قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 7 ص : 141
« ثم أخذتهم » أي بالعذاب « فكيف كان نكير » استفهام
معناه التقرير أي فكيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب فأبدلتهم بالنعمة نقمة و
بالحياة هلاكا قال الزجاج المعنى ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار ثم ذكر سبحانه كيف
عذب المكذبين فقال « فكأين من قرية أهلكناها » أي و كم من قرى أهلكناها و أخذناها و
الاختيار التاء و ذلك لقوله « فأمليت » « و هي ظالمة » أي و أهلها ظالمون بالتكذيب
و الكفر « فهي خاوية على عروشها » أي خالية من أهلها ساقطة على سقوفها « و بئر
معطلة » عطف على قوله « من قرية » أي و كم من بئر بار أهلها و غار ماؤها و تعطلت من
دلائها فلا مستقي منها و لا وارد لها « و قصر مشيد » أي و كم من قصر رفيع مجصص
تداعى الخراب بهلاك أهله فلم يبق فيه داع و لا مجيب و أصحاب الآبار ملوك البدو و
أصحاب القصور ملوك الحضر و في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) في قوله « و بئر
معطلة » أن المعنى و كم من عالم لا يرجع إليه و لا ينتفع بعلمه و قال الضحاك هذه
البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضور أنزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح و
معهم صالح فلما حضروا مات صالح فسمي المكان حضرموت ثم إنهم كثروا فكفروا و عبدوا
الأصنام فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة فقتلوه في السوق فأهلكهم الله فماتوا
عن آخرهم و عطلت بئرهم و خرب قصر ملكهم .
مجمع البيان ج : 7 ص : 142
أَ
فَلَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَتَكُونَ لهَُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بهَا أَوْ
ءَاذَانٌ يَسمَعُونَ بهَا فَإِنهَا لا تَعْمَى الأَبْصرُ وَ لَكِن تَعْمَى
الْقُلُوب الَّتى فى الصدُورِ(46) وَ يَستَعْجِلُونَك بِالْعَذَابِ وَ لَن يخْلِف
اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّك كَأَلْفِ سنَة مِّمَّا
تَعُدُّونَ(47) وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَمْلَيْت لهََا وَ هِىَ ظالِمَةٌ ثُمَّ
أَخَذْتهَا وَ إِلىَّ الْمَصِيرُ(48) قُلْ يَأَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنَا لَكمْ
نَذِيرٌ مُّبِينٌ(49) فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ لهَُم
مَّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ(50) وَ الَّذِينَ سعَوْا فى ءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ
أُولَئك أَصحَب الجَْحِيمِ(51)
القراءة قرأ ابن كثير و أهل الكوفة غير عاصم
مما يعدون بالياء و الباقون بالتاء و قرأ ابن كثير و أبو عمرو معجزين بالتشديد و في
سبإ أيضا في موضعين و الباقون « معاجزين » بالألف في السورتين . الحجة
حجة من قرأ يعدون بالياء أن قبله « يستعجلونك » و حجة من قرأ بالتاء أن ذلك أعم
و قوله « معاجزين » أي ظانين و مقدرين أن يعجزونا لأنهم ظنوا أن لا بعث و لا نشور
فهو كقوله أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا و معجزين ينسبون من تبع النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى العجز نحو جهلته نسبته إلى الجهل و روي عن مجاهد أنه
فسر معجزين مثبطين أي يثبطون الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
المعنى ثم حث سبحانه على الاعتبار بحال من مضى من القرون المكذبة
لرسلهم فقال « أ فلم يسيروا في الأرض » أي أ و لم يسر قومك يا محمد في أرض اليمن و
الشام عن ابن عباس « فتكون لهم قلوب يعقلون بها » أي يعلمون بها ما يرون من العبر و
المعنى فيعقلون بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم « أو آذان يسمعون بها » إخبار الأمم
المكذبة « فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور » الهاء في أنها
ضمير القصة و الجملة بعدها تفسيرها قال الزجاج و قوله « التي في الصدور » من
التوكيد الذي يريده العرب في الكلام كقوله عشرة كاملة و قوله يقولون بأفواههم و
قوله يطير بجناحيه و قيل إنه إنما ذكر ذلك لئلا يتوهم إلى غير معنى القلب نحو قلب
النخلة فيكون أنفى للبس بتجوز الاشتراك و كذلك قوله يقولون بأفواههم لأن القول قد
يكون بغير الفم و المعنى أن الأبصار و إن كانت عمياء فلا تكون في الحقيقة كذلك إذا
كان أصحابها عارفين بالحق و إنما يكون العمى عمي القلب الذي يقع معه الجحود
بوحدانية الله « و يستعجلونك » يا محمد « بالعذاب » أن ينزل بهم و يستبطنونه « و لن
يخلف الله وعده » أي في إنزال العذاب بهم قال ابن عباس يعني يوم بدر « و إن يوما
عند ربك كألف سنة مما تعدون » اختلف في معناه على وجوه ( أحدها ) أن يوما من أيام
الآخرة يكون كألف سنة من أيام الدنيا عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة و ابن زيد و في
رواية أخرى عن ابن عباس أنه أراد أن يوما من الأيام التي خلق الله فيها السماوات و
الأرض كألف سنة و يدل عليه ما روي أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم
خمسمائة عام و يكون المعنى على هذا أنهم يستعجلون العذاب و إن يوما من أيام عذابهم
في الآخرة كألف سنة ( و ثانيها ) أن المعنى و أن يوما عند ربك و ألف سنة في قدرته
واحد فلا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب و بين تأخره في القدرة إلا أنه
سبحانه تفضل بالإمهال إذ لا
مجمع البيان ج : 7 ص : 143
يفوته شيء عن الزجاج
و هو معنى قول ابن عباس في رواية عطا ( و ثالثها ) أن يوما واحدا كألف سنة في مقدار
العذاب لشدته و عظمته كمقدار عذاب ألف سنة من أيام الدنيا على الحقيقة و كذلك نعيم
الجنة لأنه يكون في مقدار يوم من أيام الجنة من النعيم و السرور مثل ما يكون في ألف
سنة من أيام الدنيا لو بقي منعم فيها ثم الكافر يستعجل ذلك العذاب لجهله عن الجبائي
و هذا كما يقال في المثل أيام السرور قصار و أيام الهموم طوال و قال الشاعر
يطول اليوم لا ألقاك فيه و حول نلتقي فيه قصير و قال تطاولن أيام معن
بنا فيوم كشهرين إذ يستهل و قال جرير و يوم كأبهام الحبارى لهوته ثم أعلم
سبحانه أنه أخذ قوما بعد الإملاء و الإمهال فقال « و كأين من قرية أمليت لها و هي
ظالمة » مستحقة لتعجيل العقاب « ثم أخذتها » أي أهلكتها « و إلي المصير » لكل أحد
ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « قل » لهم « يا أيها الناس إنما أنا
لكم نذير مبين » أي مخوف عن معاصي الله مبين لكم ما يجب عليكم فعله و ما يجب عليكم
تجنبه « فالذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة » من الله لمعاصيهم « و رزق كريم
» يعني نعيم الجنة فإنه أكرم نعيم في أكرم دار « و الذين سعوا في آياتنا » أي بذلوا
الجهد في إبطال آياتنا و بالغوا في ذلك و أصل السعي الإسراع في المشي « معاجزين »
أي مغالبين عن ابن عباس و المعاجزة محاولة عجز المغالب و قيل مقدرين أنهم يسبقوننا
و المعاجزة المسابقة و قيل ظانين أن يعجزوا الله أي يفوتوه و لن يعجزوه عن قتادة و
هذا مثل ما تقدم و من قرأ معجزين فمعناه مثبطين لمن أراد اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مجاهد و قيل قاصدين تعجيز رسولنا و قيل ناسبين من تبعه إلى العجز
« أولئك أصحاب الجحيم » أي الملازمون للجحيم أي النار .
