(الصفحة301)
بين ما إذا أوصى أو لم يوصِ ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد; لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ، إلاّ أن يدفع بالحمل على الصحّة ، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسّعة ، بل في غيرها أيضاً في غير الموقّتة ، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل .
[3170] مسألة 2 : يكفي الميقاتيّة ، سواء كان الحجّ الموصى به واجباً أو مندوباً ، ويخرج الأوّل من الأصل والثاني من الثلث ، إلاّ إذا أوصى بالبلديّة ، وحينئذ فالزائد عن اُجرة الميقاتيّة في الأوّل من الثلث ، كما أنّ تمام الاُجرة في الثاني منه .
[3171] مسألة 3 : إذا لم يعيّن الاُجرة فاللازم الاقتصار على اُجرة المثل ; للانصراف إليها ، ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استئجاره ، إذ الانصراف إلى اُجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط ، وهل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك توفيراً على الورثة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده ، وإن كان في وجوبه إشكال ، خصوصاً مع الظنّ بالعدم ، ولو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به ، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو المتعيّن توفيراً على الورثة ، فإن أتى به صحيحاً كفى وإلاّ وجب الاستئجار ، ولو لم يوجد من يرضى باُجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحجّ واجباً ، بل وإن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث ، ولايجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو أقّل ، بل لايجوز; لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت في الواجب ، والعمل بمقتضى الوصيّة في المندوب ، وإن عيّن الموصي مقداراً للاُجرة تعيّن ، وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المثل ، وإلاّ فالزيادة من الثلث ، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث .
(الصفحة302)
[3172] مسألة 4 : هل اللازم في تعيين اُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس اُجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لايبعد الثاني ، والأحوط الأظهر الأوّل ، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً .
[3173] مسألة 5 : لو أوصى بالحجّ وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن ، وإن لم يعيّن كفى حجّ واحد ، إلاّ أن يعلم أنّه أراد التكرار ، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحجّ عنه مادام له مال ، كما في خبرين ، أو ما بقي من ثلثه شيء كما في ثالث بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال ، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار مادام الثلث باقياً ضعيف ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنّه يجب الحجّ مادام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا اُخر ، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم بإرادته لابدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها ، فلاينبغي الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار . نعم ، لو أوصى بإخراج الثلث ولم يذكر إلاّ الحجّ يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحجّ ، كما لو لم يذكر إلاّ المظالم أو إلاّ الزكاة أو إلاّ الخمس ، ولو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً كفى مرّتان ; لصدق التكرار معه .
[3174] مسألة 6 : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة ، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً، واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة ، صرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين مثلا وهكذا ، لا لقاعدة الميسور ; لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحجّ، وكون تعيين مقدار كلّ سنة بتخيّل كفايته . ويدلّ عليه أيضاً خبر عليّ بن محمّد الحضيني ، وخبر إبراهيم بن مهزيار ، ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّة ، وفي الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين ، وكلاهما من باب المثال كما لايخفى .
هذا، ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة ، فهل ترجع ميراثاً ، أو في وجوه
(الصفحة303)
البرّ، أو تزاد على اُجرة بعض السنين؟ وجوه ، ولو كان الموصى به الحجّ من البلد، ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين مثلا لسنة ، وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة، ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان ، ولايبعد التخيير بل أولويّة الثاني ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق الخبرين الأوّل . هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد ، وإلاّ فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت الوصيّة مقيّدة بسنين معيّنة .
[3175] مسألة 7 : إذا أوصى بالحجّ وعيّن الاُجرة في مقدار ، فإن كان الحجّ واجباً ولم يزد ذلك المقدار عن اُجرة المثل ، أو زاد وخرجت الزيادة من الثلث تعيّن ، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصيّة ويرجع إلى اُجرة المثل ، وإن كان الحجّ مندوباً فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار ، وإلاّ فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد ، وإن لم يفِ الثلث بالحجّ أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصيّة وسقط وجوب الحجّ .
