جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 541

غير القبلة ومفيد انّ ما بين المشرق والمغرب قبلة فلا يكون الانحراف المتوهّم متحقّقاً أصلا .

ويدلّ عليه ظهورها في كون الجملة بمنزلة التعليل للحكم بمضيّ الصلاة وما يصلح أن يكون تعليلا ليس إلاّ كون ما بينهما قبلة مطلقاً لا لخصوص المعذور فتدبّر .

فالإنصاف انّ دلالة الصحيحتين على كون ما بينهما قبلة واقعية مطلقاً ممّا لا مجال للمناقشة فيه أصلا .

الثالثة : في معارضة بعض الروايات للصحيحتين كرواية عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة . ورواية حسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انّه كان يقول : من صلّى على غير القبلة وهو يرى انّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب .

فإنّ ظهور الروايتين في أنّ القبلة أخصّ ممّا بين المشرق والمغرب وانّ الانحراف عنها قد يكون إلى ما بينهما وقد يكون إلى غيرهما ممّا لا يكاد ينكر فتعارضان مع الصحيحتين المتقدّمتين .

وهل الجمع بينهما يقتضي جعل هاتين الروايتين شاهدتين على أنّ قضية كون ما بين المشرق والمغرب قبلة قضية مجملة لا دلالة لها على أنّه قبلة لجميع المكلّفين وفي جميع الحالات ، بل مفادها انّه قبلة في الجملة كما يظهر ذلك من سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) أو انّ مقتضى التأمّل بلحاظ ما عرفت من كون صحيحة زرارة

الصفحة 542

كالصريحة في أنّه قبلة مطلقاً بحيث لا نقبل الحمل على إفادة كونه قبلة في الجملة حمل المشرق والمغرب في هاتين الروايتين على ما هو المفهوم منهما عند العرف بحيث يكون ما بينهما نصف الدائرة تقريباً وغرضهما بيان حكم الانحراف عن ربع القبلة إلى قريب النصف فمفاد الصحيحتين تعيين القبلة الواقعية ومفادهما بيان حكم الانحراف عنها فلا معارضة بينهما بوجه وهذا هو الظاهر عندي وعليه فلا معارض للصحيحتين في مفادهما أصلا .

ثمّ إنّه ذهب جماعة من محقّقي المتأخّرين كصاحب الجواهر (قدس سره) إلى انّ قبلة البعيد هي بعينها قبلة القريب وهي عين الكعبة وقد أفاد في وجهه ما ملخّصه : «انّ قبلة البعيد هي بعينها قبلة القريب ، فكما انّ القريب المشاهد يجب أن يستقبل عين الكعبة فكذلك البعيد يجب أن يتوجّه نحوها ، وهذا المعنى أي التوجّه نحو العين ليس أمراً ممتنعاً لأنّه كما يصدق الاستقبال في المشاهد كذلك يصدق في البعد لأنّه لا يعتبر في صدقه وقوع خط المستقبل ـ بالكسر ـ على المستقبل ـ بالفتح ـ لأنّ الاستقبال الذي أمر به أمر عرفي وهو يصدق عرفاً بدون ذلك ضرورة تحقّقه في الاجرام المشاهدة من بعد وان نقطع بعدم اتصال جميع الخطوط الخارجة بها .

والحاصل انّه وإن كان يتوقّف صدق الاستقبال الحقيقي على ذلك أي على وقوع خط المستقبل على المستقبل إلاّ انّه لا يعتبر في تحقّق الاستقبال العرفي لما عرفت وإلى ذلك يرجع ما هو المشهور بين الأعلام من أنّ الجسم كلّما ازداد بعداً ازداد محاذاة لأنّهم لا يريدون انّه في صورة ازدياد البعد يكون صدق المحاذي الذي يقع خطّه على المحاذى أوسع من صورة القرب لأنّ وقوع خط المحاذي على المحاذى وعدمه لا فرق فيه بين محاذاة القريب والبعيد ، بل مرادهم انّه في صورة كثرة البعد يكون صدق المحاذي على الأشخاص الذين وقعوا في مقابل الجسم في نظر العرف

الصفحة 543

أكثر وأوسع من صورة القرب ، فعلى هذا لا إشكال في صحّة الصلاة في الصورة المفروضة في كلام الشيخ (قدس سره) لأنّه يصدق عرفاً على كلّ واحد منهم انّه مستقبل للكعبة ومتوجّه نحوها وإن كان بعض الخطوط الخارجة لا يقع عليها» .

ومراده من الصورة المفروضة في كلام الشيخ (قدس سره) هي الصورة التي استشكل بها على القائلين بأنّ قبلة البعيد هي عين الكعبة ولأجلها رجّح الأخبار الدالّة على أنّ قبلته عين الحرم وهي صلاة الصفّ الطويل الذي كان طوله أزيد من طوله الكعبة وقال : إنّ لازم ذلك القول بطلان صلاة بعض ذلك الصفّ لعدم وقوع الخطّ الخارج من الجميع على عين الكعبة قطعاً .

