(الصفحة561)
مسألة 17 : لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأُم أحقّ بحضانة الولد ـ وإن كانت مزوّجة ذكراً كان أو اُنثى ـ من وصيّ أبيه ، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه وأمّه فضلا عن غيرهما ، كما أنّه لو ماتت الاُمّ في زمن حضانتها فالأبّ أحقّ بها من غيره ، وإن فقد الأبوان فهي لأبّ الأب ، وإذا عدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب فلأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث ، الأقرب منهم يمنع الأبعد ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ أُقرع بينهم . وإذا وجد وصيّ لأحدهما ففي كون الأمر كذلك أو كونها للوصي ثمّ إلى الأقارب وجهان ، لا يترك الاحتياط بالتصالح والتسالم1.
العود لوجود المقتضي وفرض إرتفاع المانع ، وعن ابن إدريس(1) عدم العود لاستصحاب السقوط بعد عدم الدّليل على العود ، وفي المتن نفي البعد عن الأوّل وجعل الاحتياط في التصالح والتّسالم ، والظّاهر ما في المتن من نفي البعد عن العود; لأنّ التزويج كان بمنزلة المانع والمفروض إرتفاعه ، وإن كان يمكن أن يُقال : بأنّه لا يكون المقصود من الحضانة مجرّد تحفّظ الولد ورعاية مصلحته ، بل الاُنس الحاصل بين الوالدة والولد عقيب الملازمة المتحقّقه بينهما غالباً ، ولو لأجل التصدّي لمصالحه ، وهذا الاُنس يرتفع بالتزويج خصوصاً مع طول مدّته ، ولا يعود نوعاً بعد ارتفاع الزوجية الثانية ، فالأحوط الوجوبي التصالح والتسالم .
1 ـ لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأُمّ أحقّ بحضانة الولد ، وإن كانت مزوّجة من دون فرق بين الذكر والأنثى من وصيّ الأبّ ، وكذا من باقي أقارب الولد حتى أبي أبيه واُمّه فضلا عن غيرهما; لأنّ المستفاد من قوله تعالى :
(1) السرائر : 2/651 .
(الصفحة562)
{ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}(1) الآية ومن الروايات(2) أنّ حقّ الحضانة لا يعدو الأبوين وثابت بين الوالدين .
غاية الأمر أحقيّة أحدهما بالإضافة إلى الآخر على الاختلاف كما مرّ سابقاً ، وحينئذ فموت الأب موجب لإنتقال الحضانة إلى الأُمّ ، ومع وجودها لا تصل النوبة إلى غيرها ، ولا تكون الحضانة ولاية شرعيّة ثابتة للأب والجدّ له ، وفي رواية داود ابن الحصين المتقدّمة(3) «فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة» كما أنّه في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة(4) أيضاً ، الواردة في موت الأب «وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله» .
هذا ، مضافاً إلى أنّها أشفق وأرفق وأشد رعاية لمصلحة الولد; لاقتضاء الاُموميّة ذلك غالباً ، ويُؤيّده ما تقدّم(5) من الرواية الدّالّة على أنّ الأب إذا كان مملوكاً لا ينتقل إليه حقّ الحضانة ما دام كونه مملوكاً ، وأنّه إذا أُعتق تنتقل إليه .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه مع موت الأُم في زمن حضانتها فالأب أحقّ بها من غيره، وأمّا مع فقدان الأبوين فالحضانة لأب الأب ـ أي الجدّ للأب ـ لأنّ أصل الحضانة للأب; لأنّ له الولد ، والانتقال إلى الأُم مع وجودها إنّما هو بالنصّ(6) والإجماع(7) . فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب ، لأنّه أب ومشارك للأب في كون الولد له ، ولذا
(1) سورة البقرة : 2/233 .
(2) الوسائل : 21/459 ـ 460 و470 ـ 472 ، أبواب أحكام الأولاد ب73 و81 .
(3) في ص550 .
(4) في ص548 .
(5) في ص557 .
(6) الوسائل : 21/470 ـ 472 ، أبواب أحكام الأولاد ب81 .
(7) السرائر : 2/653 ، رياض المسائل : 7/251 .
(الصفحة563)
يكونان مشتركين في الولاية ، ولا ينتقض ذلك بأُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، نظراً إلى تسميتهما بالاُمّ لأنّ حضانة الأُمّ لما تكون مخالفة للأصل يقتصر فيها على المتيقّن ، وهي الأُم الأصليّة وبلا واسطة .
إنّما الكلام فيما إذا فقد أب الأب أيضاً ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع : فإن عدم ـ أي أب الأب ـ قيل: كانت الحضانة للأقارب، وترتّبوا ترتيب الإرث، نظراً إلى الآية(1) . وفيه تردّد(2) . واختاره في المتن وأضاف أنّه مع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاح أُقرع بينهم ، والمستفاد من الجواهر كثرة أقوال الأصحاب في المسألة وتشتّتها .
