( الصفحة 222 )
ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(1) .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة أيضاً عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة (2) . والراوي مهمل .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان ؟ قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين(3) .
ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} . قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ(4) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك ، الواردة في تفسير الآية المباركة أو مستقلّة (5). والدقّة تقضي بأنّ المراد منها وجوب الإفطار عليهم ولزوم التصدّق ، والحمل على التخيير بين الصيام والتصدّق خلاف الظاهر .
ومن الأشخاص المذكورين في المسألة ، الحامل المقرب إذا كان صومها مضرّاً
- (1) الكافي 4 : 116 ح 4 ، الفقيه 2 : 84 ح 375 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 697 و 698 ، الاستبصار 2 : 104 ح 338 و339، وعنها وسائل الشيعة 10: 209 ـ 210، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب15 ح1 و2.
(2) الكافي 4 : 116 ح 2 ، الفقيه 2 : 85 ح379 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 696 ، الاستبصار 2 : 103 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 4 .
(3) الكافي 4 :116 ح3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح5 .
(4) الكافي 4 : 116 ح 5 ، الفقيه 2 : 84 ح 377 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 6 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 209 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصح منه الصوم ب 15 .
( الصفحة 223 )
بها أو بولدها ، بلا إشكال ولا خلاف(1) في شيء من الفرضين .
أمّا في الفرض الأوّل ; فلأنّه ـ مضافاً إلى أنّه من مصاديق المريض توصيف الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في بعض الروايات المتقدّمة بحصول الضعف عن صوم شهر رمضان ، وإلى أنّه من مصاديق شبه الكبير أو العطاش ـ ما ورد فيما هو أهون من شهر رمضان من النذر من رواية محمد بن جعفر قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقو على الصوم ؟ قال : فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين(2) .
وأمّا في الفرض الثاني ، فقد استدلّ(3) له بلزوم حفظ النفس المحترمة ، والفرض عدم التمكّن من الجمع بينه وبين الصوم ، ومن الواضح أهمّية الأوّل ، لكنّ الضرر المتوجّه إلى الولد أعمّ من هلاكه ، ومسألة وجوب حفظ النفس المحترمة وأهمّيته من جميع الواجبات غير منقّحة موضوعاً وحكماً . وهل يحتمل أن يجب على الإنسان رفع اليد عن أعماله وبذل أمواله للمرضى الموجودين في المستشفيات الذين يجري فيهم خوف الهلاك ؟ واللازم تنقيح المسألة، خصوصاً مع ملاحظة أهمّيتها وكثرة الآثار المترتّبة عليها .
وعلى أيّ، فالظاهر أنّه لا خلاف في جواز الإفطار لها إذا كانت خائفة على ولدها دون نفسها .
- (1) رياض المسائل 5 : 491 ، جواهر الكلام 17 : 151 ، مستمسك العروة 8 : 449 ، المستند في شرح العروة 22 : 50 .
(2) الفقيه 2 : 95 ح 424 ، الكافي 4 : 137 ح 11 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 216 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 2 .
(3) المستند في شرح العروة 22 : 50 .
( الصفحة 224 )
ومنهم: المرضعة القليلة اللبن كذلك ; يعني إذا كان الصوم مضرّاً بها أو بولدها ، ويدلّ على الحكم فيها صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ; لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد(1) . والتعليل الواقع فيها يفيد اُموراً :
الأوّل : عدم ثبوت الحكم في المستثنى منه بصورة الإطلاق ، بل يختصّ بما إذا كان الصوم حرجيّاً .
الثاني : أنّ ثبوت أصل الحكم إنّما هو لدخولهما تحت قوله ـ تعالى ـ : {وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُو . . . }إلخ(2). غاية الأمر أنّه حينئذ يشكل بأنّ ظاهر الآية ـ بالإضافة إلى الأشخاص المذكورين ـ وجوب الفدية بدلاً عن القضاء ، فالجمع بين وجوب التصدّق ووجوب القضاء فيما بعد، كأنّه خارج عمّا هو المتفاهم عندنا من الآية .
الثالث : أنّ الملاك نفس المرضعة لا ولدها ، فالحكم بالنسبة إلى الولد يحتاج إلى دليل آخر ; وهو ما ذكر في الحامل المقرب الذي يضرّ الصوم بولدها ، وقد عرفته مع ما فيه .
المقام الثاني : في مقدار الفدية .
فنقول : ظاهر الآية الشريفة في قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 239 ح 701 ، الكافي 4 : 117 ح 1 ، الفقيه 2 : 84 ح 378 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 215 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 1 .
(2) سورة البقرة 2 : 184 .
( الصفحة 225 )
طَعَامُ مِسْكِين}(1) هو ثبوت الفدية الواحدة ; أي مدّ واحد من الطعام ، وقد وقع التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة آنفاً ، لكن في صحيحته الاُخرى ثبوت مدّين ; وهي ما رواه عن الصادق (عليه السلام) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول . . . وذكر مثله ، إلاّ أنّه قال : ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(2) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين : حمله الشيخ على الاستحباب تارة ، وعلى من قدر على المدّين اُخرى ، وحمل الأوّل على من لم يقدر إلاّ على مدّ واحد .
أقول : ما ذكرناه مراراً من اتّحاد الرواية وعدم التعدّد فيما إذا كان الراوي واحداً ، إلاّ أنّ مورده ما إذا كان المروي عنه أيضاً واحداً ; نظراً إلى أنّ الراوي ـ خصوصاً لو كان مثل محمد بن مسلم ، وخصوصاً مع البناء على كتابة الرواية وضبطها ـ لايسأل أمراً واحداً عن إمام واحد مرّتين ، والمروي عنه في المقام متعدّد ; فإنّه في إحديهما أبو جعفر الباقر (عليه السلام) ، وفي الاُخرى أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) ، إلاّ أنّ الملاك يجري هنا أيضاً ; فإنّ مثل محمد بن مسلم لا يسأل عن الإمامين شيئاً واحداً ، خصوصاً مع عدم الاعتراض في صورة اختلاف الجوابين ، فيغلب على الظنّ بتحقّق اشتباه في البين . هذا على حسب نقل التهذيب ، ولكن في الاستبصار في كلا الموردين أبوجعفر (عليه السلام) . وبالنتيجة لا دليل على وجوب أزيد من مدّ واحد كما هو مقتضى الآية ، فجعل الاحتياط في مدّين ـ كما في المتن ـ لا وجه له ، إلاّ أن يكون المراد هو الاحتياط الاستحبابي ، فلاحظ .
المقام الثالث : في أصل وجوب الكفّارة على الأشخاص المذكورين فيالمسألة ، الذين يجوز لهم الإفطار ، فقد استشكل في المتن في وجوبها على
- (1) سورة البقرة 2: 184.
(2) تقدّمت في ص223 ـ 224.
( الصفحة 226 )
مسألة 9 : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة ، والأحوط الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً ، أو باُجرة من أبيه، أو منها، أو من متبرّع 1 .
الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ، بل نفى خلوّ العدم عن القوّة ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى قاعدة لا حرج ، بناءً على المختار من أنّ السقوط إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة ـ : أنّ الجمع بين لزوم الإفطار ولزوم الكفّارة غير معهود وإن كان ربّما يلاحظ مثله في باب الحجّ ; فإنّه يجب على المريض ولو في حال الإحرام لبس المخيط، ومع ذلك يجب عليه الكفّارة ، وظاهر الآية الشريفة ـ الدالّة على وجوب الفدية وثبوتها في صورة الإطاقة ، كقوله ـ تعالى ـ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . . .} الآية(1) ـ وإن كان هو الثبوت بالإضافة إليهم ، إلاّ أنّ شمولها لمن يتعذّر عليه الصيام ممنوع .
وقد تأمّل في المتن في الوجوب على الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا كان الصوم مضرّاً بهما لا بولدهما ، والظاهر أنّ الوجوب في الفرض الثاني لا تأمّل فيه بخلاف الفرض الأوّل ، مع أنّ صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة فيهما الدالّة على الوجوب ظاهرة في ذلك ، خصوصاً مع التعليل الواقع فيها بأ نّهما لا يطيقان ، فإنّ هذا التعليل ظاهر في تحقّق الإضرار بالنسبة إلى أنفسهما، كما لا يخفى ، فالتأمّل فيه في غير محلّه ، إلاّ أن يكون المراد نفي الوجوب والتأمّل فيه في الفرض الثاني دون الأوّل ، وهو أيضاً خلاف ظاهر الرواية ، فتدبّر .
1ـ أمّا عدم الفرق في المرضعة بين الموارد المذكورة فلإطلاق دليلها ، مثل
- (1) سورة آل عمران 3 : 97 .