قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 5 ص : 211
لما بين أن غيره لا ينفع و لا يضر عقبه ببيان كونه قادرا على النفع و الضر « و
إن يردك بخير » من صحة جسم و نعمة و خصب و نحوها « فلا راد لفضله » أي لا يقدر على
منعه أحد و تقديره و إن يردك خيرا و يجوز فيه التقديم و التأخير يقال فلان يريدك
بالخير و يريد بك الخير « يصيب به » أي بالخير « من يشاء من عباده » فيعطيه على ما
تقتضيه الحكمة و يعلمه من المصلحة « و هو الغفور » لذنوب عباده « الرحيم » بهم .
قُلْ يَأَيهَا النَّاس قَدْ جَاءَكمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَ مَن ضلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَ مَا
أَنَا عَلَيْكُم بِوَكيل(108) وَ اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك وَ اصبرْ حَتى
يحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيرُ الحَْكِمِينَ(109)
المعنى
ثم ختم الله
سبحانه السورة بالموعظة الحسنة تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الوعد
للمؤمنين و الوعيد للكافرين فقال عز اسمه « قل » يا محمد مخاطبا للمكلفين « يا أيها
الناس قد جاءكم الحق من ربكم » و هو القرآن و دين الإسلام و الأدلة الدالة على صحته
و قيل يريد بالحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معجزاته الظاهرة « فمن اهتدى »
بذلك بأن نظر فيه و عرفه حقا و صوابا « فإنما يهتدي لنفسه » معناه فإن منافع ذلك من
الثواب و غيره يعود عليه « و من ضل » عنه و عدل عن تأمله و الاستدلال به « فإنما
يضل عليها » أي على نفسه لأنه يجني عليها « و ما أنا عليكم بوكيل » أي و ما أنا
بحفيظ لكم عن الهلاك إذا لم تنظروا أنتم لأنفسكم و لم تعلموا بما يخلصها كما يحفظ
الوكيل مال غيره و المعنى أنه ليس علي إلا البلاغ و لا يلزمني أن أجعلكم مهتدين و
إن أنجيكم من النار كما يجب على من وكل على متاع أن يحفظه من الضرر « و اتبع ما
يوحى إليك و اصبر » على أذى الكافرين و تكذيبهم « حتى يحكم الله » بينك و بينهم
بإظهار دينه و إعلاء أمره « و هو خير الحاكمين » لأنه لا يحكم إلا بالعدل و الصواب
.
مجمع البيان ج : 5 ص : 212
( 11 ) سورة هود مكية و آياتها ثلاث و
عشرون و مائة ( 123 ) هي مكية كلها في قول الأكثرين و قال قتادة إلا آية و هو
قوله « و أقم الصلاة طرفي النهار » فإنها نزلت بالمدينة .
عدد آيها
هي
مائة و ثلاث و عشرون آية كوفي و آيتان شامي و المدني الأول و آية في الباقين .
اختلافها
سبع آيات « بريء مما تشركون » كوفي « في قوم لوط » غير البصري
« من سجيل » مكي شامي و المدني الأخير « كنتم مؤمنين » حجازي « منضود » و « إنا
عاملون » عراقي شامي و المدني الأول مختلفين عراقي شامي .
فضلها
أبي بن
كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد
من صدق بنوح و كذب به و هود و صالح و شعيب و لوط و إبراهيم و موسى و كان يوم
القيامة من السعداء و روى الثعلبي بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال قيل يا
رسول الله قد أسرع إليك الشيب قال شبتني هود و أخواتها و في رواية أخرى عن أنس بن
مالك عن أبي بكر قال قلت يا رسول الله عجل إليك الشيب قال شيبتني هود و أخواتها
الحاقة و الواقعة و عم يتساءلون و هل أتاك حديث الغاشية و روى العياشي عن الحسن بن
علي الوشاء عن ابن سنان عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ سورة هود في كل جمعة
بعثه الله يوم القيامة في زمرة النبيين و حوسب حسابا يسيرا أو لم تعرف له خطيئة
عملها يوم القيامة .
تفسيرها
لما ختم الله سبحانه سورة يونس بذكر الوحي
في قوله و اتبع ما يوحى إليك افتتح هذه السورة ببيان ذلك الوحي فقال .
مجمع البيان ج : 5 ص : 213
سورة هود بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر
كِتَبٌ أُحْكِمَت ءَايَتُهُ ثمَّ فُصلَت مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير(1) أَلا
تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنى لَكم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ(2) وَ أَنِ
استَغْفِرُوا رَبَّكمْ ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَعاً حَسناً إِلى
أَجَل مُّسمًّى وَ يُؤْتِ كلَّ ذِى فَضل فَضلَهُ وَ إِن تَوَلَّوْا فَإِنى أَخَاف
عَلَيْكمْ عَذَاب يَوْم كَبِير(3) إِلى اللَّهِ مَرْجِعُكمْ وَ هُوَ عَلى كلِّ شىْء
قَدِيرٌ(4)
اللغة
الإحكام منع الفعل من الفساد و الحكمة المعرفة بما يمنع
الفعل من الفساد و النقص و بما يميز القبيح من الحسن و الفاسد من الصحيح و الحكيم
في صفات الله سبحانه يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون بمعنى محكم فهو فعيل بمعنى
مفعل أي محكم أفعاله فيكون على هذا من صفات فعله فلا يوصف به فيما لم يزل ( و
الثاني ) أن يكون بمعنى عليم فيكون من صفات ذاته فيوصف بأنه حكيم لم يزل .
