(الصفحة281)
وقد استثنى منه مورد واحد، وهو ما لو كان بناءه على الإقامة في مكة والمجاورة فيها بعد الفراغ من تمامية الحج وقضاء المناسك. فإنه لا يجوز له الصيام المذكور في مكة بعد مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله ووطنه من حين قصد الإقامة والمجاورة. وفي محكي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافاً.
والأصل في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان متمتعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثم صام بعده(1).
وفي صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام(2).
وليس المراد هو العلم والظن بدخول أهل بلده بحيث كان للدخول موضوعية. بل المراد هو انتظار هذا المقدار ولو لم يصلوا إلى البلد لأجل مانع. والصحيحة الاُولى الدالة على كفاية مضي شهر أيضاً تقيد إطلاق هذه الرواية.
ومثلها صحيحة أبي بصير المضمرة، قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم «بمكة» سنة. قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام(3).
(1) الوسائل: أورد صدره في الباب السابع والأربعين، ح4; وذيله في الباب الخمسين، ح2.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح1.
(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح3.
(الصفحة282)
وهذه الرواية تدل على أنه لا يعتبر في الإقامة قصد الإقامة الدائمية، بل يكفي قصد إقامة سنة ـ مثلا ـ .
ومقتضى الجمع بين هذه الروايات اعتبار مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله. وظاهر ذلك كفاية مضي أقل الزمانين وعدم لزوم انتظار أكثرهما.
نعم مقتضى ما رواه الصدوق في المقنع عن معاوية، انه سأل الصادق (عليه السلام) عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق(1). هي كفاية مضي أيام التشريق. لكن اللازم تقييدها بالروايات المتقدمة ـ كما هو ظاهر ـ .
والظاهر أن المبدأ هو قصد الإقامة والمجاورة. لأن الترخيص إنما هو بالاضافة إلى المقيم، وهو لا يتحقق بدون القصد والإرادة، كما أن الظاهر اختصاص الحكم بمكة ولا يشمل قصد الإقامة بالمدينة أيضاً، فضلا عن غيرها. وإطلاق «المقام» في رواية الصدوق منصرف في نفسه إلى المقام بمكة، فضلا عن دلالة الروايات المتقدمة عليه.
الأمر الثالث: قد مرّ أنه لا يجوز صيام السبعة في سائر البلاد في غير مكة ولا في الطريق. فاعلم أنه لا يجب أن يكون الصيام في بلده بعد تحقق الرجوع إليه خارجاً، بل يجوز له بعد الرجوع أن يسافر إلى بلد آخر ويصوم فيه بشرط قصد إقامة عشرة أيام فيه.
والوجه فيه وإن كان ظاهر الآية لعله خلافه، وأن الواجب هو وقوع صيام السبعة في بلده، دلالة بعض الروايات عليه، مثل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة
(1)
مستدرك الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس والأربعون، ح3.
(الصفحة283)
في من قصد الإقامة في مكة في هذه الأيام
مسألة 24 ـ من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة، فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضي مقدار الوصول معها إلى وطنه. وإن كان الأحوط خلافه. لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة والسبعة . [1]
الظاهرة في جواز الصوم ببغداد بعد السفر إليه من الكوفة التي هي محله ووطنه ظاهراً. ولأجله صار بصدد السؤال والاستفهام عن الإمام (عليه السلام) فلا إشكال في هذه الجهة أيضاً.
نعم قد عرفت الفرق بين صيام الثلاثة وصيام السبعة من جهة جواز وقوع الاُولى في السفر، مع عدم قصد الإقامة. لدلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن الأفضل في هذا الصوم وقوع صيام اليوم الثالث في يوم عرفة. مع أن الحاج في ذلك الزمان كان مسافراً فيها. وأما السبعة فيعتبر فيها ما يعتبر في سائر الصيام الواجبة من اشتراط صحتها في السفر بكونه مقروناً بقصد إقامة عشرة أيام ـ كما لا يخفى ـ .
