قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة61)
الروايات الدالّة على القاعدة
هناك روايات كثيرة في قاعدة نفي الحرج يمكن أن يستشهد بها في هذا الباب . وقيل : إنّ هذه الروايات في هذا المجال فيها تواتر معنوي . ويقصد بالتواتر المعنوي هو طرح مسألة نفي الحرج بتعابير وألفاظ مختلفة في هذه الروايات ، والمرحوم الميرزا الآشتياني (قدس سره) صاحب الحاشية الموسّعة على الرّسائل المسمّات بـ(بحر الفوائد) يدّعي التواتر المعنوي في الروايات .
الميرزا الأشتياني (قدس سره) من تلاميذ المحقق الشّيخ الأنصاري (قدس سره) المتفوقين ، وقد عثرنا على رسالة مختصرة منه (رحمه الله) في قاعدة نفي الحرج كتبها بقلمه الشريف ، وبعد أن يستعرض سماحته الروايات ، يدّعي أ نّ فيها تواتراً معنويّاً . ولا تستبعد أن تكون المسألة بهذه الكيفية وإن لم تكن هناك حاجة لاستشعار هذا التواتر ، لأ نّه من بين هذا العدد الكبير من الروايات ، هناك الكثير من الروايات الصحيحة والمعتبرة ، ورواية واحدة منها كافية للاستدلال ، فضلاً عن الروايات الصحيحة المتعدّدة ، فكيف إذا وصلت إلى حدّ التواتر؟
ومن الجدير بنا أن نبحث هنا بعض هذه الروايات .
الرواية الأولى
هناك رواية يرويها صاحب الوسائل «في أبواب الماء المضاف ، الباب التاسع ، الحديث الخامس» هذه الرواية صحيحة السند عن فضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام): في الرجل الجنب يغتسل فينتزح من الماء في الإناء؟
فقال (عليه السلام): «لابأس ، ما جعل عليكم في الدين من حرج»(1) .
1 . الوسائل 1: الباب 9 من أبواب الماء المضاف ، الحديث 5 .
(الصفحة62)
هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّنا في تعاملنا مع الروايات أحياناً لا ننظر في مورد الروايات ، ولكن ننظر إلى حكم الإمام ، فإذا قال (عليه السلام): لا بأس ، كما في هذا الرواية ، ثمّ علّلها بقوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} فهذا يكفي لأن يكون دليلاً على قاعدة نفي الحرج ، وبناءً على ذلك نستنتج أ نّ قوله : {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} يدلّ على نفي البأس في موارد الحرج ، ويدلّ على رفع الإلزام في موارد الحرج .
ولكن بالنسبة لمورد الرواية قد لا نحتاج أن نبحث مورد الرواية المسوقة في مقام الإستدلال على قاعدة نفي الحرج ، علماً بأنّ ملاحظة مورد الرواية قد يكون مؤثّراً في بعض الفروع التي ستطرح فيما بعد ـ إن شاء الله ـ ولكن بالنسبة لأصل القاعدة ، فلا ضرورة في مناقشة موارد الروايات .
ولكن وضوح معنى الرواية أمرٌ مهم ، وبناءاً على ذلك فمن الأفضل أن ندقّق في سؤال الراوي ونرى ما هي الموارد الذي حكم الإمام بنفي البأس عنها . وما هو الإشكال الذي حصل في ذهن الرواي ، والذي أراد الإمام حلّه بأن قال له: «لا بأس» .
ونشير إلى عنصر التدقيق في أصل نقل الروايات ، حيث كان للمرحوم السيّد البروجردي ـ أعلى الله مقامه ـ باعٌ كبير في هذا المجال ، فقد ذكرت الرواية بنفسها في الباب التاسع بعنوان الحديث الأوّل ، والراوي هو فضيل بن يسار ، مع وجود اختلاف في السؤال ، فبدل من قوله «ينتزح منه الماء» رويت هناك (ينتزح من الأرض في الإناء) ، فالرواية واحدة ، والرواي هو نفسه فضيل بن يسار . وهذه من ضمن الإشكالات المهمّة الموجّهة إلى صاحب الوسائل (قدس سره) ، فكثيراً ما حكم بتعدّد الروايات ، وهنا عرض روايتين: إحداهما بعنوان الحديث الأوّل ، والآخر تحت عنوان الحديث الخامس ، في حين أ نّ الراوي واحد ، وهو فضيل بن يسار ،
(الصفحة63)
والسؤال واحد ، كما أ نّ الجواب واحد أيضاً سوى أ نّه ورد في إحداهما «ينتزح من الماء في الإناء» . وفي الاخرى «من الأرض في الإناء» . وهذا يعني أ نّ الروايتين في الأصل رواية واحدة ، لكن الذين نقلوا من فضيل رواة كثيرون ، ولذلك اختلفوا في النقل . وهنا لابدّ أن نبحث في عبارة الرواية للاختلاف الموجود في النقل ، فمرّة ورد «ينتزح من الإناء» والاُخرى «ينتزح من الأرض في الإناء» .
