قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 5 ص : 262
كسر الميم من يومئذ فلأن يوما اسم معرب فأضيف إليه ما
أضيف من العذاب و الخزي و الفزع فانجر بالإضافة و لم يفتح اليوم فتبنيه لإضافته إلى
المبني لأن المضاف منفصل من المضاف إليه و لا يلزمه الإضافة فلما لم يلزم الإضافة
المضاف لم يلزم فيه البناء يدلك على ذلك أنك تقول ثوب خز و دار زيد فلا يجوز فيه
إلا الإعراب و إن كان الاسمان جعلا بمعنى الحرف فلم يلزمها البناء كما يلزم ما لا
ينفك منه معنى الحرف نحو أين و كيف و متى فلما لم يبن المضاف للإضافة و إن كان قد
عمل عمل الحرف من حيث كان غير لازم كذلك لم يبن يوم للإضافة إلى إذ لأن إضافته لم
تلزم كما لم يبن المضاف و إن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام أو بمعنى من
لما لم تلزم الإضافة و أما من فتح فقال من عذاب يومئذ و من خزي يومئذ ففتح مع أنه
في موضع جر فلأن المضاف يكتسي من المضاف إليه التعريف و التنكير و معنى الاستفهام و
الجزاء في نحو غلام من تضرب و غلام من تضرب أضربه و النفي في نحو قولهم ما أخذت باب
دار أحد فلما كان يكتسي من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسى منه الإعراب و البناء
أيضا إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو يوم و حين و مثل و يشبه بهذا الشياع
الأسماء الشائعة المبنية نحو أين و كيف و لو كان المضاف مخصوصا نحو رجل و غلام لم
يكتس منه البناء كما اكتسى منه الأسماء الشائعة فمما جاء من ذلك قوله : على حين
عاتبت المشيب على الصبا و قلت أ لما أصح و الشيب وازع و من ذلك قوله « إنه لحق
مثل ما أنكم تنطقون » فمثل في موضع رفع في قول سيبويه و قد جرى وصفا على النكرة إلا
أنه فتح للإضافة إلى ما و من ذلك قول الشاعر : و تداعى مدخراه بدم مثل ما
أثمر حماض الجبل لما أضاف مثل إلى المبني و كان اسما شائعا بناه و لم يعربه و ذهب
أبو عثمان إلى أنه جعل مثلا مع ما بمنزلة اسم واحد فبني مثلا على الفتح و لا دلالة
قاطعة على هذا القول في هذا البيت و إن كان ما ذهب إليه مستقيما فأما الكسرة في إذ
فلالتقاء الساكنين و ذلك إن إذ من حكمها أن تضاف إلى الجملة من الابتداء و الخبر
فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت ليدل التنوين على أن المضاف إليه قد حذف فكسرت الذال
لسكونها و سكون التنوين و قال في صرف ثمود و ترك صرفه أن هذه الأسماء التي تجري على
القبائل و الأحياء على ضروب ( أحدها ) أن يكون اسما للحي و الأب ( و الآخر ) أن
يكون اسما للقبيلة ( و الثالث ) أن يكون الغالب عليه الأب و الحي و القبيلة ( و
الرابع ) أن يستوي ذلك في الاسم فيجري على الوجهين و لا
مجمع البيان ج : 5 ص :
263
يكون لأحد الوجهين مزية على الآخر في الكثرة فمما جاء على أنه اسم الحي
قولهم ثقيف و قريش و كل ما لا يقال فيه بنو فلان و أما ما جاء اسما للقبيلة فنحو
تميم قالوا تميم بنت مر قال سيبويه سمعناهم يقولون قيس ابنة غيلان و تميم صاحبة ذلك
و قالوا تغلب ابنة وائل قال : لو لا فوارس تغلب ابنة وائل نزل العدو عليك
كل مكان و أما ما غلب عليه اسم الحي أو القبيلة فقد قالوا بأهلة بن أعصر و قالوا
يعصر و بأهلة اسم امرأة قال سيبويه و لكنه جعل اسم الحي و مجوس لم يجعل إلا اسم
القبيلة و تميم أكثرهم يجعله اسم القبيلة و منهم من يجعله اسم الأب فأما ما استوى
فيه أن يكون اسما للقبيلة و أن يكون اسما للحي فقال سيبويه هو ثمود و سبأ فهما مرة
للقبيلتين و مرة للحيين و كثرتهما سواء قال و عادا و ثمودا و قال « ألا إن ثمودا
كفروا ربهم » و قال « و آتينا ثمود الناقة » فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة
للقبيلة و مرة للحي فلم يكن لحمله على أحد الوجهين مزية في الكثرة فمن صرف في جميع
المواضع كان حسنا و من لم يصرف في جميع المواضع كان حسنا و كذلك أن صرف في موضع و
لم يصرف في موضع آخر إلا أنه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القراء فإن القراءة سنة
متبعة و من ذلك قول الشاعر : كسا الله حي تغلب ابنة وائل من اللؤم أظفارا
بطيء نصولها فقال حي ثم قال ابنة وائل فجمع بين الحي و القبيلة و أما قوله :
أولئك أولى من يهود لمدحه إذا أنت يوما قلتها لم تؤنب فقد قامت الدلالة على
أن يهود استعملت على أنها للقبيلة و ليس للحي في قوله أولئك أولى من يهود لأن يهود
لو كان للحي لصرف و أنشد أبو الحسن : فرت يهود و أسلمت جيرانها صمي لما
فعلت يهود صمام و كذلك جاء في الحديث تقسم يهود و مثل يهود في هذا مجوس في قول
الشاعر : كنار مجوس تستعر استعارا أ لا ترى أنه لو كان للحي دون القبيلة لأنصرف
.
مجمع البيان ج : 5 ص : 264
اللغة
الإنشاء إيجاد ابتداء من غير
استعانة بشيء من الأسباب و أنشأ فلان حديثا أو شعرا و الاستعمار جعل القادر يعمر
الأرض كعمارة الدار و منه العمرى في الفقه و هو أن يقول أعطيتك هذه الدار عمري أو
عمرك و المس و اللمس بمعنى و فرق علي بن عيسى بينهما بأن المس قد يكون بين جمادين و
اللمس لا يكون إلا بين حيين لما فيه من الإدراك و الجثوم السقوط على الوجه و قيل هو
القعود على الركبة و غني بالمكان إذا أقام به و المغنى المنزل قال النابغة :
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة منها بعطف رسالة و تودد و أصل الغنى الاكتفاء و
منه الغنى بالمال و الغناء بالمد الصوت الذي يكتفي به و الغناء الاكتفاء بحال الشيء
و منه غني بالمكان لاكتفائه بالإقامة فيه .
