قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 5 ص : 357
قال عيسى بن مريم (عليهماالسلام) و أنبئكم بما
تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم عن الحسن و الجبائي « ذلكما مما علمني ربي » كأنهما
قالا له كيف عرفت تأويل الرؤيا و لست بكاهن و لا عراف فأخبرهما أنه رسول الله و أنه
تعالى علمه ذلك و تعليمه تعالى قد يكون بأن يفعل العلم في قلبه و قد يكون بالوحي و
قد يكون بنصب الأدلة التي يدرك بها العلم « إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله و هم
بالآخرة هم كافرون » معناه أنه لا يستحق هذه الرتبة الخطيرة إلا المؤمنون المخلصون
و إني تركت طريقة قوم لا يؤمنون فلذلك خصني الله بهذه الكرامة « و اتبعت ملة آبائي
» أي شريعة آبائي « إبراهيم و إسحاق و يعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء » أي
لا ينبغي لنا و نحن معدن النبوة و أهل بيت الرسالة أن ندين بغير التوحيد « ذلك » أي
التمسك بالتوحيد و البراءة من الشرك و قيل النبوة و العلم « من فضل الله علينا »
بأن خصنا بها « و على الناس » أيضا بإرسالنا إليهم و اتباعهم إيانا و اهتدائهم بنا
« و لكن أكثر الناس لا يشكرون » نعم الله تعالى و قد كان يوسف (عليه السلام) فيما
بينهم زمانا و لم يحك الله سبحانه أنه دعا إلى الدين و كانوا يعبدون الأصنام لأنه
لم يطمع منهم في الاستماع و القبول فلما رآهم عارفين بإحسانه مقبلين عليه رجا منهم
القبول منه فدعاهم إلى التوحيد على ما أمر الله سبحانه له في قوله ادع إلى سبيل ربك
بالحكمة و الموعظة الحسنة و قد روي أن صاحبي السجن قالا له لقد أحببناك حين رأيناك
فقال لا تحباني فو الله ما أحبني أحد إلا دخل علي من حبه بلاء أحبتني عمتي فنسبت
إلى السرقة و أحبني أبي فألقيت في الجب و أحبتني امرأة العزيز فألقيت في السجن .
مجمع البيان ج : 5 ص : 358
يَصحِبىِ السجْنِ ءَ أَرْبَابٌ
مُّتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ(39) مَا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِهِ إِلا أَسمَاءً سمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ
بهَا مِن سلْطن إِنِ الْحُكْمُ إِلا للَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ
ذَلِك الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(40) يَصحِبىِ
السجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسقِى رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الاَخَرُ فَيُصلَب
فَتَأْكلُ الطيرُ مِن رَّأْسِهِ قُضىَ الأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَستَفْتِيَانِ(41)
وَ قَالَ لِلَّذِى ظنَّ أَنَّهُ نَاج مِّنْهُمَا اذْكرْنى عِندَ رَبِّك فَأَنساهُ
الشيْطنُ ذِكرَ رَبِّهِ فَلَبِث فى السجْنِ بِضعَ سِنِينَ(42)
اللغة
الصاحب
الملازم لغيره على وجه الاختصاص و هو خلاف ملازمة الاتصال و منه أصحاب الشافعي و
أصحاب أبي حنيفة و أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لملازمتهم له و كونهم معه
في حروبه و صاحبا السجن هما الملازمان له بالكون فيه و القيم المستقيم و أصله من
قام يقوم و الاستفتاء طلب الفتيا و البضع القطعة من الدهر و أصله من القطع و البضعة
القطعة من اللحم و منه الحديث فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها .
المعنى
« يا صاحبي السجن » هذا حكاية نداء يوسف للمستفتين له عن تأويل رؤياهما أي يا
ملازمي السجن « أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار » أي أ أملاك متباينون
من حجر و خشب لا تضر و لا تنفع خير لمن عبدها أم الله الواحد القهار الذي إليه
الخير و الشر و النفع و الضر و هذا ظاهره الاستفهام و المراد به التقرير و إلزام
الحجة و القاهر هو القادر الذي لا يمتنع عليه شيء ما « ما تعبدون من دونه إلا أسماء
سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان » ابتدأ بخطاب اثنين ثم خاطب
بلفظ الجمع لأنه قصد جميع من هو في مثل حالهما و قيل إنه خطاب لجميع من في الحبس و
معناه أن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله و سميتموها بأسماء يعني الأرباب و
الآلهة هي أسماء فارغة عن المعاني لا حقيقة لها ما أنزل الله من حجة بعبادتها « إن
الحكم إلا لله » أي ما الحكم و الأمر إلا لله فلا يجوز العبادة و الخضوع و التذلل
إلا لله « أمر ألا تعبدوا إلا إياه » أي و قد أمركم أن لا تعبدوا غيره « ذلك » أي
ذلك الذي بينت لكم من توحيده و عبادته و ترك عبادة غيره « الدين القيم » أي الدين
المستقيم الذي لا عوج فيه « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » قال ابن عباس ما للمطيعين
من الثواب و للعاصين من العقاب و قيل لا يعلمون صحة ما أقوله لعدولهم عن النظر و
الاستدلال ثم عبر (عليه السلام) رؤياهما فقال « يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي
ربه خمرا » بدأ بما هو الأهم و هو الدعاء إلى توحيد الله و عبادته و إظهار معجزته
ثم بتعبير رؤيا الساقي فروي أنه قال أما العناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقى في
السجن ثم يخرجك الملك اليوم الرابع و تعود إلى ما كنت عليه و أجري على مالكه صفة
الرب لأنه عبده فأضافه إليه كما
مجمع البيان ج : 5 ص : 359
يقال رب الدار و
رب الضيعة « و أما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه » يريد بالآخر صاحب الطعام روي
أنه قال بئس ما رأيت أما السلال الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن ثم يخرجك
الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك فقال عند ذلك ما رأيت شيئا و كنت ألعب فقال يوسف
« قضي الأمر الذي فيه تستفتيان » أي فرغ من الأمر الذي تسألان و تطلبان معرفته و ما
قلته لكما فإنه نازل بكما و هو كائن لا محالة و في هذا دلالة على أنه كان يقول ذلك
على جهة الإخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر أحدنا الرؤيا على جهة التأويل
« و قال » يوسف « للذي ظن أنه ناج منهما » معناه للذي علم من طريق الوحي أنه ناج أي
متخلص كما في قوله تعالى إني ظننت أني ملاق حسابيه هذا قول الأكثرين و اختيار
الجبائي و قال قتادة للذي ظنه ناجيا لأنه لا يحكم بصدقة فيما قصة من الرؤيا و الأول
أصح « اذكرني عند ربك » أي اذكرني عند سيدك بأني محبوس ظلما « فأنساه الشيطان ذكر
ربه » يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال حتى استغاث بمخلوق
فالتمس من الناجي منهما أن يذكره عند سيده و كان من حقه أن يتوكل في ذلك على الله
سبحانه « فلبث في السجن بضع سنين » أي سبع سنين عن ابن عباس و روي ذلك عن علي بن
الحسن (عليهماالسلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل معناه فأنسى الشيطان
الساقي ذكر يوسف عند الملك فلم يذكره حتى لبث في السجن عن الحسن و محمد بن إسحاق و