مجمع البيان ج : 7
ص : 144
وَ مَا أَرْسلْنَا مِن قَبْلِك مِن رَّسول وَ لا نَبى إِلا إِذَا
تَمَنى أَلْقَى الشيْطنُ فى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشيْطنُ
ثُمَّ يحْكمُ اللَّهُ ءَايَتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(52) لِّيَجْعَلَ مَا
يُلْقِى الشيْطنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فى قُلُوبهِم مَّرَضٌ وَ الْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظلِمِينَ لَفِى شِقَاقِ بَعِيد(53) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّك فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِت لَهُ
قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلى صِرَط
مُّستَقِيم(54) وَ لا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فى مِرْيَة مِّنْهُ حَتى
تَأْتِيَهُمُ الساعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَاب يَوْم عَقِيم(55)
النزول روي عن ابن عباس و غيره أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما تلا
سورة و النجم و بلغ إلى قوله أ فرأيتم اللات و العزى و منات الثالثة الأخرى ألقى
الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترجى فسر بذلك المشركون فلما
انتهى إلى السجدة سجد المسلمون و سجد أيضا المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما
أعجبهم فهذا الخبر أن صح محمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع و
ذكر أسماء آلهتهم و قد علموا من عادته (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان يعيبها قال
بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى و ألقى ذلك في تلاوته توهم أن ذلك من
القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان لأنه إنما حصل بإغوائه و وسوسته و هذا أورده
المرتضى قدس الله روحه في كتاب التنزيه و هو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية و هو
وجه حسن في تأويله . المعنى « و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي »
من هنا مزيدة و التقدير ما أرسلنا قبلك رسولا و لا نبيا و إنما ذكر اللفظين لاختلاف
فائدتهما فالرسول الذي أرسله الله تعالى و لا يحمل عند الإطلاق على غير رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و النبي الذي له الرفعة و الدرجة العظيمة بالإرسال و قيل
إن بينهما فرقا فالرسول الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي و النبي الذي يوحى إليه في
منامه فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا و قيل بل الرسول هو المبعوث إلى أمة و النبي
هو الذي لا يبعث إلى أمة عن قطرب و قيل إن الرسول هو المبتدىء بوضع الشرائع و
الأحكام و النبي الذي يحفظ شريعة غيره عن الجاحظ و القول هو الأول لأن الله سبحانه
خاطب
مجمع البيان ج : 7 ص : 145
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) مرة بالنبي
و مرة بالرسول فقال يا أيها الرسول و يا أيها النبي فالرسول و النبي واحد لأن
الرسول يعم الملائكة و البشر و النبي يختص البشر فجمع بينهما هنا و في قوله و كان
رسولا نبيا « إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته » قال المرتضى لا يخلو التمني في
الآية من أن يكون معناه التلاوة كما قال حسان بن ثابت تمنى كتاب الله أول ليلة
و آخره لاقى حمام المقادر أو يكون تمني القلب فإن كان المراد التلاوة فالمعنى
أن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه و زادوا فيما
يقوله و نقصوا كما فعلت اليهود و أضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بغروره « فينسخ
الله ما يلقي الشيطان » أي يزيله و يدحضه بظهور حججه و خرج هذا على وجه التسلية
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما كذب المشركون عليه و أضافوا إلى تلاوته من مدح
آلهتهم ما لم يكن فيها و إن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه
بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل يدعوه إليه و ينسخ الله ذلك و
يبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان و ترك استماع غروره قال و أما الأحاديث
المروية في هذا الباب فهي مطعونة و مضعفة عند أصحاب الحديث و قد تضمنت ما ينزه
الرسل (عليهم السلام) عنه و كيف يجوز ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قد
قال الله سبحانه كذلك لنثبت به فؤادك و قال سنقرؤك فلا تنسى و إن حمل ذلك على السهو
فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة و نظمها ثم لمعنى
ما تقدمها من الكلام لأنا نعلم ضرورة أن الساهي لو أنشأ قصيدة لم يجز أن يسهو حتى
يتفق منه بيت شعر في وزنها و في معنى البيت الذي تقدمه و على الوجه الذي تقتضيه
فائدته و يمكن أن يكون الوجه فيه ما ذكرناه في النزول لأن من المعلوم أنهم كانوا
يلقون عند قراءته طلبا لتغليطه و يمكن أن يكون كان هذا في الصلاة لأنهم كانوا يلقون
في قراءته و قيل أيضا إنه كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات و أتى
بكلام على سبيل الحجاج لهم فلما تلا الآيات قال تلك الغرانيق العلى على سبيل
الإنكار عليهم و على أن الأمر بخلاف ما قالوه و ظنوه و ليس يمتنع أن يكون هذا في
الصلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا و إنما نسخ من بعد و قيل إن المراد
بالغرانيق الملائكة و قد جاء ذلك في بعض الحديث فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم و
قيل إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم
نسخت تلاوته و قال البلخي و يجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سمع هاتين
الكلمتين من قومه و حفظهما فلما قرأ ألقاها الشيطان في ذكره فكاد أن يجريها على
لسانه فعصمه الله و نبهه و نسخ وسواس الشيطان و أحكم آياته
مجمع البيان ج : 7 ص
: 146
بأن قرأها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) محكمة سليمة مما أراد الشيطان
و يجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما انتهى إلى ذكر اللات و العزى
قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته فألقاهما في تلاوته في غمار الناس فظن
الجهال أن ذلك من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسجدوا عند ذلك و الغرانيق
جمع غرنوق و هو الحسن الجميل يقال شاب غرنوق و غرانق إذا كان ممتليا ريا « ثم يحكم
الله آياته » أي يبقي آياته و دلائله و أوامره محكمة لا سهو فيها و لا غلط « و الله
عليم » بكل شيء « حكيم » واضع للأشياء مواضعها « ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين
في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم » أي ليجعل ذلك تشديدا في التعبد و امتحانا عن
الجبائي و المعنى أنه شدد المحنة و التكليف على الذين في قلوبهم شك و على الذين قست
قلوبهم من الكفار فتلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله و بين ما يلقيه
الشيطان « و إن الظالمين لفي شقاق بعيد » أي في معاداة و مخالفة بعيدة عن الحق « و
ليعلم الذين أوتوا العلم » بالله و بتوحيده و بحكمته « إنه الحق من ربك » أي إن
القرآن حق لا يجوز عليه التبديل و التغيير « فيؤمنوا به » أي فيثبتوا على إيمانهم و
قيل يزدادوا إيمانا إلى إيمانهم « فتخبت له قلوبهم » أي تخشع و تتواضع لقوة إيمانهم
« و إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم » أي طريق واضح لا عوج فيه أي يثبتهم
على الدين الحق و قيل يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة « و لا يزال الذين كفروا
في مرية منه » أي في شك من القرآن عن ابن جريج و هذا خاص فيمن علم الله تعالى أنهم
لا يؤمنون من الكفار « حتى تأتيهم الساعة بغتة » أي فجاة و على غفلة « أو يأتيهم
عذاب يوم عقيم » قيل إنه عذاب يوم بدر عن قتادة و مجاهد و سماه عقيما لأنه لا مثل
له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه و مثله قول الشاعر عقم النساء فلا يلدن
شبيهه إن النساء بمثله لعقيم و قيل إنما سمي ذلك اليوم عقيما لأنه لم يكن فيه
للكفار خير فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير عن الضحاك و اختاره الزجاج و قيل
المراد به يوم القيامة و المعنى حتى تأتيهم علامات الساعة أو عذاب يوم القيامة و
سماه عقيما لأنه لا ليلة له عن عكرمة و الجبائي . النظم اتصلت الآية
الأولى بما تقدم من ذكر الكفار و ما متعوا به من نعيم الدنيا و لما رأى النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) ما مني به أصحابه من الإقتار تمنى لهم الدنيا فبين سبحانه أن
ذلك التمني من وساوس الشيطان و أن ما أعده لهم من نعيم الآخرة خير و قيل اتصل بقوله
إنما أنا لكم نذير مبين فبين سبحانه أنه بشر و أن حاله كحال الرسل قبله .
