تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة
كتاب الطهارة
فصل في المياه
تأليف : آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني دام ظلّه
الصفحة 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا الموسوم بـ «تفصيل الشريعة» في شرح «تحرير الوسيلة» للزعيم الأعظم والمجدِّد الأكبر الإمام الخميني أدام الله أظلاله الوارفة على رؤوس المسلمين جميعاً يشتمل على البحث عن كتاب المياه وأقسامها وأحكامها ووفقت لتأليفه في بلدة «يزد» حينما كنت مقيماً فيها بالإقامة الإجبارية ولا أقدر بل ولا يقدر على شكر نعمة الله تبارك وتعالى على الشعب المسلم الإيراني حيث أخرجهم عن سلطة الطاغوت وأيقظهم عن نومة الغفلة ورفع عنهم أيدي الجبابرة وقطع أصول الاستعمار الحاكم على المملكة بيد من هو أقدر الجبّارين وأكبر المستعمرين وأشدّ الظالمين وهو الدولة الحاكمة على أمريكا وكان هذا التوفيق العظيم من بركة الروحانية الشيعية سيما زعيمها الأعظم الإمام الخميني مدّ ظلّه الذي لا يقدر التاريخ على إراءة مثله كما انّه لا يشهد بمثل الثورة الإسلامية الواقعة في إيران ببركة الدين الحنيف والروحانية العظيمة فنسأل الله تبارك وتعالى التوفيق لإدامة الثورة واصدارها إلى الممالك الأخرى وأن يحفظ إمامنا ويؤيّده بتأييداته ويغلب الإسلام على الكفر والمسلمين على الكفّار بحقّ وليّه الامام المنتظر
الصفحة 3
الحجّة الثاني عشر عجّل الله تبارك وتعالى فرجه الشريف.
قم الحوزة العلمية محمد الفاضل 27 رجب / 1400
الصفحة 4
الماء امّا مطلق أو مضاف كالمعتصر من الأجسام كماء الرقي والرمان، والممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء كماء السكر والملح. والمطلق أقسام: الجاري والنابع بغير جريان، والبئر والمطر والواتف ويقال له: الراكد1.
1 ـ والمراد من كتاب الطهارة مجموع المباحث المناسبة مع الطهارة وإن لم تكن عرضاً ذاتياً لأفعال المكلّفين فالبحث عن المياه ـ حكماً وموضوعاً ـ الذي هو أحد الأركان لهذا الكتاب يعدّ من مسائله مع عدم ارتباطه بفعل المكلّف إلاّ بواسطة أو أزيد.
ثمّ إنّه قد قسّم الماء إلى مطلق ومضاف ولكنّه بملاحظة تعريف الماء المضاف ومعناه كما سيجيء يظهر انّ هذا التقسيم ليس على سبيل الحقيقة بحيث يكون المقسم هو المعنى الحقيقي للفظ «الماء» ضرورة انّ الماء المضاف لا يطلق عليه عنوان المقسم من دون قيد، على نحو الحقيقة، وهذه هي القرينة الموجبة لصرف التقسيم عمّا هو ظاهره من كون المقسم هو اللفظ بمعناه الحقيقي فلا يرد انّ ظاهر التقسيم مخالف لما ذكره ونظير ذلك تقسيم الأمر إلى الوجوبي والاستحبابي بناء على اختصاصه بمعناه الحقيقي بالوجوب وتقسيم العبادة إلى الصحيحة والفاسدة بناء على اختصاص ألفاظها وأساميها بخصوص الصحيحة وغير ذلك.
ثمّ إنّه قد عرّف المحقّق(قدس سره) في الشرائع الماء المطلق بأنّه: «عبارة عن كلّ ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة» وبقرينة المقابلة يعرف انّ المضاف ما لا يكون كذلك بمعنى انّه يستحق إطلاق اسم الماء عليه مقيّداً بالإضافة فما لا يستحق إطلاق اسم الماء عليه بوجه لا يكون مضافاً وهذا كما في الدهن والدبس وأشباههما فإنّ إطلاق لفظ الماء عليهما بنحو الحقيقة غير مستقيم ولو مع الإضافة، كما أنّ ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه مع الإضافة ولكنّه لم يكن مقيّداً بها لا يكون مضافاً
الصفحة 5
بل مطلقاً وهذا كما في مثل ماء البحر وماء الكوز وماء البئر، فالمضاف ـ حينئذـ ما يكون مشتملاً على خصوصيتين: إحداهما استحقاق إطلاق لفظ الماء عليه. وثانيتهما كون الإطلاق مقيّداً بالإضافة بحيث لا يكاد يعرف من دونها أصلاً وهذا كماء الرمّان وماء الورد وأشباههما.
