(الصفحة 245)
والالتزام بتخصيص ذلك العموم في خصوص ماء الاستنجاء، وعليه يتعيّن مذهب الشهيد(قدس سره)من نجاسة ماء الاستنجاء وثبوت العفو عن الاجتناب عن ملاقيه للروايات».
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من دلالة روايات الباب على طهارة نفس ماء الاستنجاء بحيث لا مجال للخدشة فيها أصلاً ـ ما مرّت الإشارة إليه من أنّه ليس هنا قاعدتان وعمومان: قاعدة منجّسية كلّ نجس ومتنجّس وعموم أدلّة انفعال الماء القليل، بل ليس هنا إلاّ قاعدة واحدة وهي القاعدة الاُولى، والثانية تكون من مصاديقها وأفرادها لا انّها قاعدة اُخرى، وعليه فنقول: إنّا نقطع بتخصيص عموم هذه القاعدة ـ منجّسية كلّ نجس أو متنجّس ـ ضرورة انّه لو قلنا بطهارة ماء الاستنجاء فقد خصّص العموم المذكور بالإضافة إلى البول والغائط فإنّهما نجسان ولم ينجسا الماء حسب الفرض، ولو قلنا بنجاسة ماء الاستنجاء فقد خصّص العموم المذكور بالنسبة إلى نفس ماء الاستنجاء الملاقي للثوب ـ مثلاً ـ فإنّ الملاقى له طاهر بالاتّفاق، وعليه فالعموم المذكور قد خصّص قطعاً. غاية الأمر انّ مورد التخصيص غير معلوم لأنّه لا يعلم انّ تخصيصه هل هو بالإضافة إلى البول أو الغائط حتّى يكون الماء طاهراً أو بالنسبة إلى ماء الاستنجاء حتّى يكون نجساً غير منجّس ومع هذا العلم يسقط العموم عن الاعتبار في ماء الاستنجاء وليس لنا عموم آخر نرجع إليه فيبقى الماء مشكوك الطهارة والمرجع فيه الأصل والعموم الدالّ على الطهارة كما هو ظاهر.
فانقدح من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى هو القول بطهارة ماء الاستنجاء لما ذكرنا من أنّ المتفاهم من الأخبار هي الطهارة وبها تخصّص قاعدة تأثير النجس في نجاسة ملاقيه بالنسبة إلى البول أو الغائط الملاقي مع ماء الاستنجاء لا لما أفاده
(الصفحة 246)
المحقّق الهمداني (قدس سره) في المصباح مع أنّ تخصيص القاعدة بالنسبة إلى ماء الاستنجاء والقول بطهارته أهون من تخصيصها بالنسبة إلى الملاقي لأنّ التخصيص بالإضافة إلى الثاني مستلزم للتخصيص فيما يدلّ على حرمة أكل النجس وشربه وغير ذلك ممّا يشترط بالطهارة أيضاً.
لأنّه يرد عليه ـ مضافاً إلى منافاة هذا الكلام لما أفاده في ذيل كلامه من أنّ معنى العفو هو عدم وجوب الاجتناب بالنسبة إلى خصوص الملاقي لا عدم حرمة الأكل وغير ذلك من الأحكام المشترطة بالطهارة ـ انّ ترجيح التخصيص الواحد على التخصيص المتعدّد ـ اثنين أو أزيد ـ لا دليل عليه في مورد العلم الإجمالي لسقوط أصالة العموم بالنسبة إلى الجميع بعد العلم الإجمالي بخلافها ورفع اليد عنها بالتخصيص الواحد أو بالأزيد كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا فرق في ماء الاستنجاء بين المخرجين لا لأنّ لفظ «الاستنجاء» يشملهما فإنّ شموله لغسل البول غير معلوم وكلمات اللغويين كالنصوص مختلفة، بل لأنّه حيث يكون الانفكاك بينهما في غاية الندرة إذ العادة قاضية بندرة انفراد الغائط عن البول وباجتماع غسالتهما في محلّ واحد، فعليه يستفاد من الأخبار إطلاق الحكم وعدم الاختصاص بغسل الغائط والفرق بين غسل البول فيما إذا اجتمع مع الغائط وغسله فيما إذا انفرد عنه خلاف ما هو المتفاهم عند العرف كما يظهر بالمراجعة إليهم.
