قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة301)
مسألة 8: لو تعارضت البيّنات في شيء ، فإن كان في يد أحد الطّرفين ، فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل ، وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح ، وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل ، وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه ، فالظاهر سقوط البيّنتين والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القرعة ، لكنّ المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال ، وترجيح أحد الأقوال مشكل ، وإن لا يبعد في الصّورة الأولى ما ذكرناه1.
صورة علم الحاكم بذلك ، كما لا يخفى . وليعلم أنّ هذا الفرض لا يكون فرضاً مستقلاًّ في مقابل الفرض الأول ، بل هو جزء منه ، فإنّ الملكية السابقة المفروضة في الفرض الأوّل لابدّ وأن تكون محرزة ، والاحراز قد يكون بقيام البيّنة ، وقد تكون بسبب علم الحاكم بناءً على جواز قضائه بعلمه كما قدّمناه سابقاً ، فهذا الفرض بعض منه ، لا أنّه مغاير له كما يفيد ظاهر العبارة .
الفرض الخامس: قيام البيّنة على أنّ يد زيد غصبية أو عارية أو أمانة أو نحوها من الأيادي غير الملكية ، ولا ينبغي الإشكال في تقدّم البيّنة على اليد; لأنّهما وإن كانتا أمارتين إلاّ أنّ البيّنة مقدّمة على اليد ، كما يظهر من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر(1) . مضافاً إلى أنّ حجّية اليد منحصرة بما إذا لم تكن في مقابلها بيّنة ، وإلاّ لا يجوز الأخذ من السارق والغاصب في صورة عدم العلم ، بل قيام البيّنة كما لا يخفى .
1 ـ هذه المسألة من عويصات المسائل الفقهية وغوامضها ، وقد اضطربت فيها
(1) تفسير القمّي: 2 / 156 ، الوسائل: 27 / 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .
(الصفحة302)
الأقوال واختلفت الروايات ، بل قال السيّد (قدس سره) في الملحقات: قد يختلف فتوى واحد منهم ، فيفتي في مقام ويفتي بخلافه في مقام آخر ، وربّما يدّعي الإجماع في مورد ويدّعي على خلافه الإجماع في مورد آخر ، وقد يحكم بضعف خبر ويعمل به في مورد آخر ، وقد يحملون الخبر على محمل بلا شاهد ويفتون به ، ويفرّقون بين الصور بقيود لا تستفاد من الأخبار من ذكر الشاهد السبب وعدمه ، أو كون الشيء ممّا يتكرّر كالبيع والشراء والصياغة ونحوها ، أو ممّا لا يتكرّر كالنتاج والنساجة والخياطة ونحوها ، وليس الغرض الإزرآء عليهم ، بل بيان الحال مقدّمة لتوضيح الحقّ من الأقوال ، فإنّ المسألة في غاية الإشكال وليست محرّرة(1) ، واللازم الدقّة وإمعان النظر فيها إن شاء الله تعالى .
فنقول: قد فرض في المتن لها صوراً ثلاثة; لأنّ الشيء مورد التنازع تارةً يكون في يد أحد الطرفين ، واُخرى يكون في يدهما ، وثالثة يكون في يد ثالث ، أو لا يد لأحد عليه . وقبل الخوض في المقصود لابدّ من تقديم أمرين:
أحدهما: أنّ معنى تعارض البيّنتين ثبوت التضادّ بين مفادهما بحيث لم يمكن الجمع والتوفيق بينهما . قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع: يتحقّق التعارض في الشهادة مع تحقّق التضادّ ، مثل أن يشهد شاهدان بحقّ لزيد ، ويشهد آخران أنّ ذلك الحقّ بعينه لعمرو ، أو يشهدان بأنّه باع ثوباً مخصوصاً لعمرو غدوة ، ويشهد آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك الوقت ، ومهما أمكن التوفيق بين الشهادتين وفّق(2) .
ثانيهما: أنّ مقتضى القاعدة فيما إذا كان المال في يد أحدهما وأقاما البيّنة ، هو
(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 148 مسألة 2 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 897 مسألة 3 .
(الصفحة303)
تقديم بيّنة الخارج وهو غير ذي اليد; لأنّ مقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه أو على من أنكر(1) أنّه في الدرجة الاُولى تلاحظ بيّنة المدّعي الذي هو الخارج ، وتقدّم على طرفه من دون فرق بين ما إذا كانت له بيّنة وما إذا لم تكن له ، وقد حكي عن الرياض ادّعاء الإجماع عليه ، حيث قال: إنّ وظيفة ذي اليد اليمين دون البيّنة ، فوجودها في حقّه كعدمها بلا شبهة ، ولذا لو أقامها بدلا عن يمينه لم تقبل منه إجماعاً إن لم يقمها المدّعي(2) ، وإن أورد عليه السيّد (قدس سره)في الملحقات مضافاً إلى منع الإجماع ، وعموم ما دلّ على حجية البيّنة ، وإلى عموم مثل قوله (صلى الله عليه وآله): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(3) بخصوص أخبار المقام ، فإنّ في جملة منها تقديم بيّنة ذي اليد ، كخبر إسحاق وخبر غياث وخبر جابر ، وهو مقتضى إطلاق جملة اُخرى منها ، وأيضاً خصوص خبر حفص بن غياث حيث قال: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم(4) .