وقد أوضح ما أفاده في الجواهر صاحب المصباح بقوله : إنّ صدق الاستقبال ممّا يختلف بالنسبة إلى القريب والبعيد فإنّك إذا استقبلت صفّاً طويلا بوجهك وكنت قريباً منهم جدّاً لا يكون قبلتك من أهل الصفّ إلاّ واحداً منهم بحيال وجهك ولكنّك إذا رجعت قهقرى بخط مستقيم إلى أن بعدت منهم مقدار فرسخ مثلا لرأيت مجموع الصفّ بجملته بين يديك بحيث لا تميز من يحاذيك حقيقة عن الآخر مع أنّ المحاذاة الحقيقية لا تكون إلاّ بينك وبين ما كانت أوّلا .

وقد صرّح المحقّق الحائري (قدس سره) بأنّه يصدق الاستقبال الحقيقي بذلك صدقاً حقيقياً بلا تجوّز وعناية .

أقول : وإن كان لا يترتّب على هذا البحث ثمرة مهمّة عملية لأنّه لا فرق في صحّة صلاة البعيد بين أن يكون وجهها توسعة القبلة وكونها الجهة بالمعنى الذي ذكرنا وبين أن يكون وجهها سعة دائرة الاستقبال حقيقة أو عرفاً بالإضافة إلى البعيد مع كون القبلة هي عين الكعبة إلاّ انّ دعوى كون القبلة هي العين مخالفة للأدلّة المتقدّمة الواردة في الجهة سيما الروايات المصرّحة بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة بالمعنى

الصفحة 544

الذي ذكرنا من كون المراد هو ربع الدائرة وانّها قبلة مطلقاً وفي جميع الحالات فإنّ مرجعها إلى أنّ التوسعة إنّما هي في نفس القبلة لا في الاستقبال مضافاً إلى إمكان المناقشة في صدق الاستقبال الحقيقي بما ذكروه بل العرفي أيضاً ، وامّا المثال المذكور في عبارة المصباح فيمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى أنّه عكس ما نحن فيه ـ بأنّ ازدياد البعد عن ذلك الصف يوجب أن يكون الصفّ كالشيء الواحد في نظر المحاذي ، ومن المعلوم انّ الشيء الواحد لو وقع الخط الخارج من المستقبل ـ بالكسر ـ على بعض أجزائه لا يخرج عن صدق المحاذاة ، فالخط الخارج في المثال من المحاذي وإن كان يقع على بعض أفراد ذلك الصفّ إلاّ انّه لما كان بمنزلة شيء واحد ويكفي في محاذاته وقوع الخط على بعض أجزائه فلذا تصدق المحاذاة لذلك الصف .

ويمكن أن يكون الوجه في ازدياد سعة المحاذاة بالنسبة إلى البعيد انّ الشخص لو كان قريباً من ذلك الصفّ لكانت الخطوط الخارجة من أجزاء وجهه واقعة على بعض أفراد ذلك الصفّ ، وامّا لو كان بعيداً عنهم لكانت تلك الخطوط واقعة على تمام أفراده ، والسرّ فيه ما تقدّم من أنّ الخطوط الخارجة من أجزاء الوجه لا تكون على نحو التوازي بل على نحو كلّما كان طولها أزيد كان ازدياد البعد بينها أكثر وفي البعيد لما كان طول الخطوط الخارجة أزيد من القريب فلذا يكون البعد بينها أكثر ومع ازدياد البعد لكانت الخطوط واقعة على جميع الافراد .

وامّا الصورة المفروضة في كلام الشيخ (قدس سره) فهي وإن لم تكن إشكالا على مختارنا من كون قبلة البعيد جهة الكعبة لا عينها لكنّه يمكن الجواب عنها بناء على القول بالعين بل وبناء على اعتبار وقوع خط المستقبل على المستقبل في صدق الاستقبال أيضاً بما ذكره في المصباح واستحسنه الاستاذ (قدس سره) من أنّ الصف المذكور إذا رعوا

الصفحة 545

كلّهم رعاية صحيحة وتوجّهوا نحو الكعبة على طبق الأمارات التي عيّنت لهم شرعاً كان لصفّهم لا محالة انحناء غير محسوس والخطوط الخارجة من كلّ واحد منهم إلى الكعبة غير متوازية والسرّ في عدم إحساس الانحناء هو أن المصلّين إلى القبلة يقعون في الحقيقة في محيط دائرة أحاطت بالكعبة ووقعت في مركزها ، ومن المعلوم انّه كلّما كان طول شعاع الدائرة أزيد كانت القسى المنقطعة عن سائر أجزاء محيطها أشبه بالخط المستقيم بحيث قد يبلغ إلى درجة لا يحسّ الانحناء أصلا .

وقد ظهر من جميع ما ذكرنا توسعة دائرة القبلة وعدم التضيق فيها ويدلّ عليها مضافاً إلى ما تقدّم اُمور :

الأوّل : انّه لم يقع التعرّض لبيان ما هو الضابط للقبلة في لسان النبي والأئمّة ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ مع علمهم بأنّ أكثر المسلمين يكون بلادهم في النقاط البعيدة عن الكعبة وثبوت الفصل بينها وبينها ومع وضوح ابتلائهم واحتياجهم إلى رعاية القبلة في كثير من الاُمور التي عمدتها الصلاة وهي الأساس لسائر الأعمال إن قبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت ردّ ما سواها واعتبارها فيها لا يختص بحال التوجّه والالتفات لأنّ القبلة من الاُمور الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد ومع ذلك لم يقع التعرّض لبيان ضابطة لها مع التعرّض للاُمور التي لا تقاس في الأهمّية بالقبلة أصلا فإنّه يعلم من ذلك انّه لا يكون بنائها على التضيق ورعاية الدقّة ولزوم التوجّه إلى نفس العين بنحو يقع الخط الخارج من موقف المصلّي إليها .

