في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 321

الحلّية مضافاً إلى جريان الاستصحاب في بعض الفروض فلا مانع من الصلاة فيه وإن كان الترك مقتضى الاحتياط الذي يحسن على كلّ حال .

كما انّ القائل بالاحتياط اللزومي كسيّدنا الاستاذ (قدس سره) قد نفى البعد عن جواز الاعتماد على اخبار البائع المسلم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول لبناء العقلاء على الاعتماد على قول ذي اليد فيما يتعلّق بما في يده من الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة والقلّة والكثرة وغير ذلك من الاُمور المتعلّقة به مع تأييد هذا البناء بما ورد في الاخبار من بيان حكم الصلاة في وبر الأرانب والثعاب والفنك ونحوها; لأنّ من المعلوم انّ أكثر أهل العرف لا يميّزون وبر الأرانب ـ مثلاً ـ عن غيره إلاّ باخبار صاحبه فالعمدة في تشخيصه هو قول ذي اليد فيجب ترتيب الآثار عليه .

وكذا نفى البعد عن القول بجواز الصلاة في الثوب الذي يحتمل وقوع شعرات غير المأكول أو رطوباته عليه لاستقرار السيرة على الصلاة في مثله من دون تفحص وتتبّع عن وجودها وهذا بخلاف الصلاة في الثوب الذي علم بوجود الشعر فيه ولكن احتمل أن يكون من غير المأكول لعدم ثبوت السيرة في هذه الصورة .

أقول : الظاهر انّ الاعتماد على قول ذي اليد لا يتوقّف على كونه مسلماً فإنّه لا فرق في بناء العقلاء على الاعتماد عليه بين المسلم والكافر ، نعم الاختلاف بينهما إنّما هو بالإضافة إلى نفس اليد في بعض الموارد كالميتة والمذكى على ما عرفت مفصّلاً .

كما انّ الظاهر انّ استقرار السيرة على الصلاة في الفرض الأوّل ليس لخصوصية فيه ، بل لأجل عدم كون الاحتمال بمجرّده مانعاً عن جواز الصلاة فيه فلا فرق بينها وبين الصورة الثانية أصلاً ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بحكم الصلاة في اللباس المشكوك فيه والحمد لله أوّلاً وآخراً .

الصفحة 322

مسألة 11 ـ لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممتزج واجزاء مثل البق والبرغوث والزنبور ونحوها ممّا لا لحم لها ، وكذلك الصدف 1 .

1 ـ امّا أجزاء الحيوانات التي لا لحم لها فمن هذه الحيثية الكلّية قد تقدّم البحث عنها في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع ، وامّا من غير هذه الجهة فقد تحقّق الإجماع في الحرير المحض ودم البق والبراغيث والقمل مضافاً إلى صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله .

ورواية محمد بن ريان قال : كتبت إلى الرجل (عليه السلام)  : هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلّي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع (عليه السلام)  : يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل .

وصحيحة علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز وانّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه فكتب : لا بأس به مطلق والحمد لله . وذكر الصدوق ـ عليه الرحمة ـ بعد نقل الرواية : «قال الصدوق : وذلك إذا لم يكن القرمز من ابريسم محض والذي نهى عنه ما كان من ابريسم محض . وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .

وامّا الصدف فقد علّل الجواز فيه في «العروة» بعدم معلومية كونه جزء من الحيوان وعلى تقديره لم يعلم كونه ذا لحم ، وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : لا يحلّ أكل الجرّي ولا السلحفاة ولا السرطان قال : وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال : ذلك لحم الضفادع (و ـ خ ل) لا يحلّ أكله . ولا منافاة بينها وبين التعليل المذكور; لأنّ مجرّد انعقاد اللحم

الصفحة 323

في الصدف وكونه ظرفاً له لا يوجب أن يكون الصدف جزء من اللحم أو من الحيوان كما لا يخفى .

وتظهر من الرواية ظرفية الصدف للحم الضفادع ، وعليه فالظاهر انّ الصدف الذي هو ظرف للّؤلؤ ـ الذي نفى الإشكال في العروة عن الصلاة فيه معلّلاً بعدم كونه جزء من الحيوان ـ غير الصدف الذي هو ظرف اللحم المذكور كما انّه لو فرض الإشكال في الصدف فلا يلازم ذلك الإشكال في اللؤلؤ أصلاً .