الإعراب
أ رأيتم لا مفعول
له هاهنا لأنه معلق كما يعلق إذا دخل الجملة لام الابتداء في مثل قوله قد رأيت لزيد
خير منك فكذلك الجزاء و جواب أن الأولى الفاء و جواب أن الثانية محذوف و تقديره إن
عصيته فمن ينصرني إلا أنه استغني بالأول فلم يظهر و من ينصرني صورته صورة الاستفهام
و معناه النفي فكأنه قال فلا ناصر لي من الله إن عصيته و إنما جاز إلغاء رأيت هنا
لأنها دخلت على جملة قائمة بنفسها من جهة أنها تفيد لو انفردت عن غيرها و هو يتعلق
بمعناها دون تفصيل لفظها و قوله « فيأخذكم » جواب النهي بالفاء و لذلك نصبه و
تقديره لا يقع منكم مسها بسوء فأن يأخذكم عذاب قريب أي فأخذ عذاب عاجل إياكم و أيام
أصله أيوام قلبت الواو ياء و أدغمت الياء الأولى فيها .
المعنى
ثم عطف
سبحانه على ذلك قصة صالح فقال « و إلى ثمود أخاهم صالحا » و كان ثمود بوادي القرى
بين المدينة و الشام و كان عاد باليمن عن الجبائي ف « قال » لهم صالح « يا قوم
اعبدوا الله ما لكم من إله غيره » مضى تفسيره « هو أنشأكم من الأرض » أي ابتدأ
خلقكم من الأرض لأنه خلق آدم من الأرض و مرجع نسبكم إليه « و استعمركم فيها » أي
جعلكم عمار الأرض بأن مكنكم من عمارتها و أحوجكم إلى السكنى فيها و قيل معناه و
أعمرها لكم مدة إعماركم من العمرى عن مجاهد و قيل معناه و أطال فيها أعماركم عن
الضحاك قال و كانت أعمارهم من ألف سنة إلى ثلاثمائة سنة و قيل معناه أمركم من
عمارتها بما تحتاجون إليه من المساكن و الزراعات و غرس الأشجار و في هذا دلالة على
فساد قول من حرم المكاسب لأنه سبحانه امتن على عباده بأن مكنهم من عمارة الأرض
مجمع البيان ج : 5 ص : 265
و لو كان ذلك محرما لم يكن لذلك وجه « فاستغفروه
ثم توبوا إليه » أي فاستغفروه من الشرك و الذنوب ثم دوموا على التوبة « إن ربي قريب
» برحمته لمن وحده « مجيب » لمن دعاه « قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا »
أي كنا نرجو منك الخير لما كنت عليه من الأحوال الجميلة قبل هذا القول فالآن يئسنا
منك و من خيرك بإبداعك ما أبدعت و قيل معناه كنا نرجوك و نظنك عونا لنا على ديننا «
أ تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا » استفهام معناه الإنكار كأنهم أنكروا أن ينهى
الإنسان عن عبادة ما عبده آباؤه « و إننا لفي شك مما تدعونا إليه » من الدين « مريب
» موجب للريبة و التهمة إذ لم يكن آباؤنا في جهالة و ضلالة « قال » صالح لهم « يا
قوم أ رأيتم إن كنت على بينة من ربي » مر بيانه فيما قبل « و آتاني منه رحمة » أي و
أعطاني الله منه نعمة و هي النبوة « فمن ينصرني من الله إن عصيته » أي فمن يمنع
عذاب الله عني إن عصيته مع نعمته علي « فما تزيدونني غير تخسير » أي ما تزيدونني
بقولكم « أ تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا » غير نسبتي إياكم إلى الخسارة و التخسير
مثل التفسيق و التفجير قال ابن الأعرابي يريد غير تخسير لكم لا لي و قال ابن عباس
ما تزيدونني إلا بصيرة في خسارتكم و قيل معناه إن أجبتكم إلى ما تدعونني إليه كنت
بمنزلة من يزداد الخسران « و يا قوم هذه ناقة الله لكم آية » أشار إلى ناقته التي
جعلها الله معجزته لأنه سبحانه أخرجها لهم من جوف صخرة يشاهدونها على تلك الصفة و
خرجت كما طلبوه و هي حامل و كانت تشرب يوما جميع الماء فتنفرد به و لا ترد الماء
معها دابة فإذا كان يوم لا ترد فيه وردت الواردة كلها الماء و هذا أعظم آية و معجزة
و انتصب آية على الحال من ناقة الله فكأنه قال انتبهوا إليها في هذه الحال و المعنى
إن شككتم في نبوتي فهذه الناقة معجزة لي و أضافها إلى الله تشريفا لها كما يقال بيت
الله « فذروها تأكل في أرض الله » أي فاتركوها في حال أكلها فتكون « تأكل في أرض
الله » جملة منصوبة الموضع على الحال و يجوز أن يكون مرفوعا على الاستئناف و المعنى
فإنها تأكل في أرض الله من العشب و النبات « و لا تمسوها » أي لا تصيبوها « بسوء »
قتل أو جرح أو غيره « فيأخذكم » إن فعلتم ذلك « عذاب قريب » أي عاجل فيهلككم «
فعقروها » أي عقرها بعضهم و رضي به البعض و إنما عقرها أحمر ثمود و ضربت به العرب
المثل في الشؤم « فقال » صالح « تمتعوا في داركم ثلاثة أيام » أي تلذذوا بما تريدون
