدم كون الصلاة مع الوضوء مأموراً بها بالإضافة إليه أصلا. وعليه فإذا تحمّل المكلف الحرج والمشقة وتوضّأ مكان التيمم، تكون صلاته فاقدة للأمر، ولا تقع صحيحة. ولا دليل على كونها واجدة للملاك والمناط. ولذا رجحنا في البحث عن قاعدة الحرج، أن الترخيص المستفاد منها إنما يكون بنحو العزيمة دون الرخصة.
وهذا بخلاف ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) في بحث الصلاة المزاحمة مع الإزالة التي هي واجب أهم، من أنه لو اختار الصلاة وترك الإزالة تكون صلاته صحيحة، لأنها وإن لم تكن غير مأمور بها إلاَّ انّها تشتمل على المناط والملاك، وهو يكفي في صحة العبارة.
فإن إحراز الإشتمال على الملاك إنما هو لأجل عنوان التزاحم الذي مرجعه إلى ثبوت الملاك في كلا الطرفين ـ سواء كان هناك أهمّ في البين أم لم يكن ـ وأمّا في مثل المقام فلا سبيل إلى إحراز الملاك واستكشاف المناط بوجه والطولية في التقية ومثلها لا تقتضي كون الإتيان بالواقع مجزياً ومسقطاً، وعليه فيقوى في النظر رجحان القول
(الصفحة102)
القول في الوقوف بالمشعر الحرام
يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، وهو عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، والأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثم ينوي الوقوف بين الطلوعين، ويستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو ا يتجاوز عن وادي محسّر، ولو جاوزه عصى ولا كفارة عليه، والأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر، والركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمى الوقوف ـ ولو دقيقة أو دقيقتين ـ فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقاً، بطل حجّه بتفصيل يأتي. [1]
بالبطلان.
وأمّا ما حكي عنه الشيخ الأعظم في توجيه التفصيل المتقدم من أن ترك التكتف لا يكون إخلالا بالمأمور به، فإن التكتف واجب مستقل خارج عن المأمور به، فيرد عليه إن أريد باستقلال وجوب التكتف إنه واجب غير مرتبط بالصلاة بل ظرفه إنّما تكون هي الصلاة، فالظاهر عدم كونه بهذه الكيفية واجباً عندهم. وإن أريد به إن الإخلال به لايوجب الإخلال بالوظيفة المقررة الشرعية من جهة الصلاة، فالظاهر انه بعد ارتباطه بها تكون الصلاة مع الإخلال به غير ماهو المأمور به، فيرجع إلى القسم الأوّل، فيبطل التفصيل. هذا تمام الكلام في مباحث الوقوف بعرفات.
[1]
لا خلاف بين المسلمين في أن الوقوف بالمشعر من واجبات الحج وأجزائه.
(الصفحة103)
ويدل عليه قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)(1) ولذا أطلق عليه عنوان «الفريضة» في الروايات باعتبار دلالة القرآن عليه وعلى عرفة «السنّة» باعتبار عدم التصريح به. وفي جملة من النصوص: «إن من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له» وفي بعضها: «إن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» ويطلق عليه المشعر المزدلفة بكسر اللام وجمع بإسكان الميم، والمشعر واحد المشاعر التي هي مواضع المناسك. والتسمية بالمزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه إلى الله تعالى. وفي بعض الروايات الصحيحة: «مالله تعالى منسك أحبّ إلى الله تعالى من موضع المشعر الحرام وذلك أنه يذل فيه كل جبّار عنيد»، أو باعتبار إزدلافها فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أو لأنها أرض مستوية مكنوسة كما أن التسمية بالجمع على مافي بعض الروايات، لأجل أنّ آدم (عليه السلام) جمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء.
وكيف كان ففي بعض كتب اللغة: إن المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح. لكن في القاموس: ووهم من قال جبلا يقرب من البناء الموجود الآن، وهو الظاهر.
وبعد ذلك يقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: إنه لا شبهة في وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر في الجملة. وفي جملة من الكتب دعوى الإجماع عليه. إنّما الإشكال في الوجوب قبل طلوع الفجر، فالمشهور ـ كما قيل ـ هو العدم، ولكن صاحب الجواهر قد قوى الوجوب بل نسبه إلى ظاهر الأكثر، واستدل عليه بوجوه:
الأوّل: التأسي بالنبي والأئمة (عليهم السلام) حيث إنهم كانوا يقفون في المشعر قبل طلوع
(1) سورة البقرة (2) : 198 .