إن قلت : الروايات المصرّحة بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة تكون في مقام بيان الضابطة وإعطاء القاعدة ومفادها توسعة دائرة القبلة كما مرّ .

قلت : نعم ولكنّه يتوقّف على أن يكون المراد منها ما ذكرنا من أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة لعامّة المكلّفين وفي جميع الحالات وانّ المراد ممّا بينهما هو الربع الذي

الصفحة 546

لا ينطبق على شيء من أجزائه أحد العنوانين .

ويتحصّل ممّا ذكر انّه لابدّ من الالتزام بكون هذه الروايات في مقام بيان الضابطة ولا محيص عن كون المراد منها ما ذكرنا ، وامّا من الالتزام بعدم وقوع التعرّض لبيان الضابطة في ألسنتهم (عليهم السلام) وهو أيضاً دليل على التوسعة ، غاية الأمر انّه على التقدير الأوّل تكون التوسعة في ناحية نفس القبلة; لأنّها عبارة عن مجموع ما بين المشرق والمغرب وعلى التقدير الثاني تكون التوسعة المستفادة من عدم التعرّض أعمّ من توسعة القبلة وتوسعة الاستقبال كما لا يخفى .

الثاني : بعض الروايات الدالّة على أنّ جعل الجدي في القفا أمارة للقبلة كرواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن القبلة فقال : ضع الجدي في قفاك وصلّه .

والمراد من القفا امّا أن يكون مقدار ما بين الكتفين ، وامّا أن يكون هو المقدار الذي وقع ظهر الوجه هو ربع الدائرة التي تتشكّل من الوجه والعنق وطرفي اليمين واليسار وعلى أي تقدير فمقتضى إطلاق الرواية عدم الاختصاص بوسط القفا بل يجوز وضعه في كلّ جزء من الأجزاء .

كما انّ مقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بحالتي ارتفاع الجدي وانخفاضه الذي يكون في الحالتين على دائرة نصف النهار ، بل يعمّ جميع حالات الجدي الذي هو نجم لا يزول وقد فسّر في بعض الروايات قوله تعالى : (وبالنجم هم يهتدون)بالجدي كما في رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وبالنجم هم يهتدون ، الجدي لأنّه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البرّ والبحر . وبالجملة ظاهر إطلاق الرواية عدم الاختصاص بالحالتين أصلا .

الصفحة 547

وامّا من جهة كون المخاطب هو محمد بن مسلم وهو عراقي كوفي فلا ينبغي الإشكال في عدم كون وضع الجدي على القفا علامة لجميع المسلمين مع اختلاف بلادهم وتفاوت مناطقهم ولكنّه لم يعلم انّ هذه العلامة علامة لجميع أهل العراق أو لخصوص أوساطه كالكوفة التي كان الراوي منسوباً إليها وبغداد ومثلهما .

كما انّه لم يعلم انّ المراد من الرواية انّ الرجوع إلى هذه العلامة إنّما هو في خصوص صورة عدم التمكّن من تحصيل العلم أو انّه لا يختصّ بذلك ، بل يجوز للمتمكّن أيضاً أن يضع الجدي في قفاه ويصلّي ولكن لا يبعد دعوى انّ ظاهر الرواية عدم الاختصاص فهل يمكن القول باختصاص الاستفادة من هذه العلامة بما إذا لم يكن مثل الراوي قادراً على الوصول إلى البلد والدخول في مسجد الكوفة وتشخيص القبلة بسببه فالرواية من هذه الجهة مطلقة أيضاً .

وبالجملة فالمستفاد من الرواية بلحاظ جعل الجدي مطلقاً في القفا كذلك علامة لجميع بلاد العراق أو خصوص الأوساط منه مع انّ أراضي العراق غير واقعة في شمال الكعبة حقيقة بل هي مائلة إلى الشرق انّ القبلة مبتنية على التوسعة ضرورة انّ اختلاف حالات الجدي وإطلاق أجزاء القفا يقتضي التوجّه إلى نقطة الجنوب تارة والانحراف عنها قليلا اُخرى وكثيراً ثالثة كما لا يخفى ، وهذا لا يتمّ إلاّ مع التوسعة المذكورة ، وقد عرفت عدم اختصاص الرواية بغير المتمكّن بل هي مطلقة ومرجعها إلى جواز الرجوع إلى هذه العلامة كذلك .

