(الصفحة 104)
ثمّ إنّ الظاهر مساعدة العرف لإلغاء الخصوصية من مورد الروايات ، وهي صلاة العصر والغداة ، وحينئذ فالحكم عام لجميع الصلوات ، ويؤيّده إطلاق الفتاوى .
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا بقي إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر ، أو ثلاث ركعات للمسافر ، فلا إشكال في أنه يجب عليه الإتيان بالصلاتين ، وكذا إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر ، أو أربع ركعات للمسافر ، فإنّه يجب عليه أيضاً الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً بلا إشكال ، ولا خلاف بين الأصحاب كما ادّعاه الشيخ(رحمه الله) في كتاب الخلاف(1) .
ولكن يظهر من بعض الأعاظم من المعاصرين(2) الاستشكال في المسألة ويمكن تقرير الإشكال بوجوه ثلاثة :
الأوّل : أن يقال : إنّ معنى اختصاص آخر الوقت بالعصر مثلا هو عدم صحّة وقوع شريكتها فيه أصلا ، لا أداء ولا قضاء لا كلاًّ ولا بعضاً ، وحينئذ فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلاّ إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات ، وحيث أنّ في مفروض المقام تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختص بالعصر فلا تصحّ .
الثاني : إنّ مفاد قوله(عليه السلام) : من أدرك ـ ليس توسعة الوقت بحيث كان تأخير الصلاة عمداً ، إلى أن بقي من وقت أدائها مقدار ركعة جائزاً ، لوضوح عدم جواز التأخير عمداً ، ووقوعه عصياناً ، بل مفاده ليس إلاّ مجرّد التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائية ووجوب التعجيل ، وحينئذ فإطلاق من أدرك بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر ، فإن أدراك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت ، وبعبارة اُخرى
- (1) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) : 16 ـ 18 .
(الصفحة 105)
الأمر دائر بين إدراك كلتي الصلاتين ، لكن بحيث يقع مقدار من العصر خارج الوقت ، وبين إدراك صلاة العصر تامّة واقعة بأجمعها في الوقت المختص بها ، وحينئذ يقع التزاحم بينهما ، ولا مرجّح للأوّل على الثاني أصلا كما لا يخفى .
الثالث : إنّ مورد الروايات هي صلاة الغداة والعصر كما في روايات العامّة(1) أو خصوص الغداة كما في الروايات الواردة من طرق الإمامية(2) . نعم مرسلة المعتبر(3)عامّة شاملة لجميع الصلوات ، ولكنّها لم تثبت ، ويحتمل قويّاً أن تكون مأخوذة من الروايات ، غاية الأمر إلغاء الخصوصية فيها . وكيف كان فالتعدي عن مورد الروايات يتوقف على الغاء الخصوصية ، وذلك إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخلية الخصوصية في الحكم المذكور في القضية وإلاّ فلا يجوز التعدي أصلا ، فإنّ المراد بإلغاء الخصوصية المتداول في الألسن إنّما هو مفهوم الموافقة المذكور في علم الأصول ، لأن الخصوصيات المذكورة في الكلام ربما يحرز عدم دخالتها في الحكم ، فيتعدى عن المورد إلى غيره ويسمى الحكم المستفاد بالنسبة إلى غير المذكور مفهوم الموافقة ، وربّما لا يحرز ذلك فتحمل القضية على ظاهرها من مدخلية القيد في ثبوت الحكم ، وحينئذ فلا يتعدى عن مورده ، بل يثبت لغير المذكور خلاف الحكم الثابت بالنسبة إلى المذكور ، ويسمى ذلك الحكم الثابت لغير المذكور مفهوم المخالفة .
وبالجملة : فتسرية الحكم عن خصوص المورد يتوقف على إحراز عدم مدخلية خصوصية في المورد ، وفي المقام يمكن هذه الدعوى بالنسبة إلى صلاة العشاء ، ولكن لا يمكن بالنسبة إلى الظهر والمغرب ، لأنّ الصبح والعصر وكذا
- (1) صحيح البخاري 1 : 163 ح579 و 580 ; سنن ابن ماجة 1 : 229 ح699 و700 .
- (2) الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح1 و 2 و 3 .
- (3) المعتبر 2 : 47 ، وكذا مرسلة الذكرى المتقدّمة .
(الصفحة 106)
العشاء لا تزاحم ـ بوقوع بعضها خارج الوقت ـ شيئاً من الواجبات ، لعدم ثبوت واجب بعدها ، وهذا بخلاف الظهر والمغرب ، لمزاحمتهما للعصر والعشاء ، فلا يجوز إلغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عمّا ورد في الروايات كما عرفت ، فلا يكون الحكم المستفاد من قوله(عليه السلام) : «من أدرك» ثابتاً بالنسبة إليهما ، حتى تصل النوبة إلى ملاحظة مرجحات باب المزاحمة كما لا يخفى .