[3176] مسألة 8 : إذا أوصى بالحجّ وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره باُجرة المثل . وإن لم يقبل إلاّ بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً ، وإلاّ بطلت الوصيّة واستؤجر غيره باُجرة المثل في الواجب مطلقاً ، وكذا في المندوب إذا وفى به الثلث ولم يكن على وجه التقييد ، وكذا إذا لم يقبل أصلاً .
[3177] مسألة 9 : إذا عيّن للحجّ اُجرة لايرغب فيها أحد ، وكان الحجّ مستحبّاً بطلت الوصيّة إذا لم يرج وجود راغب فيها ، وحينئذ فهل ترجع ميراثاً ، أو تصرف في وجوه البرّ ، أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً ، أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه ، والأقوى هو الصرف في وجوه البرّ ، لا لقاعدة الميسور ، بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس ; لأنّها قاعدة شرعيّة ، وإنّما تجري في الأحكام الشرعيّة المجعولة للشارع ، ولا مسرح لها في مجعولات
(الصفحة304)
الناس ، كما أشرنا إليه سابقاً ، مع أنّ الجنس لايعدّ ميسوراً للنوع ، فمحلّها المركّبات الخارجيّة إذا تعذّر بعض أجزائها ولو كانت ارتباطيّة ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه ، وإنّما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد المطلوب، وإن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة .
نعم ، لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة ، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل ، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام ، بل يدلّ عليه خبر عليّ بن سويد (مزيد ظ)، عن الصادق (عليه السلام)قال: قلت : مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم يكف للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدّق بها ، فقال : ما صنعت؟ قلت : تصدّقت بها، فقال (عليه السلام) : ضمنت، إلاّ أن لا يكون يبلغ أن يحجّ به من مكّة ، فإن كان يبلغ أن يحجّ به من مكّة فأنت ضامن .
ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصيّة لجهة من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وتعذّر بعضها ، وأمّا فيه فالأمر أوضح ; لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك، فلايعود إليه .
[3178] مسألة 10 : إذا صالحه [على] داره مثلا وشرط عليه أن يحجّ عنه بعد موته صحّ ولزم وخرج من أصل التركة وإن كان الحجّ ندبيّاً ، ولايلحقه حكم الوصيّة ، ويظهر من المحقّق القمي (قدس سره) في نظير المقام إجراء حكم الوصيّة عليه ، بدعوى أنّه بهذا الشرط ملك عليه الحجّ ، وهو عمل له اُجرة ، فيحسب مقدار اُجرة المثل لهذا
(الصفحة305)
العمل ، فإن كانت زائدة عن الثلث توقّف على إمضاء الورثة ، وفيه : أنّه لم يملك عليه الحجّ مطلقاً في ذمّته ، ثمّ أوصى أن يجعله عنه ، بل إنّما ملك بالشرط الحجّ عنه ، وهذا ليس مالاً تملكه الورثة ، فليس تمليكاً ووصيّة ، وإنّما هو تمليك على نحو خاصّ لاينتقل إلى الورثة ، وكذا الحال إذا ملّكه داره بمائة تومان مثلا بشرط أن يصرفها في الحجّ عنه أو عن غيره ، أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ أو نحوه ، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل ، وإن كان العمل المشروط عليه ندبيّاً . نعم ، له الخيار عند تخلّف الشرط ، وهذا ينتقل إلى الوارث; بمعنى أنّ حقّ الشرط ينتقل إلى الوارث ، فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة .
[3179] مسألة 11 : لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً صحّ واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيّاً ، وخروج الزائد عن اُجرة الميقاتيّة عنه إن كان واجباً . ولو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتّى مات ، وأوصى به أو لم يوصِ وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك . نعم ، لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه ; لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته ; لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً .
[3180] مسألة 12 : إذا أوصى بحجّتين أو أزيد وقال : إنّها واجبة عليه صُدّق وتخرج من أصل التركة . نعم ، لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت وكان متّهماً في إقراره فالظاهر أنّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى .
[3181] مسألة 13 : لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة اُجرة الاستئجار وشكّ في أنّه استأجر الحجّ قبل موته أو لا ، فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها
(الصفحة306)
فالظاهر حمل أمره على الصحّة مع كون الوجوب فوريّاً منه ، ومع كونه موسّعاً إشكال . وإن لم تمضِ مدّة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحجّ واجباً ، ومن بقيّة الثلث إذا كان مندوباً ، وفي ضمانه لما قبض وعدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان وجهان . نعم ، لو كان المال المقبوض موجوداً اُخذ حتّى في الصورة الاُولى ، وإن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه وصرفه في الاُجرة وتملّك ذلك المال بدلاً عمّا جعله اُجرة ; لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت .
[3182] مسألة 14 : إذا قبض الوصيّ الاُجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً ، ووجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث وإن اقتسمت على الورثة استرجع منهم. وإن شكّ في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان أيضاً ، وكذا الحال إن استأجر ومات الأجير ولم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته .
[3183] مسألة 15 : إذا أوصى بما عنده من المال للحجّ ندباً ، ولم يعلم أنّه يخرج من الثلث أولا لم يجز صرف جميعه . نعم ، لو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا ، أو أنّه أوصى سابقاً بذلك والورثة أجازوا وصيّته ، ففي سماع دعواه وعدمه وجهان .
[3184] مسألة 16 : من المعلوم أنّ الطواف مستحبّ مستقلاّ من غير أن يكون في ضمن الحجّ، ويجوز النيابة فيه عن الميّت ، وكذا عن الحيّ إذا كان غائباً عن مكّة، أو حاضراً وكان معذوراً في الطواف بنفسه ، وأمّا مع كونه حاضراً وغير معذور فلا تصحّ النيابة عنه ، وأمّا سائر أفعال الحجّ فاستحبابها مستقلاّ غير معلوم ، حتّى مثل السعي بين الصفا والمروة .
[3185] مسألة 17 : لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها ، وكان عليه حجّة الإسلام ، وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لايؤدّون عنه إن ردّها إليهم جاز بل وجب عليه أن يحجّ بها عنه ، وإن زادت عن اُجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم ; لصحيحة بريد عن
(الصفحة307)
رجل استودعني مالاً فهلك ، وليس لوارثه شيء ولم يحجّ حجّة الإسلام ، قال (عليه السلام) : «حجّ عنه وما فضل فأعطهم» وهي وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم ، ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي ، ودعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام (عليه السلام)كما ترى ; لأنّ الظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) بيان الحكم الشرعي ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم ، والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء ، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه ; لانفهام الأعمّ من ذلك منها .
وهل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحجّ الواجب أو غير الحجّ من سائر ما يجب عليه مثل الخمس والزكاة والمظالم والكفّارات والدين أو لا ؟ وكذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية والعين المستأجرة والمغصوبة والدين في ذمّته أو لا ؟ وجهان ، قد يقال بالثاني ; لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا : إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث، وإن كانوا مكلّفين بأداء الدين ومحجورين عن التصرّف قبله ، بل وكذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت ; لأنّ أمر الوفاء إليهم ، فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال ، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميّت بأنفسهم .
والأقوى مع العلم بأنّ الورثة لايؤدّون بل مع الظنّ القوي أيضاً جواز الصرف فيما عليه ، لا لما ذكره في «المستند» من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائيّ على كلّ من قدر على ذلك ، وأولويّة الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة ، وأمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لايبقى مال حتّى تكون الورثة أولى به ، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً ، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة ، أو دعوى تنقيح المناط ، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه ، ولايجوز دفعه إلى من لايصرفه عليه ، بل وكذا على القول بالانتقال إلى الورثة ،
(الصفحة308)
حيث إنّه يجب صرفه في دينه ، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه ، ويضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميّت .
نعم ، يجب الاستئذان من الحاكم لأنّه وليّ من لا وليّ له ، ويكفي الإذن الإجمالي ، فلايحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه كما قد يتخيّل . نعم ، لو لم يعلم ولم يظنّ عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه ، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم ، أو أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه .
[3186] مسألة 18 : يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، وكذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره .
[3187] مسألة 19 : يجوز لمن أعطاه رجل مالاً لاستئجار الحجّ أن يحجّ بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير ، والأحوط عدم مباشرته إلاّ مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج ، وإذا عيّن شخصاً تعيّن ، إلاّ إذا علم عدم أهليّته ، وأنّ المعطي مشتبه في تعيينه ، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد .
فصل
في الحجّ المندوب
[3188] مسألة 1 : يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحجّ مهما أمكن ، بل وكذا من أتى بوظيفته من الحجّ الواجب ، ويستحبّ تكرار الحجّ ، بل يستحبّ تكراره في كلّ سنة ، بل يكره تركه خمس سنين متوالية ، وفي بعض الأخبار : «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً» .
(الصفحة309)
[3189] مسألة 2 : يستحبّ نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وفي الخبر: إنّها توجب الزيادة في العمر ، ويكره نيّة عدم العود ، وفيه: أنّها توجب النقص في العمر .
[3190] مسألة 3 : يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتاً ، وكذا عن المعصومين (عليهم السلام) أحياءً وأمواتاً ، وكذا يستحبّ الطواف عن الغير وعن المعصومين (عليهم السلام)أمواتاً وأحياءً مع عدم حضورهم في مكّة ، أو كونهم معذورين .
[3191] مسألة 4 : يستحبّ لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك .
[3192] مسألة 5 : يستحبّ إحجاج من لا استطاعة له .
[3193] مسألة 6 : يجوز إعطاء الزكاة لمن لايستطيع الحجّ ليحجّ بها .
[3194] مسألة 7 : الحجّ أفضل من الصدقة بنفقته .
[3195] مسألة 8 : يستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ ، وفي بعض الأخبار : «إنّ الله يبغض الإسراف إلاّ بالحجّ والعمرة» .
[3196] مسألة 9 : يجوز الحجّ بالمال المشتبه، كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها .
[3197] مسألة 10 : لايجوز الحجّ بالمال الحرام ، لكن لايبطل الحجّ إذا كان لباس إحرامه وطوافه وثمن هديه من حلال .
[3198] مسألة 11 : يشترط في الحجّ الندبي إذن الزوج والمولى ، بل الأبوين في بعض الصور ، ويشترط أيضاً أن لايكون عليه حجّ واجب مضيّق ، لكن لو عصى وحجّ صحّ .
[3199] مسألة 12 : يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه ،كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه .
(الصفحة310)
[3200] مسألة 13 : يستحبّ لمن لا مال له يحجّ به أن يأتي به ولو بإجارة نفسه عن غيره ، وفي بعض الأخبار : أنّ للأجير من الثواب تسعاً ، وللمنوب عنه واحد .
فصل
في أقسام العمرة
[3201] مسألة 1 : تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب ، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة فى الحجّ في العمر مرّة بالكتاب والسنّة والإجماع ، ففـي صحيحة زرارة : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ، فإنّ الله تعالى يقول : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ} [البقرة: 2 / 196] . وفي صحيحة الفضل في قول الله تعالى : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ} قال (عليه السلام) : «هما مفروضان» ، ووجوبها بعد تحقّق الشرائط فوريّ كالحجّ ، ولايشترط في وجوبها استطاعة الحجّ ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها وإن لم تتحقّق استطاعة الحجّ ، كما أنّ العكس كذلك ، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها ، والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كلّ منهما وأنّهما مرتبطان ضعيف ، كالقول باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة .
[3202] مسألة 2 : تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع والأخبار . وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ ؟ المشهور عدمه ، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات، وهو الأقوى ، وعلى هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعاً لها وهو في مكّة ، وكذا لاتجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع ، ولكن الأحوط الإتيان بها .