مجمع البيان ج : 7 ص : 147
الْمُلْك يَوْمَئذ لِّلَّهِ يحْكمُ
بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فى جَنَّتِ النَّعِيمِ(56)
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَأُولَئك لَهُمْ عَذَابٌ
مُّهِينٌ(57) وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا فى سبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ
مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيرُ
الرَّزِقِينَ(58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ
لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ(59) * ذَلِك وَ مَنْ عَاقَب بِمِثْلِ مَا عُوقِب بِهِ ثُمَّ
بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوُّ غَفُورٌ(60)
القراءة قرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ أهل المدينة
مدخلا بالفتح و الباقون بضم الميم و قد سبق ذكره . المعنى لما تقدم ذكر
القيامة بين صفته فقال « الملك يومئذ لله » لا يملك أحد سواه شيئا بخلاف الدنيا «
يحكم بينهم » أي يفصل بين المؤمنين و الكافرين ثم بين حكمه فقال « فالذين آمنوا و
عملوا الصالحات في جنات النعيم » ينعمون فيها « و الذين كفروا و كذبوا ب آياتنا
فأولئك لهم عذاب مهين » يهينهم و يذلهم « و الذين هاجروا في سبيل الله » أي فارقوا
أوطانهم و خرجوا من مكة إلى المدينة « ثم قتلوا » في الجهاد « أو ماتوا » في الغربة
« ليرزقنهم الله رزقا حسنا » و هو رزق الجنة عن الحسن و السدي و الرزق الحسن ما إذا
رآه لا تمتد عينه إلى غيره و هذا لا يقدر عليه غير الله تعالى و لذلك قال « و إن
الله لهو خير الرازقين » و قيل بل هو مثل قوله بل أحياء عند ربهم يرزقون « ليدخلنهم
مدخلا يرضونه » لأنه لهم فيه ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين و المدخل يجوز أن يكون
بمعنى المكان و بمعنى المصدر « و إن الله لعليم » بأحوالهم « حليم » عن معاجلة
الكفار بالعقوبة « ذلك » أي الأمر ذلك الذي قصصنا عليك « و من عاقب بمثل ما عوقب به
» أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه قال الحسن معناه قاتل المشركين كما قاتلوه و
الأول لم يكن عقوبة و لكن كقولهم الجزاء بالجزاء لازدواج الكلام « ثم بغي عليه »
مجمع البيان ج : 7 ص : 148
أي ظلم بإخراجه من منزله يعني ما فعله المشركون
من البغي على المسلمين حتى أخرجوهم إلى مفارقة ديارهم « لينصرنه الله » يعني
المظلوم الذي بغي عليه « إن الله لعفو غفور » روي أن الآية نزلت في قوم من مشركي
مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يقاتلون في هذا الشهر فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا
يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله المسلمين بهم . ذَلِك بِأَنَّ
اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فى النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فى الَّيْلِ وَ
أَنَّ اللَّهَ سمِيعُ بَصِيرٌ(61) ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ
مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلىُّ
الْكبِيرُ(62) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ
الأَرْض مخْضرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(63) لَّهُ مَا فى السمَوَتِ وَ
مَا فى الأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنىُّ الْحَمِيدُ(64) أَ لَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ سخَّرَ لَكم مَّا فى الأَرْضِ وَ الْفُلْك تجْرِى فى الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِك السمَاءَ أَن تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(65)
القراءة قرأ أهل العراق غير أبي
بكر « ما يدعون » هنا و في لقمان بالياء و الباقون بالتاء . الحجة
من
قرأ تدعون بالتاء فعلى الخطاب للمشركين و حجته قوله يا أيها الناس ضرب مثل و من قرأ
بالياء فعلى الحكاية و حجته قوله يكادون يسطون . الإعراب « فتصبح الأرض
» إنما رفع لأنه لم يجعله جوابا للاستفهام و المراد به الخبر
مجمع البيان ج : 7
ص : 149
و مثله قول الشاعر : أ لم تسأل الربع القديم فينطق و هل يخبرنك
اليوم بيداء سملق . المعنى ثم قال سبحانه « ذلك » أي ذلك النصر « بأن
الله يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل » أي يدخل ما انتقص من ساعات
الليل في النهار و ما انتقص من ساعات النهار في الليل « و أن الله سميع » لدعاء
المؤمنين « بصير » بهم « ذلك » أي ذلك الذي فعل من نصر المؤمنين « بأن الله هو الحق
» أي ذو الحق في قوله و فعله و قيل معناه إنه الواحد في صفات التعظيم التي من
اعتقده عليها فهو محق « و أن ما يدعون من دونه هو الباطل » لأنه ليس عنده نفع و لا
ضر « و إن الله هو العلي » عن الأشياء « الكبير » الذي كل شيء سواه يصغر مقداره عن
معناه « أ لم تر أن الله أنزل من السماء ماء » أي مطرا « فتصبح الأرض مخضرة »
بالنبات « إن الله لطيف » بأرزاق عباده من حيث لا يحتسبون « خبير » بما في قلوبهم و
قيل اللطيف المحيط بتدبير دقائق الأمور الذي لا يتعذر عليه شيء يتعذر على غيره « له
ما في السماوات و ما في الأرض » أي له التصرف في جميع ذلك « و أن الله لهو الغني
الحميد » الغني الحي الذي ليس بمحتاج الحميد المحمود بصفاته و أفعاله « أ لم تر أن
الله سخر لكم ما في الأرض » من الحيوان و الجماد « و الفلك تجري في البحر بأمره »
أي و سخر لكم الفلك في حال جريها « و يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه » أي
يمنع السماء من وقوعها على الأرض إلا بإرادته و المعنى إلا إذا أذن الله في ذلك بأن
يريد إبطالها و إعدامها « إن الله بالناس لرءوف رحيم » برأفته و رحمته بهم فعل هذا
التسخير و أمسك السماء من الوقوع .
