(الصفحة 105)
الصورة وإلاّ لما أمكن التطهير بالماء القليل بوجه.
هذا والحقّ انّ المناط هو مجرّد السراية غاية الأمر انّ تحقّقها لا يكون موكولاً بنظر العرف فانّه لا فرق عنده بين الماء القليل الذي يكون أقلّ من الكرّ بقليل وبين الماء الكر ولا يدرك تحقّقها في الأوّل وعدم تحقّقها بل عدم التأثّر والانفعال في الثاني بل العرف بعدما استفاد من الأدلّة الشرعية انفعال القليل بمجرّد الملاقاة يفهم منها انّ المناط فيه هو تحقّق السراية بعد حصول التأثّر وبعدما رأى عدم نجاسة الثوب الملاقى ببعض أطرافه بجميعها يدرك عدم تحقّقها فيه وخروج مثل المقام عن أدلّة الانفعال لملاحظة العرف صحّة التطهير بالماء القليل من الأزمنة المتقدّمة إلى زماننا هذا، نعم يرد على ما ذكرنا عدم صحّة التعدّي إلى موارد عدم قيام الدليل الشرعي وتوقّف الحكم على وروده مع أنّ مقتضى بعض المباحث السابقة عدم التوقّف فتأمّل جيّداً.
التفصيل الرابع: هو الذي ذهب إليه المحقّق الخراساني صاحب الكفاية(قدس سره)وتبعه على ذلك تلميذه الكبير المحقّق الاصفهاني(قدس سره) في محكي بحثه وهو الفرق في انفعال الماء القليل بين ما إذا كان الملاقى نجساً أو متنجّساً بثبوته في الأّل دون الثاني.
وقد استدلّ على ذلك بأنّ مدرك انفعال الماء القليل بالملاقاة إن كان هو الإجماع فهو غير متحقّق في ملاقاة المتنجّس على نحو يفيد القطع بالحكم ـ كما هو المطلوب في الأدلّة اللبية ـ والمقدار المتيقّن منه هو خصوص ملاقاة الأعيان النجسة.
وإن كان هي الروايات الواردة في تحديد الكر فهي وإن دلّت على انفعال القليل بما لا ينفعل به الكثير إلاّ أنّ مفهومها سلب العموم لا عموم السلب، فمفهومها انّ القليل ينجسه شيء ما فإنّ نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية وليس هذا الشيء هو التغيّر قطعاً لأنّه ينجّس الكثير أيضاً فتعيّن أن يكون هو شيئاً من
(الصفحة 106)
النجاسات وإذا ثبت منجسية شيء منها ثبت منجسية غيره من الأعيان النجسة، لعدم القول بالفصل، أو لما دلّ من الأخبار الخاصّة على منجسية الأعيان النجسة، وامّا المتنجّسات فلا يستفاد منها انّها كالنجاسات.
وإن كان هو الأخبار الخاصة فموردها خصوص الأعيان النجسة كما أنّها المنسبق من «الشيء» في الأخبار العامّة ولا أقلّ انّها القدر المتيقّن منه، فانقدح انّه لا دليل على انفعال القليل بالمتنجّسات.
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ اصطلاح «النجس» و«المتنجّس» وإرادة خصوص الاعيان النجسة من الكلمة الاُولى وغيرها من الأشياء الطاهرة المتأثّرة منها من الكلمة الثانية اصطلاح فقهي حادث ولعلّه لم يوجد في الروايات أصلاً فإنّ المتتبّع فيها لا يرى الفرق بين القسمين فكما يطلق العنوان الأولي وما يرادفه على الأعيان النجسة كذلك يطلق على المتنجّسات من دون فرق فانظر إلى مثل قوله(عليه السلام): «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر» ومن المعلوم انّ الاصطلاح الحادث لا دخالة له في فهم الروايات أصلاً، وإلى انّ نفي الإجماع خلاف إطلاق معاقد الإجماعات المدعاة على الانفعال بل حكي عن جماعة دعوى الإجماع بل الضرورة على تنجيس المتنجّس أيضاً، وإلى ما أفاده في المستمسك من أنّ مقتضى التركيب في نفسه في الروايات الواردة في تحديد الكرّ وإن كان نفي العموم لا عموم النفي إلاّ ورودها مورد بيان حكم النجاسات المختلفة من بول الدواب وولوغ الكلاب واغتسال الجنب ودخول الدجاجة والحمامة وقد وطئت العذرة يوجب ظهورها في المقام في كونه لتعليق الافراد فيشمل المتنجّسات أيضاً.
انّ هنا روايات تدلّ بإطلاقها على الانفعال بملاقاة المتنجّس أيضاً مثل رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر ـ وهي صحيحة ـ قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل
(الصفحة 107)
يدخل يده في الاناء وهي قذرة قال: يكفي الاناء.
قال في القاموس: كفأه كمنعه كبّه وقلبه. والمراد إراقة الماء التي هي كناية عن التأثّر والانفعال، ومقتضى إطلاق الصحيحة وترك الاستفصال عدم الفرق بين صورة وجود عين النجاسة في اليد وزوالها عنها وعدم غسلها كما لا يخفى.
وموثّقة سماعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الاناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني.