ويمكن أن نشرح الرواية بصورتين:
إحداهما: أ نّ الشخص في حال غسل الجنابة إذا انتزح شيء من ماء الغسل في إناء الماء الذي يريد أن يكمل به غسله ، أو يريد أن يدّخر فيه الماء ليغسل به غسل الجنابة فيما بعد . هنا يوجد احتمالان في المسألة:
الإحتمال الأوّل: هناك مسألة في كتاب الطهارة مفادها: أ نّ ماء الوضوء والغسل يجب أن لايكون مستعملاً في رفع الحدث ، يعني إذا اغتسل الجنب وكان جسمه طاهراً . فتجمع ماء الغسل في حوض ، فهل يجوز لغيره أن يغتسل به؟ هنا الماء طاهر ، لكنّه استعمل في رفع الحدث الأكبر ، ولذلك فلايجوز للغير أن يغتسل به . أو يتوضّأ ، ومن هنا قد تكون الشبهة التي طرأت على ذهن السائل هي: إذا كان الجنب يغتسل فوقعت بعض قطرات ماء الغسل في إناء الماء [ هنا كلمة الإنتزاج تعني قليلاً من الماء] واستعملت هذه القطرات في إتمام الغسل ، فهل هناك ثمّة إشكال في الغسل ، وهل الغسل باطل ، أو لا؟
فيجيب الإمام (عليه السلام) بقوله «لا بأس» ، أي أ نّ وقوع قطرات من ماء الغسل في الإناء واستعماله في إتمام الغسل لا يقدح بصحّة الغسل . ثمّ يعلّل (عليه السلام) قوله هذا بالآية الكريمة «ما جعل عليكم في الدين من حرج» . هذا هو الإحتمال الأوّل الذي يمكن أن تحمل عليه الرواية .
الإحتمال الثاني: هو أ نّ الجنب قد يكون جسمه طاهراً كلّه ، وقد يكون فيه
(الصفحة64)
شيء من النجاسة . ولمّا كان جسم الجنب في أغلب الأحيان فيه شيء من النجاسة ، من هنا يأتي السّؤال ، وهو أ نّ الماء لاقى جسم الجنب فتنجّس ، ثمّ انتزح هذا القسم من الماء في الإناء ، لسقوط بعض قطرات الماء المتنجّس في الإناء الذي يستعمل للغسل ، فما هو الحكم الشرعي هنا؟ فيجيب الإمام (عليه السلام) «لا بأس» ويعلّل جوابه بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} .
ثانيهما: والآن لنرى ما الذي يعنيه السائل من سؤاله على ضوء النقل الآخر للرواية أي بناءً على القول بأ نّ الماء ينتزح من الأرض في الإناء . فالظاهر من السؤال أ نّ السائل شكّ في نجاسة الأرض بلحاظ أنّ إنساناً جنباً يغسل على هذه الأرض ، ولذلك يحتمل أن تلاقي قطرات الماء هذه الأرض المشكوك في نجاستها ، ثمّ تسقط بعد ذلك في الإناء . والسؤال هو: كيف نتعامل مع هذا الاحتمال؟ فيجيب الإمام (عليه السلام) ، لابأس ، ما جعل عليكم في الدين من حرج . إذن بناءً على النقلين ، يوجد هناك ثلاث احتمالات:
الأوّل: احتمال أ نّ الماء قد استعمل في رفع الحدث الأكبر .
الثاني: احتمال أن يكون جسم الجنب نجساً .
الثالث: احتمال نجاسة الأرض وملاقاة الماء لها .
فهل يمكن أن يجيب الإمام (عليه السلام) على هذه الاحتمالات الثلاثة بـ«لا بأس» ، ويعلّل جوابه بالآية الكريمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}؟ في حين أ نّ بعض هذه الاحتمالات لا تحتمل أن يجاب عليها بـ«لابأس» . وفي البعض الآخر يمكن أن يكون الجواب هو «لا بأس» لكن تعليل الجواب بالآية «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج» غير واضح .
أمّا بالنسبة للاحتمال الأوّل وهو سؤال الراوي عمّا إذا وقع شيء من ماء الغسل في الإناء ، هنا الجواب بـ«لابأس» صحيح ، ولكنّ التعليل بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ
(الصفحة65)
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} غير واضح وفيه إبهام ، لأ نّ قطرات الماء بعد سقوطها في الإناء تستهلك فيه ، وإذا استهلكت عندئذ لا يصدق أ نّه غسل بماء استعمل في رفع الحدث الأكبر .
إذن ، لو لم تكن هناك قاعدة لا حرج في الإسلام ، ولو فرضنا عدم وجود الآية: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} في هذا الحال إذا سقطت عدّة قطرات من ماء الغسل في إناء الماء ، فهل يبطل الغسل بماء الإناء ، ولماذا؟ فإذا قيل: نعم لا يجوز الغسل ، لأ نّه ماء استعمل في رفع الحدث الأكبر ، فيجاب: إنّ قطرات الماء هذه قد استهلكت في ماء الإناء ، واستعمال الماء الموجود في الإناء لا يسمّى استخدام الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر .
أمّا الاحتمال الثاني ، وهو أنّ الرواية ناظرة إلى تلك النجاسة التي غالباً تكون على جسم الجنب .
ففيه: أ نّ عدم التصريح بوجود النجاسة على الجسم يبّعد هذا الاحتمال . والمبّعد الآخر لهذا الاحتمال ، هو أ نّ المجنب يلزم عليه أن يُطهّر جسمه قبل أن يغتسل ، في حين أ نّ الرواية تفرض أ نّ رجلاً جنباً يغتسل ، فما المقصود من عبارة يغتسل؟ هل المقصود أ نّه يريد أن يغتسل لتشمل ما قبل الغسل ، أي تطهير الجسم؟
وإذا كان المقصود من عبارة «يغتسل» هو عمليّة الغسل بحدّ ذاتها ، حينئذ يفترض أ نّه طهّر جسمه قبل الغسل .