من المدركات الحسنة من المناظر و الأصوات و غيرها مما يدرك بالحواس في بلادكم ثلاثة
أيام ثم يحل بكم العذاب بعد ذلك و يقال للبلاد دار لأنها تجمع أهلها كما تجمع الدار
أهلها و منه قولهم ديار ربيعة و ديار مضر و قيل « في داركم » يعني دار الدنيا و قيل
معنى قوله « تمتعوا في داركم » عيشوا في بلدكم و عبر عن الحياة بالتمتع لأن الحي
يكون متمتعا
مجمع البيان ج : 5 ص : 266
بالحواس قالوا لما عقرت الناقة صعد
فصيلها الجبل و رغا ثلاث مرات فقال صالح لكل رغوة أجل يوم فاصفرت ألوانهم أول يوم
ثم احمرت في الغد ثم اسودت اليوم الثالث فهو قوله « ذلك وعد غير مكذوب » أي إن ما
وعدتكم به من العذاب و نزوله بعد ثلاثة أيام وعد صدق لا كذب فيه و روى جابر بن عبد
الله الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزل الحجر في غزوة تبوك
قام فخطب الناس و قال يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات فهؤلاء قوم صالح سألوا
نبيهم أن يبعث لهم الناقة و كانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم ورودها و يحلبون
من لبنها مثل الذي كانوا يشربون من مائها يوم غبها فعتوا عن أمر ربهم « فقال تمتعوا
في داركم ثلاثة أيام » و كان وعدا من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله
من كان في مشارق الأرض و مغاربها منهم إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من
عذاب الله تعالى يقال له أبو رغال قيل له يا رسول الله من أبو رغال قال أبو ثقيف «
فلما جاء أمرنا نجينا صالحا و الذين آمنوا معه برحمة منا » مر تفسيره في قصة عاد «
و من خزي يومئذ » قال ابن الأنباري هذا معطوف على محذوف تقديره نجيناهم من العذاب و
« من خزي يومئذ » أي من الخزي الذي لزمهم ذلك اليوم و الخزي العيب الذي تظهر فضيحته
و يستحي من مثله « إن ربك هو القوي » أي القادر على ما يشاء « العزيز » الذي لا
يمتنع عليه شيء و لا يمنع عما أراده « و أخذ الذين ظلموا الصيحة » قيل إن الله
سبحانه أمر جبرائيل فصاح بهم صيحة ماتوا عندها و يجوز أن يكون الله تعالى خلق تلك
الصيحة التي ماتوا عندها « فأصبحوا في ديارهم » أي منازلهم « جاثمين » أي ميتين
واقعين على وجوههم و يقال جاثمين أي قاعدين على ركبهم و إنما قال « فأصبحوا » لأن
العذاب أخذهم عند الصباح و قيل أتتهم الصيحة ليلا فأصبحوا على هذه الصفة و العرب
تقول عند الأمر العظيم وا سوء صباحاه « كأن لم يغنوا فيها » أي كأن لم يكونوا في
منازلهم قط لانقطاع آثارهم بالهلاك إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي الذي
نزل بهم « ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود » قد سبق تفسيره .
مجمع
البيان ج : 5 ص : 267
وَ لَقَدْ جَاءَت رُسلُنَا إِبْرَهِيمَ بِالْبُشرَى
قَالُوا سلَماً قَالَ سلَمٌ فَمَا لَبِث أَن جَاءَ بِعِجْل حَنِيذ(69) فَلَمَّا
رَءَا أَيْدِيهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكرَهُمْ وَ أَوْجَس مِنهُمْ خِيفَةً
قَالُوا لا تخَف إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلى قَوْمِ لُوط(70) وَ امْرَأَتُهُ قَائمَةٌ
فَضحِكَت فَبَشرْنَهَا بِإِسحَقَ وَ مِن وَرَاءِ إِسحَقَ يَعْقُوب(71) قَالَت
يَوَيْلَتى ءَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هَذَا بَعْلى شيْخاً إِنَّ هَذَا لَشىْءٌ
عَجِيبٌ(72) قَالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَت اللَّهِ وَ
بَرَكَتُهُ عَلَيْكمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مجِيدٌ(73) فَلَمَّا ذَهَب
عَنْ إِبْرَهِيمَ الرَّوْعُ وَ جَاءَتْهُ الْبُشرَى يجَدِلُنَا فى قَوْمِ لُوط(74)
إِنَّ إِبْرَهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّهٌ مُّنِيبٌ(75) يَإِبْرَهِيمُ أَعْرِض عَنْ
هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّك وَ إِنهُمْ ءَاتِيهِمْ عَذَابٌ غَيرُ
مَرْدُود(76)
القراءة
قرأ حمزة و الكسائي قال سلم بكسر السين و سكون اللام
هنا و في الذاريات و قرأ الباقون « قال سلام » و قرأ « يعقوب » بالنصب ابن عامر و
حمزة و حفص عن عاصم و قرأ الباقون يعقوب بالرفع و في الشواذ قراءة الأعمش و هذا
بعلي شيخ بالرفع .
