قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة281)
كربلاء وقافلة الأسرى . وإذا أردت أن تقف على هذا المعنى فتأمّل ما قاله يزيد بعد شهادة الحسين (عليه السلام) وهو يقارن بينه وبين الإمام: «فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندّاً»(1) . لاشكّ أنّ يزيد ينطق بذلك خداعاً ، فهو لا يؤمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّ الحادثة اضطرّته إلى ذلك ليثني على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ فقد أنشد:
لعبت هاشمٌ بالملك فلا |
خَبَرٌ جاءَ ولا وحيٌ نَزَلْ |
لَستُ من خَندف إن لم أنتقم |
من بني أحمد ما كان فَعَل(2) |
نعم ، كلّما قام زُعماء الدين وإن قتلوا ومن معهم من أتباعهم فإنّ أهدافهم ومشاريعهم دخلت حيّز العمل والتطبيق ، غاية ما في الأمر أ نّ ذلك يستتبع التضحية والفداء وفقد الأحبّة ، وإلاّ فالشهادة هي تحقيق الهدف ، لقد استشهد الحسين (عليه السلام) إحياءً للسنّة ، وحقّاً كان إحياؤها بشهادته ، لو لم ينهض الإمام ويتحمّل بصبر تلك المصائب وقتل الأحبّة وسبي النساء ، لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ، ومن القرآن إلاّ رسمه ولعلا صرح يزيد وعبيدالله وتحطّم صرح الدين ، نهضة الحسين (عليه السلام) وتضحياته العظيمة هي التي حالت دون بلورة خطط يزيد ، بل نهضة الحسين (عليه السلام) فضحت حكومة بني اُميّة وعرفت الاُمّة بشخصية يزيد ، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أثبتت أصالة الإسلام وحفظت القرآن . وهذا غيض من فيض آثار تلك الشهادة في أوائل واقعة كربلاء الأليمة .
معطيات الحادثة بعد وقوعها:
ربّما لا ينضب الحديث في هذا المجال ، فالمدرسة الحسينية مدرسة الحرية
(1) تاريخ الطبري 4: 355 .
(2) تقدم في ص 207 .
(الصفحة282)
والتحرّر ، وكلّ ثائر في الإسلام إنّما يستصغر شأنه ودمه مقارنة بالحسين (عليه السلام) واستمداداً للعزم منه . المدرسة الحسينية مدرسة الشرف والشجاعة والمساواة والتضحية من أجل إنماء شجرة الإسلام ، لقد تعلّم شهداء المدرسة الإسلامية دروس الفداء والتضحية من هذا الرجل الربّاني أبي الأحرار والثورة ، والتأمّل في الحديث القائل بأنّ كلّ مسجد إنّما بني بفضل دم شهيد سفك لا يفيد سوى الإقرار والشهادة على صحّة هذا الحديث ، فما المساجد والمعابد التي تشكّل مراكز العبودية إلاّ قبسات من شعاع الحسين (عليه السلام) وتضحياته الحسام ، لقد استشهد الحسين (عليه السلام) ، أمّا الإسلام فقد التقط أنفاسه وتجدّدت حياته .
نعم ، إنّما أحرقت خيام الحسين (عليه السلام) لتُقام خيام الإسلام التي تنشر معارف الدين وأحكام القرآن إلى يوم القيامة ، لقد أصبح الحسين (عليه السلام) والإسلام اليوم بمثابة «الصورة والمادّة» وصار الحسين (عليه السلام) هو الفصل المميّز للإسلام .
الحسين (عليه السلام) والإسلام:
لا يسع الأحرار من محقّقي الأديان ومفكّريها في بحثهم لحقيقة الدين إلاّ من خلال الإمام الباذل لمهجته ، وقد تعرّفت الدنيا اليوم ومن خلال دراستها لحادثة كربلاء على منهج الإسلام ومفاهيم هذا الدين الحنيف ، فكانت بركة بطلها هذا التشيّع الذي ساد وما زال يسود كافّة بقاع الأرض ، فقد عاش المذهب الاثناعشري ردحاً من الزمن حياته خلف الحُجب ولم يستطع الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) من التعرّض علناً لمسألة من مسائله على أساس فقههم دون اللجوء إلى التقيّة والحذر من العدوّ ، بينما غدا ببركة الحسين (عليه السلام) مذهباً رسمياً يظهر ملايين البشر من خلاله تشيّعهم ليمارسوا حياتهم وتعاليمهم بالانضواء تحت لواء الإمام الصادق (عليه السلام) زعيم المذهب .
(الصفحة283)
وبالطبع ، لا يمكن أن تورق ثمار هذه الشجرة التي نبتت عروقها من دم الحسين (عليه السلام) على مدى الزمن القريب ، ولا ينبغي الظنّ بأنّ صرخة الإمام كانت من أجل إنقاذ تلك الثلّة في ذلك الزمان المحدود ، أفلا تعلمون أنّ الإمام (عليه السلام) عظيم وعملاق وعلى سعة من الفكر بحيث يستوعب مليارات الأفراد على مدى تقادم الزمان ، وهذا سرّ تسطيره لتلك الحادثة .
وليت شعري أيّ منطق هذا الذي دعا المؤلّف للخوض في فوائد حادثة كربلاء في ذلك الزمان؟ ليخلص إلى أنّها أدّت إلى زيادة شوكة يزيد وحبس الأنفاس في الصدور وذلّة الاُمّة وهوانها تجاه السلطة الأمويّة الغاشمة!
فإذا كان الأمر كذلك ، فقل قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) لمعاوية في صفّين قد أذلّ المسلمين وسبّب هوانهم ، وعلى ضوء استنتاجك فإنّ صفّين وجّهت صفعة أقوى للإسلام ، وجرّت عليه الضرر الأكبر إذا ما نظرت إلى عدد القتلى وفقدان الأولياء وظهور فتنة الخوارج ، وأخيراً تفاقم قدرة معاوية واستحكام خلافته دون منازع!!
وهنا يمكنك القول بأنّ علياً (عليه السلام) قد خاض قتال معاوية قسراً ، ولم يكن جهاده ابتدائياً بل كان دفاعاً عن النفس!
ولنا أن نسأل: أليس عليّ إماماً مفترض الطاعة ومصوناً عن الخطأ وعالماً بالأحداث؟ أفَلَم يتّجه لقتال معاوية عالماً عامداً؟
بلى ، يبدو أنّ الأمر لم يتمّ لصالح الإمام وقد تمكّن معاوية من اعتماد البدعة والخداع ، ولكن ما نتيجة الأمر؟ ألم يكن قتال معاوية ضرورياً؟ كيف نقيم الأحكام التي يصدرها التأريخ اليوم بشأن معاوية؟ ما عاقبة معاوية؟ كيف ينظر العالم لعلي (عليه السلام) ؟ كيف ترى قبر معاوية والمرقد المطهّر لعلي (عليه السلام) ، ماذا يقول القرآن بشأن عليّ (عليه السلام) ؟ هل حفظ عليّ الإسلام أم قضى عليه؟ لو هادن الإمام حكومة
(الصفحة284)
معاوية أكانت تنشب معركة صفّين؟ ولو صغى الإمام لنصيحة المغيرة بن شعبة أكان يسع معاوية في تلك الفرصة المقتضبة أن يطالب بدم عثمان؟ ماذا دهى علي (عليه السلام) ليجيب المغيرة بهذه القوّة «لا أستعمل معاوية يومين»(1) ، كما ردّ على اقتراح ابن عباس بالإبقاء مؤقّتاً على معاوية في الشام: «والله لا أعطيه إلاّ السيف»(2) .
وأخيراً ماذا قال لشبث بن ربعي حين بعثه مع سعد بن قيس الهمداني وجماعة إلى معاوية وإقراره بطاعة الإمام (عليه السلام) ، فسأله ابن ربعي: وإن لم ينزل على طاعتك فهل أنت موليه؟ فقال (عليه السلام) : {إنَّكَ لاَ تُسِمعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . . . } الخ(3) (4) .
إذن ، فلم تكن معركة صفّين خارجة عن علم الإمام ، فالإمام يعلم أنّه لو أطلق العنان لمعاوية في الشام لما فكّر قط بالمطالبة بدم عثمان ، الذي كان معاوية حريصاً تماماً على سفكه ، ورغم هذا العلم والاطّلاع لم يكن علي (عليه السلام) مستعدّاً للإبقاء ولو ليومين على مهادنة ذلك الجبّار الغاشم المعادي للإسلام والمسلمين ، الذي شيّد قصره على جماجم الضُعفاء والمحرومين وهضمهم حقوقهم ونهب أموالهم واستباح بيت مالهم .
نعم ، الذنب ذنب معاوية الذي لم يذعن للحقّ وينقاد له . فلو قلنا بعدم علم الحسين (عليه السلام) بحادثة كربلاء وأنّها أضرّت بالإسلام وقد اضطرّ الإمام فيها للدفاع عن نفسه ، وجب علينا أن نرسم مثل هذه الصورة الزائفة لكافّة معارك أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعض حروب وغزوات النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) !! ولا يسعنا هنا أن نقول إلاّ ما قاله الحسين (عليه السلام) : «فعلى الإسلام السلام»(5) .
(1 ، 2) الكامل لابن الأثير 3: 197 .
(3) سورة النمل: الآية: 80 ـ 81 .
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 14 ـ 22 .
(5) الملهوف: 99، وعنه بحار الأنوار 44: 326 .
