قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة141)
بذلك أوبيان الحكم ، من غير فرق في الموضعين بين علمه وجهله1.
مسألة 11 : مع وجود البيّنة للمدّعي يجوز له عدم إقامتها ولو كانت حاضرة
1 ـ قد وقع الاختلاف بينهم بهذه الصورة ، وهي أنّه هل يجوز للحاكم أن يقول للمدّعي الذي يقول : لي بيّنة : أحضرها؟
فعن محكيّ الرّياض نسبته إلى أكثر المتأخّرين(1) ، بل في المسالك إلى أكثر أصحابنا(2) ، واستحسنه المحقّق في الشرائع(3) ، وعن المبسوط والمهذّب والسرائر أنّه لا يجوز(4) ، وعن القواعد والمختلف والدروس التفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي بكون المقام مقام بيّنة فلا يجوز ، وبين جهله بذلك فيجوز(5) .
والظاهر ـ كما يستفاد من الجواهر(6) ـ أنّ النزاع لفظيّ لا حقيقيّ; لأنّه إن كان المراد بهذه اللفظة وهو قول : احضرها ، الأمر بإحضار البيّنة والإيجاب على المدّعي ، فلا وجه له; لأنّه حقّ له إن شاء جاء وإلاّ فلا . إذ قد يريد اليمين وقد يرفع اليد عن الدعوى مطلقاً . وإن كان المراد به هو الاذن والإعلام لا الوجوب والالزام ، وإن شئت قلت : إرشاد المدّعي الجاهل أو بيان الحكم ، وأنّ المدعي الواجد للبيّنة إذا جاء بها تقبل ، فلا وجه للحكم بعدم الجواز أصلا ، كما لايخفى .
(1) رياض المسائل : 9 / 293 .
(2) النهاية : 339 ، المقنعة : 723 ، المراسم : 231 ، الكافي في الفقه : 446 ، الوسيلة : 212 ، الغنية : 445 ، وحكاه عن الكامل في الفقه للقاضي ابن البرّاج في المختلف : 8 / 375 مسألة 3 ، المسالك : 13 / 459 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 874 .
(4) المبسوط : 8 / 159 ، المهذّب : 2 / 585 ، السرائر : 2 / 158 .
(5) قواعد الأحكام : 2 / 210 (ط ق) ، مختلف الشيعة : 8 / 375 مسألة 3 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 90 .
(6) جواهر الكلام : 40 / 191 .
(الصفحة142)
وإحلاف المنكر ، فلا يتعيّن عليه إقامتها ، ولو علم أنّها مقبولة عند الحاكم ، فهو مخيّر بين إقامتها وإحلاف المنكر ، ويستمرّ التخيير إلى يمين المنكر ، فيسقط حينئذ حقّ إقامة البيّنة ولو لم يحكم الحاكم ، ولو أقام البيّنة المعتبرة وقبل الحاكم فهل يسقط التخيير أو يجوز العدول إلى الحلف؟ وجهان أوجههما سقوطه1.
1 ـ قد عرفت أنّه لا يتعيّن على المدّعي ـ إذا كانت له بيّنة ـ إقامتها ، ولو علم بوجدانها للشرائط وكونها مقبولة عند الحاكم ، ولا دليل على ترتّب الاستحلاف والإحلاف على عدم وجود البيّنة رأساً ، فهو مخيّر بين إقامة البيّنة وإحلاف المنكر . كما أنّه له إسقاط الدعوى رأساً قبل حكم الحاكم ، بل الدليل على العدم مثل : صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه ، فحلف أن لا حقّ له قبله ، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي ، فلا دعوى له قلت له : وإن كانت عليه بيّنة عادلة؟ قال : نعم الخ(1) . فإنّ قوله (عليه السلام) : «إذا رضي . . .» مطلق شامل لثبوت البيّنة ، وإمكان إقامتها وعدمه ، كما أنّ قول السائل مطلق شامل لما إذا كانت البيّنة العادلة من أوّل الأمر ، غاية الأمر أنّه لم يقمها ، أو لم تكن وتحقّقت بعد الحلف كما لا يخفى .
نعم ربّما يتراءى من ظاهر بعض الروايات تعليق الاستحلاف على عدم وجود البيّنة رأساً ، مثل قوله (عليه السلام)في مرسلة يونس المضمرة المتقدّمة ، الدالّة على أنّ استخراج الحقوق بأربعة وجوه ، فإن لم يكن شاهد ، فاليمين على المدّعى عليه(2) . وقوله (عليه السلام) في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام) عن أميرالمؤمنين (عليه السلام)الحاكي
(1) الكافي : 7 / 417 ح1 ، التهذيب : 6 / 231 ح565 ، الوسائل : 27 / 244 ، أبواب كيفيّة الحكم ب9 ح1 .
(2) الكافي : 7 / 416 ح3 ، التهذيب : 6 / 231 ح562 ، الوسائل : 27 / 241 ، أبواب كيفيّة الحكم ب7 ح4 .
(الصفحة143)
مسألة 12 : لو أحضر البيّنة فإن علم أو شهدت القرائن بأنّ المدّعي بعد حضورها لم يرد إقامتها فليس للحاكم أن يسألها ، وإن علم أو شهدت الأحوال بإرادة إقامتها فله أن يسألها ، ولو لم يعلم الحال وشكّ في ذلك فليس للحاكم
لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله): وإن لم يكن له بيّنة، حلف المدّعى عليه بالله(1) الخ وبعض الروايات الاُخر ، والظاهر أنّ المراد هو عدم إقامة البيّنة ، سواء كانت موجودة أم لا .
بقي الكلام في أمرين :
أحدهما : أنّ استمرار التخيير للمدّعي إنّما هو إلى زمان يمين المنكر ، فقبل الحلف يجوز له الرّجوع عن الاستحلاف ، وأمّا بعد تحقّق الحلف من المنكر فلا يكون المدّعي باقياً على إقامة البيّنة ، فلا يجوز له إقامتها بعده; لأنّ ظاهر مثل صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة ذهاب اليمين بحق المدّعي ولو لم يحكم الحاكم ، غاية الأمر انّا قيّدناه بصورة الحكم ، وأمّا التقييد بما إذا لم يقم البيّنة بعده فلا دليل عليه ، بل صريح الصحيحة عدم التأثير لإقامة البيّنة بعد الحلف أصلا ، وظاهر إطلاقها وإن كان قبل الحكم .
ثانيهما : أنّه لو أقام المدّعي البيّنة وقبلها الحاكم ، فهل يسقط التخيير أو يجوز للمدّعي العدول إلى الحلف مكان إقامة البيّنة؟ فيه وجهان; والأوجه هو الوجه الثاني; لأنّ الأدلّة الدالّة على جواز الاستحلاف منصرفة عن هذه الصّورة ، فلا يجوز الإحلاف مع إقامة البيّنة وقبول الحاكم ، وإن نفى عنه البعد السيّد في الملحقات(2) .
(1) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): 284 ، الوسائل : 27 / 239 ، أبواب كيفية الحكم ب6 ح1 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 70 ذ مسألة 2 .
(الصفحة144)
سؤال الشهود ، نعم له السؤال من المدّعي بأنّه أراد الإقامة أو لا1.
مسألة 13 : إذا شهدت البيّنة فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما ، وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة ، ولو عرفهما بالعدالة وجامعيّتهما الشرائط قبل شهادتهما ، وإن جهل حالهما توقّف واستكشف من حالهما ، وعمل بما يقتضيه2.
1 ـ لو أحضر المدّعي البيّنة ، ففيه صور ثلاث بالإضافة إلى الحاكم :
الاُولى : أن يعلم الحاكم أو شهدت القرائن بأنّه لم يرد إقامتها لإثبات دعواه بعد حضورها ، ففي هذه الصورة لا يجوز للحاكم أن يسأل من البيّنة شيئاً; لأنّ المفروض عدم إرادة المدّعي إقامتها وإن كان قد أحضرها .
الثانية : أن يعلم الحاكم أو شهدت القرائن بأنّه أراد إقامتها ، وفي هذه الصورة يجوز للحاكم السؤال من البيّنة فيما يرتبط بدعواه وشهادتهما ، كما لا يخفى .
الثالثة : صورة الجهل بالحال وعدم علم الحاكم ، وكذا عدم شهادة القرائن بأنّه أراد الإقامة أو لم يرد ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يجوز للحاكم السؤال من البيّنة بعد عدم إحراز إرادة الإقامة ، نعم مع الجهل بذلك ، وأنّ المدّعي أراد الإقامة أو لم يرد يجوز له السؤال من المدّعي ، وأنّه في مقام الإقامة ، وما لم يثبت للحاكم ذلك لا يجوز السؤال من الشهود .
2 ـ إذا شهدت البيّنة التي أقامها المدّعي ، ففيه أيضاً صور ثلاث :
الاُولى : أن يعرفهما الحاكم بالفسق ، أو بفقد بعض شرائط الشهادة ، ففي هذه الصورة يطرح شهادتهما .
الثانية : أن يعرفهما الحاكم بالعدالة والجامعيّة لشرائط الشهادة ، وفي هذه
(الصفحة145)
مسألة 14 : إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيّتهما للشرائط طرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع منه ، فإن أثبت دعواه ، وإلاّ فعلى الحاكم طرح شهادتهما . وكذا لو ثبت عدالتهما وجامعيتهما للشرائط ، لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه ، ولو ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل ، فإن أثبت دعواه أسقطهما وإلاّ حكم ، ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق1.
الصورة يقبل شهادتهما ويحكم للمدّعي .
الثالثة : أن يكون حالهما من حيث العدالة أو الجامعيّة للشرائط مجهولا للحاكم ، وفي هذه الصورة يتوقّف الحاكم عن القبول والحكم ، ويستكشف عن حالهما ليظهر ويعمل على طبق ما استكشف من القبول أو الردّ .
1 ـ الغرض من هذه المسألة أنّه إذا اعتقد الحاكم فسق الشاهدين أو أحدهما ، أو عدم الجامعيّة للشرائط المعتبرة في قبول الشهادة ، يطرحهما من غير انتظار التزكية ، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع هذه الدعوى من المدّعي ، بمعنى أنّ له إثبات دعواه وخطأ الحاكم ، فإن أثبت دعواه وخطأ الحاكم ، وإلاّ فعليه طرح شهادتهما وعدم الاعتناء بالبيّنة . وهكذا بالإضافة إلى المنكر لو ثبتت العدالة والجامعيّة للشرائط بحسب اعتقاد الحاكم ، لكن ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما ، فإنّه تقبل هذه الدعوى من المنكر ، غاية الأمر يحتاج إلى الإثبات ، فإن أثبت دعواه أسقطهما وإلاّ يحكم الحاكم .
