قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 1 ص : 355 موضع آخر و استعينوا بالصبر و الصلوة و قوله « و
ما تقدموا لأنفسكم من خير » أي من طاعة و إحسان و عمل صالح « تجدوه عند الله » أي
تجدوا ثوابه معدا لكم عند الله و قيل معناه تجدوه مكتوبا محفوظا عند الله ليجازيكم
به و في هذه الآية دلالة على أن ثواب الخيرات و الطاعات لا يضيع و لا يبطل و لا
يحبط لأنه إذا أحبط لا تجدونه و قوله « إن الله بما تعملون بصير » أي لا يخفى عليه
شيء من أعمالكم سيجازيكم على الإحسان بما تستحقونه من الثواب و على الإساءة بما
تستحقونه من العقاب فاعملوا عمل من يستيقن أنه يجازيه على ذلك من لا يخفى عليه شيء
من عمله و في هذا دلالة على الوعد و الوعيد و الأمر و الزجر و إن كان خبرا عن غير
ذلك في اللفظ . وَ قَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَن كانَ هُوداً أَوْ
نَصرَى تِلْك أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَنَكمْ إِن كنتُمْ صدِقِينَ(111)
اللغة
في هود ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه جمع هائد كعائذ و عوذ و عائط و عوط
و هو جمع للمذكر و المؤنث على لفظ واحد و الهائد التائب الراجع إلى الحق ( و ثانيها
) أن يكون مصدرا يصلح للواحد و الجمع كما يقال رجل فطر و قوم فطر و رجل صوم و قوم
صوم ( و ثالثها ) أن يكون معناه إلا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة و البرهان و
الحجة و الدلالة و البيان بمعنى واحد و هو ما أمكن الاستدلال به على ما هو دلالة
عليه مع قصد فاعله إلى ذلك و فرق علي بن عيسى بين الدلالة و البرهان بأن قال
الدلالة قد تنبىء عن معنى فقط لا يشهد بمعنى آخر و قد تنبىء عن معنى يشهد بمعنى آخر
و البرهان ليس كذلك لأنه بيان عن معنى ينبىء عن معنى آخر و قد نوزع في هذا الفرق و
قيل أنه محض الدعوى .
الإعراب
قالوا جملة فعلية و الجنة ظرف مكان ليدخل
و إلا هاهنا لنقض النفي و من موصول و هو مع صلته مرفوع الموضع بأنه فاعل يدخل و لن
يدخل مع ما بعده معمول قالوا و إن حرف شرط و جوابه محذوف و تقديره إن كنتم صادقين
فهاتوا برهانكم .
المعنى
ثم حكى سبحانه نبذا من أقوال اليهود و دعاويهم
الباطلة فقال « و قالوا
مجمع البيان ج : 1 ص : 356
لن يدخل الجنة إلا من
كان هودا أو نصارى » و هذا على الإيجاز و تقديره قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من
كان يهوديا و قالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا و وحد كان لأن لفظة من
قد تكون للواحد و قد تكون للجماعة و إنما قلنا أن الكلام مقدر هذا التقدير لأن من
المعلوم أن اليهود لا يشهدون للنصارى بالجنة و لا النصارى لليهود فعلمنا أنه أدرج
الخبر عنهما للإيجاز من غير إخلال بشيء من المعنى فإن شهرة الحال تغني عن البيان
الذي ذكرناه و مثله قول حسان بن ثابت : أ من يهجو رسول الله منكم و يمدحه و
ينصره سواء تقديره و من يمدحه و ينصره غير أنه لما كان اللفظ واحدا جمع مع الأول و
صار كأنه إخبار عن جماعة واحدة و إنما حقيقته عن بعضين متفرقين و قوله « تلك
أمانيهم » أي تلك المقالة أماني كاذبة يتمنونها على الله عن قتادة و الربيع و قيل
أمانيهم أباطيلهم بلغة قريش عن المؤرج و قيل معناه تلك أقاويلهم و تلاوتهم من قولهم
تمنى أي تلا و قد يجوز في العربية أمانيهم بالتخفيف و التثقيل أجود « قل » يا محمد
« هاتوا » أي أحضروا و ليس بأمر بل هو تعجيز و إنكار بمعنى إذا لم يمكنكم الإتيان
ببرهان يصحح مقالتكم فاعلموا أنه باطل فاسد « برهانكم » أي حجتكم عن الحسن و مجاهد
و السدي « إن كنتم صادقين » في قولكم « لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى » و
في هذه الآية دلالة على فساد التقليد أ لا ترى أنه لو جاز التقليد لما أمروا بأن
يأتوا فيما قالوه ببرهان و فيها أيضا دلالة على جواز المحاجة في الدين . بَلى
مَنْ أَسلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَ هُوَ محْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَ لا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ(112) اللغة
أسلم يستعمل في شيئين
( أحدهما ) أسلمه إلى كذا أي صرفه إليه تقول أسلمت الثوب إليه ( و الثاني ) أسلم له
بمعنى أخلص له و منه قوله و رجلا سلما لرجل أي خالصا و قال زيد بن عمرو بن نفيل :
أسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
مجمع البيان ج : 1
ص : 357
و أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا و يروى و
أسلمت نفسي و الوجه مستقبل كل شيء و وجه الإنسان محياه و يقال وجه الكلام تشبيها
بوجه الإنسان لأنه أول ما يبدو منه و يعرف به و يقال هذا وجه الرأي أي الذي يبدو
منه و يعرف به و الوجه من كل شيء أول ما يبدو فيظهر بظهوره ما بعده و قد استعملت
العرب لفظة وجه الشيء و هم يريدون نفسه إلا أنهم ذكروه باللفظ الأشرف الأنبه و دلوا
عليه به كما قال سبحانه كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا هو و يبقى وجه ربك أي ربك و
قال الأعشى : و أول الحكم على وجهه ليس قضائي بالهوى الجائر أي على ما هو
به من الصواب و قال ذو الرمة : فطاوعت همي و انجلى وجه نازل من الأمر لم
يترك خلاجا نزولها يريد و انجلى النازل من الأمر .
الإعراب
بلى يدخل في
جواب الاستفهام مثل قوله أ لست بربكم قالوا بلى و يصلح أن يكون تقديره هنا أ ما
يدخل الجنة أحد فقيل « بلى من أسلم وجهه لله » لأن ما تقدم يقتضي هذا السؤال و يصلح
أن يكون جوابا للجحد على التكذيب كقولك ما قام زيد فيقول بلى قد قام و يكون التقدير
هنا ليس الأمر كما قال الزاعمون لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و لكن « من
أسلم وجهه لله و هو محسن » فهو يدخلها و من أسلم يجوز أن يكون من موصولا و يجوز أن
يكون للشرط فيكون أسلم أما صلة له و أما مجزوم الموضع بكونه شرطا أو يكون من مبتدإ
و الفاء في قوله « فله أجره » للجزاء و اللام تتعلق بمحذوف في محل الرفع لأنه خبر
لقوله أجره و المبتدأ مع خبره في محل الرفع لوقوعه بعد الفاء و الفاء مع ما دخل فيه
في محل الجزم و معنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الشرط و الجزاء في محل الرفع بأنه
خبر المبتدأ و إن كان من موصولا فمن مع أسلم مبتدأ و الفاء مع الجملة بعده خبره و
عند ربه ظرف مكان في موضع النصب على الحال تقديره كائنا عند ربه و العامل فيه
المحذوف الذي تعلق به اللام و ذو الحال الضمير المستكن فيه و قوله « و هو محسن » في
موضع نصب على الحال و إنما قال « فله أجره » على التوحيد ثم قال « و لا خوف » عليهم
لأن من مفرد اللفظ مجموع المعنى فيحمل على اللفظ مرة و على المعنى أخرى .
