صفحه 21
بالتعبّد ، كذلك لا يقدح فيه التعارض المنطقي الفعلي ، كالتعارض بين العامّ والخاصّ، حيث إنّهما متعارضان عقلاً; لأنّ الموجبة الكلّية نقيضها السالبة الجزئيّة وبالعكس ، إلاّ أنّهما غير متعارضين عند العقلاء في خصوص مورد التقنين ، كما ذكرنا في علم الاُصول(1) . نعم ، ما أفاده الشيخ(قدس سره)، فإنّه وإن كان يرد عليه أنّ التعارض الخارج عن أدلّة العلاج هو ما لا يكون تبرّعياً، إلاّ أنّه حقّ بالإضافة إلى المرجّحات السنديّة من الأفقهيّة والأورعيّة والأصدقيّة ومثلها في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين، كما هو المفروض في كلام الشيخ(قدس سره) ، وأمّا بالإضافة إلى سائر المرجّحات مثل الشهرة وموافقة الكتاب ومثلهما فلا.
ثمّ إنّ بعض الأعلام(قدس سره) أفاد في المقام بعد أن حكى الوجوه الخمسة للجمع بين الروايات عن الفقهاء العظام قديماً وحديثاً على ما في تقريراته ما ملخّصه: أنّه لايجوز العمل بروايات المنع لوجهين :
الأوّل: عدم استيفائها شرائط الحجّية بنفسها ، أمّا رواية ابن شعيب فلضعف سندها (2) لجهالة علي بن مسكين أو سكن ، وكذا رواية دعائم الإسلام للإرسال(3)، وتوهّم انجبارهما بعمل المشهور توهّم فاسد; فإنّه مضافاً إلى فساد الكبرى أنّ الحكم غير مختصّ بالعذرة، بل شامل لغيرها من النجاسات .
وأمّا رواية سماعة، فهي وإن كانت موثّقة إلاّ أنّه لايجوز الاعتماد عليها، إمّا لإجمالها لمعارضة صدرها مع ذيلها إن كانت رواية واحدة، وإمّا للتعارض
(1) سيرى كامل در اصول فقه 8 : 85 ـ 87 . (2) جواهر الكلام 22: 17. (3) دعائم الإسلام 2: 18 ح22، وعنه مستدرك الوسائل 13: 71، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح5.
صفحه 22
والتساقط لو كانت روايتين، كما تؤيّده القرائن الكثيرة والاُمور المتعدّدة(1) ، انتهى موضع الحاجة .
قلت : ـ مضافاً إلى ما مرّ من أنّ الشهرة جابرة، وعدم اختصاصها بالعذرة، بل العموميّة لسائر النجاسات لا يقدح في ذلك ـ قد ذكرنا أنّ موثّقة سماعة سواء كانت واحدة أو متعدّدة يجري فيها قواعد باب التعارض سوى المرجّحات السنديّة على فرض الوحدة ، وقد ذكرنا في محلّه(2) أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة هي الشهرة الفتوائيّة، وهي موافقة مع روايات المنع أو روايته، فلابدّ من الالتزام به وأنّ بيع العذرة محرّم تكليفاً، ولا يبعد إلغاء الخصوصيّة من كلمة «العذرة» ـ على تقدير الاختصاص بعذرة الإنسان ـ إلى مطلق المدفوعات النجسة وإن لم تكن للإنسان وكان صاحبها غير نجس العين، كفضلتي الهرّة والفأرة وغيرهما، ولو سلّمنا عدم إلغاء الخصوصيّة فالحكم بالإضافة إلى عذرة الإنسان واضح .
ثمّ إنّه ذكر في ذيل المسألة أنّه لا يجوز التكسّب بها ـ أي بالأعيان النجسة ـ ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة بالتسميد في العذرة، وقد نسب العلاّمة(قدس سره) في محكي التذكرة إلى أبي حنيفة تجويز بيع السرجين النجس; لأنّ أهل الأمصار يتبايعونه لزروعهم من غير نكير(3) ، مع أنّ رواية محمّد بن مضارب الدالّة على
(1) مصباح الفقاهة 1: 90. (2) سيرى كامل در اصول فقه: 16 / 532 ـ 555. (3) تذكرة الفقهاء 10: 31، الحاوي الكبير 6: 470، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء 4: 58، العزيز شرح الوجيز 4: 23، المغني لابن قدامة 4: 302، المجموع شرح المهذّب 9: 218، الشرح الكبير لابن قدامة 4: 14.
صفحه 23
جواز بيع العذرة حسنة يجوز الاعتماد عليها، فلا يبقى حينئذ وجه لما أفاده من عدم جواز التكسّب ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة .
ومنها : ما ورد في الميتة، مثل رواية البزنطي، عن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء، أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال : نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها(1) .
ومن الواضح أنّ الألية المقطوعة من الحيّ بحكم الميتة، فتدلّ الرواية على عدم جواز بيعها في فرض النجاسة كميتة الغنم أو ما هو بحكمها، كما تدلّ على عدم جواز أكلها وحرمته، وهي قرينة على كون المراد من حرمة البيع هي الحرمة التكليفيّة لاالوضعيّة .
ورواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها؟ قال : لا، ولو لبسها فلا يصلِّ فيها(2) ; بناءً على كون المنهي جميع الاُمور المذكورة في السؤال لاخصوص اللبس، وليس النهي عن الصلاة فيها في صورة اللبس قرينة على اختصاص النهي به وغير شامل للبيع، كما لا يخفى .
هذا، مضافاً إلى دلالة رواية تحف العقول على ذلك وإن ناقشنا في دلالة الآيتين نظراً إلى الانصراف إلى الأكل كما مرّ(3) .
(1) قرب الإسناد : 268 ح1066، مستطرفات السرائر: 55 ح8 ، وعنهما وسائل الشيعة 17: 98، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب6 ح6، وفي بحار الأنوار 80 : 77 ح5 عن قرب الإسناد. (2) قرب الإسناد: 268 ح1067، مسائل عليّ بن جعفر(عليه السلام): 139 ح151، وعنهما وسائل الشيعة 17: 96، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح17 وفي بحار الأنوار 103: 71 ح8 عن قرب الإسناد. (3) في ص: 10 ـ 11.
صفحه 24
وفي مقابلها رواية محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي القاسم الصيقل وولده قال: كتبوا إلى الرجل(عليه السلام) : جعلنا الله فداك إنّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة ولاتجارة غيرها ونحن مضطرّون إليها، وإنّما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهليّة لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا، ونحن نصلّي في ثيابنا، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة ياسيّدنا لضرورتنا ؟ فكتب(عليه السلام) : اجعل ثوباً للصلاة، إلى آخر الحديث(1) .
وقد استشكل شيخنا الأعظم الأنصاري(قدس سره) على الاستدلال بالرواية للجواز بما لفظه : ويمكن أن يقال: إنّ مورد السؤال عمل السيوف وبيعها وشراؤها لاخصوص الغلاف مستقلاًّ، ولا في ضمن السيف على أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد ، فغاية ما يدلّ عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمداً للسيف، وهو لاينافي عدم جواز معاوضته بالمال ـ إلى أن قال :ـ مع أنّ الجواب لا ظهور فيه في الجواز إلاّ من حيث التقرير الغير الظاهر في الرِّضا، خصوصاً في المكاتبات المحتملة للتقيّة(2) .
وأجاب عنه بعض الأعلام(قدس سره) على ما في تقريراته بما يرجع إلى أنّ هذا من الغرائب; لأنّ منشأه حسبان أنّ الضمائر في قول السائل: «فيحلّ لنا عملها وشراؤها ومسّها بأيدينا» إلى السيوف، ولكنّه فاسد; فإنّه لا وجه لأن يشتري السيّاف سيوفاً من غيره ، كما لا وجه لسؤاله عن مسّها، وإصراره بالجواب عن كلّ ما سأله ، بل هذه الضمائر ترجع إلى جلود الحمر والبغال المفروض في السؤال ، ومن
(1) تهذيب الأحكام 6: 376 ح1100، وعنه وسائل الشيعة 17: 173، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب38 ح4. (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32 ـ 33.
صفحه 25
المستبعد جدّاً بل من المستحيل عادةً أن يجدوا جلود الميتة من الحمير والبغال بمقدار يكون وافياً بشغلهم بلا شرائها من الغير .
وأمّا ما أفاده من التقيّة في المكاتبات، فهي وإن كانت كثيرة لكونها معرضاً لها من جهة البقاء، ولكنّها في خصوص هذه الرواية غير محتملة; لورودها على غير جهة التقيّة; لذهاب أهل السنّة بأجمعهم إلى بطلان بيع الميتة. والتشكيك في كاشفيّة التقرير عن الرضا، وفي كونه من الحجج الشرعيّة، مع أنّها كسائر الأمارات مشمول لأدلّة الحجّية. ورمي الرواية بالتقيّة نظراً إلى ذهاب العامّة إلى جواز بيع جلود الميتة بعد الدبغ لطهارتها به ، وأمّا قبل الدبغ فلا تصلح للأغماد، يدفعه أنّ أمر الإمام(عليه السلام)بأن يجعلوا ثوباً لصلاتهم على خلاف التقيّة والجهات الاُخر، وذكر في الذيل أنّ الرواية ضعيفة السند فلا تقاوم الروايات المانعة(1) .
وقال سيّدنا الاُستاذ الماتن(قدس سره) في كتابه في المكاسب المحرّمة ما محصّله: أنّ الرواية صحيحة ولا يضرّ بها جهالة أبي القاسم; لأنّ الراوي للكتابة والجواب هو محمّد بن عيسى، وقوله : قال: كتبوا; أي قال محمّد بن عيسى: كتب الصيقل وولده، فهو مخبر لا الصيقل وولده، وإلاّ لقال: كتبنا. واحتمال كون الراوي الصيقل مخالف للظاهر جدّاً، سيّما مع قوله في ذيلها : وكتب إليه ، فلو كان الراوي الصيقل لقال: كتبت إليه.
وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ومحمّد بن عيسى بن عبيد، وهما ثقتان على الأقوى، والمظنون لولا المقطوع به أنّ قوله: «نعمل السيوف» مصحّف عن قوله: نغمد السيوف; فإنّهما شبيهتان في الكتابة.