(الصفحة311)
[3203] مسألة 3 : قد تجب العمرة بالنذر والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد ، وتجب أيضاً لدخول مكّة ; بمعنى حرمته بدونها ، فإنّه لايجوز دخولها إلاّ محرماً إلاّ بالنسبة إلى من يتكرّر دخوله وخروجه كالحطّاب والحشّاش ، وما عدا ما ذكر مندوب ، ويستحبّ تكرارها كالحجّ ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل : يعتبر شهر ، وقيل : عشرة أيّام ، والأقوى عدم اعتبار فصل ، فيجوز إتيانها كلّ يوم ، وتفصيل المطلب موكول إلى محلّه .
فصل
في أقسام الحجّ
وهي ثلاثة بالإجماع والأخبار : تمتّع وقران وإفراد ، والأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة ، والآخران فرض من كان حاضراً ; أي غير بعيد ، وحدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب على المشهور الأقوى ; لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): قلت له قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 2 / 196] . قال : «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» . وخبره عنه (عليه السلام): سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّـ : {ذَلِكَ . . .}. قال : «ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة». قال: قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : «ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكّة دون عسفان ودون ذات عرق». ويستفاد أيضاً من جملة من أخبار اُخر .
والقول بأنّ حدّه اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب كما عليه جماعة ضعيف لا دليل
(الصفحة312)
عليه إلاّ الأصل ، فإنّ مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كلّ أحد ، والقدر المتيقّن الخارج منها من كان دون الحدّ المذكور ، وهو مقطوع بما مرّ ، أو دعوى أنّ الحاضر مقابل للمسافر والسفر أربعة فراسخ ، وهو كما ترى ، أو دعوى أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفيّ ، والعرف لايساعد على أزيد من اثني عشر ميلاً ، وهذا أيضاً كما ترى ، كما أنّ دعوى أنّ المراد من ثمانية وأربعين التوزيع على الجهات الأربع، فيكون من كلّ جهة اثنا عشر ميلاً منافية لظاهر تلك الأخبار . وأمّا صحيحة حريز الدالة على أنّ حدّ البعد ثمانية عشر ميلاً فلا عامل بها ، كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان والحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكّة .
وهل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان ، أقربهما الأوّل ، ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع ; لتعليق حكم الإفراد والقران على ما دون الحدّ ، ولو شكّ في كون منزله في الحدّ أو خارجه وجب عليه الفحص ، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط ، وإن كان لايبعد القول بأنّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع ; لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر وهو مشكوك، فيكون كما لو شكّ في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا ، فإنّه يصلّي تماماً ; لأنّ القصر معلّق على السفر وهو مشكوك . ثمّ ماذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام ; حيث لايجزئ للبعيد إلاّ التمتّع ، ولا للحاضر إلاّ الإفراد أو القران ، وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبي فيجوز لكلّ من البعيد والحاضر كلّ من الأقسام الثلاثة بلا إشكال ، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ، وكذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام، كالحجّ النذري وغيره .
[3204] مسألة 1 : من كان له وطنان : أحدهما في الحدّ ، والآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما ; لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) : من أقام بمكّة سنتين فهو من
(الصفحة313)
أهل مكّة لا متعة له ، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ قال (عليه السلام) : «فلينظر أيّهما الغالب». فإن تساويا، فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة .
[3205] مسألة 2 : من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها، فالمشهور جواز حجّ التمتّع له وكونه مخيّراً بين الوظيفتين ، واستدلّوا بصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ثمّ يرجع إلى مكّة فيمرّ ببعض المواقيت ، أله أن يتمتّع ؟ قال (عليه السلام) : «ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل ، وكان الإهلال أحبّ إليّ» . ونحوها صحيحة اُخرى عنه وعن عبدالرحمن بن أعين، عن أبي الحسن (عليه السلام) ، وعن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك ، وأنّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحجّ واجباً عليه ، وتبعه جماعة لما دلّ من الأخبار على أنّه لا متعة لأهل مكّة . وحملوا الخبرين على الحجّ الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني ، ولايبعد قوّة هذا القول مع أنّه أحوط ; لأنّ الأمر دائر بين التخيير والتعيين ، ومقتضى الاشتغال هو الثاني ، خصوصاً إذا كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحجّ ، بل يمكن أن يقال : إنّ محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها ، وأمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض أهلها .