فمنها : ما سمعت من أنّها للجدّ من الأب مع فقد الأبوين ، ومع عدمه فإن كان للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه ، وإلاّ كانت حكم حضانته حكم الإنفاق تجب على الناس كفاية ، كما عن ابن إدريس(3) .
ومنها : ما اعتمد عليه في المسالك من أنّ حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه ، فإنِ اتّحد وإلاّ أُقرع بينهم(4) .
ومنها : ما في محكيّ الإرشاد من أنّها للأجداد دون من شاركهم في الإرث من الأخوة ، فإذا عدموا فإلى باقي مراتب الإرث(5) .
ومنها : ما عن المفيد من أنّها تكون لاُمّ الأب ، فإن لم تكن فلأبيه ، فإن لم يكونا
(1) سورة الأنفال : 8/75 .
(2) شرائع الإسلام : 2/346 .
(3) السرائر : 2/654 .
(4) مسالك الأفهام : 8/430 .
(5) إرشاد الأذهان : 2/40 .
(الصفحة564)
فلأُمّ الأُم(1) .
ومنها : ما عن أبي علي من أنّه من مات من الأبوين كان الباقي أحقّ به من قرابة الميّت ، إلاّ أن يكون المستحقّ له غير رشيد ، فيكون من قرب إليه أولى به ، فإن تساوت القرابات قامت القرابة مقام من هي له قرابة في ولايته ـ إلى أنّ قال : ـ والأُمّ أولى به ما لم تتزوّج ، ثمّ قرابتها أحقّ به من قرابة الأب; لحكم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بابنة حمزة لخالتها دون أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر(2) إلى آخره(3) ،(4) .
والأمور الّتي ينبغي بل يجب أن تلحظ في المقام عبارة عن الآية الشريفة وقوله (صلى الله عليه وآله) المذكور في قصّة بنت حمزة ، وقوله (عليه السلام) في خبر داود المتقدّم : «الأم أحقّ به من العصبة»(5) وإشعار قوله تعالى : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}(6) . وما يُستفاد من مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة(7) من ثبوت حقّ للوصي في الجملة ، وإن كانت الأُم أحقّ منه ، وأدلّة القرعة .
والظاهر أنّه مع عدم وجود الوصي للأب أو الجدّ يراعى مراتب الإرث ، وقصّة بنت حمزة لا تُنافيها; لأنّ عليّاً (عليه السلام)وجعفراً كانا ابني عمّ لها ، والخالة في المرتبة السابقة على ابن العمّ ، ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاح يُقرع بينهم ، وأمّا
(1) المقنعة : 531 .
(2) أمالي الطوسي : 342 ح700 ، الوسائل : 21/460 ، أبواب أحكام الأولاد ب73 ح4 .
(3) حكي عنه في مسالك الأفهام : 8/431 ـ 432 ومختلف الشيعة : 7/309 .
(4) جواهر الكلام : 31/296 ـ 297 .
(5) في ص550 .
(6) سورة آل عمران : 3/44 .
(7) بل تقدّم في ص548 عن عبدالله بن سنان ، وقد قال صاحب الوسائل في ج21/456 ذ ح 2 : وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ، وذكر الذي قبله .
(الصفحة565)
مسألة 18 : تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً فاذا بلغ رشيداً ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين ، بل هو مالك نفسه ذكراً كان أو أنثى1.
مع وجوده فبعد فقد الأبوين تصل النوبة إليه ، ثمّ مراتب الإرث ، كما لا يخفى .
1 ـ لا إشكال ولا خلاف في أنّه إذا بلغ الولد خالياً عن الجنون والسفاهة لا يكون لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين ، بل الخيار إليه في الإنضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، وفي الجواهر : بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(1) . كما أنّه لا إشكال في سقوط حقّ الولاية إلاّ في باب النكاح في الباكرة ، حيث إنّك عرفت(2)الاختلاف فيها ، وقد مرّ هذا البحث .
بقي في أصل مسألة الحضانة أمرٌ يلزم ملاحظته ، وهي أنّ الحضانة من الحقوق الّتي أقلّ آثارها السقوط بالاسقاط أم من الأحكام ، وعلى الثاني بل هي من الأحكام الوجوبية أم الاستحبابيّة ، كما أنّه عليه تستحق الاُجرة أم لا ، والظاهر عدم تحرير هذه الحيثيّة في كلمات الأصحاب .
