(الصفحة 6)
وقلّ وجوده في عصرنا الحاضر الذي تشعّبت فيه الفروع الفقهيّة ، وتوسّعت أبواب ما يبتلى به الناس من مستحدثات المسائل ، فلم تترك للعلماء متّسعاً في الوقت يتعرّضون فيه لمباحث من قبيل ما انبرى له الشيخ الفاضل حفظه الله وصاحبه الشيخ الإشراقي تغمّده الله بواسع رحمته .
وقد أخذا هذا المنهج ـ تعرُّض الفقهاء المراجع لمباحث خارج إطار الدراسات الحوزوية الطولية ، أي الفقه والأصول ومتعلّقاتهما كالبحث والكتابة في التفسير (غير آيات الأحكام) والحديث والكلام والفلسفة والأخلاق ، بل معالجة عموم المتطلّبات المستجدّة في المجتمع الإسلامي التي تمسّ عقائد المسلمين وحركتهم ـ أخذاه عن اُستاذهما الإمام الخميني قدّس الله نفسه الزكية (وممّا يجدر ذكره أنّ الشيخ شهاب الدين الإشراقي هو صهر الإمام) الذي لا تزال مؤلّفاته في تلك الأبواب تثري المكتبة الشيعية وتسدّ ثلمة كبيرة فيها ، فقد فرّغ الإمام(قدس سره) نفسه في إحدى المرّات لفترة امتدّت أشهراً ، معتزلاً البحث والتدريس الحوزوي ، للردّ على بعض الكتب التي مسّت أهل البيت(عليهم السلام) ونالت من العقيدة الإسلامية الصحيحة(1) .
ونحن في هذا العصر أشدّ ما نكون بحاجة إلى كتابات ينهض بها متخصِّصون من علماء الحوزة ممّن نشأ في أكناف علوم أهل البيت
- (1) ألّف الإمام الخميني(قدس سره) كتابه «كشف الأسرار» ردّاً (في نهاية القوّة وغاية الإتقان) على كتاب «أسرار هزار ساله» الذي قذف مؤلِّفه الشيعة بالخرافة والشرك والبدعة ، ونال من عقيدتهم في الشعائر الحسينية والتوسّل بالأئمّة الأطهار وبناء مراقدهم وزيارتها ، وطعن في كثير من علماء الدين وسَخِرَ منهم . . .
(الصفحة 7)
وترعرع على مائدة آثارهم وتراثهم ، ينهل من النبع الصافي ويتزوّد من معين لا ينضب ، لتقطع الطريق على الالتقاطيين الذين نُسبوا إلى الوعي والتنوير ، وأخذوا يخوضون في علوم يفتقرون إلى الإحاطة بمبادئها وأوّلياتها فضلاً عن التسلّط على أصولها وناهيك عن الإبداع والاجتهاد فيها ، فيشرّقون ويغرّبون ، ويخلطون الغثَّ بالسمين وتُعرض سمومهم ـ عن قصد وغير قصد ـ في لفافات من الصيت والصخب الإعلامي ، بطباعة فاخرة وأسماء رنّانة صنعتها الصحف والمجلاّت لا مقاعد التحصيل وكراسي التدريس! . . . فينخدع بها البسطاء ، ويأخذها المستضعفون من أيتام آل محمّد الذين حُجبوا عن لقاء إمامهم(عليه السلام)وحُرموا التزوّد منه والأخذ عنه ، بينما الساحة تتطلّع لنتاج خالص هو الأقرب فالأقرب لما يريده ذاك المغيَّب صلوات الله عليه من فكر وعقيدة وموقف ، وتتحرّق شوقاً لبصيص نور يشير إلى تلك الناحية المقدّسة ، ولعمري ما أراه سينبعث إلاّ من نوّابه وأمنائه على رعيته
«أولئك الذين نفروا حتّى بلغوا حقيقة التفقّه وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وشعبهم»(1) ، بعيداً عن كدر المادية الجوفاء والتغريب الأخرق ، والتلفيق الذي لا يُبقي للإسلام فيما يطرحه من الفكرة والمفهوم إلاّ الاسم! فنسأل الله أن يكون هذا العمل طالع خير ويُمن ، ويكون بمثابة قطر يتلوه غيث منهمر . . .
وقد جاء أسلوب الكتاب مُبسَّطاً ، متجنّباً المصطلحات والعبارات المعقّدة ، مستأنساً بآراء علماء آخرين ، مُقتصراً البحث على موضوعه ـ
- (1) من بيان الإمام الخميني(قدس سره) للحوزات العلمية ، المعروف بـ «بيان رجب 1409هـ » .
(الصفحة 8)
آية التطهير ـ دون إطالة وإسهاب مُمل أو تشعّب يُشتِّت التركيز . . . ليكون سهل التناول على مختلف المستويات ، ومن الواضح أنّ الكاتب تحاشا استعراض مقدرته العلمية ، وعَزَفَ عن التفنّن في استعمال إمكانياته ومَلَكاته في سطحها العالي حيث وضع نصب عينيه مستوى الـمُخاطَب ، واكتفى من المعالجة العلمية بالقدر الأدنى الذي يخدم إثبات الفكرة وتحقيق الهدف من البحث ليس إلاّ ، موفِّراً للقارئ جهداً كان سيهدره فيما لا يعنيه ، وللفكرة نجاة من الضياع في مطاو قد يتيه فيها .
