(الصفحة41)
عنهم ـ فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخَزيرة وهو على منام له ، وكان تحته(صلى الله عليه وآله) كساء خيبريّ . قالت: وأنا في الحجرة اُصلّي ، فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ . . .} قالت ـ رضي الله عنها ـ : فأخذ فضل الكساء فغطّاهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يارسول الله؟ فقال: إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير .
2 ـ عن حكيم بن سعيد قال: ذكرنا عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عند أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ فقالت: في بيتي نزلت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} ، قالت أمّ سلمة: جاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى بيتي فقال: لا تأذني لأحد ، فجاءت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثمّ جاء الحسن ـ رضي الله عنه ـ فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جدّه واُمّه ، وجاء الحسين ـ رضي الله عنه ـ فلم أستطع أن أحجبه عن جدّه واُمّه ، ثمّ جاء عليّ ـ رضي الله عنه ـ فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا فجلّلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بكساء كان عليه ، ثمّ قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط . قالت: فقلت: يارسول الله وأنا؟
(1) المسند لأحمد بن حنبل 10: 177 ح26570 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي 3 : 492 .
(الصفحة42)
قالت: فوالله ما أنعم ، وقال: إنّك إلى خير .
3 ـ عن أبي سعيد الخدري ، عن اُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} قالت: وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت: يارسول الله ألستُ من أهل البيت؟ فقال(صلى الله عليه وآله): إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي . قالت: وفي البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .
4 ـ عن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله: نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} .
5 ـ عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبيّ(صلى الله عليه وآله)ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ثمّ جاء الحسين فأدخله معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثمّ جاء علي فأدخله معه ، ثمّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} .
6 ـ عن العوام يعني ابن حوشب قال: دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي ـ رضي الله عنه ـ فقالت: تسألني عن رجل كان من أحبّ الناس إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وكانت تحته ابنته وأحبّ الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب
(1 ، 2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 : 493 .
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 : 494 .
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 : 493 .
(الصفحة43)
عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . قالت: فدنوت منهم فقلت: يارسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال(صلى الله عليه وآله) : تنحّي فإنّك إلى خير .
نظرة في الروايات العامّة :
تتّفق الروايات التي تنتهي إلى اُمّ سلمة وعائشة وتلتقي على أمر مهمّ; هو أنّ آية التطهير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} نزلت في دار ومخدع اُمّ سلمة ، وأنّه كان يخلو حين نزول هذه الآية الشريفة إلاّ منها ومن النبيّ(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسنين(عليهم السلام) ، ولم يكن هناك أحد من الأعراب ، وهي تقرّ قائلة: مع أنّني كنت في الدار وكنت إلى جواره ، ومع شديد شوقي وتطلّعي أن اُشرَك في هذه الفضيلة وأن تشملني الآية ، إلاّ أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أبى ذلك وردّني بلباقة ودماثة خلق .
ومع ما يلحظ من تفاوت في ألفاظ النصّين الأوّلين ومضمونيهما ، إلاّ أنّ ذلك لا يخدش بحال بالنتيجة التي خلصنا إليها ، وهي أنّ الآية نزلت في دار اُمّ سلمة ، وأنّه لم يكن هناك في ذلك الحين أحد سواها والنفر الذين نزلت الآية في حقّهم: فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها(عليهم السلام) .
يُحتمل بقوّة أنّ الحديث الرابع الذي يرويه أبو سعيد ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)هو نفسه الحديث الثالث الذي يرويه عن اُمّ سلمة ، والظاهر أنّ اسمها سقط من السند ، وكلا الاحتمالين يثبتان حقيقة نزول هذه الآية في الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله عليهم .
وفي الرواية الخامسة تعترف عائشة أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) تلا تلك
(1) المصدر السابق 3 : 493 ـ 494 .
(الصفحة44)
الآية في حقّهم: علي وفاطمة والحسنين(عليهم السلام) ، ولكن بصورة يلفّها شيء من الإبهام والغموض! فلا إشارة إلى مكان النزول وفي بيت مَنْ مِن أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) نزلت ، ولعمري ما نظنّها ـ وهي الشابّة قويّة الذاكرة ـ كانت ستنسى ، أو ما كانت ستذكر وتمرّ مرور الكرام على مكان نزول الآية لو كان في بيتها! وهذا بحدّ ذاته قرينة أُخرى على أنّ الآية نزلت في دار أمّ سلمة ، ولكنّها غَيْرَة النساء و«الحسد داء الضرائر»!