وقد انقدح ممّا ذكرنا الفرق بين مثل ماء البحر ومثل ماء الرمّان فإنّ الإطلاق في الأوّل لا يكون مقيّداً بالإضافة ضرورة انّ ماء البحر ماء حقيقة ويطلق عليه العنوان من دون إضافة على غير نحو العناية والمسامحة، وامّا في الثاني فلا يكون كذلك فإنّ ماء الرمّان لا يطلق عليه الماء من دون إضافة كذلك.
ثمّ إنّه قد يكون للمضاف اسم واحد ولكنّه لم يخرج عن استحقاق الإطلاق مع الإضافة بمعنى انّه يطلق عليه الماء مع الإضافة أيضاً وهذا كما في الماء الممتزج بالسكر مثلاً فإنّه مع كونه مسمّى باسم واحد كالشربة بالفارسية لكنّه لم يخرج عن استحقاق إطلاق «ماء السكر» عليه فهو أيضاً مضاف يلحقه أحكامه.
ثمّ إنّه قد قسّم الماء المطلق في المتن إلى أقسام مذكورة فيه، والمعروف بين الأصحاب ـ قدّس الله أسرارهم ـ تقسيمه إلى أقسام ثلاثة: الجاري وماء البئر، والمحقون، وتقسيم المحقون إلى كر وقليل والظاهر انّ ذلك التقسيم إنّما هو بلحاظ خصوص مياه الأرض وإلاّ فلا يكون وجه لعدم التعرّض لماء المطر مع أنّه عنوان مستقل وله أحكام خاصة والتقسيم في مثل المتن إنّما يعمّ جميع المياه ولكنّه يرد على المتن بعد ملاحظة انّ هذا التقسيم لا يكون ناظراً إلى خصوص الانفعال وعدمه من الأحكام المترتّبة على الماء المطلق والشاهد عليه جعل الراكد قسماً واحداً من دون نظر إلى انقسامه إلى الكرّ والقليل انّه لا وجه لعدم عدّ ماء الحمّام من جملة الأقسام بعد كونه أيضاً موضوعاً خاصّاً وعنواناً مستقلاًّ يترتّب عليه بعض الأحكام.
الصفحة 6
نعم يمكن أن يقال: إنّ الشاهد المذكور يدلّ على عدم النظر إلى الانفعال وعدمه أصلاً وحيث إنّ ماء الحمّام لا يكون له حكم سوى عدم الانفعال الذي يترتّب على الكرّ أيضاً فلذا لم يتعرّض له.
وبعبارة اُخرى الوجه في عدم التعرّض لماء الحمّام هو الوجه في عدم التعرّض لعنوان الكر فلا يرد إشكال على المتن.
ولكنّه مخدوش مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون لماء الحمّام بعض الأحكام الاُخر ولابدّ من ملاحظة مباحثه التي ستجيء إن شاء الله تعالى ـ بأنّ عدم النظر إلى الانفعال وعدمه مع كونهما من الأحكام المعروفة البارزة للماء ممّا لا يستقيم بوجه أصلاً.
نعم عدّ النابع غير الجاري قسماً واحداً في مقابل الجاري والبئر إنّما هو لأجل خروجه عن عنوانهما عن الأحكام الخاصة المترتّبة على العنوانين كما سيظهر إن شاء الله تعالى فانتظر.
الصفحة 7
مسألة 1 ـ الماء المضاف طاهر في نفسه وغير مطهِّر لا من الحدث ولا من الخبث; ولو لاقى نجساً ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ، نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة ولاقى أسفله النجاسة تختص بموضع الملاقاة وما دونه ولا تسري إلى الفوق1.
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في جهات:
الاُولى: انّه قال المحقّق(قدس سره) في الشرائع: «وكلّه ـ يعني الماء المطلق ـ مزيل للحدث والخبث» وقد ادّعى استفاضة نقل الإجماع على هذه الكلية بل الضرورة والوضوح بحيث لا حاجة معه إلى الاستدلال بشيء آخر ولكنّه حيث إنّ هذه القضية لو ثبتت بنحو العموم لوجب الرجوع إليها في موارد الشكّ في مطهرية ماء أو في كيفية تطهيره وهذه الموارد كثيرة كما سيجيء في ضمن المباحث الآتية ينبغي ملاحظة أدلّتها الاُخرى فنقول: قد استدل لإثباتها بوجوه.
منها: قوله تعالى في سورة الفرقان: (هو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً واناسي كثيراً) بتقريب انّ الطهور صيغة مبالغة من الطاهر، وحيث إنّ الطهارة في مقابل النجاسة غير قابلة للشدّة والضعف فلا محيص من أن يكون المراد به المطهرية للأحداث والأخباث، وهذا المعنى بضميمة انّ كلّ ماء فهو نازل من السماء في أوّل الأمر وان مقام الامتنان يقتضي التعميم لكلّ ماء يثبت المطلوب وهو انّ كلّ ماء مطلق طاهر ومطهر، وربّما يقال: إنّ معنى الطهور بحسب اللغة أو أحد معانيه هو المطهر فيدلّ على طهارته في نفسه بالالتزام كما انّه ربّما يقال: بأنّ أحد معاني الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وعليهما فلا حاجة إلى التقريب الأوّل ويؤيّد هذين القولين إطلاق الطهور على التراب كما ورد في الأخبار.
