قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
باستحقاق إذ كذبوا رسل الله كما فعلتم فأهلكهم بكفرهم و عصيانهم .
مجمع
البيان ج : 5 ص : 76
وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَت بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ يُقِيمُونَ
الصلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسولَهُ أُولَئك
سيرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71) وَعَدَ اللَّهُ
الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ
فِيهَا وَ مَسكِنَ طيِّبَةً فى جَنَّتِ عَدْن وَ رِضوَنٌ مِّنَ اللَّهِ أَكبرُ
ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72) يَأَيهَا النَّبىُّ جَهِدِ الْكفَّارَ وَ
الْمُنَفِقِينَ وَ اغْلُظ عَلَيهِمْ وَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْس
الْمَصِيرُ(73)
اللغة
العدن و الإقامة و الخلود نظائر و منه المعدن و قال
الأعشى : فإن يستضيفوا إلى حكمه يضافوا إلى راجح قد عدن و الرضوان مصدر رضي
يرضى رضى و رضوانا و الجهاد ممارسة الأمر الشاق و أصله من الجهد .
المعنى
لما ذكر الله تعالى المنافقين و وصفهم بقبيح خصالهم اقتضت الحكمة أن يذكر
المؤمنين و يصفهم بضد أوصافهم ليتصل الكلام بما قبله اتصال النقيض بالنقيض فقال « و
المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض » أي بعضهم أنصار بعض يلزم كل واحد منهم نصرة
صاحبه و موالاته حتى أن المرأة تهيىء أسباب السفر لزوجها إذا خرج و تحفظ غيبة زوجها
و هم يد واحدة على من سواهم « يأمرون بالمعروف » و هو ما أوجب الله فعله أو رغب فيه
عقلا أو شرعا « و ينهون عن المنكر » و هو ما نهى الله عن فعله و زهد فيه عقلا أو
شرعا « و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله » أي يداومون على فعل
الصلاة و إخراج الزكاة من أموالهم و وضعها حيث أمر الله تعالى بوضعها فيه و يمتثلون
طاعة الله و رسوله و يتبعون إرادتهما و رضاهما « أولئك سيرحمهم الله » أي الذين هذه
صفتهم يرحمهم الله في الآخرة « إن الله عزيز حكيم » أي قادر على الرحمة و العذاب
واضع كل واحد منهما موضعه و في الآية دلالة على أن الأمر بالمعروف و النهي عن
المنكر من فروض الأعيان لأنه جعلهما من صفات جميع المؤمنين و لم يخص قوما منهم دون
قوم « وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت
أشجارها الأنهار و الماء فيها « خالدين فيها و مساكن طيبة » يطيب العيش فيها بناها
الله تعالى من اللآلىء و الياقوت الأحمر
مجمع البيان ج : 5 ص : 77
و
الزبرجد الأخضر لا أذى فيها و لا وصب و لا نصب عن الحسن « في جنات عدن » أي في جنات
إقامة و خلد و قيل هي بطنان الجنة أي وسطها عن ابن مسعود و قيل هي مدينة في الجنة و
فيها الرسل و الأنبياء و الشهداء و أئمة الهدى و الناس حولهم و الجنان حولها عن
الضحاك و قيل إن عدنا أعلى درجة في الجنة و فيها عين التسنيم و الجنان حولها محدقة
بها و هي مغطاة من يوم خلقها الله عز و جل حتى ينزلها أهلها الأنبياء و الصديقون و
الشهداء و الصالحون و من شاء الله و فيها قصور الدر و اليواقيت و الذهب فتهب ريح
طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأبيض عن مقاتل و الكلبي و روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال عدن دار الله التي لم ترها عين و لم تخطر
على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيين و الصديقين و الشهداء يقول الله عز و جل
طوبى لمن دخلك « و رضوان من الله أكبر » رفع على الابتداء أي و رضا الله تعالى عنهم
أكبر من ذلك كله قال الجبائي إنما صار الرضوان أكبر من الثواب لأنه لا يوجد شيء منه
إلا بالرضوان و هو الداعي إليه الموجب له و قال الحسن لأن ما يصل إلى القلب من
السرور برضوان الله أكبر من جميع ذلك و إنما رفع رضوان لأنه استأنفه للتعظيم كما
يقول القائل أعطيتك و وصلتك ثم يقول و حسن رأيي فيك و رضاي عنك خير من جميع ذلك «
ذلك هو الفوز العظيم » أي ذلك النعيم الذي وصفت هو النجاح العظيم الذي لا شيء أعظم
منه ثم أمر سبحانه بالجهاد فقال « يا أيها النبي جاهد الكفار » بالسيف و القتال « و
المنافقين » و اختلفوا في كيفية جهاد المنافقين فقيل إن جهادهم باللسان و الوعظ و
التخويف عن الجبائي و قيل جهادهم بإقامة الحدود عليهم و كان نصيبهم من الحدود أكثر
و قيل هو بالأنواع الثلاثة بحسب الإمكان يريد باليد فإن لم يستطع فباللسان فإن لم
يستطع فبالقلب فإن لم يقدر فليكفهر في وجوههم عن ابن مسعود و روي في قراءة أهل
البيت جاهد الكفار بالمنافقين قالوا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن
يقاتل المنافقين . و إنما كان يتألفهم لأن المنافقين لا يظهرون الكفر و علم الله
تعالى بكفرهم لا يبيح قتلهم إذا كانوا يظهرون الإيمان « و أغلظ عليهم » و معناه و
أسمعهم الكلام الغليظ الشديد و لا ترق عليهم « و مأواهم جهنم » أي منزلهم و مقامهم
و مسكنهم جهنم يريد مأوى الفريقين « و بئس المصير » أي بئس المرجع و المأوى .
