(الصفحة41)
مسألة 22 : يستثنى من حرمة النظر واللّمس في الأجنبي والأجنبية مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها ، والفصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة ، كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللّمس ، وإذا اقتضت الضرورة أو توقّف العلاج على النظر دون اللّمس أو العكس اقتصر على ما اضطرّ إليه ، وفيما يضطر إليه اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الآخر ولا التعدّي1.
المنهي عنه الوصل ، فالاحتياط في ترك النظر خصوصاً مع أنّ الشعر في نفسه من الاُمور المهيّجة ، وفيه قرينة نوعاً على كونه للأجنبية ، وهذا بخلاف السنّ والظفر فانّه ليس في شيء منهما قرينة على كونه للمرأة ، وعلى تقدير العلم بذلك فلا يكون فيهما تهييج وتحريك نوعاً ، كما لا يخفى .
1 ـ لا ريب في استثناء المزبور في مقام المعالجة ، والدليل عليه أنّه مقام الاضطرار المرفوع بحديث الرفع(1) . لكن لابدّ وأن يعلم :
أوّلاً : إنّ تحقّق عنوان الاضطرار إنّما هو فيما إذا لم يمكن إمكاناً عرفياً المعالجة بالمماثل ، وإلاّ فلا وجه للاستثناء .
وثانياً : يجوز النظر أو اللمس أو كلاهما إذا لم يمكن المعالجة بآلة نحو الدرجة وغيرها .
وثالثاً : لم يمكن توسّط المرأة في النظر الموجب للمعالجة ، وأمّا فمع إمكانه لا يجوز النظر بوجه ، بل بوساطة المرأة يعرف الطبيب المرض ويعالج المريض إذا أمكن من دون حرج وعسر .
(1) الوسائل : 15/369 ، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 .
(الصفحة42)
مسألة 23 : كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها التستّر من الأجانب ، ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثنى ، وإذا علموا بأن النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستر منهنّ ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه1.
ورابعاً : لا ملازمة بين الأمرين : النظر ، واللمس من هذه الجهة ، فإذا توقّف العلاج على النظر فقط فلايجوز اللمس بوجه ، وإذا توقف على اللمس فقط كمعرفة النبض فلايجوز النظر بوجه ، لأنه لم ينهض دليل على جواز كلا الأمرين ، بل الدليل هو رفع ما اضطروا إليه ، وفي هذا المجال لابدّ من الاقتصار على ما اضطر إليه ، وفيما يضطرّ إليه فلا يجوز الآخر ولا التعدي إلاّ إذا توقف عليه ، ومنه يعلم أنّه إذا توقّف الاستنقاذ من الحرق والغرق على مجرّد اللمس فقط دون النظر أو مقدار من النظر لا يجوز الغير ولا الزائد ، ولأجله لابدّ للمؤمنين والمؤمنات المواظبة على هذه الجهات ، ويعلمنّ أنّ مجرّد كون الرجل الأجنبي طبيباً معالجاً لا يجوز له النظر إلى الأجنبية ، ولا لها أن تجعل نفسها في اختياره من جهة النظر واللمس ، بل اللازم الاقتصار على مقدار الضرورة فيما إذا كان أصل العلاج ضروريّاً ولو بنظر العرف ، كما لا يخفى .
1 ـ بعد اشتراك كلّ من الأجنبي والأجنبية في حرمة النظر إلى غير المماثل عدا ما استثنى يكون الفرق بينهما أنّ الأجنبية يجب عليها التستر من الأجانب ، ولا يجب على الرجال التستر ، وقد تقدّم منّا في كتاب الصلاة في بحث الستر الشرطي الواجب فيها البحث في الستر الواجب النفسي اللازم على النساء ولو في غير حال
(الصفحة43)
مسألة 24 : لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللّمس بغير شهوة ، لا معها لو فرض ثورانها1.
الصلاة فراجع(1) . إنّما الكلام هنا في الفرق المزبور الذي عمدة مستنده هي السيرة القطعية العملية من المتشرّعة بالإضافة إلى الرجال والنساء .
نعم ، قد عرفت أنّ في جواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبية أقوالاً مختلفة بخلافها من الأجنبي(2) .