وخصوص صحيحة حمّاد الحاكية لأمر عيسى بن موسى في المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى (عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة ، فأمر ابن هياج ـ رجلا من همدان منقطعاً إليه ـ أن يتعلّق بلجامه ويدّعي البلغة ، فأتاه فتعلّق باللّجام وادّعى البغلة ، فثنى أبو الحسن (عليه السلام) رجله ونزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه .
(1) وسائل الشيعة: 27 / 233 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 وص 293 ب25 ح3 .
(2) رياض المسائل: 9 / 405 .
(3) وسائل الشيعة: 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
(4) الكافي: 7 / 387 ح1 ، الفقيه: 3 / 31 ح92 ، التهذيب: 6 / 261 ح695 ، الوسائل: 27 / 292 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح2 .
(الصفحة304)
فقال: والسرج أيضاً لي . فقال: كذبت عندنا البيّنة بأنّه سرج محمد بن علي (عليه السلام); وأمّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت(1) ، إلى آخر ما أفاده(2) .
وإن كان يمكن الجواب عن جميع إيراداته ; بأنّ منع دعوى الإجماع ـ مع تعبير صاحب الرياض أنّ وجود البيّنة كعدمها بلا شبهة ـ غير تامّ ، وعموم ما دلّ على حجّية البيّنة قابل للتخصيص ، وقوله (صلى الله عليه وآله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» لا يراد منه إلاّ الحصر الإضافي في مقابل القضاء بالعلم الواقعي الثابت للرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولا دلالة له على أنّ اعتبار البيّنة بالإضافة إلى من واليمين بالنسبة إلى من، وإلاّ لكان مفاده حجّية يمين المدّعي ابتداءً ، كما لا يخفى . وأمّا أخبار المقام خصوصاً أو اطلاقاً فسيأتي البحث فيها .
وأمّا خبر حفص بن غياث ، فمفاده جواز الشهادة بتملّك ذي اليد; نظراً إلى أنّ اليد كما عرفت أمارة عقلائية وشرعية على الملكية ، والسائل إنّما يسأل عن جواز الشهادة بالملك ، التي يترتّب عليها آثار كثيرة: مثل صحّة الابتياع من ذي اليد وأمثاله ، ولا إشعار في الرواية بفرض وجود المعارضة وأنّه معها تتقدّم بيّنة ذي اليد ، وبعبارة اُخرى محطّ نظر السائل أنّه يجوز المغايرة في الشهادة تحمّلا أداءً أم لا يجوز أصلا ، كما لا يخفى .
وأمّا صحيحة حمّاد ـ الحاكية لما عرفت من قصّة موسى بن جعفر (عليهما السلام) ـ فالظاهر أنّ قول الإمام (عليه السلام) إنّما هو في مقابل خصمه الذي لم يكن يعتقد بإمامته، وإلاّ لا يتنازع مع الإمام المعصوم الصادق في كلّ ما يقول ، مع أنّه لم يكن هناك قاض ولا
(1) الكافي: 8 / 86 ح48 ، الوسائل: 27 / 291 ، أبواب كيفيّة الحكم ب24 ح1 .
(2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 153 .
(الصفحة305)
حاكم ، ومن الممكن عدم اقتناعه باليمين التي هي وظيفته; فلذا تمسّك الإمام (عليه السلام)بوجود البيّنة بالنسبة إلى السرج ، وأنّه لا يكون لمن يدّعيه ، بخلاف أصل البغلة التي كان اشتراها عن قريب ولم يكن له بيّنة عليه ، وإلاّ فبالإضافة إلى كلّ منهما كان ذا اليد .
وبالجملة: فمقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه» ـ بلحاظ أنّ التفصيل قاطع للشركة ـ تعيّن البيّنة على المدّعي ، وتعيّن اليمين على من ادّعي عليه ، لا أنّ الوظيفة اللزومية الابتدائية كذلك ، وثبوت اليمين على المدّعي في بعض الموارد بضميمة البيّنة أو بدونها كما في اليمين المردودة أو اليمين الاستظهارية لا دلالة له على كون مفاد قوله (صلى الله عليه وآله) غير ما ذكرنا .
فالإنصاف تمامية ما أفاده صاحب الرياض .
ويؤيّده خبر منصور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل في يده شاة فجاء رجل فادّعاها ، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده ، لم يهب ولم يبع ، وجاء الذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول أنّها ولدت عنده ، لم يبع ولم يهب ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): حقّها للمدّعي ، ولا أقبل من الذي في يده بيّنة; لأنّ الله عزّوجلّ انّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي ، فإن كانت له بيّنة ، وإلاّ فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزّوجلّ(1) .
والمرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قضى في البيّنتين تختلفان في الشيء الواحد يدّعيه الرجلان ، أنّه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بيّنة كلّ واحد منهما وليس في أيديهما ، فأمّا إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان ، وإن كان في يد أحدهما ، فانّما
(1) التهذيب: 6/240 ح594 ، الإستبصار: 3/43 ح143 ، الوسائل: 27 / 255 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح14.