(الصفحة285)
إلاّ أنّ الضمائر الحيّة والأفكار الحرّة لا تتعاطف قطّ وهذه الصورة الفارغة ، فالدنيا برمّتها ترى اليوم أنّ حياة الإسلام وعزّة المسلمين مرهونة بتلك النهضة الكبرى وتضحية اُولئك الفتية وسبي تلك الصفوة . نعم ، كان الأسر من الأهداف المرسومة للنهضة ، والتضحية والفِداء منتهى طموحها ، وفي قتل أبي الفضل العباس دروس وعِبَر في تعليم الإخاء والفضل والإباء ، وما زالت وستبقى هذه الحادثة تدمع العيون وتبكي القلوب ، وإلى جانب هذه الدموع بحار من المحبّة والرحمة التي يسبح فيها المجتمع الشيعي ، والحسين (عليه السلام) بطل الحرية والعدالة هو الذي شقّ عباب هذا البحر وجعل أمواجه تفيض غيرة وحرصاً على بناء الدين وتماسك قواعده .
نعم ، هذا غيض من فيض من معطيات نهضة الحسين (عليه السلام) وحادثة كربلاء الملحمية ، التي تتضاءل لديها الأفكار وتجفّ الأقلام .
سؤال :
لو كانت لحادثة كربلاء مثل هذه المعطيات ، وقد أدّت إلى قوّة شوكة الإسلام وانهيار دعائم الظلم والجور ، لم اصطلح الأئـمّة (عليهم السلام) عليها بالمصيبة ؟ فقد ورد في زيارة عاشوراء «يالها من مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام»(1) .
جواب :
طبعاً مصيبتها في أنّها لِمَ حدثت وأَوْدت بحياة هؤلاء الفتية وبتلك الطريقة البشعة التي تدمي القلوب ، أمّا ثمرتها فلولا وقوعها لما بقي للإسلام اليوم من أثر ، وبتعبير أوضح: مرض عضال مميت ، وقد شخّص الطبيب علاجه بقطع الساق اليسرى للمريض وبخلافه يموت ، فما عسى أن يشعر به والد المريض ووالدته؟
(1) كامل الزيارات: 330 ح 556 .
(الصفحة286)
ليس سوى الحزن والسرور ، فالحزن لقطع ساق ولدهم والسرور لعدم موته ، فشجرة الإسلام كانت تشهد الذيول والتآكل بسبب حكومات الجور والفساد ، وقد اجتهد يزيد وعبيدالله على اقتلاع شجرة الإسلام المباركة ، وليس هناك من وسيلة لحفظها سوى دم الحسين (عليه السلام) ، كانت هذه الأفكار لا تفارق ذهن الإمام التي جعلته يتّجه لعدّة ليال إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ليس هنالك من سبيل سوى «لا أرى الموت إلاّ سعادة»(1) وإلاّ مات الإسلام ، آنذاك ستقطع تلك الأيادي الأثيمة التي تنوي العبث بعروق شجرة الإسلام ، وهنا تبلورت حادثة كربلاء ، وعلى الإمام أن يُمارس دوره في هذه التربة .
ولم تكن هذه الفكرة مقتصرة على الإمام (عليه السلام) ، فقد تكهّن بها مسبقاً ، لابدّ أن تشهد هذه التربة سفك الدماء المقدّسة لاُولئك الفتية ، ليستعيد الإسلام حيويّته ، فلتسفك الدماء ، وليقف يزيد عند حدّه . ويشاهد اُمناء الإسلام وحماة العقيدة ـ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) ـ هذه الصورة ، فهم مسرورون لبقاء القرآن وديمومة الإسلام ، وفي ذات الوقت محزونون لهذه الحادثة والمصاب الجلل .
لِمَ بلغت الاُمور بالإسلام في ظلّ هذه الحكومات الفاسدة هذا المأزق ، ولم تعد هنالك من وسيلة لعلاجه وبعث الحياة فيه سوى سفك دم الحسين (عليه السلام) ؟ لم كان الثمن دم هؤلاء الصبية وبتلك الطريقة المروّعة؟ لِمَ كربلاء؟ فالحادثة مصيبة وأعظم مصيبة ، وهل من مصيبة أعظم من تلقّي الإسلام للضربات تلو الضربات أو الحيلولة دونها بإراقة دماء الطهر والعفّة والفضيلة بأيدي السفّاحين المتعطّشين للدماء؟
إذن ، فكربلاء إذا نظر إليها من تلك الزاوية فهي مصيبة جلل ، إلاّ أنّها بالنظر إلى هذه الزاوية فتح وانتصار ، يوم سرور الإسلام الذي التقط أنفاسه إثر هذه
(1) حلية الأولياء 2: 39، وعنه مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4: 68 .
(الصفحة287)
الحادثة . إذن ، يمكن النظر إلى هذه الحادثة من زاويتين:
1ـ النظر إليها من ذلك الجانب الفاسد الذي يسدّد الضربات الموجعة والمؤلمة ، والتي لا يمكن تفاديها إلاّ من خلال تضحية الإمام!
2ـ النظر إلى المعطيات الدائمة التي أفرزتها النهضة وتمخّضت عنها تلك الحادثة .
فالحادثة على ضوء النظرة الاُولى مصيبة ورزيّة ، بينما على أساس النظرة الثانية نعمة وسلامة ، وعليه : فالأئـمّة (عليهم السلام) إنّما يستندون إلى النظرة الاُولى ـ لا الثانية ـ في وصفهم لتلك الحادثة بالمصيبة .
وعليه : فلا منافاة بين نعتها بالمصيبة من قبل الإمام مع تلك المعطيات التي لم تفرزها سوى طبيعة تلك الحادثة ، وأمّا على ضوء النظرة الثانية فكربلاء لوحة عشق تفيض عذوبة ورقّة ونوراً ، ستسطع أشعّته إلى الأبد ، وقد أشرقت في أُفقها شمس الإمام لتُنير كلّ دياجير الظلام ، الأمر الذي يجعل الأئـمّة (عليهم السلام) ينظرون إليها بعين الفرح والسرور .
ولا بأس هنا بسماع الكلمات الناطقة بإسم أهل البيت ، مخدّرة حيدر وبطلة كربلاء وزعيمة ركب الاُسارى ، وهي تذكّر الاُمّة بصولات علي (عليه السلام) وخطبه في الكوفة ، ولا عجب فقد رضعت هي الاُخرى من ثدي الوحي ، الأمر الذي جعل لها مكانة خاصّة عند الحسين (عليه السلام) ، لقد تمثّل الملعون يزيد بأشعار ابن الزبعرى مسروراً بدرك ثأره من تلك المعارك ولاسيّما موقعة بدر ، على أنّه قتل القوم من ساداته وعدله ببدر فاعتدل ، فلمّا سمعت زينب مقالته ردّت عليه قائلة بعد أن حمدت الله وأثنت عليه:
«أظننتَ يا يزيد حيث أَخَذْتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا ، نُساق كما تُساق الأُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة؟ وأ نّ ذلك لعظم
(الصفحة288)
خطرك عنده،... فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلاً مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والاُمور لك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، مهلا مهلاً! أنسيتَ قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(1) . . . وسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جَهدك ، فوالله لا تمحونّ ذكرنا، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا، ولا ترضى عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فندا ، وأيّامك إلاّ عددا ، وجمعك إلاّ بددا ، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين»(2) .
ونلاحظ كيف نظرت ربيبة علي (عليه السلام) من خلال اعتماد الزاوية الثانية للحادثة ، لتميط اللثام عن وجه يزيد ونيّاته المبيَّنة للإسلام والقرآن ، فهي تبطل تصوّره الفاسد بالقضاء على الإسلام ، وتقول له: هل يمكن إماتة الوحي ، فليس للقرآن من زوال ما دام في أهل البيت عرق ينبض ، إنّ الحسين (عليه السلام) هو الذي قضى عليك وأفشل مخطّطاتك .
وعليه : فمراد الأئـمّة (عليهم السلام) بكون الحادثة مصيبة هو ما مرّ سابقاً ، وإلاّ فحادثة كربلاء كانت بمثابة الدم الذي يجري في العروق بالنسبة للإسلام والقرآن .
الكتاب والخطأ الرئيسي الثالث(3)
الدفاع الشخصي! السلام المشرِّف! الاقتراحات الثلاث! لا يمكن أن تكون ثمرة الدفاع عن النفس هي الشهادة من أجل إحياء الإسلام والقرآن ، وليس
(1) سورة آل عمران: الآية 178 .
(2) الملهوف: 215 ـ 218، وعنه بحار الأنوار 45: 133 ـ 135 .
(3) ألمحنا سابقاً إلى عدم ضرورة إفراد بحث لمناقشة هذا الخطأ ، على أنّ الردّ عليه إنّما يتّضح من الإجابة على الخطئين الماضيين ، ولكن لا بأس بإلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع لأهمّيته .
(الصفحة289)
هنالك من مصدر صريح صحيح بشأن السلام المشرّف! كما أنّ ذلك الصلح ليس بمشرِّف! ولا يعقل اقتراح مثل هذا السلام من قِبل الإمام!
كتب المؤلّف في ص 204 ـ 205: «حين حُوصر الإمام من قِبل قوّات عبيدالله بن زياد ، بعث بكتاب إلى عمر بن سعد يخبره فيه بالرغبة بالاجتماع به ليلا . . . عقدت الجلسة السّريّة بين الإمام وابن سعد . . . وقد استغرقت الجلسة وقتاً طويلا . . . ولم يعلم من تلك المفاوضات سوى ثلاثة اقتراحات تقدّم بها الإمام ، ومن شأن قبول أيّ واحد منها إقرار الصلح والسلام!
ابن سعد من جانبه أعرب عن ارتياحه لاقتراحات الإمام ، فبعث بكتابه إلى عبيدالله بن زياد . . . وقد كانت اقتراحات الإمام تحمل كلّ معاني الخير والسلام ، بحيث كان لها أثر بالغ على ابن زياد . . .