(الصفحة104)
الفجر.
ويرد عليه إن الفعل أعم من الوجوب، ومن المحتمل انه كان الوجه فيه هو استحبابه أو تأكد إستحبابه من دون أن يكون هناك وجوب.
الثاني: صحيحة الحلبي التي رواها عنه معاوية بن عمّار وحمّاد، قال: قال لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً فصلّ بها المغرب والعشاء الآخر بأذان وإقامتين، ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول اللّهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ـ إلى آخر الدعاء ـ الحديث(1). نظراً إلى أن الحياض من حدود المشعر الخارجة عنه كخروج حدود عرفات عنها على ما مرّ. فالنهي عن تجاوزها في الليلة المزبورة التي تكون تماميتها بطلوع الفجر دليل على وجوب الوقوف قبل الطلوع أيضاً.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ قرينة السّياق تقتضي كون النّهي للكراهة لا للحرمة وإلى أنّها أخصّ من المدّعى. لأن عدم تجاوز الحياض يجتمع مع تأخير الإفاضة من عرفات وعدم الوود في المشعر ليلة العيد، إلاَّ في الأجزاء الآخرة ومع التوقف بين عرفات والمشعر.
انّ الظاهر كون النهي عن تجاوز الحياض بلحاظ التحفظ على إمكان الوقوف بالمشعر نظراً إلى أنه يحتمل مع التجاوز أن لا يدرك المشعر بين الطلوعين ويفوت عنه كذلك، كالنهي عن الخروج عن مكة، بعد الفراغ عن عمرة التمتع. على ما مرّ
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، أورد صدرها في الباب السادس، ح1، ووسطها في الباب الثامن، ح3، وذيلها في الباب العاشر، ح1.
(الصفحة105)
التحقيق فيه سابقاً من أنّه إنما هو بلحاظ خوف عدم إمكان الرجوع إلى مكة والإحرام منها لأجل الحج، فلا يكون هناك نهي، بالإضافة إلى من يعلم بإمكان الرجوع وعدم كون الخروج مورد الخوف بالنسبة إليه. وعليه فلا دلالة للصحيحة على ما رامه صاحب الجواهر (قدس سره) .
ثم إنه جعل فيها هذه الرواية صحيحة معاوية بن عمّار مع أنك عرفت أنه قد رواها هو وحمّاد عن الحلبي.
الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إصبح على طهر بعدما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريباً من الجبل، وإن شئت حيث شئت. فإذا وقفت فاحمد الله عزّوجلّ وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه، وصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ... الحديث(1) وفي الجواهر: بل ربما ظهر منه المفروغية عن ذلك.
ويرد عليه منع المفروغية، بل غاية مفادها لزوم تحقق الإصباح في المشعر. ومن المعلوم انه لا يتوقف الإصباح على المبيت فيه ـ الذي هو مدعى صاحب الجواهر (قدس سره) ـ ضرورة أن الإصباح يتحقق بالكون فيه قبل الطلوع دقائق فقط ولا محيص عنه حتى على القول بعدم الوجوب. لأن العلم بتحقق الوقوف من اوّل طلوع الفجر لا يتحقق نوعاً إلا بالوقوف فيه قبله الدقائق، كما أن الوقوف في عرفات من أول الزوال بناء على اعتباره لا يتحقق العلم به، إلاَّ بالوقوف فيها قبل الزوال بالمقدار المذكور فالرواية اجنبية عن الدلالة على مرامه.
الرّابع: رواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمى الأبطح
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح1.
(الصفحة106)
أبطح، لأن آدم (عليه السلام) أمر أن يتبطح في بطحاء جمع، فتبطح حتى انفجر الصّبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك، فأرسل الله ناراً من السماء فقبضت قربان آدم.(1)
ويرد عليه أوّلا: ضعف سند الرواية بمحمد بن سنان الواقع في سند الرواية وبعبد الحميد، فلا مجال للاستدلال بها.