مجمع البيان ج : 5 ص : 78
يحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَ لَقَدْ
قَالُوا كلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كفَرُوا بَعْدَ إِسلَمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ
يَنَالُوا وَ مَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَ رَسولُهُ مِن فَضلِهِ
فَإِن يَتُوبُوا يَك خَيراً لهَُّمْ وَ إِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ
عَذَاباً أَلِيماً فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ مَا لهَُمْ فى الأَرْضِ مِن
وَلىّ وَ لا نَصِير(74)
اللغة
الهم مقارنة الفعل بتقليبه في النفس تقول هم
بالشيء يهم هما و ليس الهم من العزم في شيء إلا أن يبلغ نهاية القوة في النفس و
النيل لحوق الأمر يقال نال ما اشتهى أو تمنى أي أدركه و نقم منه شيئا أي أنكر قال :
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا و الفضل الزيادة في الخير
على مقدار ما و أما التفضل فهو الزيادة من الخير الذي كان للقادر عليه أن يفعله و
أن لا يفعله .
النزول
اختلف في من نزلت فيه هذه الآية فقيل أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان جالسا في ظل شجرة فقال إنه سيأتيكم إنسان فينظر
إليكم بعيني الشيطان فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال علا م تشتمني أنت و أصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا
بالله ما قالوا فأنزل الله هذه الآية عن ابن عباس و قيل خرج المنافقون مع رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى تبوك فكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه و طعنوا في الدين فنقل ذلك حذيفة إلى رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال لهم ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا بالله ما قالوا شيئا
من ذلك عن الضحاك و قيل نزلت في جلاس بن سويد بن الصامت و ذلك أن رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) خطب ذات يوم بتبوك و ذكر المنافقين فسماهم رجسا و عابهم فقال
الجلاس و الله لئن كان محمد صادقا فيما يقول فنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس
فقال أجل و الله إن محمدا لصادق و أنتم شر من الحمير فلما انصرف رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قال الجلاس فقال
الجلاس كذب يا رسول الله فأمرهما رسول الله أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند
المنبر فحلف بالله ما قال ثم قام عامر فحلف بالله لقد قاله ثم قال اللهم أنزل على
نبيك الصادق منا الصدق فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنون آمين
فنزل جبرائيل (عليه السلام) قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ « فإن يتوبوا يك خيرا
لهم » فقام الجلاس فقال يا رسول الله اسمع الله قد عرض علي التوبة صدق عامر بن قيس
فيما قال لك لقد قلته و أنا أستغفر الله
مجمع البيان ج : 5 ص : 79
و أتوب
إليه فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك منه عن الكلبي و محمد بن إسحاق و
مجاهد و قيل نزلت في عبد الله بن أبي سلول حين قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن
الأعز منها الأذل عن قتادة و قيل نزلت في أهل العقبة فإنهم ائتمروا في أن يغتالوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في عقبة عند مرجعهم من تبوك و أرادوا أن يقطعوا
أنساع راحلته ثم ينخسوا به فأطلعه الله تعالى على ذلك و كان من جملة معجزاته لأنه
لا يمكن معرفة مثل ذلك إلا بوحي من الله تعالى فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في العقبة و عمار و حذيفة معه أحدهما يقود ناقته و الآخر يسوقها و
أمر الناس كلهم بسلوك بطن الوادي و كان الذين هموا بقتله اثني عشر رجلا أو خمسة عشر
رجلا على الخلاف فيه عرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سماهم بأسمائهم
واحدا واحدا عن الزجاج و الواقدي و الكلبي و القصة مشروحة في كتاب الواقدي و قال
الباقر (عليه السلام) كانت ثمانية منهم من قريش و أربعة من العرب .
المعنى
ثم أظهر سبحانه أسرار المنافقين فقال « يحلفون بالله ما قالوا » يعني أنهم
حلفوا كاذبين ما قالوا ما حكي عنهم ثم حقق عليهم ذلك و أقسم سبحانه بأنهم قالوا ذلك
لأن اللام في « لقد قالوا » لام القسم و « كلمة الكفر » كل كلمة فيها جحد لنعم الله
تعالى و كانوا يطعنون في الإسلام « و كفروا بعد إسلامهم » أي بعد إظهار إسلامهم
يعني ظهر كفرهم بعد أن كان باطنا « و هموا بما لم ينالوا » قيل فيه ثلاثة أقوال (
أحدها ) أنهم هموا بقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة و التنفير
بناقته عن الكلبي و مجاهد و غيرهما ( و ثانيها ) أنهم هموا بإخراج الرسول من
المدينة فلم يبلغوا ذلك عن قتادة و السدي ( و ثالثها ) أنهم هموا بالفساد و التضريب
بين أصحابه و لم ينالوا ذلك عن الجبائي « و ما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من
فضله » معناه أنهم عملوا بضد الواجب فجعلوا موضع شكر النعمة أن نقموها و بيانه أنهم
نقموا فيما ليس بموضع للنقمة فإنه لم يكن للمسلمين ذنب ينقمونه منهم بل الله تعالى
أباح لهم الغنائم و أغناهم بذلك فقابلوا النعمة بالكفران و كان من حقهم أن يقابلوها
بالشكر و قد مر هذا المعنى عند قوله « قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا » الآية في
سورة المائدة و إنما لم يقل من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله و اسم غيره في
الكناية تعظيما لله و لذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لمن سمعه يقول من
أطاع الله و رسوله فقد اهتدى و من عصاهما فقد غوى بئس خطيب القوم أنت فقال كيف أقول
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال قل و من يعص الله و رسوله و هكذا القول
في قوله سبحانه « و الله و رسوله أحق أن يرضوه » و قيل إنما لم يقل من فضلهما لأن
فضل الله سبحانه
مجمع البيان ج : 5 ص : 80
منه و فضل رسول الله من فضل الله
« فإن يتوبوا يك خيرا لهم » أي فإن يتب هؤلاء المنافقون و يرجعوا إلى الحق يكن ذلك
خيرا لهم في الدنيا و الآخرة فإنهم ينالون بذلك رضا الله و رسوله و الجنة « و إن
يتولوا » أي يعرضوا عن الرجوع إلى الحق و سلوك الطريق المستقيم « يعذبهم الله عذابا
أليما » مؤلما « في الدنيا » بما ينالهم من الحسرة و الغم و سوء الذكر « و » في «
الآخرة » بعذاب النار « و ما لهم في الأرض » أي ليس لهم في الأرض « من ولي » أي محب
« و لا نصير » ينصرهم و يدفع عنهم عذاب الله . * وَ مِنهُم مَّنْ عَهَدَ
اللَّهَ لَئنْ ءَاتَانَا مِن فَضلِهِ لَنَصدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الصلِحِينَ(75) فَلَمَّا ءَاتَاهُم مِّن فَضلِهِ بخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوا وَّ هُم
مُّعْرِضونَ(76) فَأَعْقَبهُمْ نِفَاقاً فى قُلُوبهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ
بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَ بِمَا كانُوا يَكْذِبُونَ(77) أَ لَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوَاهُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ
عَلَّمُ الْغُيُوبِ(78)
اللغة
المعاهدة هي أن تقول علي عهد الله لأفعلن كذا
فإنه يكون بذلك قد عقد على نفسه وجوب ما ذكره لأن الله تعالى قد حكم بذلك و قدر
وجوبه عليه في الشرع و البخل منع السائل لشدة الإعطاء ثم صار في الشرع لمنع الواجب
لأن من منع الزكاة فهو بخيل قال الرماني لا يجوز أن يكون البخل منع الواجب لمشقة
الإعطاء كما قال زهير : إن البخيل ملوم حيث كان و لكن الجواد على علاته هرم
قال لأنه يلزم على ذلك أن يكون الجود هو بذل الواجب من غير مشقة الإعطاء و كان من
قضى دينا عليه يكون جوادا لأنه أدى الواجب من غير مشقة و إنما قال زهير ما قاله لأن
البخل
مجمع البيان ج : 5 ص : 81
صفة نقص قال و من منع ما لا يضره بذله و لا
ينفعه منعه مما تدعو إليه الحكمة فهو بخيل لأنه لا يقع المنع على هذه الصفة إلا
لشدة في النفس و إن لم يرجع إلى ضر إذ الشدة من غير ضر معقولة كما يصفون الجورة
بأنها لئيمة لأجل الشدة و أعقبه و أورثه و أداه نظائر و قد يكون أعقبه بمعنى جازاه
قال النابغة : فمن أطاع فأعقبه بطاعته كما أطاعك و أدلله على الرشد و
من عصاك فعاقبه معاقبة تنهى الظلوم و لا تقعد على ضمد و النجوى الكلام الخفي
يقال ناجيته و تناجوا و انتجوا و فلان نجي فلان و الجمع أنجية قال : إني إذا ما
القوم كانوا أنجية و اضطرب القوم اضطراب الأرشية و أصله من النجوى و هو البعد
كان المتناجين قد تباعدا من غيرهما و قيل هو من النجوة أي المكان المرتفع الذي لا
يصل إليه السيل فكأنهما رجعا حديثهما إلى حيث لا يصل إليه غيرهما .
الإعراب
معنى لما معنى إذا لأن لما الغالب عليها الجزاء و هي اسم يقع في جواب متى يقال
متى كان كذا فيقول السامع لما كان كذا و لما و لو لا يكونان لما مضى بخلاف إن و إذا
فإنهما لما يستقبل إلا أن لو لا على تقدير نفي وجوب الثاني لانتفاء الأول و لما يدل
على وقوع الثاني لوقوع الأول . « فلما آتاهم من فضله » المفعول الثاني محذوف
تقديره فلما آتاهم ما تمنوه من فضله « لنصدقن » أصله لنتصدقن أدغمت التاء في الصاد
.
