(الصفحة21)
الأمر الثالث
في تقسيمات المقدّمـة
ثمّ إنّـه ربّما تقسّم المقدّمـة بتقسيمات لابدّ من ذكرها وبيان أنّ أيّ قسم منها داخل في محلّ البحث ومورد النزاع .
تقسيم المقدّمـة إلى الخارجيّـة والداخليّـة
فنقول : من التقسيمات تقسيمها إلى الخارجيـة والداخليـة ، والمراد بالأوّل هي الاُمور الخارجـة عن حقيقـة المأمور بـه التي لايكاد يمكن تحقّقـه بدون واحد منها ، وبا لثاني هي الاُمور التي يتركّب منها المأمور بـه ، ولها مدخليـة في حقيقتـه .
لا إشكال في كون المقدّمات الخارجيـة داخلـة في مورد البحث ، وإنّما الكلام في المقدّمات الداخليـة ، وأ نّها هل تكون داخلةً في محلّ النزاع أم لا ؟
قد يقال باختصاص البحث بخصوص المقدّمات الخارجيـة ; لأنّ الأجزاء لاتكون سابقةً على الكلّ ومقدّمةً عليـه ; لأنّ الكلّ ليس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر .
وقد ذكر بعض الأعاظم في دفع الإشكال أنّ المقدّمـة عبارة عن نفس الأجزاء بالأسر ، والمركّب عبارة عن تلك الأجزاء بشرط الانضمام والاجتماع ، فتحصل المغايرة بينهما .
1 ـ اُنظر هداية المسترشدين: 216 / السطر 6.
2 ـ كفايـة الاُصول: 115.
(الصفحة22)
هذا ، ولايخفى أنّ هذا الكلام لايدفع بـه الإشكال ; لأنّ مجرّد المغايرة الاعتباريـة بينهما الراجعـة إلى أنّ في الواقع لايكون إلاّ أمر واحد وشيء فارد لايصحّح عنوان المقدّميـة المتوقّف على أن يكون هنا شيء متقدّم في الوجود على ذيها وسابق عليها ; إذ لايعقل أن يتقدّم شيء واحد على نفسـه ، وهذا واضح .
وتحقيق المقام أن يقال: إنّ المركّبات على قسمين :
الأوّل: المركّبات الحقيقيـة .
الثاني: المركّبات غير الحقيقيـة .
وا لمراد بالأوّل هي المركّبات من الجنس والفصل والمادّة والصورة .
ولايخفى أنّ هذا القسم خارج عن محلّ البحث بالاتّفاق ; لأنّ الجنس والفصل من الأجزاء التحليليـة العقليـة ولا وجود لها في الخارج ، والصورة والمادّة وإن كانتا موجودتين في الخارج إلاّ أ نّـه لا امتياز بينهما وبين المركّب منهما ليتوقّف عليهما ، وهذا واضح .
وا لمراد با لقسم الثاني هو المركّب من الأشياء المتخا لفـة الحقائق والاُمور المتبائنـة ، وهو على قسمين :
الأوّل: المركّبات الصناعيـة ، وهي المركّب من الاُمور المتعدّدة بحيث يكون لذلك المركّب عنوان واحد من دون توقّف على أن تكون وحدتها معتبرةً باعتبار معتبر ، وهذا كا لمسجد والدار والبيت والسرير وأمثا لها .
والثاني: المركّبات الاعتباريـة ، وهي المركّب من الاُمور المتعدّدة الملحوظـة بنظر الوحدة لأجل مدخليتها بتمامها في حصول غرض واحد ، وترتّب مصلحـة واحدة عليها ، وهذا كأكثر المركّبات .
وهذان القسمان قد وقعا محلّ الخلاف في أ نّـه هل يكونان داخلين في مورد النزاع أم لا .
(الصفحة23)
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: إذا أراد الفاعل بناء مسجد مثلاً ، فلا إشكال في أ نّـه يتصوّره وما يترتّب عليـه من الفوائد ثمّ يشتاق إليـه ثمّ يُريده ، وربّما لايتوجّـه إلى أجزاء المسجد في مقام تعلّق الإرادة ببنائـه أصلاً ، بل تكون كلّها مغفولاً عنها .
ثمّ إذا شرع في العمل ورأى أنّ تحقّق المسجد يتوقّف على اُمور متعدّدة ، فلا محا لـة يريد كلّ واحد منها ; لتوقّف حصول الغرض الأقصى عليـه .
غايـة الأمر أنّ الإرادة المتعلّقـة بها ليست لأجل نفسها ، بل لحصول غيرها ، لا أن تكون تلك الإرادة مترشّحةً عن الإرادة المتعلّقة ببناء المسجد ومسبّبةً عنها ، كما عرفت في صدر المبحث ، وقد حقّق في محلّـه أنّ تعيّن الإرادة وتشخّصها إنّما هو با لمراد بمعنى أ نّـه لايمكن تحقّقها بدون المراد ، كما يشهد بـه الوجدان ، ويدلّ عليـه البرهان . وكذلك لايمكن تعلّق إرادة واحدة بمرادات متعدّدة ، بل كلّ مراد يحتاج إلى إرادة مستقلّـة ، وحينئذ فالإرادة المتعلّقـة ببناء المسجد ليست هي الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات ، وإلاّ لزم تعدّد المراد مع إرادة واحدة .