وثانياً: عدم انطباقها على المدّعى. لأنّ التبطّح المأمور به بالإضافة إلى آدم (عليه السلام) لايتوقف على المبيت، بل يتحقق بالمكث قبل الفجر ولو بقليل.
فانقدح من جميع ما ذكرنا إنه لم ينهض شيء مما استدل به صاحب الجواهر (قدس سره) لإثبات مدعاه الذي قواه ونسبه إلى ظاهر الأكثر. نعم حكي عن العلامة في التذكرة إنه إستدل للقول بعدم الوجوب مضافاً إلى الأصل صحيحة هشام بن سالم وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والتقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس.(2) نظراً إلى أن الظاهر كون وقوع صلاة الفجر في أوّل وقتها، وهو يستلزم الإفاضة من المشعر قبل الفجر بساعتين أو ساعات. فنفي البأس به ظاهر في عدم وجوب المبيت. وصحيحة مسمع عن أبي إبراهيم «عبدالله خ ل» (عليه السلام) في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: ان كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاه.(3) بناء على كون المراد من الشرطية
(1) وسائل: أبوب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح6.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح8.
(3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة107)
الثانية صورة العلم والعمد على ما تقتضيه قرينة المقابلة مع الشرطية الأولى.
هذا ولكن الظاهر ان الرّواية الأولى تختص بالمعذور بقرينة الروايات الأخرى، والرواية الثانية على فرض كون المراد منها ذلك ـ كما فهمه المشهور ـ يكون الحكم فيها بثبوت دم شاة كاشفاً عن ثبوت الإثم وتحقق العصيان الموجب للكفارة نوعاً. لكن سيجيء التحقيق في معنى الرّواية إن شاء الله تعالى، كما أنه لا حاجة لإثبات عدم الوجوب إلى إقامة الدليل عليه، بل القائل بالوجوب لابدّ له من إقامته.
ثم إنه قال المحقق (قدس سره) في الشرايع في عدد واجبات الوقوف: وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر. فلو أفاض قبله عامداً بعد أن كان به ليلا ـ ولو قليلا ـ لم يبطل حجّه، إن كان وقف بعرفات وجبره بشاة، وتجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران، ولو أفاض ناسياً لم يكن عليه شيء.
والبحث معه في أمرين:
الأمر الأوّل: صحة التفريع الذي تفيده كلمة «الفاء» وعدمها. ووجّهه صاحب الجواهر (قدس سره) بأن المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ التفريع بلحاظ المدلول الإلتزامي الذي يدل عليه كلمة الجبر في غير المحل، إن الظاهر كون الجملة التفريعية مسوقة لإفادة عدم بطلان الحج ـ كما وقع التصريح به فيها ـ ومن الواضح انّ تفريع عدم البطلان بترك الواجب على بيان الواجب لايخلو من التهافت. فإنّ مايناسب أن يفرّع على بيان الواجب، هو البطلان بتركه، لاعدم البطلان بسبب الترك. نعم تجوز اضافة الحكم بالعدم عليه، لكن الإضافة غيرالتفريع. ومما ذكرنا ظهر انّه لاوجه للتفريع المذكور في كلام
(الصفحة108)
المحقق (قدس سره) .