الجبائي و أبي مسلم و على هذا فتقديره فأنساه الشيطان ذكر يوسف عند ربه و قد روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال عجبت من أخي يوسف (عليه السلام) كيف استغاث
بالمخلوق دون الخالق و روي أنه (عليه السلام) قال لو لا كلمته ما لبث في السجن طول
ما لبث يعني قوله « اذكرني عند ربك » ثم بكى الحسن و قال إنا إذا أنزل بنا أمر
فزعنا إلى الناس و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال جاء جبرائيل (عليه
السلام) فقال يا يوسف من جعلك أحسن الناس قال ربي قال فمن حببك إلى أبيك دون إخوانك
قال ربي قال فمن ساق إليك السيارة قال ربي قال فمن صرف عنك الحجارة قال ربي قال فمن
أنقذك من الجب قال ربي قال فمن صرف عنك كيد النسوة قال ربي قال فإن ربك يقول ما
دعاك إلى أن تنزل حاجتك بمخلوق دوني البث في السجن بما قلت بضع سنين و عنه في رواية
أخرى قال فبكى يوسف عند ذلك حتى بكى لبكائه الحيطان فتأذى ببكائه أهل السجن فصالحهم
على أن يبكي يوما و يسكت يوما فكان في اليوم الذي يسكت أسوأ حالا و القول في ذلك أن
الاستعانة بالعباد في دفع المضار و التخلص من المكاره جائز غير منكر و لا قبيح بل
ربما يجب ذلك و كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين و
الأنصار و غيرهم و لو كان قبيحا لم يفعله فلو صحت هذه الروايات فإنما عوتب يوسف
(عليه السلام) في ترك عادته الجميلة في الصبر و التوكل على الله سبحانه
مجمع
البيان ج : 5 ص : 360
في كل أموره دون غيره وقتا ما ابتلاء و تشديدا و إنما كان
يكون قبيحا لو ترك التوكل على الله سبحانه و اقتصر على غيره و في هذا ترغيب في
الاعتصام بالله تعالى و الاستعانة به دون غيره عند نزول الشدائد و إن جاز أيضا أن
يستعان بغيره و اختلف في البضع فقال بعضهم البضع ما بين الثلاث إلى الخمس عن أبي
عبيدة و قيل إلى السبع عن قطرب و قيل إلى التسع عن الأصمعي ذكره الزجاج و قول قطرب
مروي عن مجاهد و قول الأصمعي مروي عن قتادة و قال ابن عباس و هو ما دون العشرة و
أكثر المفسرين على أن البضع في الآية سبع سنين قال الكلبي و هذه السبع سوى الخمسة
التي كانت قبل ذلك و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال علم جبرائيل (عليه
السلام) يوسف في حبسه فقال قل في دبر كل صلاة فريضة اللهم اجعل لي فرجا و مخرجا و
ارزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب و روي شعيب العقرقوفي عنه (عليه السلام) قال
لما انقضت المدة و أذن له في دعاء الفرج وضع خده على الأرض ثم قال اللهم إن كانت
ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم و إسماعيل
و إسحاق و يعقوب ففرج الله عنه قال فقلت له جعلت فداك أ ندعو نحن بهذا الدعاء فقال
ادعوا بمثله اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت عندك وجهي فإني أتوجه إليك بوجه نبيك نبي
الرحمة و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهم السلام) .
مجمع
البيان ج : 5 ص : 361
وَ قَالَ الْمَلِك إِنى أَرَى سبْعَ بَقَرَت سِمَان
يَأْكلُهُنَّ سبْعٌ عِجَافٌ وَ سبْعَ سنبُلَت خُضر وَ أُخَرَ يَابِست يَأَيهَا
الْمَلأُ أَفْتُونى فى رُءْيَىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبرُونَ(43) قَالُوا
أَضغَث أَحْلَم وَ مَا نحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَمِ بِعَلِمِينَ(44) وَ قَالَ
الَّذِى نجَا مِنهُمَا وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة أَنَا أُنَبِّئُكم بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ(45) يُوسف أَيهَا الصدِّيقُ أَفْتِنَا فى سبْع بَقَرَت سِمَان
يَأْكلُهُنَّ سبْعٌ عِجَافٌ وَ سبْع سنبُلَت خُضر وَ أُخَرَ يَابِست لَّعَلى
أَرْجِعُ إِلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ(46) قَالَ تَزْرَعُونَ سبْعَ
سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصدتمْ فَذَرُوهُ فى سنبُلِهِ إِلا قَلِيلاً مِّمَّا
تَأْكلُونَ(47) ثمَّ يَأْتى مِن بَعْدِ ذَلِك سبْعٌ شِدَادٌ يَأْكلْنَ مَا
قَدَّمْتُمْ لهَُنَّ إِلا قَلِيلاً مِّمَّا تحْصِنُونَ(48) ثمَّ يَأْتى مِن بَعْدِ
ذَلِك عَامٌ فِيهِ يُغَاث النَّاس وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ(49)
القراءة
قرأ
حفص دأبا بفتح الهمزة و الباقون بسكونها و قرأ تعصرون بالتاء أهل الكوفة غير عاصم و
الباقون بالياء و في الشواذ قراءة ابن عباس و ابن عمر بخلاف و الضحاك و قتادة و زيد
بن علي ( ع ) و ادكر بعد أمه بالهاء و قراءة الأشهب العقيلي بعد إمة بكسر الهمزة و
قرأ جعفر بن محمد (عليهماالسلام) و سبع سنابل و قرأ أيضا ما قربتم و قرأ هو و
الأعرج و عيسى بن عمر و فيه يعصرون بياء مضمومة و صاد مفتوحة .
الحجة
قال أبو علي انتصب « دأبا » بما دل عليه تزرعون و فيه علاج و دئوب فكأنه قال
تدأبون فانتصب دأبا به لا بالمضمر و لعل الفتح لغة فيه فيكون كشمع و شمع و نهر و
نهر و « يعصرون » يحتمل أمرين أحدهما أن يكون من العصر الذي يراد به الضغط الذي
يلحق ما فيه دهن أو ماء نحو الزيتون و السمسم و العنب ليخرج ذلك منه و هذا يمكن أن
يكون تأويل الآية عليه لأن من المتأولين من يحكي أنهم لم يعصروا أربع عشر سنة زيتا
و لا عنبا فيكون المعنى تعصرون للخصب الذي أتاكم كما كنتم تعصرون أيام الخصب من قبل
الجدب الذي دفعتم إليه و يكون يعصرون من العصر الذي هو الالتجاء إلى ما يقدر به من
النجاة قال ابن مقبل : و صاحبي صهوة مستوهل زعل يحول بين حمار الوحش و
العصر أي يحول بينه و بين الملجأ الذي يقدر به النجاة و قال أبو زبيد الطائي :
صاديا يستغيث غير مغاث و لقد كان عصره المنجود قال أبو عبيدة يعصرون ينجون
و أنشد للبيد :
مجمع البيان ج : 5 ص : 362
فبات و أسرى القوم آخر ليلهم
و ما كان وقافا بدار معصر فأما من قال « يعصرون » بالياء فإنه جعل الفاعلين
الناس لأن ذكرهم قد تقدم و من قرأ بالتاء وجه الخطاب إلى المستفتين الذين قالوا
أفتنا و يجوز أن يريدهم و غيرهم إلا أنه غلب الخطاب على الغيبة كما يغلب التذكير
على التأنيث و أما الأمة فهو النسيان يقال أمه يأمه إذا نسي أنشد أبو عبيدة :
أمهت و كنت لا أنسى حديثا كذاك الدهر يؤذي بالعقول و الأمة النعمة فيكون
المراد بعد أن أنعم عليه بالنجاة و أما يعصرون بضم الياء فيجوز أن يكون من العصرة و
العصر للنجاة و يجوز أن يكون من عصرت السحابة ماءها عليهم و في كتاب علي بن إبراهيم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قرأ رجل على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
هذه الآية فقال يعصرون بالياء و كسر الصاد فقال ويحك و أي شيء يعصرون أ يعصرون
الخمر فقال الرجل يا أمير المؤمنين فكيف أقرأها قال عام فيه يغاث الناس و فيه
يعصرون مضمومة الياء مفتوحة الصاد أي يمطرون بعد سني المجاعة و يدل عليه قوله و
أنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا .
اللغة
الملك القادر الواسع المقدور
الذي إليه السياسة و التدبير و الرؤيا ما يراه النائم و يرجع إلى الاعتقاد ثم يكون
على وجوه منها ما يكون من الله تعالى و ملائكته و هو الذي له تعبير و تأويل و منها
ما يكون من الشيطان و لا تأويل له و منها ما يكون من جهة النائم و اعتقاداته أو
يكون بقية اعتقاد كان اعتقده و العجف ذهاب السمن و الذكر أعجف و الأنثى عجفاء و
جمعها عجاف و لا يجمع أفعل على فعال إلا هذا و العبر و التعبير تفسير الرؤيا و هو
من عبور النهر و نحوه و الأضغاث الأحلام الملتبسة و الضغث الحزمة من كل شيء و قال
الترمذي الضغث ملء اليد من الحشيش و منه و خذ بيدك ضغثا أي قبضة و الفعل منه أضغث و
قيل الضغث خلط قش المد و هو غير متشاكل و لا متلائم فشبهوا به تخليط المنام و
الأحلام جمع حلم و هو الرؤيا في النوم و يقال حلم يحلم حلما و احتلم فهو حالم و
الحلم بكسر الحاء ضد الطيش و هو الأناءة و كان أصل حلم النوم من هذا لأنه حال أناءة
و سكون و تأويل الرؤيا تفسير ما يؤول إليه معناه و تأويل كل شيء تفسير ما يؤول إليه
معنى الكلام و الادكار افتعال من الذكر و أصله إذتكار لكن التاء أبدل منها الدال و
أدغمت الذال في الدال و يجوز اذكر بالذال أيضا إلا أن
مجمع البيان ج : 5 ص :
363
الأجود الدال و هو طلب الذكر و نظيره الاستذكار و التذكر و الأمة الجماعة
تؤم أمرا و الأمة المدة و هي الجملة من الحين و الصديق الكثير التصديق للحق و قيل
هو الكثير الصدق و فعيل بناء المبالغة و الكثرة و الفتيا الجواب عن حكم المعنى و قد
يكون الجواب عن نفس المعنى فلا يكون فتيا و الزرع إلقاء البذر في الأرض للنبات و
منه المزارعة بالثلث أو الربع و تسمى المخابرة أيضا و هي مأخوذة من فعل أهل خيبر و
الدأب العادة يقال دأب يدأب دأبا و يقال دأب في عمله يدأب دءوبا اجتهد و أدأبته أنا
إدآبا و ذر و دع بمعنى ، لم يجيء منهما لفظة الماضي استغني عن ذلك بترك و الشدة و
الصلابة و الصعوبة نظائر و قيل الشدة تكون في سبعة أصناف في العقد و المد و الزمان
و الغضب و الألم و الشراب و البدن و الإحصان مثل الإحراز أحصنه إحصانا جعله في حرز
و الغوث هو نفع يأتي على شدة حاجة ينفي المضرة و منه الغيث المطر الذي يأتي في وقت
الحاجة قال الأزهري غاث الله البلاد يغيثها و قد غيثت الأرض فهي مغيثة و مغيوثة و
الغيث الكلاء ينبت من ماء السماء و جمعه غيوث و الغياث أصله الواو و منه الغوث و
غوث تغويثا إذا قال وا غوثاه من يغيثني و يغاث يحتمل أن يكون من الواو و يحتمل أن
يكون من الياء .
الإعراب
« إن كنتم للرؤيا تعبرون » هذه اللام دخلت
للتبيين المعنى إن كنتم تعبرون ثم بين باللام فقال للرؤيا عن الزجاج و هذه اللام
تزاد في المفعول به إذا تقدم على الفعل تقول عبرت الرؤيا و للرؤيا عبرت و قد جاء
مثله في قوله للذين هم لربهم يرهبون و قد جاء فيما ليس بمقدم من المفعول نحو قوله
ردف لكم و آخر لا ينصرف لأنه صرف عن جهة صواحبها التي جاءت بالألف و اللام و هذه
جاءت خاصة بغير ألف و لام فكأنها عدلت عن وجهها تقول هذه النسوة الوسط و الكبر و لا
تقول وسط و كبر و تقول نسوة أخر فلما خالفت أخواتها ترك صرفها و موضعها في الآية
الرابعة جر تقديره و في آخر أضغاث أحلام تقديره هي أضغاث أحلام يوسف و المراد به يا
يوسف و يجوز حذف حرف النداء في المنادى المفرد العلم تقول يا زيد أقبل و زيد أقبل
قال : محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر وبالا و يروى تبالا أراد يا
محمد .