المعنى
ثم رد الله سبحانه عليهم مقالتهم فقال « بلى من أسلم وجهه لله »
قيل
مجمع البيان ج : 1 ص : 358
معناه من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته
عن ابن عباس و قيل وجه وجهه لطاعة الله و قيل فوض أمره إلى الله و قيل استسلم لأمر
الله و خضع و تواضع لله لأن أصل الإسلام الخضوع و الانقياد و إنما خص الوجه لأنه
إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه « و هو محسن » في عمله و قيل و هو
مؤمن و قيل مخلص « فله أجره عند ربه » معناه فله جزاء عمله عند الله « و لا خوف
عليهم و لا هم يحزنون » في الآخرة و هذا ظاهر على قول من يقول أنه لا يكون على أهل
الجنة خوف و لا حزن في الآخرة و أما على قول من قال أن بعضهم يخاف ثم يأمن فمعناه
أنهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم لأنهم يكونون على ثقة بأن ذلك لا يفوتهم . وَ
قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْستِ النَّصرَى عَلى شىْء وَ قَالَتِ النَّصرَى لَيْستِ
الْيَهُودُ عَلى شىْء وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَب كَذَلِك قَالَ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
فِيمَا كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(113)
اللغة
القيامة مصدر إلا أنه صار
كالعلم على وقت بعينه و هو الوقت الذي يبعث الله عز و جل فيه الخلق فيقومون من
قبورهم إلى محشرهم تقول قام يقوم قياما و قيامة مثل عاد يعود عيادا و عيادة .
الإعراب
« و هم يتلون » جملة من مبتدإ و خبر منصوبة الموضع على الحال و
العامل قالت و ذو الحال اليهود و النصارى و الكاف في كذلك يتعلق بيتلون أو بقال
الذين و تقديره و هم يتلون الكتاب كتلاوتكم أو قال الذين لا يعلمون و هم المشركون
كقول اليهود و النصارى و مثل صفة مصدر محذوف تقديره قولا مثل قولهم .
النزول
قال ابن عباس أنه لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال رافع بن حرملة ما أنتم على شيء و جحد نبوة عيسى و كفر بالإنجيل
فقال رجل من أهل نجران ليست اليهود على شيء و جحد نبوة موسى و كفر بالتوراة فأنزل
الله هذه الآية .
مجمع البيان ج : 1 ص : 359
المعنى
ثم بين سبحانه
ما بين أهل الكتاب من الاختلاف مع تلاوة الكتاب فقال « و قالت اليهود ليست النصارى
على شيء » في تدينهم بالنصرانية « و قالت النصارى ليست اليهود على شيء » في تدينهم
باليهودية « و هم يتلون الكتاب » أي يقرءونه و ذكر فيه وجهان ( أحدهما ) أن فيه حل
الشبهة بأنه ليس في تلاوة الكتاب معتبر في الإنكار لما لم يؤت على إنكاره ببرهان
فلا ينبغي أن يدخل الشبهة بإنكار أهل الكتاب لملة الإسلام إذ كل فريق من أهل الكتاب
قد أنكر ما عليه الآخر ثم بين أن سبيلهم كسبيل من لا يعلم الكتاب من مشركي العرب و
غيرهم ممن لا كتاب لهم في الإنكار لدين الإسلام ( و الوجه الآخر ) الذم لمن أنكر
ذلك من أهل الكتاب على جهة العناد إذ قد ساوى المعاند منهم للحي الجاهل به في الدفع
له فلم ينفعه علمه و قوله « كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم » معناه أن مشركي
العرب الذين هم جهال و ليس لهم كتاب هكذا قالوا لمحمد و أصحابه أنهم ليسوا على شيء
من الدين مثل ما قالت اليهود و النصارى بعضهم لبعض عن السدي و مقاتل و قيل معناه أن
مشركي العرب قالوا بأن جميع الأنبياء و أممهم لم يكونوا على شيء و كانوا على خطإ
فقد ساووكم يا معشر اليهود في الإنكار و هم لا يعلمون و قيل أن هؤلاء الذين لا
يعلمون أمم كانت قبل اليهود و النصارى و قبل التوراة و الإنجيل كقوم نوح و عاد و
ثمود قالوا لأنبيائهم لستم على شيء عن عطاء و قيل أن الأصح أن المراد بقوله « كذلك
قال الذين لا يعلمون مثل قولهم » أسلاف اليهود و المراد بقوله « و قالت اليهود ليست
النصارى على شيء » هؤلاء الذين كانوا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه
حكي قول مبطل لمبطل فلا يجوز أن يعطف عليه قول مبطل لمحق و قوله « فالله يحكم بينهم
يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون » فيه وجوه ( أحدها ) أن حكمه بينهم أن يكذبهم
جميعا و يدخلهم النار عن الحسن ( و ثانيها ) أن حكمه فيهم الانتصاف من الظالم
المكذب بغير حجة و لا برهان للمظلوم المكذب عن أبي علي ( و ثالثها ) أن حكمه أن
يريهم من يدخل الجنة عيانا و من يدخل النار عيانا و هذا هو الحكم الفصل في الآخرة
بما يصير إليه كل فرقة فأما الحكم بينهم في العقد فقد بينه الله جل و عز فيما أظهر
من حجج المسلمين و في عجز الخلق عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن عن الزجاج .
مجمع البيان ج : 1 ص : 360
وَ مَنْ أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسجِدَ
اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَ سعَى فى خَرَابِهَا أُولَئك مَا كانَ لَهُمْ
أَن يَدْخُلُوهَا إِلا خَائفِينَ لَهُمْ فى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ لَهُمْ فى
الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(114) اللغة
المنع و الصد و الحيلولة نظائر و ضد
المنع الإطلاق يقال منعته فامتنع و رجل منيع أي لا يخلص إليه و هو في عز و منعة
تخفف و تثقل و امرأة منيعة لا تؤاتي على فاحشة و السعي و الركض و العدو نظائر و ضد
السعي الوقف و فلان يسعى على عياله أي يكسب لهم و سعى للسلطان إذا ولي أمر الصدقة
قال الشاعر : سعى عقالا فلم يترك لها سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين و
العقال صدقة عام و ساعي الرجل الأمة إذا فجر بها و لا تكون المساعاة إلا في الإماء
و الخراب و الهدم و النقض نظائر و الخربة سعة خرق الأذن و كل ثقب مستدير و الخارب
اللص قال الأصمعي يختص بسارق الإبل و الخرابة سرقة الإبل .
