(الصفحة 574)
لزم دوام الزوجيّة بلا نفقة ، وهو ضرر عظيم ، وأيّام المرض كأيّام الحيض في ظهور العذر وتوقّع الزوال ورضاه لما تزوّج ، فإنّ الإنسان لا ينفكّ عنه دائماً ، فاستثناؤها لا ينافي تماميّة التمكين ، خصوصاً مع علمه وإقدامه على التزويج بمن يتعذّر الاستمتاع بها بالوطء ، فكأنّه أسقط حقّه من التمكين من الوطء ورضى بما عداه(1) .
أقول : ما أفاده من أنّ أيّام المرض كأيّام الحيض ، يرد عليه ـ بعد الفرق فيما لو فرض أنّ أيّام المرض عامّة مستمرّة ، وكان الزوج جاهلا بذلك ، بخلاف أيّام الحيض الّتي لا تكون دائمة ، مضافاً إلى علم الزوج بذلك غالباً ـ بانّه لم يقم عليها دليل ، وظهور العذر إنّما يترتّب عليه عدم وجوب التمكين لعدم اجتماعه مع المرض ، وأمّا ثبوت النفقة فلا ، إلاّ أن يُقال : بأنّ ما يوجب سقوط النفقة إنّما هو عدم التمكين الواجب ، وإلاّ فمطلق عدم التمكين لا يوجب السقوط بعد عموم أدلّة الإنفاق ، والخارج منه ما ذكر .
وكذا لا تسقط النفقة إذا سافرت الزوجة بإذن الزوج ، سواء كان لمصلحتها أو مصلحته ، في واجب أو مندوب أو مباح ، وكذا لو سافرت في واجب مضيّق كالحج بتعبير المتن ، وإلاّ فالحجّ لا يكون واجباً مضيّقاً إصطلاحاً ، بل واجب فوريّ ، وبينهما فرق ، ولا فرق في هذا بين أن يكون بإذنه أو بغير إذنه ، بل ولو مع منعه ونهيه لفرض فوريّة الوجوب ، بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح ، بل ولو في واجب غير فوريّ ، كما إذا نذرت بإذن الزوج أن تزور مشهد الرضا (عليه السلام)مرّة في خمس سنين ، فأرادت أن تزوره في السنة الأُولى مثلا ، فإنه حينئذ تسقط نفقتها ، وفي المتن : بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر ، فضلا
- (1) جواهر الكلام : 31/312 .
(الصفحة 575)مسألة 6 : تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة ، كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا ، ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة ، وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب . وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها ، سواء كانت عن طلاق أو فسخ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملا ، فإنّها تستحقّهما حتى تضع حملها ، ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى1.
عمّا كان له لتحقّق النشوز المسقط لها .
أقول : قد مرّ في بحث النشوز(1) ما يتعلّق بالخروج من بيته بغير إذنه ، فراجع .1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في ذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة ، والكلام فيه قد يقع في المتمكّنة وقد يقع في الناشزة ، أمّا الفرض الأوّل فيدلّ على ثبوت النفقة فيه مضافاً إلى نفي الخلاف بل الإجماع(2) روايات كثيرة ، مثل :
صحيحة سعد بن أبي خلف قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن شيء من الطلاق؟ فقال : إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شائت ولا نفقة لها ،
- (1) في ص482 ـ 483 .
- (2) كشف اللثام : 7/580 ، رياض المسائل : 7/261 ، جواهر الكلام : 31/316 .
(الصفحة 576)
قال : قلت : أليس الله يقول :
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}(1) قال : فقال : إنّما عنى بذلك الّتي تطلّق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك الّتي لا تخرج ولا تُخرَج حتى تطلّق الثالثة ، فإذا طُلِّقَت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة الّتي يُطَلِّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدّتها(2) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها ، إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة(3) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم(4) فإنّ القدر المتيقّن من إطلاقها أو المحمول عليه إطلاقها هي ذات العدّة الرجعيّة .
وبالجملة : لا إشكال في ثبوت النفقة لذات العدّة الرجعيّة; لأنّها كما اشتهر(5)بمنزلة الزوجة غير المطلّقة ، ومن المعلوم أنّ من أشهر آثار الزوجيّة الإنفاق على الزوجة . نعم قد استشكل العلاّمة(6) في ثبوت النفقة بالإضافة إلى الموطوئة بشبهة الّتي لا رجوع للزوج عليها ما دامت كونها في عدّة وطء الشبهة ، في كلتا صورتيه
- (1) سورة الطلاق : 65/1
- (2) الكافي : 6/90 ح5 ، التهذيب : 8/132 ح458 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح1 .
