قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 4 ص : 697
الكتاب ثم قال أم يقولون افتراه فجاء هذا ليبصروا
ضلالتهم فكان المعنى أو أمنوا هذه الضروب من معاقبتهم و الأخذ لهم و إن شئت جعلته
أو التي في قولك ضربت زيدا أو عمرا كأنك أردت أ ف آمنوا إحدى هذه العقوبات و وجه
قراءة من قرأ « أ و أمن » أنه أدخل همزة الاستفهام على حرف العطف كما دخل في نحو
قوله أ ثم إذا ما وقع و قوله أ و كلما عاهدوا عهدا و من حجة من قرأ ذلك أنه أشبه
بما قبله و ما بعده أ لا ترى أن قبله « أ فأمن أهل القرى » و بعده « أ فأمنوا مكر
الله » أ و لم يهد للذين يرثون الأرض فكما أن هذه الأشياء عطف حرف دخل عليها حرف
الاستفهام كذلك يكون « أ و أمن » .
اللغة
البركات الخيرات النامية و
أصله الثبوت و الأمن و الثقة و الطمأنينة نظائر في اللغة و ضد الأمن الخوف و ضد
الثقة الريبة و ضد الطمأنينة الانزعاج و الأمن الثقة بالسلامة من الخوف و البأس
العذاب و البؤس الفقر و الأصل الشدة و رجل بئيس شديد في القتال و النوم نقيض اليقظة
و هو سهو يغمر القلب و يغشي العين و يضعف الحس و ينافي العلم يقال نام الرجل ينام
نوما و هو حسن النيمة إذا كان حسن هيئة النوم و رجل نومة بسكون الواو و إذا كان
خسيسا لا يؤبه به و رجل نومة بفتح الواو إذا كان كثير النوم و النيم الفرو لأن من
شأنه أن ينام فيه أو لأنه يغشى كما يغشى النوم و الضحى صدر النهار في وقت انبساط
الشمس و أصله الظهور من قولهم ضحا الشمس يضحو ضحوا و ضحوا و فعل ذلك الأمر ضاحية
إذا فعله ظاهرا و الأضحية لأنها تذبح عند الضحى يوم العيد قال الخليل المكر
الاحتيال بإظهار خلاف الإضمار و قيل إن أصل المكر الالتفاف و منه ساق ممكورة أي
ملتفة حسنة قال ذو الرمة : عجزاء ممكورة خمصانة قلق عنها الوشاح و ثم الجسم
و القصب و المكور شجر ملتف ( يستن في علقى و في مكور ) فمعنى قولك مكر فلان يمكر
مكرا التف تدبيره على مكروه لصاحبه .
الإعراب
لو معناه تعليق الثاني
بالأول الذي يجب الثاني بوجوبه و ينتفي بانتفائه على طريقة كان ، و إن فيها هذا
المعنى على طريقة يكون ، و الفرق بينهم من تعلق الثاني
مجمع البيان ج : 4 ص :
698
بالأول الذي يمكن أن يكون و يمكن أن لا يكون كقولك إن آمن هذا الكافر استحق
الجواب و هذا مقدور و ليس كذلك لو لأنها قد تدخل على ما لا يمكن أن يكون كقولك لو
كان الجسم سليما لاستغنى عن صانع و إنما فتحت أن بعد لو لأنها وقعت في الموضع الذي
يختص بالفعل فإن لو ليس يدخل إلا على الفعل و أن مع اسمها و خبرها في تأويل اسم
مفرد فيكون تقديره لو وقع أن أهل القرى آمنوا فيكون أن مع ما بعدها في موضع رفع
بالفعل المقدر بعد لو و إنما دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف من قوله « أ ف آمن
» « أ و أمن » مع أن الاستفهام للاستئناف و العطف بخلافه لأنهما إنما يتنافيان في
المفرد لأن الثاني إذا عمل فيه الأول كان من الكلام الأول و الاستئناف قد أخرجه من
أن يكون منه و أما في عطف جملة على جملة فيصح لأنه على استئناف جملة بعد جملة .
المعنى
ثم بين سبحانه أن كل من أهلكه من الأمم المتقدم ذكرهم إنما أتوا
في ذلك من قبل نفوسهم فقال « و لو أن أهل القرى » التي أهلكناها بسبب جحودهم و
عنادهم « آمنوا » و صدقوا رسلنا « و اتقوا » الشرك و المعاصي « لفتحنا عليهم بركات
» أي خيرات نامية « من السماء » بإنزال المطر « و » من « الأرض » بإخراج النبات و
الثمار كما وعد نوح بذلك أمته فقال يرسل السماء عليكم مدرارا الآيات و قيل بركات
السماء إجابة الدعاء و بركات الأرض تيسير الحوائج « و لكن كذبوا » الرسل « فأخذناهم
بما كانوا يكسبون » من المعاصي و المخالفة و تكذيب الرسل فحبسنا السماء عنهم و
أخذناهم بالضيق عقوبة لهم على فعلهم « أ فأمن أهل القرى » المكذبون لك يا محمد « أن
يأتيهم بأسنا » أي عذابنا « بياتا » ليلا « و هم نائمون » في فرشهم و منازلهم كما
أتى المكذبين قبلهم « أ و أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى » أي عذابنا نهارا عند
ارتفاع الشمس « و هم يلعبون » أي و هم في غير ما ينفعهم أو يعود عليهم بنفع فإن من
اشتغل بدنياه و أعرض عن آخرته فهو كاللاعب و المعني بأهل القرى كل أهل قرية يقيم
على معاصي الله في كل وقت و زمان و إن نزلت بسبب أهل القرى الظالم أهلها المشركين
في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنما خص سبحانه هذين الوقتين لأنه أراد
أنه لا يجوز لهم أن يأمنوا ليلا و لا نهارا عن الحسن « أ فأمنوا مكر الله » أي أ
فبعد هذا كله أمنوا عذاب الله أن يأتيهم من حيث لا يشعرون عن الجبائي قال دخلت
الفاء للتعقيب و سمي العذاب مكرا لنزوله بهم من حيث لا يعلمون كما أن المكر ينزل
بالممكور به من جهة الماكر من حيث لا يعلمه و قيل إن مكر الله استدراجه إياهم
بالصحة و السلامة و طول
مجمع البيان ج : 4 ص : 699
العمر و تظاهر النعمة «
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون » يسأل عن هذا فيقال إن الأنبياء و المعصومين
أمنوا مكر الله و ليسوا بخاسرين و جوابه من وجوه ( أحدها ) أن معناه لا يأمن مكر
الله من المذنبين إلا القوم الخاسرون بدلالة قوله سبحانه إن المتقين في مقام أمين (
و ثانيها ) أن معناه لا يأمن عذاب الله للعصاة إلا الخاسرون و المعصومون لا يأمنون
عذاب الله للعصاة و لهذا سلموا من مواقعة الذنوب ( و ثالثها ) لا يأمن عقاب الله
جهلا بحكمته إلا الخاسرون و معنى الآية الإبانة عما يجب أن يكون عليه المكلف من
الخوف لعقاب الله تعالى ليسارع إلى طاعته و اجتناب معاصيه و لا يستشعر الأمن من ذلك
فيكون قد خسر في دنياه و آخرته بالتهالك في القبائح . أَ وَ لَمْ يَهْدِ
لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشاءُ أَصبْنَهُم
بِذُنُوبِهِمْ وَ نَطبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسمَعُونَ(100) تِلْك
الْقُرَى نَقُص عَلَيْك مِنْ أَنبَائهَا وَ لَقَدْ جَاءَتهُمْ رُسلُهُم
بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَلِك
يَطبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكفِرِينَ(101) وَ مَا وَجَدْنَا لأَكثرِهِم مِّنْ
عَهْد وَ إِن وَجَدْنَا أَكثرَهُمْ لَفَسِقِينَ(102)
القراءة
قرأ يعقوب
برواية زيد أ و لم نهد بالنون و كذلك في طه و السجدة و به قرأ أبو عبد الرحمن
السلمي و قتادة و الباقون بالياء .
الحجة
من قرأ نهد بالنون فإنه
للتعظيم و هذا يقوي أن المعنى في قوله « أ و لم يهد » بالياء أ و لم يبين الله
سبحانه لهم دون أن يكون المعنى أ و لم يهد لهم مشيئتنا أو اصطلامنا لمن أهلكناه .
اللغة
القصص إتباع الحديث الحديث يقال فلان يقص الأثر أي يتبعه و منه
المقص لأنه يتبع في القطع إثر القطع و النبأ الخبر عن أمر عظيم الشأن و لذلك أخذ
منه اسم نبي
مجمع البيان ج : 4 ص : 700
و الوجدان و الإلفاء و الإدراك و
المصادفة نظائر .