المعنى
ثم أخبر سبحانه عن سبب نجاة يوسف من السجن و هو أنه لما
قرب الفرج رأى الملك رؤيا هالته و أشكل تعبيرها على قومه حتى عبرها يوسف فقال
سبحانه « و قال
مجمع البيان ج : 5 ص : 364
الملك إني أرى سبع بقرات سمان »
يعني و قال ملك مصر و هو الوليد بن ريان و العزيز وزيره و فيما رواه الأكثرون إني
أرى في منامي سبع بقرات سمان « يأكلهن سبع » أي سبع بقرات أخر « عجاف » أي مهازيل
فدخلت السمان في بطون المهازيل حتى لم أر منهن شيئا « و سبع سنبلات خضر » أي و أرى
في منامي سبع سنبلات قد انعقد حبها « و أخر » أي و سبعا أخر « يابسات » قد احتصدت
فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها « يا أيها الملأ » أي جمع الأشراف و قيل
جمع السحرة و الكهنة و قص رؤياه عليهم و قال يا أيها الأشراف أو الجماعة « أفتوني
في رؤياي » أي عبروا ما رأيت في منامي و بينوا لي الفتوى فيه و هو حكم الحادثة « إن
كنتم للرؤيا تعبرون » معناه إن كنتم عابرين للرؤيا و قيل إن اللام تفيد معنى إلى أي
إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا « قالوا أضغاث أحلام » أي هذه أباطيل أحلام عن
الكلبي و قيل تخاليط أحلام عن قتادة و المعنى هذا منامات كاذبة لا يصح تأويلها « و
ما نحن بتأويل الأحلام » التي هذه صفتها « بعالمين » و إنا نعلم تأويل ما يصح و كان
جهل الملأ بتأويل رؤيا الملك سبب نجاة يوسف لأن الساقي تذكر حديث يوسف فجثا بين
يديه و قال يا أيها الملك إني قصصت أنا و صاحب الطعام على رجل في السجن منامين فخبر
بتأويلهما و صدق في جميع ما وصف فإن أذنت مضيت إليه و أتيتك من قبله بتفسير هذه
الرؤيا فذلك قوله « و قال الذي نجا منهما و ادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله
فأرسلون » عن الكلبي و قوله « و ادكر بعد أمة » معناه تذكر شأن يوسف و ما وصاه به
بعد حين من الدهر و زمان طويل عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و هاهنا حذف يدل
الكلام عليه و هو فأرسلون إلى يوسف فأرسل فأتى يوسف في السجن و قال له « يوسف » أي
يا يوسف « أيها الصديق » أي الكثير الصدق فيما تخبر به « أفتنا في سبع بقرات سمان »
إلى قوله « يابسات » فإن الملك رأى هذه الرؤيا و اشتبه تأويلها « لعلي أرجع إلى
الناس » يعني الملك و أصحابه و العلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه « لعلهم يعلمون »
فضلك و علمك فيخرجوك من السجن و قيل لعلهم يعرفون تأويل رؤيا الملك « قال » يوسف في
جوابه معبرا و معلما أما البقرات السبع العجاف و السنابل السبع اليابسات فالسنون
الجدبة و أما السبع السمان و السنابل السبع الخضر فإنهن سبع سنين مخصبات ذوات نعمة
و أنتم تزرعون فيها فذلك قوله « تزرعون سبع سنين دأبا » أي فازرعوا سبع سنين
متوالية عن ابن عباس أي زراعة متوالية في هذه السنين على عادتكم في الزراعة سائر
السنين و قبل دأبا أي بجد و اجتهاد في الزراعة و يجوز أن يكون حالا فيكون معناه
تزرعون دائبين « فما حصدتم » من الزرع « فذروه » اتركوه « في سنبله » لا تذروه و لا
تدوسوه « إلا قليلا مما تأكلون » و إنما أمرهم بذلك ليكون أبقى و أبعد من الفساد
يعني أن ما
مجمع البيان ج : 5 ص : 365
أردتم أكله فدوسوه و اتركوا الباقي
في السنبل و قيل إنما أمرهم بذلك لأن السنبل لا يقع فيه سوس و لا يهلك و إن بقي مدة
من الزمان و إذا صفي أسرع إليه الهلاك « ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد » أي سبع سنين
مجدبات صعاب تشد على الناس « يأكلن ما قدمتم لهن » معناه تأكلن فيها ما قدمتم في
السنين المخصبة لتلك السنين و إنما أضاف الأكل إلى السنين لأنه يقع فيها كما قال
الشاعر : نهارك يا مغرور سهو و غفلة و ليلك نوم و الردى لك لازم و سعيك
فيما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم و قيل أراد بالأكل الإفناء و
الإهلاك كما يقال أكل السير لحم الناقة أي ذهب به قال زيد بن أسلم كان يوسف يصنع
طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه حتى كان ذات يوم قربه إليه فأكله كله فقال
هذا أول يوم من السبع الشداد « إلا قليلا مما تحصنون » معناه إلا شيئا قليلا مما
تحرزون و تدخرون « ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس » معناه ثم يأتي من بعد
هذه السنين الشداد عام فيه يمطر الناس من الغيث و قيل يغاثون من الغوث و الغياث أي
ينقذون و ينجون من القحط « و فيه يعصرون » الثمار التي تعصر في الخصب كالعنب و
الزيت و السمسم عن ابن عباس و مجاهد و قتادة ينجون من الجدب من العصرة و العصر و
الاعتصار الالتجاء قال عدي بن زيد : لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان
بالماء اعتصاري و هذا القول من يوسف إخبار بما لم يسألوه منه و لم يكن في رؤيا
الملك بل هو مما أطلعه الله تعالى عليه من علم الغيب ليكون من آيات نبوته ( ع ) قال
البلخي و هذا التأويل من يوسف يدل على بطلان قول من يقول إن الرؤيا على ما عبرت
أولا لأنهم كانوا قالوا هي أضغاث أحلام فلو كان ما قالوه صحيحا لكان يوسف لا
يتأولها .
مجمع البيان ج : 5 ص : 366
وَ قَالَ المَْلِك ائْتُونى بِهِ
فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسولُ قَالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّك فَسئَلْهُ مَا بَالُ
النِّسوَةِ الَّتى قَطعْنَ أَيْدِيهُنَّ إِنَّ رَبى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ(50)
قَالَ مَا خَطبُكُنَّ إِذْ رَوَدتُّنَّ يُوسف عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَش للَّهِ مَا
عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سوء قَالَتِ امْرَأَت الْعَزِيزِ الْئََنَ حَصحَص الْحَقُّ
أَنَا رَوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصدِقِينَ(51) ذَلِك لِيَعْلَمَ
أَنى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يهْدِى كَيْدَ
الخَْائنِينَ(52) * وَ مَا أُبَرِّىُ نَفْسى إِنَّ النَّفْس لأَمَّارَةُ بِالسوءِ
إِلا مَا رَحِمَ رَبى إِنَّ رَبى غَفُورٌ رَّحِيمٌ(53)
القراءة
قرأ ما بال
النسوة بضم النون الأعشى و البرجمي عن أبي بكر عن عاصم و الباقون بكسر النون و هما
لغتان و قد تقدم ذكر قراءة أبي عمرو حاشا لله بالألف و مر بيانه .
اللغة
الخطب الأمر الذي يعظم شأنه فيخاطب الإنسان فيه صاحبه يقال هذا خطب جليل قال
الزجاج حصحص الحق اشتقاقه من الحصة أي بانت حصة الحق و جهته من حصة الباطل و قال
غيره هو مكرر من قولهم حص شعره إذا استأصل قطعه و أزاله عن الرأس فيكون معناه انقطع
الحق عن الباطل بظهوره و بيانه و مثله كبوا و كبكبوا و كف الدمع و كفكفه فهو زيادة
تضعيف دل عليه الاشتقاق قال : قد حصت البيضة رأسي فما أطعم يوما غير تهجاع
و حصحص البعير بثفناته في الأرض إذا حرك حتى تستبين آثارها فيه قال حميد : و
حصحص في صم الحصى ثفناته و رام القيامة ساعة ثم صمما و الكيد الاحتيال سرا
لإيصال الضرر إلى الغير .
الإعراب
ذلك مرفوع بالابتداء و إن شئت على
خبر الابتداء كأنه قال أمري ذلك و موضع « ما رحم ربي » نصب على الاستثناء .