وبالجملـة: فا لمسجد عنوان واحد قد تتعلّق بـه الإرادة لما يترتّب عليـه من الفوائد ، وفي هذه الإرادة لامدخليـة للأجزاء أصلاً بمعنى أ نّـه لو سُئل المريد عن الاشتياق با لمقدّمات لأجاب بنفيـه ، وعدم كونها مرادةً أصلاً ، ثمّ بعد علمـه بتوقّفـه عليها يريدها بالإرادة الغيريـة ; إذ من المعلوم أنّ كلّ واحد من المقدّمات يغاير المراد الأوّلي ، فكما أنّ كلّ واحد من المقدّمات الخارجيـة يصير مرادةً بالإرادة الغيريـة فكذلك المقدّمات الداخليـة بلا فرق بينهما أصلاً .
1 ـ الحكمـة المتعاليـة 6: 323.
(الصفحة24)
وما يظهر من بعض الكلمات من أنّ المقدّمـة هي الأجزاء بالأسر إن اُريد با لمجموعيـة عموم الأجزاء با لعموم الاستغراقي الراجع إلى أنّ المقدّمـة هي كلّ واحد من الأجزاء مستقلاّ ، فنحن لانمنعـه ، ولكن هذا لايوجب الفرق بينها وبين المقدّمات الخارجيـة أصلاً ، كما هو واضح .
وإن اُريد بها عموم الأجزاء با لعموم المجموعي الراجع إلى أنّ المجموع مقدّمـة ، فيرد عليـه : أنّ الوجدان شاهد على خلافـه ; لعدم تحقّق ملاك المقدّميـة ـ وهو التوقّف ـ إلاّ في كلّ واحد من الأجزاء .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الأجزاء بالأسر هو المركّب لا المقدّمات .
ثمّ بما ذكرنا ظهر أمران :
الأوّل: تحقّق ملاك المقدّميـة في الأجزاء .
الثاني: كونها داخلةً في محلّ النزاع ; لعدم لزوم اجتماع المثلين بعد فرض أنّ متعلّق الإرادة النفسيـة هي عنوان المسجد مثلاً ، ومتعلّق الإرادة الغيريـة هي كلّ واحد من الأجزاء .
ثمّ إنّا جعلنا المثال في إرادة الفاعل وفي القسم الأوّل من المركّبات ، وعليك مقايسـة إرادة الآمر بإرادة الفاعل والقسم الثاني بالأوّل .
دفعُ وَهم: في أنحاء الوحدة الاعتباريّـة
ثمّ إنّـه ذكر المحقّق العراقي ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ أنّ الوحدة الاعتباريـة يمكن أن تكون في الرتبـة السابقـة على الأمر بأن يعتبر عدّة اُمور متبائنـة شيئاً واحداً بلحاظ مدخليتها في حصول غرض واحد ، ويمكن أن
1 ـ كفايـة الاُصول: 115.
(الصفحة25)
تكون في الرتبـة المتأخّرة بحيث تنتزع من نفس الأمر بلحاظ تعلّقـه بعدّة اُمور ، فيكون تعلّقـه بها منشأً لانتزاع الوحدة لها الملازمـة لاتّصافها بعنواني الكلّ والأجزاء .
ثمّ ذكر بعد ذلك أنّ الوحدة با لمعنى الثاني لايعقل أن تكون سبباً لترشّح الوجوب من الكلّ إلى الأجزاء بملاك المقدّميـة ; لأنّ الجزئيـة والكلّيـة الملزومـة لهذه الوحدة ناشئـة من الأمر على الفرض ، فتكون المقدّميّـة في رتبـة متأخّرة عن تعلّق الأمر با لكلّ ، ومعـه لايعقل ترشّحـه على الأجزاء ; لأنّ الأمر الغيري إنّما يتعلّق بما يكون مقدّمةً مع الغضّ عن تحقّق الأمر ، ولايمكن تعلّقـه بما لايكون مقدّمةً في رتبة سابقة على الأمر ، فا لنزاع في تعلّق الوجوب الغيري ينحصر با لقسم الأوّل . انتهى .
ولايخفى أنّ في كلامـه(قدس سره) خلطاً من وجهين :
الأوّل: أنّ جعل أشياء متعدّدة متعلّقةً لأمر واحد لايمكن إلاّ بعد كون المصلحـة قائمةً بهيئتـه الاجتماعية ، وإلاّ فمع كون كلّ واحد منها ذا مصلحة مستقلّة موجبـة لتعلّق إرادة مستقلّـة بها لايمكن اجتماعها في متعلّق أمر واحد .
وبا لجملـة فتعلّق الأمر بالأشياء المتعدّدة متوقّف على تصوّرها با لنحو الذي يترتّب المصلحـة عليها ، وذلك النحو ليس إلاّ اجتماع كلّ مع الآخر ، فالاجتماع ملحوظ لامحا لـة قبل تعلّق الأمر ; إذ المصلحـة المنظورة إنّما يترتّب عليها مع هذا الوصف ، ولا نعني با لوحدة إلاّ لحاظ الأشياء المتغائرة مجتمعةً كلّ واحد منها مع الآخر لامفهوم الوحدة كما لايخفى ، فلا فرق بين القسمين في أنّ الوحدة في كليهما ملحوظـة قبل تعلّق الأمر أصلاً .
1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 315 ـ 316.
(الصفحة26)
الثاني: أ نّـه لو سلّمنا أنّ انتزاع الوحدة الملازمـة لاتّصاف الأشياء بعنواني الكلّ والأجزاء إنّما هو بعد تعلّق الأمر بها ، ولكن نقول : إنّ النزاع في باب المقدّمـة إنّما هو فيما يتوقّف عليـه المأمور بـه واقعاً ، ولايكاد يمكن تحقّقـه بدونـه ، لا في عنوان المقدّميـة ; ضرورة أ نّها لم تكن متوقّفاً عليها أصلاً ، وحينئذ فمجرّد أنّ عنوان المقدّميـة يتوقّف اتّصاف الأجزاء بـه على تعلّق الأمر لايوجب خروج الأجزاء عن توقّف المأمور بـه عليها واقعاً .