الإعراب
نطبع ليس بمحمول على أصبناهم لأنه لو حمل
عليه لكان و لطبعنا و لكنه على الاستئناف أي و نحن نطبع ، و « من عهد » من هنا
للتبعيض لأنه إذا لم يوجد بعض العهد لم يوجد الجميع و الأولى أن تكون من مزيدة
للتعميم و استغراق الجنس و قيل إن أصلها لابتداء الغاية فدخلت على ابتداء الجنس إلى
انتهائه ، « و إن وجدنا أكثرهم لفاسقين » إن هذه هي المخففة من الثقيلة و إذا خففت
جاز إلغاؤها من العمل و أن يليها الفعل لأنها حينئذ قد صارت خارجة من شبه الفعل .
المعنى
ثم أنكر سبحانه عليهم تركهم الاعتبار بمن تقدمهم من الأمم فقال
« أ و لم يهد » و هو استفهام يراد به التقرير أي لو لم يبين الله بالنون أو لم نبين
عن ابن عباس و مجاهد و السدي و قيل معناه أ و لم يهد ما تلونا من أنباء القرى و قيل
تقديره أ و لم يهد لهم مشيئتنا لأن قوله « أن لو نشاء أصبناهم » في موضع رفع بأنه
فاعل يهدي « للذين يرثون الأرض من بعد أهلها » معناه الذين خلفوا في الأرض من بعد
أهلها الذين أهلكهم الله بتكذيبهم للرسل « أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم » يعني أ و
لم نبين إنا لو شئنا أهلكناهم بعقاب ذنوبهم كما أهلكنا الأمم الماضية قبلهم « و
نطبع على قلوبهم » قد ذكرنا معنى الطبع و الختم في أوائل سورة البقرة « فهم لا
يسمعون » الوعظ و لا يقبلونه ثم أخبر سبحانه عن أهل القرى التي ذكرها و قص خبرها
فقال « تلك القرى » و المخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « نقص عليك من
أنبائها » لتتفكر فيها و تخبر قومك بها ليتذكروا و يعتبروا و يحذروا عن الإصرار على
مثل حال أولئك المغترين بطول الإمهال في النعم السابغة و المنن المتظاهرة « و لقد
جاءتهم رسلهم بالبينات » أي الدلالات و الحجج و إنما أضاف الرسل إليهم مع أنهم رسل
الله لأن المرسل مالك الرسالة و قد ملك العباد الانتفاع بها و الاهتداء بما فيها من
البيان « فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل » معناه فما أهلكناهم إلا و قد كان في
معلومنا أنهم لا يؤمنون أبدا عن مجاهد قال و يريد بقوله « من قبل » من قبل الهلاك و
هو بمنزلة قوله و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و قيل معناه إن عتوهم في كفرهم و
تمردهم فيه يحملهم على أن لا يتركوه إلى الإيمان فما كانوا ليؤمنوا بعد أن جاءتهم
الرسل بالمعجزات بما كذبوا به من قبل رؤيتهم تلك البينات عن الحسن و قيل معناه ما
كان هؤلاء الخلف ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم و قال الأخفش بما كذبوا معناه
بتكذيبهم فجعل ما مصدرية « كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين » قيل إن الله سبحانه
شبه
مجمع البيان ج : 4 ص : 701
الكفر بالصدأ لأنه يذهب عن القلوب بحلاوة
الإيمان و نور الإسلام كما يذهب الصدأ بنور السيف و صفاء المرآة و لما صاروا عند
أمر الله لهم بالإيمان إلى الكفر جاز أن يضيف الله سبحانه الطبع إلى نفسه كما قال
زادتهم رجسا إلى رجسهم و إن كانت السورة لم تزدهم ذلك عن جعفر بن حرب و البلخي و
وجه التشبيه في الكاف و معناه أن دلالته على أنهم لا يؤمنون كالطبع على قلوب
الكافرين الذين في مثل صفتهم و قيل معناه كما دل الله لكم بالإخبار على إنهم لا
يؤمنون فكذلك يدل للملائكة بالطبع على أنهم لا يؤمنون « و ما وجدنا لأكثرهم » أي ما
وجدنا لأكثر المهلكين « من عهد » أي من وفاء بعهد كما يقال فلان لا عهد له أي لا
وفاء له بالعهد و ليس بحافظ للعهد و يجوز أن يكون المراد بهذا العهد ما أودع الله
العقول من وجوب شكر المنعم و طاعة المالك المحسن و اجتناب القبائح و يجوز أن يكون
المراد به ما أخذ على المكلفين على ألسنة الأنبياء أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و
هو قول الحسن « و إن وجدنا أكثرهم لفاسقين » اللام و إن للتأكيد و المعنى و إنا
وجدنا أكثرهم ناقضين للعهد مخلفين للوعد و يسأل فيقال كيف قال أكثرهم و كلهم فسقة و
كيف يجوز أن يكون كافر غير فاسق و الجواب أنه قد يكون الكافر عدلا في دينه غير
مرتكب لما يحرم في طريقته فعلى هذا يكون المعنى و إن أكثرهم مع كفرهم فاسق في دينه
غير لازم لمذهبه ناقض للعهد و قليل الوفاء بالوعد .
مجمع البيان ج : 4 ص :
702
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسى بِئَايَتِنَا إِلى فِرْعَوْنَ وَ
مَلايهِ فَظلَمُوا بهَا فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(103) وَ قَالَ
مُوسى يَفِرْعَوْنُ إِنى رَسولٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(104) حَقِيقٌ عَلى أَن لا
أَقُولَ عَلى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَة مِّن رَّبِّكُمْ
فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنى إِسرءِيلَ(105) قَالَ إِن كُنت جِئْت بِئَايَة فَأْتِ بهَا
إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(106) فَأَلْقَى عَصاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ
مُّبِينٌ(107) وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضاءُ لِلنَّظِرِينَ(108)
القراءة
قرأ نافع وحده حقيق علي بتشديد الياء و الباقون بتخفيف الياء .
الحجة
قال أبو علي حجة نافع في قوله « حقيق علي » و اتصاله بعلى من
وجهين ( أحدهما ) أن حق الذي هو فعل يعدى بعلى قال فحق علينا قول ربنا ( و الآخر )
أن حقيق بمعنى واجب فكما أن وجب يتعدى بعلى كذلك يتعدى حقيق به و من قرأ « حقيق علي
» فجاز تعديته بعلى من الوجهين اللذين ذكرنا و قد قالوا هو حقيق بكذا فيجوز على هذا
أن يكون علي بمعنى الباء قال أبو الحسن كما وقعت الباء في قوله بكل صراط توعدون
موقع على كذلك وقعت على هنا موقع الباء .
اللغة
البعث الإرسال و هو في
الأصل النقل باعتماد يوجب الإسراع في المشي فالبعث بعد الموت نقل إلى حال الحياة و
البعث للأنبياء نقل بالإرسال عن حالة إلى حالة النبوة و العصا عود كالقضيب يابس و
أصله الامتناع بيبسة يقال عصي بالسيف يعصي إذا امتنع قال جرير : تصف السيوف و
غيركم يعصي بها يا بن القيون و ذاك فعل الصيقل و يقال عصا بالسيف أي أخذه أخذ
العصا و يقال لمن استقر بعد تنقل ألقى عصاه قال : فألقت عصاها و استقرت بها
النوى كما قر عينا بالإياب المسافر و ليست المعصية بمشتقة من العصا لأن العصا
من بنات الواو و المعصية من بنات الياء قال : فجاءت بنسج العنكبوت كأنه على
عصويها سابري مشبرق و أصل ألقى من اللقاء الذي هو الاتصال فألقى عصاه أي أزال
اتصالهما عما كان عليه و الثعبان الحية الضخمة الطويلة قال الفراء الثعبان أعظم
الحيات و هو الذكر و هو مشتق من ثعبت الماء أثعبه إذا فجرته و المثعب مع انفجار
الماء فسمي الثعبان لأنه كعنق الماء عند
مجمع البيان ج : 4 ص : 703
الانفجار و النزع إزالة الشيء عن مكانه الملابس المتمكن فيه كنزع الرداء عن
الإنسان و النزع و القلع و الجذب نظائر .