ينبغي التنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّ إثبات دعوى المنكر خطأ الحاكم في الاعتقاد بالعدالة لا يتوقّف
(الصفحة146)
مسألة 15 : إذا جهل الحاكم حالهما وجب عليه أن يبيّن للمدّعي أنّ له تزكيتهما بالشهود مع جهله به ، فإن زكّاهما بالبيّنة المقبولة وجب أن يبيّن للمدّعى عليه أنّ له الجرح إن كان جاهلا به ، فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح سقطت بينة المدّعي1.
على ثبوت الفسق بنحو يوجب الحدّ مثلا ، فإذا ادّعى المنكر أنّ أحد الشاهدين زان مثلا ، لا حاجة في مقام الإثبات إلى البيّنة المعتبرة في إثبات الزنا الموجب للحدّ ، بل مجرّد شهادة عدلين بذلك يكفي في لزوم الإسقاط وعدم الحكم; لأنّه ليس المراد إلاّ مجرّد عدم العدالة المعتبرة في الشهادة ، لا ثبوت الزّنا الموجب للحدّ ، فتدبّر كي لا يختلط عليك الأمر .
ثانيهما : يجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق ، إذا كانت هناك حالة سابقة متيقّنة لفرض حجيّته ، وإن لم يكن في البين حتى الاستصحاب; لعدم العلم بالحالة السابقة ، فلا يجوز للحاكم ترتيب الأثر على البيّنة المشكوكة ، كما لايخفى .
1 ـ إذا كان الحاكم جاهلا بحال البيّنة التي أقامها المدّعي فالواجب عليه أن يبيّن للمدّعي إذا كان جاهلا أنّ له تزكية الشهود ، فإن لم يزكّهما فبها ، وإن زكّاهما بالبيّنة المعتبرة المقبولة عنده بحيث قامت البيّنة على عدالة كلّ منهما ، فا لواجب على الحاكم أن يبيّن للمدّعى عليه الجاهل أنّ له الجرح فإن اعترف بعدم الجارح حكم على المدّعى عليه ، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح تساقطت البيّنتان; لتعارض الأمارتين أو تقدّم بيّنة الجارح على بيّنة المزكّي ، كما يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى ، وبالآخرة تسقط بيّنة المدّعي عن الاعتبار وجواز الحكم باستنادها ، كما لا يخفى .
(الصفحة147)
مسألة 16 : في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدّعي لو قال : «لا طريق لي» أو قال : «لا أفعل» أو «يعسر عليّ» وطلب من الحاكم الفحص ، لايجب عليه ذلك وإن كان له ذلك ، بل هو راجح . ولو طلب الجرح في البيّنة المقبولة من المدّعى عليه ولم يفعل وقال : «لا طريق لي» أو «يعسر عليّ» لا يجب عليه الفحص ، ويحكم على طبق البيّنة ، ولو استمهله لإحضار الجارح فهل يجب الإمهال ثلاثة أيّام، أو بمقدار مدّة أمكنه فيها ذلك، أو لا يجب وله الحكم ، أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه؟ وجوه ، لا يبعد وجوب الإمهال بالمقدار المتعارف ، ولو ادّعى الإحضار في مدّة طويلة يحكم على طبق البيّنة1.
1 ـ فيما إذا طلب الحاكم الجاهل بحالهما من المدّعي التزكية ، وقال المدّعي في الجواب : لا طريق لي أو قال : لا أفعل ، أو قال : يعسر عليّ ، وطلب من الحاكم الفحص عن العدالة وعدمها ، ففي وجوب الفحص عليه وجهان ، قد يقال بالوجوب نظراً إلى أحد أمرين :
الأوّل : كون المقام من قبيل باب الوضوء ، فكما أنّه يجب في ذلك المقام الفحص عن الماء ، ولا يكتفى بمجرّد عدم وجدانه في المحلّ الذي يريد الوضوء ، فكذلك المقام يجب على الحاكم الفحص عن عدالة البيّنة المأمور بالحكم على طبقها .
ويرد عليه بطلان المقايسة والتشبيه ، فإنّ وجوب الوضوء وجوب مطلق ، واللاّزم تهيئة مقدّماته من الماء وغيره ، ولولا الدليل على لزوم الفحص إلى مقدار معيّن لكان اللاّزم الفحص مطلقاً إلى أن يتحقّق اليأس ، وهذا بخلاف المقام الذي لا يلزم ولا يجب فيه الحكم بنفع المدعي إلاّ على فرض إقامة بيّنة عادلة مقبولة عند الحاكم ، والفرض جهله بالعدالة ، وقد عرفت أنّ الحاكم لا يجوز أن يقول للمدّعي الواجد للبيّنة : أحضرها ، مريداً به الإلزام ، كما أنّك عرفت أنّه لا يجوز أن يسأل
(الصفحة148)
عن البيّنة ما لم يُرد المدّعي إقامتها ، وهذا وأشباهه دليل على عدم كون وجوب الحكم وجوباً مطلقاً كالوضوء في المثال .
الثاني : دلالة الرواية المنقولة عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) ، عن آبائه ، عن عليّ (عليه السلام) المفصّلة الدالّة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي : ألكَ حجّة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه ، وإن لم يكن له بيّنة حلف المدّعى عليه ـ إلى أن قال : ـ وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ ، قال للشهود : أين قبائلكما؟ فيصفان ـ إلى أن قال : ـ ثمّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي والمدّعى عليه والشهود ، ويصف ما شهدوا به ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار ، ثم مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه ، ثم يقول : ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما فيسأل عنهما فيذهبان ويسألان ، فإن أتوا خيراً ـ إلى أن قال : ـ قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعى عليه ، فإن رجعا بخبر سيّىً لم يهتك ستر الشاهدين ، ولكن يدعو الخصوم إلى الصّلح; لئلاّ يفتضح الشهود ، فإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون ولا قبيلة لهما ، فإن قال المدّعى عليه : ما عرفنا أي في الشهود إلاّ خيراً غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ شهادتهما ، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه ، وأحلف المدّعى عليه ، وقطع الخصومة بينهما(1) .
