(الصفحة 5)
بل مطلقاً وهذا كما في مثل ماء البحر وماء الكوز وماء البئر، فالمضاف ـ حينئذـ ما يكون مشتملاً على خصوصيتين: إحداهما استحقاق إطلاق لفظ الماء عليه. وثانيتهما كون الإطلاق مقيّداً بالإضافة بحيث لا يكاد يعرف من دونها أصلاً وهذا كماء الرمّان وماء الورد وأشباههما.
وقد انقدح ممّا ذكرنا الفرق بين مثل ماء البحر ومثل ماء الرمّان فإنّ الإطلاق في الأوّل لا يكون مقيّداً بالإضافة ضرورة انّ ماء البحر ماء حقيقة ويطلق عليه العنوان من دون إضافة على غير نحو العناية والمسامحة، وامّا في الثاني فلا يكون كذلك فإنّ ماء الرمّان لا يطلق عليه الماء من دون إضافة كذلك.
ثمّ إنّه قد يكون للمضاف اسم واحد ولكنّه لم يخرج عن استحقاق الإطلاق مع الإضافة بمعنى انّه يطلق عليه الماء مع الإضافة أيضاً وهذا كما في الماء الممتزج بالسكر مثلاً فإنّه مع كونه مسمّى باسم واحد كالشربة بالفارسية لكنّه لم يخرج عن استحقاق إطلاق «ماء السكر» عليه فهو أيضاً مضاف يلحقه أحكامه.
ثمّ إنّه قد قسّم الماء المطلق في المتن إلى أقسام مذكورة فيه، والمعروف بين الأصحاب ـ قدّس الله أسرارهم ـ تقسيمه إلى أقسام ثلاثة: الجاري وماء البئر، والمحقون، وتقسيم المحقون إلى كر وقليل والظاهر انّ ذلك التقسيم إنّما هو بلحاظ خصوص مياه الأرض وإلاّ فلا يكون وجه لعدم التعرّض لماء المطر مع أنّه عنوان مستقل وله أحكام خاصة والتقسيم في مثل المتن إنّما يعمّ جميع المياه ولكنّه يرد على المتن بعد ملاحظة انّ هذا التقسيم لا يكون ناظراً إلى خصوص الانفعال وعدمه من الأحكام المترتّبة على الماء المطلق والشاهد عليه جعل الراكد قسماً واحداً من دون نظر إلى انقسامه إلى الكرّ والقليل انّه لا وجه لعدم عدّ ماء الحمّام من جملة الأقسام بعد كونه أيضاً موضوعاً خاصّاً وعنواناً مستقلاًّ يترتّب عليه بعض الأحكام.
(الصفحة 6)
نعم يمكن أن يقال: إنّ الشاهد المذكور يدلّ على عدم النظر إلى الانفعال وعدمه أصلاً وحيث إنّ ماء الحمّام لا يكون له حكم سوى عدم الانفعال الذي يترتّب على الكرّ أيضاً فلذا لم يتعرّض له.
وبعبارة اُخرى الوجه في عدم التعرّض لماء الحمّام هو الوجه في عدم التعرّض لعنوان الكر فلا يرد إشكال على المتن.
ولكنّه مخدوش مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون لماء الحمّام بعض الأحكام الاُخر ولابدّ من ملاحظة مباحثه التي ستجيء إن شاء الله تعالى ـ بأنّ عدم النظر إلى الانفعال وعدمه مع كونهما من الأحكام المعروفة البارزة للماء ممّا لا يستقيم بوجه أصلاً.
نعم عدّ النابع غير الجاري قسماً واحداً في مقابل الجاري والبئر إنّما هو لأجل خروجه عن عنوانهما عن الأحكام الخاصة المترتّبة على العنوانين كما سيظهر إن شاء الله تعالى فانتظر.
(الصفحة 7)
مسألة 1 ـ الماء المضاف طاهر في نفسه وغير مطهِّر لا من الحدث ولا من الخبث; ولو لاقى نجساً ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ، نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة ولاقى أسفله النجاسة تختص بموضع الملاقاة وما دونه ولا تسري إلى الفوق1.
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في جهات:
الاُولى: انّه قال المحقّق(قدس سره) في الشرائع: «وكلّه ـ يعني الماء المطلق ـ مزيل للحدث والخبث» وقد ادّعى استفاضة نقل الإجماع على هذه الكلية بل الضرورة والوضوح بحيث لا حاجة معه إلى الاستدلال بشيء آخر ولكنّه حيث إنّ هذه القضية لو ثبتت بنحو العموم لوجب الرجوع إليها في موارد الشكّ في مطهرية ماء أو في كيفية تطهيره وهذه الموارد كثيرة كما سيجيء في ضمن المباحث الآتية ينبغي ملاحظة أدلّتها الاُخرى فنقول: قد استدل لإثباتها بوجوه.