النزول
قيل نزلت في ثعلبة بن حاطب و كان من الأنصار فقال للنبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) ادع الله أن يرزقني مالا فقال يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من
كثير لا تطيقه أ ما لك في رسول الله أسوة حسنة و الذي نفسي بيده لو أردت أن تسير
الجبال معي ذهبا و فضة لسارت ثم أتاه بعد ذلك فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني
مالا و الذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللهم ارزق ثعلبة مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت
مجمع البيان ج : 5 ص : 82
عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها
ثم كثرت نموا حتى تباعد عن المدينة فاشتغل بذلك عن الجمعة و الجماعة و بعث رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى و بخل و قال ما هذه
إلا أخت الجزية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة
و أنزل الله الآيات عن أبي أمامة الباهلي و روي ذلك مرفوعا و قيل إن ثعلبة أتى
مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال لئن أتاني الله من فضله تصدقت منه و آتيت كل ذي حق
حقه و وصلت منه القرابة فابتلاه الله فمات ابن عم له فورثه مالا و لم يف بما قال
فنزلت عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة و قيل نزلت في ثعلبة بن حاطب و معتب بن
قشير و هما من بني عمرو بن عوف قالا لئن رزقنا الله مالا لنصدقن فلما رزقهما الله
المال بخلا به عن الحسن و مجاهد و قيل نزلت في رجال من المنافقين نبتل بن الحارث و
جد بن قيس و ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير عن الضحاك و قيل نزلت في حاطب بن أبي
بلتعة كان له مال بالشام فأبطأ عليه و جهد لذلك جهدا شديدا فحلف لئن آتاه الله ذلك
المال ليصدقن فأتاه الله تعالى ذلك فلم يفعل عن الكلبي .
المعنى
ثم
أخبر سبحانه عنهم فقال « و منهم » أي من جملة المنافقين الذين تقدم ذكرهم « من عاهد
الله لئن آتانا من فضله » أي لئن أعطانا من رزقه « لنصدقن » أي لنتصدقن على الفقراء
« و لنكونن من الصالحين » بإنفاقه في طاعة الله و صلة الرحم و مؤاساة أهل الحاجة «
فلما آتاهم من فضله » أي أعطاهم ما اقترحوه و رزقهم ما تمنوه من الأموال « بخلوا به
» أي شحت نفوسهم عن الوفاء بالعهد و منعوا حق الله منه « و تولوا » عن فعل ما أمرهم
الله به « و هم معرضون » عن دين الله تعالى « فأعقبهم نفاقا في قلوبهم » أي فأورثهم
بخلهم بما أوجبوا الله تعالى على أنفسهم النفاق في قلوبهم و أداهم إلى ذلك عن الحسن
كأنهم حصلوا على النفاق بسبب البخل و هذا كمن يقول لابنه أعقبك صحبة فلان ترك
التعلم و قيل معناه أعقبهم الله بذلك حرمان التوبة كما حرم إبليس عن مجاهد و أراد
بذلك أنه دلنا على أنه لا يتوب كما دلنا من حال إبليس على أنه لا يتوب لأنه سلب عنه
قدرة التوبة « إلى يوم يلقونه » أي يلقون جزاء البخل فذكر البخل و أراد به جزاءه
كقوله سبحانه « أعمالهم كرماد اشتدت به الريح » و على القول الثاني فمعناه إلى يوم
يلقون الله أي اليوم الذي لا يملك فيه النفع و الضر إلا الله تعالى و هذا إخبار من
الله تعالى عن هؤلاء المنافقين أنهم يموتون على النفاق و كان ذلك معجزة للنبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) لأنه خرج مخبره على وفق خبره « بما أخلفوا الله ما وعدوه و بما
كانوا يكذبون » بين سبحانه أن هذا إنما أصابهم بفعلهم السيىء و هو إخلافهم الوعد و
كذبهم « أ لم يعلموا » أي أ لم يعلم هؤلاء المنافقون « أن الله يعلم سرهم » أي ما
يخفون في أنفسهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 83
« و نجواهم » ما يتناجون به
بينهم و هذا استفهام يراد به التوبيخ المعنى أنه يجب عليهم أن يعلموا ذلك « و أن
الله علام الغيوب » جمع غيب و هو كل ما غاب عن الأجسام و معناه يعلم كل ما غاب عن
العباد و عن إدراكهم من موجود أو معدوم من كل وجه يصح أن يعلم منه لأن إلا صيغة
مبالغة و في قوله « فأعقبهم نفاقا في قلوبهم » الآية دلالة على أن بعض المعاصي قد
يدعو إلي بعض بأنهم لما تهاونوا بأداء هذا الحق دعاهم ذلك إلى الثبات على النفاق
إلى الممات و كذلك يدعو بعض الطاعات إلى بعض و على ذلك ترتيب الشرائع و فيه دلالة
على أن الإخلاف و الخيانة و الكذب من أخلاق أهل النفاق و قد صح في الحديث عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف
و إذا اؤتمن خان . الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فى الصدَقَتِ وَ الَّذِينَ لا يجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسخَرُونَ مِنهُمْ سخِرَ
اللَّهُ مِنهُمْ وَ لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(79) استَغْفِرْ لهَُمْ أَوْ لا
تَستَغْفِرْ لهَُمْ إِن تَستَغْفِرْ لهَُمْ سبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ
اللَّهُ لهَُمْ ذَلِك بِأَنهُمْ كفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ اللَّهُ لا
يهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ(80)
اللغة
المطوع أصله المتطوع أدغمت التاء
في الطاء لأنها من مخرجها و الطاء أفضل منها بالاستعلاء و الإطباق و التطوع كل فعل
يستحق المدح بفعله و لا يستحق الذم بتركه و نظيره النافلة و الفضيلة و الجهد و
الجهد بمعنى و هو الحمل على النفس بما يشق و قيل بينهما فرق و الجهد بالفتح في
العمل و بالضم في القوت عن الشعبي و قيل الجهد بالفتح المشقة و بالضم الطاعة عن
القتيبي .