الثالث : ما جعله المحقّق (قدس سره) في الشرائع علامة لأهل العراق من جعل الجدي خلف المنكب الأيمن أو جعل عين الشمس وقت الزوال على الحاجب الأيمن أو جعل المشرق على الأيمن والمغرب على الأيسر فإنّ مقتضى هذه العلامات مختلف ضرورة انّ المصلّي لو عمل على طبق الأمارة الاُولى يلزم انّ ينحرف عن نقطة

الصفحة 548

الجنوب نحو المغرب امّا قليلا لو جعلنا المنكب عبارة عمّا بين المفصل والعنق وامّا كثيراً لو جعلناه عبارة عمّا بين المفصل والعضد ، ولو عمل على طبق الامارة الثانية لزم الانحراف عن نقطة الجنوب نحو المشرق فإنّ الشمس تكون في تلك الحالة على دائرة نصف النهار وجعلها في هذه الحالة على الحاجب الأيمن يستلزم الانحراف المذكور . ولو عمل على طبق الامارة الثالثة فاللاّزم أن يتوجّه نحو نقطة الجنوب فمقتضى العلامات مختلف ولذا اعترض عليه جماعة من الأصحاب بذلك وكن الذي يدفع الاعتراض كون أمر القبلة مبنياً على التوسعة بحيث لا يقدح فيها الاختلاف المذكور ودعوى عدم كون هذه الامارات علامات لجميع أهل العراق بل يختص كلّ واحدة منها بطائفة من بلاد العراق فالعلامة الاُولى تكون أمارة لأوساط العراق كالكوفة وبغداد والثانية للبلاد الغربية كسنجار والموصل والثالثة للبلاد الشرقية كالبصرة وما والاها مدفوعة بعدم الشاهد عليها لعدم القرينة في التخصيص مضافاً إلى ما ربّما يقال من أنّ قبلة الأطراف الغربية من العراق كالموصل هي نقطة الجنوب دون الانحراف عنها إلى جانب المشرق فهذه الدعوى ساقطة .

تتميم : ذكر المحقّق في الشرائع بعد العلامات المتقدّمة لأهل العراق انّه يستحبّ لهم التياسر إلى يسار المصلّي منهم قليلا وادّعى في الجواهر انّه المشهور نقلا وتحصيلا واستشكل على المحقّق نصير الملّة والدين ـ على ما حكى عنه ـ لما حضر مجلس درسه يوماً واتفق الكلام في هذه المسألة بما يرجع إلى أنّ التياسر أمر إضافي لا يتحقّق إلاّ بالإضافة إلى صاحب يسار متوجّه إلى جهة فإن كانت تلك الجهة محصلة لزم التياسر عمّا وجب التوجّه إليه وهو حرام لأنّه خلاف مدلول الآية وإن لم تكن محصلة لزم عدم إمكان التياسر إذ تحقّقه موقوف على تحقّق الجهة التي يتياسر

الصفحة 549

عنها يكفى يتصوّر الاستحباب بل المتّجه ـ حينئذ ـ وجوب التياسر المحصل لها وأجابه المحقّق بأنّه من القبلة إلى القبلة ثمّ كتب في المسألة رسالة في تحقيق الجواب فاستحسنه المحقّق المزبور وحكى عن الحدائق انّ ابن فهد نقل الرسالة المزبورة بعينها في كتابه المهذب من أحبّ الوقوف على ذلك فليراجع الكتاب المذكور .

وربّما يقال : بأنّ مبني الحكم المزبور انّ القبلة للبعيد هي عين الحرم والوقوف إلى يسار المصلّي منهم يوجب محاذاة العين قطعاً لما في بعض الروايات من أنّ الحرم عن يمين الكعبة أربعة أمثال وعن يسارها ثمانية أمثال كلّها اثنى عشر ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلّة انصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجاً عن حدّ القبلة .

ويؤيّد هذا القول ما عن نهاية الشيخ (قدس سره) قال : من توجّه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة فعليه أن يتياسر قليلا ليكون متوجّهاً إلى الحرم بذلك جاء الأثر عنهم (عليهم السلام) .

ولكن الظاهر عدم كون مبنى الحكم المزبور ذلك لأنّه لا يجتمع مع ثبوت الشهرة عليه كما عرفت من الجواهر مع أنّه كان مبناه ذلك لكان الجواب عن التيامن فقط ، بل في مقابل عدم الانحراف أيضاً ومقتضى المبنى المزبور نفي التيامن فقط كما لايخفى .

وأحسن ما ذكر في هذا المقام ما أفاده العلاّمة المجلسي (قدس سره) في مجلّد الصلاة من كتاب بحار الأنوار حيث قال : «والذي يخطر في ذلك بالبال انّه يمكن أن يكون الأمر بالانحراف لأنّ محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيراً مع أنّ الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإنّ انحراف قبلته إلى اليمين أزيد ممّا تقتضيه القواعد بعشرين

الصفحة 550

درجة تقريباً وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس ، ولمّا كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر وعلّلوه بتلك الوجوه الخطابية لإسكانهم وعدم التصريح بخطأ خلفاء الجور واُمرائهم ، وما ذكره أصحابنا من أنّ محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه إنّما يثبت انّ الإمام (عليه السلام) بناه ومعلوم انّه (عليه السلام) لم يبنه أو صلّى فيه من غير انحراف وهو أيضاً غير ثابت بل يظهر من بعض ناسخ لنا من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدلّ على خلافه كما سيأتي ذكره ، مع أنّ الظاهر من بعض الأخبار انّ هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

الصفحة 551

مسألة 2 ـ يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة ، وتقوم البيّنة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادئ الحسيّة ومع تعذّرهما يبذل تمام جهده ويعمل على ظنّه ، ومع تعذّره وتساوي الجهات صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت وإلاّ فبقدر ما وسع ، ولو ثبت عدمها في بعض الجهات بعلم ونحوه صلّى إلى المحتملات الاُخر ، ويعول على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم الخطإ 1 .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :

الأوّل : في اعتبار العلم بالتوجّه إلى القبلة في حال الصلاة وذلك لأنّه مقتضى شرطية القبلة واعتبار الاستقبال في صحّتها فإنّ لازمها وجوب إحرازها كما في سائر الشرائط ولا فرق في أسباب حصول العلم فإنّ المعتبر هو حصوله من أيّ طريق سواء كان من طريق القواعد الرياضية أو من أخبار المعصوم أو صلاته أو بنائه قبراً أو محراباً ما لم يتطرّق فيه احتمال التقية ونحوها أو من غير ذلك من الطرق .