مجمع البيان ج : 5 ص : 367
المعنى
ثم أخبر سبحانه عن إخراج يوسف من
السجن فقال « و قال الملك ائتوني به » و في الكلام حذف يدل ظاهره عليه و هو فلما
رجع صاحب الشراب و هو رسول الملك إلى الملك بجواب يوسف و تعبيره رؤياه « قال الملك
ائتوني به » أي بيوسف الذي عبر رؤياي « فلما جاءه الرسول » أي لما جاء يوسف رسول
الملك فقال له أجب الملك أبى يوسف أن يخرج مع الرسول حتى تبين براءته مما قذف به و
« قال » للرسول « ارجع إلى ربك » أي سيدك و هو الملك « فسأله ما بال النسوة » أي ما
حالهن و ما شأنهن و المعنى فاسأل الملك أن يتعرف حال النسوة « اللاتي قطعن أيديهن »
ليعلم صحة براءتي و لم يفرد امرأة العزيز بالذكر حسن عشرة منه و رعاية أدب لكونها
زوجة الملك أو زوجة خليفة الملك فخلطها بالنسوة و قيل أنه أرادهن دونها لأنهن
الشاهدات له عليها أ لا ترى أنها قالت الآن حصحص الحق و هذا يدل على أن النسوة كن
ادعين عليه نحو ما ادعته امرأة العزيز قال ابن عباس لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم
الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حالة يقول هذا الذي راود امرأتي و قيل أشفق
يوسف من أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره متهم بفاحشة فأحب أن يراه بعد أن يزول عن
قلبه ما كان فيه و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لقد عجبت من يوسف
و كرمه و صبره و الله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف و السمان و لو كنت مكانه
ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني من السجن و لقد عجبت من يوسف و صبره و كرمه و الله
يغفر له حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك و لو كنت مكانه و لبثت في السجن ما لبث
لأسرعت الإجابة و بادرتهم الباب و ما ابتغيت العذر إنه كان لحليما ذا أناة « إن ربي
بكيدهن عليم » أي إن الله عالم بكيدهن قادر على إظهار براءتي و قال إن سيدي الذي هو
العزيز عليم بكيدهن استشهده فيما علم من حاله عن أبي مسلم و الأول هو الوجه « قال
ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه » معناه أن الرسول رجع إلى الملك و أخبره بما قاله
يوسف (عليه السلام) فأرسل إلى النسوة و دعاهن و قال لهن ما شأنكن و ما أمركن إذا
طلبتن يوسف عن نفسه و دعوتنه إلى أنفسكن « قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء » هذه
كلمة تنزيه أي نزهن يوسف مما اتهم به فقلن معاذ الله و عياذا بالله من هذا الأمر و
ما علمنا عليه من سوء و خيانة و ما فعل شيئا مما نسب إليه و اعترفن ببراءته و بأنه
حبس مظلوما « قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق » أي ظهر و تبين و حصل على أمكن
وجوهه عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و كان معناه انقطع الحق عن الباطل بظهوره و
بيانه « أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين » في قوله هي راودتني عن نفسي
اعترفت بالكذب على نفسها فيما اتهم يوسف به و إنما حملها على الصدق انقطاع طمعها
منه فجمع الله ليوسف في إظهار براءته و نزاهته عما قذف به بين الشهادة و الإقرار
حتى لا يبقى موضع شك
مجمع البيان ج : 5 ص : 368
« ذلك ليعلم » هذا من كلام
يوسف أي ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه في شأن النسوة ليعلم الملك أو العزيز
« أني لم أخنه بالغيب » في زوجته أي في حال غيبته عني عن الحسن و مجاهد و قتادة و
الضحاك و أبي مسلم و اتصل كلام يوسف بكلام امرأة العزيز لظهور الدلالة على المعنى و
نظيره قوله تعالى و جعلوا أعزة أهلها أذلة و كذلك يفعلون و قوله يريد أن يخرجكم من
أرضكم بسحره و هو من كلام الملأ ثم قال فما ذا تأمرون و هو حكاية عن قول فرعون قال
الفراء و هذا من أغمض ما يأتي في الكلام أن يحكي عن واحد ثم يعدل إلى شيء آخر من
قول آخر لم يجر له ذكر و قيل بل هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف
أني لم أخنه في غيبته بتوريك الذنب عليه و إن خنته بحضرته و عند مشاهدته عن الجبائي
« و أن الله لا يهدي كيد الخائنين » أي لا يهديهم في كيدهم و مكرهم « و ما أبرىء
نفسي » هذا من كلام يوسف عند أكثر المفسرين و قيل بل هو من كلام امرأة العزيز عن
الجبائي أي ما أبرىء نفسي عن السوء و الخيانة في أمر يوسف « إن النفس لأمارة بالسوء
» أي كثيرة الأمر بالسوء و الشهوة قد تدعو الإنسان إلى المعصية و الألف و اللام
للجنس فيكون المعنى أن كل النفوس كذلك و يجوز أن يكون للعهد فيكون المعنى أن نفسي
بهذه الصفة « إلا ما رحم ربي » أي إلا من رحمه الله تعالى فعصمه بأن لطف له فيكون
ما بمعنى من كقوله ما طاب لكم و يجوز أن يكون معناه إلا مدة ما عصم ربي و من قال
إنه من كلام يوسف قال إنه أراد الدعاء و المنازعة و الشهوة و لم يرد العزم على
المعصية أي لا أبرىء نفسي مما لا تعرى منه طباع البشر و إنما امتنعت عن الفاحشة
بحول الله و لطفه و هدايته لا بنفسي قال الحسن إنما قال و ما أبرىء نفسي لأنه كره
أن يكون قد زكى نفسه « إن ربي غفور » بعباده « رحيم » بهم .
مجمع البيان ج
: 5 ص : 369
وَ قَالَ الْمَلِك ائْتُونى بِهِ أَستَخْلِصهُ لِنَفْسى فَلَمَّا
كلَّمَهُ قَالَ إِنَّك الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ(54) قَالَ اجْعَلْنى
عَلى خَزَائنِ الأَرْضِ إِنى حَفِيظٌ عَلِيمٌ(55) وَ كَذَلِك مَكَّنَّا لِيُوسف فى
الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنهَا حَيْث يَشاءُ نُصِيب بِرَحمَتِنَا مَن نَّشاءُ وَ لا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(56) وَ لأَجْرُ الاَخِرَةِ خَيرٌ لِّلَّذِينَ
ءَامَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ(57)
القراءة
قرأ ابن كثير حيث نشاء بالنون
و الباقون بالياء .
الحجة
قال أبو علي من قرأ بالياء فيشاء مسند إلى
الغائب كما أن يتبوأ كذلك و يقوي ذلك قوله و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء
فكما أن قوله نشاء وفق لفعل المتبوئين كذلك قوله « حيث يشاء » وفق لقوله « يتبوأ »
و من قرأ بالنون فإنه على أحد وجهين إما أن يكون أسند المشيئة إليه و هو ليوسف في
المعنى لأن مشيئته لما كانت بقوته و إقداره عليه جاز أن ينسب إلى الله و إن كانت
ليوسف في المعنى كما قال سبحانه و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى فأضيف الرمي إلى
الله لما كان بقوته و إن كان الرمي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الآخر أن يكون
الموضع المتبوأ موضع نسك و قرب فالمكث فيه قربة إلى الله تعالى فهو يشاؤه و يريده
فأما اللام في قوله « مكنا ليوسف » و قوله إنا مكنا له في الأرض فيجوز أن يكون على
حد التي في قوله ردف لكم و للرؤيا تعبرون يدل على ذلك قوله و لقد مكناهم فيما إن
مكناكم فيه و قوله « يتبوأ » في موضع نصب على الحال تقديره مكناه متبوءا حيث يشاء و
أما قوله « حيث يشاء » فيحتمل موضعه أمرين أحدهما أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف و
الآخر أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول به و يدل على جواز هذا الوجه قول الشماخ :
و حلاءها عن ذي الأراكة عامر أخو الحضر يرضى حيث تكبو النواحز .
اللغة
الاستخلاص طلب خلوص الشيء من شائب الاشتراك كأنه يريد أن يكون
خالصا له و في حديث سلمان الفارسي ( رض ) أنه كاتبه أهله على أربعين أوقية خلاص أي
ما أخلصته النار من الذهب و كذلك الخلاصة ، و المكين من المكانة و أصله التمكن في
الأمر يقال مكن مكانة فهو مكين إذا كان له قدر و جاه يتمكن بهما مما يروم و التبوء
اتخاذ منزل يرجع إليه و أصله من باء يبوء إذا رجع .