والشاهد عليه أوّلاً: رواية قاسم الصيقل، الظاهر أنّه ابن أبي القاسم قال : كتبت
(1) مصباح الفقاهة 1: 122 ـ 124.
صفحه 26
إلى الرضا(عليه السلام) : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي، فأُصلّي فيها؟ فكتب إليّ : اتّخذ ثوباً لصلاتك ، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): كنت كتبت إلى أبيك(عليه السلام) بكذا وكذا، فصعب عليَّ ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكيّة ، فكتب إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله، فإن كان ماتعمل وحشيّاً ذكيّاً فلا بأس(1) .
فإنّ الظاهر أنّ المكاتبة المشار إليها في هذه الرواية هي المكاتبة المتقدِّمة، حيث كان ولد أبي القاسم من جملة المكاتبين، واحتمال كون قاسم الصيقل غير ابن أبي القاسم الصيقل بعيد .
وثانياً: أنّ عمل السيوف سواء كان بمعنى صنعتها، أو بمعنى تصقيلها عمل مستقلّ، وهو غير عمل تغميدها الذي كان مبائناً لهما، ومن البعيد قيام شخص واحد بعمل السيوف والأغماد، فلا شبهة حينئذ في أنّ أبا القاسم وولده بحسب هذه الرواية كان عملهم أغماد السيوف، وإنّما سألوا عن بيع الميتة وشرائها وعملها ومسّها، والحمل على بيع السيوف كما صنع الشيخ الأنصاري(2) طرح للرواية الصحيحة الصريحة ، انتهى موضع الحاجة .
إلى أن قال في آخر كلامه : والإنصاف أنّ الرواية ظاهرة الدلالة على جواز بيع جلد الميتة وشرائه وسائر الاستفادات منه ، بل يظهر من ذيل الثانية، أي قوله(عليه السلام) : «كلّ أعمال البرّ بالصبر» أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة، فيكون شاهد جمع بينها، وبين ما دلّت على أنّ الميتة لا ينتفع بها، أو جلد الميتة لا ينتفع به، وهو الحمل على
(1) الكافي 3: 407 ح16، تهذيب الأحكام 2: 358 ح1483، وعنهما وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب34 ح4. (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32.
صفحه 27
الكراهة فيما لا محذور في الانتفاع بها ، مع أنّها أخصّ مطلقاً من روايات المنع مطلقاً، إلى آخره (1).
والظاهر أنّ مراده أنّ القاسم المذكور في الرواية هو الذي كان شريكاً مع أبيه ـ المكنّى بأبي القاسم ـ في الكتابة إلى الرجل الذي يكون المقصود منه هو الرضا(عليه السلام)بقرينة هذه الرواية، فيكون المراد أنّ القاسم وأباه قد اشتركا في الكتابة إلى الرِّضا(عليه السلام)، واختصّ الابن بالكتابة إلى الجواد(عليه السلام)، ولم يظهر لي وجه ما استظهره من ذيل الرواية الثانية ـ وهو قوله(عليه السلام) : «كلّ أعمال البرّ بالصبر» من أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة ـ حتّى يكون شاهد جمع بين الروايات المانعة ودليل الجواز، بالحمل على الكراهة; فإنّ الصبر على أقسام :
صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على النائبة ، ومن الواضح أنّ الصبر في مقابل الواجبات وكذا في مقابل المعاصي واجب .
وعليه: فالرواية تدلّ على جواز بيع جلود الميتة للأغماد، كما حكي عن الفاضلين في مختصر الشرائع وإرشاد الأذهان(2) من جواز الاستقاء بجلود الميتة للزراعة، ولازمه جواز المعاوضة عليها لذلك. وإن كانت استفادة الكراهة من القضيّة المفهوميّة في آخر الرواية الدالّة على ثبوت البأس فيما إذا كان عمله من جلود الحمر غير الوحشيّة الذكيّة ، فيرد عليه: عدم ثبوت المفهوم عنده(قدس سره) مطلقاً ولو للقضيّة الشرطيّة، مع أنّ ثبوت البأس لا ظهور فيه في الكراهة حتّى يكون شاهد جمع في المقام .
(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 74 ـ 75. (2) المختصر النافع: 366، إرشاد الأذهان 2: 113.
صفحه 28
نعم، ما أفاده في الذيل ـ من أنّ ما يدلّ على الجواز أخصّ مطلقاً من روايات المنع ـ حقّ لا محيص عنه ، كما أنّ ما أفاده الشيخ في آخر كلامه(1) تقريباً ممّا يرجع إلى أنّ اشتمال رواية المنع على التعليل بحرمة الانتفاع بالميتة دليل على اختصاص الحكم بالمنع بما إذا كان المقصود منفعة محرّمة، وإلاّ ففي صورة العدم وثبوت المنفعة المحلّلة العقلائيّة لا مجال لعدم الجواز; لأنّ قصر الحكم المعلّل وسعته تابعان للتعليل الذي علّل الحكم به، وقد اشتهر أنّ التعليل يعمّم ويخصّص ، ففي مثل قوله : «لاتأكل الرمّان لأنّه حامض» يدلّ على اختصاص الحكم بالرمّان الحامض، كما أنّه يدلّ على عدم الاختصاص بالرمّان، بل يشمل مطلق الحامض .