الإعراب
موضع من رفع و هو استفهام و أظلم رفع لأنه خبر الابتداء و موضع أن نصب على
البدل من مساجد و هو بدل الاشتمال و التقدير و من أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد
الله اسمه و يجوز أن يكون موضع أن نصبا على أنه مفعول له فيكون تقديره كراهة أن
يذكر فيها اسمه و يجوز أن يكون على حذف من و تقديره من أن يذكر و أن يدخلوها في
موضع رفع بأنه اسم كان و قيل إن كان هاهنا مزيدة و تقديره ما لهم أن يدخلوها فعلى
هذا يكون موضع أن يدخلوها رفعا بالابتداء و إلا حرف استثناء و هو هنا لنقض النفي و
خائفين منصوب على الحال و قوله « خزي » مرفوع من وجهين ( أحدهما ) الابتداء ( و
الآخر ) أن يكون مرفوعا بلهم و قوله « في الدنيا » الجار و المجرور في موضع نصب على
الحال و ذو الحال الضمير المستكن في لهم و كذلك قوله « و لهم في الآخرة » .
النزول
اختلفوا في المعني بهذه الآية فقال ابن عباس و مجاهد أنهم الروم
غزوا بيت المقدس و سعوا في خرابه حتى كانت أيام عمر فأظهر الله المسلمين عليهم و
صاروا لا يدخلونه إلا خائفين و قال الحسن و قتادة هو بخت نصر خرب بيت المقدس و
أعانه عليه
مجمع البيان ج : 1 ص : 361
النصارى و روي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) أنهم قريش حين منعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) دخول مكة و المسجد
الحرام و به قال البلخي و الرماني و الجبائي و ضعف هذا الوجه الطبري بأن قال إن
مشركي قريش لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام و قوله يفسد بأن عمارة المساجد إنما
تكون بالصلاة فيها و خرابها بالمنع من الصلاة فيها و قد وردت الرواية بأنهم هدموا
مساجد كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصلون فيها بمكة لما هاجر النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة قال و هو أيضا لا يتعلق بما قبله من ذم أهل
الكتاب كما يتعلق به إذا عني به النصارى و بيت المقدس و جوابه أنه قد جرى أيضا ذكر
غير أهل الكتاب في قوله كذلك قال الذين لا يعلمون و هذا أقرب لأن الكلام خرج مخرج
الذم فمرة توجه الذم إلى اليهود و مرة إلى النصارى و مرة إلى عبدة الأصنام و
المشركين .
و المعنى
« و من أظلم » أي و أي أحد أشد و أعظم ظلما « ممن
منع مساجد الله » من « أن يذكر فيها اسمه » و يكون معناه لا أحد أظلم ممن منع أن
يذكر في مساجد الله اسمه سبحانه و عمل في المنع من إقامة الجماعة و العبادة فيها و
إذا حمل قوله « مساجد الله » على بيت المقدس أو على الكعبة فإنما جاز جمعه على أحد
وجهين أما أن تكون مواضع السجود فإن المسجد العظيم يقال لكل موضع منه مسجد و يقال
لجملته مسجد و أما أن يدخل في هذه اللفظة المساجد التي بناها المسلمون للصلاة و روي
عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه أراد جميع الأرض لقول النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا و قوله « و سعى في خرابها
» أي عمل في تخريبها و التخريب إخراجهم أهل الإيمان منها عند الهجرة و قيل هو صدهم
عنها و يجوز حمله على الأمرين و قيل المراد المنع عن الصلاة و الطاعة فيها و هو
السعي في خرابها و قوله « أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين » فيه خلاف قال
ابن عباس معناه أنه لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا نهك ضربا و أبلغ عقوبة و هو كذلك
اليوم و من قال المراد به المسجد الحرام قال لما نزلت هذه الآية أمر النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) مناديا فنادى ألا لا يحجن بعد العام مشرك و لا يطوفن بهذا
البيت عريان فكانوا لا يدخلونه بعد ذلك و قال الجبائي بين الله سبحانه أنه ليس
لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام و لا دخول غيره من المساجد فإن دخل منهم داخل
إلى بعض المساجد كان على المسلمين إخراجه منه إلا أن يدخل إلى بعض الحكام لخصومة
بينه و بين غيره فيكون في دخوله خائفا من الإخراج على وجه الطرد
مجمع البيان ج
: 1 ص : 362
بعد انفصال خصومته و لا يقعد فيه مطمئنا كما يقعد المسلم قال الشيخ
أبو جعفر قدس الله روحه و هذا يليق بمذهبنا و يمكن الاستدلال بهذه الآية على أن
الكفار لا يجوز أن يمكنوا من دخول المساجد على كل حال فأما المسجد الحرام خاصة
فيستدل على أن المشركين يمنعون من دخوله و لا يمكنون منه لحكومة و لا غيرها بأن
الله تعالى قد أمر بمنعهم من دخوله بقوله ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله
شاهدين على أنفسهم بالكفر يعني المسجد الحرام و قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد
عامهم هذا و قال الزجاج أعلم الله سبحانه في هذه الآية أن أمر المسلمين يظهر على
جميع من خالفهم حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفا و هذا كقوله سبحانه
ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون فكأنه قيل أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا
خائفين لإعزاز الله الدين و إظهاره المسلمين و قوله « لهم في الدنيا خزي » قيل فيه
وجوه ( أحدها ) أن يراد بالخزي أنهم يعطون الجزية عن يد و هم صاغرون عن قتادة ( و
ثانيها ) أن المراد به القتل و سبي الذراري و النساء إن كانوا حربا و إعطاء الجزية
إن كانوا ذمة عن الزجاج ( و ثالثها ) إن المراد بخزيهم في الدنيا أنه إذا قام
المهدي و فتح قسطنطينية فحينئذ يقتلهم عن السدي ( و رابعها ) أن المراد بخزيهم
طردهم عن دخول المساجد عن أبي علي و قوله « و لهم في الآخرة عذاب عظيم » يعني يوم
القيامة يعذبهم الله في نار جهنم بالعذاب الأعظم إذ كانوا من كل ظالم أظلم .
وَ
للَّهِ المَْشرِقُ وَ المَْغْرِب فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ وَسِعٌ عَلِيمٌ(115) اللغة
المشرق و الشرق اسمان لمطلع الشمس
و القمر و شرقت الشمس إذا طلعت و أشرقت أضاءت و يقال لا أفعل ذلك ما ذر شارق أي ما
طلع قرن الشمس و أيام التشريق أيام تشريق اللحم في الشمس و في الحديث لا تشريق إلا
في مصر أو مسجد جامع أي لا صلاة عيد لأن وقتها طلوع الشمس و المغرب و المغيب بمعنى
و هو موضع الغروب يقال غربت الشمس تغرب إذا غابت و أصل الغرب الحد و التباعد و غربة
النوى بعد المنتأى و غرب السيف حده سمي بذلك لأنه يمضي و لا يرد فهو مأخوذ من
الإبعاد و الواسع الغني سمي به لسعة مقدوراته و قيل هو الكثير الرحمة و السعة و
الفسحة من النظائر و ضد السعة الضيق يقال وسع يسع سعة و أوسع الرجل إذا صار ذا سعة
في المال .