الإعراب
قال الزجاج كتاب مرفوع بإضمار هذا كتاب و قال بعضهم كتاب خبر
الر و هذا غلط لأن « كتاب أحكمت آياته » ليس هو الر وحدها و « ألا تعبدوا » في موضع
نصب تقديره فصلت آياته لأن لا تعبدوا و يحتمل أن يكون على تقدير أمركم بأن لا
تعبدوا فلما حذف الباء وصل الفعل فنصبه « و أن استغفروا » معطوف عليه و معنى إلا في
قوله « إلا الله » إيجاب للمذكور بعدها ما نفى عن كل ما سواه من العبادة و هي التي
تفرغ عامل الإعراب لما بعدها يمتعكم جزم جواب لقوله « و أن استغفروا ربكم » « و إن
تولوا » يريد تتولوا فحذف إحدى التاءين تخفيفا و ابن كثير يدغم التاء الأولى في
الثانية و يشدد .
المعنى
قد بينا تفسير « الر » و الأقاويل التي فيها
في أول البقرة فلا معنى لإعادته « كتاب » يعني القرآن أي هو كتاب « أحكمت آياته ثم
فصلت » ذكر فيه وجوه ( أحدها ) أن
مجمع البيان ج : 5 ص : 214
معناه « أحكمت
آياته » فلم ينسخ منها شيء كما نسخت الكتب و الشرائع « ثم فصلت » ببيان الحلال و
الحرام و سائر الأحكام عن ابن عباس ( و ثانيها ) أن معناه « أحكمت آياته » بالأمر و
النهي « ثم فصلت » بالوعد و الوعيد و الثواب و العقاب عن الحسن و أبي العالية ( و
ثالثها ) « أحكمت آياته » جملة ثم فرقت في الإنزال آية بعد آية ليكون المكلف أمكن
من النظر و التدبر عن مجاهد ( و رابعها ) أحكمت في نظمها بأن جعلت على أبلغ وجوه
الفصاحة حتى صار معجزا ثم فصلت بالشرع و البيان المفروض فكأنه قيل محكم النظم مفصل
الآيات عن أبي مسلم ( و خامسها ) أتقنت آياته فليس فيها خلل و لا باطل لأن الفعل
المحكم ما قد أتقنه فاعله حتى لا يكون فيه خلل ثم فصلت بأن جعلت متتابعة بعضها إثر
بعض « من لدن حكيم » أي إن هذا الكتاب أتاكم من عند حكيم في أحواله و تدابيره «
خبير » أي عليم بأحوال خلقه و مصالحهم و في هذه الآية دلالة على أن كلام الله
سبحانه محدث لأنه وصفه بأنه أحكمت آياته ثم فصلت و الإحكام من صفات الأفعال و كذلك
التفصيل ثم قال « من لدن حكيم » و هذه الإضافة لا تصح إلا في المحدث لأن القديم
يستحيل أن يكون صادرا من غيره و قوله « ألا تعبدوا إلا الله » معناه أنزل هذا
الكتاب ليأمركم « ألا تعبدوا إلا الله » و لكي لا تعبدوا إلا الله كما يقال كتبت
إليك أن لا تخرج من الدار و أن لا تخرج بالنصب و الجزم « إنني لكم منه نذير و بشير
» هذا إخبار من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه مخوف من مخالفة الله و عصيانه
باليم العقاب مبشر على طاعة الله بجزيل الثواب « و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه
» و معناه اطلبوا المغفرة و اجعلوها غرضكم ثم توصلوا إليها بالتوبة و قيل معناه
استغفروا ربكم من ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستأنف متى وقعت منكم المعصية عن
الجبائي و قيل إن ثم هاهنا بمعنى الواو عن الفراء و هذا لأن الاستغفار و التوبة
واحد فتكون التوبة تأكيدا للاستغفار « يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى » يعني أنكم
متى استغفرتموه و تبتم إليه يمتعكم في الدنيا بالنعم السابغة في الخفض و الدعة و
الأمن و السعة إلى الوقت الذي قدر لكم أجل الموت فيه و قال الزجاج يريد يبقيكم و لا
يستأصلكم بالعذاب كما استأصل أهل القرى الذين كفروا « و يؤت كل ذي فضل فضله » قيل
إن الفضل بمعنى التفضيل و الإفضال أي و يعط كل ذي إفضال على غيره بمال أو كلام أو
عمل بيد أو رجل جزاء إفضاله فيكون الهاء في فضله عائدا إلى ذي الفضل و قيل إن معناه
يعطي كل ذي عمل صالح فضله أي ثوابه على قدر عمله فإن من كثرت طاعاته في الدنيا زادت
درجاته في الجنة و على هذا فالأولى أن تكون الهاء في فضله عائدا إلى اسم الله تعالى
« و إن تولوا » أي أعرضوا عما أمروا به و قيل معناه و إن تتولوا أنتم أي تعرضوا
فحذف إحدى التاءين و لذلك شدد ابن كثير في رواية البزي عنه « فإني أخاف عليكم عذاب
مجمع البيان ج : 5 ص : 215
يوم كبير » أي كبير شأنه و هو يوم القيامة و هذا
الخوف ليس في معنى الشك بل هو في معنى اليقين أي فقل لهم يا محمد إني أعلم أن لكم
عذابا عظيما و إنما وصف اليوم بالكبير لعظم ما فيه من الأهوال « إلى الله مرجعكم »
أي في ذلك اليوم إلى حكم الله مصيركم لأن حكم غيره يزول فيه و قيل معناه إليه
مصيركم بأن يعيدكم للجزاء « و هو على كل شيء قدير » يقدر على الإعادة و البعث و
الجزاء فاحذروا مخالفته . أَلا إِنهُمْ يَثْنُونَ صدُورَهُمْ لِيَستَخْفُوا
مِنْهُ أَلا حِينَ يَستَغْشونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا
يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(5)
القراءة
روي عن ابن عباس
بخلاف و مجاهد و يحيى بن يعمر و عن علي بن الحسين و أبي جعفر محمد بن علي و زيد بن
علي و جعفر بن محمد (عليهماالسلام) يثنوني صدورهم على مثال يفعوعل و عن ابن عباس
أيضا يثنون و عن مجاهد يثنئن و روي ذلك أيضا عن عروة الأعشى .