وكذا لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره، سواء كان غير الطبيعي طبيعياً بالنسبة إلى هذا الشخص مثل أن يكون مخرجه من حين الولادة على غير ما هو المتعارف. أو صار طبيعياً بالنسبة إليه لا من حين الولادة كما لو فرض انّ مخرجه حين الولادة كان كسائر أفراد طبيعة الإنسان إلاّ أنّه لعروض بعض الحالات قد تبدّل إلى موضع آخر بحيث يكون هذا الموضع مخرجاً طبيعياً بالإضافة إليه فعلاً، وذلك لصدق
(الصفحة 247)
الاستنجاء في جميع الفروض والحكم في الروايات معلّق على نفس طبيعة الاستنجاء، نعم لا يبعد أن يقال بعدم الشمول لما لو تبدّل مخرجه الطبيعي إلى موضع آخر موقتاً لعدم صدق الاستنجاء عليه، كما أنّه لا يشمل من لا يكون له مخرج أصلاً بل يقيء كلّ ما يأكل ويشرب. وبالجملة فالمناط صدق الاستنجاء لأنّ الحكم مترتّب على طبيعته لا على الافراد حتّى يشكّ في الشمول للأفراد غير المتعارفة، ولو شكّ في مورد صدق الاستنجاء فالواجب ترتيب أحكام النجاسة عليه فتدبّر.
ثمّ إنّ المراد بالعفو ـ على القول به ـ هل هو العفو عن خصوص الملاقي بمعنى عدم تأثير ماء الاستنجاء في نجاسة ملاقيه، وامّا سائر الأحكام المترتّبة على النجس كحرمة الأكل والشرب فلا مناص عن ترتّبها عليه، أو انّ المراد هو العفو عن جميع الأحكام اللاّزمة لعدم صدق العفو في غيرها، أو العفو عن جميع الأحكام؟ وجوه بل أقوال.
ولكنّه لا يخفى انّه لو قلنا بالعفو فلا محيص عن أن يكون المراد به هو المعنى الأوّل لوضوح انّه لم يرد في روايات الباب كلمة «العفو» حتّى يقال بعدم صدقه إلاّ في الأحكام اللاّزمة أو بشموله لجميع الأحكام بل الروايات بين ما يدلّ على عدم البأس وبين ما يكون مدلوله عدم التأثير في نجاسة الثوب، ومن الواضح انّ الضمير في قوله(عليه السلام) : «لا بأس به» يرجع إلى الثوب الذي وقع على ماء الاستنجاء أو إلى وقوع الثوب فيه لا إلى نفس الماء فيصير مفاد مجموع الروايات عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي بعد إلغاء خصوصية الثوبية، وامّا ارتفاع سائر الأحكام الموضوعة على النجس المترتّبة عليه فلا دليل عليه أصلاً.
بقي الكلام في هذا المقام في جواز استعماله في رفع الحدث والخبث وعدمه والأقوال في المسألة ثلاثة:
(الصفحة 248)
أحدها: عدم جواز استعماله في رفع شيء منهما لكونه محكوماً بالنجاسة، غاية الأمر ثبوت العفو بمعنى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي للروايات الدالّة عليه وهو محكي عن الشهيد وكلّ من قال بالنجاسة.
ثانيها : جواز استعماله في رفع كلّ واحد منهما لكونه طاهراً ولم يقم دليل على المنع من استعماله فيه وقد قوّاه صاحب الحدائق ونسبه إلى المحقّق الأردبيلي(قدس سرهما).