ومنها : ما ورد في الدم، وقد عرفت(2) ورود آيتين في تحريم الدم وتعلّق الحرمة بالعين، ولازمه كون المتعلّق جميع الأفعال المتعلّقة به الظاهر في حرمة الجميع، الذي منها التكسّب والاتّجار به، لكنّك عرفت(3) أنّ الظاهر الانصراف إلى مثل الشرب المتعلّق به، وإلاّ ففي مثل زماننا من ثبوت المؤسّسات المتعدّدة المتصدّية لتزريق الدم وشرائه وبيعه، يكون مقتضى التعليل المذكور في رواية تحف العقول أنّه لا مانع من جواز التكسّب بالدم لتزريق المرضى المحتاجين إليه لأجل التصادف أو نقصان الدم ذاتاً ، ولا حاجة حينئذ إلى فرض جواز الصبغ بالدم كما صنعه الشيخ(4)، خصوصاً مع كونه منفعة غير معتدّ بها .
هذا، مضافاً إلى إطلاق الدليل وشموله(5) للدم غير النجس كالدم المتخلِّف في
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32 ـ 33. (2، 3) في ص 9 ـ 10 . (4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 27. (5) دعائم الإسلام 2: 18 ح22 و 23، عوالي اللئالي 2: 110 ح301.
صفحه 29
الذبيحة مع اشتراكه مع الدم النجس في حرمة الأكل ولو لأجل الخباثة، كما أنّ الآيتين ناظرتان إلى الميتة النجسة ولا تشملان الميتة الطاهرة، كما إذا مات السمك في الماء; فإنّه لا ينبغي الإشكال في جواز التكسّب به للمنفعة المحلّلة .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ ما يدلّ على أنّ عليّاً (عليه السلام) نهى القصّابين عن بيع سبعة ومنها الدم(1)، يكون المراد به الدم المسفوح غير الشامل للدم المتخلّف في الذبيحة، لالأجل قلّته وتبعيّته للحيوان ، بل لأجل عدم نجاسته وكون المنفعة المقصودة منه غير محرّمة .
ومنها : ما ورد في الخمر من الآيات والروايات(2); مثل قوله ـ تعالى ـ : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَْنصَابُ وَالاَْزْلَـمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـنِ فَاجْتَنِبُوهُ}(3)، ولكنّك عرفت الانصراف إلى مثل الشرب، خصوصاً بعد تداوله ومضيّ زمان إلى أن جاء الحكم بالنجاسة والحرمة، وفي بعض الروايات أنّه اُتي النبيّ(صلى الله عليه وآله) في المدينة بظرفين مشتملين على الخمر فأمر بإهراقهما(4) . وهذا يدلّ على انتشار الحكم في الأزمنة المتأخّرة بتقريب ما مرّ من أنّ الاجتناب المطلق دليل على حرمة جميع ما يتعلّق به من الأفعال ، ولكن عرفت منع ذلك وأنّه إنّما ينصرف إلى التصرّف المتداول الشائع بالإضافة إليه وهو الشرب .
(1) الكافي 6: 253 ح2، تهذيب الأحكام 9: 74 ح315، الخصال: 341 ح4، وعنها وسائل الشيعة 24: 171، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب31 ح2. (2) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب55. (3) سورة المائدة 5: 90. (4) الكافي 5: 230 ح2، تهذيب الأحكام 7: 136 ح601، وعنهما وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب55 ح1.
صفحه 30
وهكذا قوله ـ تعالى ـ : {وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ}(1) وإن كان الحمل على أنّ المراد بالرجز هي النجاسة والنجس في غاية البُعد ، كما أنّ حمل قوله : {وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(2)على لزوم تطهير الثياب للصلاة لا يناسب مع نزوله في أوّل الإسلام وإن احتمله سيّدنا الاُستاذ الماتن(قدس سره) في مكاسبه المحرّمة(3) .
هذا ، ولكن أصل الحكم ـ وهي حرمة التكسّب والاتّجار بالخمر ـ ممّا قام عليه النصّ(4) والإجماع(5) كما أفاده الشيخ الأعظم(قدس سره)(6) ، ولكن هنا رواية لابدّ من إيرادها والتأمّل فيها، وإلاّ فالرواية الدالّة على لعن بائع الخمر ومشتريها لا مجال للمناقشة فيها وفي دلالتها على حرمة التكسّب بالخمر والاتّجار به .
وتلك الرواية هي صحيحة جميل قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً ، فقال : خذها ثمّ أفسدها . قال عليّ : واجعلها خلاًّ(7) . هكذا تكون الرواية في الوسائل ، لكن جعل الشيخ(قدس سره) التفسير من محمّد بن أبي عمير، وقال في توضيحه: والمراد به إمّا أخذ الخمر مجّاناً ثمّ تخليلها، أو أخذها
(1) سورة المدّثّر 74: 5. (2) سورة المدّثّر 74: 4. (3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 20. (4) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب55. (5) الخلاف 3: 185 ـ 186، تذكرة الفقهاء 10: 25، منتهى المطلب 2: 1008 أوّل المقصد الثاني، الطبعة الحجرية، رياض المسائل 8 : 40، جواهر الكلام 22: 10. (6) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 42. (7) تهذيب الأحكام 9: 118 ح508، الاستبصار 4: 93 ح358، وعنهما وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، ب 31 ح 6.
