(الصفحة 133)
بعد عدم إحراز الموضوع وعدم كون القاعدة محرزة له بوجه.
وامّا إذا علمت حالته السابقة وانّه لم يكن له مادّة فمقتضى إطلاق المتن طهارته أيضاً مع أنّ استصحاب عدم المادّة وبعبارة اُخرى استصحاب القلّة مع وصف الركود يقتضي كونه ماءً قليلاً راكداً ينفعل بمجرّد الملاقاة، ولم يعلم وجه للحكم بالطهارة في هذه الصورة.
نعم في الصورة الاُولى أيضاً ربّما يقال بالنجاسة كما اختاره السيّدان في «العروة والوسيلة» وما يمكن أن يكون مستنداً للقول بالنجاسة في هذه الصورة اُمور:
أحدها: التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية له كما جوّزه صاحب العروة في بعض الفروع نظراً إلى أنّ أدلّة انفعال الماء القليل بمجرّد الملاقاة عامّة تشمل كلّ قليل لم يكن له مادّة واقعاً والمورد شبهة مصداقية يحتمل أن يكون قليلاً موصوفاً بعدم ثبوت المادّة له فمقتضى العموم الشمول والحكم بالانفعال.
وفيه ـ مضافاً إلى أنّه قد قرّر في محلّه عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية له ـ انّه على فرض الجواز لِمَ لم يجز التمسّك بعمومات أدلّة الماء الذي له مادّة من الجاري والبئر وغيرهما فإنّ المقام كما أنّه شبهة مصداقية لعمومات أدلّة الانفعال كذلك شبهة مصداقية لهذه الأدلّة فنتمسّك بها ونحكم بالاعتصام وعدم الانفعال، وعلى فرض التعارض بين العمومين يكون استصحاب الطهارة أو قاعدتها هو المحكم في البين، فهذا الوجه ساقط من أصله.
ثانيها: قاعدة المقتضى والمانع امّا مطلقاً وامّا في خصوص المقام كما يظهر من الشيخ الأنصاري(قدس سره) في كتاب الطهارة.
ثالثها: استصحاب عدم ثبوت المادّة لهذا الماء كما اختاره المحقّق الخراساني(قدس سره)في نظائره كاستصحاب عدم قرشية المرأة.
(الصفحة 134)
رابعها: القاعدة التي أبدعها المحقّق النائيني(قدس سره) .
وقد تقدّم هذه الوجوه الثلاثة في مسألة الشكّ في الإطلاق والإضافة التي هي المسألة الثالثة من مسائل الماء المطلق فراجع.
(الصفحة 135)
مسألة 13 ـ الراكد إذا بلغ كراً لا ينجس بالملاقاة ولا ينجس إلاّ بالتغيّر، وإذا تغيّر بعضه فإن كان الباقي بمقدار كر يبقى غير المتغيّر على طهارته ويطهر المتغيّر إذا زال تغيّره بالامتزاج بالكر الباقي وإذا كان الباقي دون الكر ينجس الجميع1.
1 ـ البحث في هذه المسألة يقع في فروع:
الأوّل: انّ الراكد الكر لا ينفعل بالملاقاة مع النجاسة إلاّ إذا حصل له التغيّر في أحد الأوصاف الثلاثة.
امّا اعتصامه وعدم انفعاله بشيء من النجاسات بمجرّد الملاقاة فهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل لم يخالف فيه أحد منهم إلاّ المفيد وسلاّر حيث إنّه يظهر منهما اختصاص ذلك بما عدا ماء الأواني والحياض، وسيأتي بيان ضعف هذا القول إن شاء الله تعالى والدليل على الاعتصام الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء وقد عقد لذكرها باباً في الوسائل، وقد مرّ في بحث انفعال الماء القليل انّ ثبوت هذين العنوانين ـ الكر والقليل ـ في الفقه إنّما هو لأجل هذا الحكم وهو الانفعال وعدمه بحيث لا ينسبق في أذهان المتشرّعة من سماع هذين اللفظين إلاّ الاعتصام وعدمه ولأجل ذلك لا حاجة إلى البحث فيه.
وامّا نجاسته بسبب التغيّر الحاصل في أحد أوصافه الثلاثة فلا كلام فيها وقد تقدّم انّ التغيّر يوجب تنجّس جميع المياه سواء كان جارياً أم كراً أم غيرهما.