ونحن نبحث هذا الاحتمال ونناقشه ، بالرغم من أ نّ هناك مبعّدان لهذا الاحتمال . وبناءاً على هذا الاحتمال فإنّ جسم الجنب نجس ، ولذا لو سقط الماء المستعمل لطهارة الجسم في الإناء الذي يريد أن يغتسل به الجنب ، فما الحكم؟ يجيب الإمام (عليه السلام) بقول «لا بأس» فما هو المراد بـ«لابأس»؟ هل يعني أ نّ قطرات الماء ليست
(الصفحة66)
نجسة أبداً ، أو أ نّها نجسة ، ولكنّها لا تضرّ بالإناء؟ أيّهما نختار ؟ . فإذا قلنا : إنّ الإمام (عليه السلام)يقصد من وراء جوابه المتقدّم أ نّ هذه القطرات من الماء غير نجسة ، فما علاقة هذا المعنى بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} أي إنّنا إذا قلنا بأ نّ الغسالة ليست بنجسة فلا داعي للتمسّك بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} وإذا كان مبنى الإمام (عليه السلام) أ نّ هذه القطرات حال وقوعها في الإناء نجسة ، إلاّ أنّها لا تنجّس الإناء ، يواجهنا إشكال وهو أ نّ الإناء قد تنجّس ، فلا معنى لقوله: لابأس . لأ نّ الماء إذا كان قليلاً تنجّس . فهل تستطيع قاعدة الحرج أن تبيح الغسل بهذا الماء . أو أ نّه يتعيّن عليه التيمّم؟
هل يصحّ أن نقول بأ نّ الماء إذا تنجّس ولا يوجد ماء غيره ، فإنّ مقتضى الآية {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} سقوط شرط طهارة الماء . وبناءً على ذلك يجوز الغسل بالماء النجس؟ لا يقول بذلك أحد وحتّى ولو فرضنا أ نّ الماء القليل لاينفعل ، فإنّ التعليل بالآية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} لا محلّ له ، وغير وارد .
أمّا إذا قلنا بالاحتمال الثالث ، بناءاً على النقل الآخر لرواية فضيل بن يسار فهنا تتلّخص المشكلة في الأرض ، حيث يحتمل أن تكون هي النجسة ، ففي هذه الحالة ، الجواب بـ«لا بأس» صحيح ووارد في محلّه .
هنا تتحقّق إحدى مصاديق قاعدة الطهارة التي تقضي بالحكم بطهارة كلّ شيء مشكوك في طهارته ، فالأرض مشكوك النجاسة ، ولذلك فهي تدخل ضمن قاعدة الطهارة ، ويحكم بطهارتها ، ويتّضح من خلال ذلك أ نّ قاعدة الطهارة هي الأساس لقوله «لا بأس» ، والسؤال الآن: كيف يمكن أن نُبرّر استناد الإمام (عليه السلام) للآية {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} .
للإجابة على هذا السّؤال قد يقال: إنّ الآية تشكّل الأساس والأصل في تبلور
(الصفحة67)
قاعدة الطهارة ، أي أ نّ الله سبحانه وتعالى جعل قاعدة الطهارة لئلاّ يقع المكلّف في الحرج .
والإشكال الذي يرد على هذا الجواب هو أ نّ لسان قاعدة نفي الحرج لسان النفي ، وليس لسان الإثبات ، وأمّا قاعدة الطهارة فلسانها لسان إثبات طهارة كلّ شيء حتّى تعلم بنجاسته ، فهل من الصحيح أن نجعل قوله: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} والذي يفيد النفي دليلاً على مسألة ثبوتية وهي قاعدة الطهارة؟ وحتّى لو سلّمنا بذلك ، فإنّ النتيجة المترتّبة على هذا الأساس لا تفيدنا شيئاً ، حيث سيكون الأساس في هذا الترابط معلّقاً على قاعدة الطهارة .
وحتّى لو قلنا : إنّ بإمكاننا أن نتمسّك بعموميّة القاعدة ، لكن فيما يخصّ المورد فلا يمكن أن تعود علينا بأيّة فائدة ، لأ نّ قاعدة الطهارة ، تجري هنا . ومن المستبعد أن تكون الآية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ناظرة إلى قاعدة الطهارة ، فقاعدة الطهارة وإن كانت في الأصل مبتنية على أساس التسهيل وعلى أساس الشريعة السمحة السهلة ، وهذا المعنى بنفسه أي كون الشريعة سمحة وسهلة يُراد له فيما بعد أن يكون من الأدلّة على قاعدة الحرج ، أمّا أن نربط آية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} فيما يخصّ هذه الرواية بقاعدة الطهّارة ، فهذا أمرٌ لا يجوّزه العقل .
وعلينا أن نعود إلى أوّل نقطة إنطلقنا منها ، وهي إذا لم نستطع أن نحدّد دلالة الرواية بالشكل الصحيح على ضوء الاحتمالات التي استعرضناها ، ولاحظنا أ نّ بعضها غير صحيح أصلاً ، وبعضها الآخر لايستقيم معها التعليل بالآية ، نقول: فهل لنا أن نعود إلى نفس المعنى الذي أشرنا إليه مُسبقاً ، فالإمام أجاب بـ«لا بأس» ولا ندري كيف يمكننا أن نستفيد من هذا الجواب ، وهل أ نّ قوله (عليه السلام): لابأس ، يشكّل أصلاً فيما يخصّ فتوى الفقهاء؟ لاندري ، فما هو معلوم أ نّ الإمام (عليه السلام) نفى البأس
(الصفحة68)
وعلّل ذلك بـ {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ، وهذا التعليل العامّ فيما يخصّ نفي البأس دليل على وجود قاعدة تسمّى قاعدة نفي الحرج . ودليل على أ نّ الآية الكريمة حتّى في هذه الموارد الجزئية والفرعية أيضاً تأخذ مجراها أينما يوجد هناك مورداً حرجيّاً .
ولنا أن نتساءل هنا: هل يمكننا أن نقرّر هذا المعنى حتّى لو لم نطّلع على المعنى الواقعي للرواية؟
لأ نّ الاحتمالات الثلاثة الموجودة في الرواية لاتخلو من إشكال ، والإشكالات الموجودة فيها هي إشكالات مورديّة ، ولكن محور بحثنا ليس فيما يخصّ انفعال الماء القليل ، ولا في خصوص قاعدة الطهارة . ولا في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، فإذا قصرنا جهدنا في بحثنا الروائي على الموارد والمصاديق ، فوجود هذه الاحتمالات لاتسمح لنا أن نرجّح أو أن نستظهر ، ولكنّنا في غنى عن كلّ هذه الموارد ، فما نحن بصدده هو أن نتوصّل إلى قاعدة نفي الحرج من خلال هذه الرواية بغضّ النظر عن خصوصّية الموارد ، وبناءاً على ذلك فإنّ النتيجة التي نتوصّل إليها في هذه الرواية الصحيحة هي:
إنّ الحكم بعدم البأس في الاستدلال بالآية: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} يكفي بالنسبة لنا في ما نحن فيه ، وإن كان يُراد لتلك الروايات في مواقع اُخرى أن نبحث جزئيات وموارد الرواية بما فيها من اشكالات تتعلّق ببحثنا هذا ، فلعلّه لايوجد هناك أيُّ اشكال كما هو الحال في غيره .