[1]
من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة الموجبة لإمكان الرجوع إلى البلد في يوم واحد أو أقل، هل يجوز له صيام السبعة بعد مضي هذا المقدار فيجوز له الشروع في صيام السبعة بعد مضي يوم واحد ـ مثلا ـ؟ استظهر في المتن الجواز.
والوجه فيه صدق عنوان «بقدر مسيره إلى أهله» الذي كان مختلفاً في تلك الأيام
(الصفحة284)
في أنه هل يعتبر أن يكون صيام الثلاثة في مكة؟
مسألة 25 ـ لو لم يتمكن من صوم ثلاثة أيام في مكة ورجع إلى أهله، فإن بقى شهر ذي الحجة صام فيه في محله. لكن يفصل بينها وبين السبعة، ولو مضى الشهر يجب الهدي يذبحه في منى ولو بالاستنابة . [1]
والأزمنة أيضاً بلحاظ الاختلاف في المراكب الموجودة فيها. فإن مقدار المسير إلى الأهل في هذه الأيام ربما يكون أقل من يوم واحد ـ كما إذا كان مركبه الطيارة مثلا بالنسبة إلى بعض البلاد ـ ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلافه. خصوصاً بعد ملاحظة أن العدل الآخر هو مضي الشهر الذي لا يناسب التخيير بينه وبين مضي يوم واحد ـ كما في المثال ـ .
وأما عدم الجمع بين الثلاثة والسبعة، فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة والعشرين الآتية، إن شاء الله تعالى.
[1]
ينبغي قبل الورود في هذه المسألة، التعرض لجهة اُخرى. وهي أنه هل يعتبر في صيام ثلاثة أيام في حال التمكن والاختيار أن يكون مكانه مكة أم لا يعتبر، بل يجوز وقوعها في غيرها مثل الجدّة وغيرها بعد عدم قدح السفر فيه؟
قال بعض الأعلام (قدس سرهم) : لم أر من تعرض لذلك نفياً وإثباتاً سوى شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في مناسكه صرّح بعدم الاعتبار وأنه يصح مطلقاً. نعم لابد من وقوع صيامها في ذي الحجة وقبل الرجوع إلى بلاده. ثم استظهر نفسه من جملة من الروايات اعتبار صومها في مكة، وقال بعد الاستدلال بها: «لا قرينة لرفع اليد عن ظهورها، ولا
(الصفحة285)
تصريح في الروايات بجواز الإتيان به في غير مكة» قال: «ولا ندري أن الاستاذ النائيني (قدس سره) استند إلى أي شيء؟».
والروايات التي استظهر منها ذلك، منها:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان متمتعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث(1).
والظاهر أن المراد من قوله (صلى الله عليه وآله) «فإن فاته ...» هو عدم الإتيان بصيام الثلاثة في أيام التروية وعرفة ـ على ما تقدم ـ كما أن المراد بالصدر هو الرجوع بعد تمامية الأعمال إلى مكة. ومستند الظهور هو قوله «صام ثلاثة أيام بمكة» مع أنه من الواضح أنه لو كان إيقاعه في مكة واجباً لما كان وجه للتعليق على إرادة الإقامة في مكة بعد الرجوع إليها وأنه مخير بين إرادة المقام وعدمها. فالعبارة ظاهرة في الخلاف لا في اعتبار الوقوع في مكة ـ كما هو واضح ـ .
ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هدياً، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وذكر حديث بديل بن ورقا(2).
ومنها: صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح4.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح1.
(الصفحة286)
هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أفيها أيام التشريق؟ قال: لا، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا(1).