وتقوم البيّنة مقام العلم لعموم حجّيتها في الموضوعات على ما هو التحقيق ، نعم لابدّ من أن تكون مستندة إلى المبادئ الحسّية كما عرفت سابقاً وقد مرّ أيضاً عدم حجّية خبر العادل الواحد فضلا عن الثقة في جميع موارد اعتبار البيّنة لمنافاتها لدليل حجّية البيّنة الظاهر في اعتبار التعدّد والعدالة كما لا يخفى .

وامّا في خصوص باب القبلة فالعلامة المنصوصة المذكورة في بعض الروايات المتقدّمة هي الجدي فإن كانت موجبة للعلم كما لا تبعد دعواه بناء على ما ذكرنا من سعة دائرة القبلة وكونها عبارة عن مجموع ما بين المشرق والمغرب لعامّة المكلّفين في جميع الحالات وهو الربع من الدائرة التي تمرّ بالكعبة كما عرفت فإنّه بناء عليه

الصفحة 552

يكون جعل الجدي في القفا كما في الرواية أو على المنكب الأيمن كما في عبارة الشرائع موجباً للعلم بالقبلة وجهتها بالمعنى المذكور ، وعليه فلا وجه للبحث في أنّ المستفاد من الرواية الواردة فيه هل هو الاختصاص بغير المتمكّن من تحصيل العلم أو الأعمّ منه ومن المتمكّن ضرورة انّه على تقدير إفادته العلم لا مجال لهذا الكلام ، نعم لو قلنا بعدم إيجابه للعلم وعدم إفادته سوى الظنّ فللبحث المذكور مجال ، ولكن عرفت استظهار الإطلاق من الرواية وعدم الاختصاص بغير المتمكّن ، نعم لا ينبغي الإشكال بلحاظ كون الراوي عراقياً كوفياً في الاختصاص بأهل العراق أو خصوص أوساطه كالكوفة والنجف وبغداد .

ثمّ إنّه على تقدير إيجابه العلم لا مجال للبحث في كونه أمارة شرعية أصلا كما لا يخفى ، وامّا على تقدير عدم إيجابه العلم فيمكن أن يقال بأنّه من الظنون الخاصة كالبيّنة ويمكن أن يكون من مصاديق مطلق الظنّ وان ذكره ليس لأجل خصوصية فيه بل من جهة كونه مصداقاً له .

نعم على التقدير الثاني لابدّ من التخصيص بغير المتمكّن للروايات الآتية الدالّة على أنّ الرجوع إلى الظنّ إنّما هو مع عدم العلم بوجه القبلة الظاهر في عدم إمكان تحصيل العلم به وعلى التقدير الأوّل يجري فيه الاحتمالان كما عرفت .

وامّا الأمارات الكثيرة المذكورة في كلمات الفقهاء كما مرّ بعضها في كلام الشرائع فإن كان مرادهم انّها مفيدة للعلم لتوسعة دائرة القبلة فلا مانع ، وإن كان مرادهم اعتبارها ولو مع عدم إفادة العلم فلم ينهض عليه دليل لأنّ الامارة المفيدة للظنّ لابدّ من قيام الدليل على اعتبارها وبدونه لا يترتّب عليها شيء ، نعم إنّما يصحّ الرجوع إليها لتحصيل الظنّ مع عدم إمكان تحصيل العلم لما يأتي من جواز الرجوع إليه في هذه الصورة ، وعليه فلابدّ من أن تكون مفيدة للظنّ الفعلي لأنّ

الصفحة 553

مقتضى الدليل اعتباره في تلك الصورة .

الثاني : انّه مع تعذّر العلم وما يقوم مقامه يجب التحرّي والعمل على طبق المظنّة ولا يجب الاحتياط بتكرير الصلاة إلى أربع جهات وفاقاً للمشهور ويدلّ عليه صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة .

فإنّ التحرّي بمعنى الحثّ والتفتيش لحصول الطرف الراجح لأنّ العمل على طبقه أحرى من العمل بالمرجوح ومعنى الاجزاء هو الكفاية في مقابل وجوب الاحتياط بالتكرار المذكور كما انّ مرجعه إلى لزوم التحرّي وعدم جواز الاكتفاء بالجهة التي يشاء ، نعم يمكن أن يكون المراد بالاجزاء هو الاجزاء بالنسبة إلى مقام العمل وجواز الدخول في الصلاة والشروع فيها فلا تعرّض في الرواية ـ حينئذ ـ لحال المكلّف من جهة الإعادة وعدمها بعد انكشاف الخلاف وتبين كون الجهة التي صلّى إليها غير القبلة ، ويمكن أن يكون هو الاجزاء بالإضافة إلى الواقع ومعناه الكفاية ولو بعد انكشاف الخلاف ولعلّ هذا هو الظاهر من الرواية خصوصاً مع ملاحظة كلمة «أبداً» كما لا يخفى .