(الصفحة306)
البيّنة فيه على المدّعي واليمين على المدّعى عليه(1) .
ثمّ لو فرض سماع بيّنة المدّعى عليه ، وجواز وقوعها بدلا عن الحلف واليمين ، فإنّما هو مع عدم وجود البيّنة للمدّعي ، وإلاّ فهي مقدّمة على بيّنة المدّعى عليه كتقدّمها على يمينه ، وهذا هو الذي يعبّر عنه بتقدّم بيّنة الخارج على الدّاخل . هذا مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تعارض البيّنات التي سيجيء نقل كثير منها والجمع بينها إن شاء الله تعالى .
كما أنّه قد تقدّم أنّ ثبوت اليد لكلّ منهما مرجعه إلى ثبوتها على النصف، فكلّ بالإضافة إلى النصف ذو اليد ، وبالإضافة إلى النصف الآخر يكون خارجاً وغير ذي اليد . وقد عرفت حكم هذه الصورة ، وكذا حكم ما إذا كان في يد ثالث ، أو ما إذا لم يكن لأحدهما يد عليه ولا لثالث فيما مضى مع عدم البيّنة ، فاللازم في المقام ملاحظة أنّ الأخبار الواردة هل تدلّ على خلاف القاعدة أم لا؟ فنقول: هي كثيرة:
منها: صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم البيّنة ، ويقيم الّذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها عن أبيه ، ولا يدري كيف كان أمرها ؟ قال: أكثرهم بيّنة يستحلف وتدفع إليه . وذكر أنّ عليّاً (عليه السلام)أتاه قوم يختصمون في بغلة ، فقامت البيّنة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم(2) ولم يبيعوا ولم يهبوا ، (وقامت البيّنة لهؤلاء بمثل ذلك)(3) ، فقضى (عليه السلام)بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم .
قال: فسألته حينئذ فقلت: أرأيت إن كان الّذي ادّعى الدّار قال: إنّ أبا هذا الذي
(1) دعائم الإسلام: 2 / 522 ح1863 ، مستدرك الوسائل: 17 / 372 . أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح1 .
(2) المِذود: معتلف الدابّة ، القاموس المحيط «ذود» .
(3) في الكافي بدل ما بين القوسين هكذا: وأقام هؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا .
(الصفحة307)
هو فيها أخذها بغير ثمن ، ولم يقم الذي هو فيها بيّنة ، إلاّ أنّه ورثها عن أبيه؟ قال: إذا كان الأمر هكذا فهي للذي ادّعاها، وأقام البيّنة عليها(1) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما ، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده ، فأحلفهما علي (عليه السلام) ، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف ، فقضى بها للحالف ، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ فقال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف ، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين . قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده(2) .
ورواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة ، وكلاهما أقام البيّنة أنّه أنتجها ، فقضى بها للذي في يده ، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين(3) .
والظاهر عدم كونها رواية اُخرى ، وإن جعلها في الوسائل كذلك ; لعدم كون الاختصام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصّة الدابّة متعدّداً ، ورواية جابر: أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دابّة أو بعير ، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّه انتجها ، فقضى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمن هي في يده(4) ، وكذا رواية تميم بن طرفة: أنّ رجلين
(1) الكافي: 7 / 418 ح1 ، التهذيب: 6 / 234 ح575 وج7 / 235 ح1024 ، الإستبصار: 3 / 40 ح135 ، الوسائل: 27/ 249 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح1 .
(2) الكافي: 7 / 419 ح2 ، التهذيب: 6 / 233 ح570 ، الإستبصار: 3 / 38 ح130 ، الوسائل: 27/ 250 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح2 .
(3) الكافي: 7 / 419 ح6 ، التهذيب: 6 / 234 ح573 وج7 / 76 ح324 ، الإستبصار: 3 / 39 ح133 ، الوسائل: 27/ 250 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح3 .
(4) عوالي اللآلي: 3 / 526 ح31 ، مستدرك الوسائل: 17 / 373 ، أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح5 .
(الصفحة308)
عرفا (ادّعيا) بعيراً ، فأقام كلّ واحد منهما بيّنة ، فجعله أمير المؤمنين (عليه السلام)بينهما(1)، فإنّ الظاهر أنّه أيضاً متعرّض لنفس تلك القصّة ، ولا تكون قصّة جديدة .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم ، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين ، وكان يقول: «اللهمّ ربّ السموات السبع» ، أيّهم كان له الحقّ فادّاه إليه ، ثمّ يجعل الحقّ للذي يصير عليه اليمين إذا حلف(2) .
ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على أمر واحد ، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه واختلفوا ، قال: يقرع بينهم، فأيّهم قرع عليه اليمين وهو أولى بالقضاء(3) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل شهد له رجلان بأنّ له عند رجل خمسين درهماً ، وجاء آخران فشهدا بأنّ له عنده مائة درهم، كلّهم شهدوا في موقف ، قال: اقرع بينهم ثمّ استحلف الذين أصابهم القرع بالله أنّهم يحلفون بالحق(4) .
ومرسلة داود بن أبي يزيد العطّار ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في
(1) الكافي: 7 / 419 ح5، الفقيه: 3 / 23 ح61، التهذيب: 6 / 234 ح574، الإستبصار: 3 / 39 ح134، الوسائل: 27/ 251، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح4 .
