(الصفحة 154)
الدالّة على حرمة الصلاة في أجزاء ما لايؤكل لحمه(1) منصرفة عن الإنسان قطعاً ، مع أنّه لم يقل أحد بالانصراف بوجهين :
أحدهما : أنّ خبر تحف العقول ضعيف السند ومضطرب الدلالة، فلايجوز العمل به في نفسه، فضلاً عمّا إذا كان معارضاً لخبر صحيح .
وثانيهما : أنّ أقوائيّة السند لاتكون مرجّحة في التعارض بالعموم من وجه ، بل لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات الاُخر ، وحيث لا ترجيح فيحكم بالتساقط ويرجع إلى المطلقات الدالّة على حرمة التصوير مطلقاً، لكنّها بأجمعها ضعيفة السند ، فاللازم الرجوع إلى البراءة (2).
أقول : لعلّ الوجه في عدم كون أقوائيّة السند مرجّحة في التعارض بالعموم من وجه: أنّ لازمه طرح السند بالإضافة إلى مادّة الافتراق من ناحية الرواية المرجّح عليها، والتبعيض في رواية واحدة وإن كان ممكناً، إلاّ أنّه فيما إذا كانت الرواية ذات أحكام متعدّدة مستقلّة، لا بنحو العموم والإطلاق كما في المقام ، والتحقيق الأزيد موكول إلى محلّه .
نعم ، ذكرنا نحن(3) إمكان جعل رواية تحف العقول معتبرة وإن كانت مرسلة، كما في بعض مرسلات الصدوق (قدس سره) .
والحقّ أن يقال : إنّ المراد من الحيوان المذكور في الصحيحة هو ما كانت له حياة; سواء كان ناطقاً أم غير ناطق ، وقد عرفت ثبوت المفهوم لها للوقوع في مقام التحديد .
- (1) وسائل الشيعة 4: 345 ـ 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2.
- (2) مصباح الفقاهة 1: 364 ـ 366.
- (3) في ص 13 ـ 15.
(الصفحة 155)
وأمّا قوله (عليه السلام) : «ما لم يكن مثل الروحاني» أو مثاله(1)، فالظاهر أنّ المراد به مطلق ما كان له حياة وإن لم يكن بأبعاده محسوساً ومبصراً، كسائر المحسوسات والمبصرات.
وهذا من دون فرق بين القول باختصاص التجرّد به تعالى، وبين القول بالعدم ، غاية الأمر أنّ المجرّدات لا تكون في رتبة واحدة .
ودعوى عدم معهوديّة إطلاق الروحاني على الحيوان ذات الروح في الروايات، يدفعها على فرض التسليم عدم معهوديّة تصوير الملك والجنّ نوعاً مع عدم تعلّق الرؤية بهما .
وعليه: فلايبعد أن يكون المراد بالروحاني في الرواية هو الحيوان ; ويؤيّده رواية البقباق المتقدّمة التي وقع فيها التقابل بين الرجال والنساء، وبين الشجر وشبهه ، فتدبّر .
كما أنّه يؤيّده ما أفاده سيّدنا المحقّق الاُستاذ في مكاسبه; من أنّ العمدة في الأدلّة أخبار النفخ(2)، والظاهر منها أنّ المحرّم هو تمثال موجود يكون نحو إيجاده بالتصوير والنفخ، وأمّا غيره ممّا يكون بدعيّاً دفعيّاً فخارج عن مساق تلك الأخبار(3) .
ويؤيّده أيضاً إطلاق كلمة الروح على خصوص بعض الملائكة المتنزّلين في ليلة القدر في بعض آيات سورة القدر(4)، واحتمال كون الروح علماً وإسماً له من دون جهة، بعيد في الغاية .
- (1) تقدّم في ص147 - 148.
- (2) وسائل الشيعة 5: 304 ـ 307، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب3 ح2، 5 و 12.
- (3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 271 ـ 272.
- (4) سورة القدر 97: 4.
(الصفحة 156)
ثمّ إنّك عرفت(1) أنّ التصوير ببعض الآلات المعدّة له، المسمّى في عرفنا الفارسي بـ «عكس» خارج عن محلّ البحث، خلافاً لما عن السيّد في الحاشية ، فحكم بعدم الفرق بين أنحاء التصوير، وأنّه يشمل العكس المتداول في زماننا (2).
ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ الظاهر من الأدلّة هو النهي عن إيجاد الصورة، والعكس المتعارف في زماننا لا يكون إيجاداً للصورة المحرّمة ، بل إنّما هو أخذ للظلّ مع إبقائه بسبب الدواء، نظراً إلى أنّ الإنسان إذا وقف في مقابل الكامرة، كان حائلاً بينها وبين النور، فيقع ظلّه على الكامرة ويثبت فيها لأجل الدواء، فيكون صورة لذي ظلّ، وأين هذا من التصوير المحرّم ، وإلاّ يلزم القول بحرمة النظر إلى المرآة، نظراً إلى كونه إيجاداً للصورة فيهما كما لايخفى(3).