نعم ، يبقى الكلام فيما إذا علم الرجال الأجانب أنّ النساء الأجنبيات يتعمّدن النظر إليهم ، كما ربما يتّفق في أيام عاشوراء بالإضافة إلى الرجال الذين يشتركون في عزاء الحسين (عليه السلام) بصورة الاجتماع ، بنحو يكون ازارهم مفتوحاً أو لا ازار لهم أصلاً ، فانّ جملة من النساء يتعمّدن النظر إلى أبدانهم وصدورهم ، وقد ذكر في المتن أنّ الأحوط في هذه الصورة التستر منهنّ وان كان الأقوى عدم الوجوب ، ويؤيّده ـ مضافاً إلى عدم صدق الاعانة على الإثم والعدوان ، وإلى أنّ لازم وجوب التستر في هذه الصورة وجوبه على حسان الوجوه من الرجال مطلقاً ، ولا يلتزم به أحد ـ أنّ التستر في هذه الصورة مستلزم لعطلة هذا النحو من التعزية للحسين (عليه السلام) ، مع أنّ مثل سائر الأنواع واجد للرجحان والفضيلة ، والعمدة عدم صدق الاعانة إلاّ إذا كان المقصود ذلك لا العزاء والبكاء والابكاء له (عليه السلام) ، كما لايخفى .
1 ـ لا شبهة في جواز نظر الرجل وكذا اللّمس فيما إذا كان المنظور صبية غير مميّزة ، وكذا العكس لخروج غير المميّز ، مضافاً إلى عدم تهييج الشهوة معه نوعاً .
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الصلاة : 1/568 ـ 593 .
(2) تقدّم في المسألة 18 .
(الصفحة44)
مسألة 25 : يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة ، نعم الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة مثل : الوجه والكفّين ، وشعر الرأس ، والذراعين ، والقدمين ، لا مثل : الفخذ والاليين ، والظهر ، والصدر ، والثديين ، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها ، والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين1.
نعم لو فرض ثورانها لا يجوز ، لأنّ المفروض عدم الزوجيّة .
1 ـ يجوز للرجل الأجنبي أن ينظر إلى الصبيّة إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة قبل بلوغها . وذكر صاحب الجواهر : إنّ في جوازه قولين : من إيذان استئذان من لم يبلغ الحلم في الأوقات الثلاثة ، التي هي مظنّة التكشف والتبذّل دون غيرها بالجواز ، ومن عموم قوله تعالى : { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَم يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}(1) ، فيدخل غيره في النهي عن ابداء الزينة له(2) ، وقد قوّى هذا الوجه مع أنّ العمدة في الجواز سيرة المتشرّعة العملية القطعية المتصلة ظاهراً بزمن المعصوم (عليه السلام) ، فالأقوى هو الجواز كما في المتن ، هذا مضافاً إلى بعض الروايات مثل :
صحيحة البزنطي ، عن الرضا (عليه السلام) قال : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطّي المرأة شعرها منه حتى يحتلم(3) .
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الجارية التي لم تدرك ، متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى
(1) سورة النور : 24/31 .
(2) جواهر الكلام : 29/82 .
(3) الفقيه : 3/276 ح1308 ، الوسائل : 20/229 ، أبواب مقدّمات النكاح ب126 ح3 .
(الصفحة45)
يجب عليها أن تقنّع رأسها للصلاة؟ قال : لا تغطّي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة(1) .
نعم ينبغي الاقتصار على المواضع التي لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة ، كالمواضع المذكورة في المتن دون غيرها ، وان نوقش بل قيل : بعدم صدق العورة المضافة إلى المؤمن والمؤمنة والرجل والمرأة قبل تحقّق البلوغ ، لكن نظر الشارع في هذه الاُمور معلوم نوعاً .
كما أنّ مقتضى الاحتياط اللزومي عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ست سنين ، ففي مضمرة أبي أحمد الكاهلي قال : سألته عن جارية ليس بيني وبينها محرم تغشاني فأحملها وأقبّلها؟ فقال : إذا أتي عليها ست سنين فلا تضعها على حجرك(2) .
ورواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا بلغت الجارية الحرّة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها(3) .
ومرسلة هارون بن مسلم ، عن بعض رجاله ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله فأتى بصبيّة له فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم ، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها فقيل : خمس ، فنحاها عنه(4) .
ومرسلة علي بن عقبة ، عن بعض أصحابنا قال : كان أبو الحسن الماضي (عليه السلام)عند
(1) الكافي : 5/533 ح2 ، علل الشرائع : 565 ح 2 الوسائل : 20/228 ، أبواب مقدّمات النكاح ب26 ح2 .
(2) الكافي : 5/533 ح1 ، الوسائل : 20/229 ، أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح1 .
(3) الكافي : 5/533 ح2 ، الوسائل : 20/230 ، أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح2 .
(4) الكافي : 5/533 ح3 ، الوسائل : 20/230 ، أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح3 .