الإعراب
يجوز أن يكون موضع « الذين يلمزون » جرا بأن يكون
بدلا من الهاء و الميم في قوله « و منهم من عاهد الله » و يحتمل أن يكون رفعا على
الابتداء و خبره « سخر الله منهم » و هذا أولى و قوله « في الصدقات » من صلة يلمزون
و لا يكون من صلة المطوعين لأنه فضل بينهما قوله « من المؤمنين » و « الذين لا
يجدون » عطف على « الذين يلمزون » .
المعنى
ثم وصفهم الله بصفة أخرى
فقال « الذين يلمزون » أي يعيبون
مجمع البيان ج : 5 ص : 84
« المطوعين »
المتطوعين بالصدقة « من المؤمنين » و يطعنون عليهم « في الصدقات و الذين لا يجدون
إلا جهدهم » أي و يعيبون الذين لا يجدون إلا طاقتهم فيتصدقون بالقليل قيل أتاه عبد
الرحمن بن عوف بصرة من دراهم تملأ الكف و أتاه عقبة بن زيد الحارثي بصاع من تمر و
قال يا رسول الله عملت في النخل بصاعين فصاعا تركته لأهلي و صاعا أقرضته ربي و جاء
زيد بن أسلم بصدقة فقال معتب بن قشير و عبد الله بن نبتل إن عبد الرحمن رجل يحب
الرياء و يبتغي الذكر بذلك و إن الله غني عن الصاع من التمر فعابوا المكثر بالرياء
و المقل بالإقلال « فيسخرون منهم » أي فيستهزءون منهم « سخر الله منهم » أي جازاهم
جزاء سخريتهم حيث صاروا إلى النار « و لهم عذاب أليم » أي موجع مؤلم و روي عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سئل فقيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال جهد المقل
« استغفر لهم أو لا تستغفر لهم » صيغته صيغة الأمر و المراد به المبالغة في الإياس
من المغفرة بأنه لو طلبها طلب المأمور بها أو تركها ترك المنهي عنها لكان ذلك سواء
في أن الله تعالى لا يفعلها كما قال سبحانه في موضع آخر سواء عليهم استغفرت لهم أم
لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم « إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم »
الوجه في تعليق الاستغفار بسبعين مرة المبالغة لا العدد المخصوص و يجري ذلك مجرى
قول القائل لو قلت لي ألف مرة ما قبلت و المراد إني لا أقبل منك فكذلك الآية و
المراد بذلك فيها نفي الغفران جملة و قيل إن العرب تبالغ بالسبعة و السبعين و لهذا
قيل للأسد السبع لأنهم تأولوا فيه لقوته أنها ضوعفت له سبع مرات و أما ما ورد أن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و الله لأزيدن عن السبعين فإنه خبر واحد لا
يعول عليه و لا يتضمن أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يستغفر للكفار و ذلك غير
جائز بالإجماع و قد روي أنه قال لو علمت أنه لو زدت على السبعين مرة غفر لهم لفعلت
و يحتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يرجو أن يكون لهم لطف يصلحون به
فعزم على الاستغفار لهم فلما بين الله عز اسمه أنه ليس لهم لطف ترك ذلك و يحتمل أن
يكون قد استغفر لهم قبل أن يعلم بكفرهم و نفاقهم و يحتمل أن يكون قد استغفر لهم قبل
أن يخبر بأن الكافر لا يغفر له أو قبل أن يمنع منه و يجوز أن يكون استغفاره لهم
واقعا بشرط التوبة من الكفر فمنعه الله منه و أخبره بأنهم لا يؤمنون أبدا فلا فائدة
في الاستغفار لهم و الله أعلم بحقيقة الأمر « ذلك بأنهم كفروا بالله و رسوله »
معناه أن حرمان المغفرة لهم بكفرهم بالله و رسوله « و الله لا يهدي القوم الفاسقين
» مر معناه .