الرواية الثانية:
من الروايات التي استدلّ بها هي الرواية المعروفة الواردة في أبواب الوضوء ، نقلاً عن الشيخ الطوسي (قدس سره) بسنده ، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): عثرت فانقطع
(الصفحة69)
ظفري ، فجعلت على أصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّوجلّ ، قال الله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} إمسح عليه(1) .
سند الرواية
سند الشيخ صحيح باستثناء الراوي الأخير وهو عبد الأعلى مولى آل سام . فأغلب الرجاليين باستثناء الكشّي (رحمه الله) لا يوثّقون المولى عبد الأعلى مولى آل سام هذا توثيقاً جيّداً . والمرحوم الكشّي (رحمه الله) ، عندما يصل الحديث إليه يروي رواية في مدحه ، والرواية ينقلها عن لسانه وهي أ نّ عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبدالله: إنّ الناس يعيبون عليِّ بالكلام ، وأنا اكلّم الناس .
فقال (عليه السلام): «أما مثلك من يقع ثمّ يطير فنعم ، وأمّا من يقع ثمّ لا يطير فلا»(2) .
ويفهم من الرواية أ نّ عبد الأعلى آل سام كان ضليعاً في علم الكلام ، وإذا كبا على الأرض فسرعان ما ينهض ويطير ، ولكن قد يستشكل على هذه الرواية أ نّ الراوي لها هو عبد الأعلى المولى آل سام نفسه ، لذا روايته هذه ليست حجّة .
ومن ضمن الرواة في سند هذه الرواية التي يذكرها الشيخ الطوسي (رحمه الله) هو ابن محبوب ، وهو من أصحاب الإجماع الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، ويصل عدد العصابة هذه إلى ثمانية عشر شخصاً ، يتوزّعون على طبقات مختلفة وأزمنة متفاوتة ، ويتميّز أصحاب الإجماع بخصوصيّة ، وهي : أ نّ الرّواية إذا وصلت إليهم صحيحة ، حينئذ لا حاجة إلى التأمّل لا في وثاقة هؤلاء ، ولا في الرواة الذين يروون عنهم . أي أ نّ أحدهم إذا روى عن الإمام (عليه السلام) بصورة مباشرة
1 . الوسائل 1: 464 ، الباب 39 من أبواب الوضوء ، الحديث 5 .
2 . اختيار معرفة الرجال ـ ص 319 ـ رقم 578 .
(الصفحة70)
فهو حجّة ، حتّى ولو كان بينه وبين الإمام (عليه السلام) وسيط واحد أو عدّة وسائط ، فلا داعي لإعمال الدّقة والنظر في الوسيط والوسائط ، ويكفي في ذلك أ نّ السند يصل مثلاً إلى ابن محبوب ، فإذا صحّ السند بالنسبة إلى من سبق ابن محبوب ، فلا داعي بعد ذلك إلى التأمّل فيه أو فيمن يروي هو عنهم .
ومن ضمن الذين يروي عنهم ابن محبوب في هذا السند هو عبد الأعلى ، وإذا أردنا توضيح معنى ما يقال عادة في خصوص أحد الرواة ، أو مجموعة من الرواة من أنهم معقد الإجماع ، فمعنى ذلك أ نّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن الجماعة ، فيلزم ذلك أن نعتبر هذه الرواية صحيحة السند بلحاظ أنّ ابن محبوب في سند هذه الرواية ، وسند الرواية إلى أن يصل إلى ابن محبوب صحيح أيضاً ، ومن ابن محبوب فصاعداً لا يحتاج إلى تفحّص .
أمّا إذا لم نلتزم بهذا المعنى ، باعتبار أ نّ ما ورد في كتاب رجال الكشّي في خصوص من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم لا يفيدنا أكثر من أ نّ هؤلاء متّفقٌ على وثاقتهم ، بخلاف بقية الرواة ، حيث إنّ وثاقتهم غير محرزة ، وقد يؤيّد البعض وثاقتهم ، والبعض الآخر يختار الصمت إزائهم ، أو يكونوا مختلفٌ فيهم ، أمّا في خصوص أصحاب الإجماع ، فلا أحد يشكّ في وثاقتهم .
إذن معنى «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة» هو أ نّ الرواية إذا وصلت صحيحة إلى أصحاب الإجماع فعليكم أن لا تشكّوا فيهم ، لأ نّهم قد احرزت وثاقتهم ، إذا ألتزمنا بهذا المعنى لأصحاب الإجماع ، يلزم أن تكون رواية عبد الأعلى مولى آل سام غير صحيحة بالضرورة ، حتّى ولو كان ابن محبوب والذي يُعدّ من أصحاب الإجماع من ضمن سند الرواية .
ومن هنا تتّضح لدينا نظرّيتان ، وظهر لي من خلال التحقيق أ نّ القول الأوّل هو الأصوب ، أو فقل : هو أكثر شهرةً من القول الأوّل ، أي أ نّ ميزة أصحاب
(الصفحة71)
الإجماع لا تقتصر على أنفسهم فحسب ، بل إنّ من ينقل عنهم أيضاً يمتازون بمميزاتهم ، يعني أ نّ رواياتهم تكون صحيحة .