الحجة
أما يثنوني على مثال يفعوعل فهو من أمثلة المبالغة تقول أعشب البلد فإذا كثر
ذلك قلت اعشوشب و كذلك احلولى و اخشوشب و اخشوشن و أما يثنون و يثنئن فقد قال ابن
جني إنهما من لفظ الثن و هو ما هش و ضعف من الكلاء و أنشد أبو زيد : تكفي
اللقوح أكلة من ثن يثنئن بالهمزة أصله يثنان فحركت الألف لسكونها و سكون النون
الأولى فانقلبت همزة و أما « يثنون » فأصله يثنونن فلزم الإدغام لتكرير العين إذا
كان غير ملحق فأسكنت النون الأولى و نقلت كسرتها إلى الواو و أدغمت النون في النون
فصار يثنون .
اللغة
أصل الثني العطف تقول ثنيته عن كذا أي عطفته و منه
الاثنان لعطف أحدهما على الآخر في المعنى و منه الثناء لعطف المناقب في المدح و منه
الاستثناء لأنه عطف عليه بالإخراج منه و الاستخفاء طلب خفاء الشيء يقال استخفى و
تخفى بمعنى و كذلك استغشى
مجمع البيان ج : 5 ص : 216
و تغشى قالت الخنساء :
أرعى النجوم و ما كلفت رعيتها و تارة أتغشى فضل أطماري
الإعراب
ألا
معناها التنبيه و لا حظ لها في الإعراب و ما بعدها مبتدأ .
النزول
قيل
نزلت في الأخنس بن شريق و كان حلو الكلام يلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
بما يحب و ينطوي بقلبه على ما يكره عن ابن عباس و روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين إذا مروا برسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) طأطأ أحدهم رأسه و ظهره هكذا و غطى رأسه بثوبه حتى لا يراه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله هذه الآية .
المعنى
لما
تقدم ذكر القرآن بين سبحانه فعلهم عند سماعه فقال « ألا إنهم » يعني الكفار و
المنافقين « يثنون صدورهم » أي يطوونها على ما هم عليه من الكفر عن الحسن و قيل
معناه يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كلام الله سبحانه و ذكره عن قتادة و قيل يثنونها
على عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الفراء و الزجاج و قيل إنهم إذا عقدوا
مجلسا على معاداة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و السعي في أمره بالفساد انضم
بعضهم إلى بعض و ثنى بعضهم صدره إلى صدر بعض يتناجون « ليستخفوا منه » أي ليخفوا
ذلك من الله تعالى على القول الأخير فإنهم كانوا قد بلغ من شدة جهلهم بالله أن ظنوا
أنهم إذا ثنوا صدورهم على سبيل الإخفاء لم يعلم الله تعالى أسرارهم و على الأقوال
الأخر معناه ليستروا ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ألا حين يستغشون
ثيابهم » معناه أنهم يتغطون بثيابهم ثم يتفاوضون فيما كانوا يدبرونه على النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و على المؤمنين فيكتمونه عن ابن عباس فبين الله سبحانه أنه «
يعلم ما يسرون و ما يعلنون » وقت ما يتغطون بثيابهم و يجعلونها غشاء فوقهم لا بمعنى
أنه يتجدد له العلم في حال استغشائهم بالثوب بل هو عالم بذلك في الأزل « إنه عليم
بذات الصدور » يريد بما في النفوس عن ابن عباس و بحقيقة ما في القلوب من المضمرات و
قيل إنه كنى باستغشاء ثيابهم عن الليل لأنهم يتغطون بظلمته كما يتغطون بثيابهم .
مجمع البيان ج : 5 ص : 217
* وَ مَا مِن دَابَّة فى الأَرْضِ إِلا عَلى
اللَّهِ رِزْقُهَا وَ يَعْلَمُ مُستَقَرَّهَا وَ مُستَوْدَعَهَا كلُّ فى كتَب
مُّبِين(6) وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض فى سِتَّةِ أَيَّام وَ
كانَ عَرْشهُ عَلى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكمْ أَيُّكُمْ أَحْسنُ عَمَلاً وَ لَئن قُلْت
إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كفَرُوا إِنْ
هَذَا إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ(7) وَ لَئنْ أَخَّرْنَا عَنهُمُ الْعَذَاب إِلى أُمَّة
مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يحْبِسهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْس مَصرُوفاً
عَنهُمْ وَ حَاقَ بهِم مَّا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(8)
اللغة
الدابة
الحي الذي من شأنه أن يدب و قد صار في العرف مختصا بنوع من الحيوان و قد ورد القرآن
بها على الأصل في قوله « و ما من دابة » ، و الله خلق كل دابة .
الإعراب
اللام في قوله لئن لام القسم و لا يجوز أن يكون لام الابتداء لأنها دخلت على أن
التي للجزاء و لام الابتداء إنما هي للاسم أو ما ما ضارع الاسم في باب إن و جواب
الجزاء مستغني عنه بجواب القسم لأنه إذا جاء في صدر الكلام غلب عليه كما أنه إذا
تأخر و توسط الغي و « يوم يأتيهم » نصب على الظرف من مصروف أي ليس يصرف العذاب عنهم
يوم يأتيهم العذاب .