مجمع البيان ج : 5 ص : 85
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ
بِمَقْعَدِهِمْ خِلَف رَسولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَن يجَهِدُوا بِأَمْوَلهِِمْ وَ
أَنفُسِهِمْ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ قَالُوا لا تَنفِرُوا فى الحَْرِّ قُلْ نَارُ
جَهَنَّمَ أَشدُّ حَرًّا لَّوْ كانُوا يَفْقَهُونَ(81) فَلْيَضحَكُوا قَلِيلاً وَ
لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءَ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ(82) فَإِن رَّجَعَك اللَّهُ
إِلى طائفَة مِّنهُمْ فَاستَئْذَنُوك لِلْخُرُوج فَقُل لَّن تخْرُجُوا مَعِىَ
أَبَداً وَ لَن تُقَتِلُوا مَعِىَ عَدُواًّ إِنَّكمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ
مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الخَْلِفِينَ(83)
اللغة
المخلف المتروك خلف من مضى
و مثله المؤخر عمن مضى و الفرح ضد الغم و هو لذة في القلب بنيل المشتهى و مثله
السرور و قال البصريون من المعتزلة إن السرور و الغم يرجعان إلي الاعتقاد فالسرور
اعتقاد وصول منفعة إليه في المستقبل أو دفع ضرر مظنون عنه أو معلوم و الغم اعتقاد
وصول ضرر إليه في المستقبل أو فوت منفعة عنه و إليه ذهب المرتضى قدس الله روحه و
الخلاف مصدر خالفته مخالفة و خلافا و زعم أبو عبيدة أن معناه بعد و أنشد : عقب
الربيع خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا و الشواطب النساء يقددن الأديم
بعد ما يقدرنه و الخالف كل من تأخر عن الشاخص و المتخلف بمعناه و الضحك حال تفتح و
انبساط يظهر في وجه الإنسان عن تعجب مع فرح و البكاء حال تقبض يظهر عن غم في الوجه
مع جري الدموع على الخد .
الإعراب
خلاف نصب على المصدر بمعنى المفعول
له إذا جعلته بمعنى المخالفة و إذا جعلته بمعنى خلف فهو نصب على الظرف « فليضحكوا »
إنما سكنت لام الأمر و لم تسكن لام الإضافة لأنها تؤذن بعملها للجر المناسب لها
فلذلك ألزمت الحركة مع أن العوامل في الأسماء أقوى من العوامل في الأفعال « جزاء »
نصب على المصدر أي يجزون جزاء على أفعالهم التي اكتسبوها .
المعنى
ثم
أخبر سبحانه أن جماعة من المنافقين الذين خلفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
لم
مجمع البيان ج : 5 ص : 86
يخرجهم معه إلى تبوك استأذنوه في التأخر فأذن
لهم فرحوا بقعودهم فقال « فرح المخلفون بمقعدهم » أي بقعودهم عن الجهاد « خلاف رسول
الله » أي بعده و قيل معناه لمخالفتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و كرهوا أن
يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله » ظاهر المعنى « و قالوا » أي قالوا
للمسلمين ليصدوهم عن الغزو « لا تنفروا في الحر » أي لا تخرجوا إلى الغزو سراعا في
هذا الحر و قيل بل معناه قال بعضهم لبعض ذلك طلبا للراحة و الدعة و عدولا عن تحمل
المشاق في طاعة الله و مرضاته « قل » يا محمد لهم « نار جهنم » التي وجبت لهم
بالتخلف عن أمر الله تعالى « أشد حرا » من هذا الحر فهي أولى بالاحتراز و الحذر
عنها إذ لا يعتد بهذا الحر في جنب ذلك الحر « لو كانوا يفقهون » أوامر الله تعالى و
وعده و وعيده « فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا » هذا تهديد لهم في صورة الأمر أي
فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا لأن ذلك يفنى و إن دام إلى الموت و لأن
الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها و همومها و ليبكوا كثيرا في الآخرة لأن ذلك يوم
مقداره خمسين ألف سنة و هم فيه يبكون فصار بكاؤهم كثيرا « جزاء بما كانوا يكسبون »
من الكفر و النفاق و التخلف بغير عذر عن الجهاد قال ابن عباس إن أهل النفاق ليبكون
في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم دمع و لا يكتحلون بنوم و روى أنس بن مالك عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم
كثيرا « فإن رجعك الله » يا محمد أي فإن ردك الله من غزوتك هذه و سفرك هذا « إلى
طائفة منهم » أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك و عن الخروج معك « فاستأذنوك للخروج
» معك إلى غزوة أخرى « فقل لن تخرجوا معي أبدا » إلى غزوة « و لن تقاتلوا معي عدوا
» ثم بين سبحانه سبب ذلك فقال « إنكم رضيتم بالقعود أول مرة » أي عن غزوة تبوك «
فاقعدوا مع الخالفين » في كل غزوة و اختلف في المراد بالخالفين فقيل معناه مع
النساء و الصبيان عن الحسن و الضحاك و قيل مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر عن
ابن عباس و قيل مع المخالفين قال الفراء يقال عبد خالف و صاحب خالف إذا كان مخالفا
و قيل مع الخساس و الأدنياء يقال فلان خالفه أهله إذا كان أدونهم و قيل مع أهل
الفساد من قولهم خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا إذا فسد و نبيذ خالف أي فاسد و خلف
فم الصائم إذا تغيرت ريحه و قيل مع المرضى و الزمنى و كل من تأخر لنقص عن الجبائي .
