(الصفحة 3)
الحجّة الثاني عشر عجّل الله تبارك وتعالى فرجه الشريف.
قم الحوزة العلمية محمد الفاضل 27 رجب / 1400
(الصفحة 4)
الماء امّا مطلق أو مضاف كالمعتصر من الأجسام كماء الرقي والرمان، والممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء كماء السكر والملح. والمطلق أقسام: الجاري والنابع بغير جريان، والبئر والمطر والواتف ويقال له: الراكد1.
1 ـ والمراد من كتاب الطهارة مجموع المباحث المناسبة مع الطهارة وإن لم تكن عرضاً ذاتياً لأفعال المكلّفين فالبحث عن المياه ـ حكماً وموضوعاً ـ الذي هو أحد الأركان لهذا الكتاب يعدّ من مسائله مع عدم ارتباطه بفعل المكلّف إلاّ بواسطة أو أزيد.
ثمّ إنّه قد قسّم الماء إلى مطلق ومضاف ولكنّه بملاحظة تعريف الماء المضاف ومعناه كما سيجيء يظهر انّ هذا التقسيم ليس على سبيل الحقيقة بحيث يكون المقسم هو المعنى الحقيقي للفظ «الماء» ضرورة انّ الماء المضاف لا يطلق عليه عنوان المقسم من دون قيد، على نحو الحقيقة، وهذه هي القرينة الموجبة لصرف التقسيم عمّا هو ظاهره من كون المقسم هو اللفظ بمعناه الحقيقي فلا يرد انّ ظاهر التقسيم مخالف لما ذكره ونظير ذلك تقسيم الأمر إلى الوجوبي والاستحبابي بناء على اختصاصه بمعناه الحقيقي بالوجوب وتقسيم العبادة إلى الصحيحة والفاسدة بناء على اختصاص ألفاظها وأساميها بخصوص الصحيحة وغير ذلك.
ثمّ إنّه قد عرّف المحقّق(قدس سره) في الشرائع الماء المطلق بأنّه: «عبارة عن كلّ ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة» وبقرينة المقابلة يعرف انّ المضاف ما لا يكون كذلك بمعنى انّه يستحق إطلاق اسم الماء عليه مقيّداً بالإضافة فما لا يستحق إطلاق اسم الماء عليه بوجه لا يكون مضافاً وهذا كما في الدهن والدبس وأشباههما فإنّ إطلاق لفظ الماء عليهما بنحو الحقيقة غير مستقيم ولو مع الإضافة، كما أنّ ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه مع الإضافة ولكنّه لم يكن مقيّداً بها لا يكون مضافاً
(الصفحة 5)
بل مطلقاً وهذا كما في مثل ماء البحر وماء الكوز وماء البئر، فالمضاف ـ حينئذـ ما يكون مشتملاً على خصوصيتين: إحداهما استحقاق إطلاق لفظ الماء عليه. وثانيتهما كون الإطلاق مقيّداً بالإضافة بحيث لا يكاد يعرف من دونها أصلاً وهذا كماء الرمّان وماء الورد وأشباههما.
وقد انقدح ممّا ذكرنا الفرق بين مثل ماء البحر ومثل ماء الرمّان فإنّ الإطلاق في الأوّل لا يكون مقيّداً بالإضافة ضرورة انّ ماء البحر ماء حقيقة ويطلق عليه العنوان من دون إضافة على غير نحو العناية والمسامحة، وامّا في الثاني فلا يكون كذلك فإنّ ماء الرمّان لا يطلق عليه الماء من دون إضافة كذلك.
ثمّ إنّه قد يكون للمضاف اسم واحد ولكنّه لم يخرج عن استحقاق الإطلاق مع الإضافة بمعنى انّه يطلق عليه الماء مع الإضافة أيضاً وهذا كما في الماء الممتزج بالسكر مثلاً فإنّه مع كونه مسمّى باسم واحد كالشربة بالفارسية لكنّه لم يخرج عن استحقاق إطلاق «ماء السكر» عليه فهو أيضاً مضاف يلحقه أحكامه.