(الصفحة46)
محمد بن إبراهيم والي مكّة وهو زوج فاطمة بنت أبي عبدالله (عليه السلام) ، وكان لمحمد بن إبراهيم بنت يلبسها الثياب وتجيء إلى الرجل فيأخذها ويضمّها إليه ، فلمّا تناهت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أمسكها بيديه ممدودتين وقال : إذا أتت على الجارية ست سنين لم يجز أن يقبّلها رجل ليست هي بمحرم له ولا يضمّها إليه(1) . والإمام وإن كان محرماً لها ظاهراً لأنّها كان بنت أخته إلاّ أنّ الغرض تعليم الغير .
ورواية عبد الرحمن بن بحر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا بلغت الجارية ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها(2) .
ومنها غير ذلك من الروايات(3) .
ومحصّل المجموع خصوصاً باعتبار عدم حجية السند في بعضها والتعبير بلا ينبغي في بعضها الآخر وجعل الملاك الخمس في الثالث هو ما في المتن .
نعم ، وقع الكلام في النظر إلى فرج الزانيين لتحمّل الشهادة المتوقّفة على الرؤية كالميل في المكحلة ، فعن التذكرة أنّ الأقوى المنع(4) ، وعلّله في الجواهر بأنّه نظر إلى فرج محرم ، وليست الشهادة على الزنا عذراً للأمر بالسّتر ، و حينئذ فالشهادة عليه انّما تكون مع اتفاق الرؤية من دون قصد ، أو معه بعد التوبة إن جعلناه كبيرة ، وعن القواعد الجواز(5) ، لأنّه وسيلة إلى إقامة حدّ من حدود الله ، ولما في المنع من عموم الفساد ، واجتراء النفوس على هذا المحرم ، وانسداد باب ركن من أركان
(1) التهذيب : 7/461 ح1846 ، الوسائل : 20/230 أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح6 .
(2) التهذيب : 7/481 ح1929 ، الوسائل : 20/231 ، أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح7 .
(3) الفقيه : 3/276 ح1311 و 3/275 ح1306 ، الوسائل : 20/230 ، أبواب مقدّمات النكاح ب127 ح4 و 5 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2/573 .
(5) قواعد الاحكام : 2/3 .
(الصفحة47)
مسألة 26 : يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميّز ما لم يبلغ ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة على الأقوى في الترتّب الفعلي ، وعلى الأحوط في غيره1.
مسألة 27 : يجوز النظر إلى نساء أهل الذّمة بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ
الشرع(1) . وعن المسالك أنّ هذا القول ليس ببعيد(2) .
هذا ، ولكن الظاهر هو الأوّل ، لأنّ جعل الشهادة متوقّفة على الرؤية كالميل في المكحلة شاهد على أنّ الشارع لا يرى إثبات الزنا الذي هو أمر قد يتفق غالباً ، ولا يكون تحمل الشهادة أمراً واجباً ، وحينئذ فالشهادة إنّما تكون في إحدى الصورتين المذكورتين آنفاً .
1 ـ لا شبهة في جواز نظر المرأة إلى الصّبي المميّز فضلاً عن غير المميز مع عدم ثوران الشهوة وعدم ترتبه على النظر إليه لا منها ولا إليه ، ولا يختصّ ذلك بسنّ خاص .
نعم ، إذا ترتّب عليه الثوران فإن كان الترتب فعليّاً فلا شبهة في عدم الجواز ، وامّا إذا لم يكن الترتّب فعليّاً بل كان النظر منهما موجباً للثوران بالقوة فمقتضى الاحتياط كما في المتن الترك ، والوجه فيه رعاية مذاق الشرع ، حيث إنّ الشارع لا يرضى بذلك بعد كون المنظور إليه أجنبيّاً وإن كان صبيّاً، وكون النظر موجباً لثوران الشهوة وان لم يكن بالفعل بل بالقوّة ، كما يظهر من ملاحظة الموارد المختلفة ، فتدبّر .
(1) جواهر الكلام : 29/89 .
(2) مسالك الأفهام : 7/50 ـ 51 .
(الصفحة48)
والريبة أعني خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع التي جرت عادتهنّ على عدم التستر عنها ، وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستر وإذا نهين لا ينتهين ، وهو مشكل . نعم الظاهر أنّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ومواقع تردّد تلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ مع العلم عادة بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر في تلك المحال إذا لم يكن خوف افتتان1.