ونقل الحديث السادس لما يحويه من اعتراف الزوجة الشابّة الصريح بأنّ أهل البيت الذين أرادتهم آية التطهير هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها(عليهم السلام) ، وهي تقرّ وتعترف أنّ زوجها رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد صرّح لها بأنّها «ليست من أهل البيت(عليهم السلام)» مع أنّ عائشة كانت جزءاً من عائلة النبيّ ، هذا يكشف عن تقصّد النبيّ وتعمّده إخراجها من شمول الآية الشريفة ، وأنّها شخصياً وقفت على هذا المعنى بحيث لم يمكن لها إلاّ الاعتراف به .
لا معارض لهذه الأحاديث :
وباستقصاء ما ورد في الباب من روايات العامّة يتبيّن عدم وجود رواية مُعارضة لهذه الروايات الستّة أو ما يعارض مضمونها . وإن لم تتعرّض بعض الروايات لكيفية النزول ، ولم يكن في بعضها الآخر ذكر لمحلّ نزول الآية والبيت المخصوص من بيوت النساء الذي نزلت فيه ، أو أنّ الرواة اكتفوا بذكر أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: إنّ آية التطهير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} نزلت في الخمسة أصحاب الكساء ، أو أنّه(صلى الله عليه وآله) تلاها في حقّهم ،
(الصفحة45)
أو أنّ الرواة استشهدوا بها في مقام ذكر فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فإنّ هذا لا يتنافى مع ما نحن بصدد إثباته ، إذ لا يفترض ـ على القاعدة ـ في الرواة أن يسردوا ويتناولوا جميع الجزئيات التي واكبت الحدث بشكل تفصيلي ، فقد ينقل بعضهم جانباً والبعض الآخر جانباً غير الأوّل ، ولكن ما التقى عنده جميع الرواة ولم يعارضه أحد منهم هو أنّ نزول الآية كان في شأن الخمسة أصحاب الكساء: محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، وبهذا يتحقّق المطلوب .
هكذا يتّضح أنّه لا يوجد أي مُعارض لهذه الروايات الستّ ومضامينها ، وحريّ برجال التحقيق للمزيد من التثبّت ، مراجعة اُمّهات المصادر كالصحاح الستّة ، تفسير ابن كثير ، تفسير الدر المنثور ، تفسير الطبري ، أو كتاب غاية المرام لسيّدنا المحدِّث الجليل السيّد هاشم البحراني ـ أعلى الله مقامه ـ الذي جمع جملة من هذه الأحاديث .
نعم ، وردت هناك رواية تتعارض مع هذه الستّة ، وهي رواية زينب بنت جحش إحدى زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، التي نقلت أنّ آية التطهير إنّما نزلت في بيتها ، وقد كان عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) إلى جنب رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين نزول الآية الشريفة ، وواضح هنا أنّ التعارض لم يمس إلاّ مكان النزول دون من نزلت في حقّهم . ولكن الروايات التي تحدّد مكان النزول على أنّه بيت اُمّ سلمة رضوان الله عليها مستفيضة ، ولا يمكن لرواية أو روايتين معارضتين أن تواجه هذا السيل المتدفّق ، وهنا يسقط المعارض تلقائياً عن الاعتبار .
هذا ، مع أنّ رواية زينب لا تخدش ما توخّيناه وأثبتناه كونها تناولت حيثيّات وتفاصيل القضية من زاوية أخرى هي مكان نزول
(الصفحة46)
الآية الشريفة ، وهذا لا يمس ـ كما أسلفنا ـ شأن النزول وبأنّ الآية نزلت في حقّ أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ، بل أنّها أقرّت بذلك وأمضته .
ملكيون أكثر من الملك !
ومع أنّ زوجَتي النبيّ(صلى الله عليه وآله); اُمّ سلمة وعائشة اعترفتا وأذعنتا بأنّ آية التطهير لم تُردهما ولم تُرد أيّاً من نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّها تختصّ بالخمسة أصحاب الكساء ، إلاّ أنّ هناك من أبى إلاّ أن يُدخل نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) في خصوص الآية ويلحقهنّ بأهل البيت(عليهم السلام) ، بل يختصّهنّ بها دون أهل البيت!