هذا والظاهر عدم ظهور الروايتين في اعتبار وقوع صوم الثلاثة في مكة وإن كان ربما يؤيده بادي النظر، وذلك لأنه بعد ملاحظة ما تقدم من أن الوقت الأصلي له ما يكون متضمناً ومشتملا على يوم عرفة الذي لا يكون الحاج فيه في مكة بل في عرفات; والإتيان به بعد العود من منى إلى مكة ـ خصوصاً بعد عدم كون أيام التشريق منها ـ يكون في المرتبة الثانية التي عبّر عنها بالفوت في الرواية المتقدمة، وبعد ملاحظة أن الحاج بعد العود إلى مكة لا يكون له حاجة إلى غيرها، بل تكون الإقامة فيها مقدمة للرجوع إلى الأهل والوطن، لا يستفاد من ذكر عنوان «مكة» خصوصيته، وأنه يعتبر أن يقع صيام ثلاثة أيام في خصوص مكة، بحيث لم يجز وقوعها في غيرها ولو في حواليها.
ويؤيده عدم التعرض لهذه الجهة في كلمات الأصحاب في مقابل إطلاق الآية الشريفة، مع أنه لو كان لمكة خصوصية لكان اللازم التعرض له في الكلمات والفتاوى، فالإنصاف أن القول بالاعتبار لا يكون له مستند واضح.
ثم إنه يقع الكلام بعد هذه الجهة في جهة اُخرى قبل الورود في أصل المسألة. وهو إنه لو لم يتمكن من صيام الثلاثة في مكة، هل يكون مخيراً بين الإتيان به في الطريق وبين الإتيان به بعد الرجوع كصيام السبعة، أو يتعين الثاني؟
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.
(الصفحة287)
نسب الأول إلى المشهور، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة آنفاً، لظهورها في التخيير بين الصيام في الطريق والصيام بعد الرجوع إلى الأهل; لكن في مقابلها روايتان صحيحتان:
إحديهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فأخّرها يوم عرفة، وإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله ولا يصومها في السفر(1).
هذا ولكن مفادها مقطوع البطلان، لدلالة الروايات المتضافرة على جواز إيقاع صوم الثلاثة في السفر، سواء أتى به في الوقت الأول أو بعد الرجوع إلى مكة، ضرورة عدم اعتبار قصد إقامة العشرة في مكة، ولا مجال للنهي عن إيقاعه في السفر; ولو كان المراد من النهي هي الكراهة ـ كما لا يخفى ـ .
ثانيتهما: صحيحة ابن مسكان المتقدمة(2) الظاهرة في تعين إتيانه بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يستطع المقام بمكة. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها وبين صحيحة معاوية بن عمار هو رفع اليد عن ظهور رواية ابن مسكان في التعين، لصراحة رواية معاوية في عدمه; فالأمر في هذه الرواية محمول على الوجوب التخييري، فلا يبقى إشكال من هذه الجهة.
وأما من جهة السند، فقد نقلها في الوسائل عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في بابين:
أحدهما: الباب الواحد والخمسون من أبواب الذبح، بهذه الكيفية: محمد بن
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح10.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.
(الصفحة288)
الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وعلي بن النعمان عن ابن مسكان.
وثانيهما: في الباب السادس والأربعين من تلك الأبواب، بهذا النحو: محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبدالله عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وعلي بن النعمان عن عبدالله بن مسكان عن سليمان بن خالد.
وعليه فتكون الرواية رواية سليمان بن خالد، كما أنه على الأول تكون رواية عبدالله بن مسكان وحكى صاحب الجواهر (قدس سره) عن كاشف اللثام أنه رواه عن ابن مسكان، ولكنه جعل نفسه مقتضى التدبر ان كون الخبر عن سليمان.
أقول: لا محيص على هذا التقدير عن القول بوقوع الخطأ والإشتباه في السند الثاني، لوضوح عدم إمكان الجمع بين كون سليمان بن خالد راوياً عن ابن مسكان، ما رواه ابن مسكان عن سليمان بن خالد حتى يرجع إلى كونه راوياً عن نفسه مع الواسطة. فالأمر يدور بين كون الراوي عن الإمام (عليه السلام) هو سليمان وبين كونه هو ابن مسكان، ومقتضى التتبع في الأسانيد ان ابن مسكان يروي عن سليمان ولا عكس. فالحق حينئذ مع صاحب الجواهر (قدس سره) .
إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أن لأصل المسألة صورتين:
الصورة الاُولى: ما لو بقي شهر ذي الحجة; ولا إشكال فيها في لزوم الإتيان بالصيام فيه. لكن البحث في أنه هل يعتبر الفصل بين الثلاثة وبين السبعة أو لا يعتبر، بل يجوز الإتيان بالعشرة مع عدم الفصل؟
(الصفحة289)
اختار صاحب الجواهر وتبعه المحقق النائيني (قدس سره) الثاني. نظراً إلى أن الفصل يجب على من يصوم العشرة بمكة، كما في صورة قصد الإقامة والمجاورة. وأما من يصوم الجميع في البلد والوطن الذي رجع إليه، فلا يجب عليه الفصل بوجه.
والعمدة في المقام معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة «الأيام» لا يفرق بينها، والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً(1). ومورد السؤال مطلق صوم الثلاثة والسبعة أعم مما إذا أتى بهما في مكة بعد قصد المجاورة، ومما إذا رجع إلى الأهل ولم يأت بالثلاثة بعد. ودعوى الاختصاص بالأول ـ كما في الجواهر ـ ممنوعة جداً، لو لم نقل باحتمال الاختصاص بالثاني. وعليه فالرواية دالة على اعتبار الفصل في المقام.
لكن ظاهر مثل رواية ابن مسكان المتقدمة آنفاً الدالة على أنه يصوم بعد الرجوع إلى الأهل عشرة أيام، عدم اعتبار الفصل. لكن رواية ابن جعفر صالحة للتقييد والحمل على الفصل من دون تكلف.
نعم هنا رواية واحدة لابد من علاجها، وهي رواية علي بن الفضل الواسطي، قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات; فإن لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات(2).
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس والخمسون، ح2.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني والخمسون، ح4.
(الصفحة290)
والرواية مضافاً إلى الضعف والإضمار يكون معرضاً عنها لدى الجميع. إذ لم يقل أحد باعتبار التتابع بين الثلاثة والسبعة. لأن النزاع في اعتبار الفصل وعدمه دون التتابع وعدمه; فالرواية معرض عنها ولا مجال للحمل على الاستحباب أيضاً لعدم القائل به، وحملها على التتابع في خصوص الثلاثة في غاية البعد. فالعمدة رواية علي بن جعفر الدالة على اعتبار الفصل مطلقاً.
ومما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده في الجواهر وفيما أفاده المتن من الحكم باعتبار عدم الفصل في المقام بنحو الفتوى وباعتباره في صورة الإقامة في مكة بنحو الاحتياط الوجوبي، لأنه لا مجال للتفكيك بوجه، فتدبر.
الصورة الثانية: ما لو مضى شهر ذي الحجة ولم يقع فيه صيام الثلاثة الذي يعتبر فيه الوقوع في ذي الحجة بمقتضى قوله تعالى: (في الحج) المفسر بذي الحجة في جملة من الروايات وفي المتن يجب الهدي يذبحه في منى ـ ولو بالاستنابة ـ وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر، قال: بل في ظاهر المدارك وصريح المحكي عن الخلاف، الإجماع عليه بل عن بعض أنه نقله عن جماعة.
لكن في محكي النهاية والمبسوط: ان من لم يصم الثلاثة بمكة ولا بالطريق ورجع إلى بلده وكان متمكناً من الهدي بعث به، فإنه أفضل من الصوم. ومقتضى إطلاق كلامه جواز الإتيان بالصوم بعد مضي ذي الحجة أيضاً. غاية الأمر ان الهدي أفضل منه، واحتمل السبزواري في الذخيرة اختصاص حكم السقوط بخصوص الناسي. ومقتضاه أنه في غير الناسي لا يسقط الصوم.