وبعد ، فإنّي أنصح القارئ الكريم بالتأنّي في مطالعة الكتاب وعدم استباق فصوله (حتّى لا يقع فيما وقعت فيه من العجلة في جولتي الاُولى معه قبل أن أعزم على ترجمته ، إذ كانت التساؤلات تترى في ذهني ، وأسجلها مؤاخذات على الكتاب عندما لا أجد المعالجة المطلوبة لها ، ثمّ لا ألبث قليلاً حتّى اُلاقي في الفقرات أو الصفحات التالية بغيتي وأعثر على ضالّتي!) ، إذ سيجد لكلّ تساؤل مكانه من الإجابة والردّ ، وسيرى أنّ البحث قد أحاط بكلّ الحيثيات والزوايا المتعلّقة بالموضوع . . . كما سيلمس العارفون نفحة معنوية ومسحة روحية خاصة صبغت الكتاب ، استمدّها المؤلِّف ـ كما حدّثني بذلك شخصياً ـ من توسّله بمولاتنا فاطمة المعصومة(عليها السلام)(1) من أجل أن يرى هذا الكتاب النور ، لذا فإنّ الكتاب ينفرد بموقع خاص في نفس الكاتب يميّزه عن بقيّة مصنّفاته ومؤلّفاته وإن فاقته محتوىً وجهداً علمياً .
- (1) بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) ، التي تتشرّف الحوزة العلمية في قم المقدّسة بمجاورة مرقدها الشريف .
(الصفحة 9)
أمّا موضوع الكتاب ، أي البحث في آية التطهير:
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) فإلى جانب ما تناوله من دلالة هذه الآية وما تنطوي عليه من معان وتحويه من أسرار تشكّل في مجموعها رسالة تامّة للباحثين عن الحقّ ، والساعين لمعرفة طريق رضا الله ومنهج الوصول إلى سنّة رسوله ، رسالة في الولاية التي ما نودي بشيء كما نُودي بها ، فهي
«ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأنبياء ورضا الرحمن»(2) . . . فإنّه يعني شيئاً آخر لعلّه خفي على كثيرين ، هو التعارض الموهوم الذي افترضوه بين المناداة بالوحدة الإسلامية والدعوة لها ، والتمسّك بولاء أهل البيت والرسوخ التامّ في العقيدة الإمامية الحقّة . . . فتعرّض الكاتب ـ وهو أحد أبرز تلاميذ الإمام الخميني ، رائد الوحدة الإسلامية وأكبر المنادين بها في عصرنا الحاضر ـ لهذا الموضوع والدخول فيه على هذا النحو ، يعني فيما يعني عدم التعارض بين المقولتين ، وأنّ الوحدة التي أرادها الإمام الراحل ، والمنهج الصحيح فيها هو الوحدة السياسية ، والتقاء جميع الفرق والمذاهب الإسلامية على جهاد أعداء الدين الإسلامي المبين من الشرق والغرب والأنظمة الظالمة العميلة لهما ، وهكذا عدم إثارة الاختلاف وتكلّف النزاع المنجرّ إلى
{فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(3) . . . لا التفريط في المعتقدات الحقّة المنتهي إلى تمييع الأفكار والعقائد ، ولبس الحق
- (1) الأحزاب : 33 .
- (2) تفسير العياشي 1: 205 ح202 ، بحار الأنوار 23 : 294 ح33 .
- (3) الأنفال : 46 .
(الصفحة 10)
بالباطل من خلال تدليس قد يطمس معالم الهدى ويساهم ـ والعياذ بالله ـ في إضلال الأمّة ، ولعلّ فيها طالب حقّ يسعى لما يسكّن روعه ، ويلتقي بالفطرة التي زيّنها الله في قلبه من حبّ آل محمّد وولايتهم
{وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}(1) ، أو مؤمناً موالياً بحاجة لما يربط على قلبه ويثبت عقيدته ويرسخ ولاءه . . . الأمر الذي يدخل في صميم الدور الرسالي لعلماء الدين . من هنا نجد الإمام الخميني قدّس الله سرّه ينهض بهذا الدور ويباشر هذه المسؤولية على امتداد مسيرته ، حتّى ختم حياته وزيّن مطلع وصيّته للاُمّة الإسلامية بحديث الثقلين إذ يقول:
«إنّ حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين وقد نقل في كتب السنّة ـ من الصحاح الستّة إلى الكتب الأخرى ـ بألفاظ مختلفة وموارد متكرّرة ، متواتراً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) . وهذا الحديث حجّة قاطعة على جميع البشر خصوصاً مسلمي المذاهب المختلفة ، ويجب على كلّ المسلمين الذين تمّت الحجّة عليم أن يقدموا الإجابة عن ذلك ، وإذا كان ثمّة عذر للجاهلين غير المطّلعين فلا عذر لعلماء المذاهب» .
ويقول رضوان الله عليه في مقطع آخر من الوصية:
«نحن فخورون بأنّ مذهبنا جعفري وأنّ فقهنا ، هذا البحر الزاخر ، هو أحد آثاره ، ونحن فخورون بكلّ الأئمّة المعصومين عليهم صلوات الله ، ونحن ملتزمون باتّباعهم» .
ولمّا كان الكتاب قد اُلّف قبل فترة بعيدة ، فقد طلبت من سماحة