الصفحة 324

مسألة 12 ـ استثنى ممّا لا يؤكل الخز وكذا السنجاب على الأقوى ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الثاني ، وما يسمّونه الآن بالخز ولم يعلم انّه منه واشتبه حاله لا بأس به ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه 1 .

1 ـ امّا الكلام في الخز فنقول : قد تطابقت الفتاوى والنصوص على استثنائه عن عموم الأدلّة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول وعلى صحّة الصلاة فيه ولكن مورد تطابقهما هو وبر الخز الخالص ، ولفظ الوبر وإن لم يكن مذكوراً في عبارات القدماء من الأصحاب ، بل المذكور فيها هو الخز الخالص إلاّ انّ ما يتصوّر فيه هذا الوصف ومقابله إنّما هو الوبر دون الجلد ضرورة انّه لا يتصوّر فيه المغشوشية بوجه فهذا الوصف راجع إلى خصوص الوبر والغرض منه الاحتراز عمّا إذا كان له خليط مثل وبر الأرانب والثعالب ، واحتمال كون المستثنى شاملاً للجلد أيضاً والوصف راجعاً إلى خصوص الوبر في كمال البعد .

وكيف كان فاستثناء الوبر ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، وامّا الجلد فالمعروف خصوصاً بين المتأخّرين استثنائه أيضاً لكن المحكي عن ابن إدريس والعلاّمة في كتابي التحرير والمنتهى التفصيل بين الوبر والجلد .

ولابدّ أوّلاً من بيان الموضوع وتنقيح معنى الخز لكثرة الاختلاف في ذلك بين الفقهاء ـ رض ـ فنقول :

قال في لسان العرب : «الخزز : ولد الأرانب ، وقيل : هو الذكر من الأرانب والجمع أخزة وخزان مثل صرد وصردان ، وأرض مخزّة كثيرة الخزان . والخز معروف من الثياب مشتق منه عربي صحيح وهو من الجواهر الموصوف بها ، حكى سيبويه : مررت بسرج خز صفته قال والرفع الوجه ، يذهب إلى أنّ كونه جوهراً هو الأصل ، قال ابن جنّي : وهذا ممّا سمّى فيه البعض باسم الجملة كما ذهب إليه في

الصفحة 325

قولهم : هذا خاتم حديد ونحوه . والجمع خزوز ومنه قول بعضهم : فإذا اعرابي يرفل في الخزوز وبايعه خزاز . وفي حديث علي (عليه السلام) نهى عن ركوب الخز والجلوس عليه . قال ابنالأثير : الخز المعروف أوّلاً ثياب تنسج من صوف وابريسم وهي مباحة قال : وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبّه بالعجم وزيّ المترفين ، قال : وإن اُريد بالخز النوع الآخر وهو المعروف الآن فهو حرام; لأنّه كلّه معمول من الابريسم قال : وعليه يحمل الحديث الآخر ، قوم يستحلّون الخز والحرير» .

وليس في كلامه وكذا كلام ابن الأثير ـ الذي حكاه ـ إشعار بكون الخزّ حيواناً أو انّه الثوب المأخوذ من حيوان خاصّ أصلاً ونظيره كلام «المنجد» حيث قال : «الخز ، الحرير ، ما نسج من صوف وحرير جمع خزوز» والخزز ذكر الأرانب جمع خزان وأخزة ، والخزاز بايع الخز ، والمنخزة موضع الأرانب .

نعم ذكر في معنى «القندس» الذي حكى المحقّق في المعتبر عن جماعة من التجّارانّه هو الخزّ وإن لم يثبت عنده ، انّه نوع من الحيوانات المائية له ذنب مفلطح قوي ولون أحمر قاتم يتّخذ منه الفراء .

وقال الفيومي في المصباح; «الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتّخذ من وبرها والجمع خزوز مثل فلس وفلوس ، والخزز الذكر من الأرانب والجمع خزان كصرد وصردان» .

وقال في ترجمة قاموس : «خزاز جامه ها بفتح اول معروف است و جمع آن خزوز بر وزن سرور مى آيد ـ مترجم گويد كه خز جانوريست مانند سمور كه از پوست آن پوستين وغير آن ساخته مى شود و ممكن است كه مراد از جامه خز همين باشد يا آنكه از موى آن جامه مى بافند يا آنكه خز جامه ابريشمين را

الصفحة 326

مى گويند ـ إلى أن قال : وخزز بر وزن صرد يعنى نر خزگوشان و جمع آن خزان و اخزة مى آيد و جاى خرگوشها مخزه است ، و از اين اشتقاق شده است خز و آن حيوانى شبيه به نر خرگوش است كه از پوست آن پوستين مى بافند كه مذكور شد» .

