(الصفحة 232)
مختصّاً بما إذا لم يكن المستنجى جنباً فتدبّر.
ومنها: مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال: سُئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس. بتقريب انّ غسالة الحمّام لا تنفك غالباً عن الماء المستعمل في إزالة النجاسة.
وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال ـ انّ الظاهر انّ المراد بالناس هو العامة وغرض السائل انّ غسالة العامّة ـ من حيث إنّهم كذلك ـ هل تكون نجسة أم لا فالجواب بنفي البأس لا يرتبط بالمقام بوجه.
ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرّتين فإنّ غسلته في ماء جار فمرّة واحدة. ومثلها الروايات الواردة في كيفية غسل الفراش ونحوه ممّا فيه الحشو إذا أصابه البول ـ وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس من أبواب النجاسات ـ ولكن لا دلالة بل ولا إشعار في شيء منها على طهارة الغسالة مضافاً إلى ما في بعضها من ضعف السند.
وقد يتمسّك أيضاً على طهارة الغسالة ـ تارة ـ بلزوم الحرج والعسر الشديد على تقدير كونها محكومة بالنجاسة وأدلّة نفي الحرج ترفعها، و ـ اُخرى ـ بعدم تعرّض القدماء من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ لمسألة الغسالة مع كونها من المسائل التي تعمّ بها البلوى، ومن ذلك يستكشف عدم كونها محكومة بالنجاسة وإلاّ لكان اللاّزم التعرّض لها مع شدّة الابتلاء بها كما لا يخفى.
ويرد على الأوّل ـ مضافاً إلى منع الصغرى فإنّه لا يلزم حرج أصلاً كيف والمشهور بين الفقهاء هو القول بالنجاسة على ما عرفت ـ انّه لو سلّمنا لزوم الحرج والعسر فاللاّزم الاقتصار عل يخصوص مورد لزومه فكلّ من كان الاجتناب عن الغسالة حرجياً بالإضافة إليه لا بأس له بترك الاجتناب كما في سائر النجاسات
(الصفحة 233)
ولا يختص بالغسالة ، والحرج النوعي لا دليل على عدم جعله أصلاً.
وامّا عدم تعرّض الأصحاب فـ ـ مضافاً إلى أنّه لا تصير حجّة على الطهارة لعدم تعرّضهم لكثير من المسائل التي تعمّ بها البلوى ـ انّا نمنع عدم التعرّض لأنّ المقام من فروع مسألة الماء القليل الذي حكموا فيه بالنجاسة فاكتفوا بها عن ذكر خصوصيات المصاديق والموارد.
وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية القول بالطهارة لعدم تمامية شيء من أدلّته.
وامّا القول الثالث الذي اختاره صاحب العروة وهو التفصيل بين الغسلة المزيلة والغسلة غير المزيلة فيمكن الاستدلال له بانصراف أدلّة انفعال الماء القليل إلى النجاسات العينية والنصوص الدالّة على تنجّسه بالمتنجّس إنّما تكون في موارد خاصة والمقام ليس منها فأدلّة الانفعال قاصرة عن الشمول للغسلة غير المزيلة بل ربّما يزاد ويحكم فيها بالطهارة من دون احتياط نظراً إلى أنّ البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دلّ على عدم مطهّرية النجس وليس هو أولى من تخصيص ما دلّ على انفعال القليل وحيث لا مرجح يسقطان معاً ويرجع إلى استصحاب الطهارة.
ولكن قد عرفت سابقاً في البحث عن تنجيس المتنجّس انّ دعوى الانصراف في أدلّة الانفعال ممنوعة ولا فرق بين النجاسات العينية وغيرها، كما أنّه قد مرّ انّ المراد من قاعدة عدم مطهّرية النجس عدم مطهّرية ما كان نجساً قبل الاستعمال لا ما صار نجساً به فلا وجه للتخصيص في أدلّة الانفعال أصلاً.
وامّا القول الرابع الذي اختاره بعض الأعلام وهو التفصيل بين الغسلة غير المتعقبة وبين الغسلة التي تتعقّبها الطهارة فاستدلّ له ـ مضافاً إلى عدم جريان شيء من أدلّة نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة فاللاّزم فيها الرجوع إلى الأصل والعموم
(الصفحة 234)
الدالّ على الطهارة ـ بأنّ الالتزام بنجاسة الغسالة ـ حينئذ ـ يستلزم الالتزام بأحد محذورين فامّا أن نلتزم بطهارة الماء القليل حين ملاقاته للمتنجّس وما دام في المحل ويحكم بنجاسته عند انفصاله عنه بالعصر أو بغيره، وامّا أن نقول بانفعاله من حين وصوله للمتنجّس ونجاسته مطلقاً قبل انفصاله عنه وبعده إلاّ انّ خروجه من المتنجّس يوجب الحكم بطهارة المتنجّس كما هو صريح بعضهم ولا يمكن الالتزام بشيء منهما.
امّا الأوّل فلأنّ القليل لو كان محكوماً بالطهارة حال اتّصاله بالمتنجّس لم يكن وجه لنجاسته بعد الانفصال فلنا أن نسأل عن انّه لماذا تنجّس بعد خروجه عن المحلّ مع فرض طهارته قبل الانفصال، ودعوى انّ السبب إنّما هي الملاقاة وأدلّة الانفعال، مدفوعة بأنّ مفهوم أخبار الكر إنّما يدلّ على النجاسة من حين الملاقاة ولا دلالة لها على الانفعال بعد الملاقاة بزمان من دون أن يتنجّس به حينها.