وبالجملة فدلالة الرواية على اعتبار المظنّة في باب القبلة مع عدم العلم بوجهها واضحة .

ويدلّ عليه أيضاً موثقة سماعة قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم يرَ الشمس ولا القمر ولا النجوم قال : اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك .

ومثلها مضمرة مهران التي رواها عنه سماعة . ونحن وإن قرّبنا في بحث المواقيت ارتباط الرواية بباب الوقت وعدم تعرّضها لمسألة التحيّر في القبلة بوجه إلاّ انّ مقتضى النظر الثانوي انّ إنكار دلالتها على التعرّض للقبلة مشكل والتوجيه

الصفحة 554

المذكور هناك لقوله (عليه السلام) وتعمّد القبلة جهدك ممّا لا يقبله الذوق السليم فالإنصاف اختصاص الرواية بباب القبلة ولا أقلّ من دلالتها على حكمها أيضاً مضافاً إلى الوقت ومفادها لزوم إعمال الجهد في تشخيص القبلة وترتيب الأثر على مقتضى اجتهاده وإن كان الدليل لا ينحصر بها لما عرفت من دلالة صحيحة زرارة على ذلك .

وكيف كان ففي مقابل الروايتين خمس روايات لابدّ من ملاحظتها والتأمّل في التوفيق والجمع ولزوم الأخذ بأي الطرفين على تقدير عدمه فنقول ثلاث منها واردة في المتحيّر ودالّة على جواز الصلاة أينما توجّه أو على لزومها إلى أربع جهات ، ومن المعلوم مخالفة كلا الحكمين للزوم التحرّي وترتيب الأثر على طبق الراجح وهي :

صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : يجزي المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة .

ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام)عن قبلة المتحيّر فقال : يصلّي حيث يشاء .

ومرسلة الكليني قال بعد نقل المرسلة : وروى أيضاً انّه يصلّي إلى أربع جوانب .

والمراد بالمتحيّر المذكور في هذه الروايات امّا خصوص من لا علم له كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام) في الرواية الاُولى : إذا لم يعلم أين وجه القبلة ، وامّا من لا علم له ولا ظنّ كما هو الظاهر من عنوان المتحيّر لأنّ من كان ظانّاً بشيء لا يكون عند العقلاء والعرف متحيّراً في ذلك الشيء ، فعلى التقدير الأوّل تكون المعارضة بينها وبين الروايتين الدالّتين على لزوم التحرّي بالعموم والخصوص لأنّ موردهما من لا علم له وإن كان له ظنّ ومفادهما لزوم التحرّي فيجب تخصيصها بهما على ما هو مقتضى

الصفحة 555

قاعدة الجمع .

إن قلت : إنّ مورد الروايتين إنّما هو المتحيّر أيضاً كمورد هذه الروايات ضرورة انّ إيجاب التحرّي إنّما هو على المتحيّر فلا اختلاف بين الموردين ومورد قاعدة التخصيص ما إذا كان مورد الدليل المخصّص خاصّاً بالإضافة إلى الدليل العام هذا مضافاً إلى أنّ التعبير في الطائفتين إنّما هو بالاجزاء ولا معارضة بين الاجزائين .

قلت : إنّ التأمّل في الروايتين يقضي بكون موردهما هو المتحيّر الذي يقدر على التحرّي وتحصيل المظنّة لأنّ إيجابه عليه يقتضي عدم شموله لجميع أفراد المتحيّر فالمورد هو المتحيّر القادر وهو خاص بالإضافة إلى مطلق المتحيّر الوارد في الروايات ، وامّا التعبير بالاجزاء في الروايتين فالمقصود منه عدم إيجاب تكرير الصلاة إلى أربع جهات فينافي مع المرسلة الدالّة على الوجوب كما انّ اجزاء التحرّي لا يلائم مع جواز الصلاة إلى أيّ طرف شاء لعدم إمكان الجمع بين جوازها إليه وبين التحرّي الذي مرجعه إلى الصلاة إلى جانب مخصوص فالمعارضة بين الاجزائين متحقّقة وقاعدة الجمع تقتضي ما ذكرنا من حمل هذه الروايات على المتحيّر غير القادر على التحرّي كما سيأتي الكلام فيه .

وعلى التقدير الثاني الذي يكون المراد بالمتحيّر من لا علم له ولا ظنّ كما لعلّه الظاهر بملاحظة ما ذكرنا لا ارتباط بينهما وبين هذه الروايات لأنّ موردهما المتحيّر القادر على تحصيل الظنّ وهو لا يكون بمتحيّر أصلا وموردها هو المتحيّر وهو ما لا يكون قادراً على تحصيل شيء من العلم والظنّ كما هو ظاهر .

وواحدة من تلك الروايات الخمس واردة فيمن لا يهتدي إلى القبلة وهي مرسلة الصدوق قال : روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة انّه يصلّي إلى أربعة جوانب . والكلام فيها هو الكلام في الروايات المتقدّمة من جريان الاحتمالين فيمن

الصفحة 556

لا يهتدي وانّه هل المراد به من لا يهتدي علماً أو من لا يهتدي علماً ولا ظنّاً وكذا في نتيجة الاحتمالين .

