الصفحة 341
على الرجال لبسه والصلاة فيه الحديث .
وامّا ما يدلّ على حرمة التختّم بالذهب فهو أكثر الروايات الواردة في المقام كرواية جراح المدائني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب .
ورواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)نهاهم عن سبع منها التختّم بالذهب .
وامّا ما يدلّ على حرمة التختّم به مع اشتماله على التعليل فكرواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تختم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة . ورواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) انّ النبي (صلى الله عليه وآله)قال لعليّ (عليه السلام) : إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تتختّم بخاتم ذهب فإنّه زينتك في الآخرة .
إذا عرفت ما ذكر فاعلم انّه لو لم يكن في البين إلاّ خصوص روايات التختّم من دون ذكر العلّة لم يجز التعدّي عن مورده إلى غيره أصلاً لا بعنوان اللباس ولا بعنوان الزينة لعدم الدليل على التعدّي ، وامّا مع وجود الروايات المعلّلة وكذا روايات اللبس فيحتمل أن يكون الموضوع هو عنوان اللبس ويحتمل أن يكون هو عنوان الزينة والتزيّن وبين العنوانين مضافاً إلى ثبوت المغايرة وكون النسبة عموماً من وجه مغايرة من جهة عدم مدخلية القصد في عنوان اللبس ومدخليته في عنوان التزيّن ومنشأ الاحتمالين ظهور روايات اللبس في كون الموضوع هو هذا العنوان وظهور الروايات المعلّلة في كون الموضوع هو عنوان الزينة ولا مجال لاحتمال ثبوت حكمين متعلّقين بعنوانين المستلزم لكون التختّم بالذهب محكوماً بحرمتين والمقطوع خلافه فالثابت لا يكون إلاّ حكماً واحداً متعلّقاً بعنوان واحد ، وعليه فلابدّ امّا من التصرّف في روايات اللبس بكون المراد منه الزينة وتؤيّده رواية النميري المتقدّمة
الصفحة 342
المشتملة على ذكر اللبس بعد عنوان الزينة ، وامّا من التصرّف في روايات الزينة بحملها على انّ المراد بها اللبس مؤيّداً بما ورد في تفسير قوله تعالى : }خذوا من زينتكم عند كلّ مسجد{ من أنّ المراد بها هو اللباس .
والظاهر رجحان الاحتمال الثاني لأنّ حمل الزينة على اللباس أهون من العكس خصوصاً مع ملاحظة التأييد المذكور وما في الجواهر في كتاب الشهادات من دعوى الإجماع بقسميه على حرمة التحلّي به فالظاهر انّه ليس المراد به هو التحلّي في مقابل التلبّس بل تحلّي الرجل في مقابل تحلّي المرأة وهو لا ينافي أن يكون المراد به هو التلبّس كما لا يخفى .
فالإنصاف انّ المستفاد من الروايات المتقدّمة هي حرمة تلبّس الرجل للذهب ويؤيّده ما دلّ على جواز شدّ الأسنان بالذهب كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث : انّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب . وما دلّ على جواز تحلية السيف بالذهب مع كونه معلّقاً على الرجل نوعاً كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة .
وعلى ما ذكرنا فما لم يتحقّق عنوان التلبّس لا يتحقّق المحرم فالأسنان المشدودة بالذهب أو المشبّكة به أو المبدّلة به لا مانع منها أصلاً من دون فرق بين الثنايا وغيرها ومن دون فرق بين ما إذا قصد التزيّن وما إذا لم يقصد ويستفاد من المتن حيث احتاط وجوباً بالاجتناب عن الثنايا مع قصد التزيّن انّ الملاك عنده التزيّن مع أنّ ظاهر صدره انّ الملاك هو التلبّس .
وكذا لا بأس بجعل قاب الساعة من الذهب لعدم صدق التلبّس وعدم كونه آنية حتّى يحرم من جهة كونه من أواني الذهب والظاهر عدم الحرمة بناء على حرمة التزيّن أيضاً لعدم تحقّقه مع كونه في الجيب نوعاً ، نعم مع شدّه بالسوار كما هو
الصفحة 343
المعمول في هذه الأزمنة يشكل الأمر مع فرض كون جوانبه منه .