الصفحة 8
ولكنّه نوقش في الاستدلال بوجوه كثيرة:
مثل انّه قد نقل عن بعض أهل اللغة انّ الطهور بمعنى مجرّد الطاهر، وعليه فلا دلالة للآية على المطهرية بوجه.
وانّه على تقدير كون الطهور صيغة مبالغة لا دلالة فيها على المطهرية بل معناه الظاهر انّ ظهارة الماء أشدّ من طهارة سائر الأجسام فهو طاهر بطهارة شديدة لأنّ الطهارة ذات مراتب متفاوتة ولذا صحّ التفضيل فيها بلفظ أطهر كما في قوله تعالى في سورة هود: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم).
وانّه على تقدير تسليم دلالة الآية على الطاهرية والمطهرية معاً لا دلالة لها أيضاً على المطلوب إذ مقتضاها مطهرية الماء النازل من السماء بنحو الإجمال، ولو سلم فمفادها التعميم لكل ماء نازل من السماء ولا دليل على كون جميع المياه نازلة من السماء ولو في ابتداء الأمر، ووقوع الآية في مقام الامتنان لا يلازم التعميم لكلّ ماء كما هو واضح.
وقد اُجيب عن الإشكال الأوّل بأنّه لو صحّ إطلاق الطهور على مجرّد الطاهر في نفسه لصحّ إطلاقه على مثل الخشب والحجر مع أنّه من الأغلاط الفاحشة. وإطلاقه على التراب إنّما هو لأجل خصوصية فيه موجبة لزوال الحدث وحصول الطهارة وإلاّ لا يكون هذا الإطلاق منحصراً به كما لا يخفى.
وعن الثاني بأنّ استعمال الطهور الذي هي صيغة مبالغة ـ كما هو المفروض ـ بمعنى أشدّ طهارة وكونه أنظف من غيره وإن كان صحيحاً كما في مثل الآية التي استشهد بها إلاّ انّ ذلك في الاُمور الخارجية التي لها واقع فيقال هذا الثوب أطهر من ثوبك، وامّا في الاُمور الاعتبارية التي لا واقع لها إلاّ حكم الشارع واعتباره كما في الطهارة المبحوث عنها في المقام والملكية والزوجية فلا يعقل الاتصاف بالأشدّية
الصفحة 9
والاقوائية فلا يصحّ أن يقال: إن ملكك للدار أشدّ من ملكك للكتاب بل الأمر في الاُمور الاعتبارية يدور دائماً بين الوجود والعدم والنفي والإثبات، وعليه فلا يعقل استعمال الطهور في الآية بمعنى المبالغة.
ولكن هذا الجواب مدفوع بأنّه من الواضح انّ المراد بالطهور في الآية هي الطهارة بالمعنى اللغوي أي ما يكون نظيفاً بحسب نظر العرف والعقلاء من دون فرق بين أن يكون في نظر الشارع نجساً أم لم يكن كذلك وقد اعترف بأنّ الطهارة بهذا المعنى ذات مراتب متفاوتة وقابلة للشدّة والضعف، والدليل على كون الطهارة في الآية هي الطهارة بمعنى النزاهة والنظافة مضافاً إلى أنّ المتفاهم منها عرفاً ذلك ان ترتّب الاحياء والإسقاء إنّما يناسب النظافة لا الطهارة الشرعية كما لا يخفى، هذا ولكن الإشكال الثالث على حاله فالاستدلال بالآية غير تام.
ومنها: قوله تعالى في سورة الأنفال: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وهذه الآية ـ على ما نقل ـ نزلت في وقعة بدر وذلك لأنّ الكفّار سبقوا المسلمين إلى الماء فاضطرّ المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل سيال لا تثبت به الأقدام وأكثرهم خائفون لقلّتهم وكثرة الكفّار لأنّ أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) كانوا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً ومعهم سبعون جملاً يتعاقبون عليها، وفرسان إحداهما للزبير بن العوّام والاُخرى للمقداد بن الأسود، وكان المشركون ألفاً ومعهم أربعمئة فرس وقيل مئتان فبات أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) تلك الليلة على غير ماء فاحتلم أكثرهم فتمثّل لهم إبليس وقال تزعمون انّكم على الحقّ وأنتم تصلّون بالجنابة وعلى غير وضوء وقد اشتدّ عطشكم ولو كنتم على الحق ما سبقوكم إلى الماء وإذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاؤوا فأنزل الله تعالى عليهم المطر وزالت تلك العلل. ومن ملاحظة مورد النزول يظهر الجواب عن الاستدلال بالآية لتلك القضية الكلية مضافاً إلى
الصفحة 10
اشتراكها مع الآية المتقدّمة في بعض الأجوبة.
وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بالآيتين والعمدة في الإشكال دلالتهما على مطهرية الماء النازل من السماء بضميمة عدم قيام الدليل على أنّ كلّ ماء فهو نازل من السماء.
ولكنّه أجاب عن هذا الإشكال بعض الأعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريراته ـ بأنّ هذه المناقشة لا ترجع إلى محصل لما ورد في جملة من الآيات وبعض الروايات من أنّ المياه بأجمعها نازلة من السماء امّا بمعنى انّ الله خلق الماء في السماء فهناك بحار وشطوط ثمّ أنزله إلى الأرض أو بمعنى انّ الله خلق الماء في الأرض إلاّ أنّه بعدما صار أبخرة بإشراق الشمس ونحوه صعد إلى السماء فاجتمع وصار ماء ثمّ نزل إلى الأرض كما هو مذهب الحكماء والفلاسفة وهذا المعنى لا ينافي نزول الماء من السماء; لأنّه بمعنى نزول أمره من السماء كما في قوله تعالى في سورة الحديد: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) قال: «ومن جملة الآيات الدالّة على ما ادّعيناه من نزول المياه بأجمعها من السماء قوله تعالى: (وانّ من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم)(1) وقوله تعالى: (ألم تر انّ الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض)(2) وقوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وانّا على ذهاب به لقادرون)(3) إلى غير ذلك من الآيات فهذه المناقشة ساقطة».
وهذا الكلام وإن لم يكن بخال عن المناقشة من جهة الاستشهاد بآية الحديد مع
1 ـ الحجر : 21 .
2 ـ الزمر : 21 .
3 ـ المؤمنون : 18 .
الصفحة 11
عدم التعرّض فيها للسماء وكذا آية الخزائن إلاّ أنّ أصله تام غير قابل للمناقشة ويدلّ عليه التأمّل في الآيات الكثيرة المشتملة على نزول الماء من السماء الظاهرة في الاختصاص وعددها يتجاوز عن عشرين ويؤيّده بيان الآثار المترتّبة عليه من حياة الأرض بعد موتها وخروج الثمرات والنبات وسيلان الأودية وانّ منه شراب وسائر الآثار والفوائد والخواص، فالمناقشة من هذه الجهة غير تامّة، كما أنّ المناقشة من الجهة التي ذكرناها في الآية الاُولى من كون الطهارة فيها بمعناها اللغوي إنّما تختص بها ولا تجري في الآية الثانية بعد ملاحظة مورد النزول من حصول النجاسة الظاهرية والحدث من البول والاحتلام فتأمّل.
هذا كلّه مقتضى الآيات.
ومنها: ـ أي من الوجوه التي استدلّ بها على أصل الكلّية المذكورة ـ الروايات التي ادّعيت كثرتها والظاهر عدم استفادة العموم منها لأنّ أظهرها في الدلالة ما روي عن أبي عبدالله(عليه السلام) انّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الماء يطهر ولا يطهر. وغير خفي انّ الرواية بقرينة الذيل ليست إلاّ بصدد بيان كونه مطهراً في الجملة في قبال عدم إمكان تطهيره بشيء آخر أو بماء آخر لا بصدد بيان كون الماء مطهراً على نحو الإطلاق ولكن الذي يسهل الخطب بحيث لا يحتاج إلى تكلّف إقامة الدليل عليه كون المطلب إجماعياً لو لم يكن ضرورياً فتدبّر جيّداً.
الجهة الثانية: في حكم الماء المضاف من حيث كونه طاهراً ومطهراً وعدمه، قال المحقّق في الشرائع: «وهو طاهر لكن لا يزيل حدثاً إجماعاً ولا خبثاً على الأظهر».
أقول: امّا طهارته فلا ينبغي الإشكال فيها فيما إذا كان أصله طاهراً كما إذا أخذ من رمّان طاهر، وامّا إذا كان المضاف إليه نجساً أو متنجّساً فلا ريب في أنّه محكوم بالنجاسة.
الصفحة 12
وامّا عدم ارتفاع الحدث به فلا خلاف فيه نصاً وفتوى وقد ادّعى المحقّق عليه الإجماع مضافاً إلى دلالة الأصل عليه فلا اعتماد ـ حينئذ ـ على بعض الروايات الواردة على خلافه مثل ما روي عن أبي الحسن(عليه السلام) من جواز الاغتسال والتوضّي بماء الورد. وقد حكي عن الصدوق الفتوى على طبقه، لكن عن الشيخ(قدس سره) انّه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. مضافاً إلى كونه موافقاً للعامة ومخالفاً للكتاب حيث إنّه أوجب التيمّم عند عدم وجدان الماء بقوله تعالى في سورة المائدة: (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيّباً) فإنّ مقتضى ظاهره انّ عدم وجدان الماء المطلق بمجرّده موجب لتبدّل الحكم والانتقال إلى التيمّم فالرواية مخالفة له كما هو واضح.