والكلام في المقام إنّما هو في تعيين موضوع الحكم بعدم الانفعال وانّه هل يختص بخصوص الماء المجتمع في محلّ واحد مع تقارب أجزائه، أو يعمّه وما كان مجتمعاً في محلّ واحد ولكن لم تكن أجزائه متقاربة كالماء الكر الذي يكون عمقه قليلاً وطوله أو عرضه كثيراً، أو يعمّهما وما لم تكن أجزائه مجتمعة في محلّ واحد بل كان بعض
(الصفحة 136)
أجزائه في محل وبعضها الآخر في محلّ آخر ولكن الاتصال بينهما موجود كالغديرين الموصولين بساقية؟ ثمّ الاتصال له مراتب من حيث القوّة والضعف، هذا مع تساوي السطوح، أو يعمّ جميع الصور المتقدّمة وما إذا لم تكن السطوح متساوية، وهذا على أقسام أيضاً:
منها: ما كان الماء الموجود في المحل الأعلى واقفاً غير خارج منه، ومنها ما كان الماء الموجود فيه جارياً على السطح الأسفل، والجريان قد يكون بنحو الانحدار وقد يكون بغير هذا النحو، وهو امّا أن يكون مطلقاً أو بالنسبة إلى خصوص السافل دون العالي فهذه فروض وصور كثيرة.
ولا يخفى انّ الدليل في هذا الباب إنّما ينحصر بالأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ومن الواضح انّ المراد بها هو الماء الواحد فالمناط صدق الوحدة بنظر العرف وـ حينئذ ـ فلا يبعد أن يقال بعدم اختصاص المناط بالصورة الاُولى لعدم الفرق بينها وبين الصورة الثانية في صدق الوحدة وتحقّقها عند العرف كما يظهر بالمراجعة اخليهم، وامّا الصورة الثالثة فصدق الوحدة بهذا النظر يدور مدار قوّة الاتصال وضعفه وعليه يحمل ما عن صاحب المعالم(قدس سره) من عدماعتصام الكر فيما إذا كان متفرّقاً ولو مع اتصالها بالسواقي والأنابيب، ولو كان نظره إلى المنع مطلقاً يتوجّه عليه المنع بعد وجود الدليل وصدق الوحدة العرفية وخلوّ دعوى الانصراف عن الوجه. والأمر في الصورة الرابعة أيضاً كذلك.
وامّا الصورة الخامسة فبعض مصاديقها وفروضها وإن كان يعدّ واحداً إلاّ أنّ البعض الآخر لا يكون كذلك فلا يقال على الماء الموجود في الابريق المتّصل بماء سافل انّه كر إذا كان المجموع بالغاً ذلك الحدّ فلا ينجس بملاقاة النجس، كما أنّه لا يقال على منّ مِن الماء الموجود في الحوض ـ مثلاً ـ انّه كر لاتصاله بالماء الموجود في
(الصفحة 137)
الحب مع فرض كون المجموع كذلك، وهذا لا ينافي ما ذكرناه سابقاً من أنّه لو وقعت النجاسة في الماء السافل لا توجب تنجّس الماء العالي بخلاف العكس وذلك لما عرفت من أنّ مناط تنجّس جميع أجزاء الماء مع ثبوت وصف الملاقاة بالإضافة إلى بعضها هي سراية النجاسة ولا يعقل تحقّقها بالنسبة إلى الماء العالي بل هي متحقّقة في الماء السافل إذا كانت الملاقاة ثابتة للعالي كما لا يخفى.
وبالجملة: لا تكون هنا ضابطة كلّية يتعيّن بها مصاديق موضوع الاعتصام وعدم الانفعال بل المدار هو صدق الوحدة بنظر العرف وهو قد يختفي في بعض الموارد وسيأتي حكم موارد الشكّ فانتظر.
ثمّ إنّه يظهر من الشيخ (قدس سره) في كتاب الطهارة تقوي كلّ من العالي والسافل بالآخر استناداً إلى تحقّق الاتحاد بنظر العرف ثمّ قال: «ويؤيّد الاتّحاد قوله(عليه السلام): ماء الحمّام كماء النهر يطهِّر بعضه بعضاً، جعل(عليه السلام) المادة بعضاً من ماء الحمّام مع تسنيمها عليه، وقوله(عليه السلام) في صحيحة داود بن سرحان: هو بمنزلة الماء الجاري، فإنّ الظاهر رجوع الضمير إلى المجموع من المادّة وما في الحياض».
أقول: امّا الرواية الاُولى فليس فيها تأييد لمرامه(قدس سره) أصلاً إذ كون المادّة بعضاً من ماء الحمّام لا يدلّ على اتحادها مع ما في الحياض الصغيرة إلاّ بعد إثبات انّ ماء الحمّام واحد، لأنّه يمكن ـ قبل ثبوت ذلك ـ أن تتّصف المادّة بكونها بعضاً من ماء الحمّام ولا تتّصف بكونها بعضاً من الماء الواحد.
وبالجملة فمفاد الرواية انّ المادّة بعض من ماء الحمّام، و المدّعى كونها متّحدة مع ما في الحياض وأين هذا من ذاك، والاستشهاد على وحدة ماء الحمّام بأنّ التشبيه بماء النهر يدلّ على كون ماء الحمّام أيضاً واحداً كماء النهر، يدفعه انّ التشبيه إنّما هو في خصوص تطهير بعضه بعضاً لا في سائر أحكام ماء النهر.