المعنى
« و ما من دابة في الأرض » أي ليس من دابة
تدب على وجه الأرض و يدخل فيه جميع ما خلقه الله تعالى على وجه الأرض من الجن و
الإنس و الطير و الأنعام و الوحوش و الهوام « إلا على الله رزقها » أي إلا و الله
سبحانه يتكفل برزقها و يوصله إليها على تقتضيه المصلحة و توجبه الحكمة « و يعلم
مستقرها و مستودعها » أي يعلم موضع قرارها و الموضع الذي أودعها فيها و هو أصلاب
الآباء و أرحام الأمهات عن مجاهد و قيل مستقرها حيث تأوي إليه من الأرض و مستودعها
حيث تموت و تبعث منه عن ابن عباس و الربيع و قيل مستقرها ما يستقر عليه عملها و
مستودعها ما يصير إليه « كل في كتاب مبين » هنا إخبار منه سبحانه أن جميع ذلك مكتوب
في كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ و إنما أثبت سبحانه ذلك مع أنه عالم لذاته لا يعزب
عن علمه شيء من مخلوقاته لما فيه من اللطف للملائكة أو لمن يخبر بذلك « و هو الذي
خلق السموات و الأرض في ستة أيام » هذا إخبار منه سبحانه عن
مجمع البيان ج : 5
ص : 218
نفسه بأنه أنشأهما في هذا المقدار من الزمان مع قدرته على أن يخلقهما
في مقدار لمح البصر و الوجه في ذلك أنه سبحانه أراد أن يبين بذلك أن الأمور جارية
في التدبير على منهاج الحكمة منشأة على ترتيب لما في ذلك من المصلحة و المراد بقوله
« ستة أيام » ما مقداره مقدار ستة أيام لأنه لم يكن هناك أيام بعد فإن اليوم عبارة
عما بين طلوع الشمس و غروبها « و كان عرشه على الماء » في هذا دلالة على أن العرش و
الماء كانا موجودين قبل خلق السموات و الأرض و كان الماء قائما بقدرة الله تعالى
على غير موضع قرار بل كان الله يمسكه بكمال قدرته و في ذلك أعظم الاعتبار لأهل
الإنكار و قيل إن المراد بقوله « عرشه » بناؤه يدل عليه قوله و مما يعرشون أي يبنون
و المعنى و كان بناؤه على الماء فإن البناء على الماء أبدع و أعجب عن أبي مسلم «
ليبلوكم أيكم أحسن عملا » معناه أنه خلق الخلق و دبر الأمور ليظهر إحسان المحسن
فإنه الغرض في ذلك أي ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لئلا يتوهم أنه سبحانه يجازي
العباد على حسب ما في معلومه أنه يكون منهم قبل أن يفعلوه و في قوله « أحسن عملا »
دلالة على أنه قد يكون فعل حسن أحسن من حسن آخر لأن حقيقة لفظة أفعل يقتضي ذلك « و
لئن قلت » يا محمد لهم « إنكم مبعوثون من بعد الموت » للحساب و الجزاء « ليقولن
الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين » أي ليس هذا القول إلا تمويه ظاهر لا حقيقة له و
من قرأ ساحر فالمراد ليس هذا يعنون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا ساحر قال
الجبائي و في الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات و الأرض الملائكة لأن خلق
العرش على الماء لا وجه لحسنه إلا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به فلا بد
إذا من حي مكلف و قال علي بن عيسى لا يمتنع أن يكون في الأخبار بذلك مصلحة للمكلفين
فلا يجب ما قاله الجبائي و هو الذي اختاره المرتضى قدس الله روحه « و لئن أخرنا
عنهم العذاب إلى أمة معدودة » معناه و لئن أخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب الاستئصال
إلى أجل مسمى و وقت معلوم و الأمة الحين كما قال سبحانه و ادكر بعد أمة و هو قول
ابن عباس و مجاهد و قيل « إلى أمة » أي إلى جماعة يتعاقبون فيصرون على الكفر و لا
يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح عن علي بن عيسى و قيل معناه إلى أمة بعد
هؤلاء نكلفهم فيعصون فتقتضي الحكمة إهلاكهم و إقامة القيامة عن الجبائي و قيل إن
الأمة المعدودة هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان ثلثمائة و بضعة عشر
رجلا كعدة أهل بدر يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف و هو المروي عن أبي
جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) « ليقولن » على وجه الاستهزاء « ما يحبسه » أي
أي شيء يؤخر هذا العذاب عنا إن كان حقا « ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم » أي إن
هذا العذاب الذي يستبطنونه إذا
مجمع البيان ج : 5 ص : 219
نزل بهم في الوقت
المقدور لا يقدر أحد على صرفه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به و لا يتمكن من
إذهابه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به « و حاق بهم ما كانوا به يستهزءؤن » أي و
نزل بهم الذي كانوا يسخرون به من نزول العذاب و يحققونه .