صفحه 31
وتخليلها لصاحبها، ثمّ أخذ الخلّ وفاءً عن الدراهم(1) .
هذا، ولكن ذكرالاُستاذالماتن(قدس سره)أنّه يمكن أن يكون المرادمن عليّ أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ويمكن أن يكون المراد عليّ بن حديد الواقع في سلسلة رواة الحديث(2) .
وكيف كان، فقد أورد المحقّق الايرواني على الشيخ بأنّ المالك لم يعط الخلّ وفاءً، وإنّما أعطى الخمر، فكيف يأخذ الخلّ وفاءً بلا إذن جديد من المالك ؟ مع أنّ هذا مبنيّ على اجتهاد ابن أبي عمير من كون المراد من الإفساد التخليل، لِمَ لا يكون المراد منه جعلها خمراً فاسدة لا يرغب فيها؟ وليس في الرواية إشارة إلى أخذها بدلاً عن الدرهم . نعم ، هو مجرّد إيهام لا حجّية فيه، فيحكم ببقاء الدراهم في الذمّة . وأمّا الخمر فيفسدها حسماً لمادّة الفساد(3) .
أقول : الظاهر من الرواية أنّ المديون إنّما يعطي الخمر بدلاً عمّا هو عليه من الدين، وحينئذ فالظاهر دلالتها على أنّه بعد التخليل يجوز للدائن استيفاء دينه منه، وحينئذ إن قلنا بأنّ المراد من عليّ أمير المؤمنين ـ كما هو مستبعد جدّاًـ يكون المراد من التخليل استيفاء الدين منه، ولو فرض كونه تقاصّاً وأنّ التقاصّ يحتاج إلى إذن من الحاكم يكون ذلك إذناً من المولى بالإضافة إلى التقاصّ ، كما أنّ الأمر كذلك بناءً على التفسير الثاني وإن كان لا حجّية فيه بوجه ، غاية الأمر أنّ الآذن حينئذ الإمام الصادق(عليه السلام)، فتدبّر .
ومن جملة ما يحرم التكسّب به المنيّ، فقد ذكر الشيخ الأعظم(قدس سره) أنّه لا إشكال في حرمة بيع المنيّ لنجاسته وعدم الانتفاع به إذا وقع خارج الرحم ، ولو وقع فيه
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 42. (2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 46. (3) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 39 ـ 40.
صفحه 32
فكذلك لاينتفع به المشتري; لأنّ الولد نماء الاُمّ في الحيوانات عرفاً، وللأب في الإنسان شرعاً ، لكنّ الظاهر أنّ حكمهم بتبعيّة الاُمّ متفرّع على عدم تملّك المني، وإلاّ لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع ، فالمتعيّن التعليل بالنجاسة، لكن قد منع بعض من نجاسته إذا دخل عن الباطن إلى الباطن(1) ، انتهى موضع الحاجة فعلاً .
أقول : هنا جهات من الكلام لابدّ من الإشارة إليها :
الاُولى : أنّ عدم الانتفاع بالمني لو وقع خارج الرحم إنّما كان بحسب المعمول المتداول في تلك الأزمنة، وإلاّ ففي زماننا قد اُسّست مؤسّسات في الخارج وفي الداخل لصيرورة المرأة التي كانت عقيماً صاحبة الولد بتزريق منيّ الزوج في رحمها مع رعاية شرائط مقرّرة وخصوصيّات معيّنة، وصيرورتها صاحبة الولد بعد مدّة، وهذا مع قطع النظر عن المقارنات المحرّمة من جهة تصدّي الرجل له، أو المرأة التي يحرم عليها أيضاً النظر إلى عورة مثلها، أو الالتزام بالجواز في بعض موارد الضرورة يوجب اتّصاف المنيّ بقابليّة الانتفاع; لصيرورة المنيّ الواقع خارج الرحم ولداً بعد مدّة، وهذا ثابت لا بالنقل العادي ومثل خبر الواحد ، بل متواتر جدّاً، فالتعليل بعدم الانتفاع بالمنىّ الواقع خارج الرحم غير صحيح بالإضافة إلى هذه الأزمنة .
وحينئذ يجوز للزوج أخذ العوض في مقابل منيّه التي أراقها حتّى من الزوجة، ومجرّد النجاسة غير صالحة للمنع، فقد عرفت(2) اشتمال رواية تحف العقول على التعليل المقتضي لقصر الحكم بالفساد والحرمة على صورة عدم الانتفاع بالمحرّم، كما
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 29. (2) في ص 11 .
صفحه 33
عرفت في الدم والميتة(1) .