وامّا إذا كان زنجيرها منه فإن كان في جيبه ولم يكن معلّقاً على رقبته أو لباسه فالظاهر انّه لا مانع منه أصلاً على كلا المبنيين كما انّه إذا كان معلّقاً على رقبته فهو حرام على كليهما لصدق التلبّس والتزيّن معاً ، وامّا إذا كان معلّقاً على لباسه فالظاهر صدق التزيّن دون التلبّس ومجرّد تعليقه على اللباس لا يوجب تحقّقه كما إذا علّق الخاتم على اللباس فرضاً .
ثمّ إنّه لا فرق في الحرمة بين أن يكون لباس الذهب خالصاً أو ممزوجاً أو ملحماً به أو مذهباً بالتمويه والطلي مع صدق لبس الذهب ، قال في محكي كشف الغطاء : الشرط الثالث : أن لا يكون هو أو جزئه ولو جزئياً أو طليه ممّا يعدّ لباساً أو لبساً ولو مجازاً بالنسبة إلى الذهب إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب إذ لا يعرف ثوب مصنوع منه فلبسه امّا بالمزج أو التذهيب أو التحلّي .
ويمكن الإيراد عليه بأنّه إنّما يتمّ لو كان المذكور في الروايات في متعلّق النهي هو عنوان لبس الثوب من الذهب فإنّه يصحّ أن يقال ـ حينئذ ـ بأنّه لا يعرف ثوب مصنوع منه فلبسه امّا بالمزج أو مثله ، وامّا لو كان المذكور فيها هو عنوان لبس الذهب كما هو كذلك فلا يتمّ ما أفاده لعدم اختصاص اللبس بالثوب ، بل يعمّ مثل الخاتم والسوار والقلادة ممّا يمكن أن يكون بجميع أجزائه بحسب المتعارف ذهباً فالملاك ـ حينئذ ـ صدق اللبس في جميع الموارد .
المقام الثاني : في الحكم الوضعي المتعلّق بلبس الذهب في الصلاة وقد ادّعى الإجماع بل الضرورة في هذا المقام أيضاً ، ولكن الظاهر انّه ليس كذلك ولم يتعرّض له الشيخ في المبسوط مع أنّه أوّل المتعرّضين للمقام الأوّل بل ظاهره باعتبار عدم التعرّض له في ضمن ما لا تجوز الصلاة فيه عدم البطلان .
الصفحة 344
نعم ذكر العلاّمة في التذكرة انّ الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال وكذا الخاتم المموّه به للنهي عن لبسه وقال أيضاً : «لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموّه به بطلت صلاته للنهي عن الكون فيه ولقول الصادق (عليه السلام) : جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه» .
وكيف كان فعمدة ما استدلّ به على البطلان أمران :
أحدهما : الأخبار الواردة في الباب الظاهرة في البطلان مثل :
موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة في المقام الأوّل المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنّه من لباس أهل الجنّة وكذا مرسلة موسى بن اكيل النميري المتقدّمة في ذلك المقام أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام)المشتملة على قوله (عليه السلام) : وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه .
فإنّ النهي عن الصلاة في الموثقة إنّما ظاهره الإرشاد إلى الفساد والمانعية كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالمعاملة الخاصّة والعبادة المخصوصة فإنّ ظاهرها عدم حصول الغرض المقصود وعدم ترتّب الأثر من حصول المكلّف به في الخارج أو تحقّق الأثر المعاملي كالملكية والزوجية ونحوهما ولا منافاة بين كون النهي عن الصلاة للإرشاد وبين كون النهي عن اللّبس للتكليف وإن كانا في سياق واحد .
وهكذا التحريم بلفظه في المرسلة : فإن تعلّقه باللبس ظاهر في الحكم المولوي وبالصلاة فيه ظاهر في الحكم الإرشادي الذي مرجعه إلى البطلان ولا منافاة بينهما .
وربما يقال بالبطلان ولو على تقدير دلالة الروايتين على الحكم المولوي نظراً إلى
الصفحة 345
أنّ المبغوض لا يمكن أن يكون مقرّباً فلا تصحّ العبادة لأنّ صلاحيتها للتقرّب معتبرة في صحّتها وتعلّق الأمر بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيات مختلفة والنهي بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه وإن كان يوجب التغاير بين المتعلّقين لكنّه من مصاديق مسألة اجتماع الأمر والنهي والحقّ في تلك المسألة وإن كان هو القول بالجواز إلاّ انّه لا يمنع من الحكم ببطلان العبادة التي اجتمع فيها الأمر والنهي لعدم صلاحيتها للتقرّب كما تقدّمت الإشارة إليها آنفاً .