هنا نسلّط الضوء على هؤلاء «المتطفّلين» ، وينقسمون إلى طائفتين: الاُولى ، بعض رواة صدر الإسلام أمثال عكرمة ، مقاتل بن سليمان ، وعروة بن الزبير . والطائفة الثانية ، جمع من مفسِّري العامّة .
الطائفة الأولى :
ينبغي التنويه إلى أنّ هذه الطائفة طرحت بشكل عام موقفها من الآية من منطلق رؤيتها الشخصية وتحليلها الخاص ، لا أنّها تنسبه برواية إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو أزواجه أو صحابته ، ومن المسلّمات أنّ آراء هؤلاء لا تضفي على الموضوع أيّة مشروعية ولا تشكِّل أيّة حجّة ، إذ تبقى آراؤهم الخاصّة ، هذا لو لم يكونوا مطعونين ومشكوكين فكيف وقد كانوا كذلك؟!
هذا عكرمة يقول: «إنّ آية التطهير لا تشمل إلاّ نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)»!
(الصفحة47)
ويمعن ويغرق في الأمر إلى حدّ الدعوة إلى مباهلة من ينكر ذلك ، وكان يرفع صوته المنكر في الأسواق منادياً بأنّ آية التطهير نزلت في نساء النبيّ! ولعمري ما قيمة كلام عكرمة وما هي خصوصيّة هذا الرجل وما هو محلّه من الإعراب حتّى يرجّح رأيه على رأي الآخرين؟!
وينضمّ عروة بن الزبير إلى عكرمة وصفّ مصفّه في الادّعاء وفي الردّ ، أمّا ما ينسبه عكرمة أو غيره إلى ابن عبّاس ويرويه عنه من نزول آية التطهير في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فممّا ينبغي البحث عنه في الدواعي والبواعث التي حدت بهم إلى هذا الافتراء ، الذي خالفوا به ما اتّفق عليه المعتبر من روايات العامّة ، وما صرّحت به عائشة وأمّ سلمة ، ولنبحث في أفكارهم وشخصيّاتهم ونستخلص البواعث على مواقفهم تلك .
عكرمة (مولى ابن عبّاس) :
يُعدّ عكرمة من ألد أعداء أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ولا يبعد أن يكون موقفه هذا تفريغاً لحقد أمَضّه ، ولحساب شخصي أو غِلّ في تصفيته!
يذكر السيّد الجليل العلاّمة شرف الدين في كتابه «الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء(عليها السلام)»:
وكان عكرمة ينادي في الأسواق تحاملاً على أصحاب الكساء ، ولا عجب ، فإنّ عكرمة من الدعاة إلى عداوة عليّ(عليه السلام)
(1) فيما نقله عنه جماعة كثيرون منهم الواحدي في كتاب أسباب النزول: 240 ، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 141 ، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم(عليهم السلام) .
(الصفحة48)
والسعاة في تضليل الناس عنه بكلّ طريق . فعن يحيى بن بكير قال: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب ، قال: فالخوارج الذين هم في المغرب عنه أخذوا . وعن خالد بن عمران قال: كنّا في المغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال: وددت أنّ بيدي حربة ، فاعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً ـ لبنائه على كفر عدا الخوارج من أهل القبلة ـ .
وعن يعقوب الحضرمي ، عن جدّه قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر ، قال: وكان يرى الأباضية ـ وهم من غلاة الخوارج ـ .
وعن ابن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري ـ وكان نجدة من أشدّ الخوارج عداوة لأمير المؤمنين ـ .
وعن مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج .
وعن عطاء: كان عكرمة أباضياً .
وعن أحمد بن حنبل: أنّ عكرمة كان يرى رأي الصفرية ـ وهم من غلاة الخوارج أيضاً ـ .
وحدّث أيّوب عن عكرمة أنّه قال: إنّما أنزل الله متشابه القرآن ليُضلّ به! ـ فانظر إلى آرائه ما أخبثها ـ .
وعن عبدالله بن الحارث قال: دخلت على عليّ بن عبدالله بن
(1) نقل ياقوت الحموي في معجم الأُدباء 12 : 184 عن القاضي الجعابي بأنّه حيث أتى على ذكر عكرمة في كتاب الموالي: أنّ عكرمة دخل في رأي الحرورية الخوارج ، ونقل عن أبو عليّ الأهوازي أنّه يميل إلى استماع الغناء ، قال: وقيل عنه: إنّه كان يكذب على مولاه .
(الصفحة49)
العبّاس فإذا عكرمة في وثاق ، فقلت: ألا تتّقي الله؟ فقال: إنّ هذا الخبيث يكذب على أبي .