الثانية : أنّ ما اُشير إليه في كلام الشيخ المتقدّم ـ من أنّ الولد تابع للاُمّ في الحيوان وللأب في الإنسان ـ إنّما هو مبنيّ على ما استقرّت عليه السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشرع، الثابتة في أذهان المتشرّعة من أنّه إذا أولد الفحل حيواناً اُنثى كالشاة مثلاً يكون ولدها ملحقاً بها، من دون فرق بين اختلاف المالكين واتّحادهما، ومن دون فرق بين ما إذا كان الفحل معلوماً أو مجهولاً، فإذا أرسل شاته الاُنثى إلى ماشية لغيره ثمّ صارت شاته حبلى يكون الولد ملحقاً بالاُمّ مطلقاً .
وأمّا في الإنسان فيكون الولد للأب وإن كان العمل عن غير وطء صحيح; لأنّ انتفاء النسبة لا يكون مبتنياً على الشرع والوطء الصحيح، بل النسبة العرفيّة متحقّقة بالإضافة إلى جميع الموارد ، غاية الأمر عدم ترتّب التوارث شرعاً . وأمّا سائر الأحكام المترتّبة على ثبوت النسبة العرفيّة فهي مترتّبة على الوطء غير الصحيح أيضاً، كحرمة الزواج مع الولد إذا كان اُنثى وجواز النظر إليها، وهكذا سائر الأحكام على ما في كتاب النكاح .(2)
الثالثة : أنّ المني إذا دخل من صلب الفحل إلى رحم الاُنثى من دون أن يرى لون الخارج يكون طاهراً ظاهراً، كالدم والبول الثابتين في الباطن; فإنّهما غير نجسين مادام كونهما كذلك، فالتعليل بالنجاسة على فرض كونها من حيث هي مانعة غير جار هنا .
الرابعة : أنّه قد أفاد الشيخ(قدس سره) أنّه قد ذكر العلاّمة من المحرّمات بيع عسيب
(1) في ص 23 ـ 29 . (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 136 ـ 137.
صفحه 34
الفحل(1); وهو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم ، كما أنّ الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار، كما في جامع المقاصد(2) وعن غيره(3)، وعلّل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة وعدم القدرة على التسليم(4) ،(5).
واُورد على التعليل بالجهالة بأنّ الغرر المنهي في البيع إنّما هو بالإضافة إلى مايختلف الأغراض بالنظر إلى مقداره وكمّيته . وأمّا فيما لا أثر له من هذه الجهة فلامانع من صحّة البيع من هذه الجهة، وهذا كما في المقام على ما لا يخفى . كماأنّه قدأورد على التعليل بالثاني بأنّ المعتبر من القدرة هي القدرة العرفيّةوهي حاصلة(6).
ثمّ إنّ هنا عنواناً اُخر; وهي إجارة الفحول والتكسّب من هذه الناحية; لكون اجتماعها مع الاُنثى الموجب لصيرورتها ذات الولد نوعاً ويعدّ من منافعه العقلائيّة، فلا مانع من إيجادها واستئجارها لهذه الجهة والتكسّب به . والظاهر أنّ مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في هذه الجهة من طريق العامّة(7) والخاصّة(8) هو الحكم بالكراهة وعدم المنع، كعطف كسب الحجّام عليه في بعض الروايات (9).
(1) تحرير الأحكام الشرعيّة 2: 255 ـ 256، تذكرة الفقهاء 10: 67 مسألة 39. (2) جامع المقاصد 4: 53. (3) نقله عن حواشي الشهيد في مفتاح الكرامة 12: 470. (4) غنية النزوع: 212. (5) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 29 ـ 30. (6) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 34. (7) صحيح البخاري 3: 74، ب 21، عسب الفحل ح2284، السنن الكبرى للبيهقي 8 : 249، باب النهي عن عسب الفحل ح11005ـ 11007. (8) وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح13 و 14 وص111 ب12. (9) المسند لأحمد بن حنبل 3: 159 ح7981 وص 227 ح8397 وص392 ح9383، سنن النسائي 7: 311، كتاب البيوع، باب بيع ضراب الجمل.
صفحه 35
ومن مصاديق الأعيان النجسة: الكلب وإن لم يعطف على لحم الخنزير في الآيتين المتقدّمتين المشتملتين على لحم الخنزير(1) ، ولعل العلّة في عدم ذكره معه عدم تعارف أكل لحمه والاستفادة منه بخلاف الخنزير وإن كان مشتركاً معه عندهم في هذه الجهة، ولكن حيث إنّ بعض مصاديقه داخل وباق في المستثنى منه، وبعض مصاديقه أخرجه في ذيل العبارة في أصل المسألة المذكورة في المتن، فاللازم بيان حكم جميع المصاديق، خصوصاً مع أنّه إنّما ينتفع به في هذه الأزمنة لبعض الأغراض المهمّة; كالتجسّس بالإضافة إلى الموادّ المخدّرة بالنسبة إلى المسافرين الداخلين من مملكة إلى اُخرى .