والعمدة ملاحظة الطوائف المختلفة من الروايات التي يمكن أن يستفاد منها حكم
(الصفحة291)
هذه الصورة، وهي ثلاث طوائف:
الاُولى: ما تدل بإطلاقها على ثبوت الصوم بعد مضي ذي الحجة بعد الرجوع إلى الأهل كرواية ابن مسكان المتقدمة المشتملة على قوله: فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. وغيرها من الروايات المتكثرة الدالة على ذلك. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذي الحجة وغيره.
الثانية: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم ويذبحه بمنى(1).
والمراد من عدم الصوم في ذي الحجة هو ترك الصوم المعهود الذي يجب إيقاعه فيه بمقتضى الآية والرواية، وليس هو إلاّ صيام الثلاثة لمن كان عاجزاً عن الهدي وغير واجد له. ومقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم عن علم وعمد وبين كونه عن نسيان وبين كونه لأجل بعض الأعذار الاُخر ـ كالحيض والنفاس ـ كما أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم في مكة أو في الطريق أو بعد الرجوع إلى الأهل.
الثالثة: صحيحة عمران الحلبي، قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم(2). ولأجل هذه الصحيحة احتمل السبزواري اختصاص الحكم بالسقوط بالناسي بعد حمل الصحيحة المتقدمة عليه أيضاً.
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح3.
(الصفحة292)
أقول: أما الإطلاقات، فالظاهر أنه لا مجال للاستدلال بها على المقام، بعد كونها واردة في مقام البيان من جهة اُخرى، وهي أنه لا خصوصية لمكة ولا للطريق في صيام الثلاثة من جهة المكان. بل يجب عليه الإتيان به بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يأت أو لم يتمكن من الإتيان به في مكة وفي الطريق.
وأما من جهة الزمان فلا تكون بصدد البيان من هذه الجهة أيضاً حتى يصح التمسك بها لوجوب الإتيان به بعد مضي ذي الحجة أيضاً. خصوصاً بعد ظهور الآية في اعتبار ظرفية الشهر المذكور ومعهودية ذلك عند المتشرعة والرواة. وعليه فلابد من ملاحظة الصحيحتين فقط، لعدم ارتباط الإطلاقات المذكورة بالمقام. فنقول:
أما الصحيحة الاُولى، فقد عرفت أن موردها مطلق يشمل جميع الصور ومفادها فوات وقت الصوم بخروج ذي الحجة وعدم الصيام فيه. وأما الصحيحة الثانية، فمورد السؤال فيها وإن كانت صورة النسيان، إلاّ أنه لا دلالة لها على الاختصاص بهذه الصورة والنفي في غيرها. فلا تنافي الصحيحة الاُولى المطلقة، ولا مجال في مثل ذلك لحمل المطلق على المقيد بعد عدم التنافي بينهما أصلا. ومنه يظهر الخلل فيما مر من السبزواري. وعليه فاللازم الحكم بالسقوط وأنه يجب عليه أن يبعث بدم.
نعم يمكن أن يقال أن هذا البعث إنما هو لأجل الكفارة ولا يكون هدياً. والشاهد عليه ان الهدي أعم من الشاة، لأنه يمكن أن يكون إبلا أو بقراً. وهذا بخلاف الكفارة، فإنه يتعين أن تكون هي الشاة. ولكن الظاهر خلافه ـ خصوصاً مع التعبير في صحيحة عمران الحلبي المتقدمة بدم لا بشاة ـ فالظاهر حينئذ هو ما اُفيد في المتن، فتدبر.
(الصفحة293)
مسألة 26 ـ لو تمكن من الصوم ولم يصم حتى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه. والأحوط قضاء السبعة أيضاً . [1]
[1]
في المسألة أقوال:
أحدها: القول بعدم وجوب هذا القضاء على الولي مطلقاً، بل استحبابه. وهو المحكي عن الصدوق (رحمه الله) .