نعم ، ذكر في الجواهر بعد حكايتها عن القواعد(3) والمسالك(4) : أنّها ولاية وسلطنة على تربية الطفل ، وما يتعلّق بها أنّه إن كان المراد أنّها ولاية كغيرها من الولايات الّتي لا تسقط بالإسقاط ، وأنّه تجب على الأُم مراعاة ذلك على وجه لا تستحقّ عليه الأجرة ـ كما صرّح به في المسالك ـ ليس في شيء من الأدلّة ما تقتضي ذلك ، بل فيها ما يقتضي خلافه ، كالتعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقيّة ، بل ظاهرها
(1) جواهر الكلام : 31/301 .
(2) في «فصل في أولياء العقد» مسأله 2 .
(3 ، 4) قواعد الأحكام : 2/51 ، مسالك الأفهام : 8/421 .
(الصفحة566)
كون هذه الأحقيّة مثلها في الرضاع ، وحينئذ لا يكون ذلك واجباً عليها ، ولها إسقاطه والمطالبة باُجرته ، اللّهمّ إلاّ أن يكون إجماعاً ولم نتحقّقه(1) .
أقول : الظاهر كون الحضانة حقّاً قابلا للإسقاط; لأنّه أقلّ آثار الحقّ كما عرفت ، ولكن هذا الحقّ له إضافة إلى الأُمّ أو الأب من جهة أنّ لهما الأولويّة في تربية الولد وما يتعلّق بها من غيرهما ، والأُم لها الأولويّة بالإضافة إلى الأب في مدّة الرضاع وبعدها التفصيل بين الأب والأُمّ ، وله إضافة إلى الولد من جهة كونه تحت تربية أحد الوالدين ، ولعلّه لذا ذكر الشهيد في قواعده أنّه لو امتنعت الأُم من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب(2) . فإنّ الإجبار لا يكاد يتم إلاّ بناءً على ما ذكرناه ، ولا يبعد أن يقال بعدم السقوط بالإسقاط من هذه الجهة ، كما أنّه لا يبعد أن يقال بعدم استحقاق الأُجرة; لعدم إشعار شيء من الروايات الواردة في هذا المجال على الاستحقاق مع دلالة جملة منها عليه بالإضافة إلى الرضاع كما تقدّم(3) . فتدبّر جيّداً .
(1) جواهر الكلام : 31/283 ـ 284 .
(2) القواعد والفوائد : 1/396 .
(3) في ص547 ـ 552 .
(الصفحة567)
فصلٌ في النفقات
إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة : الزوجيّة والقرابة والملك .
مسألة 1 : إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة فلا نفقة للمنقطعة ، وأن تكون مطيعة له فيما تجب إطاعتها له ، فلا نفقة للناشزة ، ولا فرق بين المسلمة والذمّية1.
1 ـ وجوب النفقة من حيث كونها نفقة إنّما يكون بأحد أسباب ثلاثة ، وأمّا من جهة وجوب حفظ النفس المحترمة كفاية أو عيناً فلا يدخل تحت هذه الأسباب الخاصّة ، لكن قد عرفت(1) الإشارة إلى أنّ سعة دائرة هذا الوجوب وضيقها يشكل الوصول إليها ، من جهة أنّه من المعروف بل المسلّم في الأنظار وجوب حفظ النفس المحترمة مطلقاً ، وانّه في أعلى مراتب الوجوب ، وأنّه لا يُقابله الواجبات الأُخر ، ويؤيّده عدم تأثير الإكراه على قتل مسلم في جوازه ولو وقع التهديد بالقتل .
(1) في ص488 ـ 489 .
(الصفحة568)
ومن جهة اقتضاء سعة دائرة الوجوب لرفع الناس أيديهم عن الفعّاليّة ، والعمل وصرف أموالهم وأوقاتهم وإمكاناتهم في معالجة المرضى المشرفين على التلف لئلا يتلفوا ، وهذا أمرٌ بعيد عن أذهان المتشرّعة حتى العلماء منهم ، حيث إنّهم لا يرون ذلك واجباً ، والتحقيق في محلّه .
وكيف كان فأحد الأسباب الثلاثة الخاصّة الزوجيّة ، بمعنى انّه تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرطين :
أحدهما : أن تكون دائمة فلا نفقة للمنقطعة ، أمّا الوجوب في مطلق النكاح أو خصوص الدائمة ، فيدلّ عليه الكتاب والروايات المتكثّرة بل المتواترة ، مثل قوله تعالى : {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(1) . وقوله تعالى : {لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِن سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتاهُ اللّهُ}(2) . وقوله تعالى : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}(3) . وقوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُون عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم}(4) . وقوله تعالى : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوْف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}(5) بعد قوله : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} والروايات(6) الواردة في هذا المجال كثيرة ، بل ادّعى صاحب الجواهر أنّها فوق حدّ التواتر(7) . وأمّا عدم الوجوب في النكاح المنقطع فلما مرّ البحث عنه في هذا النكاح ،
(1) سورة البقرة : 2/233 .