الإعراب
موضع كيف في قوله «
كيف كان » نصب لأنه خبر كان و تقديره أنظر أي شيء كان عاقبة المفسدين و موسى على
وزن مفعل و الميم زائدة لكثرة زيادتها أولا كالهمزة حتى صارت أغلب من زيادة الألف
أخيرا و أفعى على وزن أفعل لهذه العلة و موسى لا ينصرف لأنه اسم أعجمي معرفة و موسى
الحديد عربي إن سميت به رجلا لم تصرفه لأنه مؤنث و معرفة على أكثر من ثلاثة أحرف
كما لو سميته بعناق لم تصرفه و فرعون على وزن فعلون مثل برذون فالواو زائدة لأنها
جاءت مع سلامة الأصول الثلاثة و النون زائدة للزومها و فرعون لا ينصرف لأنه أعجمي
معرفة عرب في حال تعريفه لأنه نقل من الاسم العلم و لو عرب في حال تنكره لانصرف كما
ينصرف ياقوت في اسم رجل ، إلا الحق نصب بأنه مفعول القول على غير الحكاية بل على
معنى الترجمة عن المعنى دون حكاية اللفظ ، قوله « إن كنت جئت ب آية » قال أبو
العباس المبرد إن هنا لم ينقل الماضي إلى معنى الاستقبال من أجل قوة كان لأنها أم
الأفعال و لا يجوز ذلك في غيرها و قال أبو بكر السراج المعنى أن تكن جئت ب آية أي
أن صح ذلك قال إذا أمكن إجزاء الحرف على أصله لم يجز إخراجه عنه و إن ينقل الفعل
نقلين إلى الشرط و الاستقبال كما إن لم ينقل الفعل إلى النفي و الماضي و ضمير
المخاطب في كنت يرجع إلى المكنى و لا يجوز ذلك في الذي لأن الذي غائب ببدنه أن يعود
إليه ضمير الغائب و قد أجازوه إذا تقدمت كناية المتكلم في نحو قول الشاعر : و
أنا الذي قتلت بكرا بالقنا و تركت تغلب غير ذات سنام و نحو ما روي عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) من قوله : أنا الذي سمتني أمي حيدرة أكيلكم بالسيف
كيل السندرة و على هذا يجوز أنت الذي ضربك عمرو و الوجه ضربه عمرو و قوله « فأت بها
» جاز وقوع الأمر في جواب الشرط لأن فيه معنى إن كنت جئت ب آية فإني ألزمك أن تأتي
بهذا فقد عاد إلى أنه وجب الثاني بوجوب الأول قوله « فإذا هي ثعبان مبين » إذا هذه
ظرف مكان و يسمى ظرف المفاجاة و هي بخلاف إذا التي هي ظرف زمان و فيها معنى الشرط و
يعمل فيها جوابها
مجمع البيان ج : 4 ص : 704
و مثال إذا التي هي ظرف المكان
قولهم خرجت فإذا الناس وقوف فإذا في موضع نصب بكونها ظرفا لوقوف و تقديره فبالحضرة
الناس وقوف فيجوز أن ينصب وقوفا على الحال لأن إذا ظرف مكان و ظروف المكان تكون
إخبارا عن الجثث و هذه المسألة وقعت بين سيبويه و الكسائي لما اجتمعا عند يحيى بن
خالد البرمكي فيما رواه علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أحمد بن يحيى ثعلب و محمد
بن زيد المبرد قالا لما ورد سيبويه بغداد شق أمره على الكسائي فأتى جعفر بن يحيى و
الفضل بن يحيى فقال أنا وليكما و صاحبكما و هذا الرجل قد قدم ليذهب بمحلي فقالا له
فاحتل لنفسك فإنا سنجمع بينكما فجمعا بينهما عند أبيهما و حضر سيبويه وحده و حضر
الكسائي و معه الفراء و علي الأحمر و غيرهما من أصحابه فسألوه كيف تقول كنت أظن
العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها قال أقول فإذا هو هي فأقبل
عليه الجمع فقالوا له أخطأت و لحنت فقال يحيى هذا موضع مشكل أنتما إماما مصريكما
فمن يحكم بينكما قال فقال الكسائي و أصحابه الأعراب الذين على الباب فأدخل أبو
الجراح و من وجد معه ممن كان الكسائي و أصحابه يحملون عنهم فقالوا إنا نقول فإذا هو
إياها و انصرف المجلس على أن سيبويه أخطأ و حكموا عليه بذلك فأعطاه البرامكة و
أخذوا له من الرشيد و بعثوا به إلى بلده فما لبث بعد هذا الأمر إلا يسيرا حتى مات و
يقال أنه مات كمدا قال علي بن سليمان و أصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف
بينهم يقولون إن الجواب على ما قال سيبويه فإذا هو هي و هذا موضع الرفع و هو كما
قال علي بن سليمان و ذلك أن النصب إنما يكون على الحال نحو خرجت فإذا الناس وقوفا
جاز النصب هنا لأن وقوفا نكرة و الحال لا يكون إلا نكرة فإذا أضمرت بطل أمر الحال
فإن المضمر معرفة و المعرفة لا تكون حالا فوجب العدول عن النصب إلى الرفع كما تقول
فإذا الناس وقوف .
المعنى
ثم عطف سبحانه بقصة موسى (عليه السلام) على
ما تقدم من قصص الأنبياء (عليهم السلام) فقال « ثم بعثنا من بعدهم » أي من بعد
الرسل الذين ذكرناهم أو من بعد الأمم الذين ذكرنا إهلاكهم « موسى ب آياتنا » أي
بدلائلنا و حججنا « إلى فرعون و ملأه » أي أشراف قومه و ذوي الأمر منهم « فظلموا
بها » أي ظلموا أنفسهم بجحدها عن الحسن و الجبائي و قيل فظلموا بوضعها غير مواضعها
فجعلوا بدل الإيمان بها الكفر و الجحود لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه الذي هو
حقه و لم يقل فذهب موسى (عليه السلام) فأدى إليهم الرسالة فكذبوه لأن
مجمع
البيان ج : 4 ص : 705
في قوله « فظلموا بها » دلالة عليه « فانظر كيف كان عاقبة
المفسدين » يعني ما آل إليه أمرهم في الهلاك « و قال موسى يا فرعون إني رسول من رب
العالمين » هذه حكاية قول موسى لفرعون و ندائه له إني رسول إليك من قبل رب العالمين
مبعوث إليك و إلى قومك قال وهب و كان اسم فرعون الوليد بن مصعب و هو فرعون يوسف و
كان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر و اليوم الذي دخلها موسى رسولا أربعمائة عام «
حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق » قال الزجاج معناه حقيق على ترك القول على
الله إلا الحق و قال الإمام العلامة الزمخشري تقول أنا حقيق علي قول الحق أي واجب
علي قول الحق أن أكون أنا قائله و القائم به و لا يرضى إلا مثلي ناطقا به و منه قول
العرب فلان يدعيه العلم بالطرق فوق ما يدعي هو العلم بها و قال الفراء معناه حقيق
بأن لا أقول على الله إلا الحق فيكون على بمعنى الباء كما تقول رميت السهم على
القوس و بالقوس و جاءني فلان على حالة حسنة و بحالة حسنة و قيل معناه حريص علي أن
لا أقول على الله إلا الحق و ما فرضه علي من الرسالة عن أبي عبيدة « قد جئتكم ببينة
» أي بحجة و معجزة « من ربكم » أي أعطانيها ربكم « فأرسل معي بني إسرائيل » أي
فأطلق بني إسرائيل من عقال التسخير و خلهم يرجعوا إلى الأرض المقدسة و ذلك أن فرعون
و القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل و اعتقلوهم للاستخدام في الأعمال الشاقة مثل
بناء المنازل و حمل الماء و نقل التراب و ما أشبه ذلك « قال » فرعون « إن كنت جئت ب
آية » أي حجة و دلالة تشهد لك على ما تقوله « فأت بها إن كنت من الصادقين » في أنك
رسول الله « فألقى عصاه » الفاء فاء الجواب أي فكان جوابه لفرعون أن ألقى عصاه من
يده « فإذا هي ثعبان مبين » أي حية عظيمة بين ظاهر أنه ثعبان بحيث لا يشتبه على
الناس و لم يكن مما يخيل أنه حية و ليس بحية و قيل إن العصا لما صارت حية أخذت قبة
فرعون بين فكيها و كان ما بينهما ثمانون ذراعا فتضرع فرعون إلى موسى بعد أن وثب من
سريره و هرب منها و أحدث و هرب الناس و دخل فرعون البيت و صاح يا موسى خذها و أنا
أومن بك فأخذها موسى فعادت عصا عن ابن عباس و السدي و قيل و كان طولها ثمانين ذراعا
« و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين » هناك قيل إن فرعون قال له هل معك آية أخرى
قال نعم فأدخل يده في جيبه و قيل تحت إبطه ثم نزعها أي أخرجها منه و أظهرها فإذا هي
بيضاء أي لونها أبيض نوري و لها شعاع يغلب نور الشمس و كان موسى (عليه السلام) آدم
فيما يروي ثم أعاد اليد إلى كمه فعادت إلى لونها الأول عن ابن عباس و السدي و مجاهد
سؤال . قيل كيف قال سبحانه هنا « فإذا هي ثعبان » و قال في موضع آخر فلما رآها
تهتز كأنها جان و الثعبان الحية العظيمة و الجان الحية
مجمع البيان ج : 4 ص :
706
الصغيرة فاختلف الوصفان و القصة واحدة و الجواب أن الآيتين ليستا إخبارا عن
قصة واحدة بل الحالتان مختلفتان و الحالة التي كانت العصا بصفة الجان كانت في
ابتداء النبوة و الحالة التي كانت بصفة الثعبان كانت عند لقائه فرعون و على هذا فلا
سؤال و قد أجيب أيضا عن ذلك بأنه شبهها بالجان لسرعة حركتها و نشاطها و خفتها مع
أنها في جسم الثعبان و كبر خلقه و هذا أبهر في باب الإعجاز .