هذا ولكن حقّقنا في الاُصول انّ الحقّ هي صحّة العبادة بعد فرض القول بالجواز فلا مجال لهذا القول .
ثانيهما : لزوم اجتماع الأمر والنهي كما استدلّ به العلاّمة في التذكرة في عبارته المتقدّمة وتقريبه انّ النهي إنّما تعلّق بلبس الذهب على الرجال والأمر إنّما تعلّق بالتستّر ضرورة انّه يجب أن يكون المصلّي متستّراً وبين العنوانين عموم من وجه ومادّة الاجتماع هو لبس الذهب في الصلاة ومقتضى هذا الدليل اختصاص الحكم بما إذا كان الساتر من الذهب مع أنّ المدّعي عام شامل لما إذا كان في يده خاتم من الذهب في حال الصلاة ، وعليه فدعوى كون التستّر في صورة تعدّد اللباس إنّما يكون مستنداً إلى الجميع على حدٍّ سواء وليس استناد الستر إلى بعضها أولى من بعض حتّى يقال : إنّ الستر وقع بالمحلّل دون المحرّم أو بالعكس إنّما تجدي على فرض تماميتها بالنسبة إلى الألبسة المتعدّدة التي تصلح للساترية ولا تجدي في مثل الخاتم كما هو ظاهر .
ويرد على هذا الدليل انّ لزوم اجتماع الأمر والنهي إنّما هو على تقدير ثبوت التكليفين معاً وفي المقام ليس كذلك لأنّ تعلّق الوجوب بالتستر مع كونه من شرائط الصلاة إنّما هو على فرض القول بوجوب المقدّمة واتصافها بالوجوب
الصفحة 346
الغيري مع أنّه محلّ إشكال بل منع كما حقّقناه في الاُصول ودعوى كون التستّر من أجزاء الصلاة فينبسط عليه أيضاً الأمر المتعلّق بالكلّ فالأمر بالصلاة بالتستّر أيضاً مدفوعة بوضوح عدم كونه من أجزاء الصلاة بل من شرائطها .
ثمّ لو فرض ثبوت الأمر وتعلّق الوجوب بالتستّر وتحقّق الاجتماع فليس لازمه القول بالبطلان في المقام وإن قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي أو قلنا بالجواز مضافاً إلى البطلان وذلك لأنّ مورده ما إذا كان مورد الاجتماع أمراً عبادياً والتستّر لا يكون كذلك وكونه شرطاً للصلاة التي هي عبادة لا يوجب أن يكون نفسه عبادة ، فعلى تقدير الحرمة وترجيح جانب النهي أيضاً لا يلزم أن تكون الصلاة باطلة كما هو محلّ الكلام .
وربما يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ نظراً إلى أنّ المقام من صغرياته لأنّ النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه والصلاة تكون ضدّاً لما تعلّق به الأمر الجائي من قبل النهي عن اللبس إذ نزع الثوب يستلزم تحقّق الفعل الكثير المبطل للصلاة فهي مع عدم تحقّق ذلك فيها تضادّ عدم اللبس والنزع المتعلّق للأمر وهو يقتضي النهي عنها ، فالصلاة باطلة لتعلّق النهي بها .
وفيه ـ مضافاً إلى أنّ نزع الثوب قد لا يكون مستلزماً لتحقّق الفعل الكثير فلا تتحقّق المضادّة بينهما في هذه الصورة ومضافاً إلى أنّ المفروض في الاستدلال من لبس الذهب قبل الشروع في الصلاة مع أنّ الكلام في أنّه هل يجوز للمصلّي لبس الذهب في حال الصلاة أو لا يجوز حتّى لا يلبس ـ انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ كما حقّق في محلّه .
الصفحة 347
الخامس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال ، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكة والقلنسوة ونحوهما على الأحوط ، والمراد به ما يشمل القز ويجوز للنساء ولو في الصلاة ، وللرجال في الضرورة وفي الحرب 1 .
1 ـ يقع الكلام في هذا الأمر أيضاً في مقامين لأنّه قد يبحث فيه عن التكليف النفسي المتعلّق بلبسه مطلقاً من غير اختصاص بحال الصلاة ، وقد يبحث فيه عن التكليف الغيري المتعلّق به الراجع إلى منعه عن الصلاة وصحّتها .