مجمع البيان ج : 5 ص : 87
وَ لا تُصلِّ عَلى أَحَد مِّنهُم مَّات
أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبرِهِ إِنهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ
مَاتُوا وَ هُمْ فَسِقُونَ(84) وَ لا تُعْجِبْك أَمْوَلهُُمْ وَ أَوْلَدُهُمْ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبهُم بهَا فى الدُّنْيَا وَ تَزْهَقَ
أَنفُسهُمْ وَ هُمْ كفِرُونَ(85)
الإعراب
مات جملة في موضع جر صفة لأحد و
تقديره على أحد ميت منهم و أبدا منصوب لأنه ظرف لقوله « تصل » و إنما كسر أن من
قوله « إنهم كفروا » و إن كان في موضع التعليل لتحقيق الإخبار بأنهم على الصفة التي
ذكرها .
المعنى
ثم نهى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الصلاة
عليهم فقال « و لا تصل » يا محمد « على أحد منهم » أي من المنافقين « مات أبدا » أي
بعد موته فإنه (عليه السلام) كان يصلي عليهم و يجري عليهم أحكام المسلمين « و لا
تقم على قبره » أي لا تقف على قبره للدعاء فإنه (عليه السلام) كان إذا صلى على ميت
يقف على قبره ساعة و يدعو له فنهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين و الوقوف
على قبورهم و الدعاء لهم ثم بين سبحانه سبب الأمرين فقال « إنهم كفروا بالله و
رسوله و ماتوا و هم فاسقون » فما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد ذلك
على منافق حتى قبض و في هذه الآية دلالة على أن القيام على القبر للدعاء عبادة
مشروعة و لو لا ذلك لم يخص سبحانه بالنهي عنه الكافر و روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) صلى على عبد الله بن أبي و ألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على
المنافقين عن ابن عباس و جابر و قتادة و قيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أراد أن
يصلي عليه فأخذ جبرائيل بثوبه و تلا عليه « و لا تصل على أحد منهم » الآية عن أنس و
الحسن و روي أنه قيل لرسول الله لم وجهت بقميصك إليه يكفن فيه و هو كافر فقال إن
قميصي لن تغني عنه من الله شيئا و إني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في الإسلام
خلق كثير فروي أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) ذكره الزجاج قال و الأكثر في الرواية أنه لم يصل عليه « و لا
تعجبك أموالهم و أولادهم » الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به
الأمة « إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا » بما يلحقهم فيها من المصائب و
الغموم و بما يأخذها منهم المسلمون على وجه الغنيمة و بما يشق عليهم من إخراجها في
الزكاة و الإنفاق في سبيل الله مع اعتقادهم بطلان الإسلام فيشد عليهم فيكون ذلك
عذابا لهم « و تزهق أنفسهم » أي تهلك بالموت « و هم كافرون » أي في حال كفرهم و قد
مضى تفسير مثل هذه الآية و إنما كرر للتذكير في موطنين مع بعد أحدهما عن الآخر
مجمع البيان ج : 5 ص : 88
و يجوز أن يكون الآيتان في فريقين من المنافقين
فيكون كما يقول القائل لا تعجبك حال زيد و لا تعجبك حال عمرو عن الجبائي . وَ
إِذَا أُنزِلَت سورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَ جَهِدُوا مَعَ رَسولِهِ
استَئْذَنَك أُولُوا الطوْلِ مِنْهُمْ وَ قَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ
الْقَعِدِينَ(86) رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَ طبِعَ عَلى
قُلُوبهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ(87) لَكِنِ الرَّسولُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا
مَعَهُ جَهَدُوا بِأَمْوَلهِِمْ وَ أَنفُسِهِمْ وَ أُولَئك لهَُمُ الْخَيرَت وَ
أُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ(88) أَعَدَّ اللَّهُ لهَُمْ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا
الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(89)
اللغة
قال
الزجاج الخوالف النساء لتخلفهن عن الجهاد و يجوز أن يكون جمع خالفة في الرجال و
الخالف و الخالفة الذي هو غير نجيب و لم يأت في فاعل فواعل صفة إلا في حرفين قالوا
فارس و فوارس و هالك و هوالك و الطبع و الختم بمعنى واحد و الخيرات المنافع التي
تسكن النفس إليها و ترتاح لها من النساء الحسان و غيرهن من نعيم الجنان واحدها خيرة
قال الشاعر : و لقد طعنت مجامع الربلات ربلات هند خيرة الملكات و قال
المبرد الخيرات الجواري الفاضلات جمع خيرة و قيل يجوز أن يكون خيرة بالتشديد فخففت
نحو هين و هين و الإعداد جعل الشيء مهيئا لغيره و أصله من العدد لأنه قد عدد الله
جميع ما يحتاج إلى تقديمه له من الأمور و مثله اتخاذ الأعتاد .
الإعراب
« أن آمنوا » في موضع نصب بحذف حرف الجر على تقدير بأن آمنوا أي
مجمع
البيان ج : 5 ص : 89
بالإيمان و لا يجوز الحذف مع صريح المصدر .