(2) سورة الطلاق : 65/7 .
(3) سورة النساء : 4/19 .
(4) سورة النساء : 4/34 .
(5) سورة البقرة : 2/229 .
(6) الوسائل : 21/509 ـ 513 ، أبواب النفقات ب1 .
(7) جواهر الكلام : 31/302 .
(الصفحة569)
وأنّ من خصوصيّات هذا النكاح عدم وجوب الإنفاق ، فراجع .
ثانيهما : أن لا تكون ناشزة بل مطيعة فيما تجب إطاعتها له من دون فرق بين المسلمة والذمّية ، ذكر المحقّق في الشرائع : وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردّد ، أظهره بين الاصحاب وقوف الوجوب على التمكين(1) . ولا ريب أنّ مراده بالعقد هو العقد الدائم ، وبالتمكين هو التمكين الكامل الذي فسّره بالتخلية بينها وبينه ، بحيث لا تخصّ موضعاً ولا وقتاً أي ممّا يحلّ له الاستمتاع بهما ، ولكن ما ينبغي أن يلحظ في كلامه أنّه(قدس سره) جعل الشرط الثاني لوجوب إنفاق الزوج هو التمكين المفسّر بما ذكر ، ثمّ عقّبه بالعبارة المذكورة ، فإنّ الجمع بين كون التمكين مأخوذاً بنحو الشرطيّة أوّلا ، وبين الترديد في ذلك ، وأنّ الأظهريّة بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين لا يكاد يستقيم .
نعم ، حكي عن المسالك أنّه قال في شرح تردّد المحقّق : ولا ريب في أنّ للنفقة تعلّقاً بالعقد والتمكين جميعاً ، فإنّها لا تجب قبل العقد ، وتسقط بالنشوز بعد ، واختلف في أنّها بم تجب؟ فقيل : بالعقد كالمهر ـ إلى أن قال : ـ وقيل : لا تجب بالعقد مجرّداً ، بل بالتمكين ، وذكر قبل ذلك ما يرجع إلى أنّ الأمر دائرٌ بين شرطيّة التمكين وبين مانعيّة النشوز ، وذكر في هذا المجال : أنّه إن جعلنا التمكين شرطاً فظاهر ، وإن جعلنا النشوز مانعاً كان ملحوظاً في تحقّق معناه ، فلذا بدأ ـ أي المحقق في الشرائع ـ به قبل تحقّق محل الخلاف(2) .
ولكنّ الذي أفاده صاحب الجواهر بعد التأمّل الجيّد في كلام الفاضلين(3) أنّه
(1) شرائع الإسلام : 2/347 .
(2) مسالك الأفهام : 8/440 ـ 441 .
(3) شرائع الإسلام : 2/347 ، قواعد الأحكام : 2/52 .
(الصفحة570)
مسألة 2 : لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتى تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها1.
لا كلام في اعتبار التمكين الذي هو ضدّ النشوز ، ولا يتحقّق عدمه إلاّ به في وجوب الإنفاق ، ولذا فرّعوا عليه ما يقتضي النشوز ، وإنّما الكلام في اعتبار غيره فيه(1) .
أقول : التفريع بما يقتضي النشوز قرينة على أنّه ليس المراد بالتمكين إلا أمراً واحداً; لا أنّه له مرتبتان : أحدهما شد النشوز ، والأُخرى الزائدة على ذلك ، والأُولى مجمع على اعتبارها ، والثانية محلّ الكلام والخلاف ، فلا محيص إلاّ أن يُقال : بأنّ البحث في هذا المجال إنّما يرجع إلى شرطيّة التمكين أو مانعيّة النشوز ، ولا ينبغي الارتياب في الثاني ، كما ربّما يشعر بل يدلّ عليه المتن أيضاً ، فإنّه لو كان التمكين شرطاً يجب إحرازه في وجوب الإنفاق ، بخلاف ما إذا كان النشوز مانعاً ، فلو سافر الزوج بعد العقد بمجرّده شهراً ولم يرجع إلاّ بعده ، وشكّ في أنّها هل كانت متمكّنة من نفسها في الشهر الماضي لو لم يسافر أم كانت ناشزة ، فعلى تقدير الشرطيّة لا يجب الإنفاق بالإضافة إلى ذلك الشهر بخلاف المانعيّة .
وأمّا نكاح المسلمين وعدم إنفاقهم إلى الزفاف فإنّما هو لأجل عدم التمكين ، المساوق للنشوز لا لأجل اعتبار شيء آخر في وجوب الإنفاق زائداً على التمكين الذي هو ضدّ النشوز ، فتدبّر خصوصاً مع تشويش كلماتهم .