(2) الكافي: 7 / 419 ح3 ، التهذيب: 6 / 233 ح571 ، الإستبصار: 3 / 39 ح131 ، الفقيه: 3 / 53 ح181 ، الوسائل: 27/ 251 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح5 .
(3) الكافي: 7 / 419 ح4 ، الفقيه: 3 / 52 ح178 ، التهذيب: 6 / 233 ح572 ، الإستبصار: 3 / 39 ح132 ، الوسائل: 27/ 251 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح6 .
(4) الكافي: 7 / 420 ح1 ، التهذيب: 6 / 235 ح578 ، الإستبصار: 3 / 41 ح138 ، الوسائل: 27/ 252 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح7 .
(الصفحة309)
رجل كانت له امرأة ، فجاء رجل بشهود أنّ هذه المرأة امرأة فلان ، وجاء آخران فشهدا انّها امرأة فلان ، فاعتدل الشهود وعدلوا ، فقال: يقرع بينهم ، فمن خرج سهمه فهو المحقّ وهو أولى بها(1) .
ورواية حمران بن أعين ، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة ، ادّعى الرجل أنّها مملوكة له وادّعت المرأة أنّها ابنتها ، فقال: قد قضى في هذا عليّ (عليه السلام) ، قلت : وما قضى في هذا؟ قال: كان يقول: الناس كلّهم أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالرّق وهو مدرك ، ومن أقام بيّنة على من ادّعى من عبد أو أمة فانّه يدفع إليه ويكون له رقّا . قلت : فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على ما ادّعى ، فإن أحضر شهوداً يشهدون أنّها مملوكة لا يعلمونه باع ولا وهب ، دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها أنّ الجارية ابنتها حرّة مثلها ، فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل .
قلت: فإن لم يقم الرجل شهوداً أنّها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده ، فإن أقامت المرأة البيّنة على أنّها ابنتها دفعت إليها ، فإن لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعى ، ولم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت(2) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين ادّعيا بغلة ، فأقام أحدهما شاهدين والآخر خمسة ، فقضى لصاحب الشهود الخمسة خمسة أسهم، ولصاحب الشاهدين سهمين(3) .
(1) الكافي: 7 / 420 ح2 ، التهذيب: 6 / 235 ح579 ، الإستبصار: 3 / 41 ح139 ، الوسائل: 27/ 252 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح8 .
(2) الكافي: 7 / 420 ح1 ، التهذيب: 6 / 235 ح580 ، الوسائل: 27/ 252 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح9 .
(3) الكافي: 7 / 433 ح23 ، التهذيب: 6 / 237 ح583 ، الإستبصار: 3 / 42 ح142 ، الوسائل: 27/ 253 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح10 .
(الصفحة310)
ورواية الحلبي قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجلين شهدا على أمر ، وجاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا ، قال: يقرع بينهم فأيّهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالحقّ(1) .
ورواية سماعة قال: إنّ رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابّة ، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مذوده ، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد ، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة ، ثمّ قال: «اللهمّ ربّ السموات السبع ، وربّ الأرضين السبع ، وربّ العرش العظيم ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أيّهما كان صاحب الدابّة وهو أولى بها ، فأسألك أن يقرع ويخرج سهمه» ، فخرج سهم أحدهما فقضى له بها(2) .
ورواية عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود وأنكرت المرأة ذلك ، فأقامت أخت هذه المرأة على رجل آخر(3) (هذا الرجل ظ) البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود ولم يوقّتا وقتاً : أنّ البيّنة بيّنة الزوج ولا تقبل بيّنة المرأة; لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة وتريد اُختها فساد النكاح ، فلا تصدّق ولا تقبل بيّنتها إلاّ بوقت قبل وقت أو دخول بها(4) .
(1) التهذيب: 6 / 235 ح577 ، الإستبصار: 3 / 40 ح137 ، الوسائل: 27/ 254 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح11 .
(2) التهذيب: 6 / 234 ح576 ، الإستبصار: 3 / 40 ح136 ، الفقيه: 3 / 52 ح177 ، الوسائل: 27/ 254 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح12 .
(3) في التهذيب: هذا الرجل ، وفي الاستبصار: على الآخر بدل «رجل آخر» .
(4) التهذيب: 6/236 ح581 ، الإستبصار: 3/41 ح140 ، الوسائل: 27/ 254 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح13.
(الصفحة311)
ورواية منصور المشار إليها في كلام السيّد (قدس سره) ، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل في يده شاة ، فجاء رجل فادّعاها ، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده ولم يهب ولم يبع ، وجاء الذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول أنّها ولدت عنده لم يبع ولم يهب ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): حقّها للمدّعي، ولا أقبل من الذي في يده بيّنة; لأنّ الله عزّوجلّ إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي ، فإن كانت له بيّنة وإلاّ فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزّوجلّ(1) .