المعنى
« و قال
الملك ائتوني به » معناه أن الملك لما تبين له أمانة يوسف و براءته من السوء و علمه
أمر بإحضاره فقال ائتوني به « أستخلصه لنفسي » أي أجعله خالصا لنفسي أرجع إليه في
تدبير مملكتي و أعمل على إشارته في مهمات أموري « فلما كلمه » هاهنا حذف معناه فلما
جاء الرسول يوسف و دعاه خرج من السجن و دخل على الملك و كلمه
مجمع البيان ج : 5
ص : 370
و عرف فضله و أمانته و عقله لأنه استدل بكلامه على عقله و بعفته على
أمانته « قال إنك اليوم لدينا مكين أمين » أي إنك عندنا ذو مكانة متمكن في المنزلة
و القدر نافذ القول و الأمر ظاهر الأمانة مأمون ثقة قال ابن عباس يريد مكنتك من
ملكي و جعلت سلطانك فيه كسلطاني و ائتمنتك فيه قال الكلبي أن رسول الملك جاءه فقال
له قم فإن الملك يدعوك و ألق ثياب السجن عنك و البس ثيابا جددا فأقبل يوسف و تنظف
من درن السجن و لبس ثيابه و أتى الملك و هو يومئذ ابن ثلاثين سنة فلما رآه الملك
شابا حدث السن قال يا غلام هذا تأويل رؤياي و لم يعلمه السحرة و لا الكهنة قال نعم
فأقعده قدامه و قص عليه رؤياه و روي أن يوسف لما خرج من السجن دعا لأهله و قال
اللهم اعطف عليهم بقلوب الأخيار و لا تعم عليهم الأخبار فلذلك يكون أصحاب السجن
أعرف الناس بالأخبار في كل بلدة و كتب على باب السجن هذا قبور الأحياء و بيت
الأحزان و تجربة الأصدقاء و شماتة الأعداء قال وهب و لما وقف بباب الملك قال حسبي
ربي من دنياي و حسبي ربي من خلقه عز جاره و جل ثناؤه و لا إله غيره و لما دخل على
الملك قال اللهم إني أسألك بخيرك من خيره و أعوذ بك من شره و شر غيره و لما نظر
إليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية فقال له الملك ما هذا اللسان قال لسان عمي
إسماعيل ثم دعا له بالعبرانية فقال له الملك ما هذا اللسان قال لسان آبائي قال وهب
و كان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلما كلم يوسف بلسان أجابه بذلك اللسان فأعجب
الملك ما رأى منه فقال له إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها فقال يوسف نعم أيها
الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب غر حسان كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب
أخلافهن لبنا فبينا تنظر إليهن و يعجبك حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه و بدأ يبسه
فخرج من حمئة و وحلة سبع بقرات عجاف شعث غبر مقلصات البطون ليس لهن ضروع و لا أخلاف
و لهن أنياب و أضراس و أكف كأكف الكلام و خراطيم كخراطيم السباع فاختلطن بالسمان
فافترستهن افتراس السبع فأكلن لحومهن و مزقن جلودهن و حطمن عظامهن و تمششن مخهن
فبينا أنت تنظر و تتعجب إذا سبع سنابل خضر و أخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى
و الماء فبينا أنت تقول في نفسك أنى هذا و هؤلاء خضر مثمرات و هؤلاء سود يابسات و
المنبت واحد و أصولهن في الماء إذ هبت ريح فذرت الأرفات من اليابسات السود على
الثمرات الخضر فاشتعلت فيهن النار و أحرقتهن و صرن سودا متغيرات فهذا آخر ما رأيت
من الرؤيا ثم انتبهت من نومك مذعورا فقال الملك و الله ما شأن هذه الرؤيا و إن كانت
عجبا بأعجب مما سمعته منك فما ترى في رؤياي أيها الصديق فقال يوسف أرى أن تجمع
الطعام و تزرع زرعا كثيرا
مجمع البيان ج : 5 ص : 371
في هذه السنين المخصبة
و تبني الأهراء و الخزائن فتجمع الطعام فيها بقصبة و سنبله ليكون قصبه و سنبله علفا
للدواب و تأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر
و من حولها و يأتيك الخلق من النواحي فيمتارون منك بحكمك و يجتمع عندك من الكنوز ما
لم يجتمع لأحد ذلك فقال الملك و من لي بهذا و من يجمعه و يبيعه و يكفي الشغل فيه
فعند ذلك « قال » يوسف « اجعلني على خزائن الأرض » الألف و اللام في الأرض للعهد
دون الجنس يعني اجعلني على خزائن أرضك حافظا و واليا و اجعل تدبيرها إلي ف « إني
حفيظ » أي حافظ لما استودعتني لحفظه عن أن تجري فيه خيانة « عليم » بمن يستحق منها
شيئا و من لا يستحق فأضعها مواضعها عن قتادة و ابن إسحاق و الجبائي و قيل حفيظ عليم
أي كاتب حاسب عن وهب و قيل حفيظ للتقدير في هذه السنين الجدبة عليم بوقت الجوع حين
يقع عن الكلبي و قيل حفيظ للحساب عالم بالألسن و ذلك أن الناس يفدون من كل ناحية و
يتكلمون بلغات مختلفة عن السدي و في هذا دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه
بالفضل عند من لا يعرفه فإنه عرف الملك حاله ليقيمه في الأمور التي في إيالتها صلاح
العباد و البلاد و لم يدخل بذلك تحت قوله سبحانه فلا تزكوا أنفسكم قالوا فقال الملك
و من أحق به منك فولاه ذلك و قيل أن الملك الأكبر فوض إليه أمر مصر و دخل بيته و
عزل قطفير و جعل يوسف مكانه و قيل إن قطفير هلك في تلك الليالي فزوج الملك يوسف
راعيل امرأة قطفير العزيز فدخل بها يوسف فوجدها عذراء و لما دخل عليها قال أ ليس
هذا خيرا مما كنت تريدين و ولدت له أفرائيم و ميشا و استوثق ليوسف ملك مصر و قيل
أنه لم يتزوجها يوسف و أنها لما رأته في موكبه بكت و قالت الحمد لله الذي جعل
الملوك بالمعصية عبيدا و العبيد بالطاعة ملوكا فضمها إليه و كانت من عياله حتى ماتت
عنده و لم يتزوجها و في تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم قال لما مات العزيز و ذلك في
السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز و احتاجت حتى سألت الناس فقالوا لها ما يضرك لو
قعدت للعزيز و كان يوسف يسمى العزيز و كل ملك كان لهم سموه بهذا الاسم فقالت أستحي
منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه زليخا و قالت سبحان
من جعل الملوك بالمعصية عبيدا و العبيد بالطاعة ملوكا فقال لها يوسف أ أنت تيك قالت
نعم و كان اسمها زليخا فقال لها هل لك في قالت دعني بعد ما يئست أ تهزأ بي قال لا
قالت نعم قال فأمر بها فحولت إلى منزله و كانت هرمة فقال لها يوسف أ لست فعلت بي
كذا و كذا قالت يا نبي الله لا تلمني
مجمع البيان ج : 5 ص : 372
فإني بليت
في بلاء لم يبل به أحد قال و ما هو قالت بليت بحبك و لم يخلق الله لك نظيرا في
الدنيا و بليت بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني و لا أكثر مالا مني و بليت بزوج
عنين فقال لها يوسف فما حاجتك قالت تسأل الله أن يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها
فتزوجها و هي بكر و روي عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال
رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لولاه من ساعته و لكنه أخر ذلك
سنة قال ابن عباس فأقام في بيت الملك سنة فلما انصرمت السنة من يوم سأل الإمارة
دعاه الأمير فتوجه و رداه بسيفه و أمر بأن يوضع له سرير من ذهب مكلل بالدر و
الياقوت و يضرب عليه كلة من استبرق ثم أمره أن يخرج متوجا لونه كالثلج و وجهه
كالقمر يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه فانطلق حتى جلس على السرير و دانت له
الملوك فعدل بين الناس فأحبه الرجال و النساء و ذلك قوله عز اسمه « و كذلك مكنا
ليوسف في الأرض » أي و مثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه أقدرنا يوسف على ما يريد
في الأرض يعني أرض مصر « يتبوأ منها حيث يشاء » أي يتصرف فيها حيث يشاء و ينزل منها
حيث يشاء « نصيب برحمتنا من نشاء » أي نخص بنعم الدين و الدنيا من نشاء « و لا نضيع
أجر المحسنين » أي المطيعين و قيل الصابرين عن ابن عباس و قيل أنه دعا الملك إلى
الإسلام فأسلم عن مجاهد و غيره قالوا و أسلم أيضا كثير من الناس فهذا في الدنيا « و
لأجر الآخرة » أي ثواب الآخرة « خير للذين آمنوا و كانوا يتقون » لخلوصه عن الشوائب
و الأقذار و في هذه إشارة إلى أنه سبحانه يؤتي يوسف في الآخرة من الثواب و الدرجات
ما هو خير مما آتاه الله في الدنيا من الملك و النعمة ( سؤال ) قالوا كيف جاز ليوسف
أن يطلب الولاية من قبل الكفرة الظلمة و جوابه لأنه علم أنه يتمكن بذلك من الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر و وضع الحقوق مواضعها و قد جعل الله سبحانه جميع ذلك له
من جهة كونه نبيا إماما و كان يفعل ذلك من قبل الله تعالى و إنما سأل الولاية
ليتمكن من الأمور التي له أن يفعلها و أيضا فإنه علم أنه سبب يتوصل به إلى الدعاء
إلى الخير و إلى رؤية والديه و إخوته و في الآية دلالة على أن ذلك التمكين و الملك
و التدبير كان بلطف الله سبحانه و فضله و فيها دلالة أيضا على جواز تولي القضاء من
جهة الباغي و الظالم إذا يتمكن بذلك من إقامة أحكام الدين و في قوله « يتبوأ منها
حيث يشاء » دلالة على أن تصرفه كان باختياره من غير رجوع إلى الملك و أنه صار بحيث
لا أمر عليه و في كتاب النبوة بالإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن
بنت إلياس قال سمعت الرضا (عليه السلام) يقول و أقبل يوسف على جمع الطعام فجمع في
السبع السنين المخصبة فكبسه في الخزائن فلما مضت تلك السنون و أقبلت المجدبة أقبل
يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم
مجمع البيان ج : 5 ص :
373
و الدنانير حتى لم يبق بمصر و ما حولها دينار و لا درهم إلا صار في مملكة
يوسف و باعهم في السنة الثانية بالحلي و الجواهر حتى لم يبق بمصر و ما حولها حلي و
لا جوهر إلا صار في مملكته و باعهم في السنة الثالثة بالدواب و المواشي حتى لم يبق
بمصر و ما حولها دابة و لا ماشية إلا صارت في مملكته و باعهم في السنة الرابعة
بالعبيد و الإماء حتى لم يبق بمصر عبد و لا أمة إلا صار في مملكته و باعهم في السنة
الخامسة بالدور و العقار حتى لم يبق بمصر و ما حولها دار و لا عقار إلا صار في
مملكته و باعهم في السنة السادسة بالمزارع و الأنهار حتى لم يبق بمصر و ما حولها
نهر و لا مزرعة إلا صار في مملكته و باعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق
بمصر و ما حولها عبد و لا حر إلا صار عبد يوسف فملك أحرارهم و عبيدهم و أموالهم و
قال الناس ما رأينا و لا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكما و
علما و تدبيرا ثم قال يوسف للملك أيها الملك ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر و
أهلها أشر علينا برأيك فإني لم أصلحهم لأفسدهم و لم أنجهم من البلاء لأكون بلاء
عليهم و لكن الله تعالى أنجاهم على يدي قال له الملك الرأي رأيك قال يوسف إني أشهد
الله و أشهدك أيها الملك إني قد أعتقت أهل مصر كلهم و رددت عليهم أموالهم و عبيدهم
و رددت عليك أيها الملك خاتمك و سريرك و تاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي و لا تحكم
إلا بحكمي قال له الملك إن ذلك لزيني و فخري أن لا أسير إلا بسيرتك و لا أحكم إلا
بحكمك و لولاك ما قويت عليه و لا اهتديت له و لقد جعلت سلطانا عزيزا لا يرام و أنا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أنك رسوله فأقم على ما وليتك فإنك لدينا
مكين أمين و قيل إن يوسف (عليه السلام) كان لا يمتلىء شبعا من الطعام في تلك الأيام
المجدبة فقيل له تجوع و بيدك خزائن الأرض فقال (عليه السلام) أخاف أن أشبع فأنسى
الجياع .
مجمع البيان ج : 5 ص : 374
وَ جَاءَ إِخْوَةُ يُوسف
فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(58) وَ لَمَّا
جَهَّزَهُم بجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونى بِأَخ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَ لا
تَرَوْنَ أَنى أُوفى الْكَيْلَ وَ أَنَا خَيرُ الْمُنزِلِينَ(59) فَإِن لَّمْ
تَأْتُونى بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَ لا تَقْرَبُونِ(60) قَالُوا سنرَوِدُ
عَنْهُ أَبَاهُ وَ إِنَّا لَفَعِلُونَ(61) وَ قَالَ لِفِتْيَنِهِ اجْعَلُوا
بِضعَتهُمْ فى رِحَالهِِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلى
أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(62)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير أبي
بكر « لفتيانه » و الباقون لفتيته .
الحجة
قال أبو علي الفتية جمع فتى
في العدد القليل و الفتيان في الكثير و مثل فتية إخوة و ولدة في جمع أخ و ولد و
نيرة و قيعة في جمع نار و قاع و مثل فتيان برقان و خربان في جمع برق و خرب و جيران
و تيجان في جمع جار و تاج و قد يقوم البناء الذي للقليل مقام الذي للكثير و كذلك
يقوم الكثير مقام القليل حيث لا قلب و لا إعلال و ذلك نحو أرجل و أقدام و أرسان و
في الكثير قولهم ثلاثة شسوع فإذا فعل ذلك فيما لا إعلال فيه فأن يرفض فيما يؤدي إلى
الإعلال و القلب أولى .
اللغة
جهاز البيت متاعه و جهزت فلانا هيأت جهاز
سفره و منه جهاز المرأة و الرحال أراد به الأوعية واحدها رحل و جمعها القليل أرحل
قال ابن الأنباري يقال للوعاء رحل و للمسكن رحل و أصله الشيء المعد للرحيل من وعاء
المتاع و مركب البعير و حلس و رسن .