النظم
وجه
اتصال الآية الأولى بما قبلها أنه لما قال سبحانه « يعلم ما يسرون و ما يعلنون »
قال عقيبه و كيف يخفى على الله سر هؤلاء و هو يرزقهم و إذا وصل إلى كل واحد رزقه و
لم ينسه فليعلم أنه يعلم سره و قوله « و يعلم مستقرها و مستودعها » يدل على ما
ذكرنا ثم زاده بيانا بقوله « و هو الذي خلق السماوات » الآية فإن أصل الخلق التقدير
الذي لا يختل بالنقصان و الزيادة و ذلك لا يتم إلا من العالم لذاته . وَ لَئنْ
أَذَقْنَا الانسنَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ
كفُورٌ(9) وَ لَئنْ أَذَقْنَهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضرَّاءَ مَستْهُ لَيَقُولَنَّ
ذَهَب السيِّئَات عَنى إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ(10) إِلا الَّذِينَ صبرُوا وَ
عَمِلُوا الصلِحَتِ أُولَئك لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كبِيرٌ(11)
اللغة
الذوق تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم و سمى الله سبحانه إحلال اللذات بالإنسان
إذاقة لسرعة زوالها تشبيها بما يذاق ثم يزول كما قيل : أحلام نوم أو كظل زائل و
النزع قلع الشيء عن مكانه و اليئوس فعول من يئس و اليأس القطع بأن الشيء المتوقع لا
يكون و نقيضه الرجاء و النعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه و الضراء مضرة تظهر الحال
بها لأنهما أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة مثل حمراء و عيناء مع ما فيهما من المبالغة
و الفرح و السرور من النظائر و هو انفتاح القلب بما يلتذ به و ضده الغم و الصحيح أن
الغم السرور من جنس الاعتقادات و ليسا بجنسين من الأعراض و من الناس من قال إنهما
جنسان و الفخور الذي يكثر فخره و هو التطاول بتعديد المناقب و هي صفة ذم إذا أطلقت
لما فيها من التكبر على من لا يجوز أن يتكبر عليه .
الإعراب
اللام في «
لئن » لتوطية القسم و ليست للقسم و التقدير و الله لئن أذقنا الإنسان منا رحمة إنه
ليئوس فإنه جواب القسم الذي هيأته اللام إلا أنه مغن عن جواب الشرط و واقع موقعه و
مثله قول الشاعر :
مجمع البيان ج : 5 ص : 220
لئن عاد لي عبد العزيز
بمثلها و أمكنني منها إذا لا أقيلها أي و الله لا أقيلها و لو كانت جواب أن
لكان لا أقلها الذين صبروا في موضع نصب على الاستثناء من الإنسان لأنه اسم الجنس
فهو كقوله « إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا » و قال الزجاج و الأخفش أنه
استثناء ليس من الأول و المعنى لكن الذين صبروا و الأول قول الفراء .
المعنى
ثم بين سبحانه حال الإنسان فيما قابل به نعمة من الكفر فقال « و
لئن أذقنا الإنسان منا رحمة » أي أحللنا به نعمة من الصحة و الكفاية و السعة من
المال و الولد و غير ذلك من نعم الدنيا « ثم نزعناها منه » أي سبلنا تلك النعمة عنه
إذا رأينا المصلحة فيه « إنه ليئوس » أي قنوط و هو الذي سنته و عادته اليأس « كفور
» و هو الذي عادته كفران النعمة و معنى الآية مصروف إلى الكفار الذين هذه صفتهم
لجهلهم بالصانع الحكيم الذي لا يعطي و لا يمنع إلا لما تقتضيه الحكمة من وجوه
المصالح « و لئن أذقناه » أي أحللنا به و أعطيناه « نعماء بعد ضراء مسته » أي بعد
بلاء أصابته « ليقولن » عند نزول النعماء به « ذهب السيئات عني » أي ذهبت الخصال
التي تسوء صاحبها من جهة نفور طبعه عنه و هو هاهنا بمعنى الشدائد و الآلام و
الأمراض عني فلا تعود إلي و لا يؤدي شكر الله عليها « إنه لفرح فخور » يفرح به و
يفخر به على الناس فلا يصبر في المحنة و لا يشكر عند النعمة « إلا الذين صبروا »
معناه إلا الذين قابلوا الشدة بالصبر و النعمة بالشكر « و عملوا الصالحات » أي
واظبوا على الأعمال الصالحة « أولئك لهم مغفرة و أجر كبير » و هو الجنة .
مجمع البيان ج : 5 ص : 221
فَلَعَلَّك تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إِلَيْك
وَ ضائقُ بِهِ صدْرُك أَن يَقُولُوا لَوْ لا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ
مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنت نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء وَكيلٌ(12) أَمْ
يَقُولُونَ افْترَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشرِ سوَر مِّثْلِهِ مُفْترَيَت وَ ادْعُوا
مَنِ استَطعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(13) فَإِلَّمْ
يَستَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَن لا
إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسلِمُونَ(14)
اللغة
ضائق و ضيق بمعنى
واحد إلا أن ضائق هاهنا أحسن لوجهين ( أحدهما ) أنه عارض ( و الآخر ) أنه أشكل
بقوله « تارك » و الكنز المال المدفون سمي بذلك لاجتماعه و كل مجتمع من لحم و غيره
مكتنز و صار في الشرع اسم ذم لكل مال لا يخرج منه حق الله تعالى من الزكاة و غيره و
إن لم يكن مدفونا و افترى و اختلق و اخترق و خلق و خرص و خرق إذا كذب و الاستجابة
في الآية طلب الإجابة بالقصد إلى فعلها و يقال استجاب و أجاب بمعنى واحد و الفرق
بين الإجابة و الطاعة إن الطاعة موافقة الإرادة الجاذبة إلى الفعل برغبة أو رهبة و
الإجابة موافقة الداعي إلى الفعل من أجل أنه دعا به .