وامّا الثاني فلأنّ طهارة المحلّ مع فرض نجاسة الماء المستعمل في تطهيره أمر بعيد وكيف يطهر بغسله بالماء النجس وذلك لأنّا إذا بنينا على نجاسة الماء حال اتصاله بالمتنجّس لزم الحكم بنجاسة المقدار المتخلّف منه في الثوب بعد عصره وانفصال غسالته فإنّ الماء لا ينفصل عن الثوب بتمامه ومع نجاسته كيف يحكم بطهارة المحلّ فلا مناص من الحكم بنجاسته فهذا الوجه كالوجه السابق بعيد عن الأنظار العرفية وإن كانا غير مستحيلين عقلاً بحيث لو قام دليل على طهارة الثوب بذلك لم يكن مانع من الالتزام بطهارة المحلّ ونجاسة الغسالة.
والجواب عن هذا القول انّه لا مناص من الالتزام بنجاسة الغسالة في المتعقبة أيضاً لقيام الدليل العام والخاص عليه: امّا الدليل العام فهو أدلّة انفعال الماء القليل وشمولها للغسلة المتعقبة أيضاً، ودعوى البُعد عن الأنظار العرفية يدفعها انّ البعيد
(الصفحة 235)
هو كون الماء المتنجّس قبل التطهير موجباً لطهارة المحلّ، وامّا الماء الطاهر المستعمل في التطهير فلا مانع من اكتسابه النجاسة من المحلّ، كما أنّ المحلّ يكتسب الطهارة منه ففي الحقيقة يكون التطهير بمثل هذا الماء موجباً لأن يكتسب كلّ واحد من الماء والمحلّ وصف الآخر فيصير الماء نجساً والمحلّ طاهراً وإن كان قبل التطهير عكس ذلك، والمقدار المتخلّف منه في الثوب بعد العصر وانفصال الغسالة لا يعدّ ماء عرفاً لأنّ المفروض تحقّق العصر بالنحو المتعارف فليس هو ماء قليل حتّى يحكم عليه بالنجاسة بمقتضى أدلّة الانفعال بل قد عرفت انّه قبل العصر أيضاً لا يكون هناك ماء، وانّما يتحقّق بعد اجتماع الأجزاء والذرّات بالعصر فيصدق انّه ماء قليل لاقى نجساً.
وامّا الدليل الخاص فهو مثل موثقة عمّار المتقدّمة الواردة في كيفية تطهير الإناء والكوز الدالّة على أنّ الطهارة تتوقّف على إفراغ الماء الثالث أيضاً مع أنّه لو كانت الغسالة طاهرة لما كان هناك حاجة إلى هذا الإفراغ وقد عرفت انّ دعوى كون ذلك لأجل توقّف عنوان الغسل على الافراغ مدفوعة فمثل هذه الموثّقة دليل على نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة أيضاً.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى من هذه الأقوال الأربعة هو القول بالنجاسة الذي هو مختار المشهور والماتن ـ دام ظلّه ـ .
(الصفحة 236)
(تنبيهان)
الأوّل: انّه بناء على القول بنجاسة الغسالة ـ كما عرفت انّه الأقوى ـ وعلى القول بنجاسة ما يلاقي ملاقى النجس ـ كما سيأتي تحقيقه في باب النجاسات ـ فهل يعتبر في غسل ملاقى الغسالة ما يعتبر في غسل المحلّ المنفصل عنه هذه الغسالة من الوحدة أو الاثنتين أو الأزيد مثلاً لو كانت الغسالة غسالة للبول وقلنا باعتبار التعدّد في غسله فيعتبر في غسل ملاقي الغسالة التعدّد من دون فرق بين الغسلة الاُولى والثانية، أم لا يعتبر فيه ذلك، أو يقال بالتفصيل بين ما لو كانت الغسالة للغسلة الاُولى فيعتبر فيه التعدّد وبين ما لو كانت للثانية فلا يعتبر فيه؟ وجوه.
والتحقيق انّه ليس في الأدلّة ما يمكن أن يستفاد منه حكم ملاقي الغسالة من حيث اعتبار التعدّد في غسله وعدمه، والاعتبار وإن كان ربما يساعد التفصيل لعدم مزيد حكم الفرع على الأصل فالغسالة للغسلة الاُولى لا يزيد حكمها على النجاسة الموجودة في المحلّ قبل الغسلتين، وللغسلة الثانية لا يزيد حكمها على المحلّ الذي لا يحتاج إلاّ إلى غسلة واحدة في تلك الحال، إلاّ أنّه لا يمكن إثبات الحكم الشرعي من طريق العقل والاعتبار لأنّ هذا هو القياس الذي يوجب محق الدين وبطلان الشريعة على معتقد الإمامية ورأى العترة الطاهرة النبوية(صلى الله عليه وآله) فالواجب الغسل بمقدار قام الإجماع على عدم اعتبار أزيد منه.
نعم يمكن أن يستفاد من رواية العيص بن القاسم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على وجوب غسل الثوب إذا أصابته قطرة من طشت كان من بول أو قذر، عدم اعتبار التعدّد والاكتفاء بالغسل الواحد بتقريب أن يقال: إنّ الظاهر من الجواب المشتمل على وجوب الغسل ـ من دون التعرّض لكيفيته ـ اعتبار ما يصدق عليه الغسل بنظر العرف، ولو كان لغسله كيفية مخصوصة كالبول وولوغ الكلب ونظائرهما لكان