الحجة
قال أبو علي أخبر أبو إسحاق عن محمد بن يزيد
قال السلام أربعة أشياء منها مصدر سلمت و السلام شجر قال الإسلام و حرمل و السلام
جمع سلامة و السلام اسم من أسماء الله تعالى و قوله دار السلام يحتمل أن يكون مضافة
إلى الله تعظيما لها و يحتمل أن يكون دار السلامة من العقاب فمن حصل فيها كان على
خلاف من وصف بقوله و يأتيه الموت من كل مكان و أما انتصاب قوله « سلاما » فلأنه لم
يحك شيئا تكلموا به فيحكي كما يحكي الجمل و لكن هو معنى ما تكلمت به الرسل كما أن
القائل إذا قال لا إله إلا الله فقلت حقا أو قلت إخلاصا أعملت القول في المصدرين
لأنك ذكرت معنى ما قال و لم تحك
مجمع البيان ج : 5 ص : 268
نفس الكلام الذي
هو جملة تحكي فكذلك نصب سلاما في قوله « قالوا سلاما » لما كان معنى ما قيل و لم
يكن نفس المقول بعينه فأما قوله و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال سيبويه زعم
أبو الخطاب أن مثله يريد قولك سبحان الله الذي تفسيره براءة الله من السوء و قولك
للرجل سلاما تريد مسلما منك لا أبتلي بشيء من أمرك فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية
قال و زعم أن قول أمية : سلامك ربنا في كل فجر بريئا ما يعيبك الذموم على
قوله براءتك ربنا من كل سوء و أما قوله « قال سلام » فسلام مرفوع لأنه من جملة
الجملة المحكية و التقدير فيه سلام عليكم فحذف الخبر كما حذف من قوله فصبر جميل أي
صبر جميل أمثل أو يكون المعنى أمري سلام و شأني سلام كما أن قوله فصبر جميل يصلح أن
يكون المحذوف منه المبتدأ و مثل ذلك قوله فاصفح عنهم و قل سلام على حذف المبتدأ
الذي سلام خبره و أكثر ما يستعمل سلام بغير ألف و لام و ذلك لأنه في معنى الدعاء
فهو مثل قولهم خير بين يديك و لما كان في معنى المنصوب أستجير فيه الابتداء بالنكرة
فمن ذلك قوله قال سلام عليك سأستغفر لك ربي و قال و الملائكة يدخلون عليهم من كل
باب سلام عليكم و قال سلام على نوح في العالمين سلام على إبراهيم و سلام على عباده
الذين اصطفى و قد جاء بالألف و اللام قال سبحانه و السلام على من اتبع الهدى و
السلام علي يوم ولدت و زعم أبو الحسن أن في العرب من يقول سلام عليكم و منهم من
يقول السلام عليكم فالذين ألحقوا الألف و اللام حملوه على المعهود و الذين لم
يلحقوه حملوه على غير المعهود و زعم أن منهم من يقول سلام عليكم فلا ينون و حمل ذلك
على وجهين ( أحدهما ) أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو قولك لم يك
و لا أدر و يوم يأت ( و الآخر ) أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة و فيه الألف و
اللام حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذفا من اللهم فقالوا : لا هم إن عامر
الفجور قد حبس الخيل على يعمور و أما من قال سلم فإن سلما يحتمل أمرين ( أحدهما
) أن يكون بمعنى سلام فيكون المعنى أمرنا سلم أو سلم عليكم و يكون سلم في الآية
بمعنى سلام كقولهم حل و حلال و حرم و حرام فيكون على هذا قراءة من قرأ « سلام » و
سلم بمعنى واحد و إن اختلف اللفظان ( و الآخر ) أن يكون سلم خلاف العدو و الحرب
لأنهم لما كفوا عن تناول ما قدمه إليهم فنكرهم و أوجس الخيفة منهم قال أنا سلم و
لست بحرب و لا
مجمع البيان ج : 5 ص : 269
عدو فلا تمتنعوا من تناول طعامي
كما يمتنع من تناول طعام العدو و من قرأ و من وراء إسحاق يعقوب بالرفع كان رفعه
بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به و من فتح فقال يعقوب احتمل ثلاثة أضرب (
أحدها ) أن يكون يعقوب في موضع جر أي فبشرناها بإسحاق و يعقوب قال أبو الحسن و هذا
أقوى لأنها بشرت بهما قال و في أعمالها ضعف لأنك فصلت بين الجار و المجرور بالظرف (
و الآخر ) أن تحمله على موضع الجار و المجرور كقوله : إذا ما تلاقينا من اليوم
أو غدا و كقراءة من قرأ و حورا عينا بعد يطاف عليهم بكذا و مثله : و لسنا
بالجبال و لا الحديدا ) ( و الثالث ) أن يحمل على فعل مضمر كأنه قال فبشرناها
بإسحاق و وهبنا له يعقوب فأما الأول فقد نص على سيبويه على فتح مثله نحو مررت بزيد
أول من أمس و أمس عمرو و كذلك قال أبو الحسن لو قلت مررت بزيد اليوم و أمس عمرو لم
يحسن و أما الحمل على الموضع على حد مررت بزيد و عمرو فالفعل فيه أيضا قبيح كما قبح
الحمل على الجر و ذلك أن الفعل يصل بحرف العطف و حرف العطف هو الذي يشرك في الفعل و
به يصل الفعل إلى المفعول به كما يصل بحرف الجر و لو قال مررت بزيد قائما بجعل
الحال من المجرور لم يجز التقديم عند سيبويه لأن الجار هو الموصل للفعل فكما قبح
التقديم عنده لضعف الجار العامل كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل
كما يوصل الجار الفعل و ليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا و إذا كان كذلك قبح
الفصل بالظرف في العطف على الموضع و قبح أيضا الفصل في الرفع و النصب كما قبح في
الجر لأن العاطف فيهما مثله في الجار و ليس العامل في نفس الرافع و الناصب كما أن
العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجار إنما يشركه فيه العاطف و قد جاء ذلك في الشعر
قال الأعشى : يوما تراها كشبه أردية الخمس و يوما أديمها نفلا ففصل بالظرف
بين المشترك في النصب و ما أشركه فيه فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح
الفصل في الحمل على الجار فينبغي أن يحمل قراءة من قرأ « يعقوب » بالنصب على فعل