وقال في منتهى الارب : «خز بالفتح جانوريست و جامه از پشم آن جمع خزوز ، و خزز كصرد خرگوش نر جمع خزان و اخزه ومنه اشتق الخز» .

وقال في برهان قاطع : «خز با تشديد ثانى در عربى جانوريست معروف كه از پوست آن پوستين سازند و جامه ابريشمى را نيز گفته اند» .

والمستفاد من المصباح ومن بعده انّه حيوان يؤخذ من صوفه أو وبره أو شعره الثوب وإنّ إطلاقه على الثوب إنّما هو بلحاظه ولكن ليس في شيء منها إشعار بكونه من الحيوانات المائية ، بل ظاهرها عدم كونه منها ، نعم قد عرفت من «المنجد» في تفسير «القندس» انّه نوع من الحيوانات المائية .

ويدلّ على ذلك أيضاً روايات :

منها : ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن عبدالله بن إسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب (غريب ـ خ ل) عن ابن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له : جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل : جعلت فداك انّه ميّت وهو علاجي وأنا أعرفه فقال له أبو عبدالله (عليه السلام)  : أنا أعرَف به منك ، فقال له الرجل : إنّه علاجي وليس أحد أعرف به منّي ، فتبسّم أبو عبدالله (عليه السلام) ثمّ قال له : أتقول انّه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل : صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال له أبو

الصفحة 327

عبدالله (عليه السلام) : فإنّك تقول : انّه دابة تمشي على أربع وليس هو في حدّ الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل : أي والله هكذا أقول ، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام)  : فإنّ الله تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها .

والظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) في الذيل : فإنّ الله تعالى أحلّه هي ـ حلّية استعمال جلده ووبره والانتفاع بهما في الصلاة واللبس لا حلّية أكل لحمه كحلّية لحم الحيتان وذلك مضافاً إلى تحقّق الإجماع على حرمة الحيوانات المائية عدى السمك الذي له فلس يكون نفس استثناء الخز في الفتاوى عن عموم الأدلّة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول دليلاً على كون الخز محرم الأكل وإلاّ يصير الاستثناء منقطعاً ولا مجال له في مثل المقام ممّا كان المقصود بيان الأحكام كما لايخفى .

هذا ولكن الرواية ضعيفة السند جدّاً ; لأنّه مضافاً إلى انحصار النقل عن قريب بهذه الرواية وعدم وجوده في شيء من روايات العامّة والخاصّة يكون بعض رواتها مجهولاً وبعضها غير موثق والبعض الثالث مرمياً بالغلو فلا مجال للاعتماد عليها بوجه .

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سأل أبا عبدالله (عليه السلام) رجل وأنا عنده عن جلود الخز فقال : ليس بها بأس ، فقال الرجل : جعلت فداك انّها علاجي (في بلادي) وإنّما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل : لا ، قال : ليس به بأس .

فإنّ ظهورهما في كونه حيواناً مائياً يكون خروجه من الماء موجباً لانقطاع حياته وزوال تعيّشه كالحيتان لا خفاء فيه ، كما انّ ظاهرهما انحصار الخز بذلك وعدم وجود مصداق آخر له غير مائي ، وعليه فيشكل الأمر في الخز المشهور في

الصفحة 328

هذا الزمان لشهادة التجّار بأنّه حيوان برّي يقع عليه الذبح . قال العلاّمة المجلسي (قدس سره)في محكي البحار : «اعلم انّ في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره إشكالاً للشكّ في أنّه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز مثل عصر الأئمّة (عليهم السلام) أم لا ، بل الظاهر انّه غيره لأنّه يظهر من الأخبار انّه مثل السمك يموت بخروجه من الماء وذكاته إخراجه منه ، والمعروف بين التجّار انّ المسمّى بالخز الآن دابة تعيش في البرّ ولا يموت بالخروج من الماء ، إلاّ أن يقال : إنّهما صنفان بري وبحري وكلاهما تجوز الصلاة فيه وهو بعيد ، ويشكل التمسّك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا إلى زمانهم (عليهم السلام) إذ اتصال العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضاً (رض) وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجّة غير معلوم» .

