(الصفحة 154)
كونها صالحة لأن يتزّين به لا انه بالفعل تكون زينة، وعليه فالمشهورية كأصل اللبس لها مدخلية في الاتصاف بكون الحلّي زينة، فالرواية تدلّ على ان لبس الزينة الواقعية اذا كان بقصد التزين يكون ممنوعاً وامّا اذا لم يكن مقروناً بالقصد المذكور كما اذا أرادت حفظها من الضياعنحوه فلا مانع منه وقد عرفت انّه بهذه الرواية يخصّص عموم التعليل المستفاد من رواية الاكتحال المتقدمة وتصير النتيجة انّ الحلّي فيما اذا كانت زينة واقعاً يكون لبسه محرّماً اذا قصد به الزينة نعم لاينبغي ترك الاحتياط بترك لبس الزينة مطلقاً والمسألة بعد في غاية الاشكال كما في الجواهر.
ثم ان صحيحة ابن الحجاج تدلّ على تقييد الجواز في صورة الاعتياد بما اذا لم تظهرها للرجال في مركبها ومسيرها ومقتضى عموم الرجال الشمول للزوج والمحارم والاجانب كما ان مفادها جواز الاظهار للنساء والظاهر ان الاظهار امر وقصد الزينة أمرٌ آخر فانّ الاظهار من الامور الواقعية غير القصدية والنسبة الى الفاعل لا دلالة لها على كونه من الامور القصدية بخلاف قصد الزينة الذي يكون تقوّمه بالقصد في مقابل قصد التحفظ عن الضياع وغيره من الامور الاُخر.
نعم في بعض الروايات المانعة اعتبار خصوص قصد التزيّن للزّوج وهي رواية النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن المرأة المحرمة أي شيء تلبس من الثياب قال: تلبس الثياب كلّها إلاّ المصبوغة بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين ولا حلياً تتزين به لزوجها ولا تكتحل إلاّ من علّة ولا تمسّ طيباً ولا تلبس حلّياً ولا فرندا، ولا بأس بالعلم في الثوب(1) .
لكن الرواية مضافاً الى وقوع سهل بن زياد في سندها يكون قوله (عليه السلام) فيها في
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والأربعون، ح3.
(الصفحة 155)الخامس عشر: التدهين وان لم تكن فيه طيب، بل لايجوز التدهين بالمطيب قبل الاحرام لو بقي طيبه الى حين الاحرام ولا بأس بالتدهين مع الاضطرار، ولا بأكل الدهن ان لم يكن فيه طيب، ولو كان في الدهن طيب فكفارته شاة حتى للمضطّر به وإلاّ فلا شيء عليه 1 .
الذيل ولا تلبس حلّياً قرينة على عدم مدخليّة القيد المذكور في الصدّر وهو التزيّن به للزوج مع انه لا مفهوم له في نفسه، وفرندا ثوب معروف وهو معرّب.
ثم انه حيث لايكون في شيء من الروايات الواردة في لبس الحلّي ما يدلّ على ثبوت الكفّارة فيه فلا وجه لاحتمال ثبوتها فيه إلاّ بناء على الرواية العامة التي مرّت الاشارة اليها مراراً التي كانت ضعيفة من حيث السند والدلالة.
(1) قد وقع عنوان هذا الأمر في الشرايع هكذا: «واستعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الاحرام وقبله اذا كان ريحه يبقى الى الاحرام، وكذا ما ليس بمطيب اختياراً بعد الاحرام ويجوز اضطراراً».
والمستفاد من كلا العنوانين انّ ماهو الاصل في هذا الأمر والقدر المتيقن الذي لايعتريه ريب ما يتعلق بالدهن الذي فيه طيب من التدهين به كما في المتن أو استعماله كما في الشرايع مع انك عرفت انه من الامور المحرمة على الطيب صبغاً واطلاء وبخوراً على بدنه أو لباسه وانه لايجوز لبس ما فيه رائحته ولا أكل ما فيه الطيب كالزعفران فيقع الكلام ـ ح ـ في الفرق بين الأمرين فهل الفرق بناء على تعبير المتن ان المتعلق للحكم بالحرمة هنا عنوان التدهين وانّ لهذا العنوان اصالة وبناء على تعبير الشرايع ان المتعلق للحكم بها هو الاستعمال المضاف الى الدهن الذي فيه طيب بخلاف ما هناك فان المتعلق له هو الطيب بجميع انواعه أو ببعضها.
فان كان الفرق ما ذكر يرد على المتن ان الحكم بعدم جواز التدهين بالمطيب قبل
(الصفحة 156)
الاحرام لو بقى طيبه الى حال الاحرام قرينة على عدم كون عنوان التدهين له موضوعية بل الملاك هو اشتمال الدهن على الطيب الذي قد عرفت ان الرائحة الموجودة فيه متقوّمة لمعناه ومأخوذة في تعريفه وعليه فهو المعيار والملاك لا عنوان التدهين وان كان هذا العنوان مأخوذاً في معقد الاجماع الذي ادّعاه في محكى المنتهى حيث قال: اجمع علمائنا على انه يحرم الادهان في حال الاحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد والبان والزيبق وهو قول عامة أهل العلم وتجب له الفدية اجماعاً.