هذا ، ولكن صحّة التفسير المذكور وانتسابه إلى الإمام (عليه السلام) غير معلومة ، وإن نقل عنه في الوسائل ولم ينقل عن مثل فقه الرضا ، لكن اعتماد الوسائل ليس بحجّة شرعيّة ، نعم بعد ملاحظة قاعدة التسامح في أدلّة السنن لا مجال للارتياب في
(1) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 284 ، الوسائل : 27 / 239 ، أبواب كيفية الحكم ب6 ح1 .
(الصفحة149)
استحباب الفحص .
ولولا الشكّ في انتساب الكتاب المزبور لما كان للحمل على الاستحباب وجه; لأنّ فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإن كان أعمّ من الوجوب لاحتمال الاستحباب ، إلاّ أنّه لمّا كان الحاكي عنه هو المعصوم (عليه السلام) ، وكان الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الكيفيّة; لكان اللاّزم هو الأخذ بظاهر كلامه الدالّ على اللزوم في مثل المقام ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه لا إشكال في عدم وجوب الفحص عن الجارح لو قال للمدّعى عليه وطلب منه الجرح بالإضافة إلى البيّنة المقبولة عنده ، وقال : لا طريق لي أو يعسر عليّ ، بل يحكم الحاكم بنفع المدّعي .
نعم لو استمهله المدّعى عليه لإحضار الجارح ، فتارةً يدّعي الإحضار في مدّة طويلة يتضرّر فيها المدّعي ، ويتضيّع حقّه الذي يدّعيه ، فلا إشكال في عدم جواز الإمهال المدّة المذكورة ، بل يحكم على طبق البيّنة المقبولة بنفع المدّعي . واُخرى يستمهل لإحضار الجارح مطلقاً ، فربّما يقال كما عن المبسوط : بإمهاله ثلاثة أيّام(1) ، كما أنّه يحتمل الإمهال مدّة يمكنه فيها الاحضار .
ويحتمل ثالثاً عدم وجوب الإمهال أصلا ، فيجوز أو يجب عليه الحكم . غاية الأمر أنّه إن أتى بالجارح ينقض الحاكم الحكم ، فيه وجوه واحتمالات ، ولكن لا يبعد الاحتمال المتوسّط ووجوب الإمهال بالمقدار المتعارف; لعدم الدليل المعتبر على مقدار ثلاثة أيّام ، وربّما يكون جاهلا بأن يقيم المدّعي البيّنة المقبولة ، ويحتمل فيه الاستحلاف وطلب الحلف من المنكر ، فأصل الإمهال رعاية لعدم تضييع الحقّ لازم لا ريب فيه ، وأمّا الإمهال ثلاثة أيّام فلا دليل عليه .
(1) المبسوط : 8 / 159 .
(الصفحة150)
مسألة 17 : لو أقام البيّنة على حقّه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة ، فالتمس المدّعي أن يحبس المدّعى عليه حتّى يثبت عدالتهما ، قيل : يجوز حبسه ، والأقوى عدم الجواز ، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه ولا تأمين المدّعى به ، أو الرهن في مقابل المدّعى به1.
1 ـ قد تعرّض الأصحاب لنظير هذه المسألة ، قال المحقّق في الشرائع : ولو ذكر المدّعي أنّ له بيّنة غائبة خيّره الحاكم بين الصّبر وبين إحلاف الغريم ، وليس له ملازمته ولا مطالبته بكفيل(1) . قال في الجواهر : وفاقاً للمحكي عن أكثر المتأخرين بل عامّتهم(2) ، والاسكافي ، والشيخ في الخلاف والمبسوط ، والحلّي ، والقاضي في أحد قوليه(3) إلى أن قال : خلافاً للمحكي عن الشيخين في المقنعة والنهاية ، والقاضي في أحد قوليه ، وابني حمزة وزهرة نافياً للخلاف فيه ظاهراً(4) ،(5) .
والدليل على قول الأوّل أنّه لا معنى للعقوبة على الحقّ قبل ثبوته ، كما هو المفروض ، على أنّ الكفيل يلزمه ا لحقّ إن لم يحضر المكفول ، وهنا لا معنى له قبل إثباته ، ولا معنى لكون حضور الدّعوى وسماع البيّنة حقّاً يكفل عليه .
(1) شرائع الإسلام : 4 / 875 .
(2) رياض المسائل : 9 / 295 ـ 296 ، مسالك الأفهام : 13 / 464 ، كشف الرموز : 2 / 500 ، قواعد الأحكام : 2 / 210 ، إيضاح الفوائد : 4 / 335 ، اللمعة الدمشقيّة : 51 ، المقتصر : 377 .
(3) حكاه في المختلف : 8 / 376 عن الإسكافي ، الخلاف : 6 / 237 مسألة 36 ، المبسوط : 8 / 159ـ 160 ، السرائر : 2 / 158 ـ 159 ، المهذب : 2 / 586 .
(4) المقنعة : 733 ، النهاية : 339 ، ونقله عن الكامل للقاضي ابن البرّاج في المختلف : 8 / 376 ، الوسيلة : 212 ، الغنية : 445 .
(5) جواهر الكلام : 4 / 205 .