مضافاً إلى أنّ عنوان المقدّميـة إنّما هو من العناوين الإضافيـة التي من شأنها أن يتحقّقا معاً من دون توقّف بينهما أصلاً ، نظير العلّيّـة والمعلوليـة ، فإنّ العلّـة منشأ لصدور المعلول بذاتها ومتقدّمـة عليـه بحقيقتها لابوصف العلّيّـة ، فإنّها من الاُمور الإضافيـة ، وعروضها للعلّـة إنّما هو في مرتبـة عروض وصف المعلوليـة للمعلول من دون تقدّم وتأخّر أصلاً . وهذا واضح جدّاً .
التفصيل بين العلّـة التامّـة وغيرها
ثمّ إنّـه قد يفصّل في المقدّمات الخارجيـة بين العلّـة التامّـة وغيرها بخروج الأوّل من مورد النزاع ، وذلك ; لأنّ إرادة الأمر لابدّ أن تتعلّق بما يمكن أن تتعلّق بـه إرادة الفاعل ، وهي لايمكن أن تتعلّق با لمعلول ; لأنّـه يكون خارجاً عن قدرة الفاعل ، فمتعلّق القدرة هي العلّـة ، فالأمر لابدّ أن يتعلّق بها دون المعلول .
وفيـه : أ نّـه على فرض صحّتـه لايكون تفصيلاً في محلّ النزاع ; لأنّ مرجعـه إلى أنّ الأمر المتعلّق با لمسبّب يجب أن ينصرف إلى علّتـه ، والنزاع إنّما هو على تقدير تعلّق الأمر با لمسبّب ، كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى بطلانـه من رأس ; فإنّ المسبّب وإن لم يكن من فعل الفاعل من دون وسط ، إلاّ أ نّـه يصحّ انتسابـه إليـه ; لتعلّق القدرة بـه ولو بواسطـة ، فيصحّ
(الصفحة27)
تعلّق الأمر بالإحراق ; لصحّـة استناده إلى المكلّف وإن كان متحقّقاً بمقتضى طبيعـة النّار ، إلاّ أ نّـه مقدور للمكلّف ; لقدرتـه على الإلقاء فيـه .
وهذا واضح جدّاً ، وإلاّ لم يكن كثير من الأفعال مقدوراً للمكلّف ; لتوقّفها غا لباً على بعض المقدّمات . والإشكال لاينحصر با لعلّـة التامّـة ; إذ كلّ فعل فهو غير مقدور للمكلّف إلاّ مع مقدّمتـه ، كما لايخفى .
ومن تقسيمات المقدّمـة: تقسيمها إلى الشرعيّـة والعقليّـة والعاديّـة .
ومن تقسيمات المقدّمـة: تقسيمها إلى مقدّمـة الصحـة ومقدّمـة العلم ومقدّمـة الوجود ومقدّمـة الوجوب .
وا لكلام فيها ما ذكره المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفايـة ، فلا نطيل با لتعرّض لما ذكره(قدس سره) .
تقسيم المقدّمـة إلى المتقدّمـة والمقارنـة والمتأخرّة
ومن تقسيمات المقدّمـة : تقسيمها إلى المقدّمـة المتقدّمـة والمقارنـة والمتأخّرة بحسب الوجود با لنسبـة إلى ذي المقدّمـة .
وقد اُشكل في الأوّل والأخير بأ نّـه لاريب في أنّ المقدّمـة من أجزاء العلّـة التامّـة ، ولابدّ من تقدّمها بجميع أجزائها على المعلول ، فلايعقل تقدّم المقدّمـة وتأخّره ، ومع ذلك فقد ورد في الشرع ما بظاهره مخا لف لهذه القضيّـة العقليّـة ا لدالّـة على امتناع تأخّر العلّـة عن معلولها ، وكذلك تقدّمها زماناً ، وذلك كالإجازة في عقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي ، والأغسال الليليـة المعتبرة في
1 ـ كفايـة الاُصول: 116 ـ 117.
2 ـ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 301 / السطر 27 ـ 28.
(الصفحة28)
صحّـة صوم المستحاضـة ، والعقد في الوصيـة ونظائرها ، بل كلّ عقد من حيث إنّ أجزاءه توجد متدرّجةً ، فعند تماميتـه انعدمت أجزاؤه المتقدّمة وغيرها من الموارد .
ولايخفى أنّ الموارد التي تكون بظاهرها مخا لفاً للقاعدة العقليـة لايخلو إمّا أن يكون شرطاً للتكليف أو للوضع أو للمكلّف بـه .
ما أفاده المحقّق العراقي(قدس سره) في المقام
ومن المحقّقين من المعاصرين مَنْ جوّز وقوعـه في التكوينيّات أيضاً .
واستدلّ على الجواز في الجميع بما حاصلـه : أ نّـه لاشبهـة في أنّ المقتضي لتحقّق المعلول حصّـة خاصّـة من طبيعي المقتضي ، لا أنّ نوعـه وطبيعتـه يقتضي ذلك ويؤثّر فيـه .