ثالثها: ما اختاره السيّد في العروة من ثبوت الطهارة وجواز استعماله في رفع الخبث دون الحدث للإجماعات المنقولة على أنّ الماء المستعمل في إزالة الخبث لا يرفع الحدث.
أقول : امّا عدم الجواز على القول بالنجاسة فواضح لعدم جواز استعمال الماء المتنجّس في رفع الحدث ولم يقم دليل على العفو بحيث يشمل رفع هذا المنع أيضاً كما عرفت، وامّا على القول بالطهارة فمقتضى القاعدة في بادئ النظر جواز استعماله في رفع كلّ واحد منهما ; لأنّ المفروض ثبوت الطهارة وعدم وجود دليل على المنع عدا الإجماعات المنقولة على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في إزالة الخبث مطلقاً أو خصوص ماء الاستنجاء في رفع الحدث كما هو المحكي عن العلاّمة وبعض المتأخّرين كصاحب الذخيرة، ولكن حيث قد حقّق في محلّه عدم حجّية الإجماعات المنقولة بغير التواتر أوّلاً، واحتمال كون المدرك بعض الروايات الذي سيجيء ثانياً، ووضوح كون أكثر المجمعين قائلين بنجاسة الغسالة ثالثاً، لا يبقى لحجّية هذه الإجماعات مجال.
نعم هنا شيء وهو انّه لا يبعد دعوى انصراف أدلّة الوضوء والغسل المشروعين لحصول النظافة الظاهرية أيضاً مقدّمة لعبادة المعبود والخضوع لديه والتقرّب إليه جلّ شأنه عن الوضوء والغسل بماء الاستنجاء بل تنكر المتشرّعة على القائل
(الصفحة 249)
بجوازه بحيث يجعلونه كالأحكام المبتدعة، كما أنّه لا يبعد أن يقال بانصراف الأدلّة الواردة في التطهير عن النجاسات عن التطهير بمثل هذا الماء فتدبّر.
وامّا القول الثالث فيمكن الاستدلال له ـ مضافاً إلى الإجماعات المنقولة المذكورة ـ برواية عبدالله بن سنان ـ المتقدّمة في بحث الغسالة ـ المشتملة على قوله(عليه السلام): «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه» بتقريب انّه بعد وضوح كون المراد بالثوب هو الثوب النجس لا خصوصية للثوب، بل المراد مطلق المتنجّس فيشمل محلّ النجو أيضاً، كما أنّه لا خصوصية للوضوء، بل المراد مطلق رافع الحدث ولو كان غسلاً خصوصاً لو كان الضمير في أشباهه راجعاً إلى الوضوء.
أقول: امّا الإجماعات فقد عرفت الجواب عن الاستدلال بها.
وامّا الرواية فـ ـ مضافاً إلى ضعف سندها كما عرفت البحث فيه مفصلاًّ ـ يرد على الاستدلال بها انّ الكلام إنّما هو مع فرض الطهارة ولا دلالة للرواية عليها، ومن المحتمل أن يكون الحكم بعدم الجواز ناشئاً عن نجاسة الغسالة، وعليه فإلغاء الخصوصية من الثوب إنّما هو بالمقدار الذي يكون مشتركاً معه في هذا الحكم أي النجاسة ولا وجه لإلغائه بحيث يشمل محلّ النجو أيضاً مع كون الماء المستعمل في غسله محكوماً بالطهارة كما هو المفروض. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.
المقام الثاني: فيما يكون الطهارة أو العفو مشروطاً به جزماً أو احتمالاً وهي اُمور:
الأوّل: أن لا يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة: اللون والطعم والريح بنجاسة المحلّ الذي انفصل عنه الماء ولا ينبغي الإشكال في اعتبار هذا الأمر لإطلاق ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر وعدم المنافاة بينه وبين أدلّة طهارة ماء الاستنجاء لوضوح انّ السؤال في هذه الروايات إنّما هو عن حيثية كونه ملاقياً للنجس بمعنى أنّه هل يكون