(الصفحة151)
وعلى القول الآخر قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، فإنّه قد يهرب المدّعى عليه ، ولا يتمكّن المدّعي من تحصيل الحقّ ، فيجب حينئذ مقدّمته للزوم مراعاة حقّ المسلم من الذهاب في نفس الأمر ، والإلزام بالكفيل أو الحبس وإن كان ضرراً إلاّ أنّ ذهاب الحقّ أيضاً ضرر ، وعلى الحاكم مراعاة الأقلّ منهما ضرراً ، ولعلّه التكفيل .
هذا ، ويظهر عن محكيّ الرياض التفصيل في المسألة ، بأنّه إن خيف هرب المنكر ، وعدم التمكّن من استيفاء الحقّ بعد ثبوته من ماله فالقول الثاني لا يخلو من رجحان ، ولو لم يتحقّق الخوف من ذلك أمكن ترجيح القول الأوّل(1) ، وبهذا التفصيل صرّح الفاضل المقداد فيما حكي عنه(2) .
أقول : أما قاعدة نفي الضرر والضرار فمضافاً إلى الاختلاف فيها في كونها حكماً حكوميّاً أو شرعيّاً بالعنوان الأوّلي أو الثانوي ، يرد على الاستدلال بها أنّه لا وجه لجريانها في المقام إذ الضرر لا يدفع بالضرر ، مع أنّها لا تقتضي تعجيل الضرر على المسلم باحتمال ضرر الآخر ، وعدم تمكّن المدّعي من تحصيل حقّه على فرض الهرب فرضاً لا يرتبط بالحاكم الذي لا تكون وظيفته بعد سماع الدعوى إلاّ الحكم على طبق مثل البيّنة العادلة أو اليمين ، وإلاّ يجب على الحاكم ذلك قبل طرح الدعوى; لئلاّ يضيّع حقّه . نعم بعد ثبوت الدعوى تجري مسألة الحبس ، كما تقدّم من حبس المديون الواحد المتمكّن من أداء الدين الممتنع عنه(3) . فالإنصاف ما أفاده الماتن (قدس سره)من أنّه لا تجوز مطالبة الكفيل منه ، ولا تأمين المدّعى به أو الرهن في مقابله .
(1) رياض المسائل : 9 / 297 .
(2) التنقيح الرائع : 4 / 252 ـ 253 .
(3) في ص110 ـ 111 .
(الصفحة152)
مسألة 18 : لو تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض الحكم ، وإن كان طارئاً بعد الحكم لم ينتقض ، وكذا لو تبيّن فسقهما بعد الشهادة وقبل الحكم على الأشبه1.
1 ـ لا شبهة في اعتبار العدالة في الشاهدين ، وهل العدالة المعتبرة إنّما هي بنحو الشرط العلمي نحو العدالة في إمام الجماعة ، أو الواقعي كما في الشاهدين في باب الطلاق؟ يظهر من صاحب الجواهر : أنّه لولا اتّفاق كلمة الأصحاب ظاهراً ، وأصالة الواقعيّة في الشرائط ، ولو كانت مستفادة من قوله تعالى : {وَأَشْهِدُوا ذَوي عَدل مِنكُم}(1) لأمكن أن يدّعى أنّ الشرط علميّ; لاطلاق ما دلّ على نفوذ الحكم وعدم جواز ردّه ، إذا كان على نحو قضائهم (عليهم السلام) ، وعلى حسب الموازين التي نصبوها لذلك ، ولا دليل على اشتراط أزيد من ذلك حتّى قوله تعالى المذكور; لأنّ المراد منه ذوي عدل عندكم ، لا أقل من الشكّ ، فيبقى ما دلّ على نفوذ الحكم بحاله ، إلاّ أن يقال بالفرق بين ما هنا وبين الجماعة ، بأنّ المدار هناك على الصلاة خلف من تثق بعدالته ، كما في النص ، بخلاف المقام المعتبر كونه عدلا(2) . وكيف كان فبناءً على اعتبار العدالة الواقعيّة يكون في المسألة صور ثلاث :
الاُولى : ما إذا تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة ، وفي هذه الصورة لاشكّ في انتقاض الحكم بنفسه وصيرورته كالعدم; لأنّ الحكم كان مستنداً إلى شهادتهما ، والمفروض تبيّن الفسق للحاكم الرافع للخصومة ، فكأنّه لم يصدر منه حكم أصلا .
(1) سورة الطلاق : 65 / 2 .
(2) جواهر الكلام : 40 / 113 ـ 114 .
(الصفحة153)
الثانية : تبيّن ذلك بعد الحكم الصادر من الحاكم بمعنى عروض الفسق بعده ، وفي هذه الصورة لا مجال للانتقاض بوجه بعد إمكان زوال العدالة وعروض الفسق ، وكون العدالة المعتبرة إنّما هي بالإضافة إلى الحكم الثابت قبله ، واحتمال عروض الفسق نظير الكفر بعد الإيمان ، بل الحالات الخمسة الواقعيّة المحكيّة بقوله تعالى : {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفراً}(1) .
وبالجملة : لا شبهة في عدم الانتقاض في هذه الصورة بعد جامعيّة الحكم لجميع الشرائط ، كما لايخفى .