مثلاً : النار تقتضي وتؤثّر في وجود الإحراق لكن ليس المؤثّر في تحقّق الإحراق هي طبيعـة النار ونوعها ، بل المؤثّر حصّـة خاصّـة من طبيعتها ، وهي النار التي تماسّ الجسم المستعدّ با ليبوسـة لقبول الاحتراق ، وأمّا الحصّـة التي لاتتحصّص بخصوصيـة المماسّـة والقرب من الجسم المستعدّ للاحتراق ، فهي لاتعقل أن تؤثّر الأثر المترتّب على الحصّـة الاُولى ، وتلك الخصوصيـة التي بها تحصّصت الحصّـة المقتضيـة للمعلول لابدّ لها من محصّل في الخارج ، وما بـه تحصل تلك الخصوصيـة يسمّى شرطاً ، وهذه الخصوصيـة عبارة عن إضافـة قائمـة بتلك الحصّـة المقتضيـة حاصلـة من إضافـة الحصّـة المزبورة إلى شيء مّا ، وذلك الشيء المضاف إليـه هو الشرط ، فا لمؤثّر في المعلول إنّما هو نفس تلك الحصّـة ، والشرط محصّل لخصوصيتها ، وهو طرف الإضافـة المزبورة ، وما يكون
(الصفحة29)
شأنـه كذلك جاز أن يتقدّم على ما يضاف إليـه أو يقترن بـه أو يتأخّر عنـه . انتهى خلاصـة كلامـه .
ولايخفى أ نّـه ـ بعد تسليم جميع ما ذكره من أنّ المؤثّر هي الحصّـة من معنى أو الشرط ـ يرد عليـه : أنّ الإضافـة من الاُمور القائمـة با لطرفين : المضاف والمضاف إليـه ، فا لمضاف فيما نحن فيـه وصف للحصّـة المؤثّرة في المعلول ، والمضاف إليـه وصف لما عبّر عنـه با لشرط ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في أنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه في ظرف الاتّصاف ، ولهذه القاعدة الفرعيـة قد ثبت أنّ القضايا يتوقّف صدقها ومطابقتها مع الواقع على ثبوت موضوعاتها ما عدا القضيّـة السا لبـة المحصّلـة ; فإنّـه لايشترط في صدقها وجود الموضوع ، وأمّا غيرها من القضايا سواء كانت سا لبةً معدولة أو موجبةً محصّلة أو سا لبة المحمول فهي مشروطـة بوجود الموضوع ضرورة ، وحينئذ فالإضافـة إلى الشرط إن كانت محقّقةً با لفعل ، فلازمـه اتّصاف أحد الطرفين بأ نّـه مضاف والآخر بأ نّـه مضاف إليـه ، ولايعقل أن يصير المعدوم متّصفاً بأ نّـه مضاف إليـه ; لما عرفت من القاعدة الفرعيـة ، وإن لم تكن الإضافـة ثابتةً فعلاً ، فتأثير الحصّة في المعلول غير معقول ، كما اعترف بـه(قدس سره) .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا ربّما يقال: من أنّ الشرط هو التقدّم أو التأخّر أو التعقّب ونظائرها ، وذلك لأنّ صدق عنوان التقدّم لايعقل إلاّ مع صدق عنوان التأخّر للمتأخّر ، ومع كونـه معدوماً فعلاً يستحيل اتّصافـه بعنوان التأخّر ، كما هو واضح .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ التوجيـه بما ذكر ليس إلاّ كرّاً على ما فرّ منـه
1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 320.
(الصفحة30)
من مخا لفـة القاعدة العقليـة ، كما عرفت .
والتحقيق أن يقال: أمّا شرائط التكليف : فلايخفى أنّ الشرط فيـه مقارن للتكليف ; لأنّ شرطـه ليس هي القدرة الواقعيـة في زمان الامتثال حتى يقال بأ نّـه كيف يمكن أن يؤثّر الأمر المتأخّر المعدوم فعلاً في الأمر الموجود كذلك ، بل الشرط هو تشخيص كون المكلّف قادراً في ظرف الامتثال والتشخيص مقارن لصدور التكليف كما هو واضح .
وأمّا شرائط الوضع والمكلّف بـه : فا لمؤثّر ليس هو الأمر المتأخّر في الوجود الخارجي حتّى يلزم تأثير المعدوم في الموجود الممتنع با لبديهـة ، بل المؤثّر هو الأمر المتقدّم لابوصف التقدّم بل بنفسـه المتقدّم با لذات .
توضيح ذلك: أنّ من الواضح تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض با لذات بمعنى أنّ الزمان الماضي مثلاً متقدّم با لطبع على الزمان المستقبل ولو لم يكن عنوان التقدّم والتأخّر موجوداً في البين أصلاً ، نعم اتّصاف الزمان الماضي بوصف التقدّم في مرتبـة اتّصاف الزمان المستقبل بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده ; للقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقول بلا تقدّم وتأخّر بين الاتّصافين أصلاً ; لأنّ المفروض كونهما متضايفين ، ومن شأنهما تحقّق الطرفين معاً من دون ترتّب بينهما .
ونظير الزمان الزمانيات الواقعـة في أجزاء الزمان ; فإنّ قيام زيد المتحقّق في الأمس متقدّم ذاتاً لكن بعرض وتبع الزمان على مجيء عمرو الذي سيوجد غداً وإن كان اتّصافـه بعنوان المتقدّم لايصحّ إلاّ مقارناً لاتّصاف مجيء عمرو بعنوان المتأخّر ، ومن المعلوم توقّفـه على تحقّقـه ; لتلك القاعدة .