هذا والظاهر انّ أصالة عدم النقل على تقدير حجّيتها لا تجدي في المقام بعد ظهور الروايات في بيان موضوع الخز المستثنى ودلالتها على أنّه حيوان مائي كالحوت فإنّ هذا التعريف لو لم يكن تعريفاً للخزّ مطلقاً فلا أقلّ من دلالته على أنّه الموضوع للحكم بجواز الصلاة كما هو ظاهر مع أنّ اختصاص الخز في هذا الزمان بالحيوان البرّي ممنوع لشهادة بعض الفضلاء من البحث بأنّه الآن حيوان بحري يصطاد من الماء ويؤخذ من جلده الثوب الثمين الذي يرغب فيه المتنعّمون وقد ادّعى انّه بنفسه قد باشر لصيده وانّ خصوصياته هي المذكورة في رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ، نعم ذكر انّ وبره بمجرّده لا يمكن أخذ الثوب منه; لأنّ لصوقه بالجلد وقصره مانع عن قطعه وهذا لا ينافي ما يدلّ عليه بعض الروايات من إمكان أخذ الثوب من وبره أيضاً كرواية سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن جلود الخز فقال : هوذا نحن نلبس فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك ، قال : إذا حل

الصفحة 329

وبره حلّ جلده . فالحيوان البريّ الذي يطلق عليه الخز إن كان غير مأكول اللحم لا دليل على جواز الصلاة في أجزائه وإن كان مشكوكاً فالحكم فيه هو حكم الصلاة في اللباس المشكوك على تقدير عدم جريان أصالة الحلّية بالإضافة إلى لحمه .

وكيف كان فقد عرفت انّ جواز الصلاة في وبر الخز ممّا تطابق عليه النصّ والفتوى ، وامّا جلده فمحلّ خلاف والمنسوب إلى المشهور هو الجواز ولابدّ من ملاحظة الروايات فنقول : امّا رواية ابن أبي يعفور فهي وإن كانت ظاهرة في جواز الصلاة في جلد الخزّ أيضاً باعتبار الإطلاق وترك الاستفصال ، بل السؤال الثاني الظاهر في الاعتراض يوجب انحصار محط السؤال في السؤال الأوّل بالجلد لأنّ الوبر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة بخلاف الجلد فكون الخز ميّتاً إنّما يوجب المنع عن الصلاة في الثاني دون الأوّل .

وبالجملة دلالة الرواية على جواز الصلاة في جلد الخز وإن كانت ظاهرة إلاّ انّ ضعف سندها كما عرفت يقدح في الاعتماد عليها .

وامّا صحيحة ابن الحجّاج فظاهرة في السؤال عن جلود الخزّ لا عن الصلاة فيها ومن المعلوم انصرافه إلى السؤال عن جواز استعمالها في اللبس والانتفاع بها فيه وهو لا يستلزم جواز الصلاة فيها ومنشأ الشبهة الموجبة للسؤال امّا كون الخز ميتة بنظر السائل والمنع عن استعمال جلود الميتة واضح ، وامّا النهي عن ركوب الخزّ والجلوس عليه كما عرفت في محكي كلام ابن الأثير وقد رواه عن علي (عليه السلام) ويؤيّده استشهاد الإمام (عليه السلام) في بعض الروايات بعد شرائه ثوب الخزّ بقوله تعالى : }قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده{ الآية فلا دلالة لمثل هذا السؤال عن كون مورده حكم الصلاة أيضاً .

الصفحة 330

ومنه يظهر عدم دلالة رواية سعد المتقدّمة أيضاً على ذلك لظهور سؤالها أيضاً في اللبس وجواز الانتفاع بها فيه ودعوى كون كلمة «هوذا» كلمة واحدة مفادها الاستمرار والدوام وظاهرها الشمول لحال الصلاة أيضاً . مدفوعة بأنّه على تقدير ظهور الكلمة فيما ذكر يكون موردها الوبر دون الجلد والملازمة بين الحليتين كما في ذيل الرواية لا إطلاق لها يشمل الصلاة بعد كون السؤال ظاهراً بنفسه في السؤال عن الحكم التكليفي وظهور قوله (عليه السلام) في الجواب : نحن نلبس في هذا الحكم أيضاً فالملازمة أيضاً تنطبق على ذلك .

نعم يدلّ على شمول الحكم بالجواز للجلد أيضاً إطلاق رواية معمّر بن خلاّد قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخزّ فقال : صلِّ فيه . فإنّ إطلاق السؤال وترك الاستفصال ظاهر في كون مورده الصلاة في جلد الخزّ أيضاً والإشكال فيه بأنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المراد من الخزّ فيه الحيوان وهو غير ظاهر ، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره فإنّه من معانيه أيضاً كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الدواب التي يعمل الخزّ من وبرها . . .

