(الصفحة 161)
الموجودة في العالم متفاوتة من حيث الخفّة جدّاً من طرف آخر فلا مانع من جعل الكثير طريقاً وأمارة أصلاً.
وبما ذكرنا يمكن الجمع بين نفس الروايات الكثيرة المتعارضة الواردة في خصوص التقدير بالأشبار بأن يقال: إنّ الحكم بالتقدير بالأقلّ من المقدار المشهور يمكن أن يكون لأجل خصوصية في المياه التي كانت موردة لابتلاء السائل، بها يبلغ المقدار الواقعي للكر ولو كان أقلّ من المقدار المشهور.
ويمكن الجمع بينها بنحو آخر وهو انّ الاختلاف بينها إنّما هو في نتيجة ضرب الأبعاد لا في نفس الأشكال المختلفة وإلاّ فهي متباينة، والمجعول علامة ليس هو النتيجة، ويؤيّد ذلك انّك لا تجد رواية من روايات الباب تعرّضت لذكر النتيجة، بل الجميع تضمّن التقدير بخصوص المسامحة الخاصة ولو كان المقصود التقدير بالنتيجة كان ذكرها هو المتعيّن فإنّه أخصر وأصرح وأفيد لكن لمّا كان تطبيق النتيجة من الاُمور الصعبة على أكثر الناس أهمل التعرّض لها فلم تجعل بياناً للمقدار ولا علامة على وجود المقدار أصلاً، وإنّما ذكر في البيان، الشكل الخاص لسهولة معرفته وترتّب الفائدة على بيانه، والأشكال كلّها متبائنات فلا مانع من أن يكون كلّ واحد منها علامة على وجود الكر المقدر حقيقة بالوزن لا انّه تقدير للكر.
ولكن الجمع بهذا النحو الأخير إنّما يتفرّع على كون موارد الروايات الواردة في الأشبار مختلفة من حيث الشكل الهندسي ولم يكن مورد واحد وشكل فارد قد ورد فيه روايتان مختلفتان وإلاّ فلا مجال لهذا الجمع وقد عرفت ثبوت الاختلاف في مورد واحد أيضاً، فالجمع الأوّل هو المتعيّن وإن حقّق الأخير صاحب المستمسك(قدس سره)فتدبّر جيّداً.
(الصفحة 162)
مسألة 15 ـ الماء المشكوك الكرية إن علم حالته السابقة يبنى على تلك الحالة، وإلاّ فالأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة وإن لم يجر عليه باقي أحكام الكر1.
1 ـ لا خفاء في أنّ الماء المشكوك الكرية إن كانت حالته السابقة من القلّة أو الكثرة معلومة لكان اللاّزم البناء على تلك الحالة للاستصحاب الذي لا إشكال في جريانه في مثله.
وامّا مع عدم العلم بالحالة السابقة فقد قوى سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ عدم التأثّر بالملاقاة وإن لم يجر عليه باقي أحكام الكر، والوجه في عدم الانفعال بعد قصور شمول أدلّة الاعتصام وكذا أدلّة الانفعال للمقام لكونه شبهة مصداقية لكلتا الحجّتين هو جريان استصحاب الطهارة أو قاعدتها والتفكيك بينه وبين جريان سائر أحكام الكر ككفاية إلقائه على ما يتوقّف تطهيره على إلقاء الكر عليه أو زوال نجاسة المتنجّس المغسول به بإيقاعه فيه لا مانع منه بالإضافة إلى الأحكام الظاهرية كما في غيره من الموارد الكثيرة.
ولكن جماعة من الأصحاب ذهبوا إلى الانفعال ونجاسة الماء المشكوك الكرية لوجوه كثيرة قد تقدّمت مع جوابها في بعض المسائل السابقة كالتمسك بالعام في الشبهة المصداقية أو بقاعدة المقتضى والمانع أو بغيرهما.
ويمكن أن يورد على المتن بأنّ عدم جريان باقي أحكام الكر عليه لا يتمّ على إطلاقه فإنّه إذا ألقى الماء المشكوك الكرية على ماء متنجّس لا مانع من دعوى حصول الطهارة بسببه وإن لم تثبت كريته ولو بالأصل نظراً إلى أنّ المعتبر في المطهر ليست هي الكرية بل الاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة وذلك لما دلّ عليه التعليل في صحيحة ابن بزيع المتقدّمة الواردة في البئر الظاهرة في أنّ ثبوت المادّة المعتصمة وامتزاجها بالماء المتنجّس الموجود في البئر يكفي في طهارته وزوال نجاسته فإنّ
(الصفحة 163)
الماء المشكوك في المقام وإن لم تثبت كريته إلاّ انّه ثبت اعتصامه على ما هو المفروض فيكفي إلقائه في الماء المتنجّس لأجل التطهير وتحصل الطهارة له وكذا في كلّ مورد لم يكن للكرية موضوعية بل كان المناط هو الاعتصام وعدم التأثّر.