وقد نوقش في الرواية من جهات اُخر ترجع إلى السند والدلالة مثل عدم ظهور كون الاغتسال والتوضّي في الرواية بمعناهما المصطلح واحتمال كون المراد هو المعنى اللغوي ومثل عدم ثبوت كون ماء الورد ماءً مضافاً مطلقاً بل له أقسام أكثرها غير خارج عن الماء المطلق، بل لم يوجد الفرد المضاف في الأعصار المتأخّرة، ولعلّه لم يكن موجوداً في زمان الأئمّة (عليهم السلام) وعلى تقدير إطلاق الرواية يقع التعارض بينها وبين الكتاب بالعموم من وجه وتسقط الرواية في مادّة الاجتماع لأجل المعارضة مع الكتاب ومثل انّه يمكن أن يكون الورد بكسر الواو والمراد الماء الي ترد فيه الدواب ويحتمل ـ حينئذ ـ أن يصير نجساً. ولكن الظاهر انّ هذه المناقشات جلّها لولا كلّها مدفوعة فتدبّر.
وهنا رواية اُخرى واردة في النبيذ رواها الشيخ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العبّاس عن عبدالله بن المغيرة عن بعض الصادقين قال: إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضّأ باللبن، إنّما هو الماء أو التيمّم، فإن
الصفحة 13
لم يقدر على الماء وكان نبيذ فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث انّ النبي(صلى الله عليه وآله) قد توضّأ بنبيذ ولم يقدر على الماء. قال الشيخ(قدس سره) : «أجمعت العصابة على أنّه لا يجوز الوضوء بالنبيذ» لكن عن ابن أبي عقيل الفتوى بالجواز استناداً إلى الرواية.
وقد اُجيب عنها: بأنّه ليس المراد بالنبيذ فيها هو النبيذ المعروف الذي يكون نجساً، بل المراد به ما بيّنه الإمام(عليه السلام) في رواية الكلبي النسّابة المنقولة في الوسائل بعد هذه الرواية من أنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) تغيّر الماء وفساد طبائعهم فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره وكان يسع الشن ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك رطلاً عراقياً وكانت الكف مشتملة على واحدة من التمر أو اثنتين. ضرورة انّ النبيذ بهذا المعنى لا يكون خارجاً عن الماء المطلق أصلاً كما لا يخفى.
ولكن تمكن المناقشة في هذا الجواب بأنّه على هذا التقدير لا يكون الحكم بجواز الوضوء به مشروطاً بعدم القدرة على الماا بل يجوز التوضّي به ابتداءً كما في الرواية الدالّة على أنّ منه شربه ومنه طهوره فتخصيص الحكم بالجواز بما إذا لم يقدر على الماء كما في الفتوى والرواية ممّا لا وجه له ـ حينئذ ـ أصلاً:
وربّما يقال في مقام الجواب: إنّه لم يعلم أنّ المراد ببعض الصادقين هو الإمام(عليه السلام); لأنّ الظاهر كون الصادقين بصيغة الجمع وإطلاقه على الأئمّة(عليهم السلام) غير معهود، نعم الصادقين بصيغة التثنية يطلق على الإمامين الهمامين الباقر وابنه الصادق(عليهما السلام)ويؤيّده ذيلها المشتمل على النقل عن حريز ولو فرض عدم ثبوت كون الذيل من الإمام بملاحظة النقل يسقط عن الاعتبار لأنّه لا يمكن لحريز النقل عن النبي من دون واسطة وهو غير معلوم على أنّه لو فرض تسليم جميع ذلك لم يثبت كون ما
الصفحة 14
نقله الإمام(عليه السلام) عن حريز مورداً لامضائه وإلاّ لما كان وجه لاسناده إلى حريز بل كان يحكم بعدم البأس من قبله، فاسناده إليه مشعر بعدم رضائه وانّه نقله تقية.
والحق انّ اضطراب متن الرواية ومناقضة صدرها وذيلها مانع عن الأخذ بها خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي يكون خلافه مجمعاً عليه بين الأصحاب لو لم يبلغ الضرورة، والمناقضة إنّما هي باعتبار دلالة صدر الرواية على انحصار الحكم بالماء أو التيمّم في مورد فرض عدم القدرة على الماء، وعليه فكيف يجتمع معه الحكم بجواز الوضوء بالنبيذ في هذا الفرض مع ظهورها في عدم كونه ماء ولا تراباً كما لا يخفى. هذا كلّه فيما يتعلّق بعدم ارتفاع الحدث بالماء المضاف.