الثالثة : ما إذا تبيّن الفسق بعد الإقامة وقبل حكم الحاكم ، وبعبارة اُخرى عرض الفسق في الزمان الفاصل بين الأمرين ، وقد وقع الخلاف في الانتقاض وعدمه بمعنى جواز الحكم وعدمه ، قال المحقّق (قدس سره) في كتاب الشهادات من الشرائع : لو شهدا ثمّ فسقا قبل الحكم حكم بهما; لأنّ المعتبر بالعدالة عند الإقامة(2) ، وفاقاً للمحكيّ عن الحلّي وأحد قولي الشيخ والفاضل(3) ، وخلافاً للمحكي عن الشيخ أيضاً في القول الآخر والفاضل في المختلف والشهيدين وجماعة(4) .
هذا ، ويظهر الميل إليه من صاحب الجواهر(5) ، وما قيل في ترجيح هذا القول عبارة عن أنّه لم ينقل الخلاف من أحد في أنّه لو طرأ فسق شاهد الأصل قبل الحكم
(1) سورة النساء 4 : 137 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
(3) السرائر : 2 / 179 ، الخلاف : 6 / 320 مسألة 73 ، المبسوط : 8 / 244 ، قواعد الأحكام : 2 / 247 ، إرشاد الاذهان : 168 .
(4) المبسوط : 8 / 233 ، تحرير الأحكام : 2 / 215 ، المختلف : 8 / 546 مسألة 106 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 133 ، مسالك الأفهام : 14 / 295 ، الجامع للشرائع : 546 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(5) جواهر الكلام : 41 / 219 .
(الصفحة154)
بشهادة الفرع لم يحكم; لأنّ الحكم مستند إلى شهادة الأصل ، ولا فرق بين المقامين ، بل ما نحن فيه أولى ، وصدق الحكم بشهادة الفاسق ، وكونه كما لو رجع عن الشهادة قبل الحكم ، وكما لو كان وارثاً ، ومات المشهود له قبل الحكم ، فإنّ المحكيّ عن المسالك اتّفاق الجميع على عدم جواز الحكم حينئذ ، وأنّ طروّ الفسق يضعف ظنّ العدالة السابقة; لبعد طروّه دفعة واحدة(1) . وإن أجاب عمّا عدا الأوّل صاحب الجواهر بالنقض بجريان مثل ذلك في الجنون ونحوه(2) .
هذا ، مع أنّ صدق الحكم بشهادة الفاسق مع فرض كونهما عادلين حال إقامة الشهادة ممنوع ، اللهمّ إلاّ أن يستفاد من الأدلّة والنصوص المستفيضة الدالّة على ردّ شهادة الفاسق ولو بالإطلاق لزوم ردّ شهادته مطلقاً ، ولو كان حال الإقامة عادلا واقعاً ، والظاهر عدم ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة ، بل مفادها ردّ شهادة الفاسق حال الإقامة ، سواء كان حال الحكم باقياً على العدالة أم لا ، وعليه فلا يكون فرق بين أن يكون زمان التبيّن قبل الحكم ، فيجوز مع طروّ الفسق في هذا الزمان ولو بالكفر مثلا ، أو يكون زمان التبيّن بعد الحكم ، فلا يتحقّق الانتقاض حينئذ ، كما هو المفروض في المتن بلحاظ التعبير بعدم الانتقاض ، الظاهر في أنّ زمان التبيّن إنّما هو بعد الحكم .
وكيف كان فالمسألة مع أنّها خلافيّة مشكلة جدّاً من مساعدة الاعتبار وتناسب الحكم والموضوع ، ولعلّ ظهور الأدلّة على أنّ الملاك والاعتبار بالعدالة حال الإقامة والأداء ، وأنّ طروّ الفسق بعدها لا دخالة له في ذلك أصلا ، وممّا ذكره
(1) مسالك الأفهام : 14 / 281 ـ 282 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 206 ـ 207 و 218 .
(الصفحة155)
مسألة 19 : الظاهر كفاية الإطلاق في الجرح والتعديل ، ولا يعتبر ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب ، وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم ، بل لا يبعد الكفاية إلاّ مع العلم باختلاف مذهبهما ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على الشهادة بهما ، ولا يشترط ضمّ مثل أنّه مقبول الشهادة أو مقبولها لي وعليّ ونحو ذلك في التعديل ، ولا مقابلاته في الجرح1.
في الجواهر مؤيّداً بالأصل .
هذا بالإضافة إلى حقّ الناس ، وأمّا بالنسبة إلى حقّ الله تعالى فقد ذكر المحقّق عقيب عبارته المتقدّمة : «ولو كان حقّاً لله تعالى كحدّ الزّناء لم يحكم; لأنّه مبنيّ على التخفيف ، ولأنّه نوع شبهة ، وفي الحكم بحدّ القذف والقصاص تردّد أشبهه الحكم لتعلّق حقّ الآدمي به» ، ويمكن الفرق بين حدّ القذف والقصاص بأنّ الأوّل مشمول لقوله (عليه السلام) : «ادرؤا الحدود بالشبهات»(1) بخلاف الثاني; لأنّه ليس بحدّ ، كما أنّه في مثل السّرقة يتحقّق الفرق بين القطع الذي هو مرتبط بالله تعالى ، وبين ردّ المال المسروق إلى المسروق منه; لكون الثاني حقّاً آدميّاً محضاً ، كما لايخفى .
1 ـ المشهور هي كفاية الإطلاق في العدالة ولزوم التفسير في الجرح(2) ، وعن ابن الجنيد لزوم التفسير فيهما(3) ، واختار الماتن (قدس سره) كفاية الإطلاق في الجرح
(1) الفقيه : 4 / 53 ح90 ، المقنع : 437 ، الوسائل : 28 / 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 وص130 ، أبواب حدّ الزنا ب27 ح11 .