وبالجملـة: فلا منافاة بين كون شيء متقدّماً على شيء آخر با لذات ومع ذلك فلايصدق عليـه عنوان المتقدّم ; لكونـه من الاُمور الإضافيـة المتوقّفـة على تحقّق الطرفين ، وهذا كا لعلّـة والمعلول ، فإنّـه لا إشكال في تقدّمها عليـه ; لكونـه
(الصفحة31)
صادراً عنها وناشئاً ومترشّحاً منها ، ومع ذلك فاتّصافها بوصف التقدّم في مرتبـة اتّصافـه بوصف التأخّر من دون تقدّم وتأخّر بينهما أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
ونظير المتقابلين فإنّهم وإن جعلوا التقابل مقسماً للمتناقضين والمتضادّين والمتضايفين وغيرها إلاّ أنّ عنوان المقسم ـ وهو التقابل ـ من أفراد أحد ا لأقسام ، وهو التضايف ، فإنّ المقابلـة والتقابل من الاُمور الإضافيـة المتوقّفـة على تحقّق أطراف الإضافـة ، وهكذا عنوان التضادّ ; فإنّـه وإن جُعل قسيماً للتضايف إلاّ أنّ هذا العنوان من أفراد قسيمـه ، أي التضايف ، فا لتضادّ بين الشيئين القسيم لـه إنّما هو عبارة عن امتناع اجتماعهما با لذات ، كما أنّ التقابل المجعول مقسماً إنّما هو حقيقتـه مع قطع النظر عن الاتّصاف بهذا الوصف .
إذا عرفت ما ذكرنا: فاعلم أنّ الموضوع للحكم با لصحّـة في العقد الفضولي إنّما هو العقد المتقدّم بحسب الذات على الإجازة من الما لك ، وهذا إمّا أن يكون متحقّقاً بحسب الواقع ونفس الأمر حين العقد فيما كان ملحوقاً بالإجازة ، وإمّا أن لايكون كذلك ، وهو في غير صورة الإجازة ، فا لعقد الواقع إمّا أن يكون صحيحاً مترتّباً عليـه الأثر من حين وقوعـه ، وهو فيما إذا وجد مع شرطـه ، وإمّا أن لايكون كذلك ، وهو فيما إذا فقد شرطـه ; لعدم تحقّق الإجازة فيما بعد .
وهكذا يقال في صوم المستحاضـة ; فإنّ صحّتـه متوقّفـة على تقدّمـه بحسب الذات ولو عرضاً تبعاً للزمان على الأغسال الليليـة فإمّا أن يكون الموقوف عليـه موجوداً حينـه ، فيصحّ من حين وقوعـه ، وإمّا أن لايكون ، فيبطل كذلك ، ففي جميع الموارد يكون الشرط مقارناً ، فيرتفع الإشكال بمخا لفتها للقاعدة العقليـة ، كما عرفت .
1 ـ الحكمـة المتعاليـة 2: 100.
(الصفحة32)
هذا كلّـه لو قلنا بأنّ الحكم في الشرعيات نظير العقليات من باب التأثير والتأثّر ، وأمّا لو قلنا بخلافـه فا لمقام بعيد عن الإشكال بمراحل ، كما لايخفى .
كلام المحقّق النائيني(قدس سره) في تحرير محلّ النزاع
ثمّ إنّ لبعض الأعاظم من المتأخّرين كلاماً في المقام في تحرير محلّ النزاع وبيان ما ذهب إليـه لابأس بذكره والتعرّض لـه على نحو الإجمال .
فنقول: قد ذكر في تحرير محلّ النزاع أوّلاً: أنّ شرط متعلّق التكليف خارج عن حريم النزاع ; لأنّ حال الشرط حال الجزء في توقّف الامتثال عليـه ، فكما أ نّـه لا إشكال فيما إذا كان بعض أجزاء المركّب متأخّراً عن الآخر في الوجود ومنفصلاً عنـه في الزمان ـ كما إذا أمر بمركّب بعض أجزائـه في أوّل النهار والبعض الآخر في آخر النهار ـ كذلك لاينبغي الإشكال فيما إذا كان شرط الواجب متأخّراً في الوجود ; لأنّ ما يلزم على تقدير كون الشرط متأخّراً ـ وهو لزوم المناقضـة وتقدّم المعلول على علّتـه وتأثير المعدوم في الموجود ـ لايجري في شرط متعلّق التكليف ، فأيّ محذور يلزم إذا كان غسل الليل المستقبل شرطاً في صحّـة صوم المستحاضـة ؟ فإنّ حقيقـة الاشتراط يرجع إلى أنّ الإضافـة الحاصلـة بين الصوم والغسل شرط في صحّـة الصوم بحيث لايكون الصوم صحيحاً إلاّ بحصول هذه الإضافـة .
نعم لو قلنا : إنّ غسل الليل الآتي موجب لرفع حدث الاستحاضـة عن الزمان الماضي ، كان الإشكال في الشرط المتأخّر جارياً فيـه ، ولكنّـه خارج عن مقتضى الدليل . وبا لجملـة فتسريـة إشكال الشرط المتأخّر إلى قيود متعلّق التكليف ممّا لا وجـه لـه .
وثانياً: أ نّـه لا إشكال في خروج العلل الغائيـة من حريم النزاع ; فإنّها غا لباً
(الصفحة33)
متأخّرة في الوجود عمّا تترتّب عليـه ، وليست هي بوجودها العيني علّةً للإرادة وحركـة العضلات حتّى يلزم تأثير المعدوم في الموجود ، بل المؤثّر والمحرّك هو وجوده العلمي ، وكذا الحال في علل التشريع ; فإنّـه لا فرق بينها وبين العلل الغائيـة إلاّ في مجرّد التعبير .
وثالثاً: أ نّـه ليس المراد من الشرط المتأخّر المبحوث عنـه في المقام باب الإضافات والعناوين الانتزاعيـة ، كا لتقدّم والتأخّر والسبق واللّحوق وغير ذلك من الإضافات والاُمور الانتزاعيـة ، فإنّ ذلك كلّـه ممّا لا إشكال فيـه ; لعدم لزوم محذور الشرط المتأخّر با لنسبـة إليها ، وذلك لأنّ عنوان التقدّم ينتزع من ذات المتقدّم عند تأخّر شيء ، ولايتوقّف على وجود المتأخّر في موطنـه ، بل في بعض المقامات لايمكن ذلك ، كتقدّم بعض أجزاء الزمان على البعض الآخر .