الأمر الثاني: صحة الفرع الذي ذكره وعدمها. والمنشأ له صحيحة مسمع المتقدمة آنفاً، بناء على كون المراد من الجملة الشرطية الثانية بيان حكم العالم في مقابل الجاهل الواقع في الشرطية الأولى. وعلى هذا التفسير تدل الصحيحة على أن الرّكن من الوقوف بالمشعر الذي يوجب الإحلال به عمداً البطلان، أعم ما بين الطلوعين، فيكون الركن مسمى الوقوف بالمشعر من الليل إلى طلوع الشمس. وعليه فلو أفاض قبل الفجر عامداً بعد أن وقف به ليلا ـ ولو كان قليلا ـ لا يتحقق ترك الركن بوجه; لأن مقتضى لزوم الجبر بالشاة عدم البطلان. ولكنه ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) ان معنى الرواية أمر آخر غير ما ذكر. قال: إن الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد، وإنما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الإفاضة قبل الفجر وبعده. فموضوع السؤال في الرّواية إنه وقف مع الناس الوقوف المتعارف. وهو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، خصوصاً ان قوله: «وقف مع الناس» ظاهر جدّاً في أنه وقف معهم في هذا الوقت. فإن الناس يقفون ويجمعون في هذا الوقت. ولكن أفاض قبل أن يفيض الناس. أي: قبل طلوع الشمس. فقال: لا شيء عليه، ثم إنّ الإمام (عليه السلام) تدارك وذكر انه إنما لا شيء عليه إذا أفاض بعد الفجر وإن لم يصبر إلى طلوع الشمس. ولكن لو أفاض الجاهل قبل الفجر، فعليه دم شاة. فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل. وأمّا العالم العامد فالرواية ساكتة عنه، ولا دليل عليه بخصوصه. فإذاً تشمله الروايات الدالة على أن من لم يدرك المشعر مع الناس، فقد فاته الحج. ولا أقلّ من إجمال رواية مسمع، فالمرجع أيضاً تلك العمومات الدالة
(الصفحة109)
على بطلان الحج بترك الوقوف في المشعر، فحاصل المعنى من الروايه بعد فرض االإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا: إن كان جاهلا فلا شيء عليه في إفاضته في ذلك الوقت، وإن كانت إفاضته قبل طلوع الفجر، فعليه شاة.
والإنصاف إن ما أفاده في معنى الرواية مما تقتضيه الدقة فيه. وقد أيّده بعض الأعلام (قدس سره) بصحيحة علىّ بن رئاب، ان الصّادق (عليه السلام) قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّاً فعليه بدنة.(1) نظراً إلى أن وجوب البدنة على المتعمد يكشف عن أنّ وجوب الشاة عليه ـ كما في رواية مسمع في مورد الجاهل ـ وإلاّ فكيف يحكم في مورد واحد تارة بأنه عليه شاة، وأخرى بأنّه عليه بدنة.
هذا ولا يخفى جريان المناقشة في التأييد. وإن كان أصل ما أفاده صاحب الحدائق حقّاً. فإنه لو قلنا بأن الشرطية الثانية في رواية مسمع واردة في مورد العالم المتعمد ـ كما فهمه الأكثر ومنهم المحقق في الشرايع على ما عرفت في عبارته المتقدمة وصاحب الجواهر في الشرح ـ يكون موردها مختلفاً مع مورد هذه الرواية. ولا يستلزم الحكم في مورد واحد تارة بثبوت الشاة وأخرى بثبوت البدنة، ضرورة أنّ مورد رواية مسمع من وقف بالمشعر وأحدث الوقوف فيه مع النية وسائر الشرائط المعتبرة فيها. غاية الأمر إنه أفاض قبل طلوع الفجر مع انه لم يكن له الإفاضة حينئذ وأمّا مورد هذه الرواية فهو «من ترك الوقوف بالمشعر رأساً» لأن التعبير الوارد
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب السادس والعشرون، ح1.
(الصفحة110)
فيها «انه لم يلبث بعد الإفاضة من عرفات بالمشعر أصلا بل مضى إلى منى» ومن المعلوم انّ مجرد الكون في المشعر مقداراً من الزمان في حال السير والحركة لا يكفي في الووف الذي تعتبر فيه النيّة وغيرها. وعليه فمورد هذه الرواية هو ترك الوقوف بالمشعر رأساً مع العلم والعمد. ومن الواضح انه يوجب بطلان الحج في هذا الحال، بعد كون الوقوف بالمشعر ركناً ـ كالوقوف بعرفه ـ.
وبالجملة ظاهر رواية مسمع ثبوت كفارة الشاة مع عدم بطلان الحج. وأمّا هذه الرواية فالحكم بثبوت كفارة البدنة إنّما هو لأجل البطلان. فيكون الموردان مختلفين ولأجل ما ذكرنا ترى أن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب الذي لم يورد فيه إلاّ هذه الرواية باب ان من ترك الوقوف بالمشعر عمداً بطل حجّه ولزمه بدنة فالتأييد في غير محلّه.