مندفع بوضوح انّ إطلاق الخزّ على المنسوج من وبر الحيوان الخاصّ المسمّى بالخزّ ليس في عرض إطلاقه على نفس الحيوان بحيث كان له معنيان ، بل الإطلاق عليه إنّما هو بلحاظه وكون المنسوج منه وبره مع أنّه على تقديره يكفي الإطلاق في رفع هذا الاحتمال أيضاً فتدبّر .

ثمّ إنّه ربّما يقال : إنّ الشبهة في جواز الصلاة في جلد الخزّ إن كانت من جهة كونه من أجزاء غير المأكول فلا يبعد أن يقال بأنّه بعد قيام الدليل على النصّ والإجماع على استثناء الوبر تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف لأنّ الظاهر انّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ وانّه تصحّ

الصفحة 331

الصلاة في أجزائه وبراً كان أو جلداً أو غيرهما .

وإن كانت من جهة كونه ميتة امّا لأجل انّه لم يعلم وقوع التذكية وثبوتها فيما عدى السمك من الحيوانات المائية ، وامّا لأجل احتمال عدم كون خروجه من الماء علّة لموته كما يظهر من بعض الروايات حيث إنّه أجاب الإمام (عليه السلام) فيه عن السؤال عن الخزّ بأنّه سبع يرعى في البرّ ويأوى الماء فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال ولا ينفع في ذلك إطلاق رواية معمّر بن خلاّد المتقدّمة; لأنّ النسبة بينها وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة عموم من وجه ولا دلاليل على ترجيحها عليه في مورد الاجتماع وهي الصلاة في جلد الخزّ .

أقول : امّا إلغاء الخصوصية في الفرض الأوّل فمحلّ نظر ، بل منع; لأنّ استثناء الوبر لا دلالة له بوجه على استثناء الحيوان بجميع أجزائه حتى عظمه ولحمه وروثه وأشباهه ، نعم لو كان الوبر متّصلاً بالجلد وملصقاً به نوعاً يكون استثنائه دالاًّ بالملازمة العرفية على استثناء الجلد أيضاً ، وامّا مع استقلاله وجواز أخذ الثوب من خصوصه كما عرفت انّه يستفاد ذلك من رواية سعد المتقدّمة فلا ملازمة بين الاستثنائين .

وامّا احتمال كونه ميتة فعلى تقدير كونه حيواناً مائياً لا يعيش في خارج الماء فالظاهر انّه ـ حينئذ ـ لا يكون ممّا له نفس سائلة وقد مرّ في مبحث مانعية الميتة استظهار عدم كون الميتة من غير ذي النفس مانعة وإن احتاط فيها الماتن ـ دام ظلّه ـ  .

وعلى تقدير احتمال تعيّشه في خارج الماء نقول يدفع هذا الاحتمال صريح رواية ابن الحجّاج المتقدّمة ولا يبقى مجال له معها والجمع بينها وبين الرواية المذكورة ـ كما في الجواهر ـ بحملها على إرادة انّه لا يعيش خارج الماء زماناً طويلاً على تقدير

الصفحة 332

صحّته والغضّ عن عدم الشاهد عليه لا ينافي كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه وموته خارج الماء وإن كان متأخّراً عن الخروج بمقدار قصير كما لا يخفى .

مع أنّ تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وإن كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجح إلاّ انّ تساقطهما فيه يوجب جواز الرجوع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة عن المانعية في جلد الخزّ فيصير الحكم هو جواز الصلاة فيه .

فانقدح من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى استثناء الجلد كالوبر وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

ثمّ إنّك عرفت انّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب تقييد الخزّ المستثنى بكونه خالصاً في مقابل المغشوش بوبر الأرانب والثعالب وأشباههما وقد وقع هذا التقييد في بعض الروايات وهي مرفوعة أيّوب بن نوح قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به فامّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلِّ فيه .

وعن المحقّق في المعتبر انّه حكى عن جماعة من علمائنا انعقاد الإجماع على العمل بمضمونه . ولأجله لا يبقى موقع لرواية بشير بن بشّار قال : سألته عن الصلاة في الخزّ يغش بوبر الأرانب فكتب : يجوز ذلك  . وقد حملها الشيخ (قدس سره) على التقية ويمكن حملها على محامل آخر وعلى تقدير عدمه لابدّ من أن تطرح .