[ حديث العصا
]قد ذكرنا نسب موسى (عليه السلام) في سورة البقرة و أما عصاه فقيل أنه أعطاه
إياها ملك حين توجه إلى مدين و قيل إن عصا آدم من آس الجنة حين أهبط و كانت تدور
بين أولاده حتى انتهت النوبة إلى شعيب فكانت ميراثا له مع أربعين عصا كانت لآبائه
فلما استأجر شعيب موسى أمره بدخول بيت فيه العصي و قال له خذ عصا من تلك العصي
فوقعت تلك العصا بيد موسى فاستردها شعيب و قال خذ غيرها حتى فعل ذلك ثلاث مرات في
كل مرة تقع يده عليها دون غيرها فتركها في يده في المرة الرابعة فلما خرج من عنده
متوجها إلى مصر و رأى نارا و أتى الشجرة فناداه الله تعالى أن يا موسى إني أنا الله
و أمره بإلقائها فألقاها فصارت حية فولى هاربا فناداه الله سبحانه خذها و لا تخف
فأدخل يده بين لحييها فعادت عصا فلما أتى فرعون ألقاها بين يديه على ما تقدم بيانه
و قيل كان الأنبياء (عليهم السلام) يأخذون العصا تجنبا من الخيلاء و قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) تعصوا فإنها من سنن إخواني المرسلين و قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من خرج في سفر و معه عصا من
لوز مر و تلا هذه الآية و لما توجه تلقاء مدين إلى قوله و الله على ما نقول وكيل
آمنه الله من كل سبع ضار و من كل لص عاد و من كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله و منزله
و كان معه سبعة و سبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع و يضعها و قيل إن أول من
أخذ العصا عند الخطبة في العرب قس بن ساعدة . قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ
فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسحِرٌ عَلِيمٌ(109) يُرِيدُ أَن يخْرِجَكم مِّنْ
أَرْضِكُمْ فَمَا ذَا تَأْمُرُونَ(110) قَالُوا أَرْجِهْ وَ أَخَاهُ وَ أَرْسِلْ فى
الْمَدَائنِ حَشِرِينَ(111) يَأْتُوك بِكلِّ سحِر عَلِيم(112)
القراءة
قرأ
أهل المدينة و الكسائي و خلف أرجه بكسر الهاء بغير همز بين الجيم و الهاء إلا أن
نافعا و الكسائي و خلفا يشبعون كسرة الهاء و لا يشبع أبو جعفر و قالون عن نافع بل
مجمع البيان ج : 4 ص : 707
يكسران الهاء بغير همز بين الجيم و الهاء و قرأ
عاصم و حمزة « أرجه » بغير همز و سكون الهاء و قرأ الباقون أرجئه بالهمز و ضم الهاء
و في الشعراء مثله و قرأ بكل سحار بألف بعد الحاء كوفي غير عاصم هاهنا و في يونس و
قرأ الباقون « ساحر » بألف قبل الحاء في السورتين و لم يختلفوا في الشعراء أن الألف
بعد الحاء هناك .
الحجة
قال أبو علي أرجئه أفعله من الإرجاء و هو
التأخير و لا بد من ضم الهاء مع الهمزة و لا يجوز غيره و أن لا يبلغ الواو أحسن لأن
الهاء خفية فلو بلغ بها الواو لكان كأنه جمع بين ساكنين و من قال أرجئه فألحق الواو
فلأن الهاء متحركة و لم يلتق ساكنان لأن الهاء يفصل بينهما و لو كان مع الهاء حرف
لين لكان وصلها بالواو أقبح نحو عليهو لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء ليس بحاجز
قوي و من قرأ أرجهي فوصل الهاء بياء فلأن هذه الهاء يوصل في الإدراج بواو و ياء نحو
بهو و بهي و ضربهو و من قرأ « أرجه » فلأن في أرجأت لغتين أرجئت و أرجيت فإذا قال «
أرجه » كان من أرجيت قال الزجاج زعم الحذاق بالنحو أن هذه الهاء لا يجوز إسكانها
أعني هاء الإضمار و زعم بعض النحويين أن إسكانها جائز و أن هاء التأنيث يجوز
إسكانها و استشهد ببيت مجهول و هو : لما رأى أن لا دعه و لا شبع مال إلى
أرطاة حقف فاضطجع قال و هذا شعر لا يعرف قائله و الشاعر قد يجوز أن يخطىء و حجة من
قرأ ساحر قوله فألقي السحرة و لعلنا نتبع السحرة و السحرة جمع ساحر و كذلك قوله
سحروا أعين الناس و حجة من قرأ سحار أنه قد وصفه بعليم و ذلك يدل على تناهيه فيه و
حذقه به فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدال على المبالغة في السحر .
اللغة
السحر لطف الحيلة في إظهار أعجوبة توهم المعجزة و قال الأزهري السحر صرف الشيء
عن حقيقته إلى غيره و أصل السحر خفاء الأمر و السحر آخر الليل لخفاء الشخص ببقية
ظلمته و السحر الرئة لخفاء أمرها و يقال سحر المطر الأرض إذا جادها فقطع
مجمع
البيان ج : 4 ص : 708
نباتها عن أصوله فقلب الأرض ظهرا لبطن بسرها سحرا و الأرض
مسحورة فشبه سحر الساحر بذلك لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به .
الإعراب
« فما ذا تأمرون » موضع ما يحتمل أن يكون رفعا و يكون ذا بمعنى
الذي فيكون بمعنى فما الذي تأمرون و يحتمل أن يكون نصبا و يكون ما و ذا اسما واحدا
و يكون بمعنى فأي شيء تأمرون و يأتوك مجزوم لأنه جواب الأمر و عامل الإعراب فيه
محذوف و تقديره فإنك إن ترسل يأتوك و الباء في قوله « بكل ساحر » يحتمل أن يكون
بمعنى مع أي يأتون و معهم كل ساحر فيكون في موضع الحال و يحتمل أن يكون للتعدية
تقول ذهبت به و أذهبته و أتيت به و أتيته .
المعنى
ثم حكى سبحانه ما
قاله أشراف قوم فرعون فقال « قال الملأ من قوم فرعون » لمن دونهم في الرتبة من
الحاضرين « إن هذا لساحر عليم » بالسحر « يريد أن يخرجكم من أرضكم » معناه يريد أن
يستميل بقلوب بني إسرائيل إلى نفسه و يتقوى بهم فيغلبكم بهم و يخرجوكم من بلدتكم «
فما ذا تأمرون » قيل أن هذا قول الأشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة و يحتمل أن
يكون قالوا ذلك لفرعون و إنما قالوا تأمرون بلفظ الجمع على خطاب الملوك و يحتمل
أيضا أن يكون قول فرعون لقومه فيكون تقديره قال فرعون لهم فما ذا تأمرون و هو قول
الفراء و الجبائي « قالوا أرجه و أخاه » أي قالوا لفرعون أخره و أخاه هارون و لا
تعجل بالحكم فيهما بشيء فتكون عجلتك حجة عليك عن الزجاج و قيل أخره أي أحبسه و
الأول أصح لأنه كان يعلم أنه لا يقدر على حبسه مع ما رأى من تلك الآيات « و أرسل في
المدائن » التي حولك « حاشرين » أي جامعين للسحرة يحشرون من يعلمونه منهم عن مجاهد
و السدي و قيل هم أصحاب الشرط أرسلهم في حشر السحرة و كانوا اثنين و سبعين رجلا عن
ابن عباس « يأتوك بكل ساحر عليم » أي يحشرون إليك السحرة ليجتمعوا و يعارضوا موسى
فيغلبوه .
مجمع البيان ج : 4 ص : 709
وَ جَاءَ السحَرَةُ فِرْعَوْنَ
قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كنَّا نحْنُ الْغَلِبِينَ(113) قَالَ نَعَمْ وَ
إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(114) قَالُوا يَمُوسى إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَ
إِمَّا أَن نَّكُونَ نحْنُ الْمُلْقِينَ(115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا
سحَرُوا أَعْينَ النَّاسِ وَ استرْهَبُوهُمْ وَ جَاءُو بِسِحْر عَظِيم(116)
القراءة
قرأ أهل الحجاز و حفص « إن لنا لأجرا » بهمزة واحدة على الخبر و
قرأ أ إن بهمزتين محققتين ابن عامر و أهل الكوفة غير حفص و قرأ أبو عمرو آءن بهمزة
ممدودة و قرأ يعقوب غير زيد بهمزة غير ممدودة .