فنقول: له مصداقان متيقّنان في جانبي النفي والإثبات :
أمّا المصداق المتيقّن في جانب النفي، فهو كلب الهراش الذي لا يترتّب عليه أيّة فائدة من الاصطياد والحراسة أصلاً ، بل الغرض نفسه وعنوانه كما يرى بالنسبة إلى الغربيّين الملازمين للكلب نوعاً، وهو داخل في أجزاء ما يعيشونه وفي منازلهم، بل وفي محالّ نومهم واستراحتهم، وربما يعدّون له الموادّ الغذائيّة وينظّفونه في الحمّام وغيره، ويكون معهم أينما كانوا ، ومن المؤسف سراية هذه الجهة إلى بعض الممالك الإسلاميّة والجوامع المتشرّعة شيئاً فشيئاً ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ وراء هذه القضيّة الاستكبار العالمي المخالف لعقائد الإسلام والساعي إلى تخريب عقائد المسلمين وتزلزل عقيدتهم، وإيقاف الثورة الإسلاميّة الموجبة لقطع أيادي المستعمرين وسلب منافعهم ودفع سلطتهم .
وكيف كان، فالمصداق المتيقّن في جانب الإثبات، فهو كلب الصيد المنسوب إلى
(1) في ص: 9 ـ 10.
صفحه 36
السلوق الذي هي قرية باليمن وأكثر كلابها صيود وإن كانت النسبة بين الصيود وبين السلوقي عموماً من وجه .
وبين هذين المصداقين المتيقّنين مصاديق متعدّدة; من كلب غير السلوقي، وكلب غير الصيد منه، وكلب الموارد المذكورة في المتن، والكلب في المثال الذي ذكرنا، والكلاب غير المعلَّمة والمعلَّمة .
والروايات الواردة في هذا المجال على طائفتين :
الاُولى : ما يتوهّم منها الإطلاق والدلالة على حرمة التكسّب بالكلب مطلقاً، ولكن لا يجوز التمسّك بإطلاقها; لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة وإن كان يوجد بينها روايات صحيحة أو موثّقة.
كموثّقة السكوني، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن(1) .
ورواية الحسن بن علي الوشّاء قال : سُئل أبو الحسن الرضا(عليه السلام)عن شراء المغنّية؟ قال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلاّ ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، والسّحت في النار(2) .
وهذه الرواية تدلّ على أنّ المراد بالسحت الحرمة وإن كنّا قد قلنا باستعماله في المكروه كما عرفت(3) .
(1) الكافي 5: 126 ح2، تهذيب الأحكام 6: 368 ح1061، الخصال: 329 ح25، تفسير القمّي 1: 170، وعنها وسائل الشيعة 17: 93، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح5. (2) الكافي 5: 120 ح4، تهذيب الأحكام 6: 357 ح1019، الاستبصار 3: 61 ح202، وعنها وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح6. (3) في ص: 19.
صفحه 37
الثانية : ما يدلّ على جواز بيع كلب الصيد، مثل :
رواية محمّد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، ثمّ قال : ولا بأس بثمن الهرّ(1) .
ورواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : ثمن الخمر، ومهر البغي، وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت(2) .
ورواية أبي عبدالله العامري قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن ثمن الكلب الذي لايصيد؟ فقال : سحت ، وأمّا الصيود فلا بأس(3) .
وقبل الخوض في بيان المراد من هذه الروايات ومقابلاتها يبدو في النظر أنّه ينبغي التنبيه على اُمور ذكر بعضها الإمام الماتن(قدس سره) :
الأوّل : أنّ إنكار المفهوم في القضايا المفهوميّة التي في رأسها القضايا الشرطيّة كما حقّقناه في الاُصول في بحثه(4)، لا يرجع إلى عدم مدخليّة القيد في الحكم المذكور فيها بحيث كان وجوده كالعدم وذكره كعدم الذكر، وإلاّ يبقى السؤال على المتكلِّم الحكيم أنّه لِمَ أتى بهذا القيد الذي وجوده كالعدم، بل مرجعه إلى عدم ثبوت العلّية التامّة المنحصرة لثبوت الحكم . وعليه: فلا ينافي ثبوت الحكم في مورد آخر أيضاً ، فمرجع نفي المفهوم في قضيّة «إن جاءك زيد فأكرمه» هو عدم كون مجيئه علّة
(1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح1017، وعنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح3. (2) تهذيب الأحكام 7: 135 ذ ح599، وعنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 7 وص 119 ب14 ح6 وص 225 ب 55 ذ ح6. (3) الكافي 5: 127 ح5، وعنه وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح1. (4) سيرى كامل در اصول فقه 8 : 445 ـ 449.
صفحه 38
منحصرة لثبوت الحكم بوجوب الكلام، ومن الممكن قيام أمر آخر مقام المجيء في الوجوب، كصيرورته طالب العلم مثلاً .
الثاني : أنّ تخصيص الحكم بالكلب المنسوب إلى السلوقي ـ مع كونه قرية خاصّة في مملكة اليمن، ودين الإسلام مبنيّ على التوسعة العالميّة والأبديّة الزمانيّة ـ في غاية البُعد، خصوصاً مع أنّ الأئمّة(عليهم السلام) والرواة الحاكين عنهم(عليهم السلام) لم يكونوا من أهل تلك القرية، وخصوصاً مع ثبوت الكلاب غير المعلّمة للصيد فيها كثيراً ، غاية الأمر أكثريّة العكس التي لاتوجب الانصراف بوجه; لأنّ غلبة الوجود لا تكون منشأً للانصراف، وغلبة الاستعمال غير واقعة .