وكتب في ص206 تحت عنوان «تقرير غلام جاهل»: «روي عن عقبة بن سمعان ـ أحد غلمان قافلة الإمام الحسين (عليه السلام) ـ أنّه قال: لم يقترح الإمام الحسين على ابن سعد سوى الرجوع إلى الحجاز .
ملاحظة:
كانت هذه هي العبارات التي سطّرها مؤلّف كتاب «شهيد جاويد» بشأن السلام المشرِّف . وهنا نسأل المؤلّف: ما مرادك باقتراحات الإمام الثلاثة والتي أسميتها في الصفحات اللاحقة بالصلح المشرِّف؟ وهل يمكن صدور مثل هذه الاقتراحات من الإمام؟ وهل يُسمّى ذلك الصلح بالمشرّف(1)؟
ما هي الاقتراحات الثلاث؟
ماذا يقصد المؤلّف بالاقتراحات الثلاث؟ لِمَ لَمْ يذكرها؟!
(1) شهيد جاويد: 251 .
(الصفحة290)
الاقتراحات الثلاث على ضوء نقل الطبري (ج4 ص313) والكامل لابن الأثير (ج4 ص54) هي عبارة عن:
1 ـ الرجوع إلى مكّة أو المدينة .
2 ـ أن يضع الإمام يده بيد يزيد ليرى فيه ما يشاء .
3 ـ يسيروا به إلى أيّ ثغر .
هذه هي اقتراحات الإمام (عليه السلام) ـ من وجهة نظر أعداء الإمام ـ هل يرى المؤلّف أنّ هذه هي الاقتراحات الثلاث ، أم هناك غيرها؟
طبعاً لا يقصد سواها ، والدليل ما أورده من قرائن في كلامه من قَبيل: أنّ الإمام فاوض عمر بن سعد ، وتقييم ابن سعد للمفاوضات وأنّها إيجابية ، وقد وافقه عليها عبيدالله .
نعم ، هذه هي القرائن ; لأنّ عمر بن سعد المراوغ وعبيد الله بن زياد ـ ابن الزنا ـ يريان أنّ ذلّة الإمام مفيدة ، وأوضح جميع تلك القرائن هي الهوامش التي ذكرها المؤلّف عن كتاب الطبري والكامل لابن الأثير المختصّة بالصلح والاقتراحات الثلاث .
وبناءً على ما تقدّم فهذا هو مراد المؤلّف بالاقتراحات الثلاث ـ التي ذكرت بصورة مبهمة وغامضة في الكتاب ـ ، إلاّ أنّ الأهمّ هو أنّ المؤلّف كان في مقام إثبات صحّة إسناد تلك الاقتراحات إلى الإمام ، فأراد أن يقول بأنّ الإمام (عليه السلام) قد طرح مثل هذه الإقتراحات من أجل الصلح ، ولا يقتصر هذا الكلام على الطبري وابن الأثير ، بل إنّ المؤلّف يقول بأنّ هذا النقل صحيح ، وأنّ الإمام قد أجرى المفاوضات مع عمر بن سعد بتلك المقترحات من أجل إحلال السلام ، وذلك لأنّ المؤلّف شدّد على متابعة عقبة بن سمعان على أنّه غلام جاهل ، لا اطّلاع له ، وهو غلام مُطيع ، وقلّما يقوم الغلمان الذين تقتصر وظائفهم على الطاعة والخدمة بنقل
(الصفحة291)
وقائع المفاوضات السرّيّة ، وليس لعقبة من ذنب في هذه الحملة الشعواء والاستخفاف سوى أنّه قال: «صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ولم أفارقه حتّى قتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا في العراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيدبن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس»(1) .
أضف إلى ذلك فإنّ المؤلّف يستدلّ بعبارة للحرّ يوم عاشوراء من أجل البرهنة على استدلاله وعدم اطّلاع عقبة .
إذن ، لابدّ من الجزم بأنّ قصد المؤلّف من الاقتراحات المبهمة هو تلك الاقتراحات ، وقد أيقن بصدورها من الإمام (عليه السلام) ، وأنّ هذا ما قاله الإمام لابن سعد وصدق الطبري وابن الأثير في نقلهما .
جدير بالذكر أنّ المفاوضات مع ابن سعد كانت في اليوم السابع لثلاث قبل عاشوراء حسب قول الطبري وابن الأثير ، بحيث سدّت شريعة الماء على الحسين (عليه السلام) ، ولم يعد هنالك من أمل بالنصر ، ولا يستبعد أن يكون الإمام قد عقد جلسة سرّيّة مع عمر بن سعد ليلة عاشوراء .
ملاحظة :
تضمّنت الصفحات (213 ، 214 ، 215) ثلاثة اُمور مطلوبة من قِبل الإمام:
1ـ الطلب الأوّل للإمام: إنشاء الحكومة الإسلامية و . . .
2ـ الطلب الثاني ـ بعد اليأس من إنشاء الحكومة والشعور بالفشل ـ : الصلح
(1) تاريخ الطبري 4: 313، الكامل لابن الأثير 4: 54 باختلاف .
(الصفحة292)
المشرِّف ، وهذا طلب اضطراري قطعاً .
3ـ الطلب الثالث: الدفاع عن النفس بحكم الضرورة والإضطرار .
ماذا يقصد المؤلّف بالصلح المشرّف؟ هل هي الاقتراحات الثلاث من قِبل الإمام الحسين (عليه السلام) على عمر بن سعد؟
نقول بقوّة: ليس سوى ذلك ، لأنّ الطلب الثاني بعد اليأس من النصر ، واليأس من النصر ـ حسب زعم المؤلّف ـ حصل عند مفاوضة عمر بن سعد بشأن الصلح ; لأنّه يقول: «يبدو أنّ هذا الأمر طبيعي جدّاً ، حيث سعى الإمام في مفاوضاته السرّيّة الاُولى أن يقنع عمر بن سعد بالالتحاق بمعسكره والانطلاق معاً إلى الكوفة» .
وعليه : فاليأس المطلق من النصر كان حين حُوصر الإمام (عليه السلام) من قِبل جيش عبيدالله بقيادة عمر بن سعد ولم يعد هنالك من أمل . وهنا تتّضح حقيقة الطلب الثاني للإمام الذي يسمّى بالصلح المشرِّف ، ويمكن تسميته بالطلب الاضطراري ، وهذا الصلح هو في الواقع المقترحات الثلاث التي نقلها ابن الأثير والطبري .
ولمّا كان المؤلّف يعتقد بأنّ هذه المقترحات صدرت من الإمام حين اليأس من النصر ، فلابدّ أن يعتبر الصلح المشرف هو هذه المقترحات الثلاث التي تمثّل الطلب الثاني للإمام!!
أمّا الشهادة فهي الطلب الثالث للإمام (عليه السلام) ، ويوضّح المؤلّف هذه العبارة قائلا: «أي بعد أن رفض أعوان يزيد اقتراح الصلح وأيقن الإمام بأنّه إذا استسلم سيُقتل ذليلا كما فُعل بمسلم بن عقيل ، لم يكن من الإمام لـمّا تعرّض لهجوم الأعداء سوى الدفاع عن نفسه حتّى استشهد» .
«رفض أعوان يزيد الصلح» يعني لو وضع الإمام يده بيد يزيد فإنّ ذلك لا يروق لأعوان يزيد ، ولـمّا رفضوا استسلم الإمام دون قيد أو شرط ـ العياذ بالله ـ ،
(الصفحة293)
لقد رأى أنّ قتله حتميّ ; لأنّه إن استسلم فهو مقتول أيضاً ، آنذاك دفعه الاضطرار لقتالهم حتّى نال الشهادة .
هذه خلاصة أفكار المؤلّف حول الشهادة ، وأسمينا هذه المعركة دفاعاً عن النفس ،وبناءًعلى زعمه هذا ،لم يكن قتل الإمام في كربلاء أكثر من دفاع عن النفس ، وأيّ دفاع؟ دفاع بعد الاستسلام والذلّة ـ نعوذ بالله ـ التي لم تَرُق لأعوان يزيد .
تكرار :
لقد اتّضحت أفكار المؤلّف بشأن صلح الإمام والاضطرار إلى الدفاع في يوم عاشوراء ، مع ذلك نعرض بصورة سريعة إلى آراء المؤلّف .
كانت نهضة الحسين (عليه السلام) تهدف إلى الإطاحة بحكومة يزيد والأخذ بزمام الاُمور ، وقد فشلت هذه النهضة رغم استنادها إلى بعض العناصر المعتمدة ، وذلك لأنّ الآمال تبدّدت وتحوّلت إلى يأس ، ولاسيّما بعد مفاوضة عمر بن سعد واقتراح الإمام عليه سرّاً الالتحاق بصفّه والانطلاق نحو السيطرة على الكوفة .إذ ذاك تغيّرت خطّة الإمام ، فاقترح الصلح سرّاً على عمر بن سعد .
كانت بنود الصلح تتضمّن ثلاث مقترحات وللحكومة العمل بأيّ منها: أمّا أن يسمح للإمام بالعودة إلى المدينة! أو أن يضع يده الشريفة بيد يزيد! هذه هي المقترحات المشرّفة التي لا تتنافى وشأن الإمام! إلاّ أنّ عمر بن سعد رغم اعتباره مفاوضة الحسين (عليه السلام) مفيدة ورغم موافقة ابن زياد بعد اطّلاعه على الأمر من قِبل ابن سعد ، إلاّ أنّ القوّة الحاكمة رفضت اقتراحات الإمام ، ولم يتمكّن الإمام بحسن نيّته من حسم المشكلة .