وبالجملة فاعتبار هذا القيد في المستثنى ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في تشخيص معناه وانّه هل يقدح في تحقّقه ما إذا كان المغشوش به شيئاً يسيراً غير معتدّ به ، بل وما إذا كان مستهلكاً بحيث زالت حقيقته واستهلك في وبر الخز أو لا

الصفحة 333

يقدح فيه ذلك أو يكون بين الصورتين فرق؟ وجوه واحتمالات وقبل ترجيح أحد الوجوه لابدّ من ملاحظة انّ مقتضى كون الخطابات الشرعية واردة على طبق المفاهيم العرفية وانّه يجب الرجوع في تشخيص معاني العناوين المأخوذة في الأدلّة إلى العرف هل هو الرجوع إليهم في المفاهيم ولو مع التسامح في مصاديقها أو انّ مقتضاه الرجوع إليهم في تعيين المفاهيم والدقّة في التطبيق على المصاديق ولو كان على خلاف العرف فإذا ورد لفظ «المد» مثلاً في دليل فاللاّزم الرجوع إلى العرف في استكشاف معناه فإذا فسّره بمقدار معيّن فالواجب مراعاة ذلك المقدار من دون نقص وإن كان العرف يتسامح في مقام التطبيق ويحكم بتحقّقه مع النقص عن ذلك المقدار بقليل؟ غير خفي انّ الظاهر هو الوجه الثاني وانّه لا اعتبار في المسامحات العرفية أصلاً .

إذا عرفت ذلك فنقول : الظاهر انّ لفظ «الخالص» المأخوذ في لسان النصّ والفتوى يكون المتفاهم منه عند العرف خلوّ الشيء عن غير حقيقته رأساً بحيث إذا كان الخليط شيئاً يسيراً غير معتدّ به أيضاً لا ينطبق عليه هذا المفهوم العرفي بالنظر الدقّي وإن كان يتحقّق بالنظر المسامحي ، بل لا يبعد أن يقال بعدم التحقّق في صورة الاستهلاك أيضاً فإنّ الاستهلاك وإن كان موجباً لانعدام حقيقة المستهلك ولا يتبيّن ولا يتميّز نوعاً إلاّ انّه لا يوجب بقاء المستهلك فيه على وصف الخلوص بليوجب زواله فتدبّر . هذا تمام الكلام في الخزّ .

وامّا السنجاب فقد وقع فيه الخلاف والإشكال وقد نسب الجواز إلى الأكثر خصوصاً بين المتأخّرين تارة وإلى المشهور اُخرى وإلى عامّتهم ثالثة ، بل في محكي الذكرى عن المبسوط : لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية .

الصفحة 334

والمحكي عن الصدوق ووالده والشيخ في الخلاف المنع وكذا حكى عن الحلّي في السرائر وجماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم بل عن الروض نسبته إلى الأكثر .

ويشهد للأوّل طائفة من الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعاب وأشباهه قال : لا بأس بالصلاة فيه . وقد نقلها في الوسائل في باب آخر أيضاً بهذه الكيفية : عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)انّه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب فقال : لا بأس بالصلاة فيه . فتوهّم انّهما روايتان كما في المستمسك وانّ اشتمال الاُولى على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب ـ مثلاً ـ لا يمنع عن الاستدلال بالثانية الخالية عن ذكره مع أنّه من الواضح انّهما رواية واحدة وانّ الأشياء المسؤول عنها في الرواية الثانية هي التي صرّح بها في الرواية الاُولى .

والمراد بالفراء امّا ما يظهر من بعض اللغويين من أنّه الحمار الوحشي وفي المثل السائر : «كلّ الصيد في جوف الفراء» وامّا ما يقال له بالفارسية «پوستين» وعلى الأوّل لا يكون من افراد غير المأكول وعلى الثاني الذي هو خلاف ظاهر السياق يمكن أن يكون المراد به هو الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء ويمكن أن يكون المراد به مطلق الفراء ، وعليه فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له . والمراد بكلمة «أشباهه» امّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل وامّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره .

وبالجملة دلالة الرواية على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيه .

ومنها : صحيحة أبي عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام)  : ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال : أيّ الفراء؟ قلت : الفنك والسنجاب والسّمور قال : فصلِّ

الصفحة 335

في الفنك والسنجاب ، فأمّا السمور فلا تصلِّ فيه . قال في الوافي : «الفنك بالفاء والنون المفتوحتين حيوان غير مأكول اللحم يتّخذ من جلده الفراء فروته أطيب أنواع الفراء» وقيل : نوع من الثعلب الرومي وقيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وعن بعض انّه يطلق على فرخ ابن آوى . والسمور كتنوّر حيوان ببلاد الروس وبلاد الترك يشبه الّنمس ومنه أسود لامع وأشقر .

ومنها : مرسلة مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال : لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم .

ومنها : مكاتبة يحيى بن أبي عمران قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخزّ وقلت : جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطّه إليّ : صلِّ فيها .

ومنها : رواية بشير بن بشار قال : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن اُصلّي فيه لغير تقية قال فقال : صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمور . والحواصل طيور ببلاد خوارزم يعمل من جلودها بعد نزع الريش مع بقاء الوبر ويتّخذ منه الفراء وقد ينسج من أوبارها الثياب .

ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز في السنجاب ويدلّ على الجواز في خصوصه رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام)عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً ، قلت : أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم وليس هو ممّا نهى

الصفحة 336

عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب . وقد تقدّم اختلاف النقل في جملة «وما لا يؤكل لحمه . . .» في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع .

وربما يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في خصوص السنجاب كالرواية الأخيرة لا يخلو من الضعف والجهالة والإرسال وما يدلّ منها على جوازها فيه وفي غيره مشتمل على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب حيث إنّه لا تجوز الصلاة فيها نصّاً وإجماعاً مضافاً إلى أنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة الواردة في أصل بحث مانعية غير المأكول قد ورد في موردها خصوص السنجاب وغيره من الوبر وقد ورد في جوابه عموم الحكم بالمنع عن الصلاة في أجزاء كلّ ما لا يحلّ أكله ومن الواضح انّ تخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالّة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن .

ومضافاً إلى دلالة بعض الروايات بعمومها على عدم جواز الصلاة في السنجاب أيضاً كمكاتبة محمد بن علي بن عيسى قال : كتبت إلى الشيخ يعني الهادي (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب : لا أحبّ الصلاة في شيء منه قال : فرددت الجواب أنا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحداً أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره وليس يمكن لنا ما يمكن للأئمّة فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال : فرجع الجواب إليّ : تلبس الفنك والسمّور .

وتندفع المناقشة بأنّ اشتمال الرواية الصحيحة على غير السنجاب لا يقدح في العمل بها بالإضافة إليه لأنّ قيام الدليل على عدم العمل برواية بالنسبة إلى بعض مواردها لا يوجب طرحها رأساً مع أنّ صحيحة أبي علي المتقدّمة تشتمل على الفنك فقط زائداً على السنجاب وقد أفتى بجواز الصلاة فيه جماعة ، ورواية بشير بن بشار تدلّ على جوازه في خصوص السنجاب والحواصل الخوارزمية وقد

الصفحة 337

عرفت من الشيخ (قدس سره) في المبسوط نفي الخلاف عن جواز الصلاة فيهما .

كما انّ المناقشة الأخيرة مندفعة بعدم ورود الدليل على عدم الجواز في خصوص السنجاب والعموم الشامل له كما في المكاتبة قابل للتخصيص كما انّه لابدّ من تخصيصه بالخزّ لتطابق النصّ والفتوى على الجواز فيه كما عرفت وإباء سياقها عن التخصيص يوجب طرحها لا العمل بعمومها كما لا يخفى .

إنّما المهمّ ملاحظة موثقة ابن بكير المتقدّمة وربّما يجاب بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصّة الوارد في موردها العموم عن تحته كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العام أو أزيد من واحد واُريد إخراج الجميع ، وامّا إذا اُريد إخراج بعضه كما في مثل المقام فلا نسلّم استهجان التخصيص .

وأورد على هذا الجواب بما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون شمول العموم له ودلالته عليه بالنصوصية من دون فرق بين ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد وعلى الثاني بين ما إذا اُريد إخراج الجميع أو البعض ، وعليه فاللاّزم أن يعامل مع الموثقة ومع أدلّة التخصيص معاملة المتعارضين .