الحجة
قال أبو علي
الاستفهام أشبه بهذا الموضع لأنهم يستفهمون عن الأجر و ليسوا يقفون على أن لهم
الأجر و يقوي ذلك إجماعهم في الشعراء و ربما حذفت همزة الاستفهام قال أبو الحسن في
قوله و تلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل أن من الناس من يذهب إلى أنه على
الاستفهام و قد جاء ذلك في الشعر قال : أفرح أن أرزأ الكرام و أن أورث ذودا
شصائصا نبلا و هذا أقبح من قوله : و أصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوني فقالوا
من ربيعة أم مضر لأن أم يدل على الهمزة .
الإعراب
نحن يحتمل أن يكون
موضعه رفعا و يكون تأكيدا للضمير المتصل في كنا و يحتمل أن يكون فصلا بين الخبر و
الاسم و ضم حرف مع أنه يجوز الوقف عليه لأنه في الوجوب نظير لا في النفي و إنما جاز
الوقف على كل واحد منهما لأنه جواب لكلام يستغني بدلالته عليه عما يتصل به و الواو
في قوله « و إنكم » واو العطف فكأنه قال لكم ذلك و إنكم لمن المقربين و هو في مخرج
الكلام كأنه معطوف على الحرف و كسرت الألف من إنكم لأنه في موضع استئناف بالوعد و
لم يكسر لدخول اللام في الخبر لأنه لو لم يكن اللام لكانت مكسورة و إنما دخلت أن في
قوله « إما أن تلقي » و لم تدخل في إما يعذبهم و إما يتوب عليهم لأن فيه معنى الأمر
كأنه قال اختر إما أن تلقي أي إما إلقاءك و إما إلقاءنا فموضع أن نصب و يجوز أيضا
مجمع البيان ج : 4 ص : 710
أن يكون التقدير إما إلقاؤك مبدوء به و إما
إلقاؤنا فموضع أن على هذا يكون نصبا .
المعنى
« و جاء السحرة فرعون »
في الكلام حذف كثير تقديره فأرسل فرعون في المدائن حاشرين يحشرون السحرة فحشروهم
فجاء السحرة فرعون و كانوا خمسة عشر ألفا عن ابن إسحاق و قيل ثمانين ألفا عن ابن
المنكدر و قيل سبعين ألفا عن عكرمة و قيل بضعة و ثلاثين ألفا عن السدي و قيل كانوا
اثنين و سبعين ساحرا اثنان من القبط و هما رئيسا القوم و سبعون من بني إسرائيل عن
مقاتل و قيل كانوا سبعين عن الكلبي « قالوا » لفرعون إنما لم يقل فقالوا حتى يتصل
الثاني بالأول لأن المعنى لما جاءوا قالوا فلم يصلح دخول الفاء على هذا الوجه « إن
لنا لأجرا » أي عوضا على عملنا و جزاء بالخير « إن كنا نحن الغالبين » لموسى « قال
نعم » أي قال فرعون مجيبا لهم عما سألوه نعم لكم الأجر « و إنكم لمن المقربين » أي
و إنكم مع حصول الأجر لكم لمن المقربين إلى المنازل الجليلة و المراتب الخطيرة التي
لا يتخطى إليها العامة و لا يحظى بها إلا الخاصة و في هذا دلالة على حاجة فرعون و
ذلته لو استدل قومه به و أحسنوا النظر فيه لنفوسهم لأن من المعلوم أنه لم يحتج إلى
السحرة إلا لعجزه و ضعفه « قالوا » يعني قالت السحرة لموسى « يا موسى إما أن تلقي »
ما معك من العصا أولا « و إما أن نكون نحن الملقين » لما معنا من العصي و الحبال
أولا « قال » لهم موسى « ألقوا » أنتم و هذا أمر تهديد و تقريع كقوله سبحانه اعملوا
ما شئتم و قيل معناه ألقوا على ما يصح و يجوز لا على ما يفسد و يستحيل و قيل معناه
إن كنتم محقين فألقوا « فلما ألقوا سحروا أعين الناس » أي فلما ألقى السحرة ما
عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى
تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس و خيل إلى الناس
أنها تتحرك على ما تتحرك الحية و إنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا
حقيقته و خفي ذلك عليهم لبعده منهم فإنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم و في
هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له لأنها لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه
سحروا أعين الناس بل كان يقول فلما ألقوا صارت حيات و قد قال سبحانه أيضا يخيل إليه
من سحرهم أنها تسعى « و استرهبوهم » أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس عن الزجاج و
قيل معناه ارهبوهم و أفزعوهم عن المبرد « و جاءوا بسحر عظيم » وصف سحرهم بالعظم
لبعد مرام الحيلة فيه و شدة التمويه به فهو لذلك عظيم
مجمع البيان ج : 4 ص :
711
الشأن عند من يراه من الناس و لأنه على ما ذكرناه في عدة السحرة و كثرتهم
كان مع كل واحد منهم عصا أو حبل فلما ألقوا و خيل إلى الناس أنها تسعى استعظموا ذلك
و خافوه . * وَ أَوْحَيْنَا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاك فَإِذَا هِىَ تَلْقَف
مَا يَأْفِكُونَ(117) فَوَقَعَ الحَْقُّ وَ بَطلَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(118)
فَغُلِبُوا هُنَالِك وَ انقَلَبُوا صغِرِينَ(119) وَ أُلْقِىَ السحَرَةُ
سجِدِينَ(120) قَالُوا ءَامَنَّا بِرَب الْعَلَمِينَ(121) رَب مُوسى وَ
هَرُونَ(122)
القراءة
قرأ حفص عن عاصم « تلقف » خفيفة في طه و الشعراء مثله
و الباقون تلقف بتشديد القاف في جميعها .
الحجة
تلقف و تلقم واحد و
أصله تتلقف فحذفت التاء التي للمطاوعة في تفعل و ثبت التاء التي للمضارعة و تلقف
ساكنة اللام مضارع لقف يلقف لقفا قال الشاعر : أنت عصا موسى التي لم تزل
تلقف ما يأفكه الساحر .
اللغة
الإفك قلب الشيء عن وجهه في الأصل و
منه الإفك الكذب لأنه قلب المعنى عن جهة الصواب ، أصل الوقوع السقوط كسقوط الحائط و
الطائر و الواقعة النازلة من السماء قال علي بن عيسى الوقوع ظهور الشيء بوجوده
نازلا إلى مستقره و الحق كون الشيء في موضعه الذي اقتضته الحكمة و الباطل الكائن
بحيث يؤدي إلى الهلاك و هو نقيض الحق فإن الحق كون الشيء بحيث يؤدي إلى النجاة و
الغلبة الظفر بالبغية من العدو في حال المنازعة و الصاغر الذليل و الصغر و الصغار
الذلة يقال صغر الشيء يصغر صغرا و صغرا و صغارا إذا ذل و أصله صغر القدر .
الإعراب
« أن ألق » يجوز أن يكون أن مع ما بعدها من الفعل بمنزلة
المصدر فيكون تقديره و أوحينا إلى موسى بأن ألق أي بالإلقاء و يجوز أن يكون بمعنى
أي لأنه تفسير ما أوحي
مجمع البيان ج : 4 ص : 712
إليه « ما يأفكون » ما
بمعنى الذي و تقديره تلقف ما يأفكون فيه أي تلقف المأفوك الذي حل فيه الإفك و مثله
و الله خلقكم و ما تعملون يعني و ما تعملون فيه و « ما كانوا يعملون » يحتمل أن
تكون ما بمعنى المصدر أي و بطل عملهم و يحتمل أن يكون ما بمعنى الذي أي و بطل
الحبال و العصي التي عملوا بها السحر و ما إذا كانت بمعنى المصدر لا تعمل في الفعل
كما يعمل إن فيه إذا كانت بمعنى المصدر لأن أن ينقل الفعل نقلين إلى المصدر و إلى
الاستقبال و لا ينقله ما إلى الاستقبال تقول يعجبني ما تصنع الآن و يعجبني أن تصنع
الخير و « هنالك » دخلت اللام فيه ليدل على بعد المكان المشار إليه كما دخلت في ذلك
لبعد المشار إليه فههنا لما بعد قليلا و هنالك لما كان أشد بعدا و هو ظرف مبهم و
فيه معنى الإشارة كما أن ذا مبهم و إنما دخلت كاف المخاطبة مع بعد الإشارة لتشعر
بتأكيد معنى الإشارة إلى المخاطب ليتنبه على بعد المشار إليه من المكان . و
البعيد أحق بعلامة التنبه من القريب .