الإعراب
« أن
يقولوا » في موضع نصب بأنه مفعول له و تقديره كراهة أن يقولوا فحذف المضاف و قيل «
إن يقولوا » في موضع جر بدلا من الهاء في قوله « ضائق به صدرك » « أم يقولون افتراه
» أم هذه منقطعة ليست بالمعادلة و تقديره بل أ يقولون افتراه و هو تقرير بصورة
الاستفهام .
النزول
روي عن ابن عباس أن رؤساء مكة من قريش أتوا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا محمد إن كنت رسولا فحول لنا جبال مكة ذهبا
أو ائتنا بملائكة يشهدون لك بالنبوة فأنزل الله تعالى « فلعلك تارك » الآية و روى
العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي (عليه السلام) إني سألت ربي أن يؤاخي بيني و بينك ففعل و
سألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل فقال بعض القوم و الله لصاع من تمر في شن بال أحب
إلينا مما سأل محمد ربه فهلا سأله ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستعين به على فاقته
فنزلت الآية .
المعنى
ثم أمر سبحانه رسوله بالثبات على الأمر و حثه على
حجاج القوم بما يقطع العذر فقال « فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك » أي و لعلك تارك
بعض القرآن و هو ما فيه سب آلهتهم و لا تبلغهم إياه دفعا لشرهم و خوفا منهم « و
ضائق به صدرك » أي و لعلك يضيق صدرك مما يقولونه و بما يلحقك من أذاهم و تكذيبهم و
قيل باقتراحاتهم « أن يقولوا » أي كراهة أن يقولوا أو مخافة أن يقولوا « لو لا أنزل
عليه كنز » من المال « أو جاء معه ملك » يشهد له فليس قوله « فلعلك » على وجه الشك
بل المراد به النهي عن ترك أداء الرسالة و الحث على أدائها كما يقول أحدنا لغيره و
قد علم من حاله أنه يطيعه و لا يعصيه و يدعوه غيره إلى عصيانه لعلك تترك ما آمرك به
لقول فلان و إنما يقول ذلك ليوئس من يدعوه إلى ترك أمره فمعناه لا تترك بعض ما يوحى
إليك و لا يضق صدرك بسبب مقالتهم هذه « إنما أنت نذير » أي منذر « و الله على كل
شيء وكيل » أي حفيظ يجلب النفع إليه و يدفع الضرر عنه « أم يقولون افتراه » معناه
بل أ يقولون اختلق القرآن و اخترعه و أتى به من عند نفسه و قيل إن
مجمع البيان
ج : 5 ص : 222
هاهنا محذوفا و تقديره أ يكذبونك فيما أتيتهم به من القرآن أم
يقولون افتريته على ربك و حذف لدلالة ما أبقي على ما ألقي و على هذا فيكون أم هذه
هي متصلة « قل » يا محمد لهم « فأتوا بعشر سور مثله مفتريات » أي إن كان هذا مفترى
على الله كما زعمتم فأتوا أنتم بعشر سور مثله في النظم و الفصاحة مفتريات على زعمكم
فإن القرآن نزل بلغتكم و قد نشأت أنا بين أظهركم فإن لم يمكنكم ذلك فاعلموا أنه من
عند الله تعالى و هذا صريح في التحدي و فيه دلالة على جهة إعجاز القرآن و أنها هي
البلاغة و الفصاحة في هذا النظم المخصوص لأنه لو كان جهة الإعجاز غير ذلك لما قنع
في المعارضة بالافتراء و الاختلاق لأن البلاغة ثلاث طبقات فأعلى طبقاتها معجز و
أدناها و أوسطها ممكن فالتحدي في الآية إنما وقع في الطبقة العليا منها و لو كان
وجه الإعجاز الصرفة لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الإعجاز و المثل المذكور في
الآية لا يجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس لأن مثله في الجنس يكون حكايته فلا
يقع بها التحدي و إنما يرجع ذلك إلى ما هو متعارف بين العرب في تحدي بعضهم بعضا كما
اشتهر من مناقصات امرىء القيس و علقمة و عمرو بن كلثوم و الحرث بن حلزة و جرير و
الفرزدق و غيرهم و قوله « و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين » معناه
ادعوهم ليعينوكم على معارضة القرآن إن كنتم صادقين في قولكم إني افتريته و يريد
بقوله « من استطعتم » من خالف نبينا محمدا من جميع الأمم و هذا غاية ما يمكن في
التحدي و المحاجة و فيه الدلالة الواضحة على إعجاز القرآن لأنه إذا ثبت أن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) تحداهم به و أوعدهم بالقتل و الأسر بعد أن عاب دينهم و
آلهتهم و ثبت أنهم كانوا أحرص الناس على إبطال أمره حتى بذلوا مهجهم و أموالهم في
ذلك فإذا قيل لهم افتروا أنتم مثل هذا القرآن و أدحضوا حجته و ذلك أيسر و أهون
عليكم من كل ما تكلفتموه فعدلوا عن ذلك و صاروا إلى الحرب و القتل و تكلف الأمور
الشاقة فذلك من أدل الدلائل على عجزهم إذ لو قدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم
لفعلوه لأن العاقل لا يعدل عن الأمر السهل إلى الصعب الشاق مع حصول الغرض بكل واحد
منهما فكيف و لو بلغوا غاية أمانيهم في الأمر الشاق و هو قتله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكان لا يحصل غرضهم من إبطال أمره فإن المحقق قد يقتل فإن قيل لم
ذكر التحدي مرة بعشر سور و مرة بحديث مثله فالجواب أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه
الإعجاز من منظوم الكلام فيجوز أن يتحدى مرة بالأقل و مرة بالأكثر « فإن لم
يستجيبوا لكم » قيل أنه خطاب للمسلمين و المراد فإن لم يجبكم هؤلاء الكفار إلى
الإتيان بعشر سور مثله معارضة لهذا القرآن « فاعلموا » أيها المسلمون « إنما أنزل »