البحث في دلالة الرواية
هذه الرواية تمتاز عن بقية الروايات الاُخرى بميزة ، وهي أ نَّ الإمام (عليه السلام) يصرّح على أ نّه مع وجود الآية وهو قوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} لم تكن هناك حاجة للسؤال ، وكان عليك أيّها السائل أن تستعين بكتاب الله في التوصّل إلى حكم هذه المسألة . وهذا مالم نشهده في الروايات الاُخرى ، فقد يرد استشهاد في غيرها من الروايات بقول الله تبارك وتعالى ، ولكن ليس بالدرجة التي يفقد بوجودها السؤال معناه . وهذا يكشف عن أ نّ الآية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} فيها معنىً عرفيّاً واسعاً لا يحتاج إلى تفسير ، وأ نّ معناها بدرجة من الوضوح والظهور بحيث إنّ الإنسان إذا التفت إلى هذا المعنى ، يمكنه أن يستخرج أحكاماً لمصاديق الحرج هذه بنفسه .
نتيجة القول: إنّ هذه الرواية صالحة للاستدلال بغضّ النظر عن سندها ، وكما قلت ، فإنّ دلالة هذه الرواية هي على موردها .
وهناك عدَّة ملاحظات فيما يخصّ جوانب الرواية ، إحدى هذه الملاحظات هي أ نّ الإمام (عليه السلام) بعد أن قرأ قول الله تبارك وتعالى ، قال إمسح عليها ، أي إمسح على الجبيرة ، والسؤال هنا: هل هذا الحكم الإثباتي استفيد من قوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} أو أ نّ الآية الكريمة ـ كما سنوضّح ذلك إن شاء الله ـ تريد أن تنفي الإلزام أو الوجوب أو التحريم ، ولكن نفي الآية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} لايستفاد منها أمراً لزوميّاً معيّناً ، ففي الآية التي تطرَّقنا إليها سابقاً {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج} قلنا : إنّ هذه الآية لا علاقة لها
(الصفحة72)
بإيجاب التيمم ، إنّما لها مدخلية في نفي وجوب الوضوء ، فمن لم يجد ماءً لا يجب عليه الوضوء لقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج} وهنا لابدّ أن نتصور معنى مشابهاً لذلك المعنى ، أي أ نّ هذا الشخص قبل أن ينقطع ظفره كان واجباً عليه أن يمسح على البشرة ، ويقصد بالبشرة نفس الأظفر . وهو جزء من القدم ، وبالتالي جزء من الجسم ، فمسح البشرة كان واجباً عليه ، والآن حيث انقطع الظفر وضُمَّد محل الجرح ، فإنّ بقاء وجوب المسح على البشرة مستلزم للحرج ، من هنا فإنّ الآية {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} تنفي وجوب المسح على البشرة ، ويرتفع بذلك الوجوب الذي كان ثابتاً على المكلّف قبل أن يعثر .
والسؤال هو: بأيّ دليل توجب المسح على القماش؟ فهل استند في صدور هذا الحكم إلى آية نفي الحرج ، أو أ نّ هذا الحكم مبتن على قاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور» ؟ .
بيّن المرحوم الشّيخ الأنصاري ـ أعلى الله مقامه ـ في كتاب الرسائل كيفية الاستدلال بآية الحرج مع كون المسح على الجبيرة أمرٌ لازم ، فيقول: لو انقطع الظفر ولم يكن الحكم قد صدر في هذه المسألة بعد ، لكان المسح على المكلّف أمراً واجباً . وفي المسح يوجد هناك لحاظان:
أحدهما: إمرار اليد على المحلّ .
والآخر: هو أن يكون للمحلّ بشرة ، أي أن تمر اليد على البشرة مباشرةً ، ثمّ يقول: والآن حين انقطع الظفر ، فأيُّ من هذين الحكمين اللزوميين ـ لزوم إمرار اليد على المحلّ ولزوم كون المحلّ هي البشرة ـ هو من باب الحرج ، وباعتقادنا فإنّ الحرج يكمُن في اللحاظ الثاني ، وهو مباشرة البشرة ، ووقوع اليد على البشرة يستلزم الحرج ، أمّا أصل إمرار اليد على المحلّ بغضّ النظر عن إمرار اليد على البشرة لايكون حكماً حرجيّاً ، ولا يكون إلزاماً موجباً للوقوع في الحرج .
(الصفحة73)
إذن ، في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى قاعدة (الميسور لايسقط بالمعسور) وما شابهها ، فنفس المسح الاختياري ينحلّ إلى حكمين لزوميّين ، وأحد هذين الحكمين اللزوميين يوجب الحرج ، وتدخل في الآية: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}يقول مباشرة: (إمسح عليه ، أي على المرارة) من باب أ نّ المسح على المرارة يتحقّق معه شرط إمرار اليد .
وقد أشكل البعض على الشيخ بأ نّه ليس بمقدورنا أن نحلّل الحكم بلزوم المسح إلى حكمين عرضيين ، فإمرار اليد إنّما هو مقدّمة للمسح على البشرة ، وصحيح أ نّهما حُكمان ، أحدهما يعتبر مقدّمة للآخر ، فإذا رفعت الآية الكريمة ذا المقدّمة ، فإنّ وجوب المقدّمة يرتفع لوحده ، لأ نّه معلّق بشكل كامل على وجوب ذي المقدّمة ، ولأ نّ وجوبها تبع لوجوب ما كانت مقدّمة لأجله .