1 ـ على المشهور كما في الحدائق(1) ، قال المحقّق في الشرائع : ويجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة وشعورهنّ ، لأنّهن بمنزلة الاماء(2) . ويدلّ عليه ما رواه السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ(3) . ويؤيده خبر أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) قال : لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمّة ، الحديث(4)والضعف على تقديره منجبر باستناد المشهور ، كما لا يخفى ، وفي مقابل المشهور ابن إدريس(5) والعلاّمة في المختلف(6) وكشف اللثام(7) .
هذا ، وظاهر عبارة الشرائع أنّ علّة الجواز كونهنّ بمنزلة الاماء ، واحتمل الجواهر في هذه العلّة أمرين :
(1) مسالك الأفهام : 7/43 ، الحدائق الناضرة : 23/58 .
(2) شرائع الإسلام : 2/269 .
(3) الكافي : 5/524 ح1 ، الوسائل : 20/205 ، أبواب مقدّمات النكاح ب112 ح1 .
(4) قرب الاسناد: 62، الوسائل: 20 / 205، أبواب مقدّمات النكاح ب112 ح2 .
(5) السرائر : 2/610 .
(6) مختلف الشيعة : 7/110 .
(7) كشف اللثام : 7/23 .
(الصفحة49)
أحدهما : كونهنّ بمنزلة الاماء للمسلمين باعتبار كونهنّ فيئاً لهم ، وإن حرم عليهم بالعارض نكاحهنّ تبعاً لذمّة الرجال كالأمة المزوّجة .
ثانيهما : كونهنّ بمنزلة الاماء للغير ، كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام(1) . وخبر زرارة عنه (عليه السلام) : لأنّ أهل الكتاب مماليك للإمام ، ألا ترى أنّهم يؤدّون الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى مواليه(2) ، بناء على جواز النظر إلى أمة الغير كما صرّح(3) به بعضهم(4) ، ولكنّ الظاهر أنّ الدليل هي الرواية .
ولكنّ الظاهر أنّ الحكم لا يختصّ بالرؤوس والأيدي ، بل يعمّ جميع المواضع التي لم يكن من عادتهنّ التستّر ، كما أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بنساء أهل الذمة بل الكفّار في هذه الجهة سواء . نعم لا ينبغي الارتياب في اختصاص الحكم بالجواز بما لم يكن هناك تلذّذ وريبة ، لملاحظة مذاق الشرع في ذلك ، وقد فسّر الريبة بخوف الوقوع في الحرام . ولكن في محكيّ كشف اللّثام التفسير بأنّه ما يخطر بالبال من النظر دون التلذّذ ، ثم قال : أو خوف افتتان(5) ، والمذكور في كلام التذكرة أيضاً الثلاثة(6) ، قال في الجواهر : ويمكن تعميم الريبة للافتتان ، لأنّها من «راب» إذا وقع في الاضطراب ، فيمكن أن يكون ترك التعرّض له هنا وفي التحرير(7)
(1) الكافي : 5/358 ح11 ، الوسائل : 20/545 ، أبواب ما يحرم بالكفر ب8 ح1 .
(2) الكافي : 6/174 ح1 ، الوسائل : 22/266 ، أبواب العدد ب45 ح1 .
(3) الروضة البهية : 5/98 ، مسالك الأفهام : 7/44 .
(4) جواهر الكلام : 29/68 ـ 69 .
(5) كشف اللثام : 7/23 .
(6) تذكرة الفقهاء : 2/574 .
(7) تحرير الاحكام : 2 / 3 .
(الصفحة50)
وغيرهما لذلك(1) .
أقول : والظاهر صحّة تفسير المتن كما في الجواهر .
ثم إنّه هل تلحق بهنّ نساء البوادي والقرى من الأعراب ممّن جرت عادتها على عدم التستّر ، نظراً إلى أنّهنّ لا ينتهين إذا نهين ، الوارد في خبر عباد بن صهيب ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج ، لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون ، قال : والمجنونة والمغلوبة على عقلها لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمّد ذلك . قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني والصدوق كما ذكرنا : ورواه في العلل عن الحسن بن محبوب مثله ، إلاّ أنّه أسقط لفظ المجنونة ، وذكر أهل الذمّة بدل العلوج(2) ، ثمّ قال : الظاهر أنّ المراد بالتعمّد هنا النظر بشهوة .