المعنى
ثم بين سبحانه تمام أخبار المنافقين فقال « و إذا أنزلت سورة » من القرآن على
محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أن آمنوا بالله » أي بأن آمنوا و هو خطاب للمؤمنين
و أمر لهم بأن يدوموا على الإيمان و يتمسكوا به في مستقبل الأوقات و يدخل فيه
المنافق و يتناوله الأمر بأن يستأنف الإيمان و يترك النفاق « و جاهدوا مع رسوله »
أي أخرجوا إلى الجهاد معه فكأنه قال آمنوا أنتم و ادعوا إلى الإيمان غيركم «
استأذنك » أي طلب الإذن منك في القعود « أولوا الطول » أي أولوا المال و القدرة و
الغنى عن ابن عباس و غيره « منهم » أي من المنافقين « و قالوا ذرنا » أي دعنا « نكن
مع القاعدين » أي المتخلفين عن الجهاد من النساء و الصبيان و إنما لحق هؤلاء الذم
لأنهم أقوى على الجهاد و « رضوا بأن يكونوا مع الخوالف » أي رضوا لنفوسهم أن يقعدوا
مع النساء و الصبيان و المرضى و المقعدين « و طبع على قلوبهم » ذكرنا معنى الطبع
فيما تقدم قال الحسن هؤلاء قوم قد بلغوا الحد الذي من بلغه مات قبله « فهم لا
يفقهون » أوامر الله و نواهيه و لا يتدبرون الأدلة ثم مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين فقال سبحانه « لكن الرسول و الذين آمنوا معه جاهدوا
بأموالهم » ينفقونها في سبيل الله و مرضاته « و أنفسهم » يقاتلون الكفار ثم أخبر
سبحانه عما أعد لهم من الجزاء على انقيادهم لله و رسوله فقال « و أولئك لهم الخيرات
» من الجنة و نعيمها و قيل الخيرات المنافع و المدح و التعظيم في الدنيا و الثواب و
الجنة في الآخرة « و أولئك هم المفلحون » أي الظافرون بالوصول إلى البغية « أعد
الله لهم » أي هيأ و خلق لهم « جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها » مضى
تفسيره في غير موضع « ذلك » إشارة إلى ما تقدم ذكره « الفوز العظيم » و الفوز
النجاة من الهلكة إلى حال النعمة و سميت المهلكة مفازة تفاؤلا لها بالنجاة و إنما
وصفه بالعظيم لأنه حاصل على وجه الدوام و بالإعزاز و الإجلال و الإكرام . وَ
جَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لهَُمْ وَ قَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ سيُصِيب الَّذِينَ كفَرُوا مِنهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ(90)
القراءة
قرأ يعقوب و قتيبة المعذرون بسكون العين و تخفيف الذال
و هي قراءة ابن عباس و الضحاك و مجاهد و الباقون بفتح العين و تشديد الذال .
الحجة
من قرأ بالتخفيف أراد الذين يأتون بالعذر و من قرأ بالتشديد
احتمل أمرين
مجمع البيان ج : 5 ص : 90
( أحدهما ) أن يكون المراد المتعذرون
كان لهم عذر أو لم يكن و إنما أدغم التاء في الذال لقرب مخرجهما ( و الثاني ) أنه
أراد المقصرون من التعذير فالمعذر المقصر الذي يريك أنه معذور و لا عذر له و
المعتذر يقال لمن عذر و لمن لا عذر له قال لبيد : و من يبك حولا كاملا فقد
اعتذر أي أتى بعذر .
المعنى
لما تقدم حديث المخلفين صنف الله تعالى
الأعراب منهم صنفين فقال سبحانه « و جاء المعذرون من الأعراب » أي المقصرون الذين
يعتذرون و ليس لهم عذر عن أكثر المفسرين و قيل هم المعتذرون الذين لهم عذر و هم نفر
من بني غفار عن ابن عباس قال و يدل عليه قوله « و قعد الذين كذبوا الله و رسوله »
فعطف الكاذبين عليهم فدل ذلك على أن الأولين في اعتذارهم صادقون و قيل معناه الذين
يتصورون بصورة أهل العذر و ليسوا كذلك « ليؤذن لهم » في التخلف عن الجبائي « و قعد
الذين كذبوا الله و رسوله » أي و قعدت طائفة من المنافقين من غير أن اعتذروا و هم
الذين كذبوا فيما كانوا يظهرونه من الإيمان « سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم »
قال أبو عمرو بن العلاء في هذه الآية كلا الفريقين كان مسيئا جاء قوم فعذروا و جنح
آخرون فقعدوا يريد أن قوما تكلفوا عذرا بالباطل و تخلف آخرون من غير تكلف عذر و
إظهار علة جرأة على الله و رسوله . لَّيْس عَلى الضعَفَاءِ وَ لا عَلى
الْمَرْضى وَ لا عَلى الَّذِينَ لا يجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصحُوا
للَّهِ وَ رَسولِهِ مَا عَلى الْمُحْسِنِينَ مِن سبِيل وَ اللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ(91) وَ لا عَلى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ قُلْت لا
أَجِدُ مَا أَحْمِلُكمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّ أَعْيُنُهُمْ تَفِيض مِنَ الدَّمْع
حَزَناً أَلا يجِدُوا مَا يُنفِقُونَ(92) * إِنَّمَا السبِيلُ عَلى الَّذِينَ
يَستَئْذِنُونَك وَ هُمْ أَغْنِيَاءُ رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَ
طبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(93)
|