(الصفحة 385)
القول في كيفية التنجيس بها
مسألة 1 ـ لا ينجس الملاقى لها مع اليبوسة، ولا مع النداوة التي لم ينتقل منها اجزاء بالملاقاة، نعم ينجس الملاقي مع بلة في أحدهما على وجه تصل منه إلى الآخر، فلا يكفي مجرّد الميعان كالزيبق بل والذهب والفضّة الذائبين ما لم تكن رطوبة سارية من الخارج، فالذهب الذائب في البوتقة النجسة لا يتنجّس ما لم تكن رطوبة سارية فيها أو فيه، ولو كانت لا تنجّس إلاّ ظاهره كالجامد 1.
1 ـ أقول: الوجه في عدم تأثّر الملاقي مع اليبوسة والجفاف هو الارتكاز العرفي حيث إنّ المتفاهم عند العرف من دليل منجسية النجس وتأثيره في نجاسة الملاقي تحقّق ذلك عند سراية النجس إليه والسراية غير متحقّقة مع اليبوسة وفقدان الرطوبة.
وامّا الأخبار الواردة في نجاسة ملاقى النجس أو المتنجّس من غير تقييد بما إذا كانت هناك رطوبة فطائفة منها واردة في مثل ملاقي البول أو الماء المتنجّس ونحوهما ممّا فيه الميعان والرطوبة والأمر في هذه الطائفة واضح لأنّه لا حاجة إلى التقييد بعد عدم انفكاك المورد عن القيد أصلاً، وامّا الطائفة الاُخرى الواردة فيما لا رطوبة فيه بالذات ولا يكون فيها تقييد أصلاً فاللازم بمقتضى الارتكاز والفهم العرفي رفع اليد عن إطلاقها لأنّ ملاقاة اليابس مع مثله لا أثر لها عند العرف أصلاً.
(الصفحة 386)
نعم ربّما يقال: إنّ الأوامر المطلقة بغسل ما أصابه النجس ظاهرة في أنفسها في اعتبار الرطوبة في أحد المتلاقيين نظراً إلى انّ الغسل عبارة عن إزالة الأثر، والأثر انّما يتحقّق بملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية حيث لا تأثير في الملاقاة مع الجفاف فهذه الأخبار أيضاً شاهدة على انّ الرطوبة المسرية معتبرة في نجاسة ملاقي النجس أو المتنجّس.
ويرد عليه انّ الغسل قد استعمل فيها في مقابل المسح، ومعنى الغسل هو الذي يعبّر عنه في الفارسية بـ «شستن» وليس معناه إزالة الأثر حتّى كان وجود الأثر معتبراً في تحقّقه كيف وقد ورد في آية الوضوء: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) ولم يعتبر وجود شيء أي أثر في الأعضاء التي يجب غسلها فاستفادة اعتبار الرطوبة من التعبير بالغسل ممّا لا يتمّ أصلاً.
ثمّ إنّه ورد في المقام روايتان يظهر منهما ذلك ـ أي اعتبار الرطوبة في التأثير ـ إحداهما حسنة محمد بن مسلم في حديث انّ أبا جعفر (عليه السلام) وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلمّا أخبره قال: أليس هي يابسة؟ فقال: بلى، فقال: لا بأس، وثانيتهما رواية محمد بن خالد عن عبدالله بن بكير قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال: كلّ شيء يابس ذكى.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الرطوبة بمجرّدها لا تكفي في نجاسة الملاقي بل لابدّ وأن تكون مسرية موجبة لسراية النجاسة إلى الملاقى وانتقال بعض الأجزاء المائية في النجس إليه، فالرطوبة التي لا تعدّ ماء بالنظر العرفي غير كافية في الحكم بنجاسة الملاقى وقد قرّر انّ الأحكام الشرعية جارية على الموضوعات العرفية لا العقلية، ومن هنا يحكم بطهارة الثوب الذي صبغ بالدم النجس بعد غسله وإن كان لونه باقياً في الثوب لأنّ الدم لا يكون باقياً عرفاً بعد غسل الثوب بالماء وإن كان زواله
(الصفحة 387)
مع بقاء لونه مستحيلاً عند العقل. وممّا ذكرنا يظهر وجه عدم سراية النجاسة في الأمثلة المذكورة في المتن.
(الصفحة 388)
مسألة 2 ـ مع الشكّ في الرطوبة أو السراية يحكم بعدم التنجيس، فإذا وقع الذباب على النجس ثمّ على الثوب لا يحكم به لاحتمال عدم تبلّل رجله ببلة تسري إلى ملاقيه 1.