المعنى
ثم أخبر سبحانه عن نفسه
فقال « و أوحينا إلى موسى » أي ألقينا إليه من وجه لم يشعر به إلا هو « أن ألق عصاك
» التي معك « فإذا هي تلقف ما يأفكون » معناه فألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع
ما يكذبون فيه أنها حيات عن مجاهد « فوقع » أي ظهر « الحق » و هو أمر موسى و صحة
نبوته و معجزاته عن الحسن و مجاهد و قيل وقع الحق بأن صارت العصا حية في الحقيقة «
و بطل ما كانوا يعملون » أي بطل تمويهاتهم عن الجبائي و إنما ظهر ذلك لهم لأنهم لما
رأوا تلك الآيات الباهرة و المعجزات القاهرة في العصا علموا أنه أمر سماوي لا يقدر
عليه غير الله تعالى فمن تلك الآيات قلب العصا حية و منها أكلها حبالهم و عصيهم مع
كثرتها و منها فناء حبالهم و عصيهم في بطنها إما بالتفرق و إما بالفناء عند من جوزه
و منها عودها عصا كما كانت من غير زيادة و لا نقصان و كل من هذه الأمور يعلم كل
عاقل أنه لا يدخل تحت مقدور البشر فاعترفوا بالتوحيد و النبوة و صار إسلامهم حجة
على فرعون و قومه « فغلبوا هنالك » أي قهر فرعون و قومه عند ذلك المجمع و بهت فرعون
و خلى سبيل موسى و من تبعه « و انقلبوا صاغرين » أي انصرفوا أذلاء مقهورين « و ألقي
السحرة ساجدين » يعني أن السحرة لما شاهدوا تلك الآيات و علموا أنها من عند الله
تعالى آمنوا بالله تعالى و بموسى و سجدوا لله ألهمهم الله ذلك و قيل إن موسى و
هارون سجدا لله تعالى شكرا له على ظهور الحق فاقتدوا بهما فسجدوا معهما و إنما قال
ألقي على ما لم يسم فاعله ليكون فيه معنى إلقائهم ما رأوا من عظيم آيات الله بأن
دعاهم إلى السجود لله و الخضوع له عزت
مجمع البيان ج : 4 ص : 713
قدرته و
أنهم لم يتمالكوا أنفسهم عند ذلك بأن وقعوا ساجدين و هذا كما يقال أعجب فلان بنفسه
و إن كان أتى من قبله و ليس يفعل ذلك به غيره « قالوا آمنا » أي صدقنا « برب
العالمين » الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما « رب موسى و هارون » خصوهما
بالذكر بعد دخولهما في جملة العلمين لأنهما دعوا إلى الإيمان بالله تعالى و لشريف
ذكرهما و لتفضيلهما على غيرهما على طريق المدحة و التعظيم لهما و قيل إنهم فسروا
سجودهم بأن قالوا آمنا برب العالمين لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون ثم قالوا
رب موسى و هارون لأن فرعون كان يدعي أنه رب العالمين فأزالوا به الإبهام لئلا يتوهم
الجهال أنهم عنوا بقولهم رب العالمين فرعون و قال علي بن عيسى يجوز أن يقال إن الله
سبحانه لم يزل ربا و لا مربوب كما جاز لم يزل سميعا و لا مسموع لأنها صفة غير جارية
على الفعل كما جرى صفة مالك على ملك يملك فالمقدور هو المملوك و لا يطلق الرب إلا
على الله تعالى لأنه يقتضي أنه رب كل شيء يصح ملكه و يقال في غيره رب الدار و رب
الفرس و مثله خالق لا يطلق إلا عليه سبحانه و يقال في غيره خالق الأديم . قَالَ
فِرْعَوْنُ ءَامَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ
مَّكَرْتُمُوهُ فى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنهَا أَهْلَهَا فَسوْف
تَعْلَمُونَ(123) لأُقَطعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَف ثُمَّ
لأُصلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124) قَالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125)
وَ مَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِئَايَتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صبراً وَ تَوَفَّنَا مُسلِمِينَ(126)
القراءة
قرأ حفص عن عاصم آمنتم بهمزة واحدة على الخبر حيث كان و الباقون بهمزتين على
الاستفهام إلا أن أهل الكوفة إلا حفصا يحققون الهمزتين و غيرهم حققوا الأولى و
لينوا الثانية و لم يفصل أحد بين الهمزتين بألف .
الحجة
وجه الخبر فيه
أنه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم بإيمانهم و الإنكار
مجمع البيان ج : 4
ص : 714
عليهم و وجه الاستفهام أنه على جهة التقريع و التوبيخ أيضا و من حقق
الهمزتين فإنه على ما يراه من تحقيقهما و الهمزة الثانية ممدودة لأن الألف المنقلبة
عن الهمزة التي هي فاء من الأمن يتصل بها و من خفف الهمزة الثانية فتخفيفها أن
يجعلها بين بين .
اللغة
الصلب الشد على الخشبة و غيرها و أصله من صلابة
الشيء و القراء كلهم على تشديد اللام من التصليب . الأزهري يقال نقمت على الرجل
أنقم و نقمت و الفصيح نقمت . ابن الأعرابي النقمة العقوبة و الإنكار قال علي بن
عيسى النقمة ضد النعمة و الفرق بين النقمة و الإساءة أن النقمة قد تكون بحق جزاء
على كفر النعمة و الإساءة لا تكون إلا قبيحة و المسيء مذموم لا محالة و الإفراغ صب
ما في الإناء أجمع حتى يخلو مشتق من الفراغ و الصبر حبس النفس عن إظهار الجزع و
الصبر على الحق عز كما أن الصبر على الباطل ذل .
المعنى
ثم حكى سبحانه
ما صدر عن فرعون عند إيمان السحرة فقال سبحانه « قال فرعون آمنتم به » أي أقررتم له
بالصدق من « قبل أن آذن لكم » أي من قبل أن آمركم بإيمان و آذن لكم في ذلك « إن هذا
لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها » أراد فرعون بهذا القول التلبيس على
الناس و إيهامهم أن إيمان السحرة لم يكن عن علم و لكن لتواطؤ منهم ليذهبوا مالكم و
ملككم و قيل معناه إن هذا لصنيع صنعتموه فيما بينكم و بين موسى في مصر قبل خروجكم
إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها « فسوف تعلمون » عاقبة أمركم و
هذا وعيد لهم ثم بين الوعيد فقال « لأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلاف » أي من كل شق
طرفا قال الحسن هو أن يقطع اليد اليمني مع الرجل اليسرى و كذلك اليد اليسرى مع
الرجل اليمني « ثم لأصلبنكم أجمعين » أي لا أدع واحدا منكم إلا صلبته و قيل إن أول
من قطع الرجل و صلب فرعون صلبهم في جذوع النخل على شاطىء نهر مصر « قالوا » يعني
السحرة جوابا لفرعون « إنا إلى ربنا منقلبون » أي راجعون إلى ربنا بالتوحيد و
الإخلاص عن ابن عباس و الانقلاب إلى الله تعالى هو الانقلاب إلى جزائه و غرضهم بهذا
القول التسلي في الصبر على الشدة لما فيه من المثوبة مع مقابلة وعيده بوعيد أشد منه
و هو عقاب الله « و ما تنقم منا إلا أن آمنا ب آيات ربنا لما جاءتنا » معناه و ما
تطعن علينا و ما تكره منا
مجمع البيان ج : 4 ص : 715
إلا إيماننا بالله و
تصديقنا ب آياته التي جاءتنا قال ابن عباس معناه ما لنا عندك من ذنب و لا ركبنا منك
مكروها تعذبنا عليه إلا إيماننا ب آيات ربنا و هي ما أتي به موسى (عليه السلام)
آمنوا بها أنها من عند الله لا يقدر على مثلها إلا هو « ربنا أفرغ علينا صبرا » أي
اصبب علينا الصبر عند القطع و الصلب حتى لا نرجع كفارا و المراد الطف لنا حتى نتصبر
على عذاب فرعون و نتشجع عليه و لا نفزع منه « و توفنا مسلمين » أي وفقنا للثبات على
الإيمان و الإسلام إلى وقت الوفاة و قيل مسلمين مخلصين لله حتى لا يردنا البلاء عن
ديننا قالوا فصلبهم فرعون من يومه فكانوا أول النهار كفارا سحرة و آخر النهار شهداء
بررة و قيل أيضا إنه لم يصل إليهم و عصمهم الله منه . وَ قَالَ المَْلأُ مِن
قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فى الأَرْضِ وَ
يَذَرَك وَ ءَالِهَتَك قَالَ سنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَ نَستَحْىِ نِساءَهُمْ وَ
إِنَّا فَوْقَهُمْ قَهِرُونَ(127)
القراءة
روي عن علي بن أبي طالب (عليه
السلام) و ابن عباس و ابن مسعود و أنس بن مالك و علقمة و غيرهم و يذرك و آلهتك و عن
نعيم بن ميسرة و الحسن بخلاف و يذرك بالرفع و عن الأشهب و يذرك بسكون الراء و
القراءة المشهورة « و يذرك و آلهتك » و قرأ أهل الحجاز سنقتل أبناءهم بالتخفيف و
الباقون « سنقتل » بالتشديد .