ورابعاً: أ نّـه لا إشكال في خروج العلل العقليـة عن حريم النزاع ; فإنّ امتناع الشرط المتأخّر فيها أوضح من أن يحتاج إلى بيان بعد تصوّر معنى العلّيّـة الراجعـة إلى إعطاء العلّـة وإفاضتها وجود المعلول ، ومعنى المعلوليـة الراجعـة إلى ترشّحـه منها .
ثمّ قال: إذا عرفت هذه الاُمور، ظهر لك: أنّ محلّ النزاع في الشرط المتأخّر إنّما هو في الشرعيات في خصوص شروط الوضع والتكليف . وبعبارة اُخرى : محلّ الكلام إنّما هو في موضوعات الأحكام وضعيةً كانت أو تكليفيةً ، فقيود متعلّق التكليف والعلل الغائيـة والاُمور الانتزاعيـة والعلل العقليـة خارجـة عن حريم النزاع .
ثمّ ذكر بعد ذلك أنّ امتناع الشرط المتأخّر في موضوعات الأحكام يتوقّف على بيان المراد من الموضوع ، وهو يتوقّف على بيان الفرق بين القضايا الحقيقيّـة والقضايا الخارجيـة ، وأنّ المجعولات الشرعيـة إنّما تكون على نهج القضايا
(الصفحة34)
ا لحقيقيّـة لا القضايا الخارجيّـة .
ثمّ ذكر في بيان الفرق بينهما ما ملخّصـه : أنّ القضايا الخارجيـة عبارة عن قضايا جزئيـة شخصيـة خارجيـة ، كقولـه : صَلّ يا عمرو ، وصُمْ يا زيد ، من القضايا التي تكون موضوعاتها آحاد الناس ، وهذا بخلاف القضايا الحقيقيّـة ; فإنّ الملحوظ في موضوعاتها عنوان كلّيّ من غير أن يكون للآمر نظر إلى زيد ، وعمرو ، وبكر أصلاً ، بل لو كان واحد منهم منطبقاً لعنوان الموضوع ، فا لحكم يرتّب عليـه قهراً .
ومن هنا يحتاج في إثبات الحكم لموضوع خاص إلى تأ ليف قياس ، ويجعل هذا الموضوع الخاصّ صغرى لـه ، وتلك القضيـة كبرى ، وهذا بخلاف القضايا الخارجيـة ; فإنّ المحمول فيها ثابت لموضوعها ابتداءً من دون توسّط قياس . والفرق بينهما من وجوه شتّى ، والمهمّ منـه في المقام هو أنّ العلم إنّما يكون لـه دخل في القضيّـة الخارجيـة دون الحقيقيـة .
مثلاً : لو كان زيد عا لماً وكان الحكم مترتّباً على عنوان العا لم ، فا لحكم يترتّب على زيد قهراً ، سواء كان الآمر عا لماً بكون زيد عا لماً أو جاهلاً ، وهذا بخلاف القضيـة الخارجيـة ; فإنّ علم الآمر بكون زيد عا لماً يوجب الأمر بإكرامـه ، سواء كان في الواقع عا لماً أو جاهلاً ، وهذا بمكان من الوضوح .
ثمّ ذكر بعد ذلك أ نّـه من الواضح أنّ المجعولات الشرعيـة إنّما هي على نهج القضايا الحقيقيـة دون الخارجيـة .
ومن هنا يظهر المراد من موضوعات الأحكام ، وأ نّها عبارة عن العناوين الكليـة الملحوظـة مرآة لمصاديقها المقدّر وجودها في ترتّب المحمولات عليها ، ويكون نسبـة ذلك الموضوع إلى المحمول نسبـة العلّـة إلى معلولها وإن لم يكن من ذلك الباب حقيقةً ، بناءً على المختار من عدم جعل السببية إلاّ أ نّـه يكون نظير
(الصفحة35)
ذلك من حيث التوقّف والترتّب ، فحقيقـة النزاع في الشرط المتأخّر يرجع إلى تأخّر بعض ما فُرض دخيلاً في الموضوع على جهـة الجزئيـة أو الشرطيـة من الحكم التكليفي أو الوضعي بأن يتقدّم الحكم على بعض أجزاء موضوعـه .
ثمّ اعترض بعد ذلك على الكفايـة والفوائد بكلام طويل لا مجال لذكره .
ثمّ ذكر بعد ذلك أ نّـه ممّا ذكرنا يظهر أنّ امتناع الشرط المتأخّر من القضايا التي قياساتها معها من غير فرق بين أن نقول بجعل السببيـة أو لا نقول بذلك .
أمّا بناء على الأوّل : فواضح .
وأمّا بناء على الثاني : فلأنّ الموضوع وإن لم يكن علّةً للحكم إلاّ أ نّـه ملحق بها من حيث تقدّمـه على الحكم وترتّبـه عليـه ، فلايعقل تقدّم الحكم عليـه بعد فرض أخذه موضوعاً ; للزوم الخلف وأنّ ما فرض موضوعاً لم يكن موضوعاً . انتهى موضع الحاجـة من كلامـه .
الجواب عن مختار المحقّق النائيني(قدس سره)
ولايخفى أنّ في كلامـه وجوهاً من النظر .
أمّا ما ذكره أوّلاً: من أنّ شرائط متعلّق التكليف خارجـة عن حريم النزاع .
ففيـه: المنع من ذلك ، وتشبيهها بالأجزاء لايجدي ; لأنّ النزاع يجري فيها أيضاً ; فإنّـه إذا فرض أنّ صحّـة الجزء الأوّل متوقّفـة على الإتيان با لجزء الأخير الذي سيوجد بعداً ، يلزم محذور الشرط المتأخّر بلا فرق بينهما أصلاً ، كما لايخفى .