لقد فشلت خطّة السلام المقترحة من قِبل الإمام ، وعليه : فلابدّ من اختيار الطريق الثالث . وهل هنالك سوى إظهار العجز والاستسلام؟ هذه هي الفكرة التي
(الصفحة294)
خطرت على ذهن الإمام ، إلاّ أنّ هذه الفكرة ليست صحيحة ، فأبن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رأى بعينه بأنّ مسلم بن عقيل قد قُتل رغم استسلامه ، وعليه : فإذا استسلم هو قتل! فهل من سبيل سوى الدفاع عن النفس إلى آخر قطرة دم؟ أم يستسلم للقتل بهذه السهولة دون الدفاع عن نفسه!
إذن لو كان الإمام (عليه السلام) يرى خلاصه في الاستسلام لما قاتل! قاتل حيث لم يكن من سبيل سوى القتال! قاتل دفاعاً عن نفسه! ومرادنا من «الدفاع عن النفس» الذي يقول به مؤلّف «شهيد جاويد» هو هذا المعنى كما تثبته دراساته وتأمّلاته لحادثة كربلاء وقتال الإمام الحسين (عليه السلام) !!
ولا ندري أنردّ على هذه الترّهات أم نترك ذلك للإخوة القرّاء الأعزاء . ونرى أن نردّ عسى المؤلّف المحترم يتدارك ما فرط من أمره ويطهّر كتابه من تلك الشوائب . إلاّ أ نّنا سنردّ بصورة مختصرة .
هل للإمام أكثر من هدف ؟
ليس للإمام (عليه السلام) في نهضته أكثر من هدف ، واحد ، وهو إحياء الحقّ وإزهاق الباطل. بعبارة أُخرى: إحياء سيرة النبي وسنّته وإماتة البدع والشهوات التي تلاعبت بمصير المسلمين بإسم الدين ، وهذا ما جرى كِراراً ومِراراً على لسان الإمام في خطبه التي أوردها خلال حركته ، كانت نهضة الإمام (عليه السلام) تهدف إلى إيقاف الظالمين عند حدودهم وإزالة آثار الفساد والانحراف ، وإشاعة مفاهيم القرآن في الحلالوالحرام ، والوقوف بوجه الحكومات الجائرة من عبدة الأهواء والشهوات ، وإنقاذ المسلمين من براثن حكومة يزيد الفاجر ، هذا هو هدف الإمام .
ولتسليط المزيد من الضوء على هدف الإمام ، نرى من الضروري التعرّف على بعض خطب الإمام (عليه السلام) خلال المسيرة .
(الصفحة295)
قال الإمام (عليه السلام) مخاطباً أصحابه وعسكر الحرّ في «البيضة»: «ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء; وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر . . . .»(1) .
وخطب في «ذي حُسم» فقال: «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به ، وأنّ الباطل لايُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(2) .
فقد اتّضحت بجلاء خلال هاتين الخطبتين دوافع النهضة ، وهدف الإمام منها ، فليس للإمام (عليه السلام) سوى هدف واحد ، ولم يخطّط سوى من أجل تحقيق هذا الهدف ، وخطّته قتال السلطة اليزيدية الحاكمة حتّى الموت ونيل الشهادة واختيار مجاورة الرحمن .
إذن ، فالهدف واحد ، والخطّة اللازمة لتحقيق هذا الهدف لابدّ أن تكون واحدة أيضاً ، وهي «القتال حتّى الشهادة» فالخطبتان كانتا إجابة لذلك السؤال .
وهنا يبرز هذا السؤال: لم تُسفر هذه الدراسة إلاّ عن نتيجة واحدة ، وهي أنّ هدف الإمام من هذه النهضة هو الوقوف بوجه الفساد والانحراف وإحياء سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ الإمام اعتمد ثلاثة مشاريع من أجل تحقيق هذا الهدف:
1) السيطرة على الحكومة ، 2) الصلح المشرِّف! ، 3) الدفاع !
فلو سيطر الإمام على الحكومة لظفر ببغيته ، وإلاّ فالصلح المشرِّف ، ثمّ إعادة تنظيم القوّة والاستعداد من جديد للقتال ، فإن لم يكن ذلك فالدفاع عن النفس حتّى نيل الشهادة . إذن فقد كان للإمام (عليه السلام) ثلاث خطط من أجل تحقيق هدف واحد ، ألا وهو إحياء السُنّة وإماتة البدعة .
(1) تاريخ الطبري 4: 304 .
(2) تاريخ الطبري 4: 305 .
(الصفحة296)
جواب:
هل من عبارة بشأن الصلح في خطب الإمام (عليه السلام) ؟ وهل يفكّر في الصلح ـ ولو بصورة موقّتة ـ من يقول: إنّ حكومة يزيد لزمت طاعة الشيطان وتركت طاعة الرحمن ، وأظهرت الفساد وعطّلت الحدود ، وأحلّت حرام الله وحرّمت حلاله؟ وأيّ صلح هذا؟ الصلح المشين! ولو قال هذا الإمام الهمام: أنا مستعدّ لأن أضع يدي بيد يزيد وأسلّم لكلّ ما يريد! فهل هذا صلح أم ذلّة؟ وهل يفكّر في الصلح كوسيلة لتحقيق الهدف من تصدح حنجرته «هيهات منّا الذلّة»؟
وبناءً على ما تقدّم من مفاد الخطبتين فإنّ الإمام كان قد عقد العزم على القتال حتّى الشهادة التي لا يراها إلاّ سعادة ، وعليه : فلم يعد هنالك من معنى ومفهوم للصلح في قاموس النهضة الحسينية .
الصلح المشرِّف !
إنّ الخطبتين المذكورتين وإن كانتا كافيتين لأن نقول ـ بصفتنا غلمان الحسين وجرياً على ما قاله غلامه عقبة بن سمعان ـ بأنّ نسبة مثل هذا الصلح إلى الإمام كذب محض ، مع ذلك نقف أكثر عند هذا الصلح لنؤدّي وظيفتنا كغلمان للإمام الحسين (عليه السلام) . لا ندري لِمَ اصطلح المؤلّف على الاستسلام دون قيد أو شرط بالصلح المشرِّف ، فهل الاقتراحات الثلاث ـ التي استندتَ فيها إلى الطبري ولم يسمح لك كذبها وزيفها بذكرها تعني استسلام الإمام (عليه السلام) ليزيد ليفعل ما يحلو له؟
فهل للإمام أن يُصالح من ينعته بشارب الخمور والمتجاهر بالفسق وناهب بيت المال وعبد الشيطان والمشرِّع لما يخالف القرآن؟ وهل هذا صلح مشرِّف!
وهل يتقدّم الإمام (عليه السلام) إلى مثل هذا الصلح وهو القائل: أُريد أن آمر بالمعروف
(الصفحة297)
وأنهى عن المنكروأسير بسيرة جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) (1)؟ وهل يعقل أن يُصالح الإمام (عليه السلام) من يتفوّه .
لعبت هاشم بالملك |
فلا خبر جاء ولا وحي نزل(2) |
وهو يهدّد بالقضاء على الدين والقرآن والمسلمين ومحمّد (صلى الله عليه وآله) ؟
نحن لا نرى معقولية صدور مثل هذا الصلح عن الإمام ، ونسأل من يقول: إنّ الإمام أراد أن يدّخر القوى ليوظّفها في المستقبل بما ينفع الإسلام . أيّ قوى هذه؟ هل المراد بها القوى التي واكبت الإمام في مسيرته إلى كربلاء بما فيها النساء والصبية والكهول كمسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر؟ أم قوّات الكوفة الشعبية! الكوفة التي يشهد المؤلّف بأنّها واقعة في قبضة عبيدالله ، أم القوّات التي ستتشكّل لاحقاً؟
وهل هنالك من أمل في تشكيل قوّات من شأنها القتال في سبيل الله إلى جانب الإمام بعد انسحابه إلى أحد الثغور ـ طبق البند الثالث المقترح ـ وذلك الضغط الشديد والهوّة بين الإمام والاُمّة واليأس والسيطرة التامّة لعبيد الله بن زياد على العراق ، الذي يمثِّل مركز ثقل أنصار أهل البيت (عليهم السلام) ؟ والإمام يستريح قليلا ويلتقط أنفاسه ويضع يده بيد يزيد ويتنزّه في قصوره الفخمة ريثما تنتظم القوّات الشعبية فيشنّ حملته ضدّ حكومة يزيد! هل هذه التصوّرات معقولة؟ وهل يفكّر مصباح الهدى ـ الإمام ـ بهذه الطريقة وليتوصّل بالتالي إلى «الصلح الاضطراري»؟
نعم ، هذا ليس بصلح معقول ولايمكن نسبته إلى ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاصطلاح عليه بالصلح المشرِّف . وبغضّ النظر عمّا مضى فهل من سند لهذا الصلح المقترح؟
(1) بحار الأنوار 44: 329 ـ 330 .
(2) تقدّم في ص 207.
(الصفحة298)
نعم ، سنده الكامل لابن الأثير وتأريخ الطبري ، أمّا عبارة الكامل فهي: «ثمّ بعث الحسين إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة أن القني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه عمر فاجتمعا وتحادثا طويلاً وقد استغرقت المفاوضات السرّيّة للطرفين وقتاً طويلا ، وكثر حديث الناس ، فكان الظنّ الغالب هو أنّ الإمام طلب من عمر بن سعد نصرته . . . نعم ، لقد ظنّت الأكثرية ذلك ، وهنا قال فرد مجهول: لا ، فقد اقترح الإمام على عمر ثلاث مقترحات على أن يقبل أحدها» فهل لنقل ابن الأثير هذا سند؟ وهل يعتمد نفس ابن الأثير على نقل فرد مجهول غير معروف ظنّ أنّ اقتراح الإمام (عليه السلام) على عمر كان ذلك الصلح المشرّف ، ولمزيد من الاطمئنان نورد عبارة الكامل حيث قال:
«وقيل: بل قال له: اختاروا منّي واحدة من ثلاث: إمّا أن أرجع . . . وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد . . . وإمّا أن تسيروا بي إلى أيّ ثغر . . .»(1) .