القرآن « بعلم الله » عن مجاهد و اختاره الجبائي و قيل هو خطاب للكفار و تقديره فإن
لم يستجب لكم من تدعونهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 223
إلى المعاونة و لم
يتهيأ لكم المعارضة فقد قامت عليكم الحجة و قيل إن الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فإن لم يجيبوك و ذكره بلفظ الجمع تفخيما و الغرض التنبيه على
إعجاز القرآن و أنه المنزل من عند الله سبحانه على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
ذكر في قوله « بعلم الله » وجوه ( أحدها ) أن معناه إن الله عالم به و بأنه حق منزل
من عنده ( و ثانيها ) أن معناه بعلم الله مواقع تأليفه في علو طبقته و أنه لا يقدر
أحد على معارضته ( و ثالثها ) أنه أنزله الله على علم بترتيبه و نظمه و لا يعلم
غيره ذلك « و أن لا إله إلا هو » أي و اعلموا أنه لا إله إلا هو لأن مثل هذا المعجز
لا يقدر عليه إلا الله الواحد الذي لا إله إلا هو « فهل أنتم مسلمون » أي هل أنتم
بعد قيام الحجة عليكم بما ذكرناه من كلام الله مستسلمون منقادون لتوحيده و هذا
استفهام في معنى الأمر مثل قوله فهل أنتم منتهون . مَن كانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ
الدُّنْيَا وَ زِينَتهَا نُوَف إِلَيهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لا
يُبْخَسونَ(15) أُولَئك الَّذِينَ لَيْس لهَُمْ فى الاَخِرَةِ إِلا النَّارُ وَ
حَبِط مَا صنَعُوا فِيهَا وَ بَطِلٌ مَّا كانُوا يَعْمَلُونَ(16)
القراءة
روي في الشواذ قراءة أبي و ابن مسعود و باطلا ما كانوا يعملون .
الحجة
الوجه فيه أن يكون باطلا منصوبا بيعملون و ما مزيدة للتوكيد فكأنه قال و باطلا
كانوا يعملون و مثله قوله أ هؤلاء إياكم كانوا يعبدون .
اللغة
الزينة
تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة يقال زانه يزينه زينة و زينه يزينه
تزيينا و التوفية تأدية الحق على تمام و البخس نقصان الحق و كل ظالم باخس لأنه يظلم
غيره بنقصان حقه و في المثل تحسبها حمقاء و هي باخس .
الإعراب
قال
الفراء كان هذه هنا زائدة و تقديره من يرد الحياة الدنيا و قال غيره معناه إن يصح
أنه كان كقوله سبحانه إن كان قميصه قد من دبر و لا يجوز مثل ذلك في غير كان لأنها
أم الأفعال قال أبو علي الشرط و الجزاء لا يقعان إلا فيما يستقبل فحرف الجزاء يحيل
معنى الماضي إلى الاستقبال لا محالة و لو جاز وقوع الماضي بعدها على معناها لما
جزمت أ لا ترى أن لو لم تجزم و إن كان فيها معنى الشرط و الجزاء لوقوع الماضي بعدها
على بابه نحو لو جئتني أمس لأكرمتك .
مجمع البيان ج : 5 ص : 224
المعنى
« من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها » أي زهرتها و حسن بهجتها و لا يريد
الآخرة « نوف إليهم أعمالهم فيها » أي نوفر عليهم جزاء أعمالهم في الدنيا تاما « و
هم فيها لا يبخسون » أي لا ينقصون شيئا منه و اختلف في معناه فقيل إن المراد به
المشركون الذين لا يصدقون بالبعث يعملون أعمال البر كصلة الرحم و إعطاء السائل و
الكف عن الظلم و إغاثة المظلوم و الأعمال التي يحسنها العقل كبناء القناطير و نحوه
فإن الله يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوسيع الرزق و صحة البدن و الإمتاع بما
خولهم و صرف المكاره عنهم عن الضحاك و قتادة و ابن عباس و يقال إن من مات منهم على
كفره قبل استيفاء العوض وضع الله عنه في الآخرة من العذاب بقدره فأما ثواب الآخرة
فلا حظ لهم فيه و قيل المراد به المنافقون الذين كانوا يغزون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للغنيمة دون نصرة الدين و ثواب الآخرة جازاهم الله تعالى على ذلك
بأن جعل لهم نصيبا في الغنيمة عن الجبائي و قيل إن المراد به أهل الرياء فإن من عمل
عملا من أعمال الخير يريد به الرياء لم يكن لعمله ثواب في الآخرة و مثله قوله تعالى
« و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب » و في الحديث أن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال بشروا أمتي بالنساء و التمكين في الأرض و من
عمل منهم عملا للدنيا لم يكن له نصيب في الآخرة « أولئك الذين ليس لهم في الآخرة
إلا النار » ظاهر المراد « و حبط ما صنعوا فيها » فلا يستحقون عليه ثوابا لأنهم
أوقعوه على خلاف الوجه المأمور بإيقاعه عليه « و باطل ما كانوا يعملون » أي بطل
أعمالهم التي عملوها لغير الله تعالى و هذا يحقق ما ذهبنا إليه من أن الإحباط عبارة
عن إبطال نفس العمل بأن يقع علي غير الوجه الذي يستحق به الثواب و ذكر الحسن في
تفسيره أن رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج من عند أهله فإذا
جارية عليها ثياب و هيئة فجلس عندها فقامت فأهوى بيده إلى عارضها فمضت فأتبعها بصره
و مضى خلفها فلقيه حائط فخمش وجهه فعلم أنه أصيب بذنبه فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكر له ذلك فقال أنت رجل عجل الله عقوبة ذنبك في الدنيا أن الله
تعالى إذا أراد بعبد شرا أمسك عنه عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة و إذا أراد
به خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا .
النظم
وجه اتصال الآية بما
قبلها أنه سبحانه لما قال « فهل أنتم مسلمون » فكان قائلا إن أظهرنا الإسلام لسلامة
المال و النفس يكون ما ذا فقال من أراد الدنيا دون الآخرة سواء أرادها بإظهار
الإسلام أو أرادها بسائر المساعي فسبيله هذا .
مجمع البيان ج : 5 ص : 225
أَ فَمَن كانَ عَلى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِّنْهُ وَ مِن
قَبْلِهِ كِتَب مُوسى إِمَاماً وَ رَحْمَةً أُولَئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَن
يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَك فى مِرْيَة مِّنْهُ
إِنَّهُ الحَْقُّ مِن رَّبِّك وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ(17) وَ
مَنْ أَظلَمُ مِمَّنِ افْترَى عَلى اللَّهِ كذِباً أُولَئك يُعْرَضونَ عَلى
رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الأَشهَدُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الظلِمِينَ(18) الَّذِينَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ
يَبْغُونهَا عِوَجاً وَ هُم بِالاَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(19) أُولَئك لَمْ
يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فى الأَرْضِ وَ مَا كانَ لهَُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِيَاءَ يُضعَف لهَُمُ الْعَذَاب مَا كانُوا يَستَطِيعُونَ السمْعَ وَ مَا
كانُوا يُبْصِرُونَ(20) أُولَئك الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسهُمْ وَ ضلَّ عَنهُم مَّا
كانُوا يَفْترُونَ(21) لا جَرَمَ أَنهُمْ فى الاَخِرَةِ هُمُ الأَخْسرُونَ(22)
اللغة
البينة الحجة الفاصلة بين الحق و الباطل و العرض إظهار الشيء بحيث
يرى للتوقيف على حالة يقال عرضت الكتاب على فلان و عرضت الجند و معنى العرض على
الله أنهم يقفون في المقام الذي يريه العباد للمطالبة بالأعمال فهو كالعرض عليه
سبحانه و الأشهاد جمع شاهد فهو كصاحب و أصحاب و قيل جمع شهيد كشريف و أشراف و العوج
العدول عن طريق الصواب يقال في الدين عوج بالكسر و في العصا عوج بالفتح فرقا بين ما
يرى و لا يرى فجعلوا السهل للسهل و الصعب للصعب أعني الفتح و الكسر و الإعجاز
الامتناع عن المراد بما لا يمكن معه إيقاعه و حقيقة الاستطاعة القوة التي تنطاع بها
الجارحة
مجمع البيان ج : 5 ص : 226
للفعل و لذلك لا يقال في الله تعالى إنه
مستطيع و أصل الجرم القطع و لا جرم تقديره لا قطع قاطع عن ذا إلا أنه أكثر حتى صار
كالمثل و هو قول الشاعر : و لقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن
يغضبوا أي قطعتهم إلى الغضب فرواية الفراء في فزارة النصب و المعنى كسبتهم أن
يغضبوا و روى غيره يرفعها بمعنى أن الفعل لها .
الإعراب
« من كان على
بينة من ربه » خبره محذوف و تقديره أ فمن كان على بينة من ربه و على الأوصاف التي
ذكرتها كمن لا بينة له و مثله حذف جواب لو في قوله : و أقسم لو شيء أتانا رسوله
سواك و لكن لم نجد لك مدفعا و « كتاب موسى » عطف على قوله « و يتلوه شاهد منه »
أي و كان يتلوه كتاب موسى من قبله و نصب « إماما و رحمة » على الحال لأن كتاب موسى
معرفة و قوله « و هم بالآخرة هم كافرون » كرر قوله « هم » مرتين كما قال « أ يعدكم
أنكم إذا متم و كنتم ترابا و عظاما أنكم مخرجون » كرر أنهم مرتين و وجهه أنه لما
طال الكلام كرر مرة أخرى للتوكيد ، « لا جرم » قال سيبويه جرم فعل ماض و لا رد
لقولهم كقوله « و تصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار » قال لا أي
ليس لهم الجنة ثم قال جرم أي كسبهم قولهم أن لهم الحسنى أن لهم النار ، و قيل جرم
بمعنى وجب أي وجب أن لهم النار .
المعنى
« أ فمن كان على بينة من ربه »
استفهام يراد به التقرير و تقديره هل الذي كان على برهان و حجة من الله و المراد
بالبينة هنا القرآن و المعنى بقوله « أ فمن كان على بينة » النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل المعني به كل محق يدين بحجة و بينة لأن من يتناول العقلاء و
قيل هم المؤمنون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الجبائي « و يتلوه شاهد
منه » أي و يتبعه من يشهد بصحته منه و اختلف في معناه فقيل الشاهد جبرائيل (عليه
السلام) يتلو القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الله تعالى عن ابن عباس
و مجاهد و الزجاج و قيل شاهد من الله تعالى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روي
ذلك عن الحسين بن علي (عليهماالسلام) و ابن زيد و اختاره الجبائي و قيل شاهد منه
لسانه أي يتلو القرآن بلسانه عن محمد بن علي أعني ابن الحنفية و الحسن و قتادة و
قيل الشاهد منه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يشهد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
و هو منه و هو المروي عن أبي جعفر و علي بن موسى
|