امّا الكلام في المقام الأوّل فقد ادّعى الإجماع ـ كما عن جماعة ـ على ثبوته على الرجال بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه بل قيل إنّه من ضروريات الدين والظاهر انّ المراد به هو ضروري الفقه لا الإسلام بحيث يكون منكره محكوماً بالكفر ويدلّ عليه النصوص المتكثّرة :
مثل رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلاّ في الحرب .
ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلاّ في الحرب .
وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في تقريراته انّ موضوع الديباج منتف في هذه الأعصار وكان من نبات شبيه بالقطن أرقّ من الحرير وأغلى منه يعمل منه الثياب سابقاً قد انقطع بذره وقال : كان لانقطاعه تاريخ عجيب من حيل الافرنج .
وأورد عليه المقرّر الفاضل بقوله : «لم نطّلع على هذا التاريخ العجيب وما ذكره أهل اللغة مخالف مع ما أفاده فعن المغرب : الديباج الثوب الذي سداه أو لحمته ابريسم ، وعندهم اسم للمنقش ، وعن مجمع البحرين بعد أن ذكر انّ الديباج ثوب
الصفحة 348
سداه أو لحمته ابريسم قال : وفي الخبر لا تلبسوا الحرير والديباج يريد به الاستبرق وهو الديباج الغليظ ، وقال في الوافي : الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرّب وكان الحرير يطلق على ما لا نقش فيه ويقابله الديباج» .
وموثقة سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الحرير والديباج فقال : امّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وبالجملة فأصل ثبوت الحكم بالإضافة إلى الرجال ممّا لا إشكال فيه وقد استثنى منه حالتا الضرورة والحرب .
امّا الاُولى فمضافاً إلى الإجماع المحكي عن جماعة كثيرة يدلّ عليه مثل قولهم (عليهم السلام) : ليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه ، وقولهم (عليهم السلام) : كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وقد أوردها في الوسائل في أبواب متعدّدة كأبواب لباس المصلّي والقيام وقضاء المغمى عليه وكتاب الأطعمة وغيره والمراد من الاضطرار هو العرفي كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام في الكتاب والسنّة .
وامّا الثانية فلدلالة مرسلة ابن بكير وموثقة سماعة المتقدّمتين وغيرهما على استثنائها وهل الوجه في الاستثناء تقوية القلب أو إظهار شوكة الإسلام والمسلمين أو غيرهما فغير معلوم .
ثمّ إنّه قد ادّعى الإجماع بل إجماع أهل العلم كافّة كما عن بعض كتب المحقّق والعلاّمة وصاحب جامع المقاصد على اختصاص الحكم بالرجال وانّه يجوز لبس الحرير للنساء ويدلّ عليه غير واحد من النصوص :
الصفحة 349
مثل مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلاّ في الاحرام .
وفي حديث المناهي قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال فامّا النساء فلا بأس .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال : لا بأس .
ورواية ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا اسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها فقال : مهلا يا اُسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك . وغير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز . وبهذه الروايات يقيد إطلاق موثقة سماعة بن مهران المتقدّمة الشامل للنساء فإنّ الحكم وإن كان يستفاد من مفهوم الجواب إلاّ انّه حيث كان الجواب مسوقاً لبيان المفهوم فلابدّ من الالتزام به ولم يفرق فيه بين الرجل والمرأة كما في السؤال ولكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها ، وامّا رواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهي عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء فالجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة يقتضي حمل النهي فيها على الكراهة بقرينة الذيل وحمل الكراهة على الأعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة بمعنى ثبوت التحريم في حقّ الرجال والكراهة في حقّ النساء ولا مانع من الالتزام بها .
المقام الثاني : في الحكم الغيري المتعلّق بلبس الحرير في الصلاة وقد ادّعى الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه والظاهر انّه لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في ذلك ، نعم المسألة خلافية بين العامّة حيث إنّه ذهب بعضهم إلى الجواز
الصفحة 350
وبعض آخر إلى المنع والظاهر انّه لا مستند لهم من النصوص حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه أم لا؟
وامّا الأخبار الواردة من طرقنا الدالّة على البطلان فكثيرة :
كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص (في حديث) قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) : هل يصلّي الرجل في ثوب ابريسم ؟ فقال : لا .
ورواية أبي الحارث قال : سألت الرضا (عليه السلام) : هل يصلّي الرجل في ثوب ابريسم؟ قال : لا . ويحتمل اتحاد الروايتين وأن يكون أبو الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص ودلالتهما على البطلان واضحة لظهور كون محطّ السؤال إنّما هو الحكم الوضعي والجواب منطبق عليه فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفية منتف .
ومكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض .
والظاهر انّ المراد من الحلية المنفية هي الحلية الغيرية الراجعة إلى الصحّة التي هي حكم وضعي ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض مع كون السؤال إنّما هو عنه وعن الديباج هل يظهر منه انّ الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج كما يدلّ عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من ابريسم أو لا يظهر منه شيء وجوه واحتمالات . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في البطلان .
لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الصلاة في الثوب الديباج فقال : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس .
وقد حمل على حال الضرورة أو الحرب ولكنّه بعيد لعدم الفرق ـ حينئذ ـ بين ما
الصفحة 351
إذا كان فيه التماثيل وما إذا لم يكن والمحتمل حمله على التقية وعلى تقدير خلافه فاللاّزم الطرح امّا لأجل الاعراض أو لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدّمة بعد المعارضة لموافقتها للشهرة الفتوائية .
ثمّ إنّ الأكثر ذهبوا إلى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضاً بالرجال وانّه يجوز للنساء الصلاة في الحرير لكن الصدوق في محكي الفقيه ذهب إلى المنع حيث قال : قد وردت الأخبار بجواز لبس النساء الحرير ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه . وعن مجمع البرهان انّه أولى ، وعن البهائي انّه أوجه ، وعن جماعة التوقّف .
واللاّزم للقائل بالمنع إقامة الدليل عليه ولا يكفي مجرتد عدم ورود الرواية الدالّة على الجواز كما يستفاد من عبارة الصدوق وما يمكن الاستدلال به عليه من الروايات عمدته إطلاق مكاتبة ابن عبد الجبّار المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض ومكاتبته الاُخرى بهذه العبارة ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة ومجرّد ذكر القلنسوة في السؤال مع كونها من ألبسة الرجال لا يوجب تقييد دائرة إطلاق الجواب مع كونه بصدد إفادة قاعدة كلّية ولذا لا تختص بالقلنسوة بل تشمل سائر ألبسة الرجال .
وامّا صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص فلا دلالة فيها على اختصاص الحكم بالرجال لأنّ تخصيص السؤال به يحتمل أن يكون لأجل كونه محلّ نظره ومورد ابتلائه كما انّه يحتمل أن يكون من باب المثال بحيث كان السؤال عامّاً وكما انّه يحتمل أن يكون لأجل كون حكم المرأة مفروغاً عنه عند السائل ولا محالة يكون ذلك الحكم هو الجواز لا العدم ولا مرجح للاحتمال الثالث على أحد الأوّلين فالرواية لا يستفاد منها حكم المرأة بوجه ، كما انّ خبر زرارة المتقدّم في المقام الأوّل الظاهر في التسوية بين الرجال والنساء لا تعرّض فيه لهذا المقام بل هو ظاهر في
الصفحة 352
حكم المقام الأوّل وقد عرفت انّ مقتضى الجمع حملها على ما ينافي التسوية في ذلك المقام أيضاً .
وكذلك رواية جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ليس على النساء أذان إلى أن قال : ويجوز للمرأة لبس الدياج والحرير في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد ، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد . لا تصلح للاستناد إليها فإنّها وإن كانت ظاهرة في المنع إلاّ انّها ضعيفة السند .
فالعمدة هو إطلاق المكاتبة ويؤيّده ما في التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه السلام)من قوله : لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان .
وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) انّ هذا الإطلاق معارض بإطلاق ما يدلّ على جواز لبسهنّ للحرير الشامل لحال الصلاة فإنّ مقتضى هذا الإطلاق جواز صلاتهنّ فيه وإلاّ كان على المتكلّم استثناء حال الصلاة وبعد التعارض يكون الترجيح مع إطلاقات الجواز لإعراض القدماء عن العمل بالمطلق الدالّ على المنع .
وربّما يقال بعد فرض المعارضة انّ الترجيح مع إطلاقات الجواز لفهم الأصحاب ومع فرض التساوي فالحكم التساقط والرجوع إلى اصالة عدم المانعية .
والظاهر انّه لا معارضة بين الإطلاقين أصلا ضرورة انّ الإطلاق المتعرّض للحكم الوضعي الغيري لا ينافي الإطلاق المتعرّض للحكم النفسي بوجه فإنّ بطلان الصلاة وعدمه لا يرتبط بالجواز التكليفي فلا معارضة بين الإطلاقين .