ثانيها: القول بوجوب القضاء مطلقاً الثلاثة والسبعة، وهو المحكي عن ابن إدريس وأكثر المتأخرين، وجعله المحقق في الشرايع أشبه.
ثالثها: القول بالتفصيل بالوجوب في الثلاثة دون السبعة، وهو المحكي عن الشيخ وجماعة وظاهر المحقق في الشرايع.
وقد ورد في المسألة مضافاً إلى الروايات العامة الواردة في قضاء الولي مطلقاً الدالة على أنه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، روايتان خاصتان صحيحتان وإن وصفت إحديهما بالحسنة لكنها صحيحة على المختار.
إحديهما: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة. ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء(1).
ثانيتهما: رواية معاوية بن عمار، قال: من بات ولم يكن له هدي لمتعته، فليصم عنه وليه(2).
(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح2.
(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح1.
(الصفحة294)
والتحقيق أن يقال: ـ بعد عدم قيام الدليل على اشتراك الثلاثة والسبعة في الحكم ـ .
أما الثلاثة، فالظاهر وجوب القضاء على الولي بعد الموت والتمكن من الصوم وعدمه، ولو لأجل الجهل أو النسيان وأمثالهما. لدلالة الرواية الثانية عليه لظهور الأمر في الوجوب مضافاً إلى الأدلة العامة، ولا ينافيه الرواية الاُولى المعبرة بالنكرة مكان المعرف الظاهر في الإشارة إلى العهد الذكرى، لأنه مضافاً إلى أن موردها صورة الصيام لا تكون النكرة المزبورة ظاهراً بالظهور العرفي المعتمد عليه، بل غايته عدم وجوب قضاء صيام السبعة دون الثلاثة، مع أن الموت بمجرد الرجوع إلى الأهل وعدم التمكن في غاية البعد.
ومنه تعرف الوجه في أن مقتضى الجمع بين الروايتين عدم وجوب صيام السبعة.
(الصفحة295)
3 ـ الحلق أو التقصير
مسألة 27 ـ يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير ويتخير بينهما إلاّ طوائف:
الاُولى: النساء، فإن عليهن التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهن.
الثانية: الصرورة، أي الذي كان أول حجه، فإن عليه الحلق على الأحوط.
الثالثة: الملبد، وهو الذي ألزق شعره بشيء لزج ـ كعسل أو صمغ ـ لدفع القمل ونحوه، فعليه الحلق على الأحوط.
الرابعة: من عقص شعره، أي: جمعه ولفه وعقده، فعليه الحلق على الأحوط.
الخامسة: الخنثى المشكل، فإنه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، وإلاّ جمع بينه وبين الحلق على الأحوط . [1]
[1]
التعبير عنه بالتقصير فيه مسامحة واضحة، بعد تعين الحلق على بعض الطوائف، والتخيير بينه وبين التقصير ـ كما هو أصل الحكم ـ . نعم يستفاد من التعبير بالواجب أمران و أحدهما على سبيل المطابقة، هو الوجوب في مقابل الاستحباب الذي حكي عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في تفسير التبيان وعن الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان الذي هو خلاصة التبيان.
والدليل على الوجوب مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتية الواردة في أحكام فروع المسألة هو ارتكاز المتشرعة وثبوت الوجوب عندهم كثبوت سائر أحكام
(الصفحة296)
منى. وينبغي التعرض لبعض الروايات الدالة على الوجوب والجزئية للحج، مثل:
صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهن بليل، فقال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل ولا تفض بهن حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ويمضين إلى مكة في وجوههن ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة، ثم يرجعن إلى البيت ويطفن أسبوعاً، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن. وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل معهن اُسامة(1).
وقيام الدليل على عدم الجزئية في طواف النساء ـ كما يأتي إن شاء الله تعالى ـ لا يلازم عدم الجزئية، بالإضافة إلى المقام ـ كما هو واضح ـ .
إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في الطوائف المذكورة، فنقول:
أما الطائفة الاُولى: وهي النساء. فالظاهر تعين التقصير عليهن لا للإجماع المدعى ـ كما ادعاه العلامة ـ ولا لعدم وجدان الخلاف الذي ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) بل لأن العبادات المركبة لابد في بيان أجزائها من مراجعة الدليل، خصوصاً في باب الحج الذي لا تناسب بين أجزائه عندنا. فأيّة مناسبة بين الطواف الذي يقع حول البيت وبين الوقوف بعرفة مثلا؟
فاللازم الرجوع إلى الدليل وفي موارد قيامه فإما أن نرى إلغاء الخصوصية كخصوصية الرجولية من قوله (عليه السلام) : رجل شك بين الثلاث والأربع مثلا، وإما أن
(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح2.
(الصفحة297)
لانرى إلغاء الخصوصية. وفي المقام لم ينهض الدليل في النساء إلاّ بالاضافة إلى التقصير. ولا مجال لإلغاء الخصوصية بعد كون شعر الرأس في النساء بمنزلة اللحية في الرجال.
وكيف كان ففي مرسلة عامية مذكورة في كتاب كنز العمال، إنه نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن أن تحلّق المرأة رأسها، ولم يقع فيها التقييد بالحج ولا بالمصيبة الموجبة له، بل ظاهرها الإطلاق، وهو غير مفتى به.
وفي رواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث، قال: وتقصر المرأة ويحلّق الرجل وإن شاء قصّر إن كان قد حج قبل ذلك(1).
والحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير(2).
ورواية حماد ومحمد عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: ياعلي ليس على النساء جمعة ـ إلى أن قال: ـ ولا إستلام الحجر ولا حلق(3). وغير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
وأما الطائفة الثانية: وهي الصرورة، وقد احتاط فيها في المتن وجوباً بالحلق.
ولابد من الكلام فيها في مقامين:
المقام الأول: في موضوعها. ويظهر من المتن تبعاً للنصوص والفتاوى أنه هو الذي أول حجه ولم يحج بعد،من دون فرق بين أن كان الحج الذي أتى به وتحقق منه هي حجة الإسلام، أم كان غيرها من الحج الإستيجاري وغيره.
(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثامن، ح2.
(2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثامن، ح3.
(3) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثامن، ح4.
(الصفحة298)
نعم يظهر من بعض الروايات أنه هو الذي لم يأت بحجة الإسلام بعد. مثل رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: على الصرورة أن يحلّق رأسه ولا يقصّر، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام(1). لكنها ضعيفة على كلا الطريقين المنقولين. فالظاهر حينئذ أن الصرورة مطلق من لم يحج، كما سيأتي التعبير عنه بذلك في الروايات.
المقام الثاني: في حكمها. فالمشهور التخيير. ولكن المحكي عن الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة تعين الحلق عليها. قال المحقق في الشرايع بعد الحكم باستحباب الحلق على الجميع، بتأكد الاستحباب في حق الصرورة. ولابد من ملاحظة الأدلة.
فنقول: قال الله تعالى في الكتاب العزيز: (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلَنَّ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إنْ شاءَاللهُ آمِنيِنَ مُحَلِّقيِنَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ...) (2) قال بعض الأعلام في مفاد الآية تبعاً للأردبيلي (قدس سره) في آيات أحكامه: إن الله تعالى وعد المسلمين بأنهم يدخلون المسجد الحرام في حال كونهم بين محلق ومقصر. وهذا لا ينطبق إلاّ على دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ عن مناسك منى في الحج، وحج المسلمين الذين حجوا مع النبي في تلك السنة كان حج صرورة إذ لم يحجوا قبل ذلك ومع ذلك. خيرهم الله بين الحلق والتقصير.