الجهة الثانية: في أن الوقوف الواجب بين الطلوعين يجب أن يكون شروعه من حين طلوع الفجر ومنتهاه طلوع الشمس. فيجب الإستيعاب بالإضافة إلى أجزاء هذا الزمان ـ كما هو المشهور ـ أم لا يجب الإستيعاب ـ كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) ـ وقد استدل لعدم الوجوب من طلوع الفجر، بقوله (عليه السلام) في صدر رواية معاوية بن عمار المتقدمة: إصبح على طهر بعدما تصلّى الفجر، قف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله واثن عليه...(1) نظراً إلى ظهوره في عدم وجوب النيّة عند طلوع الفجر.
والظاهر ابتنائه على كون الظرف في قوله بعدما تصلّى الفجر متعلّقاً بالإصباح.
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر ح1.
(الصفحة111)
وعليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتأخر عن طلوع الفجر، فيكون الوقوف متأخراً عن الطلوع مع أنّ الظاهر إن الإصباح الذي يكون معناه هو الدخول في الصبح والورود فيه لا يلتئم مع البعدية عن صلاة الفجر، وان كانت واقعة في أوّل وقتها ـ كما هو المتعارف خصوصاً في المشاعر والمواضع المعدة للعبادة ـ فإنّ الإصباح قد تحقق قبلها لا محالة. فاللازم أن يقال بتعلق الظرف بالطهر ومرجعه إلى إدامة الكون على حالة الطهارة بعد صلاة الفجر المقارنة مع هذه الحالة لا محالة. وعليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتحقق بطلوع الفجر. فالإستدلال في غير المحلّ.
كما انه قد استدل لعدم الوجوب في ناحية المنتهى، وهو طلوع الشمس بعدّة من الروايات:
منها: ذيل الصحيحة المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) ثم أفض حيث يشرق لك بثير وترى الإبل مواضع اخفافها.(1) وقد رواه في الوسائل بالفاء بقوله «حيث يشرف» مع ان الظاهر كونه بالقاف لشهرة هذا التعبير، مع كونه في المصدر أيضاً كذلك. قال في الجواهر: «إن الأمر بالإضافة حين يشرق له بثير وحين ترى الإبل مواضع اخفافها» أعم من ذلك ـ أي من طلوع الشمس ـ والظاهر إرادة الأسفار من الإشراف فيه بقرينة قوله: «وترى الإبل» إلى أخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس. ومنه يعلم رجحان ما قلنا على صوره العكس.
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر ح1.
(الصفحة112)
ويرد عليه أوّلا:
ان قوله «يشرق لك بثير» الذي معناه الحقيقي هو إشراق بثير الذي هو جبل بمكة. والظاهر ان خصوصيته إنما هي بلحاظ كونه أوّل جبل يطلع الشمس عليه من ناحية المشرق له معنى كنائي وهو طلوع الشمس. ومن الواضح إن الإستعمالات الكنائية يكون المقصود الأصلي ماهو الملزوم، لا المعنى الحقيقي الذي هو لازم لذلك المعنى. والملاك في الصدق والكذب فيها هي مطابقة المقصود الأصلى للواقع وعدم مطابقته لا مطابقة المدلول المطابقي ومخالفته. فقوله: زيد كثير الرماد يكون الملاك في صدقه وكذبه هو كونه ذا جود وسخاء وعدم كونه كذلك، لا كونه كثير الرّماد واقعاً وعدمه.
والدليل على كون المعنى الكنائي في المقام هو طلوع الشمس، مضافاً إلى دلالة اللغة عليه تفسيره بذلك في بعض الروايات المعتبرة. ففي رواية معاوية بن عمار ـ التي يحتمل قويّاً أن تكون هي الرواية المتقدمة، غاية الأمر إشتمالها على اضافة في الذيل ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ قال «ثم أفض حيث يشرق لك بثير وترى الإبل مواضع اخفافها» قال ابو عبدالله (عليه السلام) كان أهل الجاهلية يقولون أشرق بثير يعنون الشمس كما يغير (نغير) وإنّما أفاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاف أهل الجاهلية كانوا يفيضون بإيجاف الحيل وإيضاح الإبل، فأفاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة، فأفض بذكر الله والإستغفار وحرّك به لسانك.(1)
والعجب انّ صاحب الوسائل نقل قوله: حيث يشرق أيضاً بالفاء مكان القاف، ولم ينقل قوله: يعنون الشمس مع وجوده في المصدر الذي هو التهذيب على ما
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر ح5.