ثمّ إنّه قد قسّم الماء المطلق في المتن إلى أقسام مذكورة فيه، والمعروف بين الأصحاب ـ قدّس الله أسرارهم ـ تقسيمه إلى أقسام ثلاثة: الجاري وماء البئر، والمحقون، وتقسيم المحقون إلى كر وقليل والظاهر انّ ذلك التقسيم إنّما هو بلحاظ خصوص مياه الأرض وإلاّ فلا يكون وجه لعدم التعرّض لماء المطر مع أنّه عنوان مستقل وله أحكام خاصة والتقسيم في مثل المتن إنّما يعمّ جميع المياه ولكنّه يرد على المتن بعد ملاحظة انّ هذا التقسيم لا يكون ناظراً إلى خصوص الانفعال وعدمه من الأحكام المترتّبة على الماء المطلق والشاهد عليه جعل الراكد قسماً واحداً من دون نظر إلى انقسامه إلى الكرّ والقليل انّه لا وجه لعدم عدّ ماء الحمّام من جملة الأقسام بعد كونه أيضاً موضوعاً خاصّاً وعنواناً مستقلاًّ يترتّب عليه بعض الأحكام.
(الصفحة 6)
نعم يمكن أن يقال: إنّ الشاهد المذكور يدلّ على عدم النظر إلى الانفعال وعدمه أصلاً وحيث إنّ ماء الحمّام لا يكون له حكم سوى عدم الانفعال الذي يترتّب على الكرّ أيضاً فلذا لم يتعرّض له.
وبعبارة اُخرى الوجه في عدم التعرّض لماء الحمّام هو الوجه في عدم التعرّض لعنوان الكر فلا يرد إشكال على المتن.
ولكنّه مخدوش مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون لماء الحمّام بعض الأحكام الاُخر ولابدّ من ملاحظة مباحثه التي ستجيء إن شاء الله تعالى ـ بأنّ عدم النظر إلى الانفعال وعدمه مع كونهما من الأحكام المعروفة البارزة للماء ممّا لا يستقيم بوجه أصلاً.
نعم عدّ النابع غير الجاري قسماً واحداً في مقابل الجاري والبئر إنّما هو لأجل خروجه عن عنوانهما عن الأحكام الخاصة المترتّبة على العنوانين كما سيظهر إن شاء الله تعالى فانتظر.
(الصفحة 7)
مسألة 1 ـ الماء المضاف طاهر في نفسه وغير مطهِّر لا من الحدث ولا من الخبث; ولو لاقى نجساً ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ، نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة ولاقى أسفله النجاسة تختص بموضع الملاقاة وما دونه ولا تسري إلى الفوق1.
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في جهات:
الاُولى: انّه قال المحقّق(قدس سره) في الشرائع: «وكلّه ـ يعني الماء المطلق ـ مزيل للحدث والخبث» وقد ادّعى استفاضة نقل الإجماع على هذه الكلية بل الضرورة والوضوح بحيث لا حاجة معه إلى الاستدلال بشيء آخر ولكنّه حيث إنّ هذه القضية لو ثبتت بنحو العموم لوجب الرجوع إليها في موارد الشكّ في مطهرية ماء أو في كيفية تطهيره وهذه الموارد كثيرة كما سيجيء في ضمن المباحث الآتية ينبغي ملاحظة أدلّتها الاُخرى فنقول: قد استدل لإثباتها بوجوه.
منها: قوله تعالى في سورة الفرقان: (هو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً واناسي كثيراً) بتقريب انّ الطهور صيغة مبالغة من الطاهر، وحيث إنّ الطهارة في مقابل النجاسة غير قابلة للشدّة والضعف فلا محيص من أن يكون المراد به المطهرية للأحداث والأخباث، وهذا المعنى بضميمة انّ كلّ ماء فهو نازل من السماء في أوّل الأمر وان مقام الامتنان يقتضي التعميم لكلّ ماء يثبت المطلوب وهو انّ كلّ ماء مطلق طاهر ومطهر، وربّما يقال: إنّ معنى الطهور بحسب اللغة أو أحد معانيه هو المطهر فيدلّ على طهارته في نفسه بالالتزام كما انّه ربّما يقال: بأنّ أحد معاني الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وعليهما فلا حاجة إلى التقريب الأوّل ويؤيّد هذين القولين إطلاق الطهور على التراب كما ورد في الأخبار.