آخر مضمر يدل عليه بشرنا كما تقدم و لا يحمل على الوجهين الآخرين و أما الرفع في
قوله شيخ ففيه وجوه ( أحدها ) أن يكون بعلي خبر المبتدأ و شيخ بدل من بعلي فيكون
كأنه قال هذا شيخ ( و الآخر ) أن يكون شيخ خبر مبتدإ محذوف و يكون هذا بعلي كلاما
تاما يحسن الوقف عليه ( و الثالث ) أن يكون بعلي بدلا من هذا و شيخ هو الخبر فيكون
تقديره
مجمع البيان ج : 5 ص : 270
بعلي شيخ ( و الرابع ) أن يكون بعلي و
شيخ جميعا خبرا عن هذا كقولك هذا حلو حامض أي قد جمع الحلاوة و الحموضة فكذلك هاهنا
تقديره هذا جمع البعولة و الشيخوخة قال ابن جني و هنا وجه خامس لكنه على قياس مذهب
الكسائي و ذلك أنه يعتقد في خبر المبتدأ أبدا أن فيه ضميرا و إن لم يكن مشتقا من
الفعل نحو زيد أخوك و هو يريد النسب فإذا كان كذلك فقياس مذهبه أن يكون شيخ بدلا من
الضمير في بعلي لأنه خبر عن هذا
اللغة
العجل ولد البقرة و العجول لغة فيه و
جمعه العجاجيل و سمي بذلك لتعجيل أمره بقرب ميلاده و الحنيذ المشوي و هو المحنون
فعيل بمعنى مفعول يقال حنذه يحنذه حنذا قال العجاج : و رهبا من حنذه أن تهرجا
يعني الحمر الوحشية قال الزجاج الحنيذ المشوي بالحجارة و قيل الحنيذ المشوي حتى
يقطر و العرب تقول احنذ هذه الفرس أي اجعل عليه الحبل حتى يقطر عرقا و قيل الحنيذ
المشوي فقط و قيل هو السميط و يقال نكرته و أنكرته بمعنى واحد و نكرته أشد مبالغة و
هي لغة هذيل و الحجاز و أنكرته لغة تميم قال الأعشى و جمع بين اللغتين : و
أنكرتني و ما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب و الصلعا و قال أبو ذؤيب :
فنكرنه فنفرن فامترست به هو جاء هادية و هاد جرشع و الإيجاس الإحساس و أوجس
و توجس أي أحس قال ذو الرمة : و قد توجس ركزا مغفر ندس بنبأة الصوت ما في
سمعه كذب و يقال أوجس خوفا أي أضمر و البعل الزوج و أصله القائم بالأمر يقولون
للنخل الذي يستغني بماء السماء عن سقي الأنهار و العيون بعل لأنه قائم بالأمر في
استغنائه عن تكلف السقي له و منه قيل للرب و الصاحب بعل و العجب يجري على المصدر و
على المتعجب منه تقول هذا أمر عجب و لا يجوز العجب من أمر الله تعالى لأنه يجب أن
يعلم أنه قادر على كل
مجمع البيان ج : 5 ص : 271
شيء من الأجناس لا يعجزه
شيء و ما عرف سببه لا يتعجب منه و المجيد الكريم يقال مجد الرجل يمجد مجادة إذا كرم
قال الشاعر : رفعت مجد تميم يا هلال لها رفع الطراف على العليا بالعمد و
الروع الإفزاع يقال راعه يروعه إذا أفزعه قال عنترة : ما راعني إلا حمولة أهلها
وسط الديار تسف حب الخمخم و ارتاع ارتياعا إذا خاف و الروع بضم الراء النفس
يقال ألقي في روعي أي في نفسي و سميت بذلك لأنها موضع الروع و الرد و الدفع واحد و
نقيضه الأخذ و الفرق بين الرد و الدفع إن الدفع قد يكون إلى جهة القدام و الخلف و
الرد لا يكون إلا إلى جهة الخلف
الإعراب
« فما لبث أن جاء » أي ما أقام حتى
جاء بعجل و « أن جاء » في موضع نصب بوقوع لبث عليه كأنه قال فما أبطأ عن مجيئه بعجل
فلما حذف حرف الجر وصل الفعل و قال الفراء و يحتمل أن يكون موضعه رفعا بأن نجعل أن
جاء فاعل لبث فكأنك قلت فما لبث مجيئه بعجل و ألف يا ويلتى يحتمل أن يكون ألف ندبة
و يحتمل أن يكون ياء الإضافة فانقلبت ألفا و معناه الإيذان بورود الأمر العظيم كما
تقول العرب يا للدواهي أي تعالى فإنه من أحيانك لحضور ما حضر من إشكالك و يجوز
الوقف عليه بغير هاء و الاختيار في الكلام أن يوقف عليه بالهاء يا ويلتاه قال
الزجاج أما المصحف فلا يخالف و لا يوقف عليه فإن اضطر واقف إلى أن يقف وقف عليه
بغير هاء بالاختيار و أما الهمزتان في قوله « أ ألد » ففيه ثلاثة أوجه إن شئت خففت
الأولى و حققت الثانية فقلت يا ويلتي ألد و إن شئت حققت الأولى و خففت الثانية و هو
الاختيار فقلت يا ويلتي أ ألد و إن شئت حققتهما جميعا فقلت أ ألد و شيخا منصوب على
الحال قال الزجاج الحال هاهنا نصبها من لطيف النحو و ذلك أنك إذا قلت هذا زيد قائما
فإن كنت تقصد أن تخبر من لا يعرف زيدا أنه زيد لم يجز أن تقول هذا زيد قائما لأنه
يكون زيدا ما دام قائما فإذا زال عن القيام فليس بزيد و إنما تقول للذي يعرف زيدا
هذا زيد قائما فيعمل في الحال التنبيه و المعنى انتبه لزيد في حال قيامه أو أشير لك
إلى زيد في حال قيامه لأن هذا إشارة إلى ما حضر و قال غيره إن شئت جعلت العامل فيه
معنى التنبيه و إن شئت جعلت العامل فيه معنى الإشارة و إن شئت أعملت فيه مجموعهما و
كذا ما جرى مجراه
مجمع البيان ج : 5 ص : 272
تقول هذا زيد مقبلا و لا يجوز
مقبلا هذا زيد لأن العامل ليس بفعل محض فإن قلت ها مقبلا ذا زيد و جعلت العامل معنى
الإشارة لم يجز و إن جعلت العامل معنى التنبيه جاز . يجادلنا في موضع نصب لأنه
حكاية حال قد مضت و إلا فالجيد أن تقول لما قام قمت و يضعف أن تقول لما قام أقوم و
على هذا فيكون جواب لما محذوفا لدلالة الكلام عليه و يكون تقديره قلنا إن إبراهيم
لحليم أو ناديناه يا إبراهيم أعرض عن هذا و يجوز أن يكون تقديره أخذ يجادلنا و أقبل
يجادلنا و يجوز أن يكون لما كان شرطا للماضي وقع المستقبل فيه في معنى الماضي كما
إن أن لما كان شرطا للمستقبل وقع الماضي فيه في معنى المستقبل
المعنى
ثم
ذكر سبحانه قصة إبراهيم و لوط فقال سبحانه « و لقد جاءت رسلنا » يعني الملائكة و