1 ـ اعتبار إظهارها الطّاعة والعلم بها إن كان المراد به عدم الاكتفاء بالفعل ، بل لابدّ من لفظ يدلّ عليه من قبل المرأة، كأن تقول: سلّمت نفسي إليك حيث شئت أو
(1) جواهر الكلام : 31/303 .
(الصفحة571)
مسألة 3 : لو ارتدّت سقطت النفقة ، وإن عادت في العدّة عادت1.
مسألة 4 : الظاهر أنّه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها . نعم لو كانت الزوجة مراهقة
أيّ زمان شئت ، كما استظهره في المسالك(1) من كلام المحقّق(2) وغيره(3) . فيرد عليه أنّه لا دليل عليه ، ولا يتوقّف صدق الطاعة والإنقياد ـ وكذا عروض نفسها عليه ـ كلّ غدوة وعشيّة عليه ، وإن كان المراد نفي صورة الشك فهو تامّ; لأقتضاء الاستصحاب البقاء على النشوز ، وأمّا إنقضاء زمان أمكن الوصول إليها ، فإن كان المراد مدخليّة انقضاء الزمان المذكور في ذلك فالظّاهر أنّه لا دليل عليه ، وإن كان المراد ارتفاع الشكّ في بقاء النشوز بذلك فهو حقّ لا ريب فيه .
1 ـ أمّا سقوط النفقة مع ارتدادها فإنّما للخروج عن الزوجيّة بمجرّد الارتداد وحصول البينونة بينهما كذلك ، ومن المعلوم أنّه لا تجب نفقة غير الزوجة فيما كانت علّة وجوبها الزوجيّة وأمّا ، عود وجوب النفقة بعد عودها عن الارتداد في العدّة فبلحاظ أنّ توبة المرتدّة حيث تكون مقبولة ولو بحسب الظّاهر ، فإذا كانت هذه التوبة واقعة في العدّة ولم تخرج العدّة بعد تعود الزوجيّة الموجبة للإنفاق ، والمفروض في هذه المسألة عدم تحقّق النشوز .
(1) مسالك الأفهام : 8/469 .
(2) شرائع الإسلام : 2/350 .
(3) المبسوط : 6/11 ، قواعد الأحكام : 2/52 .
(الصفحة572)
والزوج مراهقاً أو كبيراً أو كان الزوج مراهقاً والزوجة كبيرة لم يبعد استحقاقها لها مع تمكينها له من نفسها على ما يمكّنه من التلذّذ والاستمتاع منها1.
1 ـ الظاهر أنّ الوجه في عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة هو عدم التمكين الكامل ، الذي قد عرفت أنّه الشرط الثاني لوجوب إنفاق الزوج ، أو ثبوت النشوز الذي هو مانع عن ثبوت وجوب الإنفاق بلحاظ حرمة وطئها ما دام كونها صغيرة ، وفي محكيّ كشف اللثام : ولا يفيد تمكينها من الوطء وإن حرم ، أو كان الزوج صغيراً يمكنه الوطء ، ولا يحرم عليه ، فإنّه تمكين غير مقصود شرعاً ، والفرق بينها وبين الحائض أنّ الحائض أهل للاستمتاع بالذات ، وإنّما المانع أمر طار بخلافها ، وإنّها ليست أهلا للتمكين لصغرها ونقصها ، ولا عبرة بتسليم الوليّ; لأنّها ليست مالا الخ(1) .
وأورد عليه في الجواهر بمنع عدم صدق التمكين منها مع فرض بذل نفسها نحو الكبيرة ، وحرمة وطؤها لا مدخليّة لها في صدق اسم التمكين منها ، المتحقّق برفع المانع من جهتها(2) . فلا فرق حينئذ بين الصغيرة والحائض ، خصوصاً إذا كانت مراهقة وكان الزوج كبيراً أو مراهقاً .
نعم ، لو كانت كبيرة وزوجها صغيراً ، فالمحكي عن خلاف الشيخ أنّه لا نفقة لها(3) ولكن قال المحقّق في الشرائع : وفيه إشكال ، منشأه تحقّق التمكين من طرفها ، والأشبه وجوب الإنفاق(4) وأورد عليه في الجواهر بمنع تحقّق التمكين بدون التمكّن ،
(1) كشف اللثام : 7/561 .
(2) جواهر الكلام : 31/310 .
(3) الخلاف : 5/113 .
(4) شرائع الإسلام : 2/348 .
(الصفحة573)
مسألة 5 : لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعيّ أو عقليّ من حيض أو إحرام أو إعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك ، وكذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحجّ الواجب بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه ، بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح فإنّه تسقط نفقتها ، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر فضلا عمّا كان له ; لتحقّق النشوز المسقط لها1.