وبعبارة اُخرى شمول إطلاق الجواز لحال الصلاة مرجعه إلى ثبوت الجواز الذي هو الحكم التكليفي ومتعلّقه اللبس من الواضح انّه لا منافاة بين هذا الجواز وبين
الصفحة 353
المنع الراجع إلى بطلان الصلاة فيه .
نعم في مقابل إطلاق المنع روايتان :
إحداهما : مرسلة ابن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة قال : النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلاّ في الإحرام . فإنّ استثناء الإحرام يدلّ على عدم اختصاص الحكم في المستثنى منه بخصوص الحكم التكليفي بل أعمّ منه ومن الحكم الوضعي فمقتضى الرواية ـ حينئذ ـ بطلان صلاتهنّ في الحرير .
ثانيتهما : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فامّا في الحرّ والبرد فلا بأس ، بناء على أنّ المراد من الحرّ والبرد غير حال الإحرام وتكون الجملة الأخيرة مبنية لمفهوم الجملة الاُولى ، نعم يحتمل أن تكون الجملة الأخيرة استثناء من حال الإحرام ، وعليه فلا ترتبط الرواية بالمقام إلاّ على تقدير ثبوت الملازمة بين حال الإحرام والصلاة كما ربّما تدعى .
والظاهر انّ الترجيح مع هاتين الروايتين لموافقتهما للشهرة من حيث الفتوى ولا يقدح الإرسال في رواية ابن بكير بعد كونه من أصحاب الإجماع وانجبرت في هذا المقام بالعمل فالنساء لا مانع من صلاتهن في الحرير .
«تتمّة»
قد عرفت انّ بطلان صلاة الرجال في الحرير المحض مورد لاتفاق العلماء الإمامية في الجملة وذلك في الثوب الذي تجوز الصلاة فيه منفرداً ، وامّا ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده كالقلنسوة والتكة ونحوهما ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريراً محضاً وعدمه نظير ما إذا كان الساتر متنجساً حيث يكون الحكم فيه التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ من دون خلاف وجهان بل قولان فالمحكي عن جماعة منهم المفيد
الصفحة 354
والشيخ والحلّي بل المنسوب إلى الأشهر وإلى المتأخّرين وإلى أجلاّء الأصحاب هو الجواز ، والمحكي عن الفقيه والمنتهى والبيان والموجز وغيرها المنع ، بل هو المشهور بين المتأخّرين ويظهر من بعض التوقّف والتردّد في المسألة .
ومستند المنع مكاتبتا محمد بن عبد الجبّار ففي إحداهما قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض .
وفي الاُخرى قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب ؟ فكتب (عليه السلام) : لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر زكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى .
والظاهر اتحاد المكاتبتين بمعنى وقوع المكاتبة مرّة واحدة وكون الرواية واحدة وإن جعلها في الوسائل روايتين ونقلهما في باب واحد .
واللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها فنقول : لا تنبغي المناقشة في ظهور السؤال فيها في كون المجهول للسائل هو حكم الصلاة في قلنسوة حرير محض .
وبعبارة اُخرى المجهول له هو الحكم الوضعي المرتبط بالصلاة وذكر القلنسوة يحتمل أن يكون من جهة وضوح الحكم الوضعي في غيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة منفرداً عند السائل ، وعليه يكون ذكرها من باب المثال لما لا تتمّ فيه الصلاة فقط ويحتمل أن يكون من جهة جهله بأصل الحكم الوضعي المتعلّق بالحرير وتخصيص القلنسوة إنّما هو من جهة تعارف استعماله في بلده وكونه مورداً لابتلائه مثلا ، وعليه فيكون محط السؤال هو الحكم الوضعي مطلقاً بعد وضوح الحكم النفسي لدى السائل وتقييد الحرير بالمحوضة لا يصلح لترجيح أحد الاحتمالين على الآخر ،
الصفحة 355
نعم لا تبعد دعوى كون الظاهر من السؤال هو الاحتمال الأوّل .
وامّا الجواب فالظاهر بلحاظ اسناد عدم الحلية إلى الصلاة في الحرير انّ نفي الحلية إرشاد إلى البطلان وفساد الصلاة فيه كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالعبادات والمعاملات مع الخصوصيات المأخوذة فيها والحكم في الجواب وإن كان مطلقاً إلاّ انّ شموله لمورد السؤال بلحاظ كونه جواباً عنه إنّما هو بالنصوصية والصراحة وعلى ما ذكرنا فالجواب منطبق على السؤال .