ومن الواضح أن الحج مع النبي لم يكن إلاّ في حجة الوداع لأن الله تعالى لما أرى
(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب التاسع، ح5.
(2)
سورة الفتح، (48): 27 .
(الصفحة299)
نبيه في المدينة بالمنام أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فأخبر بذلك أصحابه فانصرفوا إلى مكة لأداء العمرة المفردة في السنة السادسة من الهجرة، فلما وصل هو وأصحابه إلى الحديبية، منعهم المشركون من دخول مكة، ووقع بينهما الصلح ـ المعروف بصلح الحديبية ـ المتضمن لعدم دخول المسلمين في السنة المذكورة إلى مكة وجواز أن يدخلوها في السنة القادمة، فلما كان ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة، اعتمروا ودخلوا المسجد الحرام ـ كما هو مقتضى الصلح ـ ومن الواضح أن العمرة سواء كانت عمرة التمتع أو عمرة مفردة ليس فيها الحلق. فلابد من حمل الآية على الحج، وهي تدل على التخيير بين الحلق والتقصير. لأن المسلمين كلهم كانوا في ذلك الحج صرورة غير جائين بالحج.
ويرد عليه أن الآية وإن كانت تدل على مشروعية الحلق والتقصير، وأن لا تكون بصدد بيان الحكم في نفسه، إلاّ أن دلالتها على أصل المشروعية ظاهرة لا ريب فيها، وظاهرها وإن كان هو الجمع بين الأمرين مع أن من المقطوع فتوى عدمه.
فتحمل الآية على التبعيض ومشروعيته، إلاّ أنه لم يقم دليل على أن المسلمين كانوا بأجمعهم في ذلك الحج صرورة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه غير صرورة قطعاً، ودخوله في الآية وفي مسجد الحرام مسلّم كتسلّم دخوله (صلى الله عليه وآله) في عنوان أهل البيت في آية التطهير. مع أن الالتزام بعدم إتيان المسلمين (أي: مسلمي المدينة) الحج رأساً مشكل، لعدم إمكان الالتزام بعدم إتيانهم الحج ولو قبل الإسلام. وليس الصرورة إلاّ من كان أول حجه.
(الصفحة300)
خصوصاً مع ملاحظة الرواية الصحيحة التي أوردها صاحب الجواهر في آخر بحث الحج، وتدل على أن هذا البيت يحج قبل آدم (عليه السلام) بألفي عام. مع أن الالتزام بكون شأن نزول الآية هي حجة الوداع أيضاً مشكل. خصوصاً مع احتمال تحقق رؤية النبي الرؤيا بعد الإحرام الذي شروعه في المدينة من مسجد الشجرة. فإن ظاهرها حينئذ الدخول في نفس الإحرام الذي أحرموا به لا في حجة الوداع التي يمكن أن يقال بعدم دلالة الآية على كون دخول مسجد الحرام في عامها، لعدم ذكر العام وما يشابهه أصلا.
وكيف كان فالآية تدل على المشروعية. ولا مجال للالتزام بالجمع، فالتبعيض هنا متحقق. ولا يكون بلحاظ الرجال والنساء بعد عدم الإتيان بضمير النساء في مقصرين، فتأمل، كما عرفت أنه لا يكون بلحاظ الصرورة وغيرها.
فالإنصاف أن الاستفادة من الآية في مسألتنا هذه مشكل جداً. فلابد من ملاحظة الروايات الواردة. فنقول: إن ما استدل به على تعين الحلق على الصرورة كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي للصرورة أن يحلّق وإن كان قد حج. فإن شاء قصّر وإن شاء حلّق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق وليس له التقصير.(1) والرواية وإن كانت خالية عن الإشكال من جهة السند، إلاّ أن ذيلها الوارد في من لبد شعره أو عقصه الدال على تعين الحلق عليه، قرينة على عدم كون المراد به ينبغي في الصدر هو التعين، وإن كان في نفسه محتملا لذلك،
(1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح1.
|