وامّا عدم ارتفاع الخبث به فهو المشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع، نعم قد ينقل الخلاف عن المفيد والسيّد(قدس سرهما) كما أنّه ربّما يعدّ المحدِّث الكاشاني(قدس سره) موافقاً لهما ولكنّه لا يخفى انّ خلافه راجع إلى أمر آخر وهو انّه لا يجب الاجتناب إلاّ عن خصوص الأعيان النجسة وانّ النجس لا يكون منجساً بحيث يجب غسل ملاقيه بعد زوال العين إلاّ في خصوص ما قام الدليل على وجوب غسله بعد الزوال أيضاً كالثوب والبدن فلا يجزي فيه ـ حينئذ ـ إلاّ الماء، وامّا العلمان فذهبا إلى أنّ غسل ملاقي النجاسات وإن كان واجباً شرعاً إلاّ أنّ الغسل لا يلزم أن يكون بالماء بل يجوز الغسل بالمضاف بل بكلّ ما يكفي في إزالة العين فالكلام ـ حينئذ ـ يقع في مقامين:
المقام الأوّل: وجوب غسل ما لاقاه النجس مع الرطوبة وعدمه، وبعبارة اُخرى ملاقاة شيء من الأعيان النجسة مع الرطوبة هل توجب سراية النجاسة إلى الملاقى بالفتح بحيث يجب غسل ذلك الشيء بعد إزالة العين عنه إن كانت منتقلة إليه أو غسله ابتداء مع فرض عدم انتقال العين أو لا توجب السراية بوجه، بل تجب إزالة العين فقط ففي الحقيقة: الواجب هي الإزالة دون الغسل إلاّ فيما قام الدليل
الصفحة 15
الخاص فيه على وجوب الغسل بعد الإزالة كما في الثوب والبدن؟
وملخّص الكلام في المقام: انّ تأثير الأعيان النجسة في نجاسة ملاقيها مع فرض الرطوبة حكم مغروس في أذهان المتشرّعة خلفاً عن سلف، ويظهر أيضاً بالتتبّع في الأخبار فإنّه وإن لم يرد نص على هذا الحكم بعمومه إلاّ أنّ استفادته من الأخبار الواردة في الموارد الجزئية ممّا لا ينبغي أن ينكر فإنّ العرف بعد ملاحظة تلك الأخبار يستفيد عمومية الحكم وجريانه في كلّ شيء نظراً إلى أنّ المناط هي السراية وهي غير مختصّة بتلك الموارد، كيف ولو اقتصر على خصوص تلك الموارد من دون أن يتعدّى عنها يلزم تأسيس فقه جديد.
هذا مضافاً إلى أنّ ما اعترف به في الثوب والبدن من وجوب غسلهما بملاقاتهما مع النجاسة خلاف ما هو ظاهر الدليل فإنّه لم يرد نص على هذا الحكم بعمومه فيهما وإنّما ورد النصّ في الاُمور الجزئية كملاقاة الثوب مع الدم مثلاً، فالواجب ـ حينئذ ـ الاقتصار على خصوص المورد الذي قام عليه الدليل وورد فيه النص من دون أن يجوز التعدّي حتى في الثوب والبدن، ومن المعلوم انّه لا يلتزم به أصلاً.
ولو نوقش فيما ذكرنا من الفهم العرفي والمغروسية في أذهان المتشرّعة يمكن الاستدلال لعدم الاختصاص بما رواه الصدوق باسناده عن عمّار بن موسى الساباطي انّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل يجد في إناءه فأرة وقد توضّأ من ذلك الاناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعدما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة الحديث. فإنّ مورد السؤال وإن كان هو الثوب إلاّ أنّ الحكم في الجواب بلزوم غسل كلّ ما أصابه ذلك الماء خصوصاً بعد الحكم بلزوم غسل الثياب ظاهر في
الصفحة 16
جريان الحكم في كلّ شيء وعدم الاختصاص بالثوب ودعوى احتمال الاختصاص بخصوص الفأرة المتسلّخة أو مطلق الفأرة أو مطلق الميتة واضحة المنع.
المقام الثاني: في لزوم الغسل بالماء المطلق وعدم جوازه بالماء المضاف فضلاً عن غيره وعدمه بعد الفراغ عن وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس وفرض تحقّق السراية وقد عرفت انّ المخالف في هذا المقام هما العلمان المفيد والسيّد(قدس سرهما)حيث ذهبا إلى عدم لزوم الغسل بالماء المطلق.
ويدلّ على القول المشهور ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى استصحاب بقاء النجاسة المفروض حدوثها ـ لأنّ الكلام إنّما هو بعد الفراغ عنه ـ بقائها إلى أن يعلم المزيل وبالغسل بغير الماء لا يتحقّق العلم بالإزالة وحصول الطهارة وقد حقّق في محلّه جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية أيضاً ـ الروايات الكثيرة الواردة في مقامات مختلفة من الثوب والبدن والاناء وغيرها من المتنجسات الدالّة على لزوم غسلها بالماء مرّة أو مرّتين أو مرّات، مع التعفير أو بدونه حسب اختلاف الموارد، ولا مجال للارتياب في دلالتها على عدم كفاية غير الماء في مقام التطهير إلاّ في بعض الموارد كالاستنجاء بالأحجار. ومن المعلوم انّه لا موقع لاحتمال الاختصاص بتلك الموارد بل المستفاد منها ولو بضميمة عدم القول بالفصل عموم الحكم وشموله لجميع المتنجّسات كما لا يخفى.