مجمع البيان ج : 7 ص : 150
وَ هُوَ
الَّذِى أَحْيَاكمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يحْيِيكُمْ إِنَّ الانسنَ لَكفُورٌ(66)
لِّكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسكاً هُمْ نَاسِكوهُ فَلا يُنَزِعُنَّك فى الأَمْرِ
وَ ادْعُ إِلى رَبِّك إِنَّك لَعَلى هُدًى مُّستَقِيم(67) وَ إِن جَدَلُوك فَقُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(68) اللَّهُ يحْكُمُ بَيْنَكمْ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تخْتَلِفُونَ(69) أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا فى السمَاءِ وَ الأَرْضِ إِنَّ ذَلِك فى كِتَب إِنَّ ذَلِك عَلى
اللَّهِ يَسِيرٌ(70)
المعنى ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على وحدانيته فقال «
و هو الذي أحياكم » بعد أن كنتم نطفا ميتة « ثم يميتكم » عند انتهاء آجالكم « ثم
يحييكم » للبعث و الحساب و فيه بيان أن من قدر على ابتداء الإحياء قدر على إعادة
الإحياء « إن الإنسان لكفور » أي جحود فإنه مع هذه الأدلة الدالة على الخلق يجحد
الخالق « لكل أمة » أي لكل قرن مضى « جعلنا منسكا هم ناسكوه » أي شريعة هم عاملون
بها عن ابن عباس و قيل مكانا يألفونه و موضعا يعتادونه لعبادة الله و مناسك الحج من
هذا لأنها مواضع العبادات فيه فهي متعبدات الحج و قيل موضع قربان أي متعبد في إراقة
الدماء مني أو غيره عن مجاهد و قتادة « فلا ينازعنك في الأمر » هذا نهي لهم عن
منازعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل نهي له لأن المنازعة تكون من اثنين
فإذا وجه النهي إلى من ينازعه فقد وجه إليه و منازعتهم قولهم أ تأكلون ما قتلتم و
لا تأكلون ما قتله الله يعنون الميتة أي فلا يخاصمنك في أمر الذبح و قيل معناه ليس
لهم أن ينازعوك في شريعتهم و قد نسخت هذه الشريعة الشرائع المتقدمة « و ادع إلى ربك
» أي لا تلتفت إلى منازعتك و ادع إلى توحيد ربك و إلى دينه « إنك لعلى هدى مستقيم »
أي على دين قيم « و إن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون » أي إن خاصموك في أمر
الذبيحة فقل الله أعلم بتكذيبكم فهو يجازيكم به و هذا قبل الأمر بالقتال و قيل
معناه و إن جادلوك على سبيل المراء و التعنت بعد لزوم الحجة فلا تجادلهم على هذا
الوجه و ادفعهم بهذا القول و قيل معناه و إن نازعوك في نسخ الشريعة فحاكمهم إلى
الله « الله يحكم بينكم يوم القيامة » أي يفصل بينكم « فيما كنتم فيه تختلفون » أي
فيما تذهبون فيه إلى خلاف ما يذهب ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد
جميع المكلفين « أ لم تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الأرض » من قليل و كثير لا
يخفى عليه شيء من ذلك « إن ذلك في كتاب » أي مثبت في الكتاب المحفوظ عن الجبائي «
إن ذلك على الله يسير » أي كتبته في اللوح المحفوظ على الله يسير لا يحتاج إلى
معالجة خطوط و حروف و إنما يقول كن فيكون و قيل إن الحكم بينكم يسير على الله .
مجمع البيان ج : 7 ص : 151
وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ
يُنزِّلْ بِهِ سلْطناً وَ مَا لَيْس لهَُم بِهِ عِلْمٌ وَ مَا لِلظلِمِينَ مِن
نَّصِير(71) وَ إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت تَعْرِف فى وُجُوهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكرَ يَكادُونَ يَسطونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ
ءَايَتِنَا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُم بِشرّ مِّن ذَلِكمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْس الْمَصِيرُ(72) يَأَيُّهَا النَّاس ضرِب مَثَلٌ
فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يخْلُقُوا
ذُبَاباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِن يَسلُبهُمُ الذُّبَاب شيْئاً لا
يَستَنقِذُوهُ مِنْهُ ضعُف الطالِب وَ الْمَطلُوب(73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىُّ عَزِيزٌ(74) اللَّهُ يَصطفِى مِنَ الْمَلَئكةِ
رُسلاً وَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سمِيعُ بَصِيرٌ(75)
القراءة
قرأ
يعقوب و سهل إن الذين يدعون بالياء و الباقون بالتاء . اللغة السطوة
إظهار الحال الهائلة للإخافة يقال سطا عليه يسطو سطوة و سطا به و الإنسان مسطو به و
السطوة و البطشة بمعنى . المعنى ثم أخبر سبحانه عن حال الكفار فقال « و
يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا » أي حجة « و ما ليس لهم به علم » إنها
آلهة و إنما قال ذلك لأن الإنسان قد يعلم أشياء من غير حجة و دليل كالضروريات « و
ما للظالمين من نصير » أي و ما للمشركين من مانع من العذاب ثم أخبر سبحانه عن شدة
عنادهم فقال « و إذا تتلى عليهم آياتنا » يعني من القرآن و غيره من حجج الله «
بينات » أي واضحات لمن تفكر فيها و هي منصوبة على الحال « تعرف » يا محمد « في وجوه
الذين كفروا المنكر » أي الإنكار و هو مصدر يريد أثر الإنكار من الكراهة و العبوس «
يكادون يسطون » أي يقعون و يبطشون من شدة الغيظ « بالذين يتلون عليهم آياتنا » و
المعنى يكادون يبسطون إليهم أيديهم بالسوء يقال سطا عليه و سطا به إذا تناوله
بالبطش « قل » يا محمد لهم « أ فأنبئكم بشر من ذلكم » و أكره إليكم
مجمع البيان
ج : 7 ص : 152
من هذا القرآن الذي تستمعون و أشد عليكم منه ثم فسر ذلك فقال «
النار » أي هو النار « وعد الله الذين كفروا و بئس المصير » أي المرجع و المأوى ثم
خاطب سبحانه جميع المكلفين فقال « يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له » قال الأخفش
إن قيل فأين المثل الذي ذكر الله في قوله « ضرب مثل » قيل ليس هاهنا مثل و المعنى
أن الله قال ضرب لي مثل أي شبه في الأوثان ثم قال فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه
مثلي و قال القتيبي هاهنا مثل لأنه ضرب مثل هؤلاء الذين يعبدون الأصنام بمن عبد من
لا يخلق ذبابا و قيل معناه أثبت حديثا يتعجب منه فاستمعوا له لتقفوا على جهل الكفار
من قولك ضربت خيمة أي نصبتها و أثبتها و قيل معناه جعل ذلك كالشيء اللازم الثابت من
قولك ضرب السلطان الجزية على أهل الذمة « إن الذين تدعون من دون الله » يعني
الأصنام و كان ثلثمائة و ستين صنما حول الكعبة « لن يخلقوا ذبابا » في صغره و قلته
« و لو اجتمعوا له و أن يسلبهم الذباب شيئا » مما عليهم قال ابن عباس كانوا يطلون
أصنامهم بالزعفران فيجف فيأتي الذباب فيختلسه « لا يستنقذوه منه » أي لا يقدرون على
استنقاذه منه « ضعف الطالب و المطلوب » الطالب الذباب و المطلوب الصنم عن ابن عباس
و روي عنه على العكس من هذا و هو أن الطالب الصنم و المطلوب الذباب فعلى هذا يكون
معناه ضعف السالب و المسلوب و قيل إن معناه راجع إلى العابد و المعبود أي جهل
العابد و المعبود و قهر العابد و المعبود عن الضحاك و هو معنى قول السدي الطالب
الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه و الصنم المطلوب إليه « ما قدروا الله حق
قدره » أي ما عظموه حق عظمته حيث جعلوا هؤلاء الأصنام شركاء له عن الحسن و الفراء و
قيل معناه ما عرفوه حق معرفته عن الأخفش و قيل ما وصفوه حق صفته عن قطرب « إن الله
لقوي عزيز » أي قادر لا يقدر أحد على مغالبته « الله يصطفي من الملائكة رسلا » يعني
جبرائيل و ميكائيل « و من الناس » يعني النبيين « إن الله سميع بصير » سميع
بأقوالهم بصير بضمائرهم و أفعالهم . النظم إنما اتصل قوله و يعبدون من
دون الله بقوله إنك على صراط مستقيم أي و من خالفك على الكفر و الضلال و إنما اتصل
قوله يا أيها الناس ضرب مثل بقوله و يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم فيه و المعنى
أن من لا يقدر على خلق ذباب مع صغره و إذا سلبه الذباب شيئا لا يقدر على استرداده
فكيف يستحق أن يعبد ثم قال ما قدروا الله حق قدره أي من أشرك غيره معه في العبادة
مع كمال قدرته فما عرفه حق معرفته ثم قال الله يصطفي من الملائكة رسلا ليعلم أنه
سبحانه إنما اصطفاهم لعبادتهم إياه فمن
مجمع البيان ج : 7 ص : 153
جعل
الملائكة و الأنبياء أولادا فإنه لم يعظمه حق عظمته و لم يعرفه حق معرفته إذ جعل من
يعبده سبحانه معبودا . يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ
إِلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(76) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكعُوا وَ
اسجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيرَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ
(77) وَ جَهِدُوا فى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ
عَلَيْكمْ فى الدِّينِ مِنْ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَهِيمَ هُوَ سمَّاكُمُ
الْمُسلِمِينَ مِن قَبْلُ وَ فى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسولُ شهِيداً عَلَيْكمْ وَ
تَكُونُوا شهَدَاءَ عَلى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ وَ
اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاشْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ(78)
الإعراب « حق جهاده » منصوب على المصدر لأنه مضاف إلى المصدر « من حرج » من
مزيدة أي ما جعل عليكم حرجا « ملة أبيكم » منصوبة بإضمار فعل تقديره و اتبعوا و
الزموا ملة أبيكم لأن قبله « جاهدوا في الله حق جهاده » قال المبرد عليكم ملة أبيكم
و قال الزجاج و جائز أن يكون منصوبا على تقدير و افعلوا الخير فعل أبيكم .