ولا وجه لما يقال من احتمال إرادة الثوب من الحرير لو لم نقل بأنّه المنساق منه كما عن المختلف والشهيد الاعتراف به ، بل قيل : إنّ الحرير المحض لغة هو الثوب المتّخذ من الابريسم ، وعليه يكون الجواب عن السؤال متروكاً ولعلّ ذلك لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره وهو مخالف للتقيّة لصحّة الصلاة عندهم وإن حرم اللبس من غير فرق بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره فعدل الإمام إلى بيان حرمة الصلاة المسلمة عندهم وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم ، بل في التعبير بنفي الحلّ دون نفي الصحّة إيماء إلى ذلك .
والوجه في بطلان هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى حمل الجواب على كونه عدولا وجعل السؤال متروكاً لا ينطبق عليه الجواب ممّا لا وجه له ـ ان اسناد نفي الحلية إلى الصلاة ظاهر عند العامّة أيضاً في الإرشاد إلى البطلان ونفي الصحّة وما هو الثابت عندهم إنّما هي الحرمة المتعلّقة باللبس ولا ترتبط بالصلاة بوجه فكيف يتحقّق معه رعاية التقية والبطلان عندنا أيضاً ليس لأجل الملازمة بل لظهور مثل المكاتبتين في البطلان ابتداءاً .
ودعوى كون الحرير هو الثوب المتّخذ من الابريسم احتمالا أو انصرافاً أو لغة مدفوعة بأنّ توصيف القلنسوة في السؤال بالحرير المحض أو إضافتها إليه ينافي
الصفحة 356
ذلك جدّاً .
ومستند الجواز ما رواه الشيخ باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخفّ والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه . ونوقش في السند باعتبار أحمد بن هلال المذموم الملعون كما عن الكشي ، الغالي المتّهم في دينه كما عن الفهرست الذي رجع عن التشيّع إلى النصف ، كما عن سعد بن عبدالله ، الذي لا نعمل على ما يختصّ بروايته ، كما عن التهذيب ، أو روايته غير مقبولة ، كما عن الخلاصة ، وقد ورد التوقيع عن العسكري (عليه السلام) في مذمّته بقوله (عليه السلام) : احذروا الصوفي المتصنّع .
ولكن المناقشة مندفعة ـ مضافاً إلى ما حكي عن ابن الغضائري مع كونه مسارعاً في التضعيف من أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث وإن كان يمكن أن يقال باختصاص ذلك بخصوص نوادر الأوّل ومشيخة الثاني مع أنّه لا يفيد ذلك بالنسبة إلينا حيث لا يحضرنا كتاباهما ومضافاً إلى أنّ الرجل في أوّل أمره كان مستقيماً بل كان من أعيان الطائفة ووجوهها وثقاتها وظاهر انّ رواية مثل موسى بن الحسن عنه إنّما كان في حال استقامته لبعد الرواية عنه مع ورود ذموم هائلة في حقّه ـ .
باعتماد الطرفين في المقام على الرواية لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجح دليله عليها لا أنّه يقول بعدم حجّيتها وكذا المتوقّف في المسألة فإنّه لم يحك عن أحد طرح الرواية باعتبار السند فهي تامّة من جهة السند والدلالة .
ولابدّ أوّلا من ملاحظة انّه هل يمكن الجمع بينها وبين رواية المنع وعلى تقدير عدم الإمكان ولزوم الرجوع إلى المرجحات انّ المرجح مع أيّهما .
الصفحة 357
فنقول : الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة وقبل التعرّض لها نقول : لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه إنّما هو عن الحكم الوضعي المتعلّق بالحرير مطلقاً من دون فرق بين القلنسوة وغيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده فإنّه على هذا التقدير يكون السؤال والجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتمّ فيه الصلاة أيضاً فإنّه ـ حينئذ ـ تكون رواية الحلبي مقيّدة لإطلاق دليل المنع ويكون الجمع ـ حينئذ ـ من الجمع بين المطلق والمقيّد فالإشكال إنّما هو على غير هذا الفرض وهو الظاهر كما عرفت .