وعن ابن المسيب أنّه قال لمولى له اسمه برد: لا تكذب عَلَيّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس .
تتبلور لنا صورة وشخصية عكرمة من هذه العبارات التي نقلها العلاّمة شرف الدين ، وذكرها من مصادر العامّة وكتبهم الرجالية المعتبرة ، فعكرمة مفتر كذّاب ، عديم الضمير والإيمان ، ليس بثقة ، من ألدّ أعداء أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ومن هنا يتّضح هدفه من تبنّي رأيه الشاذّ في آية التطهير ، والسرّ في هذا الشذوذ ، وما هو إلاّ بغض عليّ(عليه السلام)وعداؤه له ، واللهث في سبيل إزاحة منقبة من مناقب عليّ(عليه السلام) ، ونزع حلّة زيّنه بها القرآن وخلعها على غيره ، وإن كان سعيه عن طريق نسبة الحديث إلى ابن عبّاس ، فهذه هي طريقته في الافتراء على مولاه ، وإلاّ فإنّ النقل عن ابن عبّاس تعدّدت طرقه في أنّ آية التطهير لم تنزل في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّها لم تشملهنّ ، ومن هذه ما يرويه أحمد بن حنبل بسنده عن عمرو بن ميمون قوله: « . . . وأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
(1) هذا لفظ الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 94 نقلاً عن عبدالله بن الحارث . والذي نقله ياقوت الحموي في ترجمة عكرمة من معجمه عن عبدالله بن الحارث قال: دخلت على عليّ بن عبدالله بن عبّاس ـ وعكرمة موثق على باب الكنيف ـ فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إنّ هذا يكذب على أبي ، معجم الأُدباء 12 : 184 .
(2) الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء(عليها السلام) للعلاّمة السيّد عبد الحسين شرف الدين ، ص20 ـ 22 .
(الصفحة50)
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» .
وخلاصة القول: أنّ رأي عكرمة الجاهل بالقرآن ، المعادي لأهل البيت ساقط عن الاعتبار ، ولا حجّية له بتاتاً .
مقاتل :
أمّا مقاتل ، فيذكر العلاّمة شرف الدين أعلى الله مقامه عنه «أنّه أيضاً كان عدوّاً لأمير المؤمنين(عليه السلام) ، وكان دأبه صرف الفضائل عنه حتّى افتضح بذلك . قال إبراهيم الحربي ـ كما في ترجمة مقاتل من وفيات الأعيان لابن خلكان ـ : قعد مقاتل بن سليمان فقال ـ إطفاءً لنور أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ : سلوني عمّا دون العرش ، فقال له رجل: آدم صلّى الله عليه وسلّم حين حجّ مَنْ حَلَقَ رأسه؟ فقال له: ليس هذا من علمكم . وقال الجوزجاني ـ كما في ترجمة مقاتل في ميزان الذهبي ـ كان مقاتل دجّالاً جسوراً ، سمعت أبا اليمان يقول: قدم هاهنا فأسند ظهره إلى القبلة وقال: سلوني عمّا دون العرش قال: وحدّثت أنّه قال بمثلها بمكّة ، فقام إليه رجل فقال: أخبرني عن النملة أين
(1) المسند لأحمد بن حنبل 1: 709 ح3062 .
(2) مقاتل بن سليمان البلخي أو البجلي المتوفّى في البصرة 150هـ ، ذكر الزركلي في أعلامه أنه كان متروك الحديث (ج7 : 281) وذكره المامقاني في رجاله حيث نقل أنه قيل لأبي حنيفة: قدّم مقاتل ، قال: إذن يجئك بكذب كثير ، ثمّ علق «ويلٌ لمن كفره نمرود»! (تنقيح المقال 3 : 244 طبعة النجف) .
(3) وفيات الأعيان 5: 255 ، الرقم 733 .
(الصفحة51)
أمعاؤها؟ فسكت .
وكان مقاتل مع ذلك كلّه من كبار المرجئة وغلاة المشبهة بنص جماعة ، منهم: ابن حزم في كتابه «الفصل» وعدّه الشهرستاني في الملل والنحل من رجال المرجئة ، وقال أبو حنيفة ـ كما في ترجمة مقاتل من ميزان الاعتدال ـ : أفرط جهم في نفي التشبيه حتّى قال: إنّه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل ـ يعني في الإثبات ـ حتّى جعله مثل خلقه ، وقال أبو حاتم بن حبان البستي ـ كما في ترجمة مقاتل من تهذيب الكمال للمزّي ـ : كان مقاتل يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبّهاً يشبّه الرب عزّوجلّ بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث» ، .