[3206] مسألة 3 : الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة ، فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه ، سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة ، فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة ،كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة ، وإنّما الكلام في الحدّ الذي به يتحقّق الانقلاب ،
(الصفحة314)
فالأقوى ما هو المشهور من أنّه بعد الدخول في السنة الثالثة ; لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولامتعة له» الخ ، وصحيحة عمر بن يزيد، عن الصادق (عليه السلام) : «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطناً ، وليس له أن يتمتّع» . وقيل بأنّه بعد الدخول في الثانية ; لجملة من الأخبار ، وهو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها ، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل .
وأمّا القول بأنّه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلاّ الأصل المقطوع بما ذكر ، مع أنّ القول به غير محقّق ; لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة ، وأمّا الأخبار الدالّة على أنّه بعد ستّة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقيّة ، وإمكان حملها على محامل اُخر ، والظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة ، فلو كانت بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل ، فما يظهر من بعضهم من كونها أعمّ لا وجه له . ومن الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن ، ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً ، فيكفي في وجوب الحجّ الاستطاعة من مكّة، ولايشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده ، فلا وجه لما يظهر من صاحب «الجواهر» من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه ; لعموم أدلّتها ، وأنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحجّ ، وأمّا الشرط فعلى ما عليه، فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع .
هذا ، ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضيّ السنتين ، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده ، فيجب عليه التمتّع ، ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد ، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب ، وأمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها فلايلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه ; لعدم الدليل وبطلان
(الصفحة315)
القياس ، إلاّ إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن وحصلت الاستطاعة بعده ،فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة ولو في السنة الاُولى ، وأمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا . نعم ، الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة ، فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور يتخيّر ، وعلى قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي .
[3207] مسألة 4 : المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع ـ كما إذا كانت استطاعته في بلده ، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه ـ فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع ، واختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال :
أحدها : أنّه مهلّ أرضه ، ذهب إليه جماعة ، بل ربما يسند إلى المشهور كما في «الحدائق» ; لخبر سماعة، عن أبي الحسن (عليه السلام): سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال (عليه السلام) : «نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فليبّي إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل والناسي الدالّة على ذلك ، بدعوى عدم خصوصيّة للجهل والنسيان ، وأنّ ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع ، وبالأخبار الواردة في توقيت المواقيت وتخصيص كلّ قطر بواحد منها أو من مرّ عليها ، بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه .
ثانيها : أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها ، وإليه ذهب جماعة اُخرى ، لجملة اُخرى من الأخبار مؤيّدة بأخبار المواقيت ، بدعوى عدم استفادة خصوصيّة كلّ بقطر معيّن .
ثالثها : أنّه أدنى الحلّ ، نقل عن الحلبي ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين لجملة ثالثة من الأخبار ، والأحوط الأوّل وإن كان الأقوى الثاني ; لعدم فهم الخصوصيّة من خبر سماعة ، وأخبار الجاهل والناسي ، وأنّ ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد ، ومنع خصوصيّة للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت ، وأمّا
(الصفحة316)
أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت ، أو محمولة على صورة التعذّر . ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ من كان في مكّة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً . هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت ، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ ، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات ، وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .
فصل
[في صورة حجّ التمتّع وشرائطه]
صورة حجّ التمتّع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً ، ويصلّي ركعتين في المقام ، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ،ثمّ يطوف للنساء احتياطاً وإن كان الأصحّ عدم وجوبه ، ويقصّر ، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة ، والأفضل إيقاعه يوم التروية ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب ، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة ، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه ، ثمّ يحلق أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلاّ النساء والطيب ، والأحوط اجتناب الصيد أيضاً، وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام .
ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه ، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه فيحلّ له الطيب ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له
(الصفحة317)
النساء ، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث ، وأن لايأتي إلى مكّة ليومه ، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء والصيد ، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً ، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصحّ ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة ، والأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل ; بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر ، بل لاينبغي التأخير لغده فضلاً عن أيّام التشريق إلاّ لعذر .