ولكن هذا الإشكال غير صحيح ، لأ نّه كما لاحظنا في باب الوضوء بالنسبة للأعضاء التي يجب غسلها كالوجه واليدين ، لايشترط في غسلها آلة خاصّة ، حيث يصح للمكلّف أن لا يستخدم يدهُ عند الوضوء ، كأن يصبّ الماء على وجهه بواسطة إناء ، وكذلك على اليد اليمنى واليد اليسرى ، فلا مانع من ذلك ، لأ نّه يشترط في الغسل غسل الوجه ، ولكن بأيّ طريقة تتحقّق عملية الغسل ، فهذا غير مهمّ ، فيمكنه أن يتوضّأ وضوءً إرتماسياً ، ولكن في غسل الوجه عليه أن يبدأ من الأعلى إلى الأسفل ، وأن يراعي الترتيب ، وأن يغطس يديه من الأعلى إلى الأسفل ، فالمهمّ في الوضوء غسل الوجه والكفّين بأيّ شكل كان .
أمّا بالنسبة للمسح ، فهل المراد هو إيجاد رطوبة على الرجل ، أو أ نّ حقيقة المسح ومفهومه هو نفس إمرار اليد ، فبالنسبة للوضوء توجد هناك قرينة على أ نّ إمرار اليد له مدخلية في ماهيّة المسح ، إذ لا معنى لأن نقول : إنّ الإمرار باليد هو مقدّمة وقوع الرطوبة على بشرة الرجل أو على بشرة الرأس ، ومن هنا نلخص إلى
(الصفحة74)
القول بأ نّ إمرار اليد نفسه له أصالة وموضوعيّة ، والشرط في المسح أن تكون يدك مرطوبة .
إذن نعود ونؤكّد بأ نّه لايصحّ أن نقول بأ نّ إمرار اليد هو مقدّمة في باب المسح ، لأ نّ هذا المعنى لايلائم مع حقيقة المسح ، ولا يلائم مع قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} لأ نّ نفس عمليّة إمرار اليد لها مدخليّة في ماهيّة المسح ، بخلاف ماهية الغسل والذي يتحقق بغسل المحلّ بأيّ نحو كان .
إذن هناك فرق بين المسح وبين الغسل ، وليس بمقدورنا أن نفرض موضوع إمرار اليد مقدّمة في باب المسح ، أي أ نّ الغرض ليس إيصال رطوبة من الوضوء إلى الرأس وإلى الرجلين ، وإنّما الهدف هو تحقّق عنوان المسح ، ومن هنا يتّضح صحّة بيان المرحوم الشيخ الأنصاري (قدس سره) في هذا الخصوص حيث يقول: إنّ الآية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} يستفاد منها حكمان لزوميان .
أحدهما: إمرار اليد ، ويستفاد هذا المعنى من الروايات والقرائن الخارجيّة .
والثاني: أ نّ ذاك المحل يجب أن يكون على بشرة ، كأن يكون بشرة الرأس وبشرة الرجلين .
إذن بعد أن أصبح قيد البشرة مستلزماً للحرج ، لانقطاع الظفر ووجود المرارة على المحلّ حيث لايمكن أن نرفع المرارة ـ قطعة الضماد والدواء الموضوع على محلّ الحرج ـ فإنّ هذا القيد ينتفي بواسطة الآية الكريمة: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ، وأمّا أصل قوله تعالى «إمسحوا» فيما يخّص الوضوء الذي تتحقّق فيه حقيقة المسح وهي إمرار اليد فهو أمرٌ باق .
والإشكال الآخر الذي يشكل به على هذه الرواية ويحتاج إلى بحث ومناقشة ، هو أ نّ المسح على الرجلين يختلف عن المسح على الرأس ، فبالنسبة للمسح على الرأس لايلزم الاستيعاب ، لا طولاً ولا عرضاً ، ويكفي في ذلك أن
(الصفحة75)
يصدق مسمُى المسح ، أمّا بالنسبة لمسح الرجل تقول الآية: {وَأَرْجُلَكُمْ} . فهنا أرجلكم معطوفة على الجار والمجرور ، أيّ أ نّ حرف الجرّ وهو «الباء» لم يدخل على كلمة «أرجلكم» وكما قلنا فإنّ المسح على الرجل يختلف عن المسح على الرأس في استيعاب تمام الرجل طولاً عند المسح ، ولايكفي أن يمسح المكلّف على ظفره ، والاستيعاب عند المسح طولاً يتحقّق بأن يمسح إلى الكعبين ، أمّا بالنسبة للإستيعاب في المسح عرضاً فهو غير لازم وإن كان مستحبّاً ، فالمكلّف عليه أن يمسح من رأس أحد أظافره ـ ولنفرض أظفر الأصبع الإبهام ـ إلى الكعبين ليتحقّق الإستيعاب الطولي وأمّا بالنسبة لبقيّة الأظافر فلا يلزم أن يمسح عليها .
والإشكال هو: أ نّ عبد الأعلى لمّا قال: انقطع ظفري ، فهل يقصد جميع أظافر رجله؟ الواقع أ نّ ظهور الرواية لايعطي هذا المعنى ، أضف إلى ذلك أ نّ الإنسان عندما يعثر ويسقط على الأرض ، قد ينقطع له ظفر واحد أو ظفرين ، لا كلّ أظافره ، وبعد أن انقطع ظفرٌ أو ظفران من رجله ووضع عليه المرارة ، لماذا أمرهُ الإمام (عليه السلام)بأن يمسح على المرارة ولم يأمره بأن يمسح على بقية أظافره؟ فإنّ المسح بالنسبة لبقيّة الأظافر يمكن أن يتحقّق بتمام معناه ، كما أ نّه لا يشكل على المكلّف أيّ نوع من الحرج ، فإذا قلنا بأنّ الرواية تشير إلى انقطاع جميع أظافر الرجل ممّا أدّى أن تضمد المنطقة كلّها ، فهذا خلاف الظاهر ، مضافاً إلى ذلك أ نّ العثرة والسقوط على الأرض عادة لا تستوجب ذلك ، وإذا قلنا بأ نّ ظاهر الرواية يدلّ على أ نّ بعض أظافر رجله قد انقطعت وليس كلّها ، فالحكم الشرعي هو أن يمسح على بقيّة أظافره ، وهو بوسعه أن يفعل ذلك ، وليس فيه أيّ نوع من الحرج .