المعنى
ثم أخبر سبحانه أنه لما
تمكن يوسف بمصر و أصاب الناس ما أصابهم من القحط و قصدوا مصر نزل ب آل يعقوب ما نزل
بالناس فجمع يعقوب بنيه و قال لهم بلغني أنه يباع الطعام بمصر و أن صاحبه رجل صالح
فاذهبوا إليه فإنه سيحسن إليكم إن شاء الله فتجهزوا و ساروا حتى وردوا مصر فدخلوا
على يوسف فذلك قوله « و جاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون » أي
جاءوا ليمتاروا من مصر كما أمتار غيرهم و دخلوا عليه و هم عشرة و أمسك ابن يامين
أخا يوسف لأمه فعرفهم يوسف و أنكروه قال ابن عباس و كان بين أن قذفوه في الجب و بين
أن دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه و لأنهم رأوه ملكا جالسا على السرير عليه
ثياب الملوك و لم يكن يخطر ببالهم أنه يصير إلى تلك الحالة و كان يوسف ينتظر قدومهم
عليه فكان أثبت لهم فلما نظر إليهم يوسف و كلموه بالعبرانية قال لهم من أنتم و ما
أمركم فإني أنكر شأنكم و في تفسير علي بن إبراهيم فلما جهزهم و أعطاهم و أحسن إليهم
في الكيل قال لهم من أنتم قالوا نحن قوم من أرض الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا
نمتار فقال لعلكم عيون جئتم تنظرون عورة بلادي فقالوا لا و الله ما نحن بجواسيس و
إنما نحن إخوة بنو أب واحد و هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن و لو تعلم
مجمع البيان ج : 5 ص : 375
بأبينا لكرمنا عليك فإنه نبي الله و ابن أنبيائه
و إنه لمحزون قال و ما الذي أحزنه فلعل حزنه إنما كان من قبل سفهكم و جهلكم قالوا
يا أيها الملك لسنا بسفهاء و لا جهال و لا أتاه الحزن من قبلنا و لكنه كان له ابن
كان أصغرنا سنا و أنه خرج يوما معنا إلى الصيد فأكله الذئب فلم يزل بعده حزينا
كئيبا باكيا فقال لهم يوسف كلكم من أب و أم قالوا أبونا واحد و أمهاتنا شتى قال فما
حمل أباكم على أن سرحكم كلكم ألا حبس واحدا منكم يستأنس به قالوا قد فعل حبس منا
واحدا و هو أصغرنا سنا لأنه أخو الذي هلك من أمه فأبونا يتسلى به قال فمن يعلم أن
الذي تقولونه حق قالوا يا أيها الملك إنا ببلاد لا يعرفنا أحد فقال يوسف فائتوني
بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين و أنا أرضى بذلك قالوا إن أبانا يحزن على
فراقه و سنراوده عنه قال فدعوا عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت
القرعة شمعون و قيل أن يوسف اختار شمعون لأنه كان أحسنهم رأيا فيه فخلفوه عنده فذلك
قوله « و لما جهزهم بجهازهم » يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم « قال ائتوني بأخ
لكم من أبيكم » يعني ابن يامين « أ لا ترون إني أوف الكيل » أي لا أبخس الناس شيئا
و أتم لهم كيلهم « و أنا خير المنزلين » أي المضيفين مأخوذ من النزل و هو الطعام و
قيل خير المنزلين للأمور منازلها فتدخل فيه الضيافة و غيرها مأخوذ من المنزل و هو
الدار « فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي » أي ليس لكم عندي طعام أكيله عليكم و
المراد بالكيل المكيل « و لا تقربون » أي و لا تقربوا داري و بلادي خلط (عليه
السلام) الوعد بالوعيد « قالوا سنراود عنه أباه » أي نطلبه و نسأله أن يرسله معنا
قال ابن عباس معناه نستخدعه عنه حتى يخرجه معنا « و إنا لفاعلون » ما أمرتنا به قال
و كان يوسف أمر ترجمانا يعرف العبرانية أن يكلمهم و كان لا يكلمهم بنفسه ليشبه عليه
فإنهم لو عرفوه ربما كانوا يهيمون في الأرض حياء من أبيهم فيتركون خدمته و كان في
معرفتهم إياه مفسدة « و قال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم » أي قال يوسف لعبيدة
و غلمانه الذين يكيلون الطعام عن قتادة و غيره و قيل لأعوانه اجعلوا ثمن طعامهم و
ما كانوا جاءوا به في أوعيتهم و قيل كانت بضاعتهم النعال و الأدم و قيل كانت الورق
عن قتادة « لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم » أي لعلهم يعرفون متاعهم إذا
رجعوا إلى أهلهم « لعلهم يرجعون » بعد ذلك لطلب الميرة مرة أخرى و إنما فعل ذلك
ليعرفوا أن يوسف إنما فعل ذلك إكراما لهم ليرجعوا إليه و قيل أنه خاف أن لا يكون
عندهم من الورق ما يرجعون به مرة أخرى عن الكلبي و قيل أنه رأى لؤما أخذ ثمن الطعام
من أبيه و إخوته مع حاجتهم إليه فرده عليهم من حيث لا يعلمون تفضلا و كرما و قيل
فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم و أمانتهم تحملهم على رد بضاعتهم إذا وجدوها في رحالهم
و لا يعرفون أن الملك أمر
مجمع البيان ج : 5 ص : 376
بذلك فيرجعون ليردوا
ذلك عليه و متى قيل كيف لم يعرفهم يوسف نفسه مع علمه بشدة حزن أبيه و قلقه و
احتراقه على ألم فراقه فالجواب أنه لم يؤذن له في التعريف استتماما للمحنة عليه و
على يعقوب و لما علم الله تعالى من الحكمة و الصلاح في تشديد البلية تعريضا للمنزلة
السنية و قيل إنما لم يعرفهم بنفسه لأنهم لو عرفوه ربما لم يرجعوا إليه و لم يحملوا
أخاه إليه و الأول هو الوجه الصحيح . فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قَالُوا
يَأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكتَلْ وَ إِنَّا
لَهُ لَحَفِظونَ(63) قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كمَا أَمِنتُكُمْ عَلى
أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيرٌ حَفِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(64) وَ
لَمَّا فَتَحُوا مَتَعَهُمْ وَجَدُوا بِضعَتَهُمْ رُدَّت إِلَيهِمْ قَالُوا
يَأَبَانَا مَا نَبْغِى هَذِهِ بِضعَتُنَا رُدَّت إِلَيْنَا وَ نَمِيرُ أَهْلَنَا
وَ نحْفَظ أَخَانَا وَ نَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير ذَلِك كيْلٌ يَسِيرٌ(65) قَالَ لَنْ
أُرْسِلَهُ مَعَكمْ حَتى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنى بِهِ
إِلا أَن يحَاط بِكُمْ فَلَمَّا ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلى مَا
نَقُولُ وَكِيلٌ(66)
القراءة
قرأ يكتل بالياء أهل الكوفة غير عاصم و
الباقون بالنون و قرأ « خير حافظا » بالألف أهل الكوفة غير أبي بكر و الباقون حفظا
بغير ألف و في الشواذ قراءة علقمة و يحيى ردت إلينا بكسر الراء .
الحجة
قال أبو علي يدل على النون في نكتل قوله « و نمير أهلنا و نحفظ أخانا و نزداد
كيل بعير » أ لا ترى أنهم إنما يميرون أهلهم بما يكتالون فيكون نكتل مثل نمير و
أيضا فإذا قالوا نكتل جاز أن يكون أخوهم داخلا معهم و إذا كان بالياء لم يدخلوهم
فيه و زعموا أن
|