ومجرّد إرجاع الشرطيـة إلى الإضافـة الحاصلـة بين المشروط والشرط
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 271 ـ 280.
(الصفحة36)
لايفيد بعدما عرفت منّا في الجواب عن المحقّق العراقي(قدس سره) من أنّ الإضافـة من الاُمور الإضافيـة التي من شأنها تحقّق أطرافها با لفعل ، ومع انتفاء بعضها لايعقل تحقّقها ، كما هو واضح لايخفى .
وأمّا ما ذكره ثالثاً: من أنّ النزاع ليس في الاُمور الاعتباريـة الانتزاعيـة .
ففيـه: أ نّـه لم يقل أحد بأنّ النزاع في هذه الاُمور ، وإنّما ذكرها بعض في مقام التخلّص عن الإشكال . وقد عرفت سابقاً أ نّـه لايمكن الجواب بـه ; لأنّ صدق هذه العناوين متوقّف على تحقّق الأطراف ، وقد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليـه ، فلا نطيل بالإعادة .
وأمّا ما ذكره من الفرق بين القضايا الحقيقيـة والخارجيـة: من أنّ العلم لادخل لـه في الاُولى دون الثانيـة .
فيرد عليـه: المنع من مدخليـة العلم في جميع القضايا الخارجيـة ، ألا ترى أ نّـه لو أنفذ المولى عقداً فضوليّاً خاصّاً ، فهل يرضى أحد بكون المؤثّر هو علم المولى بتحقّق الإجازة فيما بعد دون نفس الإجازة من الما لك ؟ وهل هو إلاّ القول بعدم مدخليـة رضى الما لك في انتقال ملكـه إلى شخص آخر ؟ والضرورة قاضيـة بخلافـه ، كما أنّ ما ذكره من أ نّـه لو كانت القضيـة بنحو القضايا الحقيقيـة كما هو كذلك في المجعولات الشرعيـة يكون الامتناع ضرورياً غير محتاج إلى إقامـة برهان ، لايتمّ بناءً على ما ذكرنا في مقام الجواب من أنّ الموضوع في تلك القضايا التي توهّم انخرام القاعدة العقليـة بها هو ذات الموضوع المتقدّم بحسب الحقيقـة لا مع اتّصافـه بعنوان التقدّم المستلزم لاتّصاف الآخر بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده في الخارج للقاعدة الفرعيـة ، كما هو واضح .
1 ـ الفصول الغرويّـة: 80 / السطر 32.
(الصفحة37)
الأمر الرابع
في الواجب المطلق والمشروط
ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات إلى واجب مطلق ومشروط ، ولايخفى أنّ الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيّان لا حقيقيّان ، فا لواجب با لنسبـة إلى كلّ قيد إمّا مشروط أو لا ، فا لثاني غير مشروط با لنسبـة إلى ذلك القيد ولو فرض كونـه مشروطاً بالإضافـة إلى غيره .
ثمّ إنّـه ربّما ينسب إلى الشيخ ـ كما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ نفي الواجب المشروط ، وأنّ الشرائط والقيود كلّها راجعـة إلى المادّة لا الهيئـة ; لامتناع تقييد الهيئـة ، كما سيجيء وجهـه .
ولابدّ من التكلّم في مقامين :
الأوّل: في أنّ القيود هل هي راجعـة في الواقع إلى الهيئـة أو إلى المادّة ؟ أو تكون على قسمين بعضها إلى الاُولى وبعضها إلى الثانيـة .
الثاني: في أنّ القيود بحسب اللّفظ هل يرجع إلى المادّة أو الهيئـة ؟
في مقام الثبوت وتصوير الواجب المشروط
أمّا المقام الأوّل ، فنقول : إنّـه قد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء من دون التقييد بشيء آخر لتماميّتـه في حصول الغرض الباعث على تعلّق الإرادة بها ، مثل العطشان المريد لرفع عطشـه ، فإنّـه لايريد إلاّ مجرّد ذلك من غير نظر إلى أن
1 ـ مطارح الأنظار: 46 / السطر 2.
(الصفحة38)
يكون الماء واقعاً في ظرف كذا أو مع خصوصيـة كذا ، ولا إشكال في كون الإرادة المتعلّقـة بمراده إرادةً مطلقـة ، فلو أمر غلامـه بسقيـه ، يكون السقي واجباً مطلقاً من حيث خصوصيّات الماء أو الظرف الواقع فيـه ونظائرهما .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء مقيّد بأمر كذا بحيث لايحصل غرضـه إلاّ بحصول الشيء مقيّداً ، كما إذا أراد السقي با لماء الخاصّ لترتّب الأثر المقصود عليـه مع الخصوصيـة ، فيأمر با لسقي بذلك الماء ، ولا إشكال أيضاً في كون الإرادة المتعلّقـة بما يحصل بـه غرضـه إرادةً مطلقـة غير مقيّدة بشيء ; إذ الإرادة لا تتعلّق إلاّ بما يؤثّر في حصول غرضـه ، كيف ومن مقدّماتـه التصديق بفائدة الشيء المراد ، والمفروض أنّ الفائدة مترتّبـة على الشيء المقيّد بوصف كذا .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء من دون التقييد بوصف ولكن لايتمكّن من الأمر بـه مطلقاً ; لمانع فيـه أو في المأمور ، كما إذا أشرف ولده على الغرق والهلاك ، فالإرادة المتعلّقـة بنجاة ولده إرادة مطلقـة غير مقيّدة بشيء ولكن لايمكن لـه الأمر بذلك مطلقاً ; لأنّـه ربّما يكون العبد عاجزاً عن الإتيان با لمأمور بـه ، وربّما يكون المانع من قِبَل نفسـه .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء على فرض حصول شيء آخر ; لأنّ الغرض يترتّب عليـه على ذلك التقدير ، كما إذا أراد ضيافـة صديقـه على فرض مجيئـه إلى منزلـه ، فالإرادة المتعلّقـة با لضيافـة ليست إرادةً مطلقـة ، بل مقيّدة بحصول ذلك الشيء .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر: أنّ القيود بحسب الواقع واللبّ مع قطع النظر عن ظاهر الدليل على قسمين : قسم يتعلّق با لمادّة ، وهو الذي لـه دخل في حصول الغرض المطلوب ، كا لقسم الثاني من الأقسام المتقدّمـة ، وقسم يتعلّق با لهيئـة التي مفادها البعث والتحريك ، كا لقسمين الأخيرين .