أقول : لو أخذ بمقتضى هذا التعليل الذي كان الظاهر فيه أن يقول بدل الضمير المذكّر : المؤنث كما لا يخفى ، لكان اللازم جواز النظر إلى نساء البلد أيضاً في صورة عدم الانتهاء بالنهي ، كما هو الحال في زمان الطاغوت الماضي بحمد الله ، والالتزام بذلك ـ بالإضافة إلى كلّ امرأة أجنبية إذا كانت كذلك ـ مشكل ، والظاهر أنّه لا مانع من الحكم باللحوق، وإلاّفاستظهارجوازالتردّدفي مواقع تردّدتلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ مع العلم عادة بوقوع النظر اليهنّ لابدّ وأن يكون منشأه العسر والحرج ، وفي مثله ينبغي الاقتصار على موارد الحرج الشخصي على ما بيّناه في تلك القاعدة في محلّها ، والاقتصار على تلك الموارد مشكل ، فتدبّر جيّداً .
(1) جواهر الكلام : 29/70 .
(2) الكافي : 5/524 ح1 ، الفقيه : 3/300 ح 1438 ، علل الشرائع : 565 ح 1 ، الوسائل : 20/206 ، أبواب مقدّمات النكاح ب113 ح1 .
(الصفحة51)
مسألة 28 : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن لا يكون بقصد التلذّذ وإن علم أنّه يحصل بسبب النظر قهراً ، وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها ، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلاً لا مثل ذات البعل والعدّة ، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون من علم أنّها تردّ خطبتها ، والأحوط الاقتصار على وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ، وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم بل وسائر الجسد ما عدا العورة ، والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق ، كما أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى الاقتصار على ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص ، فلا يعمّ الحكم ما إذا كان قاصداً لمطلق التزويج ، وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الإختبار ، ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الاُولى1.
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الجهة الاُولى : في أصل الجواز في الجملة ، فنقول : ذكر صاحب الجواهر أنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّه يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وان لم يستأذنها وكفيها ، بل الاجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، كالنصوص من الطرفين(1) .
منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة ، أينظر إليها؟ قال : نعم ، إنّما يشتريها بأغلى الثمن(2) .
ومنها : صحيحة هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وحفص بن البختري كلّهم ، عن
(1) جواهر الكلام : 29/63 ـ 64 .
(2) الكافي : 5/365 ح1 ، الوسائل : 20/87 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح1 .
(الصفحة52)
أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوّجها(1).
ومنها : رواية الحسن بن السرّي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة ، يتأمّلها وينظر إلى خلقها وإلى وجهها؟ قال : نعم ، لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ، ينظر إلى خلقها (خلفها ظ) وإلى وجهها(2) .
ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل أورد روايتين للحسن بن السري(3) في هذا الباب ، والظاهر عدم تعدّد روايته ، وقد تبعه صاحب الجواهر(4) .
ومنها : صحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال : نعم وترقّق له الثياب; لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن(5) ، وفي رواية اُخرى له التي هي متّحدة معها . قال : سألت أباعبدالله (عليه السلام)عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة وأحبّ أن ينظر إليها؟ قال : تحتجز ثم لتقعد وليدخل فلينظر ، قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها؟ قال : نعم ، قلت : فتمشي بين يديه؟ قال : ما أحبّ أن تفعل(6) .
ومنها : ما أورده الرضيّ في محكي المجازات النبويّة عنه (صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال لمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة : لو نظرت إليها ، فانّه أحرى أن يودم بينكما(7) .
(1) الكافي : 5/365 ح2 ، الوسائل : 20/88 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح2 .
(2) الكافي : 5/365 ح3 ، الوسائل : 20/88 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح3 .
(3) الكافي : 5/365 ح 4 ، الوسائل : 20/88 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح4 .
(4) جواهر الكلام : 29/64 .
(5) علل الشرائع : 500 باب 260 ح 1 ، الوسائل : 20/90 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح11 .
(6) التهذيب : 7/448 ح1794 ، الوسائل : 20/90 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح10 .
(7) المجازات النبوية : 114/81 ، الوسائل : 20/90 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح13 ، وقد ذكر في هامش الوسائل المخطوطة في معنى هذه العبارة : أي يحصل بينكما المودّة والألفة .
(الصفحة53)
ومنها : رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) ، في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها ، قال : لا بأس انّما هو مستام ، فان يقض أمر يكون(1) ، والظاهر أنّ المراد بقوله : «مستام» ، هو أنّ الزوج متقابل .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال : نعم ، إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن(2) .
ومنها : مرسلة الفضل ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذاً(3) .
ومنها غير ذلك من الروايات(4) الواردة في هذا المجال .
فأصل الحكم الذي يرجع إلى الاستثناء من جواز النظر إلى الأجنبية في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال ، كما لا يخفى .
