(الصفحة 88)
الجنب يحمل الركوة(1) أو التور(2) فيدخل اصبعه فيه، انّ الاستشهاد بقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من خرج) إنّما هو لإهراق الماء في صورة قذارة يده فيؤيّد انّ الاستشهاد به في هذه الرواية أيضاً إنّما هو للإعراض عن الماء ورفع اليد عنه.
ثمّ لو سلم كون المراد من وضع اليد إدخالها في الماء وانّ الاستشهاد بالكريمة إنّما هو لرفع اعتبار الكرية في صورة الاضطرار فغاية مدلول الرواية ـ حينئذ ـ هو التفصيل بين صورتي الاختيار والاضطرار وهو ممّا لم يقل به أحد من المتخاصمين، مضافاً إلى أنّ الرواية تكون ـ بناءً عليه ـ من أدلّة الانفعال إذ تدلّ على أنّ حكم الماء القليل في حدّ نفسه هو التأثر بملاقاة النجاسة غاية الأمر انّ الحرج قد أوجب ارتفاعه في صورة انحصار الماء وقذارة اليدين وعدم وجود إناء يغترف به، بل نفس السؤال عن حكم المسألة تدلّ على أنّ انفعال الماء القليل كان مغروساً في أذهانهم، كما أنّ التقييد بعدم وجود إناء كذلك يدلّ على أنّه لو كان الإناء موجوداً لكان حكمه الاغتراف به لئلاّ يلزم التأثّر، وبالجملة يظهر من السؤال عن فروع المسألة ـ في هذه الرواية وأمثالها ـ انّ انقسام الماء إلى قسمين وتأثّره في إحدى الصورتين كان معهوداً في البين وكان هو الداعي إلى السؤال عن تلك الفروع.
ثمّ لا يخفى انّ المراد بقوله(عليه السلام) : «ثمّ (و خ ل) يتوضأ» هو غسل اليد فإنّه كثيراً ما يجيء بهذا المعنى ـ كما في الوافي ـ فلا يتوهّم انّ المراد به الوضوء.
وممّا ذكرنا من الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية يظهر الجواب عن
- 1 ـ الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
2 ـ التور: إناء صغير.
(الصفحة 89)
الاستدلال بما عن قرب الاسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن جنب أصاب يده جنابة فمسحه بخرقة ثمّ أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها، وإن لم يجد غيره أجزئه. هذا مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على عدم جواز الغسل من الماء الذي أصابته قذارة يد الجنب فراجعها.
5 ـ ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن، عن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي، عن بشير، عن أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبدالله(عليه السلام) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي.
وفيه ـ مضافاً إلى جهالة ابن حمّاد وبشير فالرواية ضعيفة السند ـ انّ مضمونها لا يناسب شأن الإمام(عليه السلام) ولو قلنا بعدم انفعال الماء القليل خصوصاً بعد وجود ماء آخر غير الماء الموجود في الدلو، بل لا يقع مثل ذلك من كثير من أفراد الناس، مضافاً إلى أنّه قد حكى عن الشيخ(قدس سره) حمله على عذرة ما يؤكل لحمه وإلى احتمال الحمل على التقية أو احتمال أن يكون الدلو كراً أو احتمال أن يكون المراد ما بقي في البئر لا في الدلو وإن كان جلّ هذه الاحتمالات بل كلّها بعيدة والعمدة في الجواب ضعف سند الرواية.
6 ـ ما رواه الكليني عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عمّن ذكره، عن يونس، عن بكار بن أبي بكر، قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر، ثمّ يدخله الحب؟ قال: يصبّ من الماء ثلاثة أكف ثمّ يدلك الكوز.
وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال وجهالة بعض الرواة ـ انّ المراد بقوله: «ثمّ يدخله الحب» انّه يريد إدخاله الحب، وإلاّ فلو كان المراد به ظاهره من الادخال فيه حقيقة
(الصفحة 90)
وملاقاته مع ماء الحب واقعاً لم يكن وجه للأمر بصبّ الماء عليه وذلك الكوز كما هو ظاهر. مع أنّه لا دليل على أنّ ماء الحب كان أقلّ من الكر بل الظاهر كونه كثيراً لما عرفت سابقاً من أنّ أواني المياه والأوعية المعدّة لها في مكة والمدينة كانت كبيرة لعدم وجود الماء الجاري والراكد الذي بمنزلته ـ نوعاً ـ كما لا يخفى.
7 ـ صحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس.