ورواية عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنّ رجلين اختصما في دابّة إلى عليّ (عليه السلام) ، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت عنده على مذوده ، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة سواء في العدد ، فأقرع بينهما سهمين فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة ، ثمّ قال: «اللهمّ ربّ السموات السبع وربّ الأرضين السبع وربّ العرش العظيم ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أيّهما كان صاحب الدابّة وهو أولى بها ، فأسألك أن تقرع ويخرج اسمه» ، فخرج اسم أحدهما فقضى له بها ، وكان أيضاً إذا اختصم إليه الخصمان في جارية ، فزعم أحدهما أنّه اشتراها وزعم الآخر أنّه انتجها ، فكانا إذا أقاما البيّنة جميعاً قضى بها للذي أنتجت عنده(2) .
هذه هي أكثر الروايات الواردة في المقام بضميمة أخبار القرعة الواردة في كلّ أمر مشكل أو مشتبه ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ مورد أخبار القرعة الاُمور المالية
(1) التهذيب: 6 / 240 ح594 ، الإستبصار: 3 / 43 ح143 ، الوسائل: 27/ 255 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح14 .
(2) التهذيب: 6 / 236 ح582 ، الإستبصار: 3 / 41 ح141 ، الوسائل: 27/ 255 ، أبواب كيفيّة الحكم ب12 ح15 .
(الصفحة312)
وحقوق الناس ، لا مطلق الأمر المشتبه ولو كان حكماً من الأحكام الإلهية مثلا(1) .
ثمّ إنّ صاحب الوسائل (قدس سره) حكى عن الشيخ بعد نقل الروايات المتقدمة أنّه قال: الذي اعتمده في الجمع بين هذه الأخبار هو أنّ البيّنتين إذا تقابلتا فلا تخلو أن تكون مع إحداهما يد متصرّفة أو لم تكن ، فإن لم تكن يد متصرّفة وكانتا خارجتين فينبغي أن يحكم لأعدلهما شهوداً ويبطل الآخر ، فإن تساويا في العدالة حلف أكثرهما شهوداً وهو الذي تضمنه خبر أبي بصير .
وما رواه السكوني من القسمة على عدد الشهود ، فإنّما هو على وجه المصالحة والوساطة بينهما دون مرّ الحكم ، وإن تساوى عدد الشهود أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه حلف بأنّ الحقّ حقّه ، وإن كان مع إحدى البيّنتين يد متصرّفة ، فإن كانت البيّنة إنّما تشهد له بالملك فقط دون سببه انتزع من يده واُعطى اليد الخارجة ، وإن كانت بيّنته بسبب الملك إمّا بشرائه وإمّا نتاج الدابّة إن كانت دابّة أو غير ذلك ، وكانت البيّنة الاُخرى مثلها ، كانت البينة التي مع اليد المتصرّفة أولى .
فأمّا خبر إسحاق بن عمّار أنّ من حلف كان الحقّ له ، وإن حلفا كان الحقّ بينهما نصفين ، فمحمول على أنّه إذا اصطلحا على ذلك ، لأنّا بيّنا الترجيح بكثرة الشهود أو القرعة ، ويمكن أن يكون الإمام مخيّراً بين الإحلاف والقرعة ، وهذه الطريقة تأتي على جميع الاخبار من غير إطراح شيء منها وتسلم بأجمعها ، وأنت إذا فكّرت فيها رأيتها على ما ذكرت لك إن شاء الله تعالى(2) .
إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في صور:
(1) القواعد الفقهيّة: 1 / 421 ـ 422 .
(2) التهذيب: 6 / 237 ـ 238 ، الإستبصار: 3 / 42 ـ 43 ، الوسائل: 27/ 256 ، أبواب كيفيّة الحكم آخر ب12 .
(الصفحة313)
الصورة الاُولى: ما إذا كان الشيء في يد أحدهما فقط ، وأقام كلّ منهما البيّنة على ملكيته . وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة تقدّم بيّنة الخارج(1)، وهو المدّعي غير ذي اليد . ولكن الروايات الواردة في هذا المجال مختلفة ، فيستفاد من بعضها ذلك ، كخبر منصور والمرسل عن عليّ (عليه السلام) كما عرفت ، ومن البعض الآخر خلاف ذلك مثل رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام): «قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده» ، فإنّ ظاهرها سقوط البيّنتين بالتعارض والرجوع إلى حلف المنكر الذي هي في يده . ومثل رواية غياث بن إبراهيم المتقدّمة أيضاً الدالّة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بها للذي في يده ، وبعض الأخبار الاُخر. ولكنّك عرفت أنّه لا تعدّد في الروايات الواردة في قصّة الاختصام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لعدم تعدّد تلك القصّة بل الظاهر وحدتها .
وكيف كان ، فالمشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر: تقديم الخارج إذا شهدتا لهما بالملك المطلق مع التساوي في العدد والعدالة وعدمه(2) ، بل عن الغنية(3)والسرائر(4) وظاهر المبسوط(5) الإجماع عليه ، وهذا المقدار يكفي في جبر سند الخبرين ـ وإن كانا في نفسهما ضعيفان ـ وترجيحهما على الروايات المعارضة; لأنّ
(1) في ص302 ـ 303 .
(2) جواهر الكلام: 40 / 416 ، رياض المسائل: 9 / 403 ـ 404 ، ونسبه فيه إلى جماعة كثيرة ، مثل الشيخ في الخلاف: 3 / 130 مسألة 217 .