ولقائل أن يقول بأنّ هذا الايراد غير وارد على المتن لعدم الإشارة إلى مثله فيه، غاية الأمر الحكم فيه بعدم جريان باقي أحكام الكر عليه وظاهره الأحكام المترتّبة على الكر بعنوانه لا بما هو ماء معتصم، فالإيراد إنّما يردعلى مثل صاحب العروة(قدس سره)الذي صرّح بعدم الكفاية في المورد المذكور لا على مثل المتن فتأمّل.
(الصفحة 164)
مسألة 16 ـ إذا كان الماء قليلاً فصار كراً وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على الكرية أو العكس يحكم بطهارته، إلاّ إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرية، وامّا إذا كان الماء كراً فصار قليلاً وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على القلّة أو العكس فالظاهر الحكم بطهارته مطلقاً حتى فيما إذا علم تاريخ القلّة1.
1 ـ للمسألة صورتان:
إحداهما: ما إذا كان الماء مسبوقاً بالقلّة في زمان ثمّ طرء عليه حالتان: الكرية والملاقاة للنجاسة ولم يعلم المتقدّم والمتأخّر منهما.
ثانيتهما: ما إذا كان الماء مسبوقاً بالكرية في زمان ثمّ عرض عليه أمران: الملاقاة للنجاسة والقلّة وشكّ في السابق واللاّحق منهما.
امّا الصورة الاُولى ففيها مسائل ثلاث لأنّه امّا أن يكون الحادثان كلاهما مجهولي التاريخ وامّا أن يكون أحدهما كذلك وقد حكم في المتن بطهارة الماء في جميعها إلاّ فيما إذا كان تاريخ الملاقاة معلوماً دون الكرية والحكم فيه الانفعال والنجاسة.
امّا الحكم بالطهارة في مجهولي التاريخ فلأنّه بعد تعارض استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة واستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية كما هو مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) في مجهولي التاريخ حيث يقول بالجريان في نفسه والسقوط بالمعارضة يرجع إلى استصحاب الطهارة أو قاعدتها لأنّه لا مجال للرجوع إلى دليل الانفعال بعد عدم إحراز موضوعه حال تحقّق الملاقاة، كما أنّه بناءً على مبنى المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفاية من عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ لقصور المقتضى وعدم إحراز اتصال زمان الشكّ باليقين يكون المرجع
(الصفحة 165)
قاعدة الطهارة أو استصحابها.
وقد حكى عن المحقّق النائيني(قدس سره) في حاشية العروة الحكم بالنجاسة في هذا الفرض نظراً إلى أنّ الاستصحاب وإن كان يجري في مجهولي التاريخ إلاّ انّه فيما إذا كان الأصلان مترتّباً عليهما أثر شرعي، وامّا إذا كان واحد منهما أو كلاهما غير واجد لهذا الشرط فلا مجال لجريانه والمقام كذلك لأنّ استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة وإن كان مترتّباً عليه شرعاً نجاسة الماء إلاّ أنّ استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لا يترتّب عليه أثر في نفسه إلاّ بعد ضميمة انّ الملاقاة حصلت بعد الكرية وهو لا يثبت بالاستصحاب، فاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة يصير بلا معارض ولازمه الحكم بالنجاسة.
ويرد عليه انّ الأثر اللاّزم في جريان الاستصحاب لا ينحصر بالأثر الوجودي بل نفي ذلك الأثر أيضاً يكفي في جريانه واستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية إنّما ينفي النجاسة المترتّبة على الملاقاة قبلها لأنّ الاستصحاب ينفي تحقّق هذه الملاقاة فلا يترتّب الحكم بالنجاسة كما هو ظاهر.
وامّا الحكم بالطهارة فيما إذا كان تاريخ الكرية معلوماً دون الملاقاة فيجتمع مع مبنى جريان الأصل في خصوص مجهول التاريخ وعدم جريانه في معلومه لأنّه ـ حينئذ ـ يجري استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية بلا معارض، وكذا يجتمع مع مبنى جريان الأصل في كلّ من المجهول والمعلوم نظراً إلى أنّ عدم جريانه في المعلوم إنّما هو بالإضافة إلى اجزاء الزمان وعموده، وامّا بالنسبة إلى الحادث الآخر كما هو الموضوع للأثر شرعاً فهو مشكوك فيه لا محالة ولا مانع من جريان الأصل فيه أيضاً، وجه الاجتماع على هذا المبنى جريان الاستصحابين وسقوطهما بالمعارضة والمرجع ـ حينئذ ـ هي قاعدة الطهارة أو استصحابها.