والجواب عن الأوّل : إنّه قد مرّ مراراً أنه لم يرد في آية ولا رواية لفظ الاختصاص حتى نتمسك باطلاقه ، ويكون مقتضاه حينئذ عدم صحة الشريكة مطلقاً ، لا أداء ولا قضاء ، بل غاية ما تدل عليه رواية ابن فرقد المتقدمة(1) ، أنّ مقدار أربع ركعات من أول الزوال مختص بالظهر ، ويكون نسبته إلى العصر كنسبة قبل الزوال إلى الظهر ، ومقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختص بالعصر ، ويكون نسبته إلى الظهر كنسبة ما بعد الغروب إلى العصر ، ولا دلالة فيها على عدم صحة وقوع الشريكة فيه ولو بعضاً كما لا يخفى .
وعن الثاني : إنّ غاية ما تدل عليه الأدلة الأولية ، وجوب الإتيان بالصلاة أداء ، غاية الأمر أنه لو لم يكن في البين قاعدة من أدرك ، لكان المستفاد من تلك الأدلة وجوب الإتيان بجميع أجزاء الصلاة في الوقت ، إلاّ أنه بعد ثبوت هذه القاعدة يستكشف أن تحقق عنوان الأدائية لا يتقوم بوقوعها بأجمعها في الوقت ، بل يكفي في اتصاف الصلاة بهذه الصفة مجرّد وقوع ركعة منها في الوقت ; فقوله(عليه السلام) : «من أدرك . . .» الحديث ، يكون حاكماً على تلك الأدلة ومفسّراً لها ، وحينئذ فمع وقوع ركعة من الصلاة في الوقت يتحقق امتثال الأمر المتعلق بإيجاد الصلاة أداء ، وليس هنا ما يدل على وجوب التعجيل والمبادرة أصلا ، ولو سلّم لكان ذلك بأمر
- (1) الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 ح7 .
(الصفحة 107)
مستقل يكشف عنه الاجماع ، وهو منصرف عن هذه الصورة ، وعلى تقدير عدم الانصراف لا دليل على اطلاقه بعد كونه دليلا لبّياً يقتصر فيه على المتيقن .
وبالجملة : فلم يثبت الاجماع في المقام لو لم نقل بثبوته على الخلاف ، كما ادّعاه في الخلاف(1) على ما عرفت ، بل هو على تقدير ثبوته منحصر بصلاة الغداة لو أخّرها عمداً إلى أن بقي من الوقت مقدار ركعة ، هذا أوّلا .
وثانياً : سلّمنا أنّ مقتضى الأدلة الأولية الآمرة بإتيان الصلاة في وقتها ، وجوب المبادرة والتعجيل ، وأنه لا يستفاد من قوله(عليه السلام) : «من أدرك» إلاّ التنزيل بحسب الأدائية ووجوب التعجيل من دون أن يكون ناظراً إلى توسعة الوقت مطلقاً ، لكن نقول : مقتضى دليل شرطية الترتيب بالنسبة إلى صلاة العصر ، وكون الإتيان بصلاة الظهر من الشرائط الوجودية بالنسبة إلى العصر ، وجوب الإتيان بالظهر مع الإمكان ليتحقق هذا الشرط ، والمفروض في المقام إمكانه بنحو لا يفوت العصر أيضاً ، كما يدلّ عليه رواية الحلبي المتقدمة الواردة فيمن نسي الظهر والعصر ، ثمّ تذكر عند غروب الشمس حيث قال(عليه السلام) : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ ليصلِّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعاً»(2) .
وهذا الشخص في المقام يصدق عليه أنّه لا يخاف فوت إحداهما ، لأنّ المفروض بمقتضى قاعدة من أدرك أنّ إدراك ركعة من الوقت كإدراك جميع الوقت في اتّصاف الصلاة بكونها أداء فلا وجه حينئذ لتوهّم أن يقال إنّ تقديم الظهر يوجب وقوع بعض أجزاء العصر في خارج الوقت .
- (1) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
- (2) التهذيب 2 : 269 ح1074 ; الاستبصار 1 : 287 ح1052 ; الوسائل 4 : 129 . أبواب المواقيت ب4 ح18 .
(الصفحة 108)
وعن الثالث ، ما عرفت من أنّ الظاهر من الروايات كون إدراك ركعة من الوقت كافياً في وقوع الصلاة أداء بلا فرق بين الصلوات أصلا كما يساعد على ذلك فهم العرف ، مضافاً إلى فهم علماء الفريقين وافتراق الصلوات في جهة المزاحمة وعدمها لا يوجب تخصيص الحكم ببعضها بعدما عرفت في الجواب عن الوجه الثاني من عدم المزاحمة بينهما أصلا ، فتدبّر .