وبهذه الترجمة لمقاتل التي أثبتها العلاّمة الفقيد شرف الدين من كتب القوم ومصادرهم يسهّل الحكم على رأيه في آية التطهير ، وما زعمه من نزولها في نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ! فالتهافت نال وقدح في شخصه وشخصيّته ، وليس مجرّد دعواه ومقالته . وحقّ أن نتمثّل:
تصدّر للتدريس كلّ مهوّس بليد يُسمّى بالفقيه المدرّس
(1) أحوال الرجال للجوزجاني: 202 ، الترجمة 373 ، ميزان الاعتدال 4 : 174 الرقم 8741 .
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 205 .
(3) الملل والنحل 1 : 128 .
(4) كتاب المجروحين لابن حبّان 3: 14 ، تهذيب الكمال 28: 450 .
(5) الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء للعلاّمة السيد عبد الحسين شرف الدين : ص19 ـ 20 .
(الصفحة52)
يحقّ لأهل العلم أن يتمثّلوا ببيت قديم شاع في كلّ مجلس
لقد هزلت حتّى بدا من هزالها كلاها وحتّى رامها كلّ مفلس
عروة :
ثالث من كان يُأوِّل آية التطهير بنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو عروة بن الزبير .
يذكر صاحب قاموس الرجال في ترجمة عروة: «روى المسعودي في مروجه عن حمّاد بن سلمة قال: كان عروة بن الزبير يعذّر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم ، وحصره إيّاهم في الشعب وجمعه الحطب لتحريقهم ، ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما اُرهب بنو هاشم وجُمع لهم الحطب لإحراقهم فيما سلف (يعني يوم السقيفة) . وقد تظاهرت الرواية عن عروة أنّه كان يأخذه الزمع عند ذكر عليّ(عليه السلام) فيسبّه ويضرب بإحدى يديه على الأخرى ويقول: وما يعني أنّه لم يخالف إلى ما نُهي عنه ، وقد أراق من دماء
(1) الأبيات لأحمد بن الحسين المؤدب ، وصدر بيته الثالث «لقد هزلت» مَثَل يضرب في الاستصغار والاستخفاف بمن ادّعى ما ليس له وتلبّس بغير لباسه ، وقد قابلت بها بيتاً بالفارسية تمثّل به المؤلّف في المقام مؤثّراً ذلك على ترجمته ، إذ لا يفسد الشعر شيء مثل ترجمته ، والبيت هو:
أي مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تست عرض خود مى برى و زحمت ما ميدارى
(2) مروج الذهب 3 : 77 .
(الصفحة53)
المسلمين ما أراق؟» .
ويكفي هذا المقدار لبيان مستوى هذا الرجل ومدى عدائه ومعاندته لأمير المؤمنين(عليه السلام) ، وهكذا جهله وحقده ، ويصدق في حقّه أنّه ممّن لو ولج بحر القرآن المتلاطم لما حظي حتّى بقطرة منه ، ولو انقدحت من نفسه الخبيثة شرارة ما كانت لتوقد إلاّ من لهيب الحقد ، وإن نسب قولاً فما يفرغ إلاّ عن الافتراء والبهتان!
الطائفة الثانية :
ذكرنا آنفاً أن الطائفة الثانية ممّن يرى أنّ آية التطهير شملت نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو نزلت فيهنّ على وجه الحصر ، تضمّ فئة من علماء العامّة وأرباب التفاسير عندهم . وقد انصبّت حجّة هؤلاء على أدلّة ثلاثة ، نقول في ردّها:
1 ـ إذا كان الدليل على الانحصار أو الشمول هو وقوع الآية الشريفة (التطهير) ضمن آيات كانت تخاطب نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فإن ردّ ذلك قد تبيّن في كون الآيات المتعلّقة بالنساء لا تحكي عن الإرادة التكوينية للباري عزّوجلّ في عصمتهنّ ، وهي خلوّ ممّا يثبت فضلهنّ وحتمية طهارتهنّ ، أمّا آية التطهير فهي في مقام تقرير المشيئة الربانية الحتمية في طهارة ثلّة معيّنة هي «أهل البيت(عليهم السلام)» ، يثبت بذلك فضلها وأفضليّتها ، فكيف يمكن أن تشمل آية تحوي هكذا دلالة اُناساً احتملت الآيات السابقة سقوطهنّ في الرجس واتّباعهنّ زينة الدنيا
(1) قاموس الرجال 7 : 193 ـ 194 .