إنما دخلت اللام لتأكيد الخبر و معنى قد هاهنا أن السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة
بعد قصة و قد للتوقع فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع و اختلف في عدد الرسل فقيل
كانوا ثلاثة جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل عن ابن عباس و قيل كانوا أربعة عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال و الرابع اسمه كروبيل و قيل كانوا تسعة عن الضحاك و قيل أحد
عشر عن السدي و كانوا على صور الغلمان أتوا « إبراهيم » الخليل (عليه السلام) «
بالبشرى » أي بالبشارة بإسحاق و نبوته و أنه يولد له يعقوب عن الحسن و السدي و
الجبائي و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن هذه البشارة كانت بإسماعيل (عليه
السلام) من هاجر و قيل البشارة بهلاك قوم لوط « قالوا سلاما » هذه حكاية ما قال رسل
الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) أي سلمنا سلاما بمعنى الدعاء له و قيل معناه
أصبت سلاما إذا أعطاك الله سلاما أي سلامة كما يقال أهلا و مرحبا و كان تحية من
الملائكة لإبراهيم (عليه السلام) ف « قال » إبراهيم مجيبا لهم « سلام » و قد مر
تفسيره « فما لبث أن جاء بعجل حنيذ » أي لم يتوقف حتى جاءهم على عادته في إكرام
الأضياف و تقديم الطعام إليهم بعجل مشوي لأنه توهم أنهم أضياف لكونهم على صورة
البشر و كان إبراهيم يحب الضيفان فجاؤوه على أحسن الوجوه إليه و صار لذلك من السنة
أن يعجل للضيف الطعام و قيل إن معنى حنيذ نضيج بالحجارة المحماة في خد من الأرض عن
ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل إن الحنيذ ما حفرت له في الأرض ثم غممته و هو فعل
أهل البادية عن الفراء و قيل حنيذ مشوي يقطر ماؤه عن ابن عطية « فلما رءا » إبراهيم
« أيديهم » يعني أيدي الملائكة « لا تصل إليه » أي إلى العجل « نكرهم » أي أنكرهم «
و أوجس منهم خيفة » أي أضمر منهم خوفا و اختلف في سبب الخوف فقيل إنه لما رآهم
شبانا أقوياء و كان ينزل طرفا من البلد و كانوا يمتنعون من تناول طعامه لم يأمن أن
يكون ذلك لبلاء و ذلك أن أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض
مجمع البيان ج
: 5 ص : 273
أمنه صاحب الطعام على نفسه و ماله و لهذا يقال تحرم فلان بطعامنا
أي أثبت الحرمة بيننا بأكله الطعام و قيل إنه ظنهم لصوصا يريدون به سوءا أو قيل إنه
ظن أنهم ليسوا من البشر و أنهم جاءوا لأمر عظيم و قيل علم أنهم ملائكة فخاف أن يكون
قومه المقصودين بالعذاب حتى « قالوا » له « لا تخف » يا إبراهيم « إنا أرسلنا إلى
قوم لوط » بالعذاب و الإهلاك لا إلى قومك و قيل إنهم دعوا الله فأحيا العجل الذي
كان ذبحه إبراهيم و شواه فطفر و رعى فعلم حينئذ أنهم رسل الله « و امرأته » سارة
بنت هاران بن ياحور بن ساروع بن أرعوى بن فالغ و هي ابنة عم إبراهيم « قائمة » من
وراء الستر تسمع كلام الرسل و كلام إبراهيم عن وهب و قيل إنها كانت بنت خالته و قيل
كانت قائمة تخدم الرسل و إبراهيم جالس معهم عن مجاهد و قيل كانت قائمة تصلي و كان
إبراهيم جالسا و في قراءة ابن مسعود و امرأته قائمة و هو جالس « فضحكت » قيل هو
الضحك المعروف الذي يعتري الإنسان للفرح و قد يكون للتعجب فضحكت تعجبا من غفلة قوم
لوط مع قرب نزول العذاب بهم عن قتادة و قيل تعجبا من امتناعهم عن الأكل و خدمتها
إياهم بنفسها و لهذا يقال ( و شر الشدائد ما يضحك ) و قالت عجبا لأضيافنا نخدمهم
بأنفسنا تكرمة لهم و هم لا يتناولون من طعامنا و قيل ضحكت لأنها قالت لإبراهيم أضمم
لوطا ابن أختك إليك فإني أعلم أنه سينزل بهؤلاء القوم عذاب فضحكت سرورا لما أتى
الأمر على ما توهمت عن الزجاج و قيل تعجبا و سرورا من البشارة بإسحاق لأنها كانت قد
هرمت و هي ابنة ثمان و تسعين سنة أو تسع و تسعين سنة و كان قد شاخ زوجها و كان ابن
تسع و تسعين أو مائة سنة و قيل مائة و عشرين سنة و لم يرزق لهما ولد في حال شبابهما
و على هذا فيكون في الكلام تقديم و تأخير و تقديره فبشرناها بإسحاق و يعقوب فضحكت
بعد البشارة و روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) « فبشرناها بإسحاق » أي بابن يسمى
إسحاق نبيا « و من وراء إسحاق يعقوب » يعني و من بعد إسحاق يعقوب و قيل الوراء ولد
الولد عن ابن عباس أي فبشرناها بنبي بين نبيين و هو إسحاق أبوه نبي و ابنه نبي و
قيل إن ضحكت بمعنى حاضت عن مجاهد و روي عن الصادق (عليه السلام) أيضا يقال ضحكت
الأرنب أي حاضت و الضحك بفتح الضاد الحيض و في لغة أبي الحرث بن كعب ضحكت النخلة
إذا أخرجت الطلع أو البسر و الضحك الطلع و أنشد بعضهم في الضحك بمعنى الحيض قول
الشاعر : و ضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا قال الفراء و لم
أسمعه من ثقة و الوجه فيه أن يكون على طريق الكناية قال الكميت :
مجمع البيان ج
: 5 ص : 274
فأضحكت السباع سيوف سعد لقتلي ما دفن و لا ودينا « قالت »
سارة « يا ويلتي أ ألد و أنا عجوز » أي هذا شيء عجيب أن ألد و قد شخت من زوج شيخ و
لم تشك في قدرة الله تعالى و لكن إنما قالت ذلك لكونه خارجا عن العادة كما ولى موسى
مدبرا حين انقلبت عصاه حية حتى قيل له أقبل و لا تخف و إلا فهي كانت عارفة بأن الله
تعالى يقدر على ذلك و لم ترد بقولها يا ويلتي الدعاء على نفسها بالويل و لكنها كلمة
تجري على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يتعجبن منه و قيل إنها لم تتعجب من قدرة