الحجة
أما الإلاهة فإنه الربوبية و
العبادة فمن قرأ و إلاهتك فمعناه و يذرك و ربوبيتك عن الزجاج و قيل عبادتك عن ابن
جني قال و منه سميت الشمس الآلهة و الإلهة لأنهم كانوا يعبدونها و من قرأ و يذرك
بالرفع فإنه على الاستئناف أي و هو يذرك و أما من أسكن فقال و يذرك فإنه كقراءة أبي
عمرو و إن الله يأمركم و قد مضى الكلام في ذلك و من نصب « و يذرك » فإنه على جواب
الاستفهام بالواو فيكون المعنى أ يكون منك أن تذر موسى و أن يذرك و يجوز أن يكون
عطفا على « ليفسدوا » و من قرأ سنقتل بالتخفيف فإنه قد يقع ذلك على التكثير و غير
التكثير و التثقيل بهذا المعنى أخص و بالموضع أليق .
المعنى
ثم أخبر
سبحانه عن قوم فرعون فقال سبحانه « و قال الملأ من قوم فرعون » لما أسلم السحرة
تحريضا له على موسى « أ تذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض »
مجمع البيان ج : 4
ص : 716
أي أ تتركهم أحياء ليظهروا خلافك و يدعوا الناس إلى مخالفتك ليغلبوا
عليك فيفسد به ملكك و أمرك و قيل ليفسدوا في الأرض بعبادة غيرك و الدعاء إلى خلاف
دينك و قيل ليفسدوا فيها بالغلبة عليها و أخذ موسى قومه منها و روي عن ابن عباس أنه
لما آمن السحرة أسلم من بني إسرائيل ستمائة ألف نفس و اتبعوه « و يذرك و آلهتك »
قال الحسن كان فرعون يستعبد الناس و يعبد الأصنام بنفسه و كان الناس يعبدونها تقربا
إليه و قال السدي كان يعبد ما يستحسن من البقر و روي أنه كان يأمرهم أيضا بعبادة
البقر و لذلك أخرج السامري لهم عجلا جسدا له خوار و قال هذا إلهكم و إله موسى و قال
الزجاج كانت له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه و من قرأ و آلهتك قال كان فرعون
يستعبد الناس بنفسه و لا يعبد شيئا و روي عن مجاهد أنه قال كان فرعون يعبد و لا
يعبد « قال » فرعون « سنقتل أبناءهم » الذين يكون فيهم النجدة و القوة و يصلحون
للقتال « و نستحيي نساءهم » أي بناتهم نستبقيهن إذا لا يكون فيهن نجدة و قوة للمهنة
و الخدمة استذلالا لهن و إن كان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى و قومه فلم يقل
سأقتل موسى و قومه لما رأى من علو أمره و عظم شأنه فانتقل إلى عذاب المستضعفين منهم
و هم أبناء بني إسرائيل و بناتهم ليوهم أنه يتم له ذلك فيهم أيضا « و إنا فوقهم
قاهرون » ظاهر المعنى . قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ استَعِينُوا بِاللَّهِ وَ
اصبرُوا إِنَّ الأَرْض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ الْعَقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ(128) قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَ مِن بَعْدِ
مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِك عَدُوَّكمْ وَ يَستَخْلِفَكمْ فى
الأَرْضِ فَيَنظرَ كيْف تَعْمَلُونَ(129)
المعنى
قال ابن عباس كان فرعون
يقتل أبناء بني إسرائيل فلما كان من أمر موسى ما كان أمر بإعادة القتل عليهم فشكا
ذلك بنو إسرائيل إلى موسى فعند ذلك « قال موسى لقومه استعينوا بالله » في دفع بلاء
فرعون عنكم « و اصبروا » على دينكم و على أذى فرعون « إن الأرض لله يورثها من يشاء
من عباده » أي ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث فيورثكن
مجمع البيان ج : 4 ص :
717
بعد إهلاك فرعون كما أورثها فرعون و هذا وعد لهم بحسن العاقبة ليكون داعيا
لهم إلى الصبر « و العاقبة للمتقين » معناه تمسكوا بالتقوى في الدنيا فإن حسن
العاقبة في الدارين للمتقين و العاقبة ما يؤدي إليه البادئة إلا أنه إذا قيل
العاقبة له فهو في الخير و إذا قيل العاقبة عليه فهو في الشر كما يقال الدائرة له و
عليه و الدبرة له و عليه « قالوا » أي قال بنو إسرائيل لموسى « أوذينا من قبل أن
تأتينا » أي عذبنا فرعون بقتل الأبناء و استخدام النساء قبل أن تأتينا بالرسالة و
قيل قبل أن جئتنا « و من بعد ما جئتنا » أيضا و يتوعدنا و يأخذ أموالنا و يكلفنا
الأعمال الشاقة فلم ننتفع بمجيئك و هذا يدل على أنه قد جرى فيهم القتل و التعذيب
مرتين قال الحسن كان فرعون يأخذ الجزية قبل مجيء موسى و بعده من بني إسرائيل فلهذا
« قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا » و هذا الذي قالوه إنما هو
استبطاء منهم لما وعدهم موسى (عليه السلام) من النجاة من فرعون و قومه فجدد (عليه
السلام) لهم الوعد عن الله تعالى ليتقوا به « قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم » قال
الزجاج عسى طمع و إشفاق إلا أن ما يطمع الله فيه فهو واجب و هو معنى قول المفسرين
عسى من الله واجب و معناه أوجب ربكم على نفسه أن يهلك عدوكم فرعون و قومه « و
يستخلفكم في الأرض » أي يملككم ما كانوا يملكونه في الأرض من بعدهم « فينظر كيف
تعملون » أي فيرى ذلك بوقوعه منكم لأن الله تعالى لا يجازي عباده على ما يعلمه منهم
إنما يجازيهم على ما يقع منهم عن الزجاج و قيل يعلم ذلك و معناه فيظهر معلومه أي
يبتليكم بالنعمة ليظهر شكركم كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم و مثله و لنبلونكم
حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و موضع كيف نصب و تقديره أ عملا حسنا تعملون أم
قبيحا أي شاكرين كنتم لنعمته أم كافرين و قد حقق الله سبحانه هذا الوعد فأورث بني
إسرائيل أرض مصر و نواحيها بعد أن أهلك عدوهم . وَ لَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ
فِرْعَوْنَ بِالسنِينَ وَ نَقْص مِّنَ الثَّمَرَتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكرُونَ(130)
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَْسنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَ إِن تُصِبهُمْ سيِّئَةٌ
يَطيرُوا بِمُوسى وَ مَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طئرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَ لَكِنَّ
أَكثرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(131)
القراءة
في الشواذ قراءة الحسن ألا إنما
طيرهم عند الله بغير ألف .
مجمع البيان ج : 4 ص : 718
الحجة
الطير
جمع طائر في قول أبي الحسن و في قول صاحب الكتاب الطائر اسم للجمع بمنزلة الجامل و
الباقر غير مكسر و روي عن قطرب أن الطير قد يكون واحدا كما أن الطائر واحد و يجوز
أن يكون الطائر جمعا كالجامل أنشد ابن الأعرابي : كأنه تهتان يوم ماطر على
رءوس كرؤوس الطائر .
اللغة
العرب تقول أخذتهم السنة إذا كانت قحطة و
يقال أسنت القوم إذا أجدبوا و إنما قيل للسنة المجدبة السنة و لم يقل للمخصبة لأنها
نادرة في الانفراد بالجدب و النادر أحق بالانفراد بالذكر لانفراده بالمعنى الذي ندر
به قالوا وجدنا البلاد سنين أي جدوبا قال : و أموال اللئام بكل أرض تجحفها
الجوائح و السنون و قال آخر : كان الناس إذ فقدوا عليا نعام جال في بلد
سنينا أي في بلد جدب و التطير الطيرة من الشيء و هو التشاؤم به و اشتقاقه من الطير
و طائر الإنسان عمله أخذ من ذلك لأن العرب كانت تزجر الطير فتتشام بالبارح و هو
الذي يأتي من جهة الشمال و تتبرك بالسانح و هو الذي يأتي من قبل اليمين قال الشاعر
: زجرت لها طير الشمال فإن يكن هواك الذي تهوي يصبك اجتنابها ثم كثر ذلك
فسمي نصيب الإنسان طائره و يقال طار له من القسم كذا و كذا و أنشد ابن الأعرابي :
فإني لست منك و لست مني إذا ما طار من مالي الثمين يريد الزوجة إذا أخذ
ثمنها من ماله .