(الصفحة54)
(نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)) ، وسيأتي لاحقاً المزيد من التفصيل في هذا الباب .
2 ـ إذا كان دليلهم أنّ تتابع الآيات ووحدة السياق يقتضي ما ذهبوا إليه من الانحصار أو الشمول ، فإنّ هذا لا يربو إلاّ أن يكون قرينة لا دليلاً قائماً بذاته ، وقد رأينا كيف تهافتت هذه القرينة وسقطت أمام الأحاديث المتّفقة على التصريح بأنّ الآية عنت الخمسة أصحاب الكساء لا غيرهم ، وكيف أقرّت النسوة: عائشة وأمّ سلمة أنفسهنّ بهذه الحقيقة وأذعنتا لها .
3 ـ وإن كانت حجّتهم في وجود روايات معارضة دلّت على شمول الآية لزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فقد بيّنا أنّ رواة هذه الأحاديث من أضراب عكرمة ومقاتل وعروة إنّما نقلوا آراءهم الخاصّة أو افتروا على ابن عبّاس ، واتّضح فيما سبق أنّ علماء العامّة أنفسهم فيما بحثوه من أحوال هؤلاء في كتب الجرح والتعديل أسقطوهم عن الاعتبار والوثاقة ، ونسبوهم إلى الكذب وفساد العقيدة .
وعلى هذا لا يبقى لذي ضمير حيّ وإنصاف ، بعيد عن الجدل الأجوف من سبيل إلاّ الإذعان بأنّ آية التطهير إنّما نزلت في الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) ، ولا مناص من الإقرار بأنّ نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا نصيب لهنّ من هذه المنقبة العظيمة والفضل الإلهي الجزيل .
القسم الثاني : روايات أهل البيت(عليهم السلام)
تناول البحث فيما مضى الروايات الواردة عن طرق العامّة ، وفي هذا الباب نستعرض بعض الأحاديث الشريفة التي نقلت عن أهل
(الصفحة55)
البيت(عليهم السلام) .
تزخر كتب الشيعة ومجاميعهم الروائية بأحاديث كثيرة حول آية التطهير ذكرت في مواضع وبمناسبات مختلفة ، وقد أشرنا في صدر البحث إلى الأربعة وثلاثين حديثاً التي نقلها السيّد هاشم البحراني في كتابه «غاية المرام» وسنذكر هنا بعض الأحاديث التي أوردها المحدِّث الجليل الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي المتوفّى (1112 هـ) في تفسيره القيم «نور الثقلين»:
1 ـ في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر(عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ . . .} قال: نزلت هذه الآية في رسول الله وعليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وذلك في بيت اُمّ سلمة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، ثمّ ألبسهم كساءً خيبريّاً ودخل معهم فيه ، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني ، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم يارسول الله؟ قال: أبشري يا أمّ سلمة فإنّك إلى خير .
2 ـ في كتاب الخصال ، في احتجاج أمير المؤمنين(عليه السلام) على الناس يوم الشورى ، قال: أنشدكم الله هل فيكم أحدٌ أنزل الله فيه آية التطهير على رسول الله(صلى الله عليه وآله): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كساءً
(1) تفسير القمّي 2 : 193 ، تفسير نور الثقلين 4 : 270 .
(الصفحة56)
خيبريّاً فضمّني فيه وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ قال: ياربّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً غيري؟ قالوا: اللهمّ لا .
3 ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ، أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان: أيّها الناس أتعلمون أنّ الله عزّوجلّ أنزل في كتابه {إِنِّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ . . .} فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً وألقى علينا كساءً ، وقال: اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويحرجني ما يحرجهم ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً ، فقالت اُمّ سلمة: وأنا يارسول الله؟ فقال: أنت ـ أو إنّك ـ على خير ، إنّما اُنزلت فيّ وفي أخي وابنتي وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة ليس معنا فيها أحد غيرنا ، فقالوا: كلّهم : نشهد أنّ اُمّ سلمة حدّثتنا بذلك ، فسألنا رسول الله(صلى الله عليه وآله)فحدّثنا كما حدّثتنا أمّ سلمة رضي الله عنها .