الجهة الثانية : في أنّ جواز النظر في مفروض المسألة مشروط بشرائط معلومة أو محتملة ، وهي أمور :
الأوّل : أن لا يكون هناك قصد التلذّذ وإن علم بأنّه يحصل بسببه قهراً ، والدليل على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى عسر التكليف بعدم اللذّة على وجه تنتفى الحكمة في مشروعية الحكم المذكور ـ أنّ الاستثناء انّما هو لأجل أن يشتريها بأغلى الثمن وأنّه مستام ، فينحصر بما إذا كان المقصود ذلك ، ولذا ورد في اشتراء الأمة الذي هو
(1) التهذيب : 7/435 ح1735 ، الوسائل : 20/89 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح8 .
(2) التهذيب : 7/435 ح1734، الفقيه : 3/260 ح1239 ، الوسائل : 20/89 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح7.
(3) الكافي : 5/365 ح5 ، الوسائل : 20/88 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح5 .
(4) الوسائل : 20/89 ـ 90 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح6 و 7 و12 .
(الصفحة54)
شبه ما نحن فيه رواية حبيب ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إنّي اعترضت جواري المدينة فامذيت؟ فقال : أمّا لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه(1) . وفي الحقيقة يختصّ ذلك بمن يريد التزويج لا من يقصد اللّذة .
الثاني : أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بالنظر لا ما إذا لا يكون للنظر أثر من جهة البصيرة ، والسرّ أنّه يستفاد من أدلّة الجواز أنّ الحكمة في مشروعيّته احتمال حصول زيادة البصيرة ليكون شراؤه لها بأغلى الثمن على دقّة ، وتحقّق المعاملة كذلك .
الثالث : إمكان تحقّق التزويج شرعاً بالفعل لا مثل ذات البعل والعدّة ، وقد جعل صاحب الجواهر اعتباره ممّا لا ريب فيه(2) ، والسّر فيه أنّه مع عدم إمكان تحقّق التزويج شرعاً بالفعل لا يكفي الامكان بالقوّة بعد كون مقتضى الاستصحاب عدمه ، وإمكان تحقّق الموت الذي ينتفى به الموضوع ، واختصاص دليل الجواز بالممكن الفعلي غير المتحقق في ذات العدّة .
الرابع : احتمال حصول التزويج وعدم ردّها للخطبة ، فإذا علم بالعدم لجهة من الجهات أو اطمئنّ به لا يجوز له النظر للحكمة المزبورة .
الخامس : ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة ، ومجرّد إرادة مطلق التزويج لا يكفي على الأحوط لو لم يكن الأقوى كما في المتن ، وفي الحقيقة يكون النظر لزيادة البصيرة في المنظورة لا لانتخاب الزوجة ، لانصراف أدلّة الجواز على خلاف القاعدة عن مثل ذلك .
(1) التهذيب : 7/236 ح1029 ، الوسائل : 18/273 ، أبواب بيع الحيوان ب20 ح2 .
(2) جواهر الكلام : 29/65 .
(الصفحة55)
السادس : ما في محكي المسالك من أنّه ينبغي أن يكون النظر قبل الخطبة ، إذ لو كان بعدها وتركها لشقّ ذلك عليها وأوحشها(1) . وكانّه تبع بذلك المحقّق الكركي صاحب جامع المقاصد ، حيث حكي عنه أنّه قال : ووقت النظر اجتماع هذه الشروط ، لا عند الاذن في العقد ، ولا عند ركون كلّ منهما إلى صاحبه ، وهو وقت تحريم الخطبة على الخطبة ، خلافاً لبعض العامّة(2) (3) .
ولكن ذكر صاحب الجوهر أنّه اجتهاد في مقابل النص(4) ، وتؤيّده أهمّية الزواج المقتضية للدقّة الكاملة ولو بعد الخطبة .
السابع : أن يكون من وراء الثوب الرقيق على الأحوط كما في المتن ، والسّر فيه ـ مضافاً إلى أنّ الحكم المخالف للقاعدة يقتصر فيه على المقدار المتيقّن ـ الإشارة إليه في بعض الروايات المتقدّمة ، وهي صحيحة يونس المتضمّنة لقوله (عليه السلام) : وترقّق له الثياب ويحتمل أن يكون الترقيق باعتبار غير مواضع النظر ، فتدبّر .
الجهة الثالثة : قال المحقّق في الشرائع : ويختصّ الجواز بوجهها وكفّيها(5) وربما نسب ذلك إلى المشهور(6) مع أنّه ذكر في الجواهر وإن كنا لم نتحقّقه(7) والظاهر بمقتضى النصوص جواز النظر إلى المحاسن والشعر ، بل وإلى المعاصم وجميع الجسد; لدخالة الاُمور المذكورة واختلافها باختلاف انظار الأزواج والحكمة ،
(1) مسالك الأفهام : 7/40 .