المعنى لما وصف الله سبحانه نفسه بأنه سميع بصير عقبه بقوله « يعلم ما
بين أيديهم » يعني ما بين أيدي الخلائق من القيامة و أحوالها و ما يكون في مستقبل
أحوالهم « و ما خلفهم » أي و ما يخلفونه من دنياهم و قيل يعلم ما بين أيديهم أي أول
أعمالهم و ما خلفهم آخر أعمالهم عن الحسن و قيل معناه يعلم ما كان قبل خلق الملائكة
و الأنبياء و ما يكون بعد خلقهم عن علي بن عيسى « و إلى الله ترجع الأمور » يوم
القيامة فلا يكون لأحد أمر و لا نهي ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين
آمنوا اركعوا و اسجدوا » أي
مجمع البيان ج : 7 ص : 154
صلوا « و اعبدوا
ربكم » بفعل ما تعبدكم به من العبادات « و افعلوا الخير » قال ابن عباس يريد صلة
الرحم و مكارم الأخلاق و معناه لا تقتصروا على فعل الصلاة و الواجبات من العبادات و
افعلوا غيرها من أنواع البر من إغاثة الملهوف و إعانة الضعيف و بر الوالدين و ما
جانسها « لعلكم تفلحون » أي لكي تفلحوا و تسعدوا « و جاهدوا في الله حق جهاده »
أكثر المفسرين حملوا الجهاد هاهنا على جميع أعمال الطاعة و قالوا حق الجهاد أن يكون
بنية صادقة خالصة لله تعالى و قال السدي هو أن يطاع فلا يعصى و قال الضحاك معناه
جاهدوا بالسيف من كفر بالله و إن كانوا الآباء و الأبناء و روي عن عبد الله بن
المبارك أنه قال هو مجاهدة الهوى و النفس « هو اجتباكم » أي اختاركم و اصطفاكم
لدينه « و ما جعل عليكم في الدين من حرج » أي من ضيق لا مخرج منه و لا مخلص من
عقابه بل جعل التوبة و الكفارات و رد المظالم مخلصا من الذنوب فليس في دين الإسلام
ما لا سبيل إلى الخلاص من العقاب به فلا عذر لأحد في ترك الاستعداد للقيامة و قيل
معناه أن الله سبحانه لم يضيق عليكم أمر الدين فلن يكلفكم ما لا تطيقون بل كلف دون
الوسع فلا عذر لكم في تركه و قيل أنه يعني الرخص عند الضرورات كالقصر و التيمم و
أكل الميتة عن الكلبي و مقاتل و اختاره الزجاج « ملة أبيكم إبراهيم » أي دينه لأن
ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنما سماه أبا للجميع
لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد كما قال و أزواجه أمهاتهم عن الحسن
و قيل إن العرب من ولد إسماعيل و أكثر العجم من ولد إسحاق و هما ابنا إبراهيم
فالغالب عليهم أنهم أولاده « هو سماكم المسلمين » أي الله سماكم المسلمين عن ابن
عباس و مجاهد و قيل هو كناية عن إبراهيم عن ابن زيد قال و يدل عليه قوله « و من
ذريتنا أمة مسلمة لك » « من قبل » أي من قبل إنزال القرآن « و في هذا » أي و في هذا
القرآن « ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس » أي ليكون محمد (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) شهيدا عليكم بالطاعة و القبول فإذا شهد لكم به صرتم عدولا
تشهدون على الأمم الماضية بأن الرسل قد بلغوهم رسالة ربهم و أنهم لم يقبلوا فيوجب
لكافرهم النار و لمؤمنهم الجنة بشهادتكم و هذا من أشرف المراتب و هو مثل قوله « و
كذلك جعلناكم أمة وسطا » الآية و قيل معناه ليكون الرسول شهيدا عليكم في إبلاغ
رسالة ربه إليكم و تكونوا شهداء على الناس بعده بأن تبلغوا إليهم ما بلغه الرسول
إليكم « فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة » قال قتادة فريضتان واجبتان افترضهما الله
عليكم فأدوهما إلى الله و روى عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
قال لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة « و اعتصموا بالله » أي تمسكوا بدين الله عن الحسن
و قيل معناه امتنعوا بطاعته عن معصيته و قيل امتنعوا بالله من
مجمع البيان ج :
7 ص : 155
أعدائكم أي اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون و قيل ثقوا بالله و توكلوا
عليه عن مقاتل « هو مولاكم » أي وليكم و ناصركم و المتولي لأموركم و مالككم « فنعم
المولى » هو لمن تولاه « و نعم النصير » هو لمن استنصره و قيل فنعم المولى إذ لم
يمنعكم الرزق حين عصيتموه و نعم النصير إذا أعانكم لما أطعتموه .
مجمع
البيان ج : 7 ص : 156
( 23 ) سورة المؤمنون مكية و آياتها ثماني عشرة و مائة ( 118 )
عدد آيها مائة و ثماني عشرة آية كوفي تسع عشرة في الباقين .
اختلافها آية واحدة و أخاه هارون غير الكوفي . فضلها
أبي
بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة المؤمنين بشرته الملائكة
يوم القيامة بالروح و الريحان و ما تقر به عينه عند نزول ملك الموت و قال أبو عبد
الله (عليه السلام) من قرأ سورة المؤمنين ختم الله له بالسعادة إذا كان يدمن
قراءتها في كل جمعة و كان منزله في الفردوس الأعلى مع النبيين و المرسلين .
تفسيرها ختم الله سورة الحج بأمر المكلفين في العبادة و أفعال الخير
على طريق الإجمال و افتتح هذه السورة بتفصيل تلك الجملة و بيان تلك الأفعال فقال :
مجمع البيان ج : 7 ص : 157
سورة المؤمنون بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فى صلاتهِمْ
خَشِعُونَ(2) وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضونَ(3) وَ الَّذِينَ هُمْ
لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ(4) وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظونَ(5) إِلا عَلى
أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَت أَيْمَنهُمْ فَإِنهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِك فَأُولَئك هُمُ الْعَادُونَ(7) وَ الَّذِينَ هُمْ
لأَمَنَتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رَعُونَ(8) وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صلَوَتهِمْ
يحَافِظونَ(9) أُولَئك هُمُ الْوَرِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْس
هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(11)
القراءة قرأ ابن كثير لأمانتهم على الواحد هنا و
في المعارج و الباقون لأماناتهم على الجمع و قرأ على صلاتهم بالأفراد أهل الكوفة
غير عاصم و الباقون « على صلواتهم » على الجمع . الحجة قال أبو علي وجه
الإفراد في الأمانة أنه مصدر و اسم جنس فيقع على الكثرة و وجه الجمع قوله إن الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و مما أفردت فيه الأمانة و المراد به الكثرة ما
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من الأمانة أن أوتمنت المرأة على
فرجها يريد تفسير قوله و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن و وجه الإفراد
في الصلاة أنها مصدر و وجه الجمع أنها صارت بمنزلة الاسم لاختلاف أنواعها و الجمع
فيه أقوى لأنه صار اسما شرعيا لانضمام ما لم يكن في أصل اللغة إليها .
