(الصفحة 78)
كرش» وعن القاموس: «انّها شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في جوفه فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي فهو كرش وتفسير الجوهري «الأنفحة بالكرش سهو».
والظاهر اتفاق أهل اللغة على انّ الانفحة في الجدي أو الحمل قبل الأكل هي ما يعبّر عنه بالكرش بعد الأكل، والكرش عبارة عن الجلدة التي يقع فيها ما يؤكل يقوى في النظر أن تكون الأنفحة اسماً للجلدة أو هي مع المادة المتمايلة إلى الصفرة التي تكون فيها، ويؤيّده انّه لو لم تكن موضوعة كذلك وقلنا باختصاصها بالمظروف فحسب فما هو اللفظ الذي وضع في لغة العرب بازاء ظرفه ومن البعيد جدّاً أن لا يكون له اسم مع توسع هذه اللغة بحيث لم ير لها نظير في سائر اللغات أصلاً كما يظهر بمراجعة كتب اللغة سيما مثل «فقه اللغة» للثعالبي.
ولكنّه قد استظهر من رواية أبي حمزة الثمالي (قدس سره) انّها هي المادّة التي تكون في الجلدة فانّه نقل عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث انّ قتادة قال له: اخبرني عن الجبن، فقال: لا بأس به فقال: إنّه ربّما جعلت فيه أنفحة الميتة فقال: ليس به بأس انّ الأنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم انّما تخرج من بين فرث ودم وانّما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أُخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة. الحديث. فانّ ما ليس له عروق ولا فيه دم وانّما يخرج من بين فرث ودم ليس إلاّ المادّة الموجودة في الجلدة، ولكنّه يظهر من قوله (عليه السلام): «انّما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة...» خلاف ذلك فانّه (عليه السلام) قد نزل الانفحة منزلة البيضة التي تخرج من بطن الدجاجة الميتة ومن المعلوم انّ ما يخرج من بطن الجدي أو الحمل عبارة عن الظرف والمظروف كالبيضة التي هي عبارة عن ظرف وهو قشرها ومظروف وهو مادّتها وتخرج من بطن الدجاجة، والحاصل انّ ما يصلح أن ينزل منزلة البيضة ليس إلاّ
(الصفحة 79)
مجموع الجلدة والمادة معاً فهذه الرواية مع قوّة سندها لا تصرفها عن المعنى الذي يستفاد من كلام اللغة من مدخلية الظرف في معناه.
وكيف كان فلا إشكال في طهارة المظروف امّا لطهارة ظرفه إن كان دخيلاً في معنى الانفحة، وامّا لعدم انفعاله منه إن كان المظروف عبارة عن الانفحة وهو امّا لعدم نجاسة باطن الظرف حتى يكون منجساً أو لعدم منجسيته.
ولو شكّ في انّها ظرف أو مظروف فيمكن أن يقال بوقوع التعارض بين اصالة الإطلاق في أدلّة نجاسة أجزاء الميتة بأجمعها، واصالة الإطلاق في دليل منجسية النجس للعلم بطهارة المظروف على أي حال فيرجع إلى اصالة الطهارة في الظرف بعد تساقط الأصلين بالمعارضة.
وقد خالف فيه سيّدنا الاستاذ ـ دام ظلّه ـ نظراً إلى انّه لابدّ وأن يؤخذ بإطلاق دليل نجاسة الميتة ولا تعارض اصالة الاطلاق فيه مع اصالة الاطلاق في دليل منجسية النجس لعدم جريانها فيما علم الطهارة وشكّ في انّه من باب التخصيص أو التخصص نظير اصالة الحقيقة فيما إذا دار الأمر بينها وبين المجاز فانّها جارية مع الشكّ في المراد لا مع الشكّ في كيفية الاستعمال بعد العلم بالمراد.
وفيه انّه لم يظهر المراد ممّا علم طهارته وشكّ في انّه من باب التخصيص أو التخصيص هل هو المظروف فانّه لا كلام فيه أو الظرف فمن أين علم طهارته والكلام فيما إذا شكّ في طهارة لاظرف ونجاسته فلا مناص من أن يرجع بعد التعارض إلى القاعدة ومن الواضح انّ مورد التعارض انّما هو السطح الداخل من الجلد الذي يعبّر عنه بالباطن لأنّه هو الذي ينجس المادّة على فرض نجاسته وامّا السطح الخارج الظاهر فلا يكون مورداً للتعارض لعدم تماسه مع المادّة وعليه فيشمله عموم دليل نجاسة الميتة بلا معارض فلا محيص عن الحكم بها في صورة
(الصفحة 80)
الشكّ.
وليعلم انّ المراد من طهارة الانفحة طهارتها الذاتية كالشعر والوبر والصوف فلا ينافيها لزوم غسل ظاهرها الملاقى للميتة برطوبة . نعم لو كانت الأنفحة بمعنى المظروف وفرضنا كونه مايعاً كما هو الظاهر فلا يحتاج إلى تطهير ظاهرها كاللبن، كما انّ الظاهر اختصاص الحكم بالانفحة المتعارفة التي تجعل في الجبن كانفحة الجدي والحمل على فرض صحّة اطلاق الانفحة على ما يؤخذ من غيرهما ـ على خلاف ما يظهر من كلام اللغويين من الاختصاص بهما ـ فتدبّر.