كما انه يرد على الشرايع انّ الاستعمال وان كان شاملاً للأكل ايضاً بخلاف الادهان إلاّ انه قد مرّ هناك حرمة الأكل ايضاً.
وعلى ما ذكرنا فالظاهر ان يقال بانّ ما هو الأصل هنا هو الادّهان بدهن ليس فيه طيب اصلاً واللازم البحث فيه فنقول ان المشهور كما في الجواهر هي الحرمة بل عن ظاهر الخلاف الاجماع عليه لكن ظاهر المحكى عن الجمل والعقود والكافي والمراسم بل صريح المحكى عن المفيد عدم الحرمة.
ويدلّ على الحرمة صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لاتدّهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل انّ رائحته تبقى في رأسك بعدما تحرم، وادّهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم، فاذا احرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ(1) . وروى مثله علي بن أبي حمزة كما في الوسائل مع اختلاف يسير فان مقتضى اطلاق الذيل الحرمة مطلقاً من دون فرق بين ما كان الدهن فيه طيب وبين ما اذا لم يكن وتفريع الاطلاق في الحكم بالحرمة بعد الاحرام على التفصيل المذكور قبل الاحرام يمنع عن احتمال الاختصاص بما فيه طيب كما انّ التعرض للادهان بالدهن قبل
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والعشرون، ح1.
(الصفحة 157)
الاحرام قرنية على كون متعلق الحرمة بعد الاحرام ايضاً هو الادهان فلا يشمل مثل أكل الدهن الذي لايكون فيه طيب كما لايخفى.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لاتمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في احرامك الحديث(1) . فان عطف الدهن على الطيب الظاهر في المغايرة يقتضي الحكم بحرمة مسّ الدهن وان لم يكن فيه طيب.
هذا ويظهر من بعض الاعلام (قدس سرهم) تبعاً لصاحب الجواهر انّ ما يكون في مقابل دليل المشهور من الروايات المانعة هو طائفتان من الروايات احداهما ما وردت في مورد الاضطرار الذي لايرتبط بما هو محل البحث فعلاً وثانيتهما ما وردت في التدهين بعد الغسل قبل الاحرام وهي ايضاً غير مرتبطة بالمقام الذي هو الادهان بعد الاحرام مع ان التتبع في الروايات يقضي بان ما يكون في مقابل دليل المشهور هي بعض الروايات الصحيحة الظاهرة في الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمّار المفصلة المتقدمة في بحث الطيب المشتملة على قوله (عليه السلام): وانّما يحرم عليك من الطيب أربعة اشياء المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة إلاّ المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به(2). فان التعبير بالكراهة في لسان الروايات وان لم يكن ظاهراً بنفسه في الكراهة المصطلحة إلاّ ان التعبير بها في مقابل الحرمة كما في الصحيحة يوجب ظهورها في الكراهة المصطلحة في الفقه وعند الفقهاء وعليه فالرواية ظاهرة في الحرمة وليس المراد بالادهان الطيبة ما كانت مشتملة على الطيب المحرم لاستثناء صورة الاضطرار الى الزيت مع انه لايكون مشتملاً على الطيب بوجه فمثل هذه
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والعشرون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح8.
(الصفحة 158)
الصحيحة دليل على الكراهة في مقابل المشهور.
لكن على هذا التقدير ايضاً لابد من الالتزام بما هو المشهور من الحرمة لأنّ الشهرة الفتوائية هي أوّل المرجحات في الخبرين المتعارضين على ما استفدناه من مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة فلا محيص من الحكم بالحرمة.
بقي الكلام في المقام في امور:
الأمر الأوّل انه لايجوز الادّهان بالمطيب قبل الاحرام اذا كان ريحه يبقى الى الاحرام كما في محكّى القواعد والنهاية والسرائر بل في المدارك نسبته الى الأكثر خلافاً للمحكّى عن الجمل والعقود والمهذب والوسيلة حيث انّهم ذهبوا الى الكراهة نظراً الى جوازه ما دام محلاًّ غايته وجوب الإزالة فوراً بعد الاحرام وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) انه كالاجتهاد في مقابلة النص نظراً الى ظهور الحلبي المتقدمة في الحرمة والتفصيل قبل الاحرام بين المطيب وغيره معلّلاً للحكم بالحرمة في الاوّل بقوله (عليه السلام): من أجل انّ رائحته تبقى في رأسك بعدما تحرم.
وهذا التعليل يجري فيه احتمالان:
احداهما ان الرائحة تبقى قهراً ولا يمكن الإزالة بحيث تنعدم الرائحة بل يحتاج الانعدام الى مرور زمان ومضي مدّة من الاحرام.
ثانيهما ان الرائحة تبقى لو لم يتصد المحرم للإزالة مقارناً للاحرام وإلاّ فمع التصدي لها تنعدم الرائحة ولايبقى منها شيء فان كان المراد هو الاحتمال الاوّل فلا يجتمع ذلك مع قول القائلين بالكراهة في مقابل المشهور بوجوب الإزالة ضرورة ان وجوبها مشروط بامكانها وعليه فحكمهم بوجوب الإزالة شاهد على ان مورد النزاع صورة الامكان كما هو ظاهر، وان كان المراد هو الاحتمال الثاني فالظاهر انه لايجتمع