المعنى « قد أفلح المؤمنون » أي فاز بثواب الله الذين صدقوا بالله و
بوحدانيته و برسله و قيل معنى أفلح بقي أي قد بقيت أعمالهم الصالحة و قيل معناه قد
سعد قال لبيد و لقد أفلح من كان عقل قال الفراء يجوز أن يكون قد هاهنا لتأكيد
الفلاح للمؤمنين و يجوز أن يكون تقريبا للماضي من الحال أ لا تراهم يقولون قد قامت
الصلاة قبل حال قيامها فيكون المعنى في الآية إن الفلاح قد حصل لهم و أنهم عليه في
الحال ثم وصف هؤلاء المؤمنين بأوصاف فقال « الذين هم في صلاتهم خاشعون » أي خاضعون
متواضعون متذللون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم و لا يلتفتون يمينا و لا شمالا
و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته فقال أما
أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه و في هذا دلالة على أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب
و بالجوارح فأما بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمة لها و الإعراض عما سواها فلا
يكون فيه غير العبادة و المعبود و أما بالجوارح فهو غض البصر و الإقبال عليها و ترك
الالتفات و العبث قال ابن عباس خشع فلا يعرف من على يمينه و لا من على يساره و روي
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته فلما
نزلت الآية طأطأ رأسه و رمى ببصره إلى الأرض
مجمع البيان ج : 7 ص : 158
« و
الذين هم عن اللغو معرضون » اللغو في الحقيقة هو كل قول أو فعل لا فائدة فيه يعتد
بها فذلك قبيح محظور يجب الإعراض عنه و قال ابن عباس اللغو الباطل و قال الحسن هو
جميع المعاصي و قال السدي هو الكذب و قال مقاتل هو الشتم فإن كفار مكة كانوا يشتمون
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه فنهوا عن إجابتهم و روي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أنه قال هو أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض
عنه لله و في رواية أخرى أنه الغناء و الملاهي « و الذين هم للزكاة فاعلون » أي
مؤدون فعبر عن التأدية بالفعل لأنه فعل قال أمية بن أبي الصلت المطعمون الطعام في
السنة الأزمة و الفاعلون للزكوات قال ابن عباس للصدقة الواجبة مؤدون « و الذين هم
لفروجهم حافظون » قال الليث الفرج اسم لجميع سوءات الرجال و النساء و المراد
بالفروج هاهنا فروج الرجال بدلالة قوله « إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » قال
الزجاج المعنى أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم و أمروا بحفظه إلا على أزواجهم و
دل على المحذوف ذكر اللوم في قوله « فإنهم غير ملومين » و ملك اليمين في الآية
المراد به الإماء لأن الذكور من المماليك لا خلاف في وجوب حفظ الفرج منهم و إنما
قيل للجارية ملك يمين و لم يقل في الدار و نحوها ملك يمين لأن ملك الجارية أخص منه
إذ يجوز له نقض بنية الدار و ليس له نقض بنية الجارية و له عارية الدار و ليس له
عارية الجارية للوطء حتى توطأ بالعارية و إنما أطلق سبحانه إباحة وطء الأزواج و
الإماء و إن كانت لهن أحوال يحرم وطؤهن فيها كحال الحيض و العدة للجارية من زوج لها
و ما أشبه ذلك لأن الغرض بالآية بيان جنس من يحل وطؤها دون الأحوال التي لا يحل
فيها الوطء « فمن ابتغى وراء ذلك » أي طلب سوى الأزواج و الولائد المملوكة « فأولئك
هم العادون » أي الظالمون المتجاوزون إلى ما لا يحل لهم « و الذين هم لأماناتهم و
عهدهم راعون » أي حافظون وافون و الأمانات ضربان أمانات الله تعالى و أمانات العباد
فالأمانات التي بين الله تعالى و بين عباده هي العبادات كالصيام و الصلاة و
الاغتسال و أمانات العباد هي مثل الودائع و العواري و البياعات و الشهادات و غيرها
و أما العهد فعلى ثلاثة أضرب أوامر الله تعالى و نذور الإنسان و العقود الجارية بين
الناس فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات و العهود و القيام بما يتولاه
منها « و الذين هم على صلواتهم يحافظون » أي يقيمونها في أوقاتها و لا يضيعونها و
إنما أعاد ذكر الصلاة تنبيها على عظم قدرها و علو رتبتها عنده تعالى « أولئك هم
الوارثون » معناه إن من كانوا بهذه الصفات Iمجمع البيان ج : 7 ص : 159
و
اجتمعت فيهم هذه الخلال هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة فقد روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في
الجنة و منزل في النار فإن مات و دخل النار ورث أهل الجنة منزله و قيل إن معنى
الميراث هنا أنهم يصيرون إلى الجنة بعد الأحوال المتقدمة و ينتهي أمرهم إليها
كالميراث الذي يصير الوارث إليه ثم وصف الوارثين فقال « الذين يرثون الفردوس » و هو
اسم من أسماء الجنة عن الحسن و لذلك أنث فقال « هم فيها خالدون » و قيل هو اسم
لرياض الجنة عن مجاهد و أبي علي الجبائي و قيل هو جنة مخصوصة ثم اختلف في أصله فقيل
إنه اسم رومي فعرب و قيل هو عربي وزنه فعلول و هو البستان الذي فيه كرم قال جرير
يا بعد يبرين من باب الفراديس و قال الجبائي معنى الوراثة هنا أن الجنة و
نعيمها يؤول إليهم من غير اكتساب كما يؤول المال إلى الوارث من غير اكتساب .
وَ
لَقَدْ خَلَقْنَا الانسنَ مِن سلَلَة مِّن طِين(12) ثمَّ جَعَلْنَهُ نُطفَةً فى
قَرَار مَّكِين(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضغَةَ عِظماً فَكَسوْنَا الْعِظمَ لحَْماً ثُمَّ
أَنشأْنَهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَك اللَّهُ أَحْسنُ الخَْلِقِينَ(14) ثمَّ
إِنَّكم بَعْدَ ذَلِك لَمَيِّتُونَ(15) ثُمَّ إِنَّكمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
تُبْعَثُونَ(16) وَ لَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكمْ سبْعَ طرَائقَ وَ مَا كُنَّا عَنِ
الخَْلْقِ غَفِلِينَ(17) وَ أَنزَلْنَا مِنَ السمَاءِ مَاءَ بِقَدَر فَأَسكَنَّهُ
فى الأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهَابِ بِهِ لَقَدِرُونَ(18) فَأَنشأْنَا لَكم بِهِ
جَنَّت مِّن نخِيل وَ أَعْنَب لَّكمْ فِيهَا فَوَكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنهَا
تَأْكلُونَ(19)
مجمع البيان ج : 7 ص : 160
القراءة
قرأ ابن عامر و
أبو بكر عظما فكسونا العظم على الإفراد و قرأ زيد عن يعقوب عظما فكسونا العظام و
الباقون على الجمع في الموضعين .