قد يقال في مقام الجواب: إن الرّواية غير ناظرة إلى أظفار الرجل، بل موضوعها هو أظفار اليد ، حيث يلزم في غسل اليد استيعاب تمام الأجزاء من المرفق وحتّى أطراف الأصابع ، أي أ نّ في قول الإمام (عليه السلام) «إمسح عليه»
(الصفحة76)
استبدل حكمان .
أحدهما: الغسل حيث استبدل بالمسح .
والآخر: هو البشرة ، حيث استبدلت بالجبيرة ، فهنا تمّت إلغاء حكمين شرعيين نظراً للحرج: الغسل ، ولزوم كون الغسل على البشرة ، لأ نّه بعد أن نضع الضماد فإنّ غسل هذا الضماد تبعاً لوجوب غسل اليد يستلزم الحرج ، لذلك يتبدّل الغسل إلى المسح والبشرة إلى الجبيرة .
ولكن هذا التغيير للرواية يحوي الكثير من المبعّدات:
أوّلها: أ نّ التعثّر إنّما يتعلّق بالرجل لا باليد .
ثانياً: السؤال لم يتضمّن أيّة إشارة إلى هذا المعنى ، وكان لازماً على المجيب على الأقلّ أن يقول بأ نّ الرواية فيها إطلاق ، لا أن ويحملها على خصوص ظفر اليد .
وثالثاً: يظهر من قول الإمام (عليه السلام) «إمسح عليه» أنّه (عليه السلام) لايريد أن يحدث تبديلاً في الحكم ، فكلمة «عليه» فيها دلالة كبيرة على أن يكون المسح على المرارة بدلاً من المسح على البشرة ، أمّا أن تتضمن الرّواية على تغيّر حكمين ، أحدهما: حلول المسح بدلاً من الغسل ، والثاني: أن تكون المرارة محلاًّ للمسح بدلاً عن البشرة ، فهذا مستبعد ، وبالتالي فإنّ حمل الرواية على أ نّها ناظرة إلى ظفر اليد غير صحيح ومستبعد جدّاً .
قد يقال: ما هو الخلل في هذا المعنى ؟ أو ليس أ نّ الفقه يقرُّ هذه المسألة وهي أنه إذا جُرحت اليد ، فإنّ الوضوء حينئذ يسمّى بوضوء الجبيرة ، ويمسح على الجبيرة؟
فنقول: هذا صحيح ، لكن لا علاقة له بهذه الرواية ، لأ نّ الرواية تقول: يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ، فبالنسبة لظفر اليد إذا انقطع ووضعت عليه مرارة ، فإنّ ما يعرف في هذه الحالة من كتاب الله هو أ نّ غسل هذه البشرة غير واجب ، لأ نّه
(الصفحة77)
حرج وعسرٌ ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل ، فهذا مالا نستطيع أن نعرفه من كتاب الله ، فلولا هذه الرواية ، وكنّا نحن وآية الوضوء ، وآية نفي الحرج ، وانقطع ظفر يدنا ووضعنا عليه مرارة بحيث كان من الصعب أن نزيل المرارة ونغسلها حيث تسبّب لنا نوعاً من الحرج ، فهنا الوقوع في الحرج الحاصل من الغسل معناه أ نّ الغسل ليس بواجب ، أمّا وجوب المسح ، فهذا مالا نجدهُ في كتاب الله ، مهما دقّقنا وأمعنّا النظر .
وأقصى ما نجد في كتاب الله تعالى هو أ نّ الغسل والمسح حقيقتان مختلفان ، وليس المسح المرتبة النازلة من الغسل ، ولذلك عندما يسأل الفقيه في باب الوضوء ، عن حقيقة الوضوء ، فيقول: هو غسلتان ومسحتان ، فللمسح ماهيّة وللغسل ماهية اُخرى ، وليس المسح من مراتب الغسل ، ولمّا كان الغسل يوجب الحرج ، حينذاك يرتفع الغسل ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل فإنّه يطلب دليلاً خاصّاً ، ونحن قد استفدنا هذا المعنى من الروايات الاُخرى من غير روايات الحرج ، ومن دون أن نجمع بين آية الوضوء ودليل نفي الحرج . حيث توجد روايات خاصّة وحكم تعبديّ خاصّ فيما يخصّ ظفر اليد فهنا الغسل يتبدّل إلى المسح ، لا أ نّ التبّدل يعرف من كتاب الله ، فهذه المسألة لا يمكن أن نعرفها من كتاب الله .
إذن ، بناءً على قوله: (إمسح على المرارة) لايبقى هناك أدنى شكّ في أ نّ موضوع السؤال هو أظفار الرجل بالإضافة إلى ما قرأناه في أوّل الرواية ، حيث يقول الراوي : (عثرت) فمن خلال كلمة «عثرت» يتبادر إلى الذهن أ نّ المراد هو ظفر الرجل .
وهنا لقائل أن يقول: هذا المعنى نحصل عليه من خلال النظرة البدوية ، ولا دليل لدينا يدعم هذا المعنى .
(الصفحة78)
نقول: دليلنا على ذلك هو قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فهو قرينة على أ نّ الظفر ، ظفر الرجل .
إلاّ أنه كيف نواجه الإشكال هذا ، وهو إذا أنقطع ظفر واحد أو اثنين ، ووضعت على المحلّ مرارة ، فلماذا يكون المسح على المرارة ولا نمسح على بقيّة الأظفار؟
وفي معرض الرّد على هذا الإشكال نقول: إنّ علينا أن نحمل الرواية بلحاظ هذه القرينة الخارجيّة على أ نّ أظفار الرجل الواحدة قد أنقطعت أثر التعثّر ، بحيث لايمكن للمكلّف أن يمسح على أيّ أظفر ولا على بشرة أيّ من الأظافر ، وللعمل بالآية: {فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} لابدّ للمكلّف من المسح على المرارة في الخارج .