الله و لكنها أرادت أن تعرف هل تتحول شابة أم تلد على تلك الحال و كل ذلك عجيب « و
هذا بعلي شيخا » أي هذا الذي تعرفونه بعلي و هو شيخ « إن هذا » الذي بشرت به « لشيء
عجيب قالوا » أي قالت الملائكة لها حين تعجبت من أن تلد بعد الكبر « أ تعجبين من
أمر الله » و معنى الاستفهام هاهنا التنبيه و التوقيف أي أ تعجبين من أن يفعل الله
تعالى ذلك بك و لزوجك « رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت » أي ليس هذا موضع تعجب
لأن التعجب إنما يكون من الأمر الذي لا يعرف سببه و نعمة الله تعالى و كثرة خيراته
النامية الباقية عليكم و هذا يحتمل أن يكون إخبارا عن ثبوت ذلك لهم و تذكيرا بنعمة
الله و بركاته عليهم و يحتمل أن يكون دعاء لهم بالرحمة و البركة من الملائكة فقالوا
رحمة الله و بركاته عليكم يا أهل البيت كما يقال أ تتعجب من كذا بارك الله فيك و
يرحمك الله و يعني بأهل البيت أهل بيت إبراهيم (عليه السلام) و إنما جعلت سارة من
أهل بيته لأنها كانت ابنة عمه و لا دلالة في الآية على أن زوجة الرجل من أهل بيته
على ما قاله الجبائي و روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بقوم فسلم عليهم
فقالوا و عليك السلام و رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت و مغفرته و رضوانه فقال
(عليه السلام) لهم لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه السلام) «
رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت » « إنه حميد » أي محمود على أفعاله و قيل
الحميد الذي يحمد عباده على الطاعات « مجيد » أي كريم و هو المبتدىء بالعطية قبل
الاستحقاق و قيل معناه واسع القدرة و النعمة عن أبي مسلم و روي أن سارة قالت
لجبرائيل (عليه السلام) ما آية ذلك فأخذه بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز
أخضر عن السدي « فلما ذهب عن إبراهيم الروع » أي الخوف و الفزع الذي دخله من الرسل
« و جاءته البشرى » بالولد « يجادلنا في قوم لوط » أي يجادل رسلنا و يسائلهم في قوم
مجمع البيان ج : 5 ص : 275
لوط و تلك المجادلة أنه قال لهم إن كان فيها
خمسون من المؤمنين أ تهلكونهم قالوا لا قال فأربعون قالوا لا فما زال ينقص و يقولون
لا حتى قال فواحد قالوا لا فاحتج عليهم بلوط و قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن
فيها لننجينه و أهله عن قتادة و قيل إنه جادلهم و قال بأي شيء استحقوا عذاب
الاستئصال و هل ذلك واقع لا محالة أم هو تخويف ليرجعوا إلى الطاعة بأي شيء يهلكون و
كيف يجيء الله المؤمنين عن الجبائي و لما سألهم مستقص سمي ذلك السؤال جدالا لأنه
خرج الكشف عن شيء غامض « إن إبراهيم لحليم أواه » مر معناه في سورة براءة « منيب »
راجع إلى الله تعالى في جميع أموره متوكل عليه و في هذا إشارة إلى أن تلك المجادلة
من إبراهيم (عليه السلام) لم تكن من باب ما يكره لأنه مدحه بالحلم و بأن ذلك كان في
أمر يتعلق بالرحمة و رقة القلب و الرأفة و ذلك لأنه رأى الخلق الكثير في النار
فتأوه لهم « يا إبراهيم أعرض عن هذا » هو حكاية ما قالت الملائكة لإبراهيم (عليه
السلام) فإنها نادته بأن قالت يا إبراهيم أعرض عن هذا القول و هذا الجدال في قوم
لوط و انصرف عنه بالذكر و الفكر « إنه قد جاء أمر ربك » بالعذاب فهو نازل لا محالة
« و إنهم آتيهم عذاب غير مردود » يعني غير مدفوع عنهم أي لا يقدر أحد على رده عنهم
.
مجمع البيان ج : 5 ص : 276
وَ لَمَّا جَاءَت رُسلُنَا لُوطاً سىءَ
بهِمْ وَ ضاقَ بهِمْ ذَرْعاً وَ قَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77) وَ جَاءَهُ
قَوْمُهُ يهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِن قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السيِّئَاتِ قَالَ
يَقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتى هُنَّ أَطهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تخْزُونِ
فى ضيْفِى أَ لَيْس مِنكمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ(78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْت مَا لَنَا
فى بَنَاتِك مِنْ حَقّ وَ إِنَّك لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79) قَالَ لَوْ أَنَّ لى
بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِى إِلى رُكْن شدِيد(80) قَالُوا يَلُوط إِنَّا رُسلُ
رَبِّك لَن يَصِلُوا إِلَيْك فَأَسرِ بِأَهْلِك بِقِطع مِّنَ الَّيْلِ وَ لا
يَلْتَفِت مِنكمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَك إِنَّهُ مُصِيبهَا مَا أَصابهُمْ إِنَّ
مَوْعِدَهُمُ الصبْحُ أَ لَيْس الصبْحُ بِقَرِيب(81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
جَعَلْنَا عَلِيَهَا سافِلَهَا وَ أَمْطرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيل
مَّنضود(82) مُّسوَّمَةً عِندَ رَبِّك وَ مَا هِىَ مِنَ الظلِمِينَ بِبَعِيد(83)
القراءة
في الشواذ قراءة سعيد بن جبير و الحسن بخلاف و عيسى الثقفي و محمد
بن مروان هن أطهر لكم بالنصب و القراءة المشهورة « أطهر » بالرفع و قراءة شيبة أو
أوي بالنصب و القراءة العامة بالرفع و قرأ أهل الحجاز فأسر بأهلك و أن اسر موصولة
الهمزة و الباقون فأسر و أن أسر بقطع الهمزة العامة حيث كان و قرأ ابن كثير و أبو
عمرو إلا امرأتك بالرفع و الباقون بالنصب .