الحجة قال أبو علي الجمع أشبه بما جاء
في التنزيل إذا كنا عظاما و رفاتا إذا كنا عظاما نخرة من يحيي العظام و الإفراد
لأنه اسم جنس فأفرد كما يفرد المصادر و غيرها من الأجناس نحو الدرهم و الإنسان و
ليس ذلك على حد قوله : كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص و لكنه
على ما أنشده أبو زيد : لقد تعللت على أيانق صهب قليلات القراد اللازق
فالقراد يراد به الكثرة لا محالة . اللغة السلالة اسم لما يسل من الشيء
كالكساحة اسم لما يكسح و تسمى النطفة سلالة و الولد سلالة و سليلة و الجمع سلالات و
سلائل فالسلالة صفوة الشيء التي يخرج منها كالسلافة قال الشاعر : و هل كنت إلا
مهرة عربية سليلة أفراس تجللها بغل و النطفة الماء القليل و قد يقال للماء
الكثير أيضا و منه قول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات مصارعهم دون النطفة يريد
النهروان يعني الخوارج و منه الحديث حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جورا
يعني بحر المشرق و بحر المغرب . الإعراب « في قرار » في موضع الصفة
لنطفة و « علقة » حال من النطفة بعد الفراغ من الفعل و كذلك القول في مضغة و عظام و
« لحما » مفعول ثان لكسونا و « خلقا » مصدر أنشأنا من غير لفظه « من نخيل و أعناب »
صفة لجنات و كذلك قوله « لكم فيها فواكه كثيرة » . المعنى ثم قال
سبحانه على وجه القسم « و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من
مجمع البيان ج : 7 ص :
161
طين » المراد بالإنسان ولد آدم (عليه السلام) و هو اسم الجنس فيقع على
الجميع عن ابن عباس و مجاهد و أراد بالسلالة الماء يسل من الظهر سلا من طين أي من
طين آدم لأنها تولدت من طين خلق آدم منه قال الكلبي يقول من نطفة سلت تلك النطفة من
طين و قيل أراد بالإنسان آدم (عليه السلام) لأنه استل من أديم الأرض عن قتادة « ثم
جعلناه » يعني ابن آدم الذي هو الإنسان « نطفة في قرار مكين » يعني الرحم مكن فيه
الماء بأن هيأ لاستقراره فيه إلى بلوغ أمده الذي جعل له « ثم خلقنا النطفة علقة
فخلقنا العلقة مضغة » مفسر في سورة الحج « فخلقنا المضغة عظاما » أي جعلنا تلك
المضغة من اللحم عظاما « فكسونا العظام لحما » أي فأنبتنا اللحم على العظام كاللباس
. بين سبحانه تنقل أحوال الإنسان في الرحم حتى استكمل خلقه لينبه على بدائع
حكمته و عجائب صنعته و كمال نعمته « ثم أنشأناه خلقا آخر » أي نفخنا فيه الروح عن
ابن عباس و مجاهد و عكرمة و الشعبي و الضحاك و قيل هو نبات الشعر و الأسنان و إعطاء
الفهم عن قتادة و قيل يعني ثم أنشأناه ذكرا و أنثى عن الحسن « فتبارك الله أحسن
الخالقين » أي تعالى الله و دام خبره و ثبت و قيل معناه استحق التعظيم بأنه قديم لم
يزل و لا يزال لأنه مأخوذ من البروك الذي هو الثبوت و قال « أحسن الخالقين » لأنه
لا تفاوت في خلقه و أصل الخلق التقدير يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئا و
قال حذيفة في هذه الآية تصنعون و يصنع الله و هو خير الصانعين و في هذا دليل على أن
اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله تعالى إلا أن الحقيقة في الخلق لله سبحانه فقط
فإن المراد من الخلق إيجاد الشيء مقدرا تقديرا لا تفاوت فيه و هذا إنما يكون من
الله سبحانه و تعالى و دليله قوله إلا له الخلق و الأمر و روي أن عبد الله بن سعد
بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما بلغ إلى قوله « خلقا
آخر » خطر بباله « فتبارك الله أحسن الخالقين » فلما أملاها رسول الله كذلك قال عبد
الله إن كان نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي فلحق بمكة مرتدا و لو صح هذا فإن هذا
القدر لا يكون معجزا و لا يمتنع أن يتفق ذلك من الواحد منا لكن هذا الشقي إنما
اشتبه عليه أو شبه على نفسه لما كان في صدره من الكفر و الحسد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ثم إنكم بعد ذلك » أي بعد ما ذكرنا من تمام الخلق « لميتون » عند
انقضاء آجالكم « ثم إنكم يوم القيامة تبعثون » أي تحشرون إلى الموقف و الحساب و
الجزاء أخبر الله سبحانه أن هذه البنية العجيبة المبنية على أحسن إتقان و إحكام
تنقض بالموت لغرض صحيح و هو البعث و الإعادة و هذا لا يمنع من الإحياء في القبور
لأن إثبات البعث في القيامة لا يدل على نفي ما عداه أ لا ترى أن الله سبحانه أحيا
الذين أخرجوا من ديارهم و هم ألوف و أحيا قوم موسى على الجبل بعد ما أماتهم و في
الآية
مجمع البيان ج : 7 ص : 162
دلالة على فساد قول النظام في أن الإنسان
هو الروح و قول معمر إن الإنسان شيء لا ينقسم و أنه ليس بجسم « و لقد خلقنا فوقكم
سبع طرائق » أي سبع سماوات كل سماء طريقة و سميت بذلك لتطارقها و هو أن بعضها فوق
بعض و قيل لأنها طرائق الملائكة عن الجبائي و قيل الطرائق الطباق و كل طبقة طريقة
عن ابن زيد و قيل إن ما بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام و كذلك ما بين السماء و
الأرض عن الحسن « و ما كنا عن الخلق غافلين » إذ بنينا فوقهم سبع سماوات أطلعنا
فيها الشمس و القمر و الكواكب و قيل معناه ما خلقناهم عبثا بل خلقناهم عالمين
بأعمالهم و أحوالهم عن الجبائي و في هذا دلالة على أنه عالم بجميع المعلومات و فيه
زجر عن السيئات و ترغيب في الطاعات « و أنزلنا من السماء ماء » أي مطرا و غيثا «
بقدر » أي بقدر الحاجة لا يزيد على ذلك فيفسد و لا ينقص عنه فيهلك بل على ما توجبه
المصلحة « فأسكناه في الأرض » أي جعلنا له الأرض مسكنا جمعناه فيه لينتفع به يريد
ما يبقى في المستنقعات و الدحلان أقر الله الماء فيها لينتفع الناس بها في الصيف
عند انقطاع المطر و قيل معناه جعلنا عيونا في الأرض و روى مقاتل عن عكرمة عن ابن
عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة
أنهار سيحون و هو نهر الهند و جيحون و هو نهر بلخ و دجلة و الفرات و هما نهرا
العراق و النيل و هو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة و أجراها في الأرض و جعل
فيها منافع للناس في أصناف معايشهم و ذلك قوله « و أنزلنا من السماء ماء بقدر »
الآية « و إنا على ذهاب به لقادرون » أي و نحن على إذهابه قادرون و لو فعلناه لهلك
جميع الحيوانات نبه سبحانه بذلك على عظيم نعمته على خلقه بإنزال الماء من السماء «
فأنشأنا لكم » أي أحدثنا و خلقنا لنفعكم « به » أي بسبب هذا الماء « جنات من نخيل و
أعناب لكم » يا معاشر الخلق « فيها فواكه كثيرة » تتفكهون بها « و منها تأكلون » و
إنما خص النخل و الأعناب لأنها ثمار الحجاز من المدينة و الطائف فذكرهم سبحانه
بالنعم التي عرفوها . النظم وجه اتصال الآيات بما قبلها أنه سبحانه لما
ذكر نعمته على المؤمنين بما أعد لهم في الآخرة ابتدأ بذكر نعمة عليهم في مبتدإ خلقه
تنبيها لهم على النظر فيها و ترغيبا في التمسك بالحسنات المذكورة و لما بين أحوال
الآخرة بين متى يكون البعث و دل بذلك على أن من قدر على خلق الإنسان في هذا الترتيب
و التركيب العجيب قدر على الإعادة ثم أبان عن قدرته على البعث بقدرته على خلق
السماوات ثم بين أنه لا يغفل عن عباده إذ لا يشغله
مجمع البيان ج : 7 ص : 163
فعل عن فعل ثم بين أنه قادر لذاته حيث أنزل من السماء الماء و أسكنه في الأرض
بأن فرقه في البحار و الأنهار و العيون ثم بين سبحانه أنه قادر على إذهابه دلالة
على أن هذه النعمة وقعت باختياره ثم ذكر تفصيل النعمة . وَ شجَرَةً تخْرُجُ مِن
طورِ سيْنَاءَ تَنبُت بِالدُّهْنِ وَ صِبْغ لِّلاَكلِينَ(20) وَ إِنَّ لَكمْ فى
الأَنْعَمِ لَعِبرَةً نُّسقِيكم مِّمَّا فى بُطونهَا وَ لَكمْ فِيهَا مَنَفِعُ
كَثِيرَةٌ وَ مِنهَا تَأْكلُونَ(21) وَ عَلَيهَا وَ عَلى الْفُلْكِ تحْمَلُونَ(22)
وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ(23) فَقَالَ الْمَلَؤُا الَّذِينَ
كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشرٌ مِّثْلُكمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضلَ
عَلَيْكمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلَئكَةً مَّا سمِعْنَا بهَذَا فى
ءَابَائنَا الأَوَّلِينَ(24) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلُ بِهِ جِنَّةٌ فَترَبَّصوا بِهِ
حَتى حِين(25)
القراءة قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو طور سيناء بكسر السين و
الباقون بفتحها و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب عن روح تنبت بالدهن بضم التاء و
الباقون « تنبت » بفتح التاء و ضم الباء و في الشواذ قراءة الحسن و الزهري و الأعرج
تنبت بضم التاء و فتح الباء و قد ذكرنا اختلافهم في نسقيكم في سورة النحل .