الأوّل : ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ من انّه لما كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامّة وإنّما ذهب إليه بعضهم استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً ، ومن المعلوم عدم الفرق بين ما لا تتمّ وغيره أصلا ، كما انّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما كالنجاسة وغيرها وـ حينئذ ـ فيمكن أن يقال : إنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره لم يذكر لأنّه مناف للتقية فعدل الإمام (عليه السلام) عنه إلى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلّمة عندهم وإن كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم هذا مضافاً إلى أنّ السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة كما هو المفروض وهو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره لعلّه كان سبباً لالتجائه (عليه السلام) إلى ذلك .
ويرد عليه ما عرفت من أنّ حمل الجواب على العدول مناف للظاهر جدّاً ولا يسوغه الجمع بوجه مضافاً إلى أنّ اسناد عدم الحلية إلى الصلاة ظاهر في الحكم الوضعي الذي لا يقولون به فكيف يتحقّق معه رعاية التقية وما هو المسلم بينهم إنّما
الصفحة 358
هو حرمة لبس الحرير لا الصلاة فيه فهذا النحو من الجمع غير تامّ .
الثاني : ما في المستمسك من أنّ تقييد إطلاق المكاتبتين بسبب رواية الحلبي هو مقتضى الجمع العرفي ، قال : «ودعوى انّه من قبيل تخصيص المورد وهو مستهجن ممتنعة فإنّ الاستهجان إنّما يسلم لو كان بحيث لو ضمّ هذا المقيّد إلى المطلق لكان الكلام متدافعاً ولو قيل : لا تحلّ الصلاة في حرير محض إلاّ في القلنسوة ونحوها لم يكن كذلك فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي» .
ويرد عليه وضوح التدافع فإنّ مرجع الجمع بهذا النحو بعد فرض كون الإطلاق نصّاً في المورد إلى قوله : لا تحلّ الصلاة في حرير محض حتّى في القلنسوة ونحوها إلاّ في القلنسوة ونحوها كما لا يخفى فهذا الوجه أيضاً غير تامّ .
الثالث : ما عن جامع المقاصد من أنّ حمل المكاتبة على الكراهة وجه جمع بين الأخبار .
ويرد عليه انّ ما يجري فيه احتمال الحمل على الكراهة هو النهي المولوي الظاهر في التحريم لا النهي الإرشادي الظاهر في الإرشاد إلى الحكم الوضعي مع أنّ مقتضاه ثبوت الكراهة في غير ما لا تتمّ أيضاً إلاّ أن يقال بحمل النهي على الأعمّ والقدر المشترك بين الحرمة والكراهة .
وكيف كان فالظاهر انّه لا وجه للجمع أصلا بل لابدّ من ملاحظة المرجحات فنقول :
الظاهر انّه لو كانت الشهرة على الجواز محقّقة لكان اللاّزم الرجوع إليها; لأنّ الشهرة في الفتوى أوّل المرجّحات الخبرية وإلاّ تصل النوبة إلى مخالفة العامّة والذي يظهر من كلماتهم ثبوت هذا المرجح في المقام وإن اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة فعن بعضهم كصاحب الحدائق وجماعة انّها هي المكاتبتان ، وعن بعض آخر
الصفحة 359
الصفحة 360
مسألة 15 ـ الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ـ أي التغطّي به عند النوم ـ ولا بزر الثياب واعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها ، كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس ، بل ولا بأس بأن يرقع الثوب به ولا الكفّ به لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير ، وإن كان الأحوط في الكفّ أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة ، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً 1 .
1 ـ امّا جواز الافتراش وكذا الركوب فلاختصاص أدلّة المنع باللبس وهو مغاير لهما فلا دليل على المنع بالإضافة إليه مضافاً إلى صحيح علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلّى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال : يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه .
ورواية مسمع بن عبد الملك البصري عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه .
وامّا التدثّر به فإن كان المراد به ما في المتن من التغطي به عند النوم فالوجه في جوازه عدم صدق اللبس عليه وإن كان المراد به التغطّي به في سائر الأحوال من جلوس وقيام ومشي فالظاهر صدق اللبس عليه ويكون ـ حينئذ ـ محرّماً ولعلّ ذلك منشأ اختلافهم في صدق اللبس عليه وعدمه .
وامّا زرّ الثياب واعلامها وما عطف عليه فالوجه في الجواز في الجميع ما ذكر من عدم صدق اللبس عليه ، نعم في خصوص الكفّ حكى المنع عن السيّد في بعض رئاسله والميل إليه عند الأردبيلي وكاشف اللثام والتردّد فيه عن المدارك والكفاية
|