مجمع البيان ج : 1 ص : 363
الإعراب
اللام في قوله « و
لله المشرق و المغرب » لام الملك و إنما وحد المشرق و المغرب لأنه أخرج ذلك مخرج
الجنس فدل على الجمع كما يقال أهلك الناس الدينار و الدرهم و ابن بني لتضمنه معنى
الحرف و إنما بني على الفتح لالتقاء الساكنين و فيه معنى الشرط و تولوا مجزوم
بالشرط و جوابه « فثم وجه الله » و علامة الجزم في تولوا سقوط النون و أين في موضع
نصب لأنه ظرف لقوله تولوا و ما في قوله « أينما » هي التي تهيىء الكلمة لعمل الجزم
و لذلك لم يجاز بإذ و حيث حتى يضم إليهما ما فيقال حيثما تكن أكن و إذا ما تفعل
أفعل و لا يقال حيث تكن أكن و إذ تفعل أفعل و يجوز في أين الجزم و إن لم يدخل ما
عليها كقول الشاعر : أين تضرب بنا العداة تجدنا نصرف العيس نحوها للتلاقي و
ثم موضعه نصب لأنه ظرف مكان و بني على الفتح لالتقاء الساكنين و إنما بني في الأصل
لأنه معرفة و حكم الاسم المعرف أن يكون بحرف فبني لتضمنه معنى الحرف الذي يكون به
التعريف و العهد أ لا ترى أن ثم لا تستعمل إلا في مكان معهود معروف لمخاطبك .
النزول
اختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل أن اليهود أنكروا تحويل
القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس فنزلت الآية ردا عليهم عن ابن عباس و اختاره
الجبائي قال بين سبحانه أنه ليس في جهة دون جهة كما تقول المجسمة و قيل كان
للمسلمين التوجه حيث شاءوا في صلاتهم و فيه نزلت الآية ثم نسخ ذلك بقوله فول وجهك
شطر المسجد الحرام عن قتادة قال و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد اختار
التوجه إلى بيت المقدس و كان له إن يتوجه حيث شاء و قيل نزلت في صلاة التطوع على
الراحلة تصليها حيثما توجهت إذا كنت في سفر و أما الفرائض فقوله و حيث ما كنتم
فولوا وجوهكم شطره يعني أن الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة و هذا هو المروي عن
أئمتنا (عليهم السلام) قالوا و صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إيماء على
راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر و حين رجع من مكة و جعل الكعبة خلف ظهره و
روي عن جابر قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سرية كنت فيها فأصابتنا
ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال فصلوا و
خطوا خطوطا و قال بعضنا القبلة هاهنا قبل الجنوب و خطوا خطوطا فلما أصبحوا و طلعت
مجمع البيان ج : 1 ص : 364
الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا
من سفرنا سألنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى هذه
الآية .
المعنى
« و لله المشرق و المغرب » أراد أن المشرق و المغرب لله
ملكا و قيل أراد أنه خالقهما و صانعهما و قيل معناه يتولى إشراق الشمس من مشرقها و
إغرابها من مغربها « فأينما تولوا فثم وجه الله » معناه فأينما تولوا وجوهكم فحذف
المفعول للعلم به فثم أي فهناك وجه الله أي قبلة الله عن الحسن و مجاهد و قتادة و
الوجه و الجهة و الوجهة القبلة و مثله الوزن و الزنة و العرب تسمي القصد الذي تتوجه
إليه وجها قال الشاعر : أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه و
العمل معناه إليه القصد بالعبادة و قيل معناه فثم الله يعلم و يرى فادعوه كيف
توجهتم كقوله تعالى : يريدون وجهه أي يريدونه بالدعاء و يقال لما قرب من المكان هنا
و لما تراخى ثم و هناك و قوله كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا هو و يبقى وجه ربك أي و
يبقى ربك عن الكلبي و قيل معناه ثم رضوان الله يعني الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه كما
يقال هذا وجه الصواب عن أبي علي و الرماني « إن الله واسع » أي غني عن أبي عبيدة و
تقديره غني عن طاعتكم و إنما يريدها لمنافعكم و قيل واسع الرحمة فلذلك رخص في
الشريعة عن الزجاج و قيل واسع المقدور يفعل ما يشاء « عليم » أي عالم بوجوه الحكمة
فبادروا إلى ما أمركم به و قيل عليم أين يضع رحمته على ما توجبه الحكمة و قيل عليم
بنياتكم حيثما صليتم و دعوتم .
النظم
و وجه اتصال الآية بما قبلها أن
التقدير لا يمنعكم تخريب من خرب المساجد عن أن تذكروه حيث كنتم من أرضه فلله المشرق
و المغرب و الجهات كلها عن علي بن عيسى و قيل لما تقدم ذكر الصلاة و المساجد عقبه
بذكر القبلة و بيانها . وَ قَالُوا اتخَذَ اللَّهُ وَلَداً سبْحَنَهُ بَل لَّهُ
مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ كلُّ لَّهُ قَنِتُونَ(116) القراءة
قرأ ابن
عامر قالوا بغير واو و الباقون بالواو .
مجمع البيان ج : 1 ص : 365
الحجة
حذف الواو هنا يجوز من وجهين ( أحدهما ) أن يستأنف الجملة فلا يعطفها
على ما تقدم ( و الآخر ) أن للجملة التي هي « قالوا اتخذ الله ولدا » ملابسة بما
قبلها من قوله و من أظلم ممن منع مساجد الله الآية فإن الذين قالوا اتخذ الله ولدا
من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم فيستغني عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما
استغني عنها في نحو قوله و الذين كفروا و كذبوا ب آياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون و لو كان و هم فيها خالدون لكان حسنا .
اللغة
الأصل في القنوت
الدوام ثم يستعمل على وجوه منها أن يكون بمعنى الطاعة كقوله « كل له قانتون » أي
مطيعون و منها أن يكون بمعنى الصلاة كقوله يا مريم اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع
الراكعين و بمعنى طول القيام و روى جابر بن عبد الله قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الصلاة أفضل قال طول القنوت أي طول القيام و يكون بمعنى الدعاء
قال صاحب العين القنوت في الصلاة دعاء بعد القراءة في آخر الوتر يدعو قائما و منه
قوله أ من هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما و يكون بمعنى السكوت قال زيد بن أرقم
كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت و قوموا لله قانتين فأمسكنا عن الكلام .
النزول
نزلت الآية في النصارى حيث قالوا المسيح ابن الله و قيل نزلت
فيهم و في مشركي العرب حيث قالوا الملائكة بنات الله .