(الصفحة113)
راجعت. وعليه فالرواية دالة على التفسير بطلوع الشمس. وأمّا قوله: «كيما نغير» ففي محكي النهاية: «أشرق بثير كيما نغير» أي نذهب سريعاً. يقال: أغار إذا أسرع في العدو. وقيل: أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة والنهب. وفي القاموس: غار أسرع ومنه أشرق بثير كيما نغير، أي: نسرع إلى النحر. وأمّا قوله: إيضاع الإبل ففي الصحاح: وضع البعير أو غيره. أي: أسرع في سيره. وعليه فلا يبقى مجال لتفسيره بالأسفار ـ كما في الجواهر ـ.
ومنها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس.(1) بناء على كون المراد من التجاوز المنهي عنه هو العبور والمجاوزة المتحققة بالعبور عن جميع أجزاء الوادي. ومن الواضح ان وادي محسّر من حدود المشع الخارجة عنه، وهو الواقع بين المشعر ومنى. ولا يكون جزء من شيء منهما. فتدل الرواية على جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بشرط عدم التجاوز عن الوادي المذكور.
هذا ولكن الظّاهر أن المراد من التجاوز المنهي عنه هو الدخول. ومعناه النهي عن الدخول في الوادي الملازم للخروج عن المشعر قبل الطلوع، كما أن المراد من التجاوز المنهي عنه في ليلة المزدلفة بالإضافة إلى الحياض الذي أو أيضاً من حدود المشعر، قد عرفت انّه الدخول فيه، لا العبور عنها. ويؤيده بل يدل عليه إنه لو كان المراد منه ذلك لكان المناسب التعبير بالدخول في منى، لأن التجاوز عن وادي محسّر يلازم الدخول والورود فيها. فالتعبير بالتجاوز دونه قرينة على كون المراد منه هو
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح2.
(الصفحة114)
الدخول. والعجب من صاحب الجواهر (قدس سره) حيث جعل الصحيحة دالة على مرامه، وان جعل التجاوز المنهي عنه بمعنى الدخول، نظراً إلى أنه أعم من لاأسفار المتحقق قبل طلوع الشمس مع أنه على هذا التقدير لا يبقى للأسفار موقع أصلا.
ومنها: مرسلة ابن مهزيار عمّن حدثه عن حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، وسائر النّاس إن شاؤوا عجّلوا، وإن شاؤوا أخّروا.(1) والمراد بالإمام هو أمير الحاج. والرواية ظاهرة في جواز تعجيل سائر الناس عنه، ولازمه الخروج عن الموقف قبل طلوع الشمس.
ولكن الرواية مضافاً إلى كونها غير معتبرة بسبب الإرسال، فلا ينبغي الإتكال عيها تجري المناشقة في دلالتها أيضاً، نظراً إلى أن المناسبة تقتضى أن يكون المراد بوقوف الإمام بالمشعر هو الوقوف في خصوص الموضع الذي اختاره للوقوف من المشعر وكان الناس يرجعون إليه في مقاصدهم ومشاكلهم، لا الوقوف الشامل للخروج عن ذلك الموضع والحركة عنه بطرف منى، وإن كان محل سيره وحركته هو المشعر بعد. وعليه فالمراد من تعجيل الناس هو تعجيلهم في الحركة عن الموضع الذي قد اختاروه للوقوف بجمع أثاثهم ولوازمهم. ومن الواضح ان الحركة عنه لا تستلزم الورود في وادي محسّر، بل يحتاج إلى زمان معتد به وحركة معتد بها. فلا دلالة للرواية على مرام صاحب الجواهر (قدس سره) .
ومنها: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) أيّ ساعة أحبّ إليك
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح4.