والخامسة : رواية خراش (خداش خ ل) عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قلت : جعلت فداك انّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه . ومورد هذه الرواية وإن كان صورة المظنّة بلحاظ ظهور كلمة الاجتهاد فيها ، وعليه فالتعارض بينها وبين الروايتين بنحو لا مجال للجمع أصلا لدلالتهما على جواز الاقتصار على الصلاة إلى الجانب الذي كان مقتضى اجتهاده ثبوت القبلة فيه ودلالة هذه الرواية على عدم الجواز ولزوم التكرير إلى أربع وجوه إلاّ انّ إرسال الرواية من جانب وضعفها باعتبار خراش من جانب آخر لكونه مجهول الحال ولم يعلم استناد المشهور إلى هذه الرواية في مسألة التكرير الآتية حتى يكون جابراً لضعفها يوجب عدم صلاحيتها للمعارضة مع الروايتين مضافاً إلى ما ربما يقال : من أنّ مقتضاها انّ الشيعة لا يعمل على طبق الاجتهاد والظنّ أصلا ولو في مورد مع أنّه خلاف ما عليه علمائهم من العمل بالظنّ في موارد كثيرة كما في الركعتين الأخيرتين من الصلاة وغيره من الموارد .

فقد ظهر ممّا ذكرنا انّ الروايات الخمسة لا تعارض الروايتين بوجه وانّ اللاّزم هو الأخذ بمفادهما والحكم بلزوم التحرّي مع إمكانه .

ثمّ إنّ مقتضى أخذ كلمة «التحرّي» وكذا كلمة «الاجتهاد» أو «الجهد» في الروايتين إنّما هو عدم جواز الاقتصار على الظنّ الابتدائي بالقبلة بل اللاّزم هو استفراغ الوسع وبذل الجهد والتفتيش والبحث والفحص ولازمه اليأس عن الوصول إلى شيء آخر كما انّ مقتضى الكلمتين هو الفحص عن المعارض أيضاً

الصفحة 557

فمجرّد تحصيل الامارة الموافقة لا يكفي بل اللاّزم هو الفحص عن الامارة المخالفة أيضاً لتوقّف الاجتهاد وكذا التحرّي على ذلك كما هو ظاهر وقد أشار إلى الجهة الاُولى بل الثانية في المتن بقوله : يبذل تمام الجهد .

ثمّ إنّ الظاهر جواز ترك التحرّي والصلاة إلى أربع جوانب مكانه لأنّ الاجزاء في الروايتين كما عرفت إنّما هو في مقابل عدم لزوم التكرير لا في مقابل جوازه ، وامّا من جهة الاكتفاء بالامتثال العلمي الإجمالي للقادر على الامتثال التفصيلي ولو ظنّاً فهو محرّر في محلّه وانّ مقتضى التحقيق هو الجواز ولا يلزم منه الإخلال بشيء ممّا يعتبر في العبادة أصلا .

الثالث : انّه مع تعذّر العلم والظنّ لابدّ من تكرير الصلاة إلى أربع جهات على المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخّرين كما في محكي الجواهر بل عن صريح الغنية وظاهر غير واحد دعوى الإجماع عليه .

وعن ابن أبي عقيل وظاهر ابن بابويه كفاية الصلاة إلى أيّة جهة شاء ، وعن المختلف نفي البعد عنه ، وعن الذكرى الميل إليه ، واختاره صاحب الحدائق وعن جملة من محقّقي المتأخّرين .

والروايات الواردة في المسألة هي الروايات الخمسة المذكورة في المقام الثاني فاثنتان منها تدلاّن على كفاية الصلاة حيث يشاء وهما صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ومرسلة ابن أبي عمير والثلاثة الباقية تدلّ على لزوم الصلاة إلى أربع جهات ، غاية الأمر ورود واحدة منها في مورد المظنّة والاجتهاد ودلالتها على حكم المقام إنّما هي بنحو الأولوية ضرورة انّ وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع إمكان تحصيل الظنّ أو حصوله يدلّه على وجوبه مع التحيّر المحض بطريق أولى .

والثلاثة الدالّة على مذهب المشهور وإن كانت مرسلة بالإرسال غير المعتبر

الصفحة 558

مضافاً إلى ثبوت الجهالة في بعضها وهي رواية خراش والطائفة المعارضة بين صحيحة أو ما هي كالصحيحة لكون مرسلها ابن أبي عمير إلاّ انّ استناد المشهور إليها وإعراضهم عنهما يوجب انجبارها والقدح فيهما خصوصاً مع ملاحظة اعتبارهما ذاتاً ، ومع انّ فتوى المشهور موافقة للقادة لعدم الدليل على سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة بعد كون مقتضى الإطلاقات الواردة في القبلة ذلك خصوصاً مثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة . . . كما في رواية زرارة المتقدّمة ومن الواضح توقّف إحراز الشرط على التكرير إلى أربع جهات لما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو الربع من الدائرة المشتمل عليها فالصلاة إلى الجهات الأربع توجب تحقّق الصلاة إلى القبلة الواقعية .