المعنى
لما حكى
الله سبحانه قول اليهود في أمر القبلة و رد عليهم قولهم ذكر مقالتهم في التوحيد
رادا عليهم قال « و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه » أي إجلالا له عن اتخاذ الولد و
تنزيها عن القبائح و السوء و الصفات التي لا تليق به و روي عن طلحة بن عبيد الله
أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن معنى قوله « سبحانه » فقال تنزيها لله
عن كل سوء بل له ما في السموات و الأرض هذا رد عليهم قولهم « اتخذ الله ولدا » أي
ليس الأمر كما زعموا « بل له ما في السموات و الأرض » ملكا و الولد لا يكون ملكا
للأب لأن البنوة و الملك لا يجتمعان فكيف يكون الملائكة الذين هم في السماء و
المسيح الذي هو في الأرض ولدا له فنبه بذلك على أن المسيح و غيره عبيد له مخلوقون
مملوكون فهم بمنزلة سائر الخلق و قيل معناه بل له ما في السماوات و الأرض فعلا و
الفعل لا يكون من جنس الفاعل و الولد لا يكون إلا من جنس أبيه فإن من تبنى إنسانا
فالذي تبناه لا بد من أن يكون من جنسه و قوله « كل له قانتون » قال ابن عباس و
مجاهد معناه مطيعون و قال السدي كل له مطيع يوم القيامة و قال الحسن كل له قائم
بالشهادة أنه عبده و قال الجبائي كل دائم على حال واحدة
مجمع البيان ج : 1 ص :
366
بالشهادة بما فيه من آثار الصنعة و الدلالة على الربوبية و قال أبو مسلم كل
في ملكه و قهره يتصرف فيه كيف يشاء لا يمتنع عليه . بَدِيعُ السمَوَتِ وَ
الأَرْضِ وَ إِذَا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(117)
القراءة
قرأ ابن عامر فيكون بالنصب و الباقون بالرفع .
الإعراب و
الحجة
قال أبو علي يمتنع النصب في قوله « فيكون » لأن قوله كن و إن كان على لفظ
الأمر فليس بأمر و لكن المراد به الخبر لأن المنفي الذي ليس بكائن لا يؤمر و لا
يخاطب فالتقدير نكون فيكون فاللفظ لفظ الأمر و المراد الخبر كقولهم في التعجب أكرم
بزيد فإذا لم يكن قوله كن أمرا في المعنى و إن كان على لفظه لم يجز أن ينصب الفعل
بعد الفاء بأنه جواب كما لم يجز النصب في الفعل الذي يدخله الفاء بعد الإيجاب نحو
آتيك فأحدثك إلا أن يكون في شعر نحو قوله : لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها و
يأوي إليها المستجير فيعصما و يدل أيضا على امتناع النصب فيه أن الجواب بالفاء
مضارع الجزاء فلا يجوز اذهب فيذهب على قياس قراءة ابن عامر كن فيكون لأن المعنى
يصير إن ذهبت ذهبت و هذا الكلام لا يفيد و إنما يفيد إذا اختلف الفاعلان و الفعلان
نحو قم فأعطيك لأن المعنى إن قمت أعطيتك و إذا كان الأمر على هذا لم يكن ما روي عنه
من نصبه فيكون متجها و يمكن أن يقال فيه أن اللفظ لما كان على لفظ الأمر حمله على
اللفظ كما حمل أبو الحسن في نحو قوله قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوة على أنه
أجري مجرى جواب الأمر و إن لم يكن جوابا له على الحقيقة فالوجه في يكون الرفع على
أن يكون معطوفا على كن لأن المراد به نكون فيكون أو يكون خبر مبتدإ محذوف كأنه قال
فهو يكون .
اللغة
البديع بمعنى المبدع كالسميع بمعنى المسمع و بينهما
فرق من حيث أن في بديع مبالغة ليست في مبدع و يستحق الوصف به في غير حال الفعل على
الحقيقة
مجمع البيان ج : 1 ص : 367
بمعنى أن من شأنه إنشاء الأشياء على غير
مثال و احتذاء و الابتداع و الاختراع و الإنشاء نظائر و كل من أحدث شيئا فقد أبدعه
و الاسم البدعة و في الحديث كل بدعة ضلالة و كل ضلالة سبيلها إلى النار و القضاء و
الحكم من النظائر و أصل القضاء الفصل و إحكام الشيء قال أبو ذؤيب : و عليهما
مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع أي أحكمهما ثم ينصرف على وجوه منها
الأمر و الوصية كقوله تعالى : و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي وصى ربك و أمر و
منها أن يكون بمعنى الإخبار و الإعلام كقوله و قضينا إلى بني إسرائيل أي أخبرناهم و
قوله و قضينا إليه ذلك الأمر أي عهدنا إلى لوط و منها أن يكون بمعنى الفراغ نحو
قوله فإذا قضيتم مناسككم أي فرغتم من أمر المناسك و قوله فإذا قضيتم الصلاة و فيما
رواه علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده الصادق (عليه السلام) قال القضاء على عشرة
أوجه ذكر فيه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها ( و الرابع ) بمعنى الفعل في قوله فاقض
ما أنت قاض أي فافعل ما أنت فاعل و منه قوله إذا قضى أمرا يعني إذا فعل أمرا كان في
علمه أن يفعله إنما يقول له كن فيكون و منه قوله إذا قضى الله و رسوله أمرا يقول ما
كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا فعل الله و رسوله شيئا في تزويج زينب أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم ( و الخامس ) في قوله ليقض علينا ربك أي لينزل علينا الموت و قوله لا يقضي
عليهم فيموتوا أي لا ينزل بهم الموت و قوله فوكزه موسى فقضى عليه أي فأنزل به الموت
( و السادس ) قوله و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر أي وجب العذاب فوقع بأهل النار
و كذا قوله و قال الشيطان لما قضي الأمر ( و السابع ) قوله و كان أمرا مقضيا أي
مكتوبا في اللوح المحفوظ أنه يكون ( و الثامن ) بمعنى الإتمام في نحو قوله فلما قضى
موسى الأجل أي أتم و أيما الأجلين قضيت أي أتممت و قوله من قبل أن يقضي إليك وحيه
يعني من قبل أن يتم جبرائيل إليك الوحي ( و التاسع ) بمعنى الحكم و الفصل كقوله و
قضي بينهم بالحق و إن ربك يقضي بينهم أي يفصل و في الإنعام يقضي بالحق أي يفصل
الأمر بيني و بينكم بالعذاب ( و العاشر ) بمعنى الجعل في قوله فقضيهن سبع سموات أي
جعلهن .