1 ـ بعد اعتبار الرطوبة المسرية في تأثّر الملاقى ونجاسته لو شكّ في أصل الرطوبة أو وصفها يرجع ذلك إلى الشكّ في نجاسة الملاقى وعدمها والمرجع فيه قاعدة الطهارة.
نعم فيما إذا علم سبق وجود المسرية وشكّ في بقائها ربّما يحتاط بالاجتناب نظراً إلى استصحاب بقاء الرطوبة المسرية فيه، ولكن الحقّ انّه لابدّ من ملاحظة انّ الموضوع للنجاسة في الملاقى للنجس هل يكون أمراً مركّباً وهو الملاقاة والرطوبة المسرية أو أمراً مقيّداً وهو الملاقاة المؤثّرة؟ فعلى الأوّل لا مانع من جريان استصحاب بقاء الرطوبة المسرية وبضميمة الملاقاة المحرزة بالوجدان يتمّ الموضوع فيحكم بالنجاسة، وعلى الثاني لا مجال لإحراز الموضوع بالاستصحاب لأنّ أصالة بقاء الرطوبة المسرية لا يثبت وجود الموضوع إلاّ على القول بالاُصول المثبتة وهو على خلاف التحقيق فلا مناص من الرجوع إلى قاعدة الطهارة. كما انّه لو شكّ في ذلك ولم يعلم انّ الموضوع هو الأمر المركّب أو المقيّد لا مجال أيضاً لإجراء الاستصحاب للشكّ في انّ بقاء الرطوبة هل يكون مترتّباً عليه أثر شرعي أم لا فلا يجوز الرجوع إلاّ إلى أصالة الطهارة.
وامّا وقوع الذباب على النجس فالظاهر انّ المفروض في المتن منه ما إذا كان النجس الواقع عليه الذباب رطباً والثوب خالياً عن الرطوبة والبلل المحتمل في رجل الذباب هي البلة المكتسبة من النجس الرطب بالملاقاة.
ولكنّا نتعرّض لأكثر فروضه مع حفظ كون النجس رطباً فنقول: في هذه المسألة
(الصفحة 389)
صورتان: الاُولى: ما لو وقع الذباب على النجس مع اكتسابه الرطوبة منه. الثانية: ما لو وقع عليه مع مصاحبته لعين النجس.
امّا الصورة الاُولى: فامّا أن يعلم فيها بجفاف الرطوبة المصاحبة له قبل وقوعه على الثوب فلا وجه للحكم بالنجاسة وإن كان في الثوب رطوبة مسرية لأنّ زوال عين النجس مطهر لبدن الحيوان كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وامّا أن يشكّ في ذلك وفيه أيضاً لا يحكم بالنجاسة لكون الموضوع كما ذكرنا هي الملاقاة المؤثّرة وهي لا تثبت باستصحاب بقاء الرطوبة إلاّ على القول بالأصل المثبت.
وامّا الصورة الثانية: وهي ما إذا علمنا مصاحبته لبعض أجزاء النجس ففيها أيضاً; امّا أن يعلم بقاء ذلك الجزء حال الملاقاة فيحكم بالنجاسة مع رطوبته أو رطوبة الثوب، وامّا أن يعلم عدم بقائه فلا يحكم بها، وامّا أن يشكّ في البقاء وعدمه واللازم أن يفصل فيه بين ما إذا قلنا بتنجّس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين عنه وبين ما إذا قلنا بعدم تنجّسه من الابتداء، فعلى الأوّل قد علمنا بنجاسة رجل الذباب وقد فرضنا انّه لاقى الثوب وفيه رطوبة مسرية ولا شكّ لنا إلاّ في بقاء نجاسة رجل الذباب فنستصحبها وأثره الشرعي نجاسة ملاقيه.
وعلى الثاني: لا مجال للحكم بالنجاسة ولا يجري استصحاب بقائها لأنّه لا يثبت كون الملاقاة المؤثّرة متّصفة بوقوعها مع النجاسة.
وبعبارة اُخرى: الموضوع المعلوم في الخارج وهو ملاقاة الثوب لرجل الذاب لا أثر له لعدم تنجّس بدن الحيوان على ما هو المفروض، وما هو موضوع الأثر وهي ملاقاة الثوب مع العين المصاحبة لرجل الذباب لا يحرز باستصحاب بقاء العين إلاّ على القول بالأصل المثبت فإنّ استصحاب بقاء العين على رجل الذبابة لا يثبت تحقّق الملاقاة المؤثِّرة معه إلاّ على القول به وقد مرّ انّه خلاف التحقيق.