وفيه: أنّ الظاهر انّ المراد من قوله: «ذلك الماء» هو ماء البئر لا الماء الموجود في الدلو، توضيحه: انّ الدلو الذي يكون من جلد الخنزير والحبل الذي يكون من شعره إنّما كان المتداول هو استعماله في سقي البساتين كما يظهر من بعض الروايات، وامّا ما ينوح به الماء للوضوء والشرب فكان من أجزاء مأكول اللحم، وـ حينئذ ـ فمع كون نجاسة أجزاء الخنزير من الضروريات عندهم، ومن المعلوم انّ مائهم كان منحصراً في الآبار يحتاج الناس إلى السؤال عن حكم ماء البئر مع وقوع أجزاء الخنزير النجسة عليه، فالحكم بعدم البأس إنّما هو راجع إلى عدم نجاسة ماء البئر والصحيحة تكون من أدلّة طهارته ويدلّ على ذلك رواية حسين بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضّأ منها؟ فقال: لا بأس.
فإنّ الظاهر انّ مورد السؤال هو جواز الشرب والوضوء من ماء البئر الملاقي لشعر الخنزير الذي يجعل حبلاً ـ لا جوازهما من ماء الدلو الذي يكون حبله شعر الخنزير الموجب لوقوع بعض القطرات الملاقية معه في الدلو ومائه، ولا الجواز بمعنى الإباحة ـ في مقابل الحرمة ـ لأصل جعل شعر الخنزير حبلاً والإسقاء بسببه من البئر الكذائية.
(الصفحة 91)
مع أنّه لم يفرض في الروايتين إلاّ مجرّد كون الحبل من شعر الخنزير من دون أن يضاف إليه كون الدلو من جلده أيضاً، وعليه فيمكن أن يقال: بأنّ ملاقاة القطرات المترشّحة منه لماء الدلو غير معلومة، مع أنّ الكلام في ملاقاة النجاسة مع الماء القليل والروايتان ـ على تقدير الإغماض عن جميع ما ذكرنا ـ واردتان في ملاقاة القطرة الملاقية لشعر الخنزير مع الماء الواقع في الدلو فلقائل أن يقول بعدم الانفعال في مثل هذا الفرض فتدبّر.
8 ـ مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله(عليه السلام) في عجين عجن وخبز ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال: لا بأس، أكلت النار ما فيه.
وفيه انّ الرواية تدلّ على الانفعال بل نفس السؤال تدلّ على مفروغيته غاية الأمر انّه حكم الإمام(عليه السلام) فيها بأنّ النار تكون مطهّرة له فهي من أدلّة القائل بالانفعال لا من أدلّة العدم.
9 ـ ما رواه الكليني، عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن حمّاد بن عثمان، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الاناء ما ينزو من الأرض؟ فقال: لا بأس به.
وفيه أنّه لم يعلم كون المراد صورة العلم بنجاسة الموضع الذي ينزو منه الماء إلى الإناء بل الظاهر انّ مورد السؤال صورة الشكّ، ومجرّد كون المحل ممّا يبال فيه ويغتسل من الجنابة لا يلازم العلم بنجاسة الموضع الذي ينزو منه الماء مع أنّك عرفت انّ الكلام في ملاقاة النجاسة مع الماء القليل وهو غير مفروض في الرواية.
10 ـ موثقة عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهودي؟ فقال: نعم فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟! قال: نعم.
(الصفحة 92)
وفيه ـ مضافاً إلى اضطراب متن السؤال ـ انّه لا دليل على كون المراد من السؤال صورة العلم بكون الشارب يهودياً بل الظاهر هو السؤال عن مورد الشكّ، مع أنّ مسألة نجاسة أهل الكتاب من المسائل الخلافية المعروفة، والروايات الواردة فيها كلّها تدلّ على طهارته وجواز الأكل والشرب معه في إناء واحد وجواز المساورة معه بلا تخصيص بالماء فهذه المسألة لا ترتبط بالمقام إلاّ على تقدير إثبات نجاستهم قبل الورود فيه.
11 ـ رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه، والسنور، أو شرب منه جمل، أو دابّة أو غير ذلك أيتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم إلاّ أن تجد غيره فتنزه عنه.
وفيه انّ الظاهر انّ المياه التي كان محلاًّ لولوغ الكلب وشرب الجمل والدابة هي المياه الكثيرة الواقعة خارج البلد، المجتمعة في الغدران مع أنّه ليس محط السؤال هي الطهارة والنجاسة باعتبار ذكر شرب الجمل والدابة في السؤال بل كان محطّه مجرّد ملاقاة الحيوان مع الماء كما لا يخفى.
ولو سلم فغاية مدلول الرواية إطلاق الحكم بالإضافة إلى الكثير والقليل، ولا وجه لحملها على خصوص الصورة الثانية بعد عدم الشاهد عليه فهي قابلة للتقييد بما يدلّ على اعتبار الكرية في اعتصام الماء.
12 ـ رواية الأحول ـ يعني محمد بن النعمان ـ قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : اخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس. رواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عنه ورواها الصدوق في العلل عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل عن