المعنى
لما نزه الله سبحانه نفسه عن اتخاذ الأولاد و دل عليه
بأن له ما في السماوات و الأرض أكد ذلك بقوله « بديع السموات و الأرض » أي منشىء
السماوات
مجمع البيان ج : 1 ص : 368
و الأرض على غير مثال امتثله و لا
احتذاء من صنع خالق كان قبله « و إذا قضى أمرا » قيل معناه إذا فعل أمرا أي أراد
إحداث أمر كقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي إذا أردت قراءة القرآن و
قيل معناه إذا أحكم أمرا و قيل معناه حكم و حتم بأنه يفعل أمرا و الأول أوجه و قوله
« فإنما يقول له كن فيكون » اختلف فيه على وجوه ( أحدها ) أنه بمنزلة التمثيل لأن
المعدوم لا يصح أن يخاطب و لا يؤمر و حقيقة معناه أن منزلة الفعل في تسهله و تيسره
عليه و انتفاء التعذر منه كمنزلة ما يقال له كن فيكون كما يقال قال فلان برأسه أو
بيده كذا إذا حرك رأسه أو أومأ بيده و لم يقل شيئا على الحقيقة و كما قال أبو النجم
: قد قالت الأنساع للبطن الحق قدما فاضت كالفنيق المحنق و قال العجاج يصف
ثورا : و فيه كالأعراض للعكور فكر ثم قال في التفكير إن الحياة اليوم
في الكرور و قال عمرو بن قميئة السدوسي : فأصبحت مثل النسر طارت فراخه إذا
رام تطيارا يقال له قع و قال آخر : و قالت له العينان سمعا و طاعة و حدرتا
كالدر لما يثقب و المشهور فيه قول الشاعر : امتلأ الحوض و قال قطني مهلا
رويدا قد ملأت بطني و هو قول أبي علي و أبي القاسم و جماعة من المفسرين ( و ثانيها
) أنه علامة جعلها الله للملائكة إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرا و هذا هو المحكي
عن أبي الهذيل . ( و ثالثها ) ما قاله بعضهم أن الأشياء المعدومة لما كانت
معلومة عند الله تعالى صارت كالموجود فصح أن يخاطبها و يقول لما شاء إيجاده منها كن
و الأصح من الأقوال الأول و هو الأشبه بكلام العرب و يؤيده قوله تعالى : فقال لها و
للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين و إن حمل على القول الثاني فالمراد أن
يقول للملائكة على جهة الإعلام منه
مجمع البيان ج : 1 ص : 369
لهم و إخباره
إياهم عن الغيب كن أي يقول أكون فيكون فاعل كن الله و هو في معنى الخبر و إن كان
اللفظ لفظ الأمر على ما تقدم بيانه و قد يجوز على هذا أن يكون فاعل كن الشيء
المعدوم المراد كونه و تقديره يقول من أجله للملائكة يكون شيء كذا فيكون ذلك على ما
يخبر به لا خلف له و لا تبديل عما يخبر به و أما القول الثالث فبعيد لأن المعدوم لا
يصح خطابه و لا أمره بالكون و الوجود ليخرج بهذا الأمر إلى الوجود لأن ذلك امتثال
للأمر و تلق له بالقبول و الطاعة و هذا إنما يتصور من المأمور الموجود دون المعدوم
و لو صح ذلك لوجب أن يكون المأمور المعدوم فاعلا لنفسه كما يكون المتلقي لما يؤمر
به بالقبول فاعلا لما أمر به و هذا فاسد ظاهر البطلان و قال بعضهم إنما يقول كن عند
وجود الأشياء لا قبلها و لا بعدها كقوله تعالى : ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا
أنتم تخرجون و إنما أراد أنه يدعوهم في حال خروجهم لا قبله و لا بعده و هذا الوجه
أيضا ضعيف لأن من شرط حسن الأمر أن يتقدم المأمور به و كذلك الدعاء و في هذه الآية
دلالة على أنه سبحانه لا يجوز أن يتخذ ولدا لأنه إذا ثبت أنه منشىء السماوات و
الأرض ثبت بذلك أنه سبحانه ليس بصفة الأجسام و الجواهر لأن الجسم يتعذر عليه فعل
الأجسام و من كان بهذه الصفة لم يجز عليه اتخاذ الولد و لأنه سبحانه قد أنشأ عيسى
من غير أب من حيث هو مبدع الأشياء فجل عن اتخاذ الأبناء و تعالى علوا كبيرا .
وَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ
تَأْتِينَا ءَايَةٌ كَذَلِك قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ
تَشبَهَت قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الاَيَتِ لِقَوْم يُوقِنُونَ(118) اللغة
اليقين و العلم و المعرفة نظائر في اللغة و نقيضه الشك و الجهل و أيقن و تيقن و
استيقن بمعنى و قال صاحب العين اليقن اليقين قال : و ما بالذي أبصرته العيون
من قطع يأس و لا من يقن فاليقين علم يثلج به الصدر و لذلك يقال وجدت برد اليقين
و لا يقال وجدت برد العلم .
مجمع البيان ج : 1 ص : 370
الإعراب
لو
لا بمعنى هلا و لا تدخل إلا على الفعل و معناها التحضيض قال : تعدون عقر النيب
أفضل مجدكم بني ضوطرى لو لا الكمي المقنعا أي هلا تعقرون الكمي المقنع و الكاف
في كذلك تتعلق بقال و الجار و المجرور في موضع نصب على المصدر أي كقولهم .
المعنى
لما بين سبحانه حالهم في إنكارهم التوحيد و ادعائهم عليه اتخاذ
الأولاد عقبه بذكر خلافهم في النبوات و سلوكهم في ذلك طريق التعنت و العناد فقال «
و قال الذين لا يعلمون » و هم النصارى عن مجاهد و اليهود عن ابن عباس و مشركو العرب
عن الحسن و قتادة و هو الأقرب لأنهم الذين سألوا المحالات و لم يقتصروا على ما ظهر
و اتضح من المعجزات و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات إلى
آخرها و لأنه وصفهم بأنهم لا يعلمون فبين أنهم ليسوا من أهل الكتاب و من قال المراد
به النصارى قال لأنه قال قبلها و قالوا اتخذ الله ولدا و هم الذين قالوا المسيح ابن
الله و هذا لا دلالة فيه لأنه يجوز أن يذكر قوما ثم يستأنف فيخبر عن قوم آخرين على
أن مشركي العرب قد أضافوا أيضا إلى الله سبحانه البنات فدخلوا في جملة من قال اتخذ
الله ولدا و قوله « لو لا يكلمنا الله » أي هلا يكلمنا معاينة فيخبرنا بأنك نبي و
قيل معناه هلا يكلمنا بكلامه كما كلم موسى و غيره من الأنبياء و قوله « أو تأتينا
آية » أي تأتينا آية موافقة لدعوتنا كما جاءت الأنبياء آيات موافقة لدعوتهم و لم
يرد أنه لم تأتهم آية لأنه قد جاءتهم الآيات و المعجزات و قوله « كذلك قال الذين من
قبلهم مثل قولهم » قيل هم اليهود حيث اقترحوا الآيات على موسى عن مجاهد لأنه حمل
قوله الذين لا يعلمون على النصارى و قيل هم اليهود و النصارى جميعا عن قتادة و
السدي و قيل سائر الكفار الذين كانوا قبل الإسلام عن أبي مسلم « تشابهت قلوبهم » أي
أشبه بعضها بعضا في الكفر و القسوة و الاعتراض على الأنبياء من غير حجة و التعنت و
العناد كقول اليهود لموسى أرنا الله جهرة و قول النصارى للمسيح أنزل علينا مائدة من
السماء و قول العرب لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) حول لنا الصفا ذهبا و لذلك قال
الله سبحانه أ تواصوا به و قوله « قد بينا الآيات » يعني الحجج و المعجزات التي
يعلم بها صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « لقوم يوقنون » أي يستدلون بها
من الوجه الذي يجب الاستدلال به فأيقنوا لذلك فكذلك
مجمع البيان ج : 1 ص : 371
فاستدلوا أنتم حتى توقنوا كما أيقن أولئك و المعنى فيه أن فيما ظهر من الآيات
الباهرات الدالة على صدقه كفاية لمن ترك التعنت و العناد فإن قيل لم يؤتوا الآيات
التي اقترحوها لتكون الحجة عليهم آكد قلنا الاعتبار في ذلك بالمصالح و لو علم الله
سبحانه أن في إظهار ما اقترحوه من الآيات مصلحة لأظهرها فلما لم يظهرها علمنا أنه
لم يكن في إظهارها مصلحة . إِنَّا أَرْسلْنَك بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً
وَ لا تُسئَلُ عَنْ أَصحَبِ الجَْحِيمِ(119) القراءة
قرأ نافع و لا تسئل
بفتح التاء و الجزم على النهي و روي ذلك عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و ابن
عباس ذكر ذلك الفراء و أبو القاسم البلخي و الباقون على لفظ الخبر على ما لم يسم
فاعله .