ومفهومها ثبوت البأس مع إصابة شيء من المني اليد ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في صورة الإصابة بين ما إذا كانت عين المني موجودة في اليد وما إذا زالت عينها إلاّ أن يقال بأنّه لا مجال للأخذ بإطلاق المفهوم لعدم ثبوت كونه في مقام البيان لأنّ المتيقّن كون الموثّقة في مقام بيان نفي البأس مع عدم الإصابة وامّا ثبوته معها فيمكن أن لا تكون في مقام بيانها أصلاً.
وموثّقة اُخرى لسماعة قال: سألته عن رجل يمسّ الطست أو الركوة ثمّ يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ على كفيه؟ قال: يهريق من الماء ثلاث جفنات، وإن لم يفعل فلا بأس، وإن كانت إصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المني وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كلّه.
ولا يرد على هذه الرواية المناقشة الواردة على سابقتها من عدم كونها في مقام البيان كما هو ظاهر.
وموثّقة أبي بصير ـ المتقدّمة سابقاً ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الجنب يحمل (يجعل خ ل) الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه؟ قال: إن كانت يده قذرة فاهرقه... .
(الصفحة 108)
وصحيحة شهاب بن عبد ربه عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل أن يغسلها، انّه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء.
وغير ذلك من الروايات التي يمكن التمسّك بإطلاقها لعدم الفرق بين ملاقاة النجس والمتنجّس أصلاً.
نعم هنا بعض الروايات يمكن أن يكون موهماً لخلاف ما ذكر من الإطلاق مثل موثّقة أبي بصير عنهم (عليهم السلام) قال: إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك فاهرق ذلك الماء.
فإنّ مقتضى إطلاق المستثنى في الصدر وإن كان هو ثبوت الباس مع الإصابة سواء بقيت عينها أم زالت إلاّ أنّ التقييد في الذيل بقوله(عليه السلام) : «وفيها شيء من ذلك» الظاهر في بقاء العين وعدم زوالها يوجب تضييق دائرة الانفعال الموجب لاهراق الماء وعدم جواز الاغتسال منه.
ورواية علي بن جعفر ـ المتقدّمة سابقاً ـ عن جنب أصابت يده جنابة من جنابته فمسحها بخرقة ثمّ أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال: إن وجد ماءً غيره فلا يجزيه أن يغتسل وإن لم يجد غيره أجزأة.
أقول: امّا رواية علي بن جعفر فقد تقدّم الجواب عن الاستدلال بها سابقاً وهو انّ اشتمالها على التفصيل بين صورتي الاختيار والاضطرار مع عدم التزام أحد من الأصحاب به يوجب شذوذها وعدم جواز الاعتماد عليها أصلاً.
وامّا موثّقة أبي بصير فربما يجاب عنها بأنّ المراد بقوله: «وفيها شيء من ذلك»: «وقد كان فيها...» ولو بقرينة ظهور كون الذيل تصريحاً بمفهوم الشرط السابق في الصدر، أو بقرينة ظهور الإجماع على الانفعال بالمتنجس، كما أنّه ربّما يقال في مقام
(الصفحة 109)
الجواب بأنّ للقذر إطلاقين فتارة يطلق ويراد منه المعنى الاشتقاقي بمعنى الحامل للقذارة وعليه فالإضافة بيانية، واُخرى يطلق ويراد منه المعنى المصدري أي القذارة وعليه فالإضافة نشوية والاستدلال إنّما يتمّ على الإطلاق الأوّل دون الثاني وحيث إنّه لا قرينة على التعيين فتصبح الرواية مجملة غير قابلة للتقييد.
ويرد على الجواب الثاني ـ مضافاً إلى أنّ جريان الاحتمالين في معنى القذر لا دلالة له على كون المشار إليه بقوله: «ذلك» هو القذر لاحتمال كونه هو البول أو الجنابة بل لعلّه الظاهر بملاحظة ظهور كلمة شيء من ذلك في الكمية فتدبّر ـ انّه لا مناص ظاهراً من الحمل على الإطلاق الأوّل لأنّ القذر ـ على الإطلاق الثاني ـ لا تتصف بالإصابة فإنّ الذي يصيب اليد ليس هي القذارة بل القذارة تعرضها بسبب الإصابة، وامّا الجواب الأوّل فلا بأس به خصوصاً بعد ملاحظة انّ البول بعد إصابته لا تبقى عينها نوعاً بخلاف المني والدم وأشباههما كما لا يخفى.
فالإنصاف انّه لا سبيل إلى اختيار هذا التفصيل وإن كان القائل به قليل النظير.
التفصيل الخامس: ما اختاره بعض الأعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريراته ـ إن لم يقم إجماع على خلافه، وهو التفصيل بين ملاقاة الماء القليل للنجاسات والمتنجسات التي تستند نجاستها إلى ملاقاة عين النجس وهي التي عبّر عنها بالمتنجّس بلا واسطة وبين ملاقاة المتنجّس مع الواسطة بالانفعال في الأوّل دون الثاني لعدم قيام الدليل على الانفعال فيه حتى موثقة أبي بصير المتقدّمة بناءً على إرادة المعنى الثاني من القذر فيها لأنّ «القذر» لم ير إطلاقه على المتنجس مع الواسطة فإنّه نجس ولكنّه ليس بقذر.
ومحصل ما أفاده في وجه هذا التفصيل انّ الذي يمكن أن يستدلّ به على الانفعال بملاقاة مطلق المتنجّس أمران: