قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 3 ص : 131
قال المسلم السلام عليكم فقل و عليكم السلام و
رحمة الله و إذا قال السلام عليكم و رحمة الله فقل و عليكم السلام و رحمة الله و
بركاته فقد حييته بأحسن منها و هذا منتهى السلام و قيل إن قوله « أو ردوها »
للمسلمين خاصة أيضا عن السدي و عطا و إبراهيم و ابن جريج قالوا إذا سلم عليك المسلم
فرد عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال و هذا أقوى لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا و عليكم و ذكر علي بن
إبراهيم في تفسيره عن الصادقين (عليهماالسلام) أن المراد بالتحية في الآية السلام و
غيره من البر و ذكر الحسن أن رجلا دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال
السلام عليك فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عليك السلام و رحمة الله فجاءه
آخر فقال السلام عليك و رحمة الله و بركاته فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
عليك السلام و رحمة الله و بركاته فقيل يا رسول الله زدت للأول و الثاني في التحية
و لم تزد في الثالث فقال إنه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله و روى
الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات و من قال السلام عليكم و رحمة
الله كتب له عشرون حسنة و من قال السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كتب له ثلاثون
حسنة « إن الله كان على كل شيء حسيبا » أي حفيظا عن مجاهد و قيل كافيا و قيل مجازيا
عن ابن عباس و في هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب
و قال الحسن و جماعة من المفسرين إن السلام تطوع و الرد فرض ثم الرد ربما كان من
فروض الكفاية و قد يتعين بأن يخصه بالسلام و لا أحد عنده فيتعين عليه الرد .
النظم
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها إن المراد بالسلام المسالمة التي
هي ضد الحرب فلما أمر سبحانه بقتال المشركين عقبه بأن قال من مال إلى السلم و أعطى
ذاك من نفسه و حيى المؤمنين بتحية فاقبلوا منه . اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ لا رَيْب فِيهِ وَ مَنْ أَصدَقُ مِنَ
اللَّهِ حَدِيثاً(87)
الإعراب
اللام في « ليجمعنكم » لام القسم و حديثا نصب
على التمييز كما تقل من
مجمع البيان ج : 3 ص : 132
أحسن من زيد فهما فهو
استفهام في اللفظ و تقرير في المعنى .
المعنى
« الله لا إله إلا هو »
قد مر تفسيره « ليجمعنكم إلى يوم القيامة » أي ليبعثنكم من بعد مماتكم و يحشرنكم
جميعا إلى موقف الحساب الذي يقضى فيه بين أهل الطاعة و المعصية و قال الزجاج معناه
ليجمعنكم في الموت و في قبوركم « لا ريب فيه » أي لا شك في هذا القول و إنما سمي
يوم القيامة لأن الناس يقومون فيه من قبورهم و في التنزيل يوم يقوم الناس لرب
العالمين « و من أصدق من الله حديثا » أي موعدا لا خلف لوعده و قيل معناه لا أحد
أصدق من الله في الخبر الذي يخبر به .
النظم
لما أمر تعالى و نهى فيما
قبل بين بعده أنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه أي فاعملوا على حسب ما أوجبه
عليكم فإنه يجازيكم به ثم بين وقت الجزاء و قيل إنما اتصل بقوله « حسيبا » أي إنما
الحسيب هو الله . * فَمَا لَكمْ فى المُْنَفِقِينَ فِئَتَينِ وَ اللَّهُ
أَرْكَسهُم بِمَا كَسبُوا أَ تُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضلَّ اللَّهُ وَ مَن
يُضلِلِ اللَّهُ فَلَن تجِدَ لَهُ سبِيلاً(88)
اللغة
الإركاس الرد و منه
قول أمية بن أبي الصلت : فاركسوا في حميم النار إنهم كانوا عصاة و قالوا
الإفك و الزورا قال الفراء يقال أركسهم و ركسهم و قد ذكر أن عبد الله و أبي بن كعب
قرءا ركسهم بغير ألف .
الإعراب
فئتين نصب على الحال كما تقول ما لك
قائما و العامل في الحال معنى الفعل الذي في الظرف أعني قوله لك .
النزول
اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فيه فقيل نزلت في قوم قدموا المدينة من مكة
فأظهروا للمسلمين الإسلام ثم رجعوا إلى مكة لأنهم استوخموا المدينة فأظهروا الشرك
ثم سافروا ببضائع المشركين إلى اليمامة فأراد المسلمون أن يغزوهم فاختلفوا فقال
بعضهم لا نفعل فإنهم مؤمنون و قال آخرون أنهم مشركون فأنزل الله فيهم الآية عن
مجاهد و الحسن و هو
مجمع البيان ج : 3 ص : 133
المروي عن أبي جعفر (عليه
السلام) و قيل نزلت في الذين تخلفوا عن أحد و قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم الآية
فاختلف أصحاب رسول الله فقال فريق منهم نقتلهم و قال آخرون لا نقتلهم فنزلت الآية
عن زيد بن ثابت .
المعنى
ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال تعالى «
فما لكم » أيها المؤمنين صرتم « في » أمر هؤلاء « المنافقين فئتين » أي فرقتين
مختلفتين فمنكم من يكفرهم و منكم من لا يكفرهم « و الله أركسهم بما كسبوا » أي ردهم
إلى حكم الكفار بما أظهروا من الكفر عن ابن عباس و قيل معناه أهلكهم بكفرهم عن
قتادة و قيل خذلهم فأقاموا على كفرهم و ترددوا فيه فأخبر عن خذلانه إياهم بأنه
أركسهم عن أبي مسلم « أ تريدون أن تهدوا » أي تحكموا بهداية « من أضل الله » أي حكم
الله بضلاله و سماه ضالا و قيل معنى أضله الله خذله و لم يوفقه كما وفق المؤمنين
لأنهم لما عصوا و خالفوا استحقوا هذا الخذلان عقوبة لهم على معصيتهم أي أ تريدون
الدفاع عن قتالهم مع أن الله حكم بضلالهم و خذلهم و وكلهم إلى أنفسهم و قال أبو علي
الجبائي معناه أ تريدون أن تهدوا إلي طريق الجنة من أضله تعالى عن طريق الجنة و
الثواب و طعن على القول الأول بأنه لو أراد التسمية و الحكم لقال من ضلل الله و هذا
لا يصح لأن العرب تقول أكفرته و كفرته قال الكميت : و طائفة قد أكفروني بحبكم
و طائفة قالوا مسيء و مذنب و أيضا فإنه تعالى إنما وصف المؤمنين بهدايتهم بأن
سماهم مهتدين لأنهم كانوا يقولون أنهم مؤمنون فقال تعالى ( لا تختلفوا فيهم و قولوا
بأجمعكم أنهم منافقون ) « و من يضلل الله فلن تجد له سبيلا » معناه و من نسبه الله
إلى الضلالة فلن ينفعه أن يحكم غيره بهدايته كما يقال من جرحه الحاكم فلا ينفعه
تعديل غيره و قيل معناه من يجعله الله في حكمه ضالا فلن تجد له في ضلالته حجة عن
جعفر بن حرث قال و يدل على أنهم هم الذين اكتسبوا ما صاروا إليه من الكفر دون أن
يكون الله تعالى اضطرهم إليه قوله على أثر ذلك « ودوا لو تكفرون كما كفروا » فأضاف
الكفر إليهم .
مجمع البيان ج : 3 ص : 134
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتى
يهَاجِرُوا فى سبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْث
وَجَدتُّمُوهُمْ وَ لا تَتَّخِذُوا مِنهُمْ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً(89)
المعنى
ثم بين تعالى أحوال هؤلاء المنافقين فقال « ودوا » أي ود هؤلاء المنافقون الذين
اختلفتم في أمرهم يعني تمنوا « لو تكفرون » أنتم بالله و رسوله « كما كفروا » هم «
فتكونون سواء » أي فتستوون أنتم و هم و تكونون مثلهم كفارا ثم نهى تعالى المؤمنين
أن يوادوهم فقال « فلا تتخذوا منهم أولياء » أي فلا تستنصروهم و لا تستنصحوهم و لا
تستعينوا بهم في الأمور « حتى يهاجروا » أي حتى يخرجوا من دار الشرك و يفارقوا
أهلها المشركين بالله « في سبيل الله » أي في ابتغاء دينه و هو سبيله فيصيروا عند
ذلك مثلكم ، لهم ما لكم و عليهم ما عليكم و هذا قول ابن عباس و إنما سمي الدين
سبيلا و طريقا لأن من يسلكه أداه إلى النعمة و ساقه إلى الجنة « فإن تولوا » أي
أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله عن ابن عباس « فخذوهم » أيها المؤمنون « و اقتلوهم
حيث وجدتموهم » أي أين أصبتموهم من أرض الله من الحل و الحرم « و لا تتخذوا منهم
وليا » أي خليلا « و لا نصيرا » أي ناصرا ينصركم على أعدائكم . إِلا الَّذِينَ
يَصِلُونَ إِلى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنهُم مِّيثَقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصرَت
صدُورُهُمْ أَن يُقَتِلُوكُمْ أَوْ يُقَتِلُوا قَوْمَهُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ
لَسلَّطهُمْ عَلَيْكمْ فَلَقَتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَتِلُوكُمْ
وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكمْ عَلَيهِمْ سبِيلاً(90)
اللغة
الحصر الضيق و كل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام يقال قد حصر و
منه الحصر في القراءة و الحصر اعتقال البطن و الاعتزال أن ينتحي الرجل عن الشيء
يقال اعتزلت البيت و تعزلته قال الأحوص : يا بيت عاتكة الذي أتعزل حذر
العدى و به الفؤاد موكل
مجمع البيان ج : 3 ص : 135
و سميت المعتزلة معتزلة
لاعتزالهم مجلس الحسن البصري بعد أن كانوا من أهله و ذلك أن واصل بن عطاء لما أظهر
القول بالمنزلة بين المنزلتين و تابعه عمرو بن عبيد على التدين به و وافقهم جماعة
على هذا المذهب ف آل الأمر بهم إلى الاعتزال للحسن البصري و أصحابه فسماهم الناس
معتزلة و جرى عليهم ذلك الاسم .
الإعراب
« حصرت صدورهم » في موضع نصب
على الحال و قد مضمرة معه لأن الفعل الماضي لا يكون حالا حتى يكون معه قد إما مضمرة
أو مظهرة فإن قد تقرب الماضي من الحال فتقديره جاءوكم قد حصرت صدورهم كما قالوا جاء
فلان ذهب عقله أي قد ذهب عقله و يجوز أن يكون « حصرت صدورهم » منصوب الموضع بأنه
صفة لموصوف هو حال على تقدير جاءوكم قوم حصرت صدورهم فحذف الموصوف المنصوب على
الحال و أقيم صفته مقامه و إنما جاز أن يكون هذا حالا لأنه بمنزلة قولك أو جاءوكم
موصوفين بحصر الصدور أو معروفين بذلك .
المعنى
لما أمر تعالى المؤمنين
بقتال الذين لا يهاجرون عن بلاد الشرك و إن لم يوالوهم استثنى من جملتهم فقال « إلا
الذين يصلون إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق » معناه إلا من وصل من هؤلاء إلى قوم
بينكم و بينهم موادعة و عهد فدخلوا فيهم بالحلف أو الجوار فحكمهم حكم أولئك في حقن
دمائهم و اختلف في هؤلاء فالمروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال المراد بقوله
تعالى « قوم بينكم و بينهم ميثاق » هو هلال بن عويمر السلمي واثق عن قومه رسول الله
فقال في موادعته على أن لا تحيف يا محمد من أتانا و لا نحيف من أتاك فنهى الله أن
يتعرض لأحد عهد إليهم و به قال السدي و ابن زيد و قيل هم بنو مدلج و كان سراقة بن
مالك بن جعشم المدلجي جاء إلى النبي بعد أحد فقال أنشدك الله و النعمة و أخذ منه
ميثاقا أن لا يغزو قومه فإن أسلم قريش أسلموا لأنهم كانوا في عقد قريش فحكم الله
فيهم ما حكم في قريش ففيهم نزل هذا ذكره عمر بن شيبة ثم استثنى لهم حالة أخرى فقال
« أو جاءوكم حصرت صدورهم » أي ضاقت قلوبهم من « أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم »
يعني من قتالكم و قتال قومهم فلا عليكم و لا عليهم و إنما عنى به أشجع فإنهم قدموا
المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخبلة فأخرج إليهم النبي أحمال التمر ضيافة و
قال نعم الشيء الهدية أمام الحاجة و قال لهم ما جاء بكم قالوا لقرب دارنا منك و
كرهنا حربك و حرب قومنا يعنون بني مضمرة الذين بينهم و بينهم عهد لقلتنا فيهم فجئنا
لنوادعك فقبل النبي ذلك منهم و وادعهم فرجعوا إلى بلادهم ذكره علي بن إبراهيم في
تفسيره فأمر الله تعالى المسلمين أن لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 136
يتعرضوا
لهؤلاء « و لو شاء الله لسلطهم عليكم » بتقوية قلوبهم فيجترءون على قتالكم و قيل
هذا إخبار عما في المقدور و ليس فيه أنه يفعل ذلك بأن يأمرهم به أو يأذن لهم فيه و
معناه أنه يقدر على ذلك لو شاء لكنه لا يشاء ذلك بل يلقي في قلوبهم الرعب حتى
يفزعوا أو يطلبوا الموادعة و يدخل بعضهم في حلف من بينكم و بينهم ميثاق « فلقاتلوكم
» أي لو فعل ذلك لقاتلوكم « فإن اعتزلوكم » يعني هؤلاء الذين أمر بالكف عن قتالهم
بدخولهم في عهدكم أو بمصيرهم إليكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم « فلم يقاتلوكم و ألقوا
إليكم السلم » يعني صالحوكم و استسلموا لكم كما يقول القائل ألقيت إليك قيادي و
ألقيت إليك زمامي إذا استسلم له و انقاد لأمره و السلم الصلح « فما جعل الله لكم
عليهم سبيلا » يعني إذا سالموكم فلا سبيل لكم إلى نفوسهم و أموالهم قال الحسن و
عكرمة نسخت هذه الآية و التي بعدها و الآيتان في سورة الممتحنة لا ينهيكم الله عن
الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى قوله « الظالمون » الآيات الأربع بقوله « فإذا
انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » الآية . ستَجِدُونَ
ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كلَّ مَا
رُدُّوا إِلى الْفِتْنَةِ أُرْكِسوا فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتزِلُوكمْ وَ يُلْقُوا
إِلَيْكمُ السلَمَ وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْث
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أُولَئكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيهِمْ سلْطناً مُّبِيناً(91)
النزول
اختلف في من عني بهذه الآية فقيل نزلت في أناس كانوا يأتون النبي
فيسلمون رئاء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا قومهم
و يأمنوا نبي الله فأبى الله ذلك عليهم عن ابن عباس و مجاهد و قيل نزلت في نعيم بن
مسعود الأشجعي كان ينقل الحديث بين النبي و بين المشركين عن السدي و قيل نزلت في
أسد و غطفان عن مقاتل و قيل نزلت في عيينة بن حصين الفزاري و ذلك أنه أجدبت بلادهم
فجاء إلى رسول الله و وادعه على أن يقيم ببطن نخل و لا
مجمع البيان ج : 3 ص :
137
يتعرض له و كان منافقا ملعونا و هو الذي سماه رسول الله الأحمق المطاع في
قومه و هو المروي عن الصادق .
المعنى
ثم بين تعالى طائفة أخرى منهم
فقال « ستجدون آخرين » يعني قوما آخرين غير الذين وصفتهم قبل « يريدون أن يأمنوكم »
فيظهرون الإسلام « و يأمنوا قومهم » فيظهرون لهم الموافقة في دينهم « كلما ردوا إلى
الفتنة أركسوا فيها » المراد بالفتنة هنا الشرك أي كلما دعوا إلى الكفر أجابوا و
رجعوا إليه و الفتنة في اللغة الاختبار و الإركاس الرد قال الزجاج أركسوا فيها
انتكسوا في عقدهم فالمعنى كلما ردوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر رجعوا إليه «
فإن لم يعتزلوكم » أيها المؤمنون أي فإن لم يعتزل قتالكم هؤلاء الذين يريدون أن
يأمنوكم و يأمنوا قومهم « و يلقوا إليكم السلم » يعني و لم يستسلموا لكم فيعطوكم
المقادة و يصالحوكم « و » لم « يكفوا أيديهم » عن قتالكم « فخذوهم » أي فأسروهم « و
اقتلوهم حيث ثقفتموهم » أي وجدتموهم و أصبتموهم « و أولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا
مبينا » أي حجة ظاهرة و قيل عذرا بينا في القتال و سميت الحجة سلطانا لأنه يتسلط
بها على الخصم كما يتسلط بالسلطان . وَ مَا كانَ لِمُؤْمِن أَن يَقْتُلَ
مُؤْمِناً إِلا خَطئاً وَ مَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة
مُّؤْمِنَة وَ دِيَةٌ مُّسلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلا أَن يَصدَّقُوا فَإِن كانَ
مِن قَوْم عَدُوّ لَّكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُّؤْمِنَة وَ إِن
كانَ مِن قَوْمِ بَيْنَكمْ وَ بَيْنَهُم مِّيثَقٌ فَدِيَةٌ مُّسلَّمَةٌ إِلى
أَهْلِهِ وَ تحْرِيرُ رَقَبَة مُّؤْمِنَة فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَينِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكيماً(92)
اللغة
الخطأ خلاف الصواب و الفعل منه خطأ و أخطأ في الأمر أي لم يصب الصواب
و الخطأ و الخطاء بالفتح فيهما و الخطا و الخطاة بالتسكين فيهما و الخاطئة الذنب
مجمع البيان ج : 3 ص : 138
و الفعل منه خطأ يخطأ إذا أذنب و التحرير تفعيل
من الحرية و هو إخراج العبد من الرق إلى الحرية .
الإعراب
أجمع
المحققون من النحويين على أن قوله « إلا خطأ » استثناء منقطع من الأول على معنى ما
كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة إلا أن يخطأ المؤمن و مثله قول الشاعر : من
البيض لم تظعن بعيدا و لم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرجل و المعنى و لم تطأ
على الأرض إلا أن تطأ ريط البرد إذ ليس ريط البرد من الأرض و قد مر ذكر ما قيل في
مثله في سورة البقرة عند قوله « إلا الذين ظلموا منهم » و قال بعضهم إن الاستثناء
متصل و المعنى لم يكن لمؤمن أن يقتل مؤمنا متعمدا و متى قتله متعمدا لم يكن مؤمنا
فإن ذلك يخرجه من الإيمان ثم قال « إلا خطأ » أي فإن قتله له خطأ لا يخرجه من
الإيمان « فتحرير رقبة » مبتدأ محذوف الخبر لدلالة الكلام عليه و موضع أن في قوله «
إلا أن يصدقوا » نصب لأن المعنى فعليه ذلك إلا أن يصدقوا أي إلا على أن يصدقوا ثم
تسقط على و يعمل فيه ما قبله على معنى الحال فهو مصدر وقع موقع الحال و أصل يصدقوا
يتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد لقرب مخرجهما و قيل إن في قراءة أبي إلا أن يتصدقوا
توبة من الله كقولهم فعلت ذلك حذر الشر عن الزجاج فيكون مفعولا له و قيل أنه بمعنى
تاب الله بذلك عليكم توبة فيكون مصدرا مثل كتاب الله عليكم و قد مر ذكره .
النزول
نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي أخي أبي جهل لأمه لأنه كان
أسلم و قتل بعد إسلامه رجلا مسلما و هو لا يعلم إسلامه و المقتول الحارث بن يزيد بن
أنسة العامري عن مجاهد و عكرمة و السدي قال قتله بالحرة بعد الهجرة و كان من أحد من
رده عن الهجرة و كان يعذب عياشا مع أبي جهل و هو المروي عن أبي جعفر و قيل نزلت في
رجل قتله أبو الدرداء كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة فوجد رجلا من
القوم في غنم له فحمل عليه بالسيف فقال لا إله إلا الله فبدر فضربه ثم جاء بغنمه
إلى القوم ثم وجد في نفسه شيئا فأتى رسول الله فذكر ذلك له فقال رسول الله أ لا
شققت عن قلبه و قد أخبرك بلسانه فلم تصدقه قال كيف بي يا رسول الله فقال فكيف بلا
إله إلا الله قال أبو الدرداء فتمنيت
مجمع البيان ج : 3 ص : 139
إن ذلك
اليوم مبتدأ إيماني فنزلت الآية عن ابن زيد .
المعنى
« و ما كان لمؤمن
أن يقتل مؤمنا إلا خطأ » معناه ما أذن الله و لا أباح لمؤمن فيما عهد إليه أن يقتل
مؤمنا إلا أن يقتله خطأ عن قتادة و غيره و قيل معناه ما كان له كما ليس له الآن قتل
مؤمن إلا أن يقع القتل خطأ و قيل تقديره و ما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ كقوله «
ما كان لله أن يتخذ من ولد » معناه ما كان الله ليتخذ ولدا و قوله « ما كان لكم أن
تنبتوا شجرها » أي ما كنتم لتنبتوا شجرها و إنما قلنا إن معناه ما ذكرنا لأن الله
لا يلحقه الأمر و النهي و إنبات الشجر لا يدخل تحت قدرة العبد فلا يصح النهي عنه
فمعنى الآية على ما وصفناه ليس من صفة المؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ و على هذا يكون
الاستثناء متصلا و من قال إن الاستثناء منقطع قال قد تم الكلام عند قوله « أن يقتل
مؤمنا » ثم قال فإن كان القتل خطأ فحكمه كذا و إنما لم يحمل قوله « إلا خطأ » على
حقيقة الاستثناء لأن ذلك يؤدي إلى الأمر بقتل الخطإ أو إباحته و لا يجوز واحد منهما
و الخطأ هو أن يريد شيئا فيصيب غيره مثل أن يرمي إلى غرض أو إلى صيد فيصيب إنسانا
فيقتله و كذلك لو قتل رجلا ظنه كافرا كما ظن عياش بن أبي ربيعة و أبو الدرداء على
ما قلناه قبل « و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة » أي فعليه إعتاق رقبة مؤمنة
في ماله خاصة على وجه الكفارة حقا لله و الرقبة المؤمنة هي البالغة التي آمنت و صلت
و صامت فلا يجزي في كفارة القتل الطفل و لا الكافر عن ابن عباس و الشعبي و إبراهيم
و الحسن و قتادة و قيل تجزي كل رقبة ولدت على الإسلام عن عطا و الأول أقوى لأن لفظ
المؤمن لا يطلق إلا على البالغ الملتزم للفرائض إلا أن من ولد بين مؤمنين فلا خلاف
أنه يحكم له بالإيمان « و دية » أي و عليه و على عاقلته دية « مسلمة إلى أهله » أي
إلى أهل القتيل و المسلمة هي المدفوعة إليهم موفرة غير منقصة حقوق أهلها منها تدفع
إلى أهل القتيل و المسلمة هي المدفوعة إليهم فتقسم بينهم على حسب حساب الميراث «
إلا أن يصدقوا » يعني إلا أن يتصدق أولياء القتيل بالدية على عاقلة القاتل و
يتركوها عليهم « فإن كان من قوم عدو لكم و هو مؤمن » معناه فإن كان القتيل من جملة
قوم هم أعداء لكم يناصبونكم الحرب و هو في نفسه مؤمن و لم يعلم قاتله أنه مؤمن
فقتله و هو يظنه مشركا « فتحرير رقبة » أي فعلى قاتله تحرير رقبة « مؤمنة » كفارة و
ليس فيه دية عن ابن عباس و قيل إن معناه إذا كان القتيل في عداد قوم أعداء و هو
مؤمن بين أظهرهم و لم يهاجر فمن قتله فلا دية له و عليه تحرير رقبة مؤمنة فقط لأن
الدية ميراث و أهله كفار لا يرثونه عن ابن
مجمع البيان ج : 3 ص : 140
عباس
في رواية أخرى و إبراهيم و السدي و قتادة و ابن زيد « و إن كان من قوم بينكم و
بينهم ميثاق » أي عهد و ذمة و ليسوا أهل حرب لكم « فدية مسلمة إلى أهله » تلزم
عاقلة قاتله « و تحرير رقبة مؤمنة » أي يلزم قاتله كفارة لقتله و هو المروي عن
الصادق (عليه السلام) و اختلف في صفة هذا القتيل أ هو مؤمن أم كافر فقيل إنه كافر
إلا أنه يلزم قاتله ديته بسبب العهد عن ابن عباس و الزهري و الشعبي و إبراهيم
النخعي و قتادة و ابن زيد و قيل بل هو مؤمن يلزم قاتله الدية يؤديها إلى قومه
المشركين لأنهم أهل ذمة عن الحسن و إبراهيم و رواه أصحابنا أيضا إلا أنهم قالوا
تعطى ديته ورثته المسلمين دون الكفار و لفظ الميثاق يقع على الذمة و العهد جميعا «
فمن لم يجد » أي لم يقدر على عتق الرقبة بأن لا يجد العبد و لا ثمنه « فصيام شهرين
» أي فعليه صيام شهرين « متتابعين توبة من الله » أي ليتوب الله به عليكم فتكون
التوبة من فعل الله و قيل إن المراد بالتوبة هنا التخفيف من الله لأن الله إنما جوز
للقاتل العدول إلى الصيام تخفيفا عليه و يكون كقوله تعالى « علم إن لن تحصوه فتاب
عليكم » « و كان الله عليما » أي لم يزل عليما بكل شيء « حكيما » فيما يأمر به و
ينهى عنه و أما الدية الواجبة في قتل الخطإ فمائة من الإبل إن كانت العاقلة من أهل
الإبل بلا خلاف و إن اختلفوا في أسنانها فقيل هي أرباع عشرون بنت مخاض و عشرون ابن
لبون ذكر و ثلاثون بنت لبون و ثلاثون حقة و روي ذلك عن عثمان و زيد بن ثابت و رواه
أصحابنا أيضا و قد روي أيضا في أخبارنا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت
لبون و خمس و عشرون حقة و خمس و عشرون جذعة و به قال الحسن و الشعبي و قيل إنها
إخماس عشرون حقة و عشرون جذعة و عشرون بنت لبون و عشرون ابن لبون و عشرون بنت مخاض
و هذا قول ابن مسعود و ابن عباس و الزهري و الثوري و إليه ذهب الشافعي و قال أبو
حنيفة هي إخماس أيضا إلا أنه جعل مكان ابن لبون ابن مخاض و به قال النخعي و رووه
أيضا عن ابن مسعود قال الطبري هذه الروايات متكافئة و الأولى التخيير فأما الدية من
الذهب فألف دينار و من الورق عشرة آلاف درهم و هو الأصح و قيل اثنا عشر ألفا و دية
الخطإ تتأدى في ثلاث سنين و لو خلينا و ظاهر الآية لقلنا أن دية الخطإ على القاتل
لكن علمنا بسنة الرسول و الإجماع أن الدية في الخطإ على العاقلة و هم الأخوة و بنو
الأخوة و الأعمام و بنو الأعمام و أعمام الأب و أبناؤهم و الموالي و به قال الشافعي
و قال أبو حنيفة يدخل الوالد و الولد فيها و يعقل القاتل و قد روى ابن مسعود عن
النبي أنه قال لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه و لا الابن بجريرة أبيه و ليس إلزام الدية
للعاقلة على سبيل مؤاخذة البريء بالسقيم لأن ذلك ليس بعقوبة بل هو حكم شرعي تابع
مجمع البيان ج : 3 ص : 141
للمصلحة و قد قيل إن ذلك على سبيل المؤاساة و
المعاونة .
النظم
أنه تعالى ذكر الكفار و أمر بقتلهم ثم ذكر من كان
بينهم و بين المسلمين عهد و منع من قتلهم ثم ذكر من نافق و حكم قتلهم ثم ذكر قتل
المؤمن و وصل به ذكر أحكامه من دية و غيرها . وَ مَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِداً فِيهَا وَ غَضِب اللَّهُ عَلَيْهِ وَ
لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(93)
النزول
نزلت في مقيس بن
صبابة الكناني وجد أخاها هشاما قتيلا في بني النجار فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأرسل معه قيس بن هلال الفهري و قال له قل لبني النجار إن علمتم
قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتص منه و إن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته فبلغ
الفهري الرسالة فأعطوه الدية فلما انصرف و معه الفهري وسوس إليه الشيطان فقال ما
صنعت شيئا أخذت دية أخيك فيكون سبة عليك اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس و الدية فضل
فرماه بصخرة فقتله و ركب بعيرا و رجع إلى مكة كافرا و أنشد يقول : قتلت به فهرا
و حملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع فأدركت ثاري و اضطجعت موسدا و
كنت إلى الأوثان أول راجع فقال النبي لا أؤمنه في حل و لا حرم فقتل يوم الفتح رواه
الضحاك و جماعة من المفسرين .
المعنى
لما بين تعالى قتل الخطإ و حكمه
عقبه ببيان قتل العمد و حكمه فقال « و من يقتل مؤمنا متعمدا » أي قاصدا إلى قتله
عالما بإيمانه و حرمة قتله و عصمة دمه و قيل معناه مستحلا لقتله عن عكرمة و ابن
جريج و جماعة و قيل معنى التعمد أن يقتله على دينه رواه العياشي بإسناده عن الصادق
(عليه السلام) « فجزاؤه جهنم خالدا » مقيما « فيها و غضب الله عليه و لعنه » أبعده
من الخير و طرده عنه على وجه العقوبة « و أعد له عذابا عظيما » ظاهر
مجمع
البيان ج : 3 ص : 142
المعنى و صفة قتل العمد أن يقصد قتل غيره بما جرت العادة
بأن يقتل مثله سواء كان بحديدة حادة كالسلاح أو بخنق أو سم أو إحراق أو تغريق أو
موالاة ضرب بالعصا أو بالحجارة حتى يموت فإن جميع ذلك عمد يوجب القود و به قال
إبراهيم و الشافعي و أصحابه و قال قوم لا يكون قتل العمد إلا بالحديد و به قال سعيد
بن المسيب و طاووس و أبو حنيفة و أصحابه و أما القتل شبيه العمد فهو أن يضرب بعصا
أو غيرها مما لم تجر العادة بحصول الموت عنده فيموت ففيه الدية مغلظة تلزم القاتل
خاصة في ماله دون العاقلة و في هذه الآية وعيد شديد لمن قتل مؤمنا متعمدا حرم الله
به قتل المؤمن و غلظ فيه و قال جماعة من التابعين الآية اللينة و هي أن الله لا
يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء نزلت بعد الشديدة و هي « و من يقتل
مؤمنا متعمدا » و قال أبو مجلز في قوله « فجزاؤه جهنم خالدا فيها » فهي جزاؤه إن
جازاه و يروى هذا أيضا عن أبي صالح و رواه أيضا العياشي بإسناده عن أبي عبد الله
(عليه السلام) و قد روي أيضا مرفوعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال هو
جزاؤه إن جازاه و روى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله « فجزاؤه جهنم » قال
هي جزاؤه فإن شاء عذبه و إن شاء غفر له و روي عن أبي صالح و بكر بن عبد الله و غيره
أنه كما يقول الإنسان لمن يزجره عن أمره إن فعلته فجزاؤك القتل و الضرب ثم إن لم
يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا و اعترض على هذا أبو علي الجبائي فقال ما لا يفعل
لا يسمى جزاء أ لا ترى أن الأجير إذا استحق الأجرة فالدراهم التي مع مستأجرة لا
تسمى بأنها جزاء عمله و هذا لا يصح لأن الجزاء عبارة عن المستحق سواء فعل ذلك أو لم
يفعل و لهذا يقال جزاء المحسن الإحسان و جزاء المسيء الإساءة و إن لم يتعين المحسن
و المسيء حتى يقال أنه فعل ذلك به أو لم يفعل و يقال لمن قتل غيره جزاء هذا أن يقتل
و إنما لا يقال للدراهم أنها جزاء الأجير لأن الأجير إنما يستحق الأجرة في الذمة لا
في دراهم معينة فللمستأجر أن يعطيه منها و من غيرها و من تعلق بهذه الآية من أهل
الوعيد في أن مرتكب الكبيرة لا بد أن يخلد في النار فإنا نقول له ما أنكرت أن يكون
المراد به من لا ثواب له أصلا بأن يكون كافرا أو يكون قتله مستحلا لقتله أو قتله
لإيمانه فإنه لا خلاف أن هذه صفة من يخلد في النار و يعضده من الرواية ما تقدم ذكره
في سبب نزول الآية و أقوال الأئمة في معناها و بعد فقد وافقنا على أن الآية مخصوصة
بمن لا يتوب و إن التائب خارج من عمومها و أما ما روي عن ابن عباس أنه قال لا توبة
لقاتل المؤمن إلا إذا قتله في حال الشرك ثم أسلم و تاب و به قال ابن مسعود و زيد بن
ثابت فالأولى أن يكون هذا القول منهم محمولا على سلوك سبيل التغليظ في القتل كما
روي عن سفيان الثوري أنه سئل عن
مجمع البيان ج : 3 ص : 143
توبة القاتل
فقال أهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له و إذا ابتلي الرجل قالوا له تب و روى
الواحدي بإسناده مرفوعا إلى عطا عن ابن عباس أن رجلا سأله أ لقاتل المؤمن توبة فقال
لا و سأله آخر أ لقاتل المؤمن توبة فقال نعم فقيل له في ذلك فقال جاءني ذلك و لم
يكن قتل فقلت لا توبة لك لكي لا يقتل و جاءني هذا و قد قتل فقد قلت لك توبة لكي لا
يلقي نفسه بيده إلى التهلكة و من قال من أصحابنا أن قاتل المؤمن لا يوفق للتوبة لا
ينافي ما قلناه لأن هذا القول إن صح فإنما يدل على أنه لا يختار التوبة مع أنها لو
حصلت لأزالت العقاب و إذا كان لا بد من تخصيص الآية بالتوبة جاز أن يختص أيضا بمن
تفضل عليه بالعفو و روى الواحدي بإسناده مرفوعا إلى الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد
إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو أ يخلف الله ما وعده فقال لا قال أ فرأيت
من أوعده على عمل عقابا أ يخلف الله وعده فيه فقال أبو عمرو من العجمة أتيت يا أبا
عثمان أن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد عارا و لا خلفا أن تعد شرا ثم لا تفعله
يرى ذلك كرما و فضلا و إنما الخلف في أن تعد خيرا ثم لا تفعله قال فأوجدني هذا في
كلام العرب قال نعم سمعت قول الأول : و إني إن أوعدته أو وعدته لمخلف
إبعادي و منجز موعدي و وجدنا في الدعاء المروي بالرواية الصحيحة عن الصادقين
(عليهماالسلام) يا من إذا وعد وفى و إذا توعد عفا و هذا يؤيد ما تقدم و قد أحسن
يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال الوعد حق و الوعيد حق فالوعد حق العباد على
الله ضمن لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا و من أولى بالوفاء من الله و الوعيد حقه
على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فإن شاء عفا و إن شاء عاقب لأنه حقه و
أولاهما بربنا العفو و الكرم أنه غفور رحيم و روى إسحاق بن إبراهيم قال سمعت قيس بن
أنس يقول كنت عند عمرو بن عبيد في بيته فأنشأ يقول يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين
يدي الله فيقول قلت أن القاتل في النار فأقول أنت قلت « و من يقتل مؤمنا » الآية
فقلت له و ما في البيت أصغر سنا مني أ رأيت أن لو قال لك فإني قلت ف إن الله لا
يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا
قال فما استطاع أن يرد علي شيئا .
مجمع البيان ج : 3 ص : 144
يَأَيهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا ضرَبْتُمْ فى سبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكمُ السلَمَ لَست مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَض
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كثِيرَةٌ كَذَلِك كنتُم مِّن
قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيراً(94)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم فتثبتوا هنا في
الموضعين بالثاء و التاء و في الحجرات و قرأ الباقون « فتبينوا » بالتاء و النون في
الجميع و قرأ أهل المدينة و الشام و حمزة و خلف السلم بغير ألف و قرىء في بعض
الروايات عن عاصم السلم بكسر السين و سكون اللام و قرأ الباقون « السلام » بالألف و
روي عن أبي جعفر القارىء من بعض الطرق لست مؤمنا بفتح الميم الثانية و حكى أبو
القاسم البلخي أنه قراءة محمد بن علي الباقر .
الحجة
قال أبو علي من
قرأ فتثبتوا فحجته أن التثبت خلاف الإقدام و المراد به التأني و هو أشد اختصاصا
بهذا الموضع و يبين ذلك قوله « و أشد تثبيتا » أي أشد وقفا لهم عما وعظوا بأن لا
يقدموا عليه و من قرأ « فتبينوا » فحجته أن التبين قد يكون أشد من التثبت و قد جاء
التبين من الله و العجلة من الشيطان فمقابلة التبين بالعجلة دلالة على تقارب التثبت
و التبين قال الشاعر في موضع التوقف و الزجر : أ زيد مناة توعد يا ابن تيم
تبين أين تاه بك الوعيد قال و من قرأ « السلام » احتمل ضربين ( أحدهما ) أن
يكون بمعنى التحية أي و لا تقولوا لمن حياكم بتحية المسلمين إنما قالها تعوذا و لكن
ارفعوا السيف عنه ( و الآخر ) أن يكون المعنى لا تقولوا لمن لا يقاتلكم لست مؤمنا
قال أبو الحسن يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا و من قرأ السلم أراد الانقياد
و الاستسلام إلى المسلمين و منه قوله « و ألقوا إلى الله يومئذ السلم » أي استسلموا
لأمره و لما يراد منهم و من قرأ السلم بكسر السين فمعناه الإسلام مصدر أسلم أي صار
سلما و خرج عن أن يكون حربا و من قرأ مؤمنا فإنه من الأمان و معناه لا تقولوا لمن
استسلم لكم لسنا نؤمنكم .
اللغة
جميع متاع الدنيا عرض يقال إن الدنيا
عرض حاضر و يقال لكل شيء يقل
مجمع البيان ج : 3 ص : 145
لبثه عرض و منه
العرض الذي هو خلاف الجوهر عند المتكلمين لأنه ما لا يجب له من اللبث ما يجب
للأجسام و العرض ما يعرض للإنسان من مرض أو غيره .
الإعراب
تبتغون في
موضع نصب على الحال من الواو في تقولوا و الكاف من كذلك في موضع نصب بكونه خبر كان
من كنتم .
النزول
قيل نزلت في أسامة بن زيد و أصحابه بعثهم النبي في
سرية فلقوا رجلا قد انحاز بغنم له إلى جبل و كان قد أسلم فقال لهم السلام عليكم لا
إله إلا الله محمد رسول الله فبدر إليه أسامة فقتله و استاقوا غنمه عن السدي و روي
عن ابن عباس و قتادة أنه لما نزلت الآية حلف أسامة أن لا يقتل رجلا قال لا إله إلا
الله و بهذا اعتذر إلى علي لما تخلف عنه و إن كان عذره غير مقبول لأنه قد دل الدليل
على وجوب طاعة الإمام في محاربة من حاربه من البغاة لا سيما و قد سمع النبي يقول
حربك يا علي حربي و سلمك سلمي و قيل نزلت في محلم بن جثامة الليثي و كان بعثه النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) في سرية فلقيه عامر بن الأضبط الأشجعي فحياه بتحية
الإسلام و كان بينهما إحنة فرماه بسهم فقتله فلما جاء إلى النبي جلس بين يديه و
سأله أن يستغفر له فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا غفر الله لك فانصرف باكيا فما
مضت عليه سبعة أيام حتى هلك فدفن فلفظته الأرض فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما
أخبر به أن الأرض تقبل من هو شر من محلم صاحبكم و لكن الله أراد أن يعظم من حرمتكم
ثم طرحوه بين صدفي جبل و ألقوا عليه الحجارة فنزلت الآية عن الواقدي و محمد بن
إسحاق بن يسار روياه عن ابن عمر و ابن مسعود و ابن حدرد و قيل كان صاحب السرية
المقداد عن سعيد بن جبير و قيل أبو الدرداء عن ابن زيد .
المعنى
لما
بين تعالى أحكام القتل و أنواعه عقب ذلك بالأمر بالتثبت و التأني حتى لا يفعل ما
يعقب الندامة فقال « يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم » أي صرتم و سافرتم « في سبيل
الله » للغزو و الجهاد « فتبينوا » أي ميزوا بين الكافر و المؤمن و بالثاء و التاء
توقفوا و تأنوا حتى تعلموا من يستحق القتل و المعنيان متقاربان و المراد بهما لا
تعجلوا في القتل لمن أظهر السلام ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك « و لا تقولوا لمن
ألقى إليكم السلم » أي حياكم بتحية أهل الإسلام أو من استسلم لكم فلم يقاتلكم مظهرا
أنه من أهل ملتكم « لست
مجمع البيان ج : 3 ص : 146
مؤمنا » أي ليس لإيمانك
حقيقة و إنما أسلمت خوفا من القتل أو لست بأمن « تبتغون » أي تطلبون « عرض الحياة
الدنيا » يعني الغنيمة و المال و متاع الحياة الدنيا الذي لا بقاء له « فعند الله
مغانم كثيرة » أي في مقدوره فواضل و نعم و رزق إن أطعتموه فيما أمركم به و قيل
معناه ثواب كثير لمن ترك قتل المؤمن « كذلك كنتم من قبل » اختلف في معناه فقيل كما
كان هذا الذي قتلتموه مستخفيا في قومه بدينه خوفا على نفسه منهم كنتم أنتم مستخفين
بأديانكم من قومكم حذرا على أنفسكم عن سعيد بن جبير و قيل كما كان هذا المقتول
كافرا فهداه الله كذلك كنتم كفارا فهداكم الله عن ابن زيد و الجبائي و قيل كذلك
كنتم أذلاء و آحادا إذا سار الرجل منكم وحده خاف أن يختطف عن المغربي « فمن الله
عليكم » فيه قولان ( أحدهما ) فمن الله عليكم بإظهار دينه و إعزاز أهله حتى أظهرتم
الإسلام بعد ما كنتم تكتمونه من أهل الشرك عن سعيد بن جبير و قيل معناه فتاب الله
عليكم « فتبينوا » أعاد هذا اللفظ للتأكيد بعد ما طال الكلام و قيل الأول معناه
تبينوا حاله و الثاني معناه تبينوا هذه الفوائد بضمائركم و اعرفوها و ابتغوها « إن
الله كان » أي لم يزل « بما تعملون » أي بما تعملونه « خبيرا » عليما قبل أن تعملوه
. لا يَستَوِى الْقَعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيرُ أُولى الضرَرِ وَ
المُْجَهِدُونَ فى سبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَلِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ فَضلَ اللَّهُ
المُْجَهِدِينَ بِأَمْوَلِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ عَلى الْقَعِدِينَ دَرَجَةً وَ ُكلاً
وَعَدَ اللَّهُ الحُْسنى وَ فَضلَ اللَّهُ الْمُجَهِدِينَ عَلى الْقَعِدِينَ
أَجْراً عَظِيماً(95) دَرَجَت مِّنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً(96)
القراءة
قرأ أهل المدينة و الشام و الكسائي و خلف
غير أولي الضرر بنصب الراء و الباقون بالرفع .
الحجة
فالرفع على أن
يجعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه و كذلك قال في غير المغضوب عليهم أنه صفة ل الذين
أنعمت عليهم و منه قول لبيد :
مجمع البيان ج : 3 ص : 147
و إذا جوزيت
قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى غير الجمل فغير صفة للفتى فعلى هذا يكون التقدير لا
يستوي القاعدون الأصحاء و المجاهدون و النصب على الاستثناء من القاعدين و يستوي فعل
يقتضي فاعلين فصاعدا فالتقدير لا يستوي القاعدون إلا أولي الضرر و المجاهدون قال
الزجاج و يجوز أن يكون منصوبا على الحال فيكون المعنى لا يستوي القاعدون في حال
صحتهم و المجاهدون كما تقول جاءني زيد غير مريض أي صحيحا و يجوز في غير الجر على أن
يكون صفة للمؤمنين في غير القراءة .
اللغة
الضرر النقصان و هو كلما
يضرك و ينقصك من عمى و مرض و علة و الدرجة المنزلة و درجته إلى كذا أي رقيته إليه
منزلة بعد منزلة و أدرجت الكتاب طويته منزلة بعد منزلة و درج الرجل مضى لسبيله لأنه
صار إلى منزلة الآخرة و منه فلان أكذب من دب و درج أي أكذب الأحياء و الأموات .
الإعراب
درجة منصوب على أنه اسم وضع موضع المصدر أي تفضيلا بدرجة و كلا
مفعول وعد و الحسنى مفعول ثان و درجات في موضع نصب بدلا من قوله « أجرا عظيما » و
هو مفسر للأجر المعنى فضل الله المجاهدين درجات و مغفرة و رحمة و يجوز أن يكون
منصوبا على التأكيد لأجرا عظيما لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من الله و المغفرة
و الرحمة كما تقول لك علي ألف درهم عرفا مؤكد لقولك لك علي ألف درهم لأن قولك لك
علي ألف درهم هو اعتراف فكأنك قلت أعرفها عرفا و كأنه قيل غفر الله لهم مغفرة و
آجرهم أجرا عظيما لأن قوله « أجرا عظيما » فيه معنى غفر و رحم و فضل .
النزول
نزلت الآية في كعب بن مالك من بني سلمة و مرارة بن ربيع من بني
عمرو بن عوف و هلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن رسول الله يوم تبوك و عذر الله
أولي الضرر و هو عبد الله بن أم مكتوم رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره و قال زيد
بن ثابت كنت عند النبي حين نزلت عليه « لا يستوي القاعدون من المؤمنين » « و
المجاهدون في سبيل الله » و لم يذكر أولي الضرر فقال ابن أم مكتوم فكيف و أنا أعمى
لا أبصر لتغشي النبي الوحي ثم سرى عنه فقال اكتب « لا يستوي القاعدون من المؤمنين
غير أولي الضرر » فكتبتها .
مجمع البيان ج : 3 ص : 148
المعنى
لما
حث سبحانه على الجهاد عقبه بما فيه من الفضل و الثواب فقال « لا يستوي القاعدون من
المؤمنين » أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله و
برسوله و المؤثرون الدعة و الرفاهية على مقاساة الحرب و المشقة بلقاء العدو « غير
أولي الضرر » أي إلا أهل الضرر منهم بذهاب أبصارهم و غير ذلك من العلل التي لا سبيل
لأهلها إلى الجهاد للضرر الذي بهم « و المجاهدون في سبيل الله » و منهاج دينه لتكون
كلمة الله هي العليا و المستفرغون جهدهم و وسعهم في قتال أعداء الله و إعزاز دينه «
بأموالهم » إنفاقا لها فيما يوهن كيد الأعداء « و أنفسهم » حملا لها على الكفاح في
اللقاء « فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة » معناه فضيلة و
منزلة « و كلا وعد الله الحسنى » معناه و كلا الفريقين من المجاهدين و القاعدين عن
الجهاد وعده الله الجنة عن قتادة و غيره من المفسرين و في هذه دلالة على أن الجهاد
فرض على الكفاية لأنه لو كان فرضا على الأعيان لما استحق القاعدون بغير عذر أجرا و
قيل لأن المراد بالكل هنا المجاهد و القاعد من أولي الضرر المعذور عن مقاتل « و فضل
الله المجاهدين على القاعدين » من غير أولي الضرر « أجرا عظيما درجات منه » أي
منازل بعضها أعلى من بعض من منازل الكرامة و قيل هي درجات الأعمال كما يقال الإسلام
درجة و الفقه درجة و الهجرة درجة و الجهاد في الهجرة درجة و القتل في الجهاد درجة
عن قتادة و قيل معنى الدرجات هي الدرجات التسع التي درجها في سورة براءة في قوله «
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل الله و لا يطئون موطئا يغيظ
الكفار و لا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم » « ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون
» فهذه الدرجات التسع عن عبد الله بن زيد « و مغفرة و رحمة » هذا بيان خلوص النعيم
بأنه لا يشويه غم بما كان منه من الذنوب بل غفر له ذلك ثم رحمه بإعطائه النعم و
الكرامات « و كان الله غفورا » لم يزل الله غفارا للذنوب صفوحا لعبيدة من العقوبة
عليها « رحيما » بهم متفضلا عليهم و قد يسأل فيقال كيف قال في أول الآية « فضل الله
المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة » ثم قال في آخرها « و فضل الله
المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات » و هذا متناقض الظاهر و أجيب عنه بجوابين
( أحدهما ) أن في أول الآية ( فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر )
درجة و في آخرها ( فضلهم على القاعدين غير
مجمع البيان ج : 3 ص : 149
أولي
الضرر ) درجات فلا تناقض لأن قوله « و كلا وعد الله الحسنى » يدل على أن القاعدين
لم يكونوا عاصين و إن كانوا تاركين للفضل ( و الثاني ) ما قاله أبو علي الجبائي و
هو أنه أراد بالدرجة الأولى علو المنزلة و ارتفاع القدر على وجه المدح لهم كما يقال
فلان أعلى درجة عند الخليفة من فلان يريدون بذلك أنه أعظم منزلة و بالثانية الدرجات
في الجنة التي يتفاضل بها المؤمنون بعضهم على بعض على قدر استحقاقهم و قال المغربي
إنما كرر لفظ التفضيل لأن الأول أراد به تفضيلها في الدنيا و أراد بالثاني تفضيلهم
في الآخرة و جاء في الحديث إن الله فضل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة بين كل
درجتين مسيرة سبعين خريفا للفرس الجواد المضمر . إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلَئكَةُ ظالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا
مُستَضعَفِينَ فى الأَرْضِ قَالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّهِ وَسِعَةً
فَتهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَت مَصِيراً(97) إِلا
الْمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدَنِ لا يَستَطِيعُونَ
حِيلَةً وَ لا يهْتَدُونَ سبِيلاً(98) فَأُولَئك عَسى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنهُمْ
وَ كانَ اللَّهُ عَفُواًّ غَفُوراً(99)
القراءة
روي في الشواذ عن إبراهيم
أنه قرأ إن الذين توفاهم الملائكة بضم التاء .
الحجة
قال ابن جني معنى
هذا كقولك إن الذين يعدون على الملائكة يردون إليهم يحتسبون عليهم فهو نحو من قولك
أن المال الذي توفاه أمة الله أي يدفع إليها و يحتسب عليها كان كل ملك جعل إليه قبض
نفس بعض الناس ثم تمكن من ذلك و توفيه .
اللغة
التوفي القبض و توفيت
الشيء و استوفيته قبضته و الوفاة الموت لأن الميت تقبض روحه و التوفي الإحصاء قال
الشاعر :
مجمع البيان ج : 3 ص : 150
إن بني أدرم ليسوا من أحد
ليسوا إلى قيس و ليسوا من أسد و لا توفاهم قريش في العدد المعنى أحصاهم و
المأوى المرجع من أوى إلى منزله يأوي أويا إذا رجع إلى منزله و الاستضعاف وجدان
الشيء ضعيفا كالاستطراف و نحوه .
الإعراب
« توفاهم » إن شئت كان لفظه
ماضيا فيكون مفتوحا لأن الماضي مبني على الفتح و يجوز أن يكون مستقبلا فيكون مرفوعا
على معنى تتوفاهم حذف التاء الثانية لاجتماع تائين و قد ذكرناه مشروحا فيما تقدم ،
« ظالمي أنفسهم » نصب على الحال و أصله ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا و
هي ثابتة في التقدير كما قال سبحانه هديا بالغ الكعبة أي بالغا الكعبة ، « فيم »
حذفت الألف من ما الاستفهام و هو في موضع جر بفي و الجار مع المجرور في موضع نصب
لأنه خبر كان ، و خبر إن قوله « قالوا فيم كنتم » أي قالوا لهم فحذف لهم لدلالة
الكلام عليه و يقال خبر إن قوله « فأولئك مأواهم جهنم » و يكون قالوا لهم في موضع
نصب بكونه صفة ل « ظالمي أنفسهم » لأنه نكرة المستضعفين نصب على الاستثناء من قوله
« مأواهم جهنم » « إلا المستضعفين » « لا يستطيعون حيلة » في موضع نصب على الحال من
« المستضعفين » .
النزول
قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أن المشركين يوم
بدر لم يخلفوا إذ خرجوا أحدا إلا صبيا أو شيخا كبيرا أو مريضا فخرج معهم ناس ممن
تكلم بالإسلام فلما التقى المشركون و رسول الله نظر الذين كانوا قد تكلموا بالإسلام
إلى قلة المسلمين فارتابوا و أصيبوا فيمن أصيب من المشركين فنزلت فيهم الآية و هو
المروي عن ابن عباس و السدي و قتادة و قيل أنهم قيس بن الفاكه بن المغيرة و الحارث
بن زمعة بن الأسود و قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو العاص بن منبه بن الحجاج و علي
بن أمية بن خلف عن عكرمة و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ابن
عباس كنت أنا من المستضعفين و كنت غلاما صغيرا و ذكر عنه أيضا أنه قال كان أبي من
المستضعفين من الرجال و أمي كانت من المستضعفات من النساء و كنت أنا من المستضعفين
من الولدان .
المعنى
ثم أخبر تعالى عن حال من قعد عن نصرة النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) بعد الوفاة فقال
مجمع البيان ج : 3 ص : 151
« إن الذين
توفاهم » أي قبض أرواحهم أو تقبض أرواحهم « الملائكة » الملائكة ملك الموت أو هو و
غيره فإن الملائكة تتوفى و ملك الموت يتوفى و الله يتوفى و ما يفعله ملك الموت أو
الملائكة يجوز أن يضاف إلى الله إذ فعلوه بأمره و ما تفعله الملائكة جاز أن يضاف
إلى ملك الموت إذ فعلوه بأمره « ظالمي أنفسهم » أي في حال هم فيها ظالموا أنفسهم إذ
بخسوها حقها من الثواب و أدخلوا عليها العقاب بفعل الكفر « قالوا فيم كنتم » أي
قالت لهم الملائكة فيم كنتم أي في أي شيء كنتم من دينكم على وجه التقرير لهم أو
التوبيخ لفعلهم « قالوا كنا مستضعفين في الأرض » يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا
و بلادنا بكثرة عددهم و قوتهم و يمنعوننا من الإيمان بالله و اتباع رسوله على جهة
الاعتذار « قالوا » أي قالت الملائكة لهم « أ لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
» أي فتخرجوا من أرضكم و دوركم و تفارقوا من يمنعكم من الإيمان بالله و رسوله إلى
أرض يمنعكم أهلها من أهل الشرك فتوحدوه و تعبدوه و تتبعوا رسوله و روي عن سعيد بن
جبير أنه قال في معناه إذا عمل بالمعاصي في أرض فأخرج منها ثم قال تعالى « فأولئك
مأواهم جهنم » أي مسكنهم جهنم « و ساءت » هي أي جهنم « مصيرا » لأهلها الذين صاروا
إليها ثم استثنى من ذلك فقال « إلا المستضعفين » الذين استضعفهم المشركون « من
الرجال و النساء و الولدان » و هم الذين يعجزون عن الهجرة لإعسارهم و قلة حيلتهم و
هو قوله « لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا » في الخلاص من مكة و قيل معناه لا
يهتدون لسوء معرفتهم بالطريق طريق الخروج منها أي لا يعرفون طريقا إلى المدينة عن
مجاهد و قتادة و جماعة من المفسرين « فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم » معناه لعل
الله أن يعفو عنهم لما هم عليه من الفقر و يتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة
من حيث لم يتركوها اختيارا « و كان الله عفوا » أي لم يزل الله ذا صفح بفضله عن
ذنوب عباده بترك عقوبتهم على معاصيهم « غفورا » أي ساترا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم
عنها قال عكرمة و كان النبي يدعو عقيب صلاة الظهر اللهم خلص الوليد و سلمة بن هشام
و عياش بن أبي ربيعة و ضعفة المسلمين من أيدي المشركين .
مجمع البيان ج : 3
ص : 152
* وَ مَن يهَاجِرْ فى سبِيلِ اللَّهِ يجِدْ فى الأَرْضِ مُرَغَماً
كَثِيراً وَ سعَةً وَ مَن يخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللَّهِ وَ
رَسولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَْوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَ كانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(100)
اللغة
المهاجرة المفارقة و أصله من الهجر
الذي هو ضد الوصل و المراغم المضطرب في البلاد و المذهب و أصله من الرغام و هو
التراب و معنى راغمت فلانا هاجرته و لم أبال رغم أنفه أي و إن لصق بالتراب أنفه و
أرغم الله أنفه ألصقه بالتراب و قيل أصله الذل و الشدة و المراغم المعادي الذي يروم
إذلال صاحبه و منه الحديث إذا صلى أحدكم فيلزم جبينه و أنفه الأرض حتى يخرج منه
الرغم أي حتى يذل و يخضع لله تعالى و فعلته على رغمه أي على ذلة بما يكره و أرغم
الله أنفه أذله و المراغم الموضع و المصدر من المراغمة قال : إلى بلد غير داني
المحل بعيد المراغم و المضطرب .
النزول
قيل لما نزلت آيات الهجرة
سمعها رجل من المسلمين و هو جندع أو جندب بن ضمرة و كان بمكة فقال و الله ما أنا
مما استثنى الله إني لأجد قوة و إني لعالم بالطريق و كان مريضا شديد المرض فقال
لبنيه و الله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها فإني أخاف أن أموت فيها فخرجوا يحملونه
على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات فنزلت الآية عن أبي حمزة الثمالي و عن قتادة و عن
سعيد بن جبير و قال عكرمة و خرج جماعة من مكة مهاجرين فلحقهم المشركون و فتنوهم عن
دينهم فافتتنوا فأنزل الله فيهم « و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله
جعل فتنة الناس كعذاب الله » فكتب بها المسلمون إليهم ثم نزلت فيهم « ثم إن ربك
للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا و صبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم » .
المعنى
ثم قال سبحانه « و من يهاجر » يعني يفارق أهل الشرك و يهرب
بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام « في سبيل الله » أي في منهاج دين الله و طريقه الذي
شرعه لخلقه « يجد في الأرض مراغما كثيرا و سعة » أي متحولا من الأرض و سعة في الرزق
عن ابن عباس و الضحاك و الربيع و قيل مزحزحا عما يكره و سعة من الضلالة إلى الهدى
عن مجاهد و قتادة و قيل مهاجرا فسيحا متسعا مما كان فيه من تضييق المشركين عليه « و
من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله » أخبر سبحانه إن من خرج من بلده مهاجرا
من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله و رسوله « ثم يدركه الموت » قبل بلوغه دار الهجرة
و أرض الإسلام « فقد وقع أجره على الله » أي ثواب عمله و جزاء هجرته على الله تعالى
« و كان الله
مجمع البيان ج : 3 ص : 153
غفورا » أي ساترا على عباده ذنوبهم
بالعفو عنهم « رحيما » بهم رفيقا و مما جاء في معنى الآية من الحديث ما رواه الحسن
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من فر بدينه من أرض إلى أرض و إن كان
شبرا من الأرض استوجب الجنة و كان رفيق إبراهيم و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
روى العياشي بإسناده عن محمد بن أبي عمير حدثني محمد بن حليم قال وجه زرارة بن أعين
ابنه عبيدا إلى المدينة ليستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) و عبد
الله فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ابنه قال محمد بن أبي عمير حدثني محمد بن حكيم قال
ذكرت لأبي الحسن (عليه السلام) زرارة و توجيهه عبيدا ابنه إلى المدينة فقال إني
لأرجو أن يكون زرارة ممن قال الله فيهم « و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله »
الآية . وَ إِذَا ضرَبْتُمْ فى الأَرْضِ فَلَيْس عَلَيْكمْ جُنَاحٌ أَن
تَقْصرُوا مِنَ الصلَوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ
الْكَفِرِينَ كانُوا لَكمْ عَدُوًّا مُّبِيناً(101)
اللغة
في قصر الصلاة
ثلاث لغات قصرت الصلات أقصرها و هي لغة القرآن و قصرتها تقصيرا و أقصرتها إقصارا و
فتنت الرجل أفتنه فهو مفتون لغة أهل الحجاز و بني تميم و ربيعة و أهل نجد كلهم و
أسد يقولون أفتنت الرجل فهو فاتن و قد فتن فتونا إذا دخل في الفتنة و إنما قال في
الكافرين أنهم عدو لأن لفظة فعول تقع على الواحد و الجماعات .
المعنى
«
و إذا ضربتم في الأرض » معناه إذا سرتم فيها أي سافرتم « فليس عليكم جناح » أي حرج
و إثم « أن تقصروا من الصلاة » فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه أن تقصروا من عدد
الصلاة فتصلوا الرباعيات ركعتين عن مجاهد و جماعة من المفسرين و هو قول أكثر
الفقهاء و هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) و قيل تقصر صلاة الخائف من صلاة
المسافر و هما قصران قصر الأمن من أربع إلى ركعتين و قصر الخوف من ركعتين إلى ركعة
واحدة عن جابر و مجاهد و قد رواه أيضا أصحابنا ( و ثانيها ) إن معناه القصر من حدود
الصلاة عن ابن عباس و طاووس و هو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف و إنها تصلى
إيماء و السجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف عن كل
ركعة ( و ثالثها ) إن المراد بالقصر الجمع بين الصلاتين و الصحيح الأول « إن خفتم
أن يفتنكم
مجمع البيان ج : 3 ص : 154
الذين كفروا » يعني خفتم فتنة الذين
كفروا في أنفسكم أو دينكم و قيل معناه إن خفتم أن يقتلكم الذين كفروا في الصلاة عن
ابن عباس و مثله قوله تعالى « على خوف من فرعون و ملأهم أن يفتنهم » أي يقتلهم و
قيل معناه أن يعذبكم الذين كفروا بنوع من أنواع العذاب « إن الكافرين كانوا لكم
عدوا مبينا » أي ظاهري العداوة و في قراءة أبي بن كعب فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا من غير أن يقرأ « إن خفتم » و قيل إن معنى هذه
القراءة أن لا يفتنكم أو كراهة أن يفتنكم كما في قوله « يبين الله لكم أن تضلوا » و
ظاهر الآية يقتضي أن القصر لا يجوز إلا عند الخوف لكنا قد علمنا جواز القصر عند
الأمن ببيان النبي و يحتمل أن يكون ذكر الخوف في الآية قد خرج مخرج الأعم و الأغلب
عليهم في أسفارهم فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها و مثله في القرآن كثير و
اختلف الفقهاء في قصر الصلاة في السفر فقال الشافعي هي رخصة و اختاره الجبائي و قال
أبو حنيفة هو عزيمة و فرض و هذا مذهب أهل البيت قال زرارة و محمد بن مسلم قلنا لأبي
جعفر ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي و كم هي قال إن الله يقول « و إذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة » فصار التقصير واجبا في السفر كوجوب
التمام في الحضر قالا قلنا أنه قال لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة و لم يقل
افعل فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام قال أ و ليس قال تعالى في الصفا و المروة « فمن
حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما » أ لا ترى أن الطواف واجب مفروض لأن
الله تعالى ذكرهما في كتابه و صنعهما نبيه و كذا التقصير في السفر شيء صنعه رسول
الله و ذكره الله في الكتاب قال قلت فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا قال إن
كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد و إن لم يكن قرئت عليه و لم
يعلمها فلا إعادة عليه و الصلاة في السفر كل فريضة ركعتان إلا المغرب فإنها ثلاث
ليس فيها تقصير تركها رسول الله في السفر و الحضر ثلاث ركعات و في هذا الخبر دلالة
على أن فرض المسافر مخالف لفرض المقيم و قد أجمعت الطائفة على ذلك و على أنه ليس
بقصر و قد روي عن النبي أنه قال فرض المسافر ركعتان غير قصر و عندهم إن الخوف
بانفراده موجب للقصر و فيه خلاف بين الفقهاء و ذهب جماعة من الصحابة و التابعين إلى
أن الله عنى بالقصر في الآية قصر صلاة الخوف من صلاة السفر لا من صلاة الإقامة لأن
صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر فمنهم جابر بن عبد الله و حذيفة اليمان و زيد
بن ثابت و ابن عباس و أبو هريرة و كعب و كان من الصحابة قطعت يده يوم اليمامة و ابن
عمر و سعيد بن جبير و السدي و أما حد السفر الذي يجب عنده القصر فعندنا ثمانية
مجمع البيان ج : 3 ص : 155
فراسخ و قيل مسيرة ثلاثة أيام بلياليها و هو
مذهب أبي حنيفة و أصحابه و قيل ستة عشر فرسخا ثمانية و أربعين ميلا و هو مذهب
الشافعي .
النظم
وجه اتصال الآية بما قبلها أنه لما أمر بالجهاد و
الهجرة بين صلاة السفر و الخوف رحمة منه و تخفيفا لعباده . وَ إِذَا كُنت
فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمُ الصلَوةَ فَلْتَقُمْ طائفَةٌ مِّنهُم مَّعَك وَ
لْيَأْخُذُوا أَسلِحَتهُمْ فَإِذَا سجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائكمْ وَ
لْتَأْتِ طائفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصلُّوا فَلْيُصلُّوا مَعَك وَ لْيَأْخُذُوا
حِذْرَهُمْ وَ أَسلِحَتهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ
أَسلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَحِدَةً وَ لا
جُنَاحَ عَلَيْكمْ إِن كانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطر أَوْ كُنتُم مَّرْضى أَن
تَضعُوا أَسلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَفِرِينَ
عَذَاباً مُّهِيناً(102)
اللغة
أسلحة جمع سلاح مثل حمار و أحمرة و السلاح
اسم لجملة ما يدفع به الناس عن أنفسهم في الحروب مما يقاتل به خاصة لا يقال للدواب
و ما أشبهها سلاح و الجناح الاسم من جنحت عن المكان إذا عدلت عنه و أخذت جانبا عن
القصد و أذى مقصور يقال أذى فلان يأذى أذى مثل فزع يفزع فزعا .
الإعراب
و ليأخذوا القراءة على سكون اللام و الأصل و ليأخذوا بالكسر إلا أن الكسر
يستثقل فيحذف استخفافا و كذلك فلتقم و لتأت و موضع أن تضعوا نصب أي لا إثم عليكم في
أن تضعوا فلما سقطت في عمل ما قبل أن فيها و على المذهب الآخر يكون موضعها جرا
بإضمار حرف الجر و إنما قال « طائفة أخرى » و لم يقل آخرون و قال « لم يصلوا »
|