الحجة
الرفع في « تسئل » يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون حالا
فيكون مثل ما عطف عليه من قوله « بشيرا و نذيرا » أي و غير مسئول و يكون ذكر الجملة
بعد المفرد الذي هو قوله « بشيرا » كما ذكر الجملة في قوله و يكلم الناس في المهد و
كهلا بعد ما تقدم من المفرد و كذلك قوله و من المقربين و هو هنا يجري مجرى الجملة (
و الآخر ) أن يكون منقطعا عن الأول مستأنفا به كأنه قيل و لست تسأل عن أصحاب الجحيم
و أما قراءة نافع و لا تسئل بالجزم ففيه قولان ( أحدهما ) أن يكون على النهي عن
المسألة ( و الآخر ) أن يكون النهي لفظا و المعنى على تفخيم ما أعد لهم من العقاب
كقول القائل لا تسأل عن حال فلان أي قد صار إلى أكثر مما تريده و سألت يتعدى إلى
مفعولين مثل أعطيت قال الشاعر : سألتاني الطلاق إذ رأتاني قل ما لي قد
جئتماني بنكر و يجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد ثم يكون على ضربين ( أحدهما ) أن
يتعدى بغير حرف كقوله و اسألوا ما أنفقتم فاسألوا أهل الذكر ( و الآخر ) أن يتعدى
بحرف كقوله تعالى سأل سائل بعذاب واقع و قولهم سألت عن زيد و إذا تعدى إلى مفعولين
كان على ثلاثة أضرب ( أحدها ) أن يكون بمنزلة أعطيت كقوله سألت عمرا بعد بكر حقا
فمعنى هذا استعطيته أي سألته أن يفعل ذلك ( و الآخر ) أن يكون بمنزلة اخترت الرجال
زيدا و ذلك قوله تعالى و لا يسئل حميم حميما أي لا يسأل حميم عن حميمه
مجمع
البيان ج : 1 ص : 372
( و الثالث ) أن يتعدى إلى مفعولين فيقع موقع المفعول
الثاني منهما استفهام و ذلك كقوله تعالى سل بني إسرائيل كم آتيناهم و سئل من أرسلنا
من قبلك من رسلنا أ جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون .
اللغة
الجحيم
النار بعينها إذا شب وقودها و صار كالعلم على جهنم كقول أمية بن أبي الصلت :
إذا شبت جهنم ثم زادت و أعرض عن قوابسها الجحيم و جحمت النار تجحم جحما إذا
اضطرمت و الجحمة العين بلغة حمير قال : أيا جحمتي بكي على أم واهب قتيلة
قلوب بإحدى المذانب و جحمتا الأسد عيناه و جاحم الحرب شدة القتل في معركتها قال سعد
بن مالك بن ضبيعة : و الحرب لا يبقى لجاحمها التخيل و المراح إلا الفتى
الصبار في النجدات و الفرس الوقاح .
المعنى
بين الله سبحانه في هذه
الآية تأييده نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحجج و بعثه الحق فقال « إنا
أرسلناك » يا محمد « بالحق » قيل بالقرآن عن ابن عباس و قيل بالإسلام عن الأصم و
قيل على الحق أي بعثناك على الحق كقوله سبحانه خلق الله السموات و الأرض بالحق أي
على أنهما حق لا باطل و قوله « بشيرا و نذيرا » أي بشيرا من اتبعك بالثواب و نذيرا
من خالفك بالعقاب و قوله « و لا تسئل عن أصحاب الجحيم » أي لا تسأل عن أحوالهم و
فيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ قيل له إنما أنت بشير و نذير و لست
تسأل عن أهل الجحيم و ليس عليك إجبارهم على القبول منك و مثله قوله فلا تذهب نفسك
عليهم حسرات و قوله ليس عليك هداهم و قيل معناه لا تؤاخذ بذنبهم كقوله سبحانه عليه
ما حمل و عليكم ما أي فعليه الإبلاغ و عليكم القبول .
مجمع البيان ج : 1 ص
: 373
وَ لَن تَرْضى عَنك الْيهُودُ وَ لا النَّصرَى حَتى تَتَّبِعَ مِلَّتهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُْدَى وَ لَئنِ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ
الَّذِى جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ مَا لَك مِنَ اللَّهِ مِن وَلىّ وَ لا نَصِير(120)
اللغة
الرضا و المودة و المحبة نظائر و ضد الرضا الغضب و الرضا أيضا بمعنى
المرضي و هو من بنات الواو و بدلالة قولهم الرضوان و تقول رجل رضا و رجال و نساء
رضا و الملة و النحلة و الديانة نظائر و ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
الأمر الذي أوضحه و امتل الرجل إذا أخذ في ملة الإسلام أي قصد ما أمل منه و الإملال
إملاء الكتاب ليكتب .