(الصفحة115)
أن أفيض من جمع؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل، فهو أحبّ السّاعات إليّ، قلت: فإن مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس.(1)
والجواب عن الاستدلال بها هو الجواب عن الرواية السابقة، بالإضافة إلى الدلالة ويزيده وضوحاً في هذه الرواية السؤال الثاني الظاهر في وجود الشبهة للسائل من جهة أصل الجواز، فسئل عن جواز المكث حتى طلوع الشمس، مع انه لو كان امراد منها ما أفاده صاحب الجواهر ولازمه أن يكون المراد هو المكث في المشعر حتى طلوع الشمس لم يكن في البين مايوجب الشبهة والإرتياب. فإن جوازه يكون أمراً مسلّماً لا شبهة فيه. وقد احتاط رعايته صاحب الجواهر، فاللازم أن يقال بأن المراد به هو المكث في خصوص الموضع الذي اختار الوقوف فيه من المشعر. وحيث إنه (عليه السلام) حكم بأن الساعة التي يجب الإفاضة فيها من المشعر، هو قبل طلوع الشمس بقليل توهم السائل ان التأخير عنها حتى تطلع، هل يكون جائزاً أم لا ؟ فأجاب (عليه السلام) بنفي البأس. فالموثقة ظاهرة في خلاف ما عليه الجواهر، فتدبر.
الجهة الثالثة: فيما هو الركن من الوقوف بالمشعر. ففي المتن أن الرّكن هو المسمّى من الوقوف بين الطلوعين. وعليه فالإخلال به عمداً يوجب بطلان الحج، كما صرّح به ابن إدريس وقال العلامة في المختلف، ان قول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك. فإنه قال: فإن دفع قبل طلوع الفجر مع الإختيار لم يجزئه. وفي الجواهر: انه ربما كان هذا ظاهر عبارة الدروس بناء على إرادة عدم الدخول في وادي محسّر، من قوله فيها:
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح1.
(الصفحة116)
ولما يتجاوز، وتبعه الكركي وثاني الشهيدين.
أقول: لابد في هذه الجهة من ملاحظة أمرين:
الأوّل: عدم سعة دائرة الركن بالإضافة إلى الوقوف قبل طلوع الفجر. وحيث إن المختار عندنا عدم وجوب الوقوف قبله. فيظهر عدم سعة دائرته بالنسبة إليه، لأنّه بعد عدم اتصافه بالوجوب لا مجال للإتصاف بالركنيّة أصلا، لأن الركنيّة إنّما هي في المرتبة المتأخرة عن الوجوب، لأنه لا يجتمع الإستحباب مع الركنيّة بوجه.
الثاني: إن الركن الذي تكون دائرته محدودة بما بين الطلوعين يكون مجرد المسمّى لا المجموع. ويدل عليه مضافاً إلى اتفاق الأصحاب على أن الركن هو المسمى ـ سواء قيل بسعة دائرته بالإضافة إلى قبل طلوع الفجر، أم لم يقل بذلك ـ الرّوايات الكثيرة التي يستفاد منها ذلك، مثل:
صحيحة محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عند الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جميعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج ولا عمرة له; وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة ولا حجّ له، فان شاء اقام بمكّة وان شاء رجع، وعليه الحج من قابل.(1)
وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج.(2)
ورواية إسحق بن عبدالله، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل دخل مكّة مفرداً
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح10.
(الصفحة117)
للحج فخشي أن يفوته الموقف، فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجّ، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء أقام بمكة وإن شاء رجع إلى الناس بمنى وليس منهم في شيء، وإن شاء رجع إلى أهله وعليه الحج من قابل.(1)
وصحيحة عبيدالله وعمران ابنى عليّ الحلبيين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فاتتك المزدلة فد فاتك الحج.(2) بناء على كون المراد بفوت المزدلفة هو فوتها في جميع أجزاء بين الطلوعين لا في المجموع. والأوّل هو الظاهر. وغيرها من الروايات.
الجهة الرابعة: في لزوم تعدد النية وعدمه. فنقول: قال في محكي المسالك: ثم إن لم نقل بوجوبه (أي المبيت) فلا إشكال في وجوب النيّة للكون عند الفجر، وإن أوجبنا المبيت فقدم النيّة عنده، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، ويظهر من الدروس عدم الوجوب، وينبغي أن يكون موضع النزاع مالو كانت النيّة للكون به مطلقاً، أمّا لو نواه ليلا أو نوى المبيت ـ كما هو الشايع في كتب النيّات المعدة لذلك ـ فعدم الإجتزاء بها عن نيّة الوقوف نهاراً متّجه، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقاً لا يتضمنان النّهار، فلابد من نيّة أخرى، والظاهر ان نيّة الكون به عند الوصول كافية عن النيّة نهاراً، لأنه فعل واحد إلى طلوع الشمس ـ كالوقوف بعرفة ـ وليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك.
(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح5.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح2.
(الصفحة118)
وأورد عليه في الجواهر بقوله: وهو محلّ النظر، إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الإجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل، كما أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الإجتزاء بالنيّة الواحدة، مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بخصوصه، على وجه يكون فعلا مستقلاًّ، كما هو الظاهر من نصّهم عليه بالخصوص.
أقول: الظاهر إنه على تقدير القول بوجوب الوقوف قبل طلوع الفجر أيضاً هو الإجتزاء بالنيّة الواحدة. لأنه من المستبعد أن يكون في الوقوف بالمشعر واجبان مستقلان. خصوصاً مع التسانخ والاتصال وعدم الانفصال.
وأمّا بناء على مافي المتن من كون الوقوف الواجب إنّما هو الوقوف بين الطلوعين وأن مقتضى الإحتياط الوجوبي هو الوقوف قبل طلوع الفجر بعد الوصول إلى المشعر. فالظاهر إنه لا مجال للإكتفاء بالنية الواحدة، لأنّ نيّة الواجب المحرز تغاير نية الواجب الإحتياطي، ولا يمكن الإجتزاء بالثانية في الواجب المحرز. وعليه فاللازم ـ كما في المتن ـ هو التعدّد.
بقي في المتن قوله: «وتستحب الافاضة...» ومنشأ الإستحباب ما تقدم من بعض الروايات الدالة على ذلك، وانّ أحبّ الساعة إليه (عليه السلام) ذلك. وقد مرّ أن المراد من عدم التجاوز عدم الدخول، كما انه على تقدير الدخول لا كفارة عليه.وإن حكي عن بعض المشايخ ذلك، لكنه لا دليل عليه إلاّ الفقه الرضوي الذي لا اعتبار به، ولا مجال للقياس على الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس، لبطلان القياس.
(الصفحة119)
في جواز الإفاضة في الليل للضعفاء
مسألة 1 ـ يجوز الإفاضة من المشعر ليلة العيد، بعد وقوف مقدار منها للضّعفاء ـ كالنّساء والأطفال والشيوخ ـ ومن له عذر ـ كالخوف والمرض ـ ولمن ينفر بهم ويراقبهم ويمرضهم، والأحوط الذي لا يترك أن لا ينفروا قبل نصف الليل. فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين. [1]
[1]
قال في مجمي المنتهى: يجوز للخائف والنساء ولغيرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة، الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة. وهو قول كل من يحفظ عنه العلم.
وقال في المدارك عقيب قول المحقق «وتجوز الإفاضة للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران»: هو مجمع عليه بين الأصحاب. والمنشأ وجود روايات متعددة في هذا الباب، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المشتملة على بيان حجّ النبيّ في حجة الوداع المتضمّنة لقوله (عليه السلام) : ثم أفاض وأمر الناس بالدّعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام، فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثم أقام فصلّى فيها الفجر وعجّل ضعفاء بني هاشم باللّيل. الحديث.(1)
وصحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم ما تريد أن تصنع، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل، ولا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى
(1) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب الثاني، ح2.
(الصفحة120)
تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح، فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ويمضين إلى مكّة في وجوههنّ، ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة، ثم يرجعن إلى البيت ويطفن أسبوعاً، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجّهن; وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل معهنّ أسامة.(1)
وصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للنساء والصّبيان أن يفيضوا بليل، وأن يرموا الجماد بليل، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفض الحيض مضين إلى مكّة ووكّلن من يضحي عنهنّ.(2)
وصحيحة الأخرى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا بأس بأن يقدم النّساء إذا زا الليل فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن وينطلقن إلى مكّة فيطفن، إلاّ أن يكن يردن أن يذبح عنهنّ فإنهنّ يوكلن من يذبح عنهنّ.(3) والظاهر ان المراد من زوال الليل هو انتصافه، لا زواله بمعنى ارتفاعه ودخوله الفجر. فإنه كان المناسب حينئذ التعبير بطلوع الفجر، لا زوال الليل.
ومرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفاً.(4)
ورواية علي بن عطيّة، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام بن عبد الملك
(1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح2.
(2)
(3) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح7.
(4) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح1.
|