وربّما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين انّ الثلاثة الدالّة على مذهب المشهور محمولة على صورة التمكّن من الصلاة إلى أربع جهات والروايتين محمولتان على صورة عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة ، ولكن الظاهر انّ هذا الجمع غير مقبول عند العرف والعقلاء خصوصاً مع أنّ عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة فرض نادر قليل ومن المستبعد حمل ما ورد جواباً عن السؤال عن قبلة المتحيّر على ذلك مع عموم السؤال وكذا ما يدلّ على أنّ الاجزاء إنّما هو بنحو الأبدية فإنّ حمله على ذلك في غاية البعد كما لا يخفى .

فالظاهر انّ الروايتين ساقطتان عن الاعتبار لأجل إعراض المشهور عنهما ، نعم نوقش في الصحيحة منهما وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم بأنّه ليس إلاّ في الفقيه دون الكافي والتهذيب والاستبصار التي علم من عادتها التعرّض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضاً ممّا يؤيّد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه وانّه محرّف بقلم النسّاخ عن الصحيح الآخر;

الصفحة 559

يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب وقد حكي عن المحدِّث المجلسي (قدس سره) الجزم بذلك مؤيّداً له بتأييدات كثيرة .

ثمّ الظاهر انّه يشترط في الصلاة إلى الجهات الأربع تقابل الجهات وانقسامها إلى خط مستقيم بحيث يحدث منها زوايا قوائم لأنّه مضافاً إلى أنّ المنساق من النصّ والفتوى ذلك يكون إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية متوقّفاً على ذلك بعدما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو ربع الدائرة التي تمرّ بها وانّ التوجّه نحو ذلك الربع يوجب وقوع إحدى الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة لا محالة فإنّه بناء عليه لامحيص عن تقسيم الدائرة إلى الأربع والصلاة إلى كلّ ربع بحيث يعلم بوقوع إحدى تلك الخطوط إليها وهو لا يتحقّق مع عدم كون الزوايا قوائم كما لا يخفى . ومن المعلوم انّ الأمر في النصّ بالتكرير أربعاً لا يكون مولوياً حتّى يؤخذ بإطلاقه وتحصل موافقته بغير النحو المذكور بل هو إرشاد إلى القاعدة العقلية الحاكمة بوجوب التكرار لإحراز القبلة الواقعية وهو متوقّف على النحو المذكور بلا إشكال .

الرابع : إذا لم يتمكّن من الصلاة إلى أربع جهات لضيق الوقت وعدم سعته فتارة لا يتمكّن إلاّ من الصلاة إلى جهة واحدة واُخرى يتمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات .

امّا في الصورة الاُولى فلا يجب عليه إلاّ صلاة واحدة إلى جهة واحدة مخيّراً في تعيينها ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الروايتين المتقدّمتين الواردتين في المتحيّر الدالّتين على أنّه يصلّي أينما توجّه وحيث يشاء بعد حملهما على صورة عدم تمكّنه من الصلاة إلى أربع جهات لأجل المعارضة مع ما يدلّ على وجوبها إليها في مورد المتحيّر أيضاً كما عرفت وإن ذكرنا انّ هذا الحمل بعيد جدّاً إلاّ انّه على تقدير تماميّته يثمر في

الصفحة 560

هذه الصورة ـ انّ الاستقراء والتتبّع وملاحظة الشرائط يقتضي الحكم بأنّ للوقت خصوصية من بين الشرائط لا يعادلها شرط آخر وانّ الشارع في مقام تزاحم الوقت مع غيره من الشرائط قد قدم الوقت وحكم بسقوط غيره ، نعم إلاّ في بعض الموارد وهو فاقد الطهورين بناء على عدم وجوب الصلاة عليه في الوقت .

وبالجملة فالوقت مقدّم على سائر الشرائط عند التزاحم و ـ حينئذ ـ فمقتضى القاعدة مع عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة سقوط شرطية القبلة فلا محالة تكفي الصلاة إلى جهة واحدة ولازم ذلك عدم وجوب القضاء خارج الوقت لو انكشف عدم كون تلك الجهة التي صلّى إليها جهة الكعبة ، نعم على تقدير كون المستند لوجوب صلاة واحدة هو الروايتين بعد الحمل المذكور يمكن أن يقال بأنّ غاية مفادهما هو الاكتفاء بها مع ثبوت المانع فإذا زال المانع يجب عليه الصلاة إلى بقية الجهات ولكن ذلك يبتني على كون مفاد الروايتين بعد الحمل المذكور حكماً شرعياً مولوياً ، وامّا إذا كان مفادهما الإرشاد إلى حكم العقل كما عرفت نظيره فلا يبقى لهما دلالة زائدة على ما ذكرنا وهو سقوط شرطية القبلة لا محالة وعدم وجوب القضاء خارج الوقت وهذا هو الظاهر .

وامّا في الصورة الثانية وهي ما إذا تمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات ففي وجوب صلاة واحدة إلى جهة واحدة أو وجوب مقدار تمكّن منه خلاف مقتضى إطلاق المتن هو الثاني والمحكي عن بعض هو الأوّل واستدلّ له بأنّ وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنّما هو لأجل كونها مقدّمة للعلم بتحقّق الواجب الواقعي وإحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية ، ومن المعلوم انّ المقدّمة العلمية إنّما تجب مع تحقّق العلم بعدها ، وامّا مع عدم إمكان تحقّقه فغير واجبة عند العقل كما في المقام لأنّ المفروض انّ المكلّف غير قادر على الإتيان بجميع المحتملات التي توجب

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>