الحجة قال أبو عمرو من قرأ « سيناء » بفتح السين لم ينصرف الاسم عنده
في معرفة و لا نكرة لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث و لا تكون
للإلحاق لأن فعلال لا يكون إلا في المضاعف فلا يجوز أن يلحق به شيء فهذا إذا كموضع
أو بقعة تسمى بطرفاء أو صحراء و من قرأ سيناء بالكسر فالهمزة فيها منقلبة عن الياء
كعلباء و سيساء و هي الياء التي
مجمع البيان ج : 7 ص : 164
أظهرت في نحو
درحاية و إنما لم ينصرف على هذا القول و إن كان غير مؤنث لأنه جعل اسم بقعة فصار
بمنزلة امرأة سميت بجعفر و من قرأ تنبت بالدهن احتمل وجهين ( أحدهما ) أن يجعل
الجار زائدا يريد تنبت الدهن كما في قوله « و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة » و قد
زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول به في نحو قوله : أ لم يأتيك و
الأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد و قد زيدت مع هذه الكلمة بعينها في قوله :
بواد يمان تنبت الشث حوله و أسفله بالمرخ و الشبهان حملوه على ينبت أسفله
المرخ و يجوز أن تكون الباء متعلقا بغير هذا الفعل الظاهر و يقدر مفعولا محذوفا
تقديره تنبت جناها أي ثمرتها و فيها دهن و صبغ كما تقول خرج بثيابه و ركب بسلاحه و
من قرأ « تنبت بالدهن » جاز أن يكون الجار فيه للتعدي أنبته و نبت به و يجوز أن
يكون الباء في موضع حال كما كان في الوجه الأول و لا يكون للتعدي و لكن تنبت و فيها
دهن و قد قالوا أنبت بمعنى نبت فكان الهمزة في أنبت مرة للتعدي و مرة لغيرها و يكون
من باب أخال و أجرب و أقطف أي صار ذا خال و جرب و من قرأ تنبت فهو على معنى تنبت و
فيها دهنها و تؤكد ذلك قراءة عبد الله تخرج بالدهن أي تخرج من الأرض و دهنها معها
قال ابن جني ذهبوا في بيت زهير حتى إذا أنبت البقل إلى أنه في معنى نبت و قد
يجوز أن يكون محذوف المفعول بمعنى حتى إذا أنبت البقل ثمره قال و من ذهب إلى زيادة
الباء في قوله تنبت بالدهن فمضعوف المذهب لأنه يزيد حرفا لا حاجة له إلى اعتقاد
زيادته . المعنى ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال « و شجرة تخرج من طور
سيناء » أي و أنشأنا لكم بذلك المطر شجرة يعني شجرة الزيتون و خصت بالذكر لما فيها
من العبرة بأنه لا يتعاهدها إنسان بالسقي و هي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن
الذي تعظم به المنفعة و سيناء اسم المكان الذي به هذا الجبل في أصح الأقوال و هي
نبطية في قول الضحاك و حبشية في قول عكرمة و هي اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها
عن مجاهد
مجمع البيان ج : 7 ص : 165
و قيل سيناء البركة فكأنه قيل جعل
البركة عن ابن عباس و قتادة و قيل طور سيناء الجبل المشجر أي كثير الشجر عن الكلبي
و قيل هو الجبل الحسن عن عطاء و هو الجبل الذي نودي منه موسى (عليه السلام) و هو ما
بين مصر و إيلة عن ابن زيد « تنبت بالدهن » أي تنبت ثمرها بالدهن لأنه يعصر من
الزيتون الزيت « و صبغ للآكلين » و الصبغ ما يصطبغ به من الأدم و ذلك أن الخبز يلون
بالصبغ إذا غمس فيه و الاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به و المراد بالصبغ الزيت
عن ابن عباس فإنه يدهن به و يؤتدم جعل الله في هذه الشجرة آدما و دهنا فالآدم
الزيتون و الدهن الزيت و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الزيت
شجرة مباركة فأتدموا به و أدهنوا « و إن لكم في الأنعام لعبرة » أي دلالة تستدلون
بها على قدرة الله تعالى « نسقيكم مما في بطونها » أراد به اللبن و من قرأ بضم
النون أراد أنا جعلنا ما في ضروعها من اللبن سقيا لكم و من فتح النون جعل ذلك مختصا
بالسقاة و هو مفسر في سورة النحل « و لكم فيها منافع كثيرة » في ظهورها و ألبانها و
أوبارها و أصوافها و أشعارها « و منها تأكلون » أي من لحومها و أولادها و التكسب
بها « و عليها » يعني على الإبل خاصة « و على الفلك تحملون » و هذا كقوله « و
حملناهم في البر و البحر » أما في البر فالإبل و أما في البحر فالسفن و لما قدم
سبحانه ذكر الأدلة الدالة على كمال قدرته فأتبعها بذكر شمول نعمته على كافة خليقته
عقب ذلك بذكر إنعامه عليهم بإرسال الرسل فقال « و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه » قيل
إنما سمي نوحا لكثرة نوحه على نفسه عن ابن عباس و قيل في سبب نوحه أنه كان يدعو على
قومه بالهلاك و قيل هو مراجعته ربه في شأن ابنه « فقال يا قوم اعبدوا الله » أي
أطيعوه و وحدوه « ما لكم من إله غيره » بدأ بالتوحيد لأنه الأهم « أ فلا تتقون »
عذاب الله في ترك الإيمان به « فقال الملأ » أي الأشراف « الذين كفروا من قومه ما
هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم » أي يتشرف و يترأس عليكم بأن يصير متبوعا و
أنتم له تبع فيكون له الفضل عليكم « و لو شاء الله » أن لا يعبد شيء سواه « لأنزل
ملائكة » و لم يرسل بشرا آدميا « ما سمعنا بهذا » الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد
« في آبائنا الأولين » أي في الأمم الماضية « إن هو إلا رجل به جنة » أي حالة جنون
« فتربصوا به حتى حين » أي انتظروا موته فتستريحوا منه و قيل فانتظروا إفاقته من
جنونه فيرجع عما هو عليه و قيل معناه احبسوه مدة ليرجع عن قوله .
|