(2) مسالك الأفهام : 13 / 406 ، مستند الشيعة : 2 / 647 ، المبسوط : 8 / 109 ، الخلاف : 6 / 220 مسألة 13 ، السرائر : 2 / 174 ، الوسيلة : 211 ، التحرير : 2 / 184 ، شرائع الإسلام : 4 / 868 .
(3) مختلف الشيعة : 8 / 441 مسألة 42 عن ابن الجنيد .
(الصفحة156)
والتعديل ، وهو الذي يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره)(1) ، واستدلّ المشهور لعدم كفاية الإطلاق في الجرح بعدم العسر بذكره ، وبأنّه ربّما لا يكون جرحاً عند الحاكم المشهود عنده بخلاف تفصيل العدالة المحتاج إلى ذكر جميع الكبائر وغيره ممّا يتعذّر أو يتعسّر إحصاؤه . وربّما أشكل ذلك بأنّ الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة ، فإنّ الاختلاف مثلا في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتّب الفسق على فعله ، يوجبه في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الإصرار عليه ، فيزكّيه المزكّي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها ، وهو قادح عند الحاكم .
وكيف كان ففي المسألة صور ثلاث :
إحداها : ما لو علم باتّفاق المذهبين في تفسير العدالة ، والأسباب الموجبة لها أو للفسق ، وفي هذه الصّورة لا وجه للزوم التفسير بوجه بالإضافة إلى العدالة والجرح كما لايخفى .
ثانيتها : ما لو لم يعلم الاتّفاق والخلاف بين بيّنة المزكّي أو الجارح وبين مذهب الحاكم ، ويظهر من المتن نفي البعد عن كفاية الإطلاق في هذه الصورة أيضاً ، ووجهه على ما يظهر من الجواهر ما هو المعلوم من طريقة الشرع من حمل عبارة الشاهد على الواقع ، وإن اختلف الاجتهاد في تشخيصه قال : ومن هنا لا يجب سؤاله عن سبب التملّك مع الشهادة به ، وكذا التطهير والتنجيس وغيرها ، وإن كانت هي أيضاً مختلفة في الاجتهاد ، بل يحمل قول الشاهد على الواقع ، كما يحمل فعله على الصحيح في نفس الأمر لا في حقّ الفاعل خاصّة ، وما العدالة والفسق إلاّ من هذا القبيل ،
(1) جواهر الكلام : 40 / 116 .
(الصفحة157)
اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاختلاف فيهما في معناهما ، بخلاف الملك والتطهير والتنجيس ونحوها ، فإنّه اختلاف في أسبابها ، لكنّه كما ترى(1) .
هذا ، ويظهر من المحقّق العراقي (قدس سره) في رسالته في القضاء التفصيل بين ما إذا كانت المخالفة المحتملة فيما يرتبط بالشبهات الحكميّة; للإختلاف في مدخليّة ترك المرؤة في حقيقة العدالة ، وبين ما إذا كانت فيما يرتبط بالشبهات الموضوعيّة ، ففي الاُولى يلزم الاستفسار دون الثانية ، وهذا التفصيل يجري في جميع الموارد المشابهة كالملكيّة والزوجيّة وأمثالهما . قال : ولكنّ الذي يسهّل الخطب في هذه الاُمور غير مسألة الجرح ـ لكون حسن الظاهر أمارة ـ دعوى بعض قيام السيرة على سماع الشهادة مطلقاً فيها ، بلا احتياج إلى الاستفسار عن سببها ، فان تمّ ذلك فهو ، وإلاّ فللنظر فيه بإطلاقه مجال ، إذ مقتضى القاعدة هو الذي بيّناه(2) ، انتهى .
وأنت خبير بأنّه لو بني على محض القاعدة لكان الالتزام بعدم تحقّق العدالة والصحّة لازماً مطلقاً; لاقتضاء الاستصحاب العدم .
أقول : هنا إشكال في أصل المسألة ، وهو أنّه لم جعل الملاك في المسألة مذهب بيّنة المزكيّ أو الجارح وملاحظته مع مذهب الحاكم ، مع أنّه من الممكن اختلاف مذهب بيّنة المدّعي مع نظر الحاكم ومذهبه؟ فإنّه يمكن أن لا ترى بيّنة المدّعي اجتهاداً أو تقليداً بعض الأسباب موجباً للجرح ، بحيث لو كان عنده كذلك لكان يجتنب عنه بخلاف الحاكم; وفي هذه الصورة إن قلنا بعدم ترتيب الحاكم الأثر على بيّنة المدّعي يلزم عدم الأخذ بها مع ثبوت العدالة لهما بحسب مذهبهما ،
(1) جواهر الكلام : 40 / 117 .
(2) رسالة القضاء للمحقّق العراقي : 61 .
(الصفحة158)
وإن لم نقل بذلك بل بلزوم ترتيب الأثر عليها يلزم الحكم على طبق البيّنة غير العادلة بنظره .
ثالثتها : صورة العلم بالاختلاف ، وفي هذه الصورة لا يكفي الإطلاق لا بالإضافة إلى التعديل ولا بالنّسبة إلى الجرح ، بل اللاّزم التفسير ليلاحظ ثبوت العدالة بنظر الحاكم وعدمه ، ووجهه واضح .