وعلى تقديره فيشكّ في شمول الأدلّة لذلك(1) .
والتحقيق في أصل المسألة أنّه لو كان المراد هو التمكين من الوطء فلا فرق بين الصغيرة والحائض ، خصوصاً إذا قيل بحرمة وطء الحائض دبراً أيضاً ، وإلاّ فالفرق بينهما واضح ، ولو كان المراد جواز الالتذاذ والاستمتاع ولو باللمس والنظر ففي الصغيرة يمكن ذلك . نعم فيما إذا كانت صغيرة جدّاً لا يترتّب على لمسها ونظرها إلتذاذ أصلا لا يتحقّق هذا المعنى ، فاللاّزم حينئذ التفصيل في الصغيرة بالنحو المذكور ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد علّل المحقّق في الشرائع عدم سقوط النفقة في موارد لا يمكن الاستمتاع فيها لعذر أعمّ من الشرعي أو العقلي بإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قُبلا وظهور العذر فيه(2) ، ومن الواضح جريان هذا التعليل في الصغيرة الّتي عرفت عدم ثبوت النفقة لها ، والأولى التعليل بما في الجواهر : من أنه إن لم تجب النفقة مع دوام عذرها
(1) جواهر الكلام : 31/311 .
(2) شرائع الإسلام : 2/348 .
(الصفحة574)
لزم دوام الزوجيّة بلا نفقة ، وهو ضرر عظيم ، وأيّام المرض كأيّام الحيض في ظهور العذر وتوقّع الزوال ورضاه لما تزوّج ، فإنّ الإنسان لا ينفكّ عنه دائماً ، فاستثناؤها لا ينافي تماميّة التمكين ، خصوصاً مع علمه وإقدامه على التزويج بمن يتعذّر الاستمتاع بها بالوطء ، فكأنّه أسقط حقّه من التمكين من الوطء ورضى بما عداه(1) .
أقول : ما أفاده من أنّ أيّام المرض كأيّام الحيض ، يرد عليه ـ بعد الفرق فيما لو فرض أنّ أيّام المرض عامّة مستمرّة ، وكان الزوج جاهلا بذلك ، بخلاف أيّام الحيض الّتي لا تكون دائمة ، مضافاً إلى علم الزوج بذلك غالباً ـ بانّه لم يقم عليها دليل ، وظهور العذر إنّما يترتّب عليه عدم وجوب التمكين لعدم اجتماعه مع المرض ، وأمّا ثبوت النفقة فلا ، إلاّ أن يُقال : بأنّ ما يوجب سقوط النفقة إنّما هو عدم التمكين الواجب ، وإلاّ فمطلق عدم التمكين لا يوجب السقوط بعد عموم أدلّة الإنفاق ، والخارج منه ما ذكر .
وكذا لا تسقط النفقة إذا سافرت الزوجة بإذن الزوج ، سواء كان لمصلحتها أو مصلحته ، في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحج بتعبير المتن ، وإلاّ فالحجّ لا يكون واجباً مضيّقاً إصطلاحاً ، بل واجب فوريّ ، وبينهما فرق ، ولا فرق في هذا بين أن يكون بإذنه أو بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه لفرض فوريّة الوجوب ، بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح ، بل ولو في واجب غير فوريّ ، كما إذا نذرت بإذن الزوج أن تزور مشهد الرضا (عليه السلام)مرّة في خمس سنين ، فأرادت أن تزوره في السنة الأُولى مثلا ، فإنه حينئذ تسقط نفقتها ، وفي المتن : بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر ، فضلا
(1) جواهر الكلام : 31/312 .
(الصفحة575)
مسألة 6 : تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة ، كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا ، ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة ، وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب . وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها ، سواء كانت عن طلاق أو فسخ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملا ، فإنّها تستحقّهما حتى تضع حملها ، ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى1.
عمّا كان له لتحقّق النشوز المسقط لها .
أقول : قد مرّ في بحث النشوز(1) ما يتعلّق بالخروج من بيته بغير إذنه ، فراجع .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في ذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة ، والكلام فيه قد يقع في المتمكّنة وقد يقع في الناشزة ، أمّا الفرض الأوّل فيدلّ على ثبوت النفقة فيه مضافاً إلى نفي الخلاف بل الإجماع(2) روايات كثيرة ، مثل :
صحيحة سعد بن أبي خلف قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن شيء من الطلاق؟ فقال : إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شائت ولا نفقة لها ،
(1) في ص482 ـ 483 .
(2) كشف اللثام : 7/580 ، رياض المسائل : 7/261 ، جواهر الكلام : 31/316 .