ويلتفت أهل العلم إلى أنّ نقل حديث الشخصيات العلمية أو التأريخية أو السياسية لا يقال فيه أبداً «قيل» بل يقال: «قال» ، وإذا ذكر في موضع كلمة «قيل» فإنّ ذلك دليل على عدم الاعتناء بحديثه وأنّه مجهول بحيث لا يذكر اسمه ، ولـمّا عبّر ابن الأثير بـ «قيل» فإنّ الشخص الذي ظنّ أنّ حديث الإمام (عليه السلام) مع عمر بن سعد كان يتمثّل بالاقتراحات الثلاث ممّن لا يمكن الاعتماد على ظنّه والاعتناء بحديثه ، ولا يمكن أن يحظى باهتمام حتّى مؤلّف كتاب الكامل فضلا عن الباحثين والمحقّقين .
وبغضّ النظر عن هذا ، ألم يكذّب عقبة بن سمعان ـ الغلام الخاصّ للإمام (عليه السلام) ـ هذا الاقتراح ، وقد نقل عنه الطبري والكامل أنّه قال: فوالله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس أ نّه يضع يده في يد يزيد ولا أن يسيّره إلى ثغر من ثغور المسلمين...(2) .
(1) الكامل لابن الأثير 4: 54 .
(2) الكامل لابن الأثير 4: 54، تاريخ الطبري 4: 313 .
(الصفحة299)
ولا يمكن القول أنّ عقبة ـ الذي كان غلاماً للإمام (عليه السلام) ـ لم يكن مطّلعاً على الأوضاع ; لأنّ هذا الغلام حامل الأسرار ، ويفهم من كلامه أنّه كان معتمداً من قِبل الإمام ، وأنّه لم يفارق مولاه خلال مسيره من المدينة حتّى يوم شهادته .
وإذا قيل: لقد أشار الحرّ بن يزيد الرياحي ضمن اعتراضه على ابن سعد إلى هذا الاقتراح ، ويتبيّن أنّ الحرّ كان مطّلعاً أيضاً ، واطّلاعه مقدّم على الاطّلاع الهشّ للغلام عقبة بن سمعان . فنقول:
أوّلا : أنّ الحرّ لا يقول بأنّ الإمام طرح مثل هذا الاقتراح على عمر بن سعد وأعوان يزيد ، بل خاطب الناس قائلا: «ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخِصال التي عرضها عليكم . . .» (1).
وثانياً : لم يرد ذكر للمقترحات .
ثالثاً : لا يعلم هل كانت ثلاث مقترحات أم أكثر .
ورابعاً : أشار الحرّ في حديثه إلى خطبة الإمام (عليه السلام) بالناس ، فسمعه الحرّ يقول: «لا والله لا أعطيهم بيدي اِعطاء الذليل . . .» (2).
وعليه : فلا يمكن القول بأنّ الخِصال التي ذكرها الحرّ هي تلك الاقتراحات على عمر بن سعد ، وأنّه كان مطّلعاً على الصلح المشرِّف ، ولا يمكننا رفض قول عقبة بن سمعان بتكذيب هذا الصلح المشرّف ، بحجّة كونه غلاماً ، فهل كونه غلاماً ذنب يدعو إلى عدم الوثوق بإخباره ونقله ؟
وخامساً : يقوى الظن بأنّ الخصال التي أوردها الحرّ في حديثه هي تلك الاستفهامات التي طرحها الإمام من قَبيل: ألم تكتبوا إليّ رسائلكم؟ ألستُ ابن بنت نبيّكم؟ ألستُ سيد شباب أهل الجنّة؟ ألم يقل جدّي: «الحسن والحسين سيّدا
(1) الكامل لابن الأثير 4: 64 .
(2) تاريخ الطبري 4: 323، بحار الأنوار 45: 7 .
(الصفحة300)
شباب أهل الجنّة»؟ أتطلبوني بمال أخذته؟ أم دم سفكته؟(1)
هذه الخِصال التي لو صدّقوا واحدةً منها وكانت لهم ذرّة من ضمير ، لما صوّب أهل الكوفة سهامهم وحِرابهم إلى الإمام ، ولما تمكّن بعد ذلك عبيدالله وعمر بن سعد من مواجهة أبي الفضل العباس وليوث كربلاء .
ولذلك نرى الحرّ يلتفت إلى نفس هذا الأمر فيقول في آخر حديثه: «ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله ؟... إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه»(2) .
وعليه : فهو يلقي بالتبعة على جيش الكوفة الذي أراده الإمام عوناً فتحوّل إلى فرعون لموسى كربلاء: الحسين (عليه السلام) .
سؤال :
لعلّ هناك من يقول بأنّه ليس من الصواب الإستناد إلى ابن الأثير في تلك المقترحات ، وحتى ابن الأثير لا يعتقد بأنّ الإمام طرح تلك الاقتراحات ، غير أ نّ سندنا تأريخ الطبري ، فقد نقل الطبري عن أبي مخنف ، عن عدد من المحدّثين أنّ الإمام طرح المقترح الفلاني على عمر بن سعد .
جواب:
أوّلا : كانت مفاوضات الإمام (عليه السلام) ـ حتّى بقول الطبري(3) ـ مع عمر بن سعد سرّيّة ، ولا يمكن التنبّؤ بكنهها إلاّ من خلال الحدس والظنّ ، ولو استند الدليل إلى
(1) اُنظر مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف (وقعة الطف): 206 ـ 207 .
(2) مقتل الحسين لأبي مخنف (وقعة الطف): 215 .
(3) تاريخ الطبري 4: 312 ـ 313 .
(الصفحة301)
الحدس فقد اعتباره ، علاوة على ذلك فقد قال الطبري: ظن أغلب الناس أنّ الإمام لم يطرح أكثر من اقتراح على عمر بن سعد .
وثانياً : رغم أنّ الطبري ينقل عن أبي مخنف ، وهذا عن عدد من المحدّثين في أنّ مقترحات الإمام (عليه السلام) ثلاث ، إلاّ أنّ نفس أبي مخنف ـ على قول الطبري ـ روى عن عقبة بن سمعان: «ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس»(1) ، أمّا ما شاع بين الناس من الاقتراحات الثلاث فهي ظنون لا أساس لها .
وثالثاً : الطبري هو الآخر نقل حدسيات الناس وكذلك قول المحدّثين وكلام عقبة بن سمعان ، أفلا يدلّ هذا النقل على عدم اعتناء الطبري بقول المحدّثين؟ بل دليل على عدم إصداره حكماً يعتقد به . وإذا غضضنا الطرف عن هذا ، فماالذي يفيده نقل الطبري؟ هل يفيد أكثر من كون المفاوضات كانت سرّيّة وأنّ الناس أبدت ظنونها وحدسها بهذا المجال؟
فقد قال البعض: إنّ الإمام لم يتقدّم بأكثر من اقتراح واحد ، وقال البعض الآخر: بل كانت ثلاث اقتراحات ، ولعلّ هذا رأي الأكثرية ، كما أشار إلى ذلك عقبة بن سمعان ، فقد صرّح بأنّها لم تكن سوى شائعات جوفاء لا أساس لها ، ولم يقل الإمام (عليه السلام) سوى: «دعوني فلأذهب . . .» .
وعلى هذا الضوء ألا يمكن الظنّ بأنّه ليس هنالك من سند لقول المحدّثين عن العامّة التي نقل عنها أبو مخنف سوى ظنّ الناس وحدسهم البعيد عن مفاوضات الإمام (عليه السلام) وعمر بن سعد؟ وعليه : فهل يمكن الاستدلال بقول المحدّثين ؟ وهل لهذا القول من اعتبار حتّى من وجهة نظر أبي مخنف؟
(1) تاريخ الطبري 4: 313 .
(الصفحة302)
إذن ، فتأريخ الطبري ليس من شأنه أن يفيدكم ولا يمكنكم جعله دليلا للاستنباط ، وبغضّ النظر عن هذا ، ولنفرض أنّ الطبري يعتقد بأنّ الإمام قد اقترح البنود الثلاث ، فهل يمكن الاستناد إلى قول الطبري في أن نقول: «يوجد هنا بعض المطالب المسلّمة . . .الرابع: أنّ الإمام تقدّم بثلاثة اقتراحات لو طبّق أيّ واحد منها لتمّ عقد الصلح دون ترديد؟ . . .» .
أوليس قول الطبري يتعارض وقول ابن الأثير؟ الذي قال: وقيل: بل قال له: اختاروا منّي . . . أي أنّ المحدّثين لم يقولوا ، ولم يكن ذلك شائعاً بين الناس في أنّ الإمام قاله ، بل هذا قول مجهول . إذن لا يمكن الاستدلال بقول الطبري طالما كان متعارضاً مع كلام ابن الأثير .
الأهمّ من كلّ هذه الأقوال :
الأهمّ من كلّ ما ذكر روحية الإمام (عليه السلام) وهدفه المقدّس وعزمه الفولاذي ورسالته التأريخية وعلمه الثاقب بمصير الاُمور وشوقه للقاء الله و وظيفته الربّانية ، كزعيم للاُمّة وخطبه الملحمية: «لا والله لا أعطيهم بيدي اِعطاء الذليل . . .»(1) .
«هيهات منّا الذلّة»(2) .
«إنّ الله لا يغلب على أمره . . .»(3) .
«وكأنّي وأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا»(4) .
«من لحقَ بي استشهد»(5) .
(1) مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف (وقعة الطف): 209 .
(2) تحف العقول: 241، الاحتجاج 2: 99، مثير الأحزان: 55 .
(3) الإرشاد للمفيد: 2 / 76، وعنه بحار الأنوار 44: 375 .
(4) مثير الأحزان: 41 .