4 ـ في رواية صحيحة يرويها أبو بصير ، عن الإمام الصادق(عليه السلام)ننقل منها موضع الشاهد لما نحن بصدده: « . . . ولكن الله عزّوجلّ أنزله في كتابه لنبيّه(صلى الله عليه وآله) {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، فأدخلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي
(1) الخصال 2: 560 ، تفسير نور الثقلين 4: 272 .
(2) كمال الدين وتمام النعمة 1 : 278 ، تفسير نور الثقلين 4: 272 .
(الصفحة57)
وثقلي . فقالت أمّ سلمة: ألست من أهلك؟ قال: إنّك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي» .
تناسق الأخبار وانسجامها (ثمرة البحث):
بلغ مجموع ما ذكرناه في القسمين عشر روايات شملت مختارات من الأحاديث المعتبرة المنقولة بالطريقين ، ستّة أحاديث من طرق العامّة وأربعة من طرق الخاصّة: أي شيعة أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) ، ويقف المتتبّع على تناسق قلّ نظيره بين هاتين الطائفتين من الأخبار على اختلاف طرق النقل وتباين المدارس المذهبية والعقائدية! واستناداً إلى هذه الأخبار العشرة يمكننا الخروج بنتائج واضحة نعرضها ملخّصة مختصرة كبنود أساسية تمثّل حصيلة البحث وثمرته:
1 ـ إنّ آية التطهير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} نزلت مستقلّة ومنفصلة ، وتدوينها ضمن الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأحزاب ، بعد الآيات التي خاطب فيها الشارع المقدّس أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) وحدّد فيها بعض تكاليفهنّ ، لا يحمل أيّ مدلول على تتابع الخطاب واستمرار الموضوع . وهذه الثمرة هي الهدف الأساسي من هذا البحث .
2 ـ الآية الكريمة نزلت في بيت أمّ سلمة رضوان الله تعالى عليها .
3 ـ إنّ اُمّ سلمة وعائشة كلتيهما اعترفتا بأنّ الآية لا تشملهنّ ، بل أقرّتا بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أكّد لهنّ بأنّ عليهنّ أن لا يتوقعن أن يكنَّ في نطاق آية تضع اُسس بُنية المجتمع الإسلامي ، وترسم الاستراتيجية الإسلامية
(1) الكافي 1: 287 ، تفسير العياشي 1: 250 ، تفسير نور الثقلين 4: 274 .
(الصفحة58)
في نوع وشكل ومصداق القيادة وامتداد خط الهدى من بعده ، وهي العنصر الأساسي لضمان مستقبل الحركة ، وعليهنّ أن يكتفين فخراً بصفة الزوجية ، وأنّ السعادة في انتظارهنّ إذا ما عملن وتقيّدن بالأوامر والنواهي الإلهية التي رسمت حدودهنّ ، وحظرت عليهنّ التدخّل في القضايا العامّة ، والخوض في الشؤون السياسية وإثارة الفتن والمعوّقات في طريق الولاية والإمامة الحقّة للمسلمين ، وكنموذج لحسن العاقبة وتحديد لصفتها طرحت الروايات اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة رضوان الله عليها ، وهذه المرأة الجليلة العفيفة التي بشّرها النبيّ(صلى الله عليه وآله) بأنّها «إلى خير» أو «على خير» ، وحدّثنا التاريخ كيف أنّ «الخير» كان في بقائها في بيتها بعيداً عن ميادين الحروب ومعتركات السياسية!
4 ـ المتواجدون في بيت اُمّ المؤمنين ، وخير زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)من الأحياء حين نزول الآية: أي بيت اُمّ سلمة ، عدا النبيّ(صلى الله عليه وآله) هم أسرة تفيض فضلاً وفضيلة ، رجل وزوجته وابناهما: عليّ وفاطمة والحسنان صلوات الله وسلامه عليهم ، أي ابن عمّ النبيّ وصهره وابنته وسبطاه(عليهم السلام) .
5 ـ نزول الآية الشريفة كان حين اجتماع الخمسة صلوات الله عليهم لا قبل ذلك ، هذا ما يُستفاد من الأحاديث المنتهية إلى أمّ سلمة وأبي سعيد الخدري ، وهكذا الأحاديث الأربعة المروية عن الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) بما تقرّره من اختصاص الآية بالخمسة أصحاب الكساء وكونها غير ناظرة لغيرهم .