(3) غنية النزوع: 443 ـ 444 .
(4) السرائر: 2 / 168 ـ 169 .
(5) المبسوط: 8 / 258 .
(الصفحة314)
الشهرة من حيث الفتوى هي أوّل المرجّحات في الأخبار المتعارضة على ما استفدناه من مقبولة عمر بن حنظلة ، كما حقّقناه في محلّه من الأصول ، ولعلّه لما ذكرنا نفى البعد في المتن عمّا أفاده في هذه الصورة من تقديم بيّنة الخارج ، وإن كان في مقابل المشهور أقوال مختلفة ـ أنهاها النراقي في المستند مع القول المشهور إلى تسعة أو أزيد(1) ـ من تقديم بيّنة الداخل مطلقاً كما عن الشيخ في كتاب الدعاوى من الخلاف(2) .
وعن جماعة ترجيح الخارج إلاّ مع انفراد بيّنة الداخل بذكر السبب(3) ، وعن المهذب نسبة خلافه إلى الندرة .
وذهب بعضهم إلى تقديم بيّنة الداخل مطلقا إلاّ مع انفراد الخارج بذكر السبب(4) .
وعن بعضهم تقديم الأكثر شهوداً مع تساويهما في العدالة مع اليمين(5) .
وعن ابن حمزة الفرق بين السبب المتكرّر كالشراء والاتهاب والصّباغة ، وغير المتكرّر كالنتاج والنساجة(6) .
(1) مستند الشيعة: 2 / 587 ـ 589 .
(2) الخلاف: 6 / 329 ـ 332 مسألة 2 .
(3) كالشيخ في النهاية: 344 والتهذيبين والمبسوط: 8 / 294 ـ 295 وابن البرّاج في المهذّب: 2 / 578 والطبرسي في المؤتلف من المختلف: 563 مسألة 2 والعلاّمة في المختلف: 8 / 393 والمحقّق في شرائع الإسلام: 4 / 897 والشهيد الأوّل في غاية المراد: 310 (مخطوط) والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 3 / 108 ـ 109 .
(4) قواعد الاحكام: 2 / 233 ، مسالك الافهام: 14 / 84 ـ 85 ، ملحقات العروة الوثقى: 3 / 155 .
(5) المقنعة: 730 ـ 731 ، المقنع: 399 ـ 400 ، الفقيه: 3 / 39 ذ ح130 .
(6) الوسيلة: 219 .
(الصفحة315)
وعن جماعة تقديم بيّنة الخارج مطلقاً من غير رجوع إلى المرجحات ، ومن غير فرق بين ذكر السبب في البيّنتين أو في إحداهما أو عدم ذكره ، وعن الغنية الإجماع عليه(1) ، وهذا لا ينافي ما ذكرناه من الانجبار فتدبّر .
فإنّ ظاهر الجواهر والمستند أنّ المشهور هو تقديم الخارج إذا شهدتا بالملك المطلق مع التساوي في العدد والعدالة وعدمه ، والظاهر أنّ المشهور هو التقديم مطلقا من دون فرق بين ما إذا شهدتا بالملك المطلق وعدمه ، ويؤيّده دعوى الغنية الإجماع على كلاهما . فالظاهر أنّ المشهور هو الأمر الأخير وهو التقديم مطلقاً ، وعليه فلا يبقى ارتياب في الانجبار ، كما لايخفى .
وخلاصة الكلام في هذه الصورة أنّه مع اقتضاء القاعدة ما ذكرنا من تقديم بيّنة الخارج ، لابدّ في رفع اليد عن مقتضى القاعدة من نهوض دليل قويّ عليه ، ومع عدمه ـ فضلا عن وجود بعض ما يطابق القاعدة الموافق للمشهور ـ لا وجه لرفع اليد عنه ، كما لايخفى .
الصورة الثانية: ما إذا كانت العين في يدهما معاً . مقتضى القاعدة فيها التنصيف بلحاظ الأمرين اللذين ذكرناهما سابقاً ، وهما أنّ ثبوت يد اثنين على تمام مال واحد مرجعه إلى ثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، فيكون كلّ منهما داخلا وخارجاً معاً ، وأيضاً مقتضى تقديم بيّنة الخارج أو بيّنة الداخل ، فبيّنة كلّ واحد منهما مسموعة بالإضافة إلى النصف الخارج ، وغير مسموعة بالنسبة إلى النصف الداخل ، فلا محالة يحكم بينهما بالتنصيف على طبق القاعدة، كما أفاده في المتن ، وفي
(1) هذا هو الوجه الأوّل الذي ادّعى صاحب الجواهر الشهرة عليه .