- (3) الكافي : 6/104 ح4 ، التهذيب : 8/133 ح 459 ، الإستبصار : 3/334 ح 1188 ، الفقيه : 3/324 ح 1571 ، الوسائل : 21/519 ، أبواب النفقات ب8 ح2 .
- (4) قرب الإسناد : ص 254 ح 1002 ، الوسائل : 21/522 ، أبواب النفقات ب8 ح11 .
- (5) شرائع الإسلام: 2/348، مسالك الأفهام: 8/449، كشف اللثام: 7/580، الحدائق الناضرة: 25/108، جواهر الكلام: 31/318.
- (6) قواعد الأحكام : 2/55 .
(الصفحة 577)
اللّتين هما الوطء بالشبهة قبل الطلاق والوطء بها بعده في زمن العدّة .
ووجه الإشكال أنّ النفقة إنّما تجب للزوجة ومن في حكمها ، وهي من في العدّة الرجعيّة ، ويكون للزوج عليها حقّ الرجوع وبقاء حكم الزوجية ، وإن امتنع الرجوع للزوج الآن لوجود المانع ، كما تجب النفقة على الزوجة الصائمة أو المحرمة مع امتناع الاستمتاع بهما ، وقال : في الجواهر : وربّما فرّق بينهما ـ يعني بين الصورتين ـ بوجود النصّ على الإنفاق في المطلّقة بخلاف الباقية في النكاح ، ثمّ قال : إلاّ أنّه كما ترى ، ضرورة أولويّتها منها بذلك(1) .
المقام الثاني : في سقوط نفقة البائن وسكناها ، سواء كانت عن طلاق أو فسخ أو بردّته عن فطرة أو قبل الدخول ونحو ذلك ، ويدلّ عليه مضافاً إلى انقطاع الزوجيّة بذلك بنحو لا يكون له فيها الرجوع روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المطلّقة ثلاثاً على السنّة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن المطلّقة ثلاثاً ألها سكنى ونفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا(3) .
ورواية سماعة قال : قلت له : المطلّقة ثلاثاً لها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة(4) .
- (1) جواهر الكلام : 31/318 .
- (2) الكافي 6/104 ح2 ، التهذيب : 8/133 ح 460 ، الإستبصار : 3/334 ح 1189 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح5 .
- (3) الكافي 6/104 ح3 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح6 .
- (4) الكافي 6/104 ح5 ، الوسائل : 21/520 ، أبواب النفقات ب8 ح3 .
(الصفحة 578)
ومن الواضح أنّه لا خصوصيّة للمطلّقة ثلاثاً ، بل إنّما هي من جهة كون طلاقها بائناً ، ويدلّ عليه صحيحة سعد المتقّدمة في المقام الأوّل ، وبهاتين الروايتين الأخيرتين الظاهرتين في الفرق بين الحبلى وغيرها تحمل صحيحة عبدالله بن سنان على صورة عدم كونها حبلى ، كما أنّه يحمل بعض الروايات الدّالّة بإطلاقها على ثبوت النفقة للمطلّقة بائناً على صورة الحمل ، مثل :
صحيحة ابن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المطلّقة ثلاثاً على العدّة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم(1) .
ورواية عليّ بن جعفر المتقدّمة ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال : سألته عن المطلّقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : نعم .
ويمكن حمل الأخيرة على خصوص الرّجعيّة ، كما أنّه يمكن حمل كليهما على الاستحباب ، كما حمل الشيخ الاُولى عليه ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد استثنى من المطلّقة بائناً من كانت حاملا ، فإنّه يلزمه الإنفاق عليها حتى تضع حملها ، وظاهر المتن اختصاص استثناء الحامل بالمطلّقة ، وعدم شموله لِما إذا كانت عدّة البائنة عن فسخ ، وفي الجواهر : نعم لو قلنا بأنّ النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها ، بل في القواعد(2) الجزم به ، بل ظاهر كشف اللثام(3) نفي الإشكال عنه ، وإن كان فيه ما ستعرفه(4) .
أقول : قال الله تعالى في سورة الطلاق :
{وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْل فَأَنْفِقُواْ عَلَيْهِنَّ
- (1) التهذيب : 8/133 ح461 ، الإستبصار : 3/334 ح1190 ، الوسائل : 21/521 ، أبواب النفقات ب8 ح8 .
- (2) قواعد الأحكام : 2/55 .
- (3) كشف اللثام : 7/581 .
- (4) جواهر الكلام : 31/320 .