6 ـ دعاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأهل بيته «اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» كان في المقام والمكان نفسه الذي نزلت فيه الآية ، إذ
(الصفحة59)
عمد بعد نزول الآية مباشرة إلى ذويه وجمعهم تحت الكساء ودعا بدعاء «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي . . .» ، وكأنّه صلوات الله عليه وآله أراد تأكيد مضمون الآية وتحديد مصداقها على وجه الحصر ، ودفع أيّ وهم قد يعتري أحداً من أنّها تشمل غيرهم .
وبعبارة اُخرى: يظهر أنّ للنبيّ(صلى الله عليه وآله) هدفاً عظيماً وغايةً ساميةً من وراء عملية جمع أهله وذويه تحت الكساء ، وهي حصر واختصاص المقام الإلهي الشامخ الذي ناله المخاطبون في آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ . . .}بهؤلاء المجموعين تحت الكساء ، حتّى لا يدّعي في الحاضر أو المستقبل أحد أنّه من المشمولين بالآية وينتحل لنفسه ذلك المقام الخطير; مقام العصمة والطهارة ، الذي ما أراده الباري عزّوجلّ إلاّ لقادة دينه وأئمّة خلقه وورثة رسوله ، فجاء فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، بل قوله أيضاً ـ إذ ما اكتفى بجمعهم تحت الكساء بل صرّح وهو يشير إليهم: «هؤلاء أهل بيتي . . .» ـ المباشر لنزول الآية; ليحسم الأمر ويقطع أيّ نزاع حاضر أو مستقبل حول دلالتها والمخاطبين فيها .
ثمّ هلمّ لنرى التحامل والجهل كيف يصوّران واقعة الكساء والتجمّع الخاصّ المعين أمراً طبيعياً لم يكن يعني أكثر من استلقاء للراحة أعقب تناول وجبة دسمة من الطعام! وكيف أنّ تقادم الأيّام حوّل هذه الحادثة الطبيعية إلى فضيلة ومنقبة تُساق دليلاً ومستنداً للاستحواذ على زعامة المسلمين والتصدّي لمقام القيادة .
ولعمري ماذا عسانا أن نقابل هذا الزعم الأجوف والقول الأعمى؟ ترى هل انحصر وقوع هذا الحدث «الطبيعي» مرّةً واحدةً فقط على مدى تلك السنين المتمادية؟ ترى هل اجتماع النبيّ(صلى الله عليه وآله)مع بقيّة
(الصفحة60)
أصحاب الكساء(عليهم السلام) لتناول الطعام لم يتحقّق إلاّ في مرّة واحدة ، وأنّ الحاجة إلى الاستلقاء والاستراحة بعد تناول الطعام لم يكن إلاّ في ذلك اليوم؟ أيّ تقاليد وأعراف «طبيعية» تسمح بالتقاء خمسة أشخاص من الأقرباء على ذلك النحو وبتلك الكيفية؟!
ثمّ كيف يمكن للزمن وتقادم الأيّام أن يؤثّر في تحوير أمر طبيعيّ وتحويله إلى منقبة وفضيلة خاصّة؟! كيف يمكن لأمير المؤمنين(عليه السلام) أن يستند إلى «قضيّة طبيعيّة» ويحتجّ بها في مراحل متعدّدة من المعترك العسير ، الذي كانت التيّارات السياسية المتنافسة تتناهب فيه الزعامة وتتجاذبها ، فيتّخذها عروة وثقى ويتمسّك بها دون غيرها ، وهو عليّ(عليه السلام)الذي يقول «ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير . . .»؟! لعمري كم الحقيقة مُرّة ، والإذعان لها عسير بحيث يعمد الإنسان إلى طمسها وإسدال ستار الوهم عليها ، ويعمل على إضلال جمع ممّن خفيت عليهم!
هل كلّ ما شطح به الخيال ورسمه قلم الكاتب على الأوراق هي حقائق؟ فما هو الفيصل بين الحقّ والباطل إذن؟ وما هو السبيل لتمييز الصلاح عن الفساد؟
لماذا نقلّب الحقيقة ونجحدها ونحن نصوّر فضيلة عظيمة طرحت منذ البداية كعنوان مُعرّف لثلّة وجماعة خاصّة ، وترسّخت عبر أقوال وممارسات متكرّرة ، نطرحها كحدث طبيعي وأمر عادي يذهب بالمدلول ويمحوه؟ ترى هل لهذا الفعل المشين من تسمية غير ظلم أهل
(1) نهج البلاغة: 26 ، الخطبة 3 (الخطبة الشقشقية) .
|