الثالث : أنّه ذكر الاُستاذ الماتن(قدس سره) أنّه لا يوجد في شيء من الأخبار الواردة في حكم بيع الكلاب جوازاً ومنعاً، المذكورة في كتاب التجارة من الوسائل في أبواب مختلفة إشعار بثبوت وصف كونه معلّماً، وهذا بخلاف الأخبار المذكورة في كتاب الصيد والذباحة; فإنّ كثيراً منها مشعر بذلك(1) .
الرابع : أنّه أفاد أيضاً أنّه لا يكون من الكلب الذي يصيد أو لا يصيد هو الصيد وعدمه بالإضافة إلى خصوص الحيوان الذي يحلّ أكل لحمه كالغزال ، بل المراد الاصطياد ولو بالإضافة إلى محرّم الأكل كالكلب بالإضافة إلى مثل الذئب لتوقّف حراسة الماشية عليه(2) .
الخامس : أنّ الحكم في المقام لا يرتبط بقضيّة المفهوم ; لأنّ التعرّض في الروايات قد وقع بالإضافة إلى كلا القسمين جوازاً ومنعاً، فقد وقع التعرّض للمنع بالنسبة إلى الكلب الذي لا يصيد أو لايصطاد، وللجواز في الرواية الأخيرة بالإضافة إلى
(1، 2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 102 ـ 104.
صفحه 39
الصيود، حيث حكم بنفي البأس فيه .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ظاهر لفظ الصيود باعتبار كون هذا الوزن من صيغ المبالغة، كالأكول والعنود واللجوج وأمثالها ، إلاّ أنّه بملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال عن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد(1)، يكون المراد به وجود ملكة الاصطياد فيه والقدرة عليه وإن لم يكن موضوعه موجوداً بالفعل بعد وضوح عدم كون المراد هو الاشتغال بالفعل بالاصطياد في الخارج ، كما أنّ الظاهر اعتبار وجود الملكة بالفعل، فلا يكفي وجوده فيما انقضى حتّى يجري فيه النزاع الجاري في مسألة المشتقّ من كونه حقيقة فيما يكون متلبّساً بالمبدأ في الحال أو الأعمّ منه وممّن تلبّس به في الماضي، فلو زالت عنه القدرة لهرم أو مرض أو كسر أو غيرها يكون خارجاً عن هذا العنوان.
ثمّ إنّ احتمال كون المراد بالصيود الكلب السلوقي، يدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، ولا مجال لدعوى الانصراف; سواء قلنا بأنّ منشأه غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال، وإلى ما عرفت في بعض المقدّمات ـ عدم كون السائل (ظاهراً) والإمام(عليه السلام)من أهل تلك القرية التي ربما لا يستمع مملكتها في طول السنة فضلاً عن تلك القرية . نعم ، ربما انعكس الأمر وقيل: إنّ المراد بالسلوقي في بعض كلمات الفقهاء هو خصوص الصيود مطلقاً، لكنّه أيضاً خلاف الظاهر ، وعلى أيّ لا يرتبط بالرواية الواردة فيها هذا العنوان .
هذا كلّه بالإضافة إلى كلب الصيد .
وأمّا الكلاب الاُخر التي استثناها في الذيل، فالظاهر عدم وجود دليل خاصّ
(1) الفقيه 3: 105 ح435، وعنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح8.
صفحه 40
بالإضافة إليها يدلّ على الجواز، ولأجله حكي عن الأشهر بين القدماء كما في مكاسب الشيخ الأعظم المنع(1); لعدم دلالة الأخبار على الجواز وإن حكي عن المشهور بين الشيخ ومن تأخّر عنه الجواز(2)، خصوصاً مع التصريح بصحّة استئجارها عليه وتعلّق الدية بإتلافها .
والذي يسهّل الخطب أنّ الحكم بالجواز لايحتاج إلى دليل خاصّ; لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات المانعة كما عرفت(3)، وعدم قيام الدليل على مجرّد كون نجاسة المبيع مانعة عن صحّة البيع وجواز التجارة والتكسّب ، فعدم شمول الروايات المجوّزة لهذه الكلاب لعدم ظهور دليل جواز البيع بالإضافة إلى كلب الصيد في الاختصاص، لايقدح في الحكم بالجواز بعد ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة العقلائيّة لها، ومنها ما أشرنا إليه(4) من الكلاب المعلَّمة للتجسّس واستكشاف الموادّ المخدّرة أو الأسلحة المخرّبة، كما لايخفى .
بقي الكلام من الموارد المستثناة في ذيل المسألة من الاُمور الثلاثة أمران :
أحدهما : بيع العبد الكافر، وحيث إنّا قد حقّقنا في بحث النجاسات عدم نجاسة الكافر بمجرّد كفره ما لم يكن مشركاً(5)، مع أنّ بناء الماتن(قدس سره) على عدم التعرّض لمسائل العبيد والإماء، ولذا لم يتعرّض فيه لمثل كتاب العتق والتدبير ومثلهما; لعدم
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 54، مستند الشيعة 14: 85 ، المناهل: 276، رياض المسائل 8 : 45، وغيرها من الكتب. (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 55 ـ 56، مفتاح الكرامة: 12 / 93 ـ 94. (3) في ص: 36. (4) في ص35. (5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 207 ـ 233، المقام الثاني.
|