(2) جامع المقاصد : 12/27 .
(3) الفقه على المذاهب الأربعة : 4/9 ـ 10 ، كفاية الأخيار في حلّ غاية الإختصار : 2/471 .
(4) جواهر الكلام : 29/66 .
(5) شرائع الإسلام : 2/268 .
(6) رياض المسائل : 6/361 .
(7) جواهر الكلام : 29/66 .
(الصفحة56)
مسألة 29 : الأقوى جواز سماع صوت الأجنبية ما لم يكن تلذّذ وريبة ، وكذا يجوز لها اسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة ، وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة خصوصاً في الشابّة ، وذهب جماعة إلى حرمة السماع والإسماع ، وهو ضعيف . نعم يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفية مهيّجة بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت فيطمع الذي في قلبه مرض1.
وللمشروعية عامة خصوصاً مع أنّ السؤال عن النظر في بعض الروايات(1) إنّما يكون على سبيل الإطلاق ، وفي بعض الروايات(2) الاُخر عن الاُمور المذكورة ، ومنه يظهر ما في آخر كلام المحقّق : وروى جواز أن ينظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب(3) مشعراً بتمريض الرواية ، مع أنّ الروايات الخالية عن الضعف دالّة على ذلك .
نعم ، لا وجه لجواز النظر إلى العورة لا عارية ولا من فوق الثياب ، لخروجها عن الفتاوى والنصوص ، للانصراف عنها وعدم مدخلية النظر إليها في التزويج نوعاً .
الجهة الرابعة : قال المحقّق في الشرائع : وله أن يكرّر النظر إليها(4) وفي الجواهر : إذا لم يكن قد تعمّق في الأوّل ، وجواز استفادته منه ما لم يكن قد استفاده من النظر السابق(5) .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية لأنّه
(1) الوسائل : 20/87 ـ 90 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح1 ، 4 ، 8 ، 12 .
(2) الوسائل : 20/88 ـ 89 ، أبواب مقدّمات النكاح ب36 ح2 ، 3 ، 5 ، 7 .
(3 ، 4) شرائع الإسلام : 2/268 .
(5) جواهر الكلام : 29/67 .
(الصفحة57)
عورة(1) . وذكر الأعمى لا يكون لاختصاص الحكم به ، بل جريانه في غير الأعمى انّما هو بطريق أولى ، ويظهر ذلك من محكي جماعة اُخرى(2) بل قيل : إنّ المشهور(3)بل في محكي كشف اللثام الاتّفاق على أنّ صوتها عورة(4) .
ويدلّ على الحكم موثقة مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تبدأوا النساء بالسلام ولا تدعوهنّ إلى الطعام ، فانّ النبي (صلى الله عليه وآله)قال : النساء عيّ وعورة ، فاستروا عيّهنّ بالسكوت واستروا عوراتهنّ بالبيوت(5) .
ورواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : لا تسلّم على المرأة(6) .
وما دلّ على النهي عن الجهر بالتلبيّة(7) .
لكن ذكر صاحب الجواهر : أنّ ذلك كلّه مشكل بالسيرة المستمرّة في الأعصار والأمصار من العلماء والمتدينين وغيرهم على خلاف ذلك ، وبالمتواتر أو المعلوم من كلام الزهراء وبناتها عليهنّ وعليها السلام ، ومن مخاطبة النساء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمة (عليهم السلام) على وجه لا يمكن احصاؤه ولا تنزيله على الاضطرار لدين أو دنياً ، بل
(1) شرائع الإسلام : 2/269 .
(2) إرشاد الأذهان : 2/5 ، قواعد الاحكام : 2/3 ، رياض المسائل : 6/372 ـ 373 ، تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية) : 38/466 .
(3) الحدائق الناضرة: 23 / 66 .
(4) كشف اللثام : 7/29 .
(5) الكافي : 5/534 ح1 ، الوسائل : 20/234 ، أبواب مقدّمات النكاح ب131 ح1 .
(6) الكافي : 5/535 ح2 ، الوسائل : 20/234 ، أبواب مقدّمات النكاح ب131 ح2 .
(7) الوسائل : 12/379 ، أبواب الاحرام ب38 .
(الصفحة58)
قوله تعالى : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ}(1) دالّ على خلاف ذلك أيضاً .