(الصفحة316)
الشرائع الحكم بها بينهما نصفين(1) ، وأضاف إليه في الجواهر قوله: من دون إقراع ولا ملاحظة ترجيح بأعدليّة أو أكثرية ، بلا خلاف أجده بين من تأخّر عن القديمين الحسن وأبي علي ، بل صرّح غير واحد منهم بعدم الالتفات إلى المرجّحات الآتية في غير هذه الصورة(2) .(3)
وقد استدل المحقّق لما أفاده من التنصيف بما يرجع إلى ما ذكرنا من لزوم تقديم بيّنة الخارج على بيّنة الداخل بعد كون يد كلّ واحد منهما على النصف ، لكن في المسالك احتمال أحد أمرين آخرين في سبب التنصيف، حيث إنّه قال في محكيّه: لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين ، لكن اختلف في سببه ، فقيل: لتساقط البيّنتين بسبب التساوي ، وبقي الحكم كما لو لم تكن بيّنة . وقيل: لأنّ مع كلٍّ منهما مرجّحاً باليد على نصفها فقدّمت بيّنته على ما في يده ، وأضاف إليه قوله:
وتظهر الفائدة حينئذ في اليمين على من قضي له ، فعلى الأوّل ـ أي سقوط البيّنتين بسبب التعارض ـ يلزم كلاًّ منهما اليمين لصاحبه . وعلى الاخرين ـ القول بثبوت الترجيح باليد والقول بتقديم بيّنة الخارج ـ لا يمين لترجيح كلٍّ من البيّنتين باليد على أحدهما فتعمل بالراجح; ولأن البيّنة ناهضة بإثبات الحقّ على الثاني فلا يمين معها(4) .
ولكن حكي عن التحرير ، أنّه مع التصريح بكون السبب تقديم بيّنة الخارج ، قال: وهل يحلف كلّ واحد على النصف المحكوم له به ، أو يكون له من غير يمين .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 897 .
(2) رياض المسائل: 9 / 413 .
(3) جواهر الكلام: 40 / 410 .
(4) مسالك الأفهام: 14 / 81 .
(الصفحة317)
الأقوى عندي الأوّل مع احتمال الثاني(1) .
والظاهر أنّه مع ملاحظة القاعدة لا مجال لأقوائية الحلف; لأنّه مع تقديم بيّنة الخارج التي هي بيّنة المدّعي لا حاجة إلى ضمّ الحلف ، بعد كون البيّنة للمدّعي في الدرجة الاُولى ، واليمين على من اُدّعي عليه في الدرجة الثانية ، كما عرفت .
وأمّا مع ملاحظة الروايات، ففي رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة: أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما ، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده ، فأحلفهما عليّ (عليه السلام) ، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف ، فقضى بها للحالف الخ(2) . والظاهر خصوصاً بملاحظة الذيل أنّه مع حلفهما عقيب الإحلاف يتحقق التنصيف بينهما ، كما لايخفى . كما أنّ الظاهر ـ بملاحظة ذيلها المشتمل على حلف ذي اليد ، فيما إذا كانت الدابّة في يد أحدهما ، فأقاما جميعاً البيّنة ـ سقوط البيّنتين بالتعارض والرجوع إلى حلف ذي اليد ; لعدم خصوصية للتعارض والتساقط لهذه الصورة ، بل يمكن دعوى الأولويّة ، كما لايخفى وهو أحد الامور الثلاثة المتقدمة في سبب التنصيف ، وقد عرفت عدم تعدّد الروايات الواردة في الاختصام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)(3) ، والإحلاف إنّما هو مذكور في هذا الخبر الذي يكون سنده غير تامّ ، كما في الجواهر، حيث قال: وفي سنده ما فيه(4) ، لكن بعض الأعلام (قدس سره) عبّر عن الرواية بالمعتبرة(5) ، التي يراد بها الموثقة .
(1) تحرير الأحكام: 2 / 195 .
(2 و 3) تقدّمت في ص307 ـ 308 .
(4) جواهر الكلام: 40 / 412 .
(5) مباني تكملة المنهاج: 1 / 49 .
(الصفحة318)
ومنشأ الإشكال في سند الرواية وجود الحسن بن موسى الخشاب فيها . والمحكي عن النجاشي في حقّه أنّه من وجوه أصحابنا، مشهور(1) ، ويمكن أن يستفاد من هذا التعبير الوثاقة بل ما فوقها وإن لم يصرّح بالوثاقة; ولذا عدّ من الذين وصل المدح فيهم ولم يصرّح بوثاقتهم ، وهل يجوز الاستناد في الحكم المخالف للقاعدة إلى مثل هذه الرواية؟ الظاهر العدم .
وعليه فلا محيص إلاّ الأخذ بمقتضى القاعدة وهو عدم لزوم الحلف . ثمّ إنّ المخالف لأصل التنصيف في المسألة هما القديمان على ما عرفت في كلام صاحب الجواهر ، فإنّ ظاهر ابن أبي عقيل هو اعتبار القرعة ، التي هي لكلِّ أمر مشكل في خصوص ما نحن فيه; لأنّ التنصيف تكذيب للبيّنتين ، وظاهر ابن الجنيد أنّه مع تساوي البيّنتين تعرض اليمين على المدّعيين ، فإن حلف أحدهما استحقّ الجميع ، وإن حلفا جميعاً كانت بينهما نصفين ، ومع اختلافهما يقرع ، فمن أخرجته القرعة حلف وأخذ العين(2) .