(5) كامل الزيارات: 157 ح 195 .
(الصفحة303)
«هاهنا والله محطّ ركابنا وسفك دمائنا . . .»(1) .
كلّ هذه الشواهد ومئات القرائن الاُخرى تدعو إلى الجزم بأنّ الإمام (عليه السلام) لم يتقدّم قطّ بتلك المقترحات الثلاث إلى حكومة يزيد الخزي والعار ، ولا سيّما أنّ الإمام (عليه السلام) أعرف من الجميع بمدى إصرار يزيد على حزّ رأسه وابن مرجانة الذي غالباً ما كان يناديه الإمام بابن الزانية! ورغم كلّ ذلك ، فإذا كان هناك من يشعر بالترديد فإنّا نقول له ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ : لو كان هناك من اقتراح فإنّما طرح على الناس بهدف إتمام الحجّة وكشف النقاب عن روحية أهل الكوفة المتعطّشة لإراقة الدماء وإفهام الدنيا بأنّ الإمام لا يحمل سوى رسالة الصلح والسلام التي اندفع إليها بكلّ ما أُوتي من قوّة ، إلى الحدّ الذي جعله يقدّم مثل هذه التنازلات حرصاً على سلامة الاُمّة وعدم سفك دمائها ، في حين لم تجبه حكومة الجبابرة وكانت مصرّة على قتله ، وإلاّ فكيان الإمام (عليه السلام) كان مفعماً بصرخات «هيهات منّا الذلّة» .
سؤال :
ربما كان هناك من يقول: المراد بالصلح المشرِّف هو ذلك الاقتراح ذكره عقبة بن سمعان ، في أنّ الإمام قال لهم: «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة» . وقد أورد الإمام مثل هذا الاقتراح يوم عاشوراء ، وإذا تجاهل المؤلّف قول عقبة ، فليس له أن ينكر مثل هذا المضمون الذي صرّح به الإمام (عليه السلام) يوم عاشوراء .
إذن ، فالصلح المشرِّف هو هذا الاقتراح . ولابدّ من القول بأنّه مشرّف لكون الإمام لا يرضى بالقِتال وإراقة الدماء .
(1) الملهوف: 139 .
(الصفحة304)
جواب :
كان الاقتراح على الناس لا أعوان الحكومة ، بينما حديث المؤلّف عن الصلح كان على أساس مفاوضة أعوان الحكومة ، فقد كتب المؤلّف في ص215: «وبعد أن رفض أعوان الحكومة عقد الصلح . . .» أوليس الصلح الذي رفضه أعوان الحكومة هو تلك المقترحات الثلاث؟ إذن ، فهذا الصلح لم يكن ذلك المقترح الذي نقله عقبة بن سمعان .
نعم ، لو تحدّث الإمام (عليه السلام) إلى الناس ، كان لابدّ من القول حقّاً أنّ هذا حديث الإمام واقتراحه على الناس ، وهو جدير بأن يُسمّى بالصلح المشرّف ، وذلك لأنّه مشروع يحول دون إراقة الدماء ويكشف عن حرص الإمام (عليه السلام) على سلامة الاُمّة ، رغم علمناأنّ تلك الاُمّة ليس لهاولالدمائهامن قيمةواعتبار من وجهة نظر الإسلام ، غير أ نّ رأفة الإمام (عليه السلام) ورحمته وحلمه لم تدعه يسمح بإراقة دماء حتّى تلك العصبة المراوغة الكاذبة الغادرة ، والحقّ أنّ هذا الصلح لما كان يهدف إلى سلامة الاُمّة فهو صلح مشرّف لا ذلّة فيه ، كما يمكن القول في نفس الوقت أنّه اقتراح لترك المخاصمة وكاشف عن عظمة الإمام ، ولكن وعلى أساس ما ذكر سابقاً ، لا يمكنه أن يكون كاشفاً عن الإرادة الجديّة للإمام بمصالحة الاُمّة ، وذلك لأنّ الإمام يعلم أنّ هذه الاُمّة مغلوبة على أمرها وليس لها من إرادة ، فهي حفنة جنود تزجّ بنفسها جهلا بالمعركة أملا في الحصول على حطام الدنيا وما يمنّيهم به أسيادهم ، وليس للجندي من حقّ في اتّخاذ القرار أو المشاركة في مفاوضات الصلح وما شاكل ذلك ـ طبعاً هذا في الأنظمة غير الإسلامية ، وإلاّ فهو صاحب قرار في الإسلام على ضوء المقرّرات والضوابط الإسلامية ـ كما كان الإمام عالماً بشهادته ، وهذا العلم يمنعنا من القول بأنّ إرادة الإمام (عليه السلام) الحقيقية كانت الدعوة إلى المصالحة .
وبناءً على هذا فإنّ طرح الاقتراح بهذه الجديّة لم يكن وارداً ، فلايمكن
(الصفحة305)
للإمام (عليه السلام) أن يُطالب جدّياً بإخلاء سبيله ، ولعلّ مراده هدف أسمى من ذلك ، كأن يُفهم العالم أنّنا لسنا طلاّب حرب ، وأنّنا حريصون على الصلح والسلام إلى أبعد الحدود وهذا ما أبلغنا به الاُمّة ، إلاّ أنّ دعوتنا لم تلق آذاناً صاغية ، وحتّى لا ينبري أحد ليقول: لِمَ ألقى الإمام بنفسه في التهلكة؟ ليس للإمام من عداء لأحد من أبناء الاُمّة وقد حلّ عليها ضيفاً بعد أن دعته ، رغم علمه بعاقبة هذه الضيافة التي ستكون مائدتها رؤوس يطاح بها ودم عزيز يُسفك ، فهذا ما أوصاه به جدّه وأبوه من إجابة دعوة الناس .
إذن ، فالهدف الرئيسي للإمام (عليه السلام) هو إعلان الصلح والسلام وإماطة اللثام عن نيّات السوء التي يبيّتها يزيد ومردة الكوفة ، وإلاّ فالحسين (عليه السلام) كان يعلم بأنّ جيش عبيدالله بن زياد كان مسلوب الإرادة ، وحتّى لو افترض لهم ثـمّة إرادة ، مع ذلك كانوا من المردة والغدرة الفجرة الذين هبّوا لضيافة ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتلك الطريقة اللئيمة ، كان الإمام (عليه السلام) عالماً بأنّ تربة كربلاء ستشهد ذلك النزيف الدموي الطاهر ، وعليه : فاقتراح الإمام لم يكن سوى تعبيراً عن حبّه وحرصه على الإنسانيّة ، وبيان ذلّة ودناءة جيش ابن زياد ، وإتمام الحجّة على مَن شهد فصول ذلك المشهد الدامي في صحراء كربلاء .
ثورة الإمام (عليه السلام) ليست دفاعاً عن النفس
قيل: إنّ الهدف الذي يحظى باهتمام الإمام بالدرجة الثانية هو الصلح ، وحيث فشل الصلح فيأتي دور الاستسلام ووضع اليد بيد يزيد و . . . ورفض من قبل أعوان يزيد ، فقد انبثق الهدف الثالث: «الدفاع» وقال المؤلّف في وصفه للدفاع: «أيقن الإمام بأنّه إذا استسلم فسيُقتل بنفس الطريقة الذليلة التي قُتل بها مسلم بن عقيل ، وعليه : فليس له من سبيل أمام هجوم الأعداء سوى الدفاع . . .» .
(الصفحة306)
إنّا وإن أوردنا هذه العبارة سابقاً إلاّ أنّنا نروم من تكرارها ، لتسهيل الوقوف على بعض الاُمور ، فالعبارة تُفيد أنّ عملية الدفاع قد ظهرت بعد فشل مشروع الاستسلام وهجوم العدو . وعليه : فالدفاع جاء بعد سلسلة من الفشل والهزيمة ، الفشل في تزعّم الاُمور والسيطرة على الكوفة والفشل في تحقيق الصلح المشرّف ، والفشل في التسليم إلى العدوّ ، وبالتالي عزم العدو على قتل الإمام (عليه السلام) !! فهل مثل هذا الدفاع مشرّف؟ وهل هذا الدفاع المشرّف شهادة؟ أم دفاع عن النفس؟
بعبارة اُخرى: هل أنّ شهادة الإمام كانت بهدف إحياء الإسلام وإماتة البدع وتحرير الاُمّة من براثن الطغاة؟ أم أفرزته الضرورة والاضطرار بعد فشل مشروع الاستسلام؟
ولو لم يدافع فماذا عساه أن يفعل؟ لا يسعنا أن نسمّي مثل هذه الشهادة سوى الدفاع عن النفس ، ونعتقد أنّ الإمام بريء من مثل هذه النهضة والثورة ، ونرى أنّ هناك خطّة عظيمة وراء قتل الحسين (عليه السلام) في كربلا ، خطّة مدروسة سلفاً جرى بها القلم ، وعلى الإمام (عليه السلام) تنفيذها شاء أم أبى في كربلاء ، وعليه أن يتضرّج بدمه فداءً للقرآن والإسلام . فقد قال الباقر (عليه السلام) : «يا حمران إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه»(1) .
أمّا الدفاع عن النفس فلا يعني سوى الاضطرار للقتل ; لأنّه من المفروض أنّ الإمام حتّى إذا استسلم فإنّه سوف يُقتل ، ولم يكن قد تكهّن بعاقبة الحركة حتّى زُجّ به في كربلاء زجّاً!! إذ ذاك لابدّ من إبطال كافّة كلمات الإمام ـ والعياذ بالله ـ التي قالها (عليه السلام) من قبيل: «لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(2) .
وقوله في ذي حسم حين اقترب من كربلاء: «ألا ترون أ نّ الحقّ لا يعمل به
(1) الكافي 1: 262 باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان . . . ح4 .