إلى أن قال : بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع بالجواز ، فضلاً عن ملاحظة أحوالهم في ذلك الزمان من كونهم أهل بادية ، وتقام المآتم والأعراس وغيرها فيما بينهم ، ولا زالت الرجال منهم مختلطة مع النساء في المعاملات والمخاطبات وغيرها(2) .
نعم ، مقتضى الآية الشريفة النهي عن خضوعهنّ بالقول حتى يطمع الذي في قلبه مرض ، وينبغي للمتدينين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة ، كما رواه ربعي بن عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلّم على النساء ويرددن عليه ، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلِّم على النساء ، وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ ويقول : أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر . ورواه الصدوق مرسلاً ثمّ قال : إنّما قال ذلك لغيره وان عبّر عن نفسه ، وأراد بذلك أيضاً التخوّف من أن يظنّ به ظانّ أنّه يعجبه صوتها فيكفر(3) بل ينبغي ترك ما زاد على خمس كلمات لرواية الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ في حديث المناهي ـ قال : ونهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات ممّا لابدّ لها منه(4) والظاهر بقرينة المناهي الاُخر أنّ المراد الكراهة .
(1) سورة الأحزاب : 33/32 .
(2) جواهر الكلام : 29/98 .
(3) الكافي : 2/473 ح1 و 5/535 ح3 ، الفقيه : 3/300 ح 1436 الوسائل : 20/234 ، أبواب مقدّمات النكاح ب131 ح3 .
(4) الفقيه : 4/3 ح1 ، الوسائل : 20/197 ، أبواب مقدّمات النكاح ب106 ح2 .
(الصفحة59)
فصل في عقد النكاح وأحكامه
النكاح على قسمين : دائم ومنقطع ، وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرّضا به دلالة معتبرة عند أهل المحاورة ، فلا يكفي مجرّد الرضا القلبي من الطرفين ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة ، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس ، والأحوط لزوماً كونه فيهما باللفظ العربي ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلاّ مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير ، وإن كان الأقوى عدم وجوب التوكيل ، ويجوز بغير العربي مع العجز عنه ، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربي بحيث تعدّ ترجمته1.
1 ـ إنّ انقسام النكاح إلى قسمين : دائم ومنقطع ، الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء من الإماميّة ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ من خصائص الإسلام ، ومن جملة أحكامه الظاهرة التي لا ارتياب فيها ، بل ربّما يمكن أن يحصل بسبب عدمه بعض
(الصفحة60)
الإشكالات على الإسلام ، فانّ الزوجين قد يكونان في شرائط خاصّة غير مقتضية للازدواج الدائم ، ومع ذلك يكونان في أعلى مرتبة الشهوة والهيجان الجنسي ، فانّه في هذه الصورة إذا لم يكن النكاح المنقطع والازدواج المؤقّت مشروعاً لكان اللازم نوعاً الوقوع في الحرام كالطالبين والطالبات في الجامعات ، خصوصاً مع أنّ الإزدواج الموقت يكون له أحكام خاصّة ، ولا يكون فيها على الزوج كثير كلفة ومشقّة .
بخلاف الازدواج الدائم فيقع بين الزوجين الشابّين ذلك ، وإذا لم يردا الدخول يجوز اشتراط العدم ، ومع التراضي في هذه الصورة يجوز الفعل ، وكون ذلك أمراً يعدّ قبيحاً عند المتشرّعة انّما يكون منشأه عدم الالتزام بأحكام الإسلام طرّاً ، وإلاّ فلا قبح فيه ، والتوقّف على إذن الوالد أو أبيه محلّ إشكال وخلاف ، فالإنصاف أنّ النكاح المنقطع من خصائص الإسلام ، ومن حرّمه من المتصدّين للزعامة والحكومة فقد نقص في الإسلام .
ثمّ إنّ كلاًّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالّين على إنشاء المعنى المقصود بالدلالة المعتبرة عند أهل المحاورة ، ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني من الطرفين من دون إنشاء ، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات للاجماع(1) ظاهراً على عدم جريانها في النكاح ، ويمكن أن يكون الوجه فيه عدم دلالة الفعل على المقصود في باب النكاح نوعاً ، وهذا يكفي في عدم الجريان وان كان مقروناً بقرينة ، وكذا لا تكفي الكتابة ولا الإشارة وإن كانت الأولى صريحة
(1) المبسوط : 4/193 ، شرائع الإسلام : 2/274 ، قواعد الأحكام : 2/4 ، الروضة البهية : 5/108 ، مسالك الأفهام : 7/97 ، الحدائق الناضرة : 23/157 .
|