بقي في المسألة اُمور لابدّ من التنبيه عليها :
الأوّل : أنّه يكفي في الشهادة بالعدالة أو الفسق كلّ لفظ دالّ عليها ، ولا يجب أن يكون مشتملا على عنوان الشهادة مثل قوله : أشهد ، وإن أوهمته عبارة العلاّمة في القواعد(1) ، لكنّ الظاهر أنّ مراده ما ذكرنا ولو في باب التزكية ، لكنّ اللاّزم أن يكون في مقام الشهادة ولو بدلالة قرائن الأحوال ، فإنّ الشهادة وإن كانت من مقولة الإخبار لا الإنشاء ، إلاّ أنّها نوع خاصّ ومقام مخصوص ، ولا ينطبق عنوان الشاهد إلاّ على من كان في هذا المقام ، وعليه فلا يكفي مجرّد الإخبار بالعدالة ، بل يجب الشهادة عليها بخلاف التفسيق ، فتدبّر .
الثاني : هل يجب ضمّ أنّه مقبول الشهادة إلى قوله عدل أم لا؟ قال في محكيّ القواعد : لابدّ فيها أيضاً من ضمّ مقبول الشهادة إلى قوله عدل ، إذ ربّ عدل لا تقبل شهادته; لغلبة الغفلة عليه ، ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الكلام في ثبوت وصف العدالة وعدمه لا في جهات اُخرى ، وإلاّ يلزم ذكر جميع الخصوصيّات المعتبرة في الشاهد ـ أنّه لا دليل على هذه اللابدّية بعد تحقّق الشهادة بالعدالة ، كما لايخفى .
(1 و 2) قواعد الأحكام : 2 / 206 .
(الصفحة159)
مسألة 20 : لو تعارضت بيّنة الجرح والتعديل بأن قالت إحداهما : «إنّه عادل» ، وقالت الاُخرى : «إنّه فاسق» ، أو قالت إحداهما : «كان يوم كذا
الثالث : عن المختصر الأحمدي(1) لابدّ أن يقول : عدل مقبول الشهادة عليّ ولي(2) ، وعن التحرير يجب على المزكّي أن يقول : أشهد أنّه عدل مقبول أو هو عدل لي وعليّ(3) ، بمعنى الاكتفاء بأحدهما; لأنّه لا تتعلّق الصلتان بالعدل إلاّ بتضمين معنى الشهادة ، فيتّحد حينئذ مؤدّاهما ويكفي أحدهما ، ونسبه في المسالك إلى أكثر المتأخّرين(4) .
ويرد على هذا القول : أنّه لا يعلم المراد من قوله : «لي وعليّ» فإن كان الغرض منه أن يبيّن أنّه ليس بولد بناءً على أنّ شهادة الولد على والده غير مقبولة ، فيرد عليه ما أورده في الجواهر ممّا يرجع إلى أنّه على تقدير تسليم عدم قبول الشهادة المذكورة ، لايدلّ قوله : «عدل لي وعليّ» على أنّه ليس بولد; لأنّ العدل عدل على أبيه وله ، غاية الأمر عدم قبول شهادته عليه ، وعلى تقدير أن يراد به نفي البنوّة فالمعتبر عدمها ، لا التعرّض إلى نفيه لفظاً ، مع أنّه يحصل بقوله : «عليّ» ولا حاجة إلى إضافة قوله : «لي»(5) ، وإن كان المراد تأكيد ثبوت العدالة ووصفها كما ربّما يتراءى في النظر ، فيرد عليه عدم الدليل على لزوم هذا التأكيد ووجوبه .
وكيف كان فالتحقيق ما أفاده في المتن .
(1) هو لابن الجنيد كما في المسالك : 13 / 408 .
(2) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 441 مسألة 42 .
(3) تحرير الأحكام : 2 / 184 .
(4) مسالك الأفهام : 13 / 408 ـ 409 ، الدروس الشرعيّة 2 : 80 .
(5) جواهر الكلام : 40 / 118 .
(الصفحة160)
يشرب الخمر في مكان كذا» ، وقالت الاُخرى : «إنّه كان في يوم كذا في غير هذا المكان» سقطتا ، فعلى المنكر اليمين ، نعم لو كان له حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها ، فإن كانت عدالة حكم على طبق الشهادة ، وإن كانت فسقاً تطرح ، وعلى المنكر اليمين1.
1 ـ التعارض بين البيّنتين بيّنة الجرح والتعديل ، قد يكون بنحو التخالف بحيث يمكن اجتماعهما; لعدم التضادّ المانع عن صدقهما .
وقد يكون بنحو التعارض الحقيقي المانع عن ذلك ، فالأوّل مثل ما إذا قالت بيّنة التعديل : إنّه يكون ذا ملكة ، ولا أعلم بصدور معصية كبيرة منه ، وقالت بيّنة الجرح : إنّه صدر منه معصية كبيرة ، ولم تتحقّق التوبة عنها ، أو قالت بيّنة التعديل : إنّه قد صدر منه التوبة عن المعصية الكبيرة التي ارتكبها يوم فلان ، وقالت بيّنة الجرح : قد صدرت منه المعصية في ذلك اليوم . والثاني مثل المثالين المذكورين في المتن ، ويجري في هذه الصورة احتمالات :
الأوّل : سقوط كلتيهما كما هو الأصل المقرّر في محلّه في تعارض الأمارتين ، غاية الأمر ثبوت الأخبار العلاجيّة مثل : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة وغيرها بالإضافة إلى الخبرين المتعارضين(1) ، فيبقى غيرهما على وفق القاعدة الأصليّة من السقوط عند التعارض .
الثاني : الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل أو مشتبه خصوصاً مع كون الموردين حقوق الناس ، وهي القدر المتيقّن من موارد القرعة .
(1) الكافي : 1 / 67 ح10 وج7 / 412 ح5 ، التهذيب : 6 / 218 ح514 وص308 ح845 ، الوسائل : 27 / 136 ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
|
|