الإعراب
تتبع نصب بحتى قال سيبويه و الخليل إن
الناصب للفعل بعد حتى أن إلا أنها لا تظهر بعد حتى و يدل على أن حتى لا تنصب بنفسها
إنها تجر الاسم في نحو قوله حتى مطلع الفجر و لا يعرف في العربية حرف يعمل في اسم
يعمل في فعل و لا حرف جار يكون ناصبا للفعل فصار مثل اللام في قولك ما كان زيد
ليضربك في أنها جارة و الناصب ليضربك أن المضمرة و لا يجوز إظهارها مع هذه اللام
أيضا هو ضمير مرفوع بالابتداء أو فصل و الهدى خبر المبتدأ أو خبر إن و قوله « من
العلم » يتعلق بمحذوف في موضع الحال و ذو الحال الموصوف المحذوف الذي قوله « الذي
جاءك » صفته و كذلك قوله « من الله » في موضع الحال و « من ولي » في موضع رفع
بالابتداء و من مزيدة و قوله « ما لك من الله من ولي و لا نصير » في موضع الجزاء
للشرط و لكن الجزاء إذا قدر فيه القسم لا يجزم فلا يكون في موضع جزم و لا بد أن
يكون فيه أحد الحروف الدالة على القسم فحرف ما هاهنا تدل على القسم فلهذا لم يجزم .
المعنى
كانت اليهود و النصارى يسألون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
الهدنة و يرونه أنه إن هادنهم و أمهلهم اتبعوه ف آيسه الله تعالى من موافقتهم فقال
« و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم » و قيل أيضا أن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) كان مجتهدا في طلب ما يرضيهم ليدخلوا في الإسلام فقيل له دع ما
يرضيهم إلى ما أمرك الله به من مجاهدتهم و هذا يدل على أنه لا يصح إرضاء اليهود و
النصارى على حال لأنه تعالى علق رضاءهم بأن يصير (عليه السلام) يهوديا أو نصرانيا و
إذا استحال ذلك استحال إرضاؤهم يعني أنه لا يرضي كل فرقة منهم إلا أن يتبع ملتهم أي
دينهم و قيل قبلتهم « قل إن هدى الله هو الهدى » أي قل يا محمد لهم أن دين الله
الذي يرضاه هو الهدى أي الدين الذي أنت عليه عن ابن عباس و قيل معناه أن هدى الله
يعني القرآن هو الذي يهدي إلى الجنة لا طريقة اليهود و النصارى
مجمع البيان ج :
1 ص : 374
و قيل معناه أن دلالة الله هي الدلالة و هدى الله هو الحق كما يقال
طريقة فلان هي الطريقة و قوله « و لئن اتبعت أهواءهم » أي مراداتهم و قال ابن عباس
معناه أن صليت إلى قبلتهم « بعد الذي جاءك من العلم » أي من البيان من الله تعالى و
قيل من الدين « ما لك » يا محمد « من الله من ولي » يحفظك من عقابه « و لا نصير »
أي معين و ظهير يعينك عليه و يدفع بنصره عقابه عنك و هذه الآية تدل على أن من علم
الله تعالى منه أنه لا يعصي يصح وعيده لأنه علم أن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)
لا يتبع أهواءهم فجرى مجرى قوله لئن أشركت ليحبطن عملك و المقصود منه التنبيه على
أن حال أمته فيه أغلظ من حاله لأن منزلتهم دون منزلته و قيل الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد أمته . الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب يَتْلُونَهُ
حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئك هُمُ
الخَْسِرُونَ(121) الأعراب
« الذين آتيناهم » رفع بالابتداء و يتلونه في
موضع خبره و أولئك ابتداء ثان و يؤمنون به خبره و إن شئت كان أولئك يؤمنون به في
موضع خبر المبتدأ الذي هو الذين و يتلونه في موضع نصب على الحال و إن شئت كان خبر
الابتداء يتلونه و أولئك جميعا فيكون للابتداء خبر إن كما تقول هذا حلو حامض و حق
تلاوته منصوب على المصدر .
النزول
قيل نزلت في أهل السفينة الذين قدموا
مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة و كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و
ثمانية من رهبان الشام منهم بحيراء عن ابن عباس و قيل هم من آمن من اليهود كعبد
الله بن سلام و شعبة بن عمرو و تمام بن يهودا و أسد و أسيد ابني كعب و ابن يامين و
ابن صوريا عن الضحاك و قيل هم أصحاب محمد عن قتادة و عكرمة فعلى القولين الأولين
يكون المراد بالكتاب التوراة و على القول الأخير المراد به القرآن .
المعنى
« الذين آتيناهم » أي أعطيناهم « الكتاب يتلونه حق تلاوته » اختلف في معناه على
وجوه ( أحدها ) أنه يتبعونه يعني التوراة حق اتباعه و لا يحرفونه ثم يعلمون بحلاله
و يقفون عند حرامه و منه قوله و القمر إذا تلاها أي تبعها و به قال ابن مسعود و
مجاهد و قتادة إلا أن المراد به القرآن عندهم و ( ثانيها ) أن المراد به يصفونه حق
صفته
مجمع البيان ج : 1 ص : 375
في كتبهم لمن يسألهم من الناس عن الكلبي و
على هذا تكون الهاء راجعة إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ( ثالثها ) ما روي
عن أبي عبد الله أن « حق تلاوته » هو الوقوف عند ذكر الجنة و النار يسأل في الأولى
و يستعيذ من الأخرى . و ( رابعها ) أن المراد يقرءونه حق قراءته يرتلون ألفاظه
و يفهمون معانيه و ( خامسها ) أن المراد يعملون حق العمل به فيعملون بمحكمه و
يؤمنون بمتشابهه و يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه عن الحسن و قوله « أولئك يؤمنون
به » أي بالكتاب عن أكثر المفسرين و قيل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الكلبي
« و من يكفر به » و هم اليهود و قيل هم جميع الكفار و هو الأولى لعمومه « فأولئك هم
الخاسرون » خسروا أنفسهم و أعمالهم و قيل خسروا في الدنيا الظفر و النصرة في الآخرة
ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الجنة . يَبَنى إِسرءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتىَ
الَّتى أَنْعَمْت عَلَيْكمْ وَ أَنى فَضلْتُكمْ عَلى الْعَلَمِينَ(122) المعنى
هذه الآية قد تقدم ذكر مثلها في رأس نيف و أربعين آية و مضى تفسيرها و قيل في
سبب تكريرها ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن نعم الله سبحانه لما كانت أصول كل نعمة كرر
التذكير بها مبالغة في استدعائهم إلى ما يلزمهم من شكرها ليقبلوا إلى طاعة ربهم
المظاهر نعمه عليهم و ( ثانيها ) أنه سبحانه لما ذكر التوراة و فيها الدلالة على
شأن عيسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في النبوة و البشارة بهما ذكرهم نعمته
عليهم بذلك و ما فضلهم به كما عدد النعم في سورة الرحمن و كرر قوله فبأي آلاء ربكما
تكذبان فكل تقريع جاء بعد تقريع فإنما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى و ثالثة غير
الثانية إلى آخر السورة و كذلك الوعيد في سورة المرسلات بقوله ويل يومئذ للمكذبين
إنما هو بعد الدلالة على أعمال تعظم التكذيب بما تدعو إليه الأدلة . وَ
اتَّقُوا يَوْماً لا تجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْس شيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنهَا عَدْلٌ
وَ لا تَنفَعُهَا شفَعَةٌ وَ لا هُمْ يُنصرُونَ(123)
|