منها: قوله تعالى في سورة الفرقان: (هو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً واناسي كثيراً) بتقريب انّ الطهور صيغة مبالغة من الطاهر، وحيث إنّ الطهارة في مقابل النجاسة غير قابلة للشدّة والضعف فلا محيص من أن يكون المراد به المطهرية للأحداث والأخباث، وهذا المعنى بضميمة انّ كلّ ماء فهو نازل من السماء في أوّل الأمر وان مقام الامتنان يقتضي التعميم لكلّ ماء يثبت المطلوب وهو انّ كلّ ماء مطلق طاهر ومطهر، وربّما يقال: إنّ معنى الطهور بحسب اللغة أو أحد معانيه هو المطهر فيدلّ على طهارته في نفسه بالالتزام كما انّه ربّما يقال: بأنّ أحد معاني الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وعليهما فلا حاجة إلى التقريب الأوّل ويؤيّد هذين القولين إطلاق الطهور على التراب كما ورد في الأخبار.
(الصفحة 8)
ولكنّه نوقش في الاستدلال بوجوه كثيرة:
مثل انّه قد نقل عن بعض أهل اللغة انّ الطهور بمعنى مجرّد الطاهر، وعليه فلا دلالة للآية على المطهرية بوجه.
وانّه على تقدير كون الطهور صيغة مبالغة لا دلالة فيها على المطهرية بل معناه الظاهر انّ ظهارة الماء أشدّ من طهارة سائر الأجسام فهو طاهر بطهارة شديدة لأنّ الطهارة ذات مراتب متفاوتة ولذا صحّ التفضيل فيها بلفظ أطهر كما في قوله تعالى في سورة هود: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم).
وانّه على تقدير تسليم دلالة الآية على الطاهرية والمطهرية معاً لا دلالة لها أيضاً على المطلوب إذ مقتضاها مطهرية الماء النازل من السماء بنحو الإجمال، ولو سلم فمفادها التعميم لكل ماء نازل من السماء ولا دليل على كون جميع المياه نازلة من السماء ولو في ابتداء الأمر، ووقوع الآية في مقام الامتنان لا يلازم التعميم لكلّ ماء كما هو واضح.
وقد اُجيب عن الإشكال الأوّل بأنّه لو صحّ إطلاق الطهور على مجرّد الطاهر في نفسه لصحّ إطلاقه على مثل الخشب والحجر مع أنّه من الأغلاط الفاحشة. وإطلاقه على التراب إنّما هو لأجل خصوصية فيه موجبة لزوال الحدث وحصول الطهارة وإلاّ لا يكون هذا الإطلاق منحصراً به كما لا يخفى.
وعن الثاني بأنّ استعمال الطهور الذي هي صيغة مبالغة ـ كما هو المفروض ـ بمعنى أشدّ طهارة وكونه أنظف من غيره وإن كان صحيحاً كما في مثل الآية التي استشهد بها إلاّ انّ ذلك في الاُمور الخارجية التي لها واقع فيقال هذا الثوب أطهر من ثوبك، وامّا في الاُمور الاعتبارية التي لا واقع لها إلاّ حكم الشارع واعتباره كما في الطهارة المبحوث عنها في المقام والملكية والزوجية فلا يعقل الاتصاف بالأشدّية
(الصفحة 9)
والاقوائية فلا يصحّ أن يقال: إن ملكك للدار أشدّ من ملكك للكتاب بل الأمر في الاُمور الاعتبارية يدور دائماً بين الوجود والعدم والنفي والإثبات، وعليه فلا يعقل استعمال الطهور في الآية بمعنى المبالغة.
ولكن هذا الجواب مدفوع بأنّه من الواضح انّ المراد بالطهور في الآية هي الطهارة بالمعنى اللغوي أي ما يكون نظيفاً بحسب نظر العرف والعقلاء من دون فرق بين أن يكون في نظر الشارع نجساً أم لم يكن كذلك وقد اعترف بأنّ الطهارة بهذا المعنى ذات مراتب متفاوتة وقابلة للشدّة والضعف، والدليل على كون الطهارة في الآية هي الطهارة بمعنى النزاهة والنظافة مضافاً إلى أنّ المتفاهم منها عرفاً ذلك ان ترتّب الاحياء والإسقاء إنّما يناسب النظافة لا الطهارة الشرعية كما لا يخفى، هذا ولكن الإشكال الثالث على حاله فالاستدلال بالآية غير تام.
ومنها: قوله تعالى في سورة الأنفال: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وهذه الآية ـ على ما نقل ـ نزلت في وقعة بدر وذلك لأنّ الكفّار سبقوا المسلمين إلى الماء فاضطرّ المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل سيال لا تثبت به الأقدام وأكثرهم خائفون لقلّتهم وكثرة الكفّار لأنّ أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) كانوا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً ومعهم سبعون جملاً يتعاقبون عليها، وفرسان إحداهما للزبير بن العوّام والاُخرى للمقداد بن الأسود، وكان المشركون ألفاً ومعهم أربعمئة فرس وقيل مئتان فبات أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) تلك الليلة على غير ماء فاحتلم أكثرهم فتمثّل لهم إبليس وقال تزعمون انّكم على الحقّ وأنتم تصلّون بالجنابة وعلى غير وضوء وقد اشتدّ عطشكم ولو كنتم على الحق ما سبقوكم إلى الماء وإذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاؤوا فأنزل الله تعالى عليهم المطر وزالت تلك العلل. ومن ملاحظة مورد النزول يظهر الجواب عن الاستدلال بالآية لتلك القضية الكلية مضافاً إلى