وامّا العلمان فقد استدلّ على مرامهما بوجوه:
منها: الأخبار الآمرة بالغسل من دون التعرّض لخصوصية المغسول به ـ من الماء أو غيره ـ فإنّ مقتضى إطلاقاتها وعدم التقييد بالماء انّ الواجب مجرّد الغسل وانّه يكفي في مقام تطهير المتنجسات من دون أن يكون هناك خصوصية للماء.
الصفحة 17
والجواب أوّلاً: انّ هذه الأخبار تنصرف عن الغسل بغير الماء لأنّه خارج عن المتعارف، ودعوى انصرافها عن الغسل بمثل ماء الكبريت والنفط أيضاً مع قيام الإجماع على جواز الغسل بهما، مدفوعة بمنع الانصراف لأنّ انصراف الذهن عنه إنّما هو لندرة وجود نظير انصراف الذهن إلى الماء الموجود في بلده ـ مثلاً ـ ومثل ذلك لا يكاد يضرّ بالإطلاق أصلاً وهذا بخلاف الغسل باللبن والخلّ ونظائرهما بل وبماء الورد وماء الرمّان وشبههما فإنّه لا يكون متعارفاً ولا يلتفت إليه المخاطب أصلاً.
وقد انقدح ممّا ذكرنا: انّه ليس الملاك في الانصراف الذي ذكرنا هو ندرة الوجود وقلّة الافراد حتّى يقال كما في شرح بعض الأعلام انّ ذلك لا يمنع عن صدق الاسم على الافراد لأنّ الغسل ليس من المفاهيم المشككة حتى يدعى انّ صدقه على بعض أفراده أجلى من بعضها الآخر.
وذلك لأنّ الانصراف كما عرفت لا يدور مدار القلّة والكثرة ولا مدار التشكيك بل مبناه الخروج عن المتعارف وعدم التفات المخاطب بحيث إذا اُريد إفهام الفرد المنصرف عنه لكان اللاّزم التقييد وعدم الاقتصار على الإطلاق، ألا ترى انّه لو غسل ثوبه بماء الرمّان ـ مثلاً ـ هل يجوز عند العقلاء أن يقتصر في مقام الاخبار على قوله: غسلت ثوبي أو لابدّ من التقييد بماء الرمّان وهذا بخلاف الغسل بالماء فتدبّر.
وثانياً: انّ هذه الأخبار على تقدير الإطلاق وعدم الانصراف تقيّد بالأخبار المتقدّمة الدالّة على لزوم الغسل بالماء في الموارد المتعدّدة بعدما عرفت من عدم خصوصية لتلك الموارد حتى عند العلمين، فمقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد تقييدها بها والحكم على طبق المشهور كما هو واضح.
الصفحة 18
هذا ولا يبعد أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق لها من أوّل الأمر رأساً; لعدم كونها في مقام البيان من حيث المغسول به بل في مقام بيان أصل لزوم التطهير والغسل فتأمّل.
ومنها: الإجماع وقد استدلّ به السيّد(قدس سره) لكن المحكي عنه انّه ادّعى الإجماع على أمر كبروي قد طبقه على ما نحن فيه وهو انّ الأصل في كلّ ما لم يدلّ دليل على حرمته أو نجاسته، هو الحلّية والطهارة، وحيث إنّه لم يرد دليل على المنع من تطهير المتنجس بالمضاف فهو أمر جائز وحلال وعلى نجاسة المغسول به فهو طاهر غير نجس.
والجواب ـ مضافاً إلى أنّ البحث ليس في حرمة التطهير بالمضاف ولم يقل بها أحد بل في خصوص بقاء نجاسته وعدمه ـ انّ الكبرى وإن كانت مسلمة إلاّ أنّ التطبيق ليس بإجماعي ولا تام لأنّا ندّعي قيام الدليل على عدم حصول الطهارة وهو الاستصحاب والروايات المتقدّمة بالتقريب الذي عرفت وإن ادّعى أحد انعقاد الإجماع في خصوص المقام فبطلانه معلوم.
ومنها: ما أفاده السيّد(قدس سره) أيضاً من أنّ الغرض من وجوب الغسل في المتنجّسات ليس إلاّ مجرّد إزالة النجاسة عن المحلّ، والإزالة كما تحصل بالغسل بالماء كذلك تتحقّق بالمضاف أو بغيره من المايعات.