(2) الملهوف: 138، وعنه بحار الأنوار 44: 381 .
(الصفحة307)
وأ نّ الباطل لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة . . .»(1) .
هذا هو الهدف الذي جعل الإمام (عليه السلام) يُقاتل حتّى الموت ويضحّي بالغالي والنفيس من أجل الشهادة .
الشهادة من أجل أهدافه السامية ، لا من أجل الدفاع عن النفس ، الإمام يريد نفسه لهدفه ، للإبقاء على اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظ القرآن والدفاع عن المظلومين والوقوف بوجه الظالمين ، هذه الأهداف أعزّ على الإمام من نفسه ، فهو القائل: «ألا ترون أ نّ الحقّ لا يُعمل به وأ نّ الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربّه» ليس هنالك من معنى للحياة في قاموس الإمام (عليه السلام) إذا ساد الباطل وضاع الحقّ .
إذن ،فهدف الإمام (عليه السلام) منذالبداية هوالشهادة من أجل الحقّ ،ومَن شكّ فليراجع تاريخ الطبري(2) ليرى كيف أعلن الإمام عزمه في ذي الحسم على الشهادة ، ولا نرى أيّ عقل سليم يقول بأنّ الإمام إنّما قرّر هذه الشهادة يوم عاشوراء بعد أن فشلت جميع مشاريعه الاستسلامية وذلك الذلّ والهوان في مهادنة يزيد ، أملاً في الحصول على بضعة أيّام ، فالإمام (عليه السلام) صمّم على الشهادة مسبقاً ; وهو الذي قال في مكّة: «وكأنّي وأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا» (3).
وقد بلغ به العزم والإرادة درجة جعلته لم يكترث لنصح ابن عباس وابن الحنفية وسائر بني هاشم ، كما لم يزحزحه عن موقفه ما أشار به عليه عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر ، إلى جانب تحذير عبدالله بن جعفر ومنع عبدالله بن المطيع الإمامَ من الحركة ، إضافة إلى آراء العارفين بأوضاع الكوفة الذين أوجزوا له حالة
(1) تاريخ الطبري 4: 305 ، وفيه: شهادة بدل «سعادة».
(2) تاريخ الطبري 4: 305 .
(3) تقدم في ص 302.
(الصفحة308)
أهل الكوفة بأنّ «سيوفهم عليه» (1).
فلم تتمكّن كلّ هذه المحاولات الواقعية من ثني الإمام عن عزمه ، فواصل مسيرته وهو يقول: «إنّ الله لا يغلب على أمره»(2) ولمّا بلغ موضع «البيضة» خطب الناس وعسكر الحرّ بن يزيد وكشف النقاب عن أهدافه ، فأيقن الحرّ بعدما رأى من عزم الإمام (عليه السلام) وشدّة حملته على يزيد وأذنابه أنّه مقتول لا محالة ، فحذّره الحرّ بعد أن لمس استعداد الإمام (عليه السلام) للتضحية والقِتال ، أراد الحرّ أن يخوّف الإمام بالموت ، وهل يهاب الموت مثل الإمام؟ ثمّ أنشده الإمام ذلك الشعر الذي ارتجز به الأوسي لابن عمّه حين همّ بنصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى |
إذا ما نوى خيراً وجاهد مُسلما(3) |
نعم ، فقد جرت عادة أئمتنا (عليهم السلام) على تذكير الناس بالموت ، وليس لنصح المشفقين ولا خوف المرعوبين ولا تهديد الجبّارين أن يثنيهم عن عادتهم ، فهم ممّن يستبشرون بالموت والشهادة ، الموت من أجل حياة القرآن والإسلام ، الموت من أجل بقاء اسم صاحب الرسالة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وإذا كان حالهم هكذا فكيف يزعم المؤلّف أنّ شهادته لم تكن سوى الدفاع عن النفس ، وخاصّة حين يئس تماماً من الحياة وأغلقت عليه جميع منافذها!
إنّنا نلهج بخطاب الإمام (عليه السلام) : يا أبا الأحرار ، يا قبلة الثوّار ، يا مصباح الهدى وسفينة النجاة ، يا محيي القرآن والسنّة ، مدرستك مدرسة الجهاد والتضحية والشجاعة والقيم الإنسانية ، مدرسة التوحيد والإخلاص والعبودية ، مدرسة
(1) بحار الأنوار 44: 364 .
(2) تقدّم في ص 302.
(3) الكامل لابن الأثير 4: 49 .
(الصفحة309)
العلم والحلم والسماحة والزهد والعزّة والكرامة ونصرة المظلوم ودحر الظالم .
وأنت تخاطب الإمام; يا عصارة الكمال ، أيّها الربّاني ، يا أبا الأحرار ، ويا أيّها المجاهد . . . وعليه : فنحن متّفقون وإيّاك في أنّه أبو الأحرار والجهاد والثورة .
ولكن الاتّفاق هذا هل من شأنه أن يستمرّ؟ طبعاً لا ، إنّ هذا الاتّفاق يجعلنا وإيّاك نقف على مفترق طرق ، فأنت تضيف مخاطباً الإمام بأنّك لم تكن على علم بحادثة كربلا ، وهذا ما أوقع عيالاتك في الأسر دون علم ، أنت الإمام الرؤوف العطوف إلاّ أنّ كربلائك أضرّت بالإسلام وأذاقت صحبك الذلّ والهوان! وهذا ليس ذنبك بل ذنب يزيد ، يا أبا الأحرار لقد استسملت لعساكر يزيد بعد أن يئست من النصر ، ورأيت كثرة عدّة وعدد عدوّك وخانتك القوّات الموالية ، فاقترحت وضع يدك بيد يزيد ، ورغم هذه الذلّة والهوان لم يوافقك يزيد ، بل كنت مستعدّاً لركوب العار لو أيقنت بعدم القتل ولم يكن أمامك أيّها الثائر سوى الدفاع عن نفسك العزيزة لا من أجل وظيفة سماوية أو مهمّة إنسانية علّك تنجو من الموت .
أمّا نحن فنقول:
يا حسين، يا أبا الأحرار، يا قبلة الثوّار، يا مدافِعاً عن القرآن، يا محرّر المظلومين، يا باب نجاة الاُمّة، ويا مصباح الهدى
أنت الحرّ الذي نهضت عن علم ودراية من أجل كسر القيود والأغلال التي كُبِّل بها الناس ، وإيصالهم إلى السموّ والكمال ، وإنقاذ المظلومين من نير المستكبرين يزيد وأعوانه الملعونين ، وقد اجتهدتَ في تحقيق أهدافك حتّى آثرت التضحية والشهادة وسبي أهل بيتك على الحياة التي اعتبرتها بَرَمَاً . لقد نهضت بالأمر من أجل إحياء السنّة وإماتة البدعة ولم يكن همّك سوى الحقّ ، فلم تنفك عن ترديد «ألا ترون أ نّ الحقّ لا يُعمل به» فكأنّي بك تقول: ما أصنع بالحياة هي خالية من مفردات الحقّ والقرآن والإسلام؟
(الصفحة310)
لقد سطّرت بدمك الزكي ملحمة لم ولن يشهد التأريخ مثيلاً لها ، لتبقى صرخاتك تدوّي في نفوس الثوّار ، وليردّد من خلفك المؤمنون «لا نرى الموت إلاّ سعادة» ولينهضوا بالأمر أينما طالعهم عدم العمل بالحقّ والتناهي عن الباطل .
فالموت من أجل الإسلام ليس بموت ، وكيف تموت اُمّة تحيا في أعماقها روح محمّد وعليّ والحسين (عليهم السلام) ، ستبقى كعبة تزورك الثوّار وهي تلهج بقلوبها ومشاعرها قبل لسانها:
نشهد أنّك جاهدتَ في الله حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنبه واستنقذت العِباد من الجهالة وحَيرة الضلالة . ونشهد أنّك نور الله الذي لم يطفأ ولن يطفأ أبداً ، وأنّك وجه الله الذي لم يهلك ولن يهلك أبداً .
وهذا ليس صوتنا بل صوت القرآن الحكيم: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (1).
وأخيراً نرجو من جميع الإخوة القرّاء أن ينظروا بعين العفو والصفح لما كان قد بدر منّا من زلل وخطأ وأن يتحفونا بما لديهم من آراء ومقترحات من شأنها خدمة الإسلام والمسلمين ، كما نودّ أن نلفت انتباه الإخوة إلى أنّنا كنّا ننوي أن نجعل بحث «آية التطهير» من ضمن مباحث هذا الكتاب إلاّ أنّنا تحاشينا زيادة حجم الكتاب عن الحدّ المتعارف ، وقد قمنا بطبع هذا البحث بصورة مستقلّة ليطّلع عليها القرّاء الأعزّاء . وما توفيقي إلاّ بالله العزيز ، عليه توكّلتُ وإليه أُنيب .
الإشراقي ـ اللنكراني
(1) سورة آل عمران: الآية 196.
(الصفحة311)
مصادر التحقيق
1 ـ اثبات الهداة، لمحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين، المعروف بالحرّ العاملي (1033 ـ 1104) المطبعة العلميّة، قم، 1404 هـ .
2 ـ الأحاديث الغيبيّة، تأليف ونشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاُولى، 1415 .
3 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (من أعلام القرن السادس) دار الاُسوة، قم، الطبعة الثالثة، 1422 هـ .
4 ـ الاختصاص، لأبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 412) دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ .
5 ـ اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385 ـ 460) جامعة مشهد، 1348 ش .
6 ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، لأبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 412) مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) ، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ .
7 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى، لأمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (م 548) مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الاُولى، 1417 هـ .
8 ـ أعيان الشيعة، للسيّد محسن بن عبد الكريم بن عليّ بن محمد الأمين الحسيني العاملي (1281 ـ 1371) دار التعاريف، بيروت، الطبعة الخامسة، 1420 هـ .