(الصفحة39)
في مقام الإثبات وإمكان رجوع القيد إلى الهيئـة
وأمّا المقام الثاني فقد يقال : ـ كما قيل ـ بامتناع رجوع القيود إلى الهيئـة وإن كان بحسب ظاهر اللّفظ راجعاً إليها .
إمّا لأنّ الهيئـة من المعاني الحرفيـة ، وهي غير قابلـة للتقييد .
وإمّا لأنّ الوضع فيها على نحو الوضع العامّ والموضوع لـه الخاصّ ، ومن المعلوم امتناع تقييد الجزئيّات .
وإمّا للزوم التناقض بعد كون المنشأ أوّلاً هو الوجوب مطلقاً ، فتقييده بثبوتـه على تقدير وعدم ثبوتـه على تقدير اُخرى مناقض للمنشأ أوّلاً .
هذا ، ولايخفى ما في هذه الوجوه من النظر بل المنع .
أمّا الوجـه الأوّل: فيرد عليـه أنّ التقييد أمر واقعي ، غايـة الأمر أنّ المتكلّم لابدّ لـه أن يأتي بالألفاظ طبقاً لـه ; لوضوح أن كلّ لفظ لايحكي إلاّ عن معناه الموضوع لـه ، وقد عرفت في وضع الحروف أنّ القضايا الخبريـة أكثرها يرجع إلى الإخبار عن المعاني الحرفيـة ، فإنّ المعنّى بقول : «زيد قائم» ليس إلاّ الإخبار عن انتساب القيام إليـه ، واتّحاد القائم معـه ، وهذا المعنى لا إشكال في كونـه معنىً حرفيّاً ، كما أنّ القيود الواقعـة في الكلام راجعـة إلى ذلك المعنى الحرفي ، فقولـه : ضربت زيداً يوم الجمعـة ، مثلاً يكون الظرف راجعاً إلى تحقّق الضرب عليـه الذي يكون من المعاني الحرفيـة .
وبا لجملـة فالإخبارات والتقييدات أكثرها مرتبطـة با لمعاني الحرفيـة وراجعـة إليـه ، وقد عرفت أنّ التقييد أمر واقعي لا ارتباط لـه با للّفظ حتّى يحتاج تقييد المعاني الحرفيـة إلى لحاظها ثانياً بالاستقلال ، فيلزم في الجملـة المشتملـة على تقييدات عديدة لحاظ تلك المعاني بقدر القيود ، بل يكون في المثال تحقّق
(الصفحة40)
ا لضرب في يوم الجمعـة واقعاً ، والمتكلّم لابدّ أن يأتي بالألفاظ على طبق المعاني الواقعيـة ، لا أن يكون لفظ الضرب المأتي بـه أوّلاً مطلقاً ، فيلاحظ تقييده ثانياً ، كما لايخفى .
وأمّا الوجـه الثاني: فلأنّ التحقيق في وضع الحروف وإن كان ما ذكر إلاّ أ نّـه لا امتناع في تقييد الجزئي أصلاً باعتبار الحالات والعوارض الطارئـة لـه أليس التقييد في قولـه : «أكرم زيداً إن جاءك» راجعاً إلى زيد الذي هو فرد جزئي بناء على ما ذكره من رجوع القيد إلى المادّة دون الهيئـة .
وأمّا الوجـه الثالث: فبطلانـه أظهر من أن يخفى .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أوّلاً أنّ القيود بحسب الواقع على قسمين ، وثانياً إمكان رجوعها إلى الهيئـة ، فلا وجـه لرفع اليد عمّا هو ظاهر القضيّـة الشرطيـة من توقّف التا لي على المقدّم ، كما لايخفى .
نقل وتحصيل: في ضابط قيود الهيئـة والمادة
ثمّ إنّـه ذكر بعض الأعاظم(قدس سره) في مقام بيان الفرق بين شروط الأمر والوجوب وبين شروط المأمور بـه والواجب أنّ القيود على نحوين :
أحدهما: ما يتوقّف اتّصاف الفعل بكونـه ذا مصلحـة على حصولـه في الخارج ، كا لزوال والاستطاعـة با لنسبـة إلى الصلاة والحجّ ، فإنّ الصلاة لاتكون ذات مصلحـة إلاّ بعد تحقّق الزوال ، وكذلك الحج بالإضافـة إلى الاستطاعـة ، وأمّا قبل تحقّق هذين القيدين فلايرى المولى مصلحـة في الصلاة والحجّ ، ولهذا يأمر بهما معلّقاً أمره على تحقّق هذين القيدين في الخارج .
ثانيهما: القيود التي تتوقّف فعليـة المصلحـة وحصولها في الخارج على تحقّقها ، فلا تكاد تحصل تلك المصلحـة في الخارج إلاّ إذا اقترن الفعل بتلك القيود
|