الحجة
أما قوله هن أطهر لكم
فإن سيبويه ضعف هذه القراءة و قال فيها اجتبى ابن مروان في لحنه قال ابن جني و إنما
صح ذلك عنده لأنه ذهب إلى أنه جعل هن فصلا و ليست بين أحد الجزءين اللذين هما مبتدأ
و خبر و نحو ذلك نحو ظننت زيدا هو خيرا منك و كان زيد هو العالم و يجوز أن يكون
بناتي هن جملة من مبتدإ و خبر في موضع الخبر لهؤلاء كقولك زيد أخوك هو و أن يكون
أطهر حالا من هن أو من بناتي و العامل فيه معنى الإشارة كقولك هذا زيد هو قائما و
من قرأ أو آوي بالنصب فيكون تقديره لو أن لي بكم قوة أو آويا إلى ركن شديد و يكون
منتصبا بإضمار أن و عليه بيت الكتاب : فلو لا رجال من كرام أعزة و آل سبيع
أو أسواك علقما و التقدير أو أن أسؤك فكأنه قال أو إياك مسألتي و من قرأ فأسر بأهلك
بإثبات الهمزة في اللفظ أو بغير الهمزة فإن سرى و أسرى معناهما سار ليلا قال
النابغة : أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد و يروى
سرت و قال امرؤ القيس : سريت بهم حتى تكل مطيهم و حتى الجياد ما يقدن
بإرسان
مجمع البيان ج : 5 ص : 277
و قال سبحانه « سبحان الذي أسرى بعبده »
و من قرأ إلا امرأتك نصبا فإنه جعل الكلام قبله مستقلا بنفسه فنصب مع النفي كما
ينصب مع الإيجاب و الوجه الأقيس الرفع على البدل من أحد لأن معنى ما أتاني أحد إلا
زيد ما أتاني إلا زيد فكما اتفقوا فيما أتاني إلا زيد على الرفع و كان ما أتاني أحد
إلا زيد بمنزلته و بمعناه اختاروا الرفع مع ذكر أحد و مما يقوي ذلك أنهم في الكلام
و أكثر الاستعمال يقولون ما جاءني إلا امرأة فيذكرون حملا على المعنى و لا يكادون
يؤنثون ذلك إلا في الشعر كما في قول الشاعر : فما بقيت إلا الضلوع الجراشع ) و
قول ذي الرمة : و ما بقيت إلا النحيرة و الألواح و العصب ) و زعموا أن في حرف
عبد الله أو أبي فأسير بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك و ليس فيه و لا يلتفت منكم
أحد و هذا يقوي قول من نصب .
اللغة
أصل سيء بهم سويء بهم من السوء
فأسكنت الواو و نقلت كسرتها إلى السين و يقال سؤته فسيء كما يقال شغلته فشغل و
سررته فسر و الفرق بين السوء و القبيح أن السوء ما يظهر مكروهة لصاحبه و القبيح ما
ليس للقادر عليه أن يفعله و يقال ضاق فلان بأمره ذرعا إذا لم يجد من المكروه في ذلك
الأمر مخلصا و العصيب الشديد في الشر خاصة و أصله من الشد يقال عصبت الشيء أي شددته
و عصبت فخذ الناقة لتدر و ناقة عصوب و يوم عصيب و عصبصب كأنه التف على الناس بالشر
أو يكون التف شره بعضه ببعض قال الشاعر : فإنك إن لم ترض بكر بن وائل يكن
لك يوم بالعراق عصيب و قال عدي بن زيد : و كنت لزاز خصمك لم أعرد و قد
سلكوك في يوم عصيب و قال الراجز : يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم
الطوالا و الإهراع الإسراع في المشي قال مهلهل :
مجمع البيان ج : 5 ص : 278
فجاؤوا يهرعون و هم أسارى تقودهم على رغم الأنوف و قال صاحب العين
الإهراع السوق الحثيث قال أبو مسلم و القرآن بالسوق أشبه و الركن معتمد البناء بعد
الأساس و ركنا الجبل جانباه قال الراجز : يأوي إلى ركن من الأركان في عدد
طيس و مجديان و الشدة تجمع يصعب معه التفكك و قد تكون الشدة تقبضا يعسر معه التحلل
و القطع القطعة العظيمة تمضي من الليل و قيل نصف الليل كأنه قطع نصفين و الالتفات
افتعال من اللفت و هو اللي يقال لفت فلانا عن رأيه أي صرفته و امرأة لفوت لها ولد
من غير زوجها و كأنها تلفت إلى ولدها و منه الحديث في صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان إذا التفت التفت معا أي كان لا يلوي عنقه يمنة و يسرة و
السجيل فارسي معرب أي سنك و كل حجارة و طين و قال أبو عبيدة هو الحجارة الشديدة و
أنشد لابن مقبل : و رجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصي به الأبطال سجينا و
سجين و سجيل بمعنى واحد و العرب تعاقب بين النون و اللام فقلبت النون هاهنا لاما و
قيل إنه مشتق من أسجلته أي أعطيته فتقديره أنها من مثل العطية في الإدرار و قيل إنه
من السجل و هو الدلو العظيمة فتقديره أنها من مثل السجل في الإرسال و قيل إنه من
أسجلته إذا أرسلته و كأنها مرسلة عليهم و قيل إنه من السجل و هو الكتاب فكأنها سجلت
لهم و المراد كتب الله عليهم إن عليهم أن يعذبهم بها و المنضود من نضدت الشيء بعضه
على بعض و المسومة من السيماء و هي العلامة و منه السائمة و هي المرسلة في المرعى و
ذلك أن الإبل السائمة تختلط في المرعى فيجعل عليها السيماء لتمييزها .
الإعراب
« يهرعون إليه » في موضع نصب على الحال من قبل و من بعد مبنيان
على الضم فإذا أضيفا أعربا « لو أن لي بكم قوة » جواب لو محذوف بدل الكلام عليه و
تقديره لحلت بينهم و بينكم « إنه مصيبها ما أصابهم » الهاء في أنه ضمير الشأن و
الحديث و مصيبها مبتدأ و ما أصابهم موصول و صلة في موضع الرفع بكونه فاعل مصيبها و
قد سد مسد خبر المبتدأ « من سجيل » في موضع نصب بكونه صفة لحجارة أي كائنة من سجيل
مسومة صفة أخرى لحجارة و يجوز أن يكون نصبا على الحال من الضمير المستكن في منضود .
|