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى هذا الوجه عدم لزوم الغسل أصلاً لأنّ مجرّد الإزالة بناء عليه يكفي من أي طريق تحقّقت ولو بالدلك والمسح أو بسبب بعض الجمادات كالحجر وغيره ومرجع ذلك إلى المقام الأوّل الذي كان المخالف فيه هو المحدِّث الكاشاني(قدس سره) ومن المعلوم انّ السيّد لا يلتزم به بل يقول بلزوم تحقّق الغسل والتطهير بعد زوال العين ـ انّه لم يحصل لنا طريق إلى استكشاف الغرض
الصفحة 19
المذكور والفقيه تابع للدليل وقد عرفت انّ مفاده لزوم التطهير بالماء فهذا الوجه مصادرة محضة.
ومنها: الرواية وقد استدلّ بها المفيد(قدس سره) حيث قال بعد حكمه بجواز الغسل بالمضاف: «إنّ ذلك مروي عن الأئمّة (عليهم السلام)» والظاهر انّ مراده منها هي رواية واحدة لا جنسها الصادق على أزيد وانّها هي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله(عليه السلام)عن أبيه عن علي(عليه السلام) قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق.
ولكنّه يرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى المناقشة في السند بل ضعفه ـ انّها أخصّ من المدعى لورودها في الدم والبصاق فلا دلالة لها على جريان الحكم في غير الدم من سائر النجاسات ولا غير البصاق من المايعات بل مقتضى هذه الرواية على طريق آخر انّه لا يغسل بالبصاق غير الدم كما في مرسلة الكليني أيضاً. ومن الواضح انّها بأجمعها رواية واحدة ولا يكون هناك تعدّد أصلاً ومعه لا يعلم انّ الصادر هل هو على النحو الأوّل أو الثاني وإن جعلها في الوسائل روايات متعدّدة كما هو دأبه في الموارد الكثيرة ومع ذلك فالرواية معرض عنها عند الأصحاب ولا تكون قابلة للاعتماد بوجه. مضافاً إلى أنّه لا يمكن ـ عادة ـ تطهير الدم بالبصاق بحيث كان جامعاً لشرائطه إلاّ إذا كان الدم قليلاً كما هو غير خفي.
فانقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام بطلان الوجوه التي استند إليها لمرام العلمين وإنّ مقتضى التحقيق هو ما ذهب إليه المشهور بلا ارتياب في البين.
الجهة الثالثة: في أنّ المضاف ينجس بمجرّد الاملاقاة ولو كان ألف كرّ. قال المحقّق في الشرائع: «ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره» ومرجع الضمير هو الماء المضاف.
أقول: امّا أصل انفعال الماء المضاف بمجرّد الملاقاة في الجملة فممّا وقع التسالم
الصفحة 20
عليه ولم يستشكل فيه أحد من الأصحاب.
وامّا إطلاق الحكم وشموله لما إذا كان كثيراً فمضافاً إلى الإجماع الذي نقله كثير من الأصحاب بحيث يظنّ بل يقطع بتحقّقه يدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فإن كان جامداً فالقها وما يليها، وكلّ ما بقى، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك.
ودلالتها على عدم الفرق بين الكثير والقليل من السمن وكذا الزيت فيما إذا كانا ذائبين وانّ مجرّد الملاقاة توجب النجاسة ممّا لا إشكال فيه، فإنّ الإمام(عليه السلام) إنّما رتّب حرمة الأكل الملازمة للنجاسة في مثل المقام على طبيعة السمن في صورة الذوبان والميعان من دون أخذ قيد فيه من الظرف أو المقدار أو غيرهما من الخصوصيات، فإطلاقه يشمل ما إذا كان السمن كثيراً خصوصاً بعد ملاحظة انّه لم يقع ذلك جواباً لسؤال حتى يصير ذلك قرينة على عدم إرادة الإطلاق بل إنّما هو حكم ابتدائي صادر من الإمام(عليه السلام) وظاهره انّ موضوع ذلك الحكم هي نفس طبيعة السمن إذا كان ذائباً وكذا الزيت فاحتمال مدخلية القلّة في ترتّب الحكم لا وجه له مع ثبوت الإطلاق وعدم قرينة على التقييد، ودعوى الانصراف عن السمن والزيت الكثيرين مدفوعة بأنّها مجرّد ادّعاء لا بيّنة لها أصلاً كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا إشكال في عدم اختصاص الحكم المذكور في الرواية بخصوص الزيت والسمن بل يشمل جميع المايعات ما عدى الماء المطلق، وتوهّم الاختصاص ـ كما في الحدائق ـ حيث قال في مقام الإشكال على الاستدلال بالرواية لعدم الاختصاص: «هذا الاستدلال بمكان من الضعف إذ مورد الرواية ليس ممّا نحن فيه فإنّ المضاف في اصطلاحهم لا يشمل مثل الدهن والزيت وقياسه عليهما باعتبار الاشتراك في الميعان باطل عندنا، امّا أوّلاً فلعدم بناء الأحكام على القياس، وامّا ثانياً فلعدم
|