المعنى
ثم بين سبحانه ما فعله ب آل فرعون و أقسم عليه
فقال « و لقد أخذنا آل فرعون بالسنين » اللام للقسم و قد يقرب الماضي من الحال لأنه
إذا توقع كون أمر فقيل قد
مجمع البيان ج : 4 ص : 719
كان دل على قربه من
الحال و آل الرجل خاصته الذين يؤول أمره إليهم و أمرهم إليه و معناه و لقد عاقبنا
قوم فرعون بالجدوب و القحوط « و نقص من الثمرات » أي و أخذناهم مع القحط و أجداب
الأرض بنقصان من الثمرات « لعلهم يذكرون » أي يخافون فيوحدون الله فلم يتذكروا و
قيل لكي يتفكروا في ذلك و يرجعوا إلى الحق قال الزجاج إنما أخذوا بالضراء لأن أحوال
الشدة ترق القلوب و ترغب فيما عند الله أ لا ترى إلى قوله و إذا مسه الشر فذو دعاء
عريض و قيل معناه لكي تتذكروا أن فرعون لو كان إلها لما كان يستسلم لذلك الضر و في
هذه الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة في أنه سبحانه يريد الكفر فإنه بين أنه
أراد منهم التذكر و الرجوع إلى الله « فإذا جاءتهم الحسنة » يعني الخصب و النعمة و
السعة في الرزق و السلامة و العافية « قالوا لنا هذه » أي إنا نستحق ذلك على العادة
الجارية لنا من نعمنا و سعة أرزاقنا في بلادنا و لم يعلموا أنه من عند الله سبحانه
فيشكروه عليه و يؤدوا شكر النعمة فيه « و إن تصبهم سيئة » أي جوع و بلاء و قحط
المطر و ضيق الرزق و هلاك الثمر و المواشي « يطيروا بموسى و من معه » أي يتطيروا
فأدغمت التاء في الطاء و تفسيره يتشاءموا بهم عن الحسن و مجاهد و ابن زيد و قالوا
ما رأينا شرا و لا أصابنا بلاء حتى رأيناكم « ألا إنما طائرهم عند الله » معناه ألا
إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به من العقاب عند الله يفعل بهم في الآخرة لا
ما ينالهم في الدنيا عن الزجاج و قيل إن معناه إن الله تعالى هو الذي يأتي بطائر
البركة و طائر الشؤم من الخير و الشر و النفع و الضر فلو عقلوا لطلبوا الخير و
السلامة من الشر من قبله و قال الحسن معناه ألا إن ما تشاءموا به محفوظ عليهم حتى
يجازيهم الله يوم القيامة « و لكن أكثرهم لا يعلمون » و لا يتفكرون ليعلموا .
وَ قَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَة لِّتَسحَرَنَا بهَا فَمَا نحْنُ
لَك بِمُؤْمِنِينَ(132) فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمُ الطوفَانَ وَ الجَْرَادَ وَ
الْقُمَّلَ وَ الضفَادِعَ وَ الدَّمَ ءَايَت مُّفَصلَت فَاستَكْبرُوا وَ كانُوا
قَوْماً مجْرِمِينَ(133)
القراءة
في الشواذ قراءة الحسن القمل بفتح القاف و
سكون الميم و هو المعروف .
اللغة
الطوفان السيل الذي يعم بتعريفه الأرض
و هو مأخوذ من الطوف فيها و قيل هو مصدر كالرجحان و النقصان قال الأخفش واحده
طوفانة قال أبو عبيدة الطوفان من السيل
مجمع البيان ج : 4 ص : 720
البعاق و
من الموت الذريع و القمل كبار القردان قال أبو عبيدة هو الحمنان واحدته حمنة و
حمنانة .
الإعراب
مهما قال الخليل مه أصلها ما إلا أنهم أدخلوا عليها
ما كما يدخلونها على حروف الجزاء يقولون أما و متى و ما فغيروا ألفها بأن أبدلوها
هاء لئلا يوهم التكرير و صار ما فيها مبالغة في معنى العموم و قال غيره أصلها مه
بمعنى اكفف دخلت على ما التي للجزاء و الفرق بين مهما و ما أن مهما خالصة للجزاء و
في ما الاشتراك لأنه قد يكون استفهاما تارة و بمعنى الذي أخرى و بمعان أخر و تأتنا
مجزوم و علامة الجزم فيه الياء و إنما حذف الياء للجزم لأنه من حروف المد و اللين و
هي مجانسة لحركات الإعراب و من شأن الجازم أن يحذف حركة فإذا لم يصادف حركة عمل في
نفس الحرف لئلا يتعطل من العمل و الضمير في به يعود إلى مهما و تقديره أي شيء تأتنا
به و الضمير في بها يعود إلى آية « آيات مفصلات » نصب على الحال .
المعنى
« و قالوا » أي قال قوم فرعون لموسى « مهما تأتنا به من آية » أي أي شيء تأتنا
به من المعجزات « لتسحرنا بها » أي لتموه علينا بها حتى تنقلنا عن دين فرعون « فما
نحن لك بمؤمنين » أي مصدقين أشاروا بهذا القول إلى إصرارهم على الكفر و أنهم لا
يصدقونه و إن أتى بجميع الآيات ثم زاد الله سبحانه في الآيات تأكيدا لأمر موسى
(عليه السلام) كما قال « فأرسلنا عليهم الطوفان » اختلف فيه فقيل هو الماء الغالب
الخارج عن العادة الهادم للبنيان و القالع للأشجار و الزروع عن ابن عباس و قيل هو
الموت الذريع الجارف عن مجاهد و عطاء و قيل هو الطاعون بلغة أهل اليمن أرسل الله
ذلك على أبكار آل فرعون في ليلة فأقعصهن فلم يبق منهن إنسان و لا دابة عن وهب بن
منبه و قيل هو الجدري و هم أول من عذبوا به و بقي في الأرض عن أبي قلابة و قيل هو
أمر من الله تعالى طاف بهم عن ابن عباس رواه أبو ظبيان عنه ثم قرأ فطاف عليها طائف
من ربك و هم نائمون « و الجراد » هو المعروف « و القمل » اختلف فيه فقيل هو الدبى و
هو صغار الجراد الذي لا أجنحة له و الجراد الطيارة التي لها أجنحة عن ابن عباس و
مجاهد و السدي و قتادة و الكلبي و قيل القمل بنات الجراد عن عكرمة و قيل القمل
البراغيث و قيل دواب سود صغار عن سعيد بن جبير و الحسن و عطاء مجمع البيان ج :
4 ص : 721 الخراساني و لذلك قرأ الحسن و القمل و قيل هو السوس الذي يخرج من
الحنطة عن سعيد بن جبير « و الضفادع و الدم آيات مفصلات » أي معجزات مبينات ظاهرات
و أدلة واضحات عن مجاهد و قيل مفصلات أي بعضها منفصل عن بعض « فاستكبروا » أي
تكبروا عن قبول الحق و الإيمان بالله « و كانوا قوما مجرمين » عاصين كافرين .
[ القصة ]قال ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة و محمد بن إسحاق بن
يسار و رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) دخل
حديث بعضهم في بعض قالوا لما آمنت السحرة و رجع فرعون مغلوبا و أبى هو و قومه إلا
الإقامة على الكفر قال هامان لفرعون إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه
فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فتابع الله عليهم بالآيات و أخذهم بالسنين
و نقص من الثمرات ثم بعث عليهم الطوفان فضرب دورهم و مساكنهم حتى خرجوا إلى البرية
و ضربوا الخيام و امتلأت بيوت القبط ماء و لم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة
و أقام الماء على وجه أرضيهم لا يقدرون على أن يحرثوا فقالوا لموسى ادع لنا ربك أن
يكشف عنا المطر فنؤمن لك و نرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الطوفان فلم
يؤمنوا و قال هامان لفرعون لئن خليت بني إسرائيل غلبك موسى و أزال ملكك و أنبت الله
لهم في تلك السنة من الكلأ و الزرع و الثمر ما أعشبت به بلادهم و أخصبت فقالوا ما
كان هذا الماء إلا نعمة علينا و خصبا فأنزل الله عليهم في السنة الثانية عن علي بن
إبراهيم و في الشهر الثاني عن غيره من المفسرين الجراد فجردت زروعهم و أشجارهم حتى
كانت تجرد شعورهم و لحاهم و تأكل الأبواب و الثياب و الأمتعة و كانت لا تدخل بيوت
بني إسرائيل و لا يصيبهم من ذلك شيء فعجوا و ضجوا و جزع فرعون من ذلك جزعا شديدا و
قال يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه
فكشف عنه الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت و قيل إن موسى
(عليه السلام) برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق و المغرب فرجعت الجراد من حيث
جاءت حتى كأن لم يكن قط و لم يدع هامان فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فأنزل الله
عليهم في السنة الثالثة في رواية علي بن إبراهيم و في الشهر الثالث عن غيره من
المفسرين القمل و هو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له و هو شر ما يكون و أخبثه فأتى
على زروعهم كلها و اجتثها من أصلها فذهبت زروعهم و لحس الأرض كلها و قيل أمر موسى
أن يمشي إلى كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى عين الشمس فأتاه فضربه بعصاه فانثال
|