(الصفحة576)
قال : قلت : أليس الله يقول : {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}(1) قال : فقال : إنّما عنى بذلك الّتي تطلّق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك الّتي لا تخرج ولا تُخرَج حتى تطلّق الثالثة ، فإذا طُلِّقَت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة الّتي يُطَلِّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدّتها(2) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها ، إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة(3) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم(4) فإنّ القدر المتيقّن من إطلاقها أو المحمول عليه إطلاقها هي ذات العدّة الرجعيّة .
وبالجملة : لا إشكال في ثبوت النفقة لذات العدّة الرجعيّة; لأنّها كما اشتهر(5)بمنزلة الزوجة غير المطلّقة ، ومن المعلوم أنّ من أشهر آثار الزوجيّة الإنفاق على الزوجة . نعم قد استشكل العلاّمة(6) في ثبوت النفقة بالإضافة إلى الموطوئة بشبهة الّتي لا رجوع للزوج عليها ما دامت كونها في عدّة وطء الشبهة ، في كلتا صورتيه
(1) سورة الطلاق : 65/1
(2) الكافي : 6/90 ح5 ، التهذيب : 8/132 ح458 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح1 .
(3) الكافي : 6/104 ح4 ، التهذيب : 8/133 ح 459 ، الإستبصار : 3/334 ح 1188 ، الفقيه : 3/324 ح 1571 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح2 .
(4) قرب الإسناد : ص 254 ح 1002 ، الوسائل : 21/522 ، أبواب النفقات ب8 ح11 .
(5) شرائع الإسلام: 2/348، مسالك الأفهام: 8/449، كشف اللثام: 7/580، الحدائق الناضرة: 25/108، جواهر الكلام: 31/318.
(6) قواعد الأحكام : 2/55 .
(الصفحة577)
اللّتين هما الوطء بالشبهة قبل الطلاق والوطء بها بعده في زمن العدّة .
ووجه الإشكال أنّ النفقة إنّما تجب للزوجة ومن في حكمها ، وهي من في العدّة الرجعيّة ، ويكون للزوج عليها حقّ الرجوع وبقاء حكم الزوجية ، وإن امتنع الرجوع للزوج الآن لوجود المانع ، كما تجب النفقة على الزوجة الصائمة أو المحرمة مع امتناع الاستمتاع بهما ، وقال : في الجواهر : وربّما فرّق بينهما ـ يعني بين الصورتين ـ بوجود النصّ على الإنفاق في المطلّقة بخلاف الباقية في النكاح ، ثمّ قال : إلاّ أنّه كما ترى ، ضرورة أولويّتها منها بذلك(1) .
المقام الثاني : في سقوط نفقة البائن وسكناها ، سواء كانت عن طلاق أو فسخ أو بردّته عن فطرة أو قبل الدخول ونحو ذلك ، ويدلّ عليه مضافاً إلى انقطاع الزوجيّة بذلك بنحو لا يكون له فيها الرجوع روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المطلّقة ثلاثاً على السنّة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن المطلّقة ثلاثاً ألها سكنى ونفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا(3) .
ورواية سماعة قال : قلت له : المطلّقة ثلاثاً لها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة(4) .
(1) جواهر الكلام : 31/318 .
(2) الكافي 6/104 ح2 ، التهذيب : 8/133 ح 460 ، الإستبصار : 3/334 ح 1189 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح5 .
(3) الكافي 6/104 ح3 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح6 .
(4) الكافي 6/104 ح5 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح3 .
(الصفحة578)
ومن الواضح أنّه لا خصوصيّة للمطلّقة ثلاثاً ، بل إنّما هي من جهة كون طلاقها بائناً ، ويدلّ عليه صحيحة سعد المتقّدمة في المقام الأوّل ، وبهاتين الروايتين الأخيرتين الظاهرتين في الفرق بين الحبلى وغيرها تحمل صحيحة عبدالله بن سنان على صورة عدم كونها حبلى ، كما أنّه يحمل بعض الروايات الدّالّة بإطلاقها على ثبوت النفقة للمطلّقة بائناً على صورة الحمل ، مثل :
صحيحة ابن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المطلّقة ثلاثاً على العدّة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم(1) .
ورواية عليّ بن جعفر المتقدّمة ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم .
ويمكن حمل الأخيرة على خصوص الرّجعيّة ، كما أنّه يمكن حمل كليهما على الاستحباب ، كما حمل الشيخ الاُولى عليه ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد استثنى من المطلّقة بائناً من كانت حاملا ، فإنّه يلزمه الإنفاق عليها حتى تضع حملها ، وظاهر المتن اختصاص استثناء الحامل بالمطلّقة ، وعدم شموله لِما إذا كانت عدّة البائنة عن فسخ ، وفي الجواهر : نعم لو قلنا بأنّ النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها ، بل في القواعد(2) الجزم به ، بل ظاهر كشف اللثام(3) نفي الإشكال عنه ، وإن كان فيه ما ستعرفه(4) .