الفرع الخامس اللبن من الميتة الواقع في ضرعها وقد اختلف كلمات الأصحاب فيه، فعن الصدوق والشيخ وصاحب الغنية والشهيد (قدس سرهم) القول بالطهارة بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليها، وذهب جماعة آخرون منهم العلاّمة والمحقّق وابن إدريس إلى النجاسة بل عن الحلّي انّه قال: لا خلاف فيه بين المحصلين من أصحابنا ويظهر من ذلك انّه لا إجماع بل ولا شهرة في أحد طرفي المسألة فلابدّ من ملاحظة الروايات ليظهر انّها هل تدل على الطهارة أم لا إذ الحكم بالنجاسة لا يتوقّف على دلالتها عليه ضرورة انّ إطلاق أدلّة نجاسة الميتة وشمولها للضرع بضميمة ما دلّ على منجسية كل نجس يقتضي نجاسة اللبن بل يمكن أن يقال بشمول إطلاق أدلّة نجاسة الميتة له من دون حاجة إلى ضمّ دليل آخر لأنّ اللبن الواقع في ضرع الميتة يكون من أجزائها كالبول والروث والبيض على ما تقدّم وعليه فتكون نجاسته عينية وإن كانت العينية لا يترتّب عليها أثر في مثل اللبن كما لا يخفى وكيف كان فالروايات الواردة في المقام:
منها: صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به، قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال: لا
(الصفحة 81)
بأس به، قلت: والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال: كل هذا لا بأس به. ورواه الصدوق مثله إلاّ انّه أسقط لفظ الجلد قال صاحب الوسائل: وهو الصواب.
وربما يناقش فيها بدلالتها على طهارة جلد الميتة مع انّ نجاستها مجمع عليها في المذهب فالرواية غير صالحة للاعتماد عليها.
والجواب عنها:
أوّلاً: ما عرفت من انّها في رواية الصدوق لا تكون مشتملة على لفظ الجلد واستصوبه صاحب الوسائل.
وثانياً: من الممكن أن يكون ذكر الجلد في رديف الأشياء الطاهرة ناشياً عن التقية لاهتمام العامة به وكونه محلاً للكلام في تلك الأعصار ومعركة للآراء بين المسلمين.
وثالثاً: انّه لم يقم دليل على كون السؤالات المتعدّدة الواقعة في الرواية واقعة في مجلس واحد ويؤيّده تعدّد الأجوبة وعليه فلا يقدح الاشتمال على الجلد في الاستدلال.
ومنها: موثقة حسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي يسأله عن اللبن من الميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة فقال: كلّ هذا ذكي الحديث. هكذا نقل في بعض نسخ الوسائل وكذا في مرآة العقول للمجلسي (قدس سره) ولذا استشهد بها الأعلام في اللبن مع انّ التناسب في السؤال أيضاً يقتضي أن يكون عن اللبن لا عن السن ـ كما في الوسائل المطبوعة أخيراً ـ .
ومنها: صحيحة حريز قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) لزرارة ومحمد بن مسلم: اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شيء يفصل من
(الصفحة 82)
الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسل وصل فيه. وليس قوله (عليه السلام) في الذيل: «وإن أخذته بعد أن يموت...» دليلاً على انّ صدر الرواية ناظر إلى الحي بحيث يكون الحكم بالطهارة في مورده فينتج انّه بعد الموت يحتاج إلى الغسل فيما يمكن تطهيره به واللبن واللباء غير قابلين لذلك فهما نجسان إن أُخذا من الميتة بل الذيل شاهد على إطلاق الحكم في الصدر وانّ الطهارة للأشياء المذكورة فيها ثابتة مطلقاً فتدبّر.
ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : عشرة أشياء من الميتة ذكية وعدّ منها اللبن.
والرواية وإن كانت مرسلة إلاّ انّ هذا النحو من الإرسال الذي يرجع إلى النسبة إلى الإمام (عليه السلام) بصورة الجزم والقطع لا يقدح في الاعتماد عليها لكونه يكشف عن وثاقة الرواة عند المرسل ـ بالكسر ـ واعتماده عليها وهذا في الحقيقة توثيق منه للرواة الواقعين في السند وتوثيقه لا يقصر عن توثيق مثل الكشي والنجاشي اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الصدوق في الفقيه قال في ذيلها: «وقد ذكرت ذلك مسنداً في كتاب الخصال في العشرات» وبعد المراجعة إلى الخصال ظهر أنّ في سند الرواية على بن أحمد بن عبدالله وأباه وهما مجهولان.
وفيه ـ مضافاً إلى ما عرفت من انّ الإرسال بهذه الكيفية توثيق لرواة الرواية فلا مجال لدعوى المجهولية ـ انّ المحكي عن العلاّمة تصحيح بعض الروايات الواقع في طريقها علي بن أحمد ونقل عن المجلسي الأوّل انّه قد وثق أباه فالرواية معتبرة ولا مجال للخدشة فيها من حيث السند.
وفي مقابل هذه الروايات رواية وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) انّ علياً (عليه السلام)سُئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (عليه السلام) : ذلك الحرام محضاً.