9 ـ إقبال الأعمال، للسيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس (589 ـ 664) نشر مكتبة الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1419 هـ .
10 ـ الأمالي، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (م 381) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1417 هـ .
11 ـ الأمالي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1414 هـ .
12 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، للعلاّمة المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037 ـ 1110، 1111) دار الكتب الإسلامية، طهران .
13 ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (عليهم السلام) ، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار (م 290) مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم المقدّسة، 1404 هـ .
14 ـ تاج العروس، لأبي الفيض محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبيدي الحسيني، الملقّب بمرتضى (1145 ـ 1205) دار الفكر، بيروت، 1414 هـ .
15 ـ تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 ـ 310) مطبعة الإستقامة، القاهرة، 1357 هـ .
16 ـ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، للسيد شرف الدين عليّ الحسيني الأسترابادي النجفي، (من مفاخر أعلام القرن العاشر) مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1407 هـ .
17 ـ التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت بالاُفست عن مكتبة الأمين في النجف الأشرف .
18 ـ تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ، لأبي محمد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني الحلبي (من أعلام القرن الرابع) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 هـ .
19 ـ تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي، المعروف بالعيّاشي (من أعلام القرن الثالث الهجري) المكتبة العلميّة الإسلاميّة،طهران، الطبعة الاُولى، 1381 هـ .
20 ـ تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الشافعي، المعروف بابن كثير (700 ـ 774) دار المعرفة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1406 هـ .
21 ـ تفسير القمي، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (من أعلام قرني 3 و 4) مطبعة النجف، النجف، 1386 هـ . الطبعة الثانية، بيروت، 1387 هـ .
22 ـ تفسير فرات، لأبي القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي (من أعلام الغيبة الصغرى) مؤسّسة الطباعة والنشر لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، الطبعة الاُولى، 1410 هـ .
23 ـ تفسير كنز الدقائق، لميرزا محمد المشهدي ابن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمّي (م حدود 1125) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1407 ـ 1413 هـ .
24 ـ تفسير المنار، لمحمد رشيد بن رضا بن محمد بن محمد بن عليّ القلموني (1282 ـ 1354) تقريراً لأبحاث استاذه محمد عبده بن حسن خير الله (1266 ـ 1323) دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية بالاُفست عن الطبعة الاُولى بمطبعة المنار، 1342 هـ .
25 ـ تفسير نور الثقلين، لعبد علي بن جمعة العروسي العويزي (م 1112) تحقيق هاشم الرسولي المحلاتي . المطبعة العلميّة، قم، 1383 هـ .
26 ـ حلية الأولياء، لأحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني، المعروف بـ «أبونعيم الأصبهاني» (336 ـ 430) دار الكتب العلميّة، بيروت .
27 ـ الخرائج والجرائح، لأبي الحسين سعيد بن عبدالله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن، الشهير بـ «قطب الدين الراوندي» (م 573) مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1409 هـ .
28 ـ الخصائص الكبرى، لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر بن محمد السيوطي المصري الشافعي (849 ـ 911) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1405 هـ .
29 ـ دلائل الإمامة، لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري (من أعلام القرن الخامس الهجري) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1413 هـ .
30 ـ دلائل النبوّة، لأحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني، المعروف بـ«أبو نعيم الأصبهاني (336 ـ 430) دار النفائس، بيروت، الطبعة الثانية، 1406 هـ .
31 ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، لمحبّ الدين أبي العبّاس أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري (615 ـ 694) مكتبة الصحابة، جدّة، مكتبة التابعين، القاهرة، الطبعة الاُولى، 1415 هـ .
32 ـ رجال الطوسي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385 ـ 463) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1415 هـ .
33 ـ روضة الواعظين، لأبي جعفر الشهيد محمد بن الحسن بن عليّ بن أحمد بن علي بن يوسف الفتّال النيسابوري، المشتهر بابن الفتّال (م 508) مطبعة الحكمة، قم .
34 ـ الرياض النضرة، لمحبّ الدين أبي العبّاس أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري (615 ـ 694) دار الكتب العلميّة، بيروت .
35 ـ شرح نهج البلاغة، لعبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين المدائني، المعروف بابن أبي الحديد (586 ـ 655) مؤسّسة إسماعيليان، قم .
36 ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، لرضيّ الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد، المعروف بابن طاووس (589 ـ 664) مطبعة الخيّام، قم، 1400 هـ .
37 ـ علل الشرائع، لأبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، النجف، 1385 هـ .
38 ـ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، لأبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (م 381) دار العلم، قم، 1377 هـ .
39 ـ فرائد الاُصول، المعروف بـ الرسائل، للشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري (1214 ـ 1281) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاُولى، 1419 هـ .
40 ـ الفصول المهمّة في معرفة الأئمة (عليهم السلام) ، لعليّ بن محمد بن أحمد بن عبدالله المالكي المكّي، الشهير بابن الصبّاغ (784 ـ 855) دار الحديث، قم، الطبعة الاُولى، 1422 هـ .
41 ـ الفقيه (من لايحضره الفقيه) ومشيخته، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، (م 381) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، 1390 هـ .
42 ـ قاموس الرجال، للشيخ محمد تقي بن كاظم بن محمد علي بن جعفر التستري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 هـ .
43 ـ الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1388 ـ 1389 هـ .
44 ـ كامل الزيارات، لأبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمّي (م 368) نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاُولى، 1417 هـ .
45 ـ الكامل في التاريخ، لعزّ الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير (555 ـ 630) دار صادر، بيروت، 1385 هـ .
46 ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (عليهم السلام) ، لبهاء الدين عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (م 693) المطبعة العلميّة، قم، بالاُفست عن مكتبة بني هاشم، تبريز، 1381 هـ .
47 ـ كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر، لأبي القاسم عليّ بن محمد بن عليّ الخزّاز القمّي الرازي (من أعلام القرن الرابع) انتشارات بيدار، مطبعة الخيّام، قم، 1401 هـ .
48 ـ كمال الدين وتمام النعمة، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1416 هـ .
49 ـ لواعج الأشجان في مقتل الحسين (عليه السلام) ، للسيد محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي (1281 ـ 1371) نشر مكتبة بصيرتي، قم .
50 ـ مثير الأحزان، لنجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلّي (567 ـ 645) مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم المقدّسة، الطبعة الثالثة، 1406 هـ .
51 ـ مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين بن محمد عليّ بن أحمد بن طريح الرماحي النجفي، المشهور بالطريحي (979 ـ 1085) مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 هـ .
52 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، لأمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 ـ 548) دار الفكر، بيروت، 1414 هـ .
53 ـ محجة البيضاء في تهذيب الأحياء، لمحمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن الكاشاني، المعروف بالفيض (1007 ـ 1091) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1417 هـ .
54 ـ مختصر بصائر الدرجات، لأبي محمد الحسن بن سليمان بن محمد بن خالد الحلّي (من أعلام القرن الثامن الهجري) دار المفيد، بيروت، الطبعة الاُولى، 1423 هـ .
55 ـ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلاّمة المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037 ـ 1110، 1111) دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الاُولى، 1407 هـ .
56 ـ المراجعات، للسيد عبد الحسين شرف الدين يوسف بن إسماعيل الموسوي (1290 ـ 1377) تحقيق حسين الراضي، الجمعيّة الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1402 هـ .
57 ـ مروج الذهب، لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م 346) دار الهجرة، قم، الطبعة الثانية، 1404 هـ .
58 ـ المسند، لأبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (164 ـ 241)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ .
59 ـ مقاتل الطالبييّن، لعليّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمان، المعروف بأبي الفرج الأصبهاني (284 ـ 356) منشورات الشريف الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1416 هـ .
60 ـ معجم رجال الحديث، للسيد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي (1317 ـ 1413) مركز نشر آثار الشيعة، قم، الطبعة الرابعة، 1410 هـ .
61 ـ مقتل الحسين (عليه السلام) (وقعة الطف)، للمؤرّخ لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي (م 158) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1367 ش .
62 ـ الملهوف على قتلى الطفوف، للسيّد رضي الدين أبي القاسم عليّ بن سعد الدين أبي ابراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن طاووس (589 ـ 664) دار الاُسوة، قم، الطبعة الاُولى، 1414 هـ .
63 ـ المناقب، للحافظ أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد بن محمد البكري المكّي الحنفي، المعروف بـ أخطب خوارزم (484 ـ 568) مكتبة نينوى الحديث، طهران
64 ـ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) انتشارات علاّمة، المطبعة العلميّة، قم .
65 ـ منتهى الآمال، للشيخ عباس القمّي (1294 ـ 1359)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1415 هـ .
66 ـ المنجد في اللغة والأعلام، لويس معلوف، مؤسّسة انتشارات دار العلم، قم، الطبعة الاُولى، 1382 ش .
67 ـ الميزان في تفسير القرآن، للعلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي (1321 ـ 1403) مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة، 1393 هـ .
68 ـ نهج البلاغة من كلام مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، تحقيق الشيخ محمد عبده، الناشر سفارة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في دمشق .
69 ـ نوادر الأخبار، للعلاّمة محمد بن مرتضى المعروف بالمولى محسن، والمشهور بالفيض الكاشاني (1007 ـ 1091) مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، طهران، 1370 ش .
70 ـ وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة)، للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 ـ 1104) مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) ، قم، الطبعة الاُولى، 1409 ـ 1412 هـ .
71 ـ ينابيع المودّة لذوي القربى، للشيخ سليمان بن إبراهيم الفندوزي الحنفي (1220 ـ 1294) مطبعة الاُسوة، قم، الطبعة الاُولى، 1416 هـ .
|
|