هذا ولكن التحقيق تبعاً لسيّدنا الاستاذ (قدس سره) انّ ورود العام في مورد بعض الافراد لا يوجب النصوصية في مثل المقام; لأنّ غرض الإمام (عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم والفرق بين الحيوانات المحلّلة والمحرّمة في مقابل العامّة القائلين بصحّة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات ولذا أخرج لبيانه كتاباً زعم انّه املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) للاستشهاد عليه في مقابلهم مضافاً إلى أنّ غرض السائل أيضاً لم يكن هو السؤال عن حكم الأفراد الخاصّة بل مقصوده هو السؤال

الصفحة 338

عن حكم الحيوانات التي لم يكن أخذ الثوب منها متعارفاً ومعمولاً كالغنم والإبل وغيرهما ممّا تعارف أخذ اللباس منه ولأجله كان حكمها معلوماً لكلّ أحد من زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

وبالجملة لما كان التفصيل بين الحيوانات في جواز الصلاة في أجزائها وعدمه والحكم بالفرق بينهما غير معلوم للناس قبل ذلك أراد الإمام (عليه السلام) في مقام الجواب أن يبيّن ذلك بقانون كلّي مذكور في كتاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو لا ينافي خروج بعض الافراد المذكورة في السؤال عن تحت هذا الحكم الكلّي كما لا ينافي خروج بعض الأفراد غير المذكورة .

فالإنصاف انّ النسبة بين الموثقة وبين الأدلّة المجوّزة للصلاة في السنجاب هي نسبة الدليل العام مع الدليل المخصّص لا المتعارضين فاللاّزم التخصيص من دون استلزام للاستهجان بوجه .

نعم على تقدير التعارض يشكل الحكم بالجواز في السنجاب لعدم ثبوت الشهرة الفتوائية بالإضافة إليه ومخالفة العامّة وإن كانت متحقّقة في مثل الموثقة إلاّ انّ الروايات المجوّزة لأجل اشتمالها على المنع في مثل الثعالب الذي يجوز الصلاة فيه عند الناس لا مجال لحملها على التقية وقد عرفت انّ الدليل المجوّز الوارد في خصوص السنجاب لا يكون معتبراً من حيث السند .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ الجواز في السنجاب هو الأقوى بلحاظ الأدلّة ورعاية قواعد العمل بها إلاّ انّه مع ذلك لا تكون المسألة صافية خصوصاً مع عدم بناء أكثر القدماء عليه فتدبّر .

الصفحة 339

مسألة 13 ـ لا بأس بفضلات الإنسان كشعره وريقه ولبنه سواء كان للمصلّي أو لغيره فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر سواء كان من الرجل أو المرأة 1 .

1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في ذيل البحث عن أصل مانعية غير المأكول فراجع .

الصفحة 340

الرابع : أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة ولو كان حلياً كالخاتم ونحوه بل يحرم عليهم في غيرها أيضاً 1 .

مسألة 14 ـ لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب ، بل ولا بجعله غلافاً لها أو بدلاً منها في الصلاة بل مطلقاً ، نعم في مثل الثنايا ممّا كان ظاهراً وقصد به التزيين لا يخلو من إشكال فالأحوط الاجتناب وكذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه واستصحابها فيها ، نعم إذا كان زنجيرها منه وعلّقه على رقبته أو بلباسه يشكل الصلاة معه بخلاف ما إذا كان غير معلّق وإن كان معه في جيبه فإنّه لا بأس به 2 .

1 و 2 ـ الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في الحكم التكليفي المتعلّق بلبس الذهب للرجال مطلقاً في الصلاة وغيرها والظاهر انّه لم يقع التعرّض لهذه المسألة في كتب قدماء أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين وأوّل من تعرّض له الشيخ (قدس سره) في كتاب المبسوط الذي هو كتاب تفريعي له ولم يتعرّض له المتأخّرون عنه إلى زمان الفاضلين المحقّق والعلاّمة إلاّ النادر منهم والظاهر انّ حرمة لبس الذهب على الرجال محلّ وفاق بين من تعرض من الخاصة للمسألة وبين العامة ، وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف في الساتر منه بل ولا فيما تتمّ الصلاة به وإن لم يقع التستّر به .

وقد ورد في هذا المقام روايات دالّة على حرمة التلبّس به للرجل أو التختّم بالذهب له من دون ذكر علّة أو مع التعليل بكونه زينة الآخرة ، امّا ما ظاهره حرمة التلبّس فمثل موثقة عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنّه من لباس أهل الجنّة .

ومرسلة موسى بن اكيل النميري عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الحديد انّه حلية أهل النار والذهب انّه حلية أهل الجنّة وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم

<<التالي الفهرس السابق>>