ويردّهما ـ مضافاً إلى أنّه لا إشكال ولا شبهة هنا بعد اقتضاء القاعدة ـ ما عرفت من تقديم بيّنة الخارج بالنسبة إلى كلاهما الموجب للتنصيف ، وليس مبتنياً على سقوط البيّنتين بالتعارض حتى يقال: إنّ المتعارضين وإن لم يكونا حجّتين في خصوص مدلولهما المطابقي ، إلاّ أنّهما حجّتان بالإضافة إلى نفي الثالث ، الذي هو مدلولهما الالتزامي: وهو التنصيف في المقام . ومضافاً إلى الروايات الواردة في الودعي الدالّة على التنصيف ـ ففي مرسلة ابن المغيرة في رجلين كان معهما درهمان
(1) رجال النجاشي: 42 رقم 85 .
(2) مختلف الشيعة: 8 / 387 ـ 388 .
(الصفحة319)
الخ يقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين(1) . وفي رواية السكوني في رجل استودع رجلا دينارين ، فاستودعه آخر ديناراً ، لصاحب الدينارين دينار ، ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين(2) . إمّا بإلغاء الخصوصية ، وإمّا بالإطلاق الشامل لصورة إقامة البيّنة وغير صورة إقامة البيّنة ـ قيام الشهرة العظيمة(3) على التنصيف الجابرة لسند الرواية الدالّة عليه ، كما لا يخفى . فالقاعدة والنصّ والشهرة متطابقات، فتدبّر .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) بعد أن حكى عن الرياض أنّه نسب التنصيف إلى الأشهر ، بل عامّة من تأخّر إلاّ نادراً . حكى عنه أنّه قال: خلافاً للمهذّب ، وبه قال جماعة من الفقهاء ، فخصّوا ذلك بما إذا تساويا في الاُمور المتقدّمة كلّها ـ ومراده بالاُمور المتقدّمة تساوي البيّنتين عدداً وعدالةً إطلاقاً وتقييداً واختلافهما في ذلك ـ وحكموا مع الاختلاف فيها لأرجحها ، واختلفوا في بيان المرجّح لها ، فعن المفيد اعتبار الأعدليّة خاصّة هنا ، وإن اعتبر الأكثريّة في غيرها(4) ، وعن الإسكافي اعتبار الأكثرية خاصّة(5) ، وفي المهذّب اعتبارهما مرتّباً بينهما الأعدليّة فالأكثرية(6) ، وعن ابن حمزة اعتباره التقييد أيضاً مردّداً بين الثلاثة غير مرتّب
(1) التهذيب: 6/208 ح481 وص292 ح809، الفقيه: 3/22 ح59، الوسائل: 18 / 450 ، كتاب الصلح ب9 ح1.
(2) التهذيب: 6 / 208 ح483 وج7 / 181 ح797 ، الفقيه: 3 / 23 ح63 ، المقنع: 398 ، الوسائل: 18 / 452 ، أبواب الصلح ب12 ح1 .
(3) لم أجد عاجلا ادّعاء الشهرة العظيمة من أحد ، نعم ادّعى جماعة الأشهر كصاحبي المسالك والرياض .
(4) المقنعة: 730 .
(5) مختلف الشيعة: 8 / 388 عن الإسكافي .
(6) المهذّب البارع: 4 / 494 .
(الصفحة320)
بينها(1) ، وعن الديلمي اعتبار المرجّح مطلقاً غير مبيّن له أصلا(2) ، (3) .
ثمّ ذكر صاحب الجواهر: ولم أعرف نقل هذه الأقوال على الوجه المزبور فيما نحن فيه لغيره ، ثمّ حكى ما عثر عليه في المقنعة ، وما عثر عليه في النهاية ، وما ذكره ابن حمزة ، ثمّ قال: وعلى كلّ حال لا أعرف دليلا يعتدّ به على شيء منها على وجه يصلح لمعارضة ما عرفت(4) .
أقول: التحقيق في المسألة ما ذكرنا من تطابق القاعدة والنصّ والشهرة على التنصيف ، وأنّه لا دليل يعتدّ به على الإحلاف .
الصورة الثالثة: ما إذا لم تكن العين المتنازع فيها في يد أحد أصلا ، أو كانت في يد ثالث ، والمراد ما إذا لم يدّع الثالث لنفسه ولم يقرّ لأحدهما بالخصوص ، وفي هذا الفرض قال المحقّق في الشرائع: ولو كانت في يد ثالث قضي بأرجح البيّنتين عدالةً ، فإن تساويا قضي لأكثرهما شهوداً ، ومع التساوي عدداً وعدالةً يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه اُحلف وقضي له ، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له ، وإن نكلا قضي به بينهما بالسويّة(5) . وفي محكي الرياض نسبته إلى الأشهر بل عامّة متأخّري أصحابنا(6) ، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الشهرة(7) بل عن محكيّ الغنية
(1) الوسيلة: 218 .
(2) المراسم: 234 .
(3) رياض المسائل: 9 / 413 .
(4) جواهر الكلام: 40 / 414 ـ 415 .
(5) شرائع الإسلام: 4 / 898 .
(6) رياض المسائل: 9 / 417 ، إرشاد الأذهان: 2 / 150 ، اللمعة: 52 ، المقتصر: 383 ـ 384 .
(7) مسالك الأفهام: 87 ، كفاية الأحكام: 276 ، مستند الشيعة: 2 / 591 ، رياض المسائل: 9 / 420 ، وقد نسب هذا القول صاحب الرياض وغيره إلى جماعة كثيرة من المتقدّمين .
|
|