مع أنّك عرفت(4) أنّ التصوير خالياً عن التجسيم لايكون محرّماً وإن كان مخالفاً للاحتياط الاستحبابي .
أقول : مقتضى السيرة المستمرّة عند المتشرّعة عدم تحريم تصوير العكس; لشيوع تداولها ، كما أنّ المستفاد من تحريم النظر إلى المرآة في خصوص حال الإحرام للحجّ أو العمرة، عدم حرمة النظر في غير تلك الحال ، فخروج الصورتين غير قابل للمناقشة تخصيصاً أو تخصّصاً، ولاينبغي البحث فيه .
ثمّ إنّه بعد خروج الصورتين المذكورتين آنفاً، لا فرق بين أنحاء التصوير المذكورة في المتن; لعدم الدليل على الفرق .
- (1) أي من عبارة المتن.
- (2) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 109.
- (3) مصباح الفقاهة 1: 370 ـ 371.
- (4) في ص146 ـ 149.
(الصفحة 157)
الفرع الرابع : حرمة التكسّب بالتصوير المحرّم; أي التكسّب بإيجاد الصورة المحرّمة كالفرع الأوّل على ما عرفت ، وذلك لما قد حقّق في كتاب الإجارة(1) من اعتبار أن يكون العمل في الإجارة على الأعمال غير محرّم في نفسه، ومثّلوا
له بإجارة الحائض لكنس المسجد، أو إجارة الدكان لخصوص صنع الخمر فيه،
أو جعله محرساً لها ، فلو كان إيجاد الصورة محرّماً يكون التكسّب به كذلك، كما لايخفى .
الفرع الخامس : في بيع الصور المحرّمة واقتنائها والنظر إليها ، فالذي قوّاه في المتن هو الجواز تبعاً للمحقّقين في جامع المقاصد(2) ومجمع الفائدة(3) ، لكن حكى الشيخ الأنصاري (قدس سره) عن جماعة من القدماء ما يظهر منه المنع، كالمقنعة(4) والنهاية(5)والسرائر(6) ، واستدلّ له(7) أوّلاً بوجوه كثيرة ، ثمّ تنظّر في الجميع .
منها : أنّ الظاهر من تحريم الشارع إيجاد الصورة، هي ممنوعيّة وجودها وإبقاؤها أيضاً ; لأنّ التحريم يدلّ على مبغوضيّته له، ولا فرق من هذه الجهة بين الأمرين .
وأورد عليه بمنع الملازمة إلاّ مع الاستلزام العرفي، أو قيام الدليل الخارجي،
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 41 ـ 50، الأمر الأوّل من المقام الثاني.
- (2) جامع المقاصد 4: 16، وقال في حاشية الإرشاد، المطبوع مع حياته وآثاره ج9 ص319: ولا دليل على تحريم النظر إلى الصور المجسّمة.
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 93، وكذا قال بالجواز العاملي في مفتاح الكرامة 12: 163ـ 165.
- (4) المقنعة: 587.
- (5) النهاية: 363.
- (6) السرائر 2: 215.
- (7) أي الشيخ في المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 191 ـ 197.
(الصفحة 158)
كحرمة تنجيس المسجد، ووجوب إزالة النجاسة عنه ، وفي المقام مقتضى الدليل هي حرمة الإيجاد، ولا دليل على وجوب الرفع والمحو .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1)، بناءً على أنّ الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل، سؤاله عن حكم الفعل المتعارف، المتعلّق بها العامّ البلوى; وهو «الاقتناء».
وأمّا نفس الإيجاد، فهو عمل مختصّ بالنقّاش ، ألاترى أنّه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة، ينصرف الذهن إلى شربها دون صنعتها ؟ بل ما نحن فيه أولى بالانصراف ; لأنّ صنعة الخمر يقع من كلّ أحد، بخلاف صنعة التماثيل .
وأورد عليه بما حاصله، منع الظهور المزبور ; لأنّ عمل الصور ممّا هو مركوز في الأذهان، حتّى أنّ السؤال عن حكم اقتنائها إنّما هو بعد معرفة حرمة عملها; إذ لايحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله .
ومنها : الحصر في رواية تحف العقول المتقدّمة(2) في قوله (عليه السلام) : إنّما حرّم الله الصناعة التي هي حرام كلّها، التي يجيء منها الفساد محضاً... ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه وتعلّمه ـ إلى قوله (عليه السلام) : ـ وجميع التقلّب فيه(3); فإنّ ظاهره أنّ كلّ ما تحرم صنعته ـ ومنها التصاوير على الفرض ـ يجيء منها الفساد محضاً، فيحرم جميع التقلّب فيه .
والحقّ في الجواب أن يقال ـ مضافاً إلى إمكان منع شمول التقلّب للاقتناء; فضلاً
- (1) في ص: 144.
- (2) في ص: 11 .
- (3) تحف العقول: 335 ـ 336، وعنه وسائل الشيعة 17: 85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1 والحدائق الناضرة 18: 70.