وهذه النقطة هامّة ودقيقة تُرشدنا إلى تفسير الرواية بهذا المعنى .
وهنا نورد مؤيّداً آخر على أ نّ المراد هو ظفر الرجل لأظفر اليد ، وذلك برفع اشكال آخر يرد على الرواية ، فقد أشكل البعض بأ نّ الرواية عندما تصرّح بـ«إمسح على المرارة» فإنّ مورد الرواية هذا ليس فيه خصوصيّة معيّنة ، ويلزم عن هذه أمرٌ لايلتزم به أحدٌ من الناس ، فلو كان الإنسان مريضاً ، بحيث يضرّ الماء به ، فما المانع من أن يتوضّأ على القميص ، ويمسح عليه ، فهل يوجد هناك فقيه يفتي بذلك ، يعني إذا أضرَّ الماء بشخص فلماذا ينتقل من فرض الوضوء إلى فرض التيمّم ، لماذا لا يتوضّأ على القميص كما قال الإمام (عليه السلام) إمسح على المرارة . هنا أيضاً يكون الفرض أن يمسح على اليد ، لأنّه ما الفرق بين أن يمسح على المرارة وعلى القميص ، ألم يكن حكم الظفر هو وجوب الغسل؟ ألم يتوجب في بادئ الأمر غسل البشرة ، وقد انتقل الحكم إلى المسح على المرارة؟ إذن بالنسبة لهذا الفرض ، لماذا لايصحّ لنا أن نأمر المكلّف بأن يمسح على القميص؟ فما الفرق بين المسح على المرارة
(الصفحة79)
أو المسح على القميص؟
والجواب: هو أ نّ قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فسّرت بشكل مغلوط ، حيث إنّ الأمر بالمسح على المرارة لم يكن بالنسبة لظفر اليد ، فلو كان بخصوص ظفر اليد ، لكان للإشكال هذا مدخليّة ، لأ نّه لا فرق بين أن يقال للمكلّف : «إمسح على المرارة» أو «إمسح على القميص» ، لأ نّ الغسل على البشرة فيه حرجٌ .
إذن يرد هذا الإشكال إذا قلنا بأ نّ موضوع الرواية هو أظفار اليد ، وأمّا إذا أرجعنا قول المعصوم (عليه السلام) «إمسح على المرارة» إلى ظفر الرجل ، فإن عمليّة المسح باقية بقوّتها ، وإنما الّذي يتخصّص به الحرج هو المباشرة وإمرار اليد على البشرة لما فيها من الحرج .
وأمّا إذا قررّنا أ نّ قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» هو في خصوص ظفر الرجل ، فهل هذا يستلزم أن نقول بالمسح على القميص أيضاً ؟ فالملاك في إمسح على المرارة بالنسبة لظفر الرجل والمسح على القميص في غسل اليد واحد ، أو أ نّ في المسح على المرارة بدل الظفر هناك حكم واحد قد تغيّر ، وهو المسح على البشرة ، أمّا ماهيّة المسح فهي باقية .
ولقائل أن يقول: بغضّ النظر عن الرواية ، فإن أيّ شخص إذا انقطع ظفره ووضعت عليه المرارة يكون صدور الحكم بالمسح على المرارة هو حكم خاصّ ، وله روايات خاصّة ، وهناك روايات خاصّة في المسح على الجبيرة ، وهذه الرّوايات الخاصّة لاتفيد بأ نّ المريض يمكنه أن يمسح على القميص ، ولكن في خصوص هذه الرواية ، أي رواية عبد الأعلى مولى آل سام يمكننا أن نُسند هذا المعنى إليها . فالرواية تفيد العموم ، لأ نّها لم تذكر خصوصيّة معينّة لظفر اليد ، وإنّما قالت: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله .
وهكذا ، فإن رواية عبد الأعلى مولى آل سام وإن لم نستطع أن نحرز جانب
(الصفحة80)
السند فيها ، لكنّها من حيث الدلالة والمعنى رواية واضحة ومعتبرة ، وتتفرّد هذه الرواية عن غيرها من الروايات بميزة وهي قول الإمام بأنّه: لا حاجة لمثل هذا السؤال: لأ نّكم بإمكانكم أن تستفيدوا هذه المسألة من آية نفي الحرج ، وهذا أبلغ وأرفع درجة من مجرّد استشهاد الإمام بآية نفي الحرج .
وفي هذا المجال توجد هناك عدّة روايات نستشهد بواحدة منها في خصوص معنى الحرج والتي نحتاج إليها فيما بعد .
رواية قرب الإسناد
عبدالله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد ـ وكتاب قرب الإسناد ، كتاب صغير ، وقد طبع هذا الكتاب في زمن المرحوم السيّد البروجردي (قدس سره) ، والسبب بتسميته بـ«قرب الإسناد» هو أ نّ رواته قليلون ـ عن مسعدة بن زياد وهذا الراوي من الثقات .
قال مسعدة . . . عن جعفر عن أبيه عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: «مما أعطى الله أمتي وفضّلهم على سائر الاُمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطهم إلاّ نبيّ . . . .»(1)وفي بعض النسخ وردت العبارة بصورة مغلوطة ، وهي: لم يعطها الأنبياء ، والصحيح: لم يعطها إلاّ الأنبياء ، أو لم يعطها إلاّ نبيّاً . أحد هذه الخصال هو رفع الحرج ، وذلك أ نّ الله تبارك وتعالى ، كان إذا بعث نبيّاً قال له: اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، أيّ أن الإجتهاد يجب أن لايوقعك في حرج ومشقّة ، وهذه من خصائص الأنبياء السابقين . ولكن بالنسبة إلى اُمم هؤلاء الأنبياء كان هناك حرج في التكليف ومشقّة .
1 . قرب الإسناد: 84 .
|
|