أقول : قال الله تعالى في سورة الطلاق : {وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُواْ عَلَيْهِنَّ
(1) التهذيب : 8/133 ح461 ، الإستبصار : 3/334 ح1190 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح8 .
(2) قواعد الأحكام : 2/55 .
(3) كشف اللثام : 7/581 .
(4) جواهر الكلام : 31/320 .
(الصفحة579)
حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}(1) . ووقوع هذا القول في ذيل آية المطلّقات أوجب توهّم الاختصاص بها ، وعدم الشمول لما إذا كان عن فسخ ، مع أنّ الظّاهر عدم الاختصاص بها ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بثبوت وجوب الإمكان بالإضافة إلى المطلّقات البائنة كالمطلّقات الرجعية ، والروايات المتقدّمة لا يظهر منها الإختصاص بالمطلّقة الحُبلى ، كما أنّ الرّوايات الواردة الدّالّة على ثبوت نفقة المطلّقة الحامل لا دلالة لها على ذلك ، بل فيها ما يشمل صورة الفسخ بالإطلاق .
ففي صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الحامل أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها(2) .
وذكر صاحب الجواهر في مبحث آخر : أنّ الخبر يحتاج إلى جابر وليس(3) . ولعلّه لوجود الشهرة باعتقاده على خلافه ولم تثبت ، وإن كان بعضها يدلّ بمفهوم الوصف على ذلك ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الحُبلى المطلّقة يُنفق عليها حتّى تضع حملها ، الحديث(4) إلاّ أنّه لا حجيّة لمفهوم الوصف ، بل ولا شيء من المفاهيم حتى مفهوم الشرط ، كما قد قُرّر في محلّه من علم الاُصول .
وبالجملة : لا يمكن استفادة الاختصاص من الأدلّة اللّفظية إلاّ أن يكون إجماع عليه ، كما يظهر من الجواهر(5) .
(1) سورة الطلاق : 65/6 .
(2) الكافي 6/103 ح1 ، التهذيب : 8/133 ح 463 ، الوسائل : 21/518 ، أبواب النفقات ب7 ح3 .
(3) الكافي 6/103 ح 3 ، تفسير العياشي : 1/121 ح 385 ، الوسائل : 21/518 ، أبواب النفقات ب 7 ح 4 .
(4) جواهر الكلام : 31/359 ـ 360 .
(5) جواهر الكلام : 31/323 .
(الصفحة580)
وكيف كان فقد وقع الخلاف فيما إذا كانت النفقة ثابتة لأجل الحمل في أنّه هل النفقة ثابتة للحمل أو لاُمّه فالمحكيّ عن مبسوط الشيخ(1) وتبعه عليه جماعة(2) بل في الحدائق النسبة إلى الأكثر(3) هي للحمل ، وعن ابن حمزة(4) وجماعة(5) هي للحامل ، وتظهر الفائدة بين القولين في موارد كثيرة لعلّها تبلغ عشرة موارد .
منها : وجوب القضاء وعدمه فيما إذا لم ينفق عليها بناء على أنّ نفقة الأقارب لا تُقضى ، بخلاف الزوجة فإنّها تقضى .
ومنها : فيما لو كانت ناشزاً وقت الطلاق أو نشزت بعد ، فإنّ النفقه حينئذ ساقطة بناء على كونها للحامل دون ما إذا كانت للحمل إلى غير ذلك من الموارد .
وقد استدلّ لأوَّلِ القولين بدوران النفقة معه وجوداً وعدماً ، وبانتفاء الزوجيّة الّتي هي أحد أسباب الإنفاق كالملك ، فليس إلاّ القرابة وبنص الأصحاب على أنّه ينفق عليها من مال الحمل ، كما أنّه لو استدلّ لثاني القولين بأنّه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها ، ولما كانت نفقته مقدّرة بحال الزوج; لأنّ نفقة الأقارب غير مقدّرة بخلاف نفقة الزوجة ، وبأنّه لو كانت للحمل لوجبت على الجدّ كما لو كان منفصلا ، ولسقطت بيساره بإرث أو وصيّته قد قبلها وصيّه .
أقول : ظاهر الآية الشريفة المتقدّمة الدالّة على وجوب الإنفاق على ذوات الأحمال كون النفقة مرتبطة بالحامل لأجلّ التعبير بـ «على» وإن كان الحمل
(1) المبسوط : 6/28 .
(2) المهذّب : 7/348 ، كشف الرموز : 2/202 ، مختلف الشيعة : 7/324 .
(3) الحدائق الناضرة : 25/111 .
(4) الوسيله : 328 .
(5) غُنية النزوع : 385 ، مسالك الأفهام : 8/475 .
|