ويشترط في حجّ التمتّع اُمور :
أحدها : النيّة ; بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ . نعم ، في جملة من الأخبار : أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز أن يتمتّع بها ، بل يستحبّ ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة ، ويتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية ، بل عن القاضي وجوبه حينئذ ، ولكن الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه ، ففي موثّق سماعة، عن الصادق (عليه السلام) : «من حجّ معتمراً في شوّال ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو متمتّع ; لأنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذوالحجّة ، فمن اعتمر فيهنّ وأقام إلى الحجّ فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع ، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان، فيدخل متمتّعاً بعمرته إلى الحجّ ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة
(الصفحة318)
فيلبّي منها» .
وفي صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله ، إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية». وفي قويّة عنه (عليه السلام) : «من دخل مكّة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له ، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعة». قال (عليه السلام) : «وليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ». وفي صحيحة عنه (عليه السلام) : «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس» . وفي مرسل موسى بن القاسم : «من اعتمر في أشهر الحجّ فليتمتّع» . إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد عمل بها جماعة ، بل في «الجواهر» : لا أجد فيه خلافاً ، ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها أنّه يصير تمتّعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها ، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحجّ عقيب عمرة وقعت في أشهر الحجّ بأيّ نحو أتى بها ، ولا بأس بالعمل بها ، لكن القدر المتيقّن منها هو الحجّ الندبي ، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه ، سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستئجار .
الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ ; لظاهر الآية وجملة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن عمّار وموثّقة سماعة وخبر زرارة ، فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض، أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر ،أو مع تسعة أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث ،أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف ،على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظي، فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض
(الصفحة319)
الأعمال إلى آخر ذي الحجّة، فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحجّ .
[3208] مسألة 1 : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحجّ قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً ، لكن هل تصحّ مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان ، اختار الثاني في «المدارك» ; لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها ، وبعض اختار الأوّل ; لخبر الأحول، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ ،قال : «يجعلها عمرة». وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج، قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة ، ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، وإنّما الأضحى على أهل الأمصار» . ومقتضى القاعدة وإن كان هو ما ذكره صاحب «المدارك» لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين .
الثالث : أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع ; لأنّه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفيّة حجّ التمتّع ، ولقاعدة توقيفيّة العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ وارتباطها به ، والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحجّ ، بل ومادلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولاينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم ، بدعوى أنّ المراد من القابل فيه العام القابل، فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنة والحجّ في اُخرى ; لمنع ذلك ، بل المراد منه الشهر القابل على أنّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل .
وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخّر الحجّ إلى العام الآخر لم يصحّ تمتّعاً ، سواء أقام في مكّة إلى العام القابل ، أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الاُخرى ، ولا وجه لما عن «الدروس» من
(الصفحة320)
احتمال الصحّة في هذه الصورة . ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحجّ من سنة واحدة ، لا أن لايكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً ، وحينئذ فلايصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة وأتى بالحجّ في ذي الحجّة من العام القابل .
الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار ; للإجماع والأخبار ، وما في خبر إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء ، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ» ; حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحجّ من غير مكّة ، محمول على محامل أحسنها أنّ المراد بالحجّ عمرته ، حيث إنّها أوّل أعماله . نعم ، يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سككها ; للإجماع وخبر عمرو بن حريث عن الصادق (عليه السلام): من أين أهلّ بالحجّ ؟ فقال : «إن شئت من رحلك ، وإن شئت من المسجد ، وإن شئت من الطريق» . وأفضل مواضعها المسجد ، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر ، وقد يقال : أو تحت الميزاب ، ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولايكفيه العود إليها بدون التجديد ، بل يجب أن يجدّده ; لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه .
الخامس : ربما يقال : إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر إثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجزئ عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ ، ولكنّه محلّ تأمّل ، بل